جلسة 4 من أبريل سنة 2006
برئاسة السيد المستشار/ عبد العال السمان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ د. سعيد فهيم خليل، محمد جمال الدين سليمان، السيد عبد الحكيم وممدوح القزاز نواب رئيس المحكمة.
(64)
الطعن رقم 7790 لسنة 74 القضائية
(1) بطلان ” بطلان التصرفات: البطلان المطلق “. عقد ” أركان العقد وشروط انعقاده: سلطان الإرادة “.
الأصل في الإرادة هو المشروعية. بطلان الإرادة. شرط تحديد نوع البطلان. معياره. الغاية التي تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك به.
(2 – 4) بطلان ” بطلان التصرفات: البطلان المطلق ” ” بطلان البيع “. تقسيم ” وصف التقسيم: حظر التصرف في الأراضي غير المقسمة “.
(2) حظر التصرف في الأرض المقسمة قبل صدور قرار بالموافقة على التقسيم. جزاء مخالفته. البطلان المطلق. المادتان 16، 22 ق 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني. وجوب ذكر القرار الصادر باعتماد التقسيم وقائمة الشروط الخاصة به وسريانها على المشترين وخلفائهم في عقود التعامل على قطع التقسيم. م 23 من ذات القانون. مقصوده. المصالح الخاصة للغير. علة ذلك. مقتضاه. قابلية التصرف للإبطال لمصلحة من شرع هذا الأمر لحمايته إذا ما تمسك به وليس من بينهم بائع العقار.
(3) ثبوت صدور قرار التقسيم بعد بيع الشركة الطاعنة لأرض النزاع. أثره. تجرد العقد من البطلان المطلق. لا أثر لما ورد بنص المادة 67/ 1 من ق 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني من جزاء جنائي على مخالفة م 23 من ذات القانون المقابلة للمادة 20 من المرسوم بق رقم 52 لسنة 1940.
(4) مخالفة حظر البيع بعد صدور قرار التقسيم. بطلان نسبى لمصلحة من تقرر الحظر لحمايته. المادة 11 ق 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني. علة ذلك.
(5، 6) التزام ” من أركان الالتزام: محل الالتزام: وجوب ألا يكون مخالفًا لنص من نصوص قانون العقوبات “. بطلان ” بطلان التصرفات: التمسك بالبطلان: البطلان المطلق ” ” بطلان البيع “. تقسيم ” وصف التقسيم: حظر التصرف في الأراضي غير المقسمة “. عقد ” أركان العقد وشروطه: السبب”.
(5) العقد أو الاتفاق بين طرفين أو أكثر محل الالتزام فيه أو سببه مخالفًا لنص من نصوص قانون العقوبات. اعتباره باطلاً. وقوع الجريمة. لا يعفى هذا الاتفاق من العقاب. علة ذلك. عدم تطابق الجزاء المدني والجزاء الجنائي. بطلان العقد وفقًا لقواعد القانون المدني لا يمنع المشرع الجنائي من العقاب على الإخلال به رغم ذلك. م 135 مدني.
(6) ثبوت تحقق الصالح العام بصدور قرار تقسيم أرض النزاع من إلحاق المرافق العامة بالملكية العامة للدولة. ذكر رقم قرار التقسيم في العقد. تحققه مصلحة خاصة لمن تلقى الحق. لا مخالفة لمحل الالتزام في العقد أو سببه لنص المادة 67/ 1 من ق 3 لسنة 1982. علة ذلك. عدم تمسك المشترى ببطلان العقد واعتداده به وتمسكه بنفاذه. النعي عليه بالبطلان المطلق لعدم النص فيه على قرار اعتماد التقسيم وقائمة الشروط الخاصة به وسريانها على المشترى وخلفائه. على غير أساس.
(7) وكالة ” التوكيل في الخصومة: تجاوز حدود الوكالة “.
الوكالة. ماهيتها. عقد يلزم بمقتضاه الوكيل القيام بعمل قانونيا لحساب الموكل. تجاوز الوكيل حدود الوكالة. أثره. عدم نفاذ العمل الذي يقوم به في حق الموكل. المادتان 699، 703/ 1 مدني.
(8، 9) عقد ” تحديد موضوع العقد: تفسير العقد “. محكمة الموضوع ” سلطة محكمة الموضوع بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود: سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقود “.
(8) عبارة المتعاقدين الواضحة. التزام القاضي بأخذها كما هي. م 150/ 1 مدني. المقصود بالوضوح. وضوح الإرادة لا اللفظ. الأصل. افتراض تعبير اللفظ بصدق عما تقصده الإرادة. عدم جواز انحراف القاضي عن مؤداها الواضح إلى معنى آخر.
(9) تمسك الشركة الطاعنة في دفاعها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم نفاذ عقد البيع في حقها لتجاوز رئيس مجلس إدارتها حدود التفويض الصادر له بمحضر مجلس الإدارة في شأن تحديد شخص المشترى لأرض النزاع لسبق إصدار ذلك المجلس قرارًا بتحديد شروط بيع هذه الأرض للمعهد العالي للكمبيوتر بسعر مقدر للمتر مع التفاوض مع المشترى على شروط السداد. عدم التزامه بتلك الشروط في شأن شخص المشترى محررًا عقد مع المطعون ضده الأول عن نفسه وبصفته وكيلاً عن باقي المطعون ضدهم. مؤداه. عدم نفاذ التصرف في حق الطاعنة. مخالفة الحكم الابتدائي هذا النظر على قالة إن البيع تم لإنشاء امتداد لذلك المعهد وهو ذات الغرض المفوض فيه رئيس مجلس الإدارة. مخالفة للثابت بالأوراق وفساد وخطأ.
1 – إن المقرر – في قضاء محكمة النقض – أن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا نص القانون على بطلان الالتزام الناشئ عنها صراحة أو كان هذا الالتزام مخالفًا للنظام العام أو الآداب محلاً أو سببًا أو كان على خلاف نص آمر أو ناه في القانون ويتحدد نوع البطلان بالغاية التي تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق ويجوز لكل ذي مصلحة التمسك به.
2 – إن مؤدى نص المادتين 16، 22 من القانون رقم 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني أنه وإن كان حظر التصرف في الأرض المقسمة قبل صدور القرار بالموافقة على التقسيم هو حظر يتعلق بالصالح العام فيترتب على مخالفته البطلان المطلق، إلا أن ما أشارت إليه المادة 23 من ذات القانون من وجوب ذكر القرار الصادر باعتماد التقسيم وقائمة الشروط الخاصة به وسريانها على المشترين وخلفائهم في عقود التعامل على قطع التقسيم لا يتعلق بالصالح العام وإنما قصد به المصالح الخاصة للغير ممن له حق أو تلقى حقًا على العقار المتصرف فيه حتى يكون على بينة منه قبل إقدامه على إبرام التصرف ومقتضاه أن يكون التصرف قابلاً للإبطال لمصلحة من شرع هذا الأمر لحمايته إذا ما تمسك به وليس من بينهم بائع العقار.
3 – لما كانت الشركة الطاعنة وهى البائعة لأرض النزاع بعد صدور قرار التقسيم رقم 186 لسنة 1979 المعدل بالقرار 2771 لسنة 1993 ومن ثم فإن العقد سند الدعوى يكون بمنأى عن البطلان المطلق، ولا ينال من ذلك ما قررته المادة 67/ 1 من القانون 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني من جزاء جنائي على مخالفة المادة 23 من ذات القانون، فإن نص المادة 67/ 1 من القانون سالف البيان يقابل المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 52 لسنة 1940 من حيث النص على تجريم عدم ذكر رقم قرار التقسيم في عقد البيع.
4 – استقر قضاء هذه المحكمة في ظل العمل بالقانون الأخير (52 لسنة 1940) على أن مخالفة الحظر بعد صدور قرار التقسيم لا يترتب عليه البطلان المطلق للعقد بل إنه بطلان نسبى مقرر لمصلحة من تقرر الحظر لحمايته، وقد نص المشرع على ذلك صراحة في المادة 11 من هذا القانون. ومن جهة ثانية فإن المادة 23 من القانون 3 لسنة 1982 لم تنص على جزاء البطلان لعدم ذكر رقم قرار التقسيم بعقد البيع وهو ما كان يسيرًا على المشرع النص عليه، وبفرض أن عدم النص على البطلان لا يعنى عدول المشرع عن منهج تقرير البطلان الذي اعتنقه المرسوم بقانون 52 لسنة 1940 فقد استقر قضاء النقض على نحو ما سلف بيانه في ظل العمل بهذا القانون على أن البطلان في هذه الحالة هو بطلان نسبى.
5 – إن كل عقد أو اتفاق بين طرفين أو أكثر يكون محل الالتزام فيه أو سببه مخالفًا لنص من نصوص قانون العقوبات يعد باطلاً ولا يعفى هذا الاتفاق من العقاب إذا وقعت الجريمة لأن كل جريمة تمثل اعتداء على النظام العام، وبالإضافة إلى العقوبات الجنائية فإن مثل هذا الاتفاق يكون باطلاً فيبدو التكامل التام بين قانون العقوبات والقانون المدني وقد نص على ذلك صراحة في المادة 135 من القانون المدني، إلا أنه لا تطابق ضروري أو طبيعي بين الجزاء المدني والجزاء الجنائي فقد يكون العقد باطلاً وفقًا لقواعد القانون المدني ولكن المشرع الجنائي يعاقب على الإخلال به فعقد الأمانة قد يكون باطلاً لنقص الأهلية أو غير ذلك من عيوب الإرادة ومع ذلك يعاقب جنائيًا من خان الأمانة في هذا العقد اكتفاءً بمجرد وجوده، والعقد قد يكون صحيحًا فلا يبطله معاقبة من خان الأمانة.
6 – لما كان سبب الالتزام ومحله في عقد البيع موضوع النزاع لا مخالفة فيه للنظام العام بعد أن ثبت صدور قرار تقسيم الأرض إذ تحقق الصالح العام بصدوره من إلحاق المرافق العامة بالملكية العامة للدولة، ومن ثم فإن ذكر رقم قرار التقسيم في العقد لا يحقق مصلحة عامة وإنما يحقق مصلحة خاصة لمن تلقى الحق حتى يكون على بينة عند التعاقد ولا مخالفة لمحل الالتزام في العقد أو سببه لنص المادة 67/ 1 من القانون 3 لسنة 1982، إذ لا يعتبر ذكر رقم قرار التقسيم في العقد من مكونات محل العقد أو سببه ولاستقلال الجزاء الجنائي المترتب على هذه المخالفة عن الجزاء المدني المترتب عليها وهو بطلان العقد بطلانًا نسبيًا مقرر لمصلحة المشترى، ولما كان الأخير لم يتمسك ببطلان العقد بل اعتد به وتمسك بنفاذه فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه إذ لم يعرض لهذا الدفاع الغير جوهري ويضحى النعي بهذا السبب على غير أساس (النعي بالبطلان المطلق لعدم النص فيه على قرار اعتماد التقسيم وقائمة الشروط الخاصة به وسريانها على المشترى وخلفاؤه).
7 – إن المقرر – طبقًا للمادتين 699،703/ 1 من القانون المدني – أن الوكالة هى عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل وأن الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة فليس له أن يجاوزها، فإذا جاوزها فإن العمل الذي يقوم به لا ينفذ في حق الموكل.
8 – إن من المقرر أن النص في الفقرة الأولى من المادة 150 من القانون المدني على أنه ” إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين ” يدل على أن القاضي ملزم بأن يأخذ عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي، ولئن كان المقصود بالوضوح هو وضوح الإرادة لا اللفظ إلا أن المفروض في الأصل أن اللفظ يعبر بصدق عما تقصده الإرادة، فمتى كانت عبارة العقد واضحة في إفادة المعنى المقصود منها فإنه لا يجوز الانحراف عن مؤداها الواضح إلى معنى آخر.
9 – لما كانت الطاعنة قد تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم نفاذ العقد المؤرخ 28/ 1/ 1997 في حقها لتجاوز رئيس مجلس الإدارة حدود التفويض الصادر له بمحضر مجلس الإدارة المؤرخ 23/ 12/ 1996 في شأن تحديد شخص المشترى لأرض النزاع، وكان الثابت من الأوراق أن مجلس الإدارة أصدر بتاريخ 23/ 12/ 1996 قرارًا بتحديد شروط بيع أرض النزاع إلى المعهد العالي للكمبيوتر بسعر 450 للمتر المسطح مع التفاوض مع المشترى على شروط السداد، فلم يلتزم رئيس مجلس الإدارة بتلك الشروط في شخص المشترى وحرر العقد المؤرخ 28/ 1/ 1997 مع المطعون ضده الأول عن نفسه وبصفته وكيلاً عن باقي المطعون ضدهم – زوجته وولديه – فإن هذا التصرف الصادر منه إلى المطعون ضدهم يكون غير نافذ في حق الشركة الطاعنة. وإذ خالف الحكم الابتدائي هذا النظر بقالة إن البيع ثم لإنشاء امتداد المعهد العالي للكمبيوتر وهو ذات الغرض المفوض فيه رئيس مجلس الإدارة فلا يكون قد خالف التفويض وسايره في ذلك الحكم المطعون فيه وقضى بتأييده لأسبابه فإنه يكون معيبًا بمخالفة الثابت في الأوراق فضلاً عن الفساد في الاستدلال الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الشركة الطاعنة الدعوى ….. لسنة 1998 مدني محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم – طبقًا لطلباتهم الختامية – بإلزام الطاعنة بتسليم الأرض المبينة بالصحيفة وبأن تؤدى إليهم مبلغ 1687500 جنيه شهريًا اعتبارًا من 30/ 11/ 1997 وحتى تاريخ الحكم وما يستجد تعويضًا ماديًا، 1000000 تعويضًا أدبيًا، وإلزامها بتحرير عقد بيع ابتدائي واحتياطيًا اعتبار عقد الوعد بالبيع المؤرخ 28/ 1/ 1997 عقد البيع الابتدائي. وذلك على سند من القول إنه بموجب هذا العقد اتفقوا مع الطاعنة على شراء أرض النزاع مقابل سداد 25% من الثمن المحدد بالعقد في موعد غايته 30/ 11/ 1997 والباقي على ثمانية أقساط سنوية على أن يتم التسليم وتحرير عقد البيع الابتدائي في هذا التاريخ. وقد أوفوا بالتزامهم وتقاعست الطاعنة عن تنفيذ التزامها بقالة إن التعاقد كان مع المعهد العالي للكمبيوتر وليس معهم بأشخاصهم خلافًا لما هو ثابت بالعقد، وترتب على ذلك إصابتهم بإضرار مادية تمثلت في المبلغ المطالب به لعدم تنفيذ اتفاقهم مع المعهد العالي للكمبيوتر على بناء عدد من الكليات على أرض النزاع وتأجيرها له من 1/ 10/ 1998 وإزاء ذلك فقد أقاموا الدعوى. ندبت المحكمة خبيرًا وبعد أن أودع تقريره قضت باعتبار العقد المؤرخ 28/ 1/ 1997 بمثابة عقد بيع ابتدائي وبإلزام الشركة الطاعنة بالتسليم بحكم استأنفته الطاعنة بالاستئناف …….. لسنة 119ق القاهرة. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد أن استمعت لشهود الطرفين حكمت بتاريخ 22/ 9/ 2004 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع ومخالفة القانون. ذلك أنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الاستئناف ببطلان العقد سند الدعوى المؤرخ 28/ 1/ 1997 بطلانًا مطلقًا لعدم النص فيه على قرار اعتماد التقسيم وقائمة الشروط الخاصة به وسريانها على المشترى وخلفائه بالمخالفة لنص المادة 23 من قانون التخطيط العمراني رقم 3 لسنة 1982 وهى مخالفة تشكل جريمة معاقب عليها جنائيًا بموجب نص المادة 67/ 1 من ذات القانون. إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع الجوهري الذي يتغير به وجه الرأي في الدعوى وقضى بتأييد الحكم الابتدائي بقالة إن العقد صدر صحيحًا ومتفقًا وصحيح القانون، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا نص القانون على بطلان الالتزام الناشئ عنها صراحة أو كان هذا الالتزام مخالفًا للنظام العام أو الآداب محلاً أو سببًا أو كان على خلاف نص آمر أو ناه في القانون ويتحدد نوع البطلان بالغاية التي تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق ويجوز لكل ذى مصلحة التمسك به، وكان مؤدى نص المادتين 16، 22 من القانون رقم 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني أنه وإن كان حظر التصرف في الأرض المقسمة قبل صدور القرار بالموافقة على التقسيم هو حظر يتعلق بالصالح العام فيترتب على مخالفته البطلان المطلق، إلا أن ما أشارت إليه المادة 23 من ذات القانون من وجوب ذكر القرار الصادر باعتماد التقسيم وقائمة الشروط الخاصة به وسريانها على المشترين وخلفائهم في عقود التعامل على قطع التقسيم لا يتعلق بالصالح العام وإنما قصد به المصالح الخاصة للغير ممن له حق أو تلقى حقًا على العقار المتصرف فيه حتى يكون على بينة منه قبل إقدامه على إبرام التصرف ومقتضاه أن يكون التصرف قابلاً للإبطال لمصلحة من شرع هذا الأمر لحمايته إذا ما تمسك به وليس من بينهم بائع العقار. لما كان ذلك وكانت الشركة الطاعنة وهى البائعة لأرض النزاع بعد صدور قرار التقسيم رقم ……. لسنة 1979 المعدل بالقرار ……. لسنة 1993 ومن ثم فإن العقد سند الدعوى يكون بمنأى عن البطلان المطلق، ولا ينال من ذلك ما قررته المادة 67/ 1 من القانون 3 لسنة 1982 بشأن التخطيط العمراني من جزاء جنائي على مخالفة المادة 23 من ذات القانون، فإن نص المادة 67/ 1 من القانون سالف البيان يقابل المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 52 لسنة 1940 من حيث النص على تجريم عدم ذكر رقم قرار التقسيم في عقد البيع، وقد استقر قضاء هذه المحكمة في ظل العمل بالقانون الأخير على أن مخالفة الحظر بعد صدور قرار التقسيم لا يترتب عليه البطلان المطلق للعقد بل إنه بطلان نسبى مقرر لمصلحة من تقرر الحظر لحمايته، وقد نص المشرع على ذلك صراحة في المادة 11 من هذا القانون. ومن جهة ثانية فإن المادة 23 من القانون 3 لسنة 1982 لم تنص على جزاء البطلان لعدم ذكر رقم قرار التقسيم بعقد البيع وهو ما كان يسيرًا على المشرع النص عليه، وبفرض أن عدم النص على البطلان لا يعنى عدول المشرع عن منهج تقرير البطلان الذي اعتنقه المرسوم بقانون 52 لسنة 1940 فقد استقر قضاء النقض على نحو ما سلف بيانه في ظل العمل بهذا القانون على أن البطلان في هذه الحالة هو بطلان نسبى. ومن جهة ثالثة فإنه من المتفق عليه أن كل عقد أو اتفاق بين طرفين أو أكثر يكون محل الالتزام فيه أو سببه مخالفًا لنص من نصوص قانون العقوبات يعد باطلاً ولا يعفى هذا الاتفاق من العقاب إذا وقعت الجريمة لأن كل جريمة تمثل اعتداء على النظام العام، وبالإضافة إلى العقوبات الجنائية فإن مثل هذا الاتفاق يكون باطلاً فيبدو التكامل التام بين قانون العقوبات والقانون المدني وقد نص على ذلك صراحة في المادة 135 من القانون المدني، إلا أنه لا تطابق ضروري أو طبيعي بين الجزاء المدني والجزاء الجنائي فقد يكون العقد باطلاً وفقًا لقواعد القانون المدني ولكن المشرع الجنائي يعاقب على الإخلال به فعقد الأمانة قد يكون باطلاً لنقص الأهلية أو غير ذلك من عيوب الإرادة ومع ذلك يعاقب جنائيًا من خان الأمانة في هذا العقد اكتفاءً بمجرد وجوده، والعقد قد يكون صحيحًا فلا يبطله معاقبة من خان الأمانة. لما كان ذلك، وكان سبب الالتزام ومحله في عقد البيع موضوع النزاع لا مخالفة فيه للنظام العام بعد أن ثبت صدور قرار تقسيم الأرض إذ تحقق الصالح العام بصدوره من إلحاق المرافق العامة بالملكية العامة للدولة، ومن ثم فإن ذكر رقم قرار التقسيم في العقد لا يحقق مصلحة عامة وإنما يحقق مصلحة خاصة لمن تلقى الحق حتى يكون على بينة عند التعاقد ولا مخالفة لمحل الالتزام في العقد أو سببه لنص المادة 67/ 1 من القانون 3 لسنة 1982، إذ لا يعتبر ذكر رقم قرار التقسيم في العقد من مكونات محل العقد أو سببه ولاستقلال الجزاء الجنائي المترتب على هذه المخالفة عن الجزاء المدني المترتب عليها وهو بطلان العقد بطلانًا نسبيًا مقرر لمصلحة المشترى، ولما كان الأخير لم يتمسك ببطلان العقد بل اعتد به وتمسك بنفاذه فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه إذ لم يعرض لهذا الدفاع الغير جوهري ويضحى النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون. ذلك أنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بعدم نفاذ العقد المؤرخ 28/ 1/ 1997 في حقها لتجاوز رئيس مجلس إدارتها السابق حدود التفويض الصادر له من مجلس الإدارة بتاريخ 23/ 12/ 1996 في بيع أرض النزاع إلى المعهد العالي للكمبيوتر بأن أبرم العقد مع المطعون ضده الأول عن نفسه وبصفته وكيلاً عن باقي المطعون ضدهم وليس باعتباره ممثلاً للمعهد العالي للكمبيوتر. إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع الجوهري وقضى بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه رغم خروجه في تفسيره لعبارات محضر مجلس الإدارة المؤرخ 23/ 12/ 1996 عما يؤدى إليه مدلولها في شأن شخص المشترى مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه لما كان من المقرر – طبقًا للمادتين 699، 703/ 1 من القانون المدني – أن الوكالة هي عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل وأن الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة في حدودها المرسومة فليس له أن يجاوزها، فإذا جاوزها فإن العمل الذي يقوم به لا ينفذ في حق الموكل، كما أن من المقرر أن النص في الفقرة الأولى من المادة 150 من القانون المدني على أنه ” إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها من طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين ” يدل على أن القاضي ملزم بأن يأخذ عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي، ولئن كان المقصود بالوضوح هو وضوح الإرادة لا اللفظ إلا أن المفروض في الأصل أن اللفظ يعبر بصدق عما تقصده الإرادة، فمتى كانت عبارة العقد واضحة في إفادة المعنى المقصود منها فإنه لا يجوز الانحراف عن مؤداها الواضح إلى معنى آخر. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة قد تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم نفاذ العقد المؤرخ 28/ 1/ 1997 في حقها لتجاوز رئيس مجلس الإدارة حدود التفويض الصادر له بمحضر مجلس الإدارة المؤرخ 23/ 12/ 1996 في شأن تحديد شخص المشترى لأرض النزاع. وكان الثابت من الأوراق أن مجلس الإدارة أصدر بتاريخ 23/ 12/ 1996 قرارًا بتحديد شروط بيع أرض النزاع إلى المعهد العالي للكمبيوتر بسعر 450 جنيه للمتر المسطح مع التفاوض مع المشترى على شروط السداد، فلم يلتزم رئيس مجلس الإدارة بتلك الشروط في شأن شخص المشترى وحرر العقد المؤرخ 28/ 1/ 1997 مع المطعون ضده الأول عن نفسه وبصفته وكيلاً عن باقي المطعون ضدهم زوجته وولديه فإن هذا التصرف الصادر منه إلى المطعون ضدهم يكون غير نافذ في حق الشركة الطاعنة. وإذ خالف الحكم الابتدائي هذا النظر بقالة إن البيع ثم لإنشاء امتداد المعهد العالي ………. وهو ذات الغرض المفوض فيه رئيس مجلس الإدارة فلا يكون قد خالف التفويض وسايره في ذلك الحكم المطعون فيه وقضى بتأييده لأسبابه فإنه يكون معيبًا بمخالفة الثابت في الأوراق فضلاً عن الفساد في الاستدلال الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث السبب الثالث من أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين القضاء في الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.