جلسة 21 من ديسمبر سنة 2004
برئاسة السيد المستشار/ سمير أنيس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عمر بريك، فرحان بطران، عبد التواب أبو طالب ومحمد سعيد نواب رئيس المحكمة.
(128)
الطعن رقم 15810 لسنة 74 القضائية
(1) حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. اختلاس.
انتهاء الحكم إلى مسئولية الطاعن عن المبلغ محل الاستيلاء أخذًا من أدلة الثبوت التى أوردها وقصده بفعله إضافة المال المختلس إلى ملكه. كفايته لبيان العناصر القانونية لجريمة الاختلاس.
(2) اختلاس. محكمة الموضوع “سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى”.
النعى بأن الواقعة مجرد إهمال جسيم. جدل موضوعى فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة. غير مقبول.
(3) مسئولية إدارية. مسئولية جنائية. إثبات “قوة الأمر المقضى”. دفوع “الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها”.
لا تنافر بين المسئوليتين الإدارية والجنائية.
مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة تأديبية عليه. لا يحول أيهما دون محاكمته جنائيًا. اختلاف الدعويين الجنائية والتأديبية. القضاء فى الدعوى التأديبية لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للدعوى الجنائية.
مثال لرد سائغ على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
(4) اختلاس. نيابة عامة. دعوى جنائية “قيود تحريكها”. ارتباط.
القيد على حرية النيابة فى تحريك الدعوى الجنائية. استثناء. اقتصاره على الجريمة التى حددها القانون دون سواها ولو ارتبطت بها.
جريمة اختلاس الأموال الأميرية. ليست من الجرائم التى يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجنى عليه أو وكيله الخاص.
(5) اختلاس. جريمة “أركانها”. عقوبة “توقيعها”.
رد مقابل المال المتصرف فيه. لا يؤثر فى قيام جريمة الاختلاس. علة ذلك؟
(6) إثبات “شهود”. محكمة الموضوع “سلطتها فى تقدير أقوال الشهود”. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعى.
أخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده؟
تناقض الشهود أو تضارب أقوالهم أو تناقض روايتهم فى بعض تفصيلاتها. لا يعيب الحكم . ما دام استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه.
(7) دفوع “الدفع بتلفيق التهمة”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”.
تشكيك الطاعن فى أقوال الشهود وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق الاتهام وعدم معقوليته. دفاع موضوعى. لا يستوجب ردًا صريحًا. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم.
(8) إثبات “خبرة”. محكمة الموضوع “سلطتها فى تقدير الدليل”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”.
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. موضوعى.
أخذ المحكمة بتقرير الخبير. مفاده: أن ما وجه إليه من مطاعن لا تستحق الالتفات إليها.
الجدل الموضوعى. غير جائز أمام محكمة النقض.
(9) نقض “أثر الطعن”. محكمة الإعادة ” سلطتها”.
نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها قبل صدور الحكم المنقوض.
حق محكمة الإعادة أن تستند فى قضائها إلى الأدلة والإجراءات الصحيحة التى تضمنتها أوراق الدعوى وأن تورد فى حكمها الأسباب التى أخذها الحكم المنقوض أسبابًا لحكمها. مادامت تصلح لذلك.
(10) إجراءات “إجراءات التحقيق” . نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصلح سببًا للطعن على الحكم. العبرة بإجراءات المحاكمة والتحقيقات التى تحصل أمام المحكمة.
مثال.
(11) قانون ” تطبيقه”. محكمة الموضوع “سلطتها فى تقدير توافر الارتباط”. ارتباط. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 عقوبات؟
تقدير قيام الارتباط. موضوعى. متى كان ما حصله الحكم يتفق قانونًا مع ما انتهى إليه.
الارتباط بين الجرائم. مسألة موضوعية. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. علة ذلك؟
1 – لما كان الحكم قد انتهى فى منطق سائغ وتدليل مقبول إلى مسئولية الطاعن عن المبلغ محل الاختلاس أخذًا بأدلة الثبوت التى أوردها، وكان ما أورده الحكم فى مدوناته من وقائع يفيد بذاته أن الطاعن قصد بفعله إضافة المال المختلس إلى ملكه، فإن ذلك كاف وسائغ فى بيان العناصر القانونية لجناية الاختلاس التى قامت فى حق الطاعن.
2 – من المقرر أن النعى بأن الواقعة مجرد إهمال جسيم لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التى اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعيًا فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب مادام قضاؤها فى ذلك سليمًا – كحال هذه الدعوى.
3 – لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها واطرحه فى قوله:”… إن الحكم الذى تنقضى به الدعوى الجنائية طبقًا للمادتين 454، 455 إجراءات جنائية هو الحكم النهائى الصادر فى تلك الدعوى سواء بالإدانة أو بالبراءة ولا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن فى هذا الحكم بالطرق المقررة فى القانون ومن ثم فإن مجازاة المتهم إداريًا عن إهماله فى المحافظة على الاستمارات الموجودة فى عهدته لا تحول دون محاكمته عن ذات الواقعة ويتعين لذلك رفض الدفع..”. لما كان ذلك، وكان لا تنافر بين المسئولية الإدارية والمسئولية الجنائية فكل يجرى فى فلكه وله جهة اختصاصه غير مقيد بالأخرى، وأن مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة عليه من مجلس التأديب عن فعل منه لا يحول أيهما دون إمكان محاكمته أمام المحاكم الجنائية بمقتضى القانون العام عن كل جريمة قد تتكون من هذا الفعل، وذلك لاختلاف الدعويين التأديبية والجنائية فى الموضوع وفى السبب وفى الخصوم، مما لا يمكن معه أن يحوز القضاء فى إحداها قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأخرى، وكان ما رد به الحكم على الدفع – على ما سلف بيانه – يتفق وصحيح القانون.
4 – من المقرر أن القيد الوارد على حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية إنما هو استثناء ينبغى عدم التوسع فى تفسيره وقصره فى أضيق نطاق على الجريمة التى خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى دون سواها ولو كانت مرتبطة بها، وكانت جريمة اختلاس الأموال الأميرية ليست من الجرائم التى عددت حصرًا فى المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتى يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجنى عليه أو وكيله الخاص، ومن ثم يكون نعى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد.
5 – من المقرر أنه لا يؤثر فى قيام جريمة الاختلاس رد الجانى مقابل المال الذى تصرف فيه، لأن الظروف التى تعرض بعد وقوع الجريمة لا تنفى قيامها.
6 – من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض – كما أن تناقض الشهود أو تضارب أقوالهم أو تناقض روايتهم فى بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم ولا يقدح فى سلامته مادام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه.
7 – من المقرر أن ما أثاره الطاعن من تشكيك فى أقوال الشهود من موظفى مصلحة ضرائب التمغة، وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق الاتهام وعدم معقوليته، لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستوجب ردًا صريحًا من المحكمة، ، بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم.
8 – من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير، شأنها فى ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء مادامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد فى تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن جدلاً موضوعيًا لا شأن لمحكمة النقض به.
9 – من المقرر أن نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها الأولى قبل صدور الحكم المنقوض وتجرى فيها المحاكمة على ما هو ثابت بالأوراق وأنه لا يترتب على إعادة المحاكمة إهدار الأدلة والإجراءات الصحيحة التى تضمنتها أوراق الدعوى، بل تظل قائمة ومعتبرة وللمحكمة أن تستند إليها فى قضائها، ولا ينال من عقيدتها أو يعيب حكمها أن تكون هى بذاتها التى عول عليها الحكم المنقوض بل ولها أن تورد فى حكمها الأسباب التى اتخذها الحكم المنقوض أسبابًا لحكمها مادامت تصلح فى ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة، ومن ثم يكون نعى الطاعن على الحكم فى خصوص الالتفات من الدفع ببطلان القبض والتفتيش غير مقبول.
10 – من المقرر أن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم إذ العبرة هى بإجراءات المحاكمة والتحقيقات التى تحصل أمام المحكمة، ومن ثم فإن النعى بعدم إطلاع اللجنة على أوراق وأختام مدعى بتزويرها لا يكون مقبولاً.
11 – من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد فى الفقرة المشار إليها سالفًا، وأن تقدير توافر الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب ، متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذى يحصله الحكم تتفق قانونًا مع ما انتهى إليه – كحال الحكم المطعون فيه – هذا فضلاً ، عن أن الأصل أن الارتباط بين الجرائم من المسائل الموضوعية التى تدخل فى تقدير وقائع الدعوى فلا تسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، وإذ لم يدفع الطاعن أمام محكمة الموضوع بعدم توافر الارتباط بين الجرائم المسندة إليه، فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعى يخرج عن وظيفتها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: – بصفته موظفًا عامًا ومن الأمناء على الودائع – أمين المخزن الاستهلاكى بإدارة….. التعليمة – اختلس عدد عشرين ألف استمارة خاصة بمرحلة التعليم الأساسى البالغ قيمتها….. جنيهًا والمملوكة لجهة عمله سالفة البيان والمسلمة إليه من المطابع….. بسبب وظيفته. ثانيًا: – بصفته موظفًا عامًا أمين مخزن بإدارة “….. التعليمية” استولى بغير حق وبنية التملك على خاتم شعار الجمهورية الخاص بمدرسة “….. ” الإعدادية بنات بالإدارة المذكورة على النحو المبين بالتحقيقات. ثالثًا: – بصفته الوظيفية المبينة بالوصف الأول أضر عمدًا بأموال ومصالح مديرية التربية والتعليم ….. جهة عمله بأن حملها قيمة رسم الدمغة وتنمية موارد الدولة المستحقة على عدد ثمانية آلاف استمارة خاصة بمرحلة التعليم الأساسى والبالغ مقداره….. جنيهًا موضوع مطالبة مصلحة ضرائب الدمغة للجهة آنفة البيان على النحو المبين بالتحقيقات. رابعًا : – بصفته الوظيفية آنفة البيان ارتكب تزويرًا فى محررات رسمية هى تفويض لاستلام وإقرار الخصم المنسوبين لإدارة “…..” التعليمية والبطاقة العائلية رقم….. سجل مدنى “….. ” بطريق الاصطناع ووضع أسماء وإمضاءات وصورة مزورة وذلك بأن اصطنع المحررات الثلاثة آنفة البيان على غرار الصحيح منها موقعًا عليها بتوقيعات عزاها زورًا للموظفين المختصين للجهات المنسوبة إليها ووضع صورته الشخصية على البطاقة آنفة الذكر الذى تسمى فيها باسم “….. ” على النحو المبين بالتحقيقات. خامسًا: – استعمل المحررات المزورة المبينة بالتهمة السابقة فيما زورت من أجله مع علمه بتزويرها بأن قدمها إلى الموظفين المختصين بمصلحة ضرائب الدمغة محتجًا بصحة ما جاء بهما على النحو المبين بالتحقيقات. سادسًا: – استحصل بغير حق على خاتم شعار الجمهورية الخاص بمدرسة “…..” الإعدادية بنات موضوع التهمة الثانية واستعمله استعمالاً ضارًا بالمصلحة العامة بأن بصم به على تفويض الاستلام وإقرار الخصم موضوع التهمة الرابعة على النحو المبين بالتحقيقات. وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا….. لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة…. سنوات وتغريمه….. جنيهًا وإلزامه برد مثله وعزله من وظيفته ومصادرة المستندات المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات “…..” لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى.
ومحكمة الإعادة – بهيئة مغايرة – قضت بمعاقبة “…..” بالسجن لمدة….. سنوات وبتغريمه مبلغ….. جنيهًا وإلزامه برد مبلغ ….. جنيهًا وبعزله من وظيفته عما أسند إليه وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة.
فطعن الأستاذ “…..” المحامى بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض “للمرة الثانية” ….. إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاختلاس والاستيلاء على مال عام والإضرار عمدًا، والتزوير فى محررات رسمية واستعمالها والاستيلاء بغير حق على خاتم لإحدى الجهات الحكومية واستعماله، قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع وأخطأ فى تطبيق القانون، ذلك أن أركان جريمة الاختلاس غير متوافرة، وأن ما وقع منه مجرد إهمال جسيم لم ينتج عنه ضرر للجهة الإدارية، إذ قام بسداد قيمة الاستمارات محل الجريمة خصمًا من راتبه – فى الدعوى…../ ….. نيابة إدارية – مما يحول دون محاكمته جنائيًا عن ذات الواقعة، فضلاً عن أن النيابة العامة باشرت معه التحقيق دون طلب أو شكوى من الجهة الإدارية، وعول الحكم على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها وتلفيقها وعدم معقوليتها وعدم قيام دليل على ارتكابه لجريمة التزوير، فلم يقم أى من أعضاء اللجنة بالاطلاع على المستندات المزورة، وعول الحكم فى هذا الشأن على تقرير الخبير رغم قصوره، والتفت عن دفعه ببطلان القبض والتفتيش دون إذن من النيابة العامة، هذا إلى أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة رغم أنها ليست كذلك، وأخيرًا فإن تقاعس الجهة الإدارية حال دونه وتقديم المستندات الدالة على السداد، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى فيما مفاده أن الطاعن وهو أمين مخزن بإدارة….. التعليمية، تسلم بسبب وظيفته من الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية استمارات خاصة بمرحلة التعليم الأساسى قيمتها….. جنيهًا وأختلسها لنفسه، ثم قام بتسليمها لمصلحة الضرائب (…..) وتسلمها بعد تمغها بموجب محررات رسمية اصطنعها عبارة عن أربعة تفويضات تسليم واستلام منسوبة لإدارة….. التعليمية وبصمها بخاتم شعار الجمهورية – الذى استحصل عليه بغير حق – والخاص بمدرسة “….” الإعدادية بنات، كما اصطنع إقرارًا بقبول خصم نسبه للإدارة المذكورة وبصمه بالخاتم المشار إليه، كما اصطنع بطاقة عائلية رقم….. سجل مدنى….. باسم “…..” ووضع عليها صورته هو ووقع بهذا الاسم على إذنى الصرف رقمى….،…. المنسوبين للإدارة المذكورة بوصفه مستلم تلك الاستمارات، وقدم هذه المحررات المزورة لمصلحة الضرائب وتسلم بناء عليها…. استمارة بيضاء، ومثلها ملونة بعد تمغها دون أن يوردها للإدارة المذكورة محملاً إياها مبلغ… جنيه قيمة رسم التمغة وتنمية موارد الدولة المستحقة على هذه الاستمارات هذا وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة وصحة نسبتها إلى الطاعن أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال شهود الإثبات وأعضاء لجنة فحص أعماله وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، وإقراره بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيق النيابة العامة، وأورد كل منها فى بيان كاف ثم خلص إلى أن الطاعن اختلس مبلغ…..، وأنه استولى على مال عام، وأضر عمدًا بأموال الجهة التى يعمل لديها، وأنه زور المحررات الرسمية المشار إليها واستعملها، واستولى بغير حق على خاتم لإحدى جهات الحكومة واستعمله استعمالا ضارًا، وعاقب الطاعن بعقوبة الجريمة الأشد لما رآه من ارتباط الجرائم المنسوبة إليه ارتباطًا لا يقبل التجزئة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى فى منطق سائغ وتدليل مقبول إلى مسئولية الطاعن عن المبلغ محل الاختلاس أخذًا بأدلة الثبوت التى أوردها، وكان ما أورده الحكم فى مدوناته من وقائع يفيد بذاته أن الطاعن قصد بفعله إضافة المال المختلس إلى ملكه، فإن ذلك كاف وسائغ فى بيان العناصر القانونية لجناية الاختلاس التى قامت فى حق الطاعن. لما كان ذلك، وكان النعى بأن الواقعة مجرد إهمال جسيم لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التى اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعيًا فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب مادام قضاؤها فى ذلك سليمًا – كحال هذه الدعوى – لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها وأطرحه فى قوله…” أن الحكم الذى تنقضى به الدعوى الجنائية طبقًا للمادتين 454، 455 إجراءات جنائية هو الحكم النهائى الصادر فى تلك الدعوى سواء بالإدانة أو بالبراءة ولا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن فى هذا الحكم بالطرق المقررة فى القانون ومن ثم فإن مجازاة المتهم إداريًا عن إهماله فى المحافظة على الاستمارات الموجودة فى عهدته لا تحول دون محاكمته عن ذات الواقعة ويتعين لذلك رفض الدفع…”. لما كان ذلك، وكان لا تنافر بين المسئولية الإدارية والمسئولية الجنائية فكل يجرى فى فلكه وله جهة اختصاصه غير مقيد بالأخرى، وأن مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة عليه من مجلس التأديب عن فعل منه لا يحول أيهما دون إمكان محاكمته أمام المحاكم الجنائية بمقتضى القانون العام عن كل جريمة قد تتكون من هذا الفعل، وذلك لاختلاف الدعويين التأديبية والجنائية فى الموضوع وفى السبب وفى الخصوم، مما لا يمكن معه أن يحوز القضاء فى إحداها قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأخرى، وكان ما رد به الحكم على الدفع – على ما سلف بيانه – يتفق وصحيح القانون. لما كان ذلك، وكان المقرر أن القيد الوارد على حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية إنما هو استثناء ينبغى عدم التوسع فى تفسيره وقصره فى أضيق نطاق على الجريمة التى خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى دون سواها ولو كانت مرتبطة بها، وكانت جريمة اختلاس الأموال الأميرية ليست من الجرائم التى عددت حصرًا فى المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتى يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيها على شكوى المجنى عليه أو وكيله الخاص، ومن ثم يكون نعى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يؤثر فى قيام جريمة الاختلاس رد الجانى مقابل المال الذى تصرف فيه، لأن الظروف التى تعرض بعد وقوع الجريمة لا تنفى قيامها. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض، كما أن تناقض الشهود أو تضارب أقوالهم أو تناقض روايتهم فى بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم ولا يقدح فى سلامته مادام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه. لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن من تشكيك فى أقوال الشهود من موظفى مصلحة ضرائب التمغة – وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق الاتهام وعدم معقوليته – لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستوجب ردًا صريحًا من المحكمة، بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير، شأنها فى ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء مادامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد فى تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن جدلاً موضوعيًا لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها الأولى قبل صدور الحكم المنقوض وتجرى فيها المحاكمة على ما هو ثابت بالأوراق وأنه لا يترتب على إعادة المحاكمة إهدار الأدلة والإجراءات الصحيحة التى تضمنتها أوراق الدعوى، بل تظل قائمة ومعتبرة وللمحكمة أن تستند إليها فى قضائها، ولا ينال من عقيدتها أو يعيب حكمها أن تكون هى بذاتها التى عول عليها الحكم المنقوض بل ولها أن تورد فى حكمها الأسباب التى اتخذها الحكم المنقوض أسبابًا لحكمها مادامت تصلح فى ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة، ومن ثم يكون نعى الطاعن على الحكم فى خصوص الالتفات من الدفع ببطلان القبض والتفتيش غير مقبول. لما كان ذلك، وكان تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم إذ العبرة هى بإجراءات المحاكمة والتحقيقات التى تحصل أمام المحكمة، ومن ثم فإن النعى بعدم إطلاع اللجنة على أوراق وأختام مدعى بتزويرها لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد فى الفقرة المشار إليها سالفًا، وأن تقدير توافر الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب، متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذى يحصله الحكم تتفق قانونًا مع ما انتهى إليه – كحال الحكم المطعون فيه – هذا فضلاً عن أن الأصل أن الارتباط بين الجرائم من المسائل الموضوعية التى تدخل فى تقدير وقائع الدعوى فلا تسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، وإذ لم يدفع الطاعن أمام محكمة الموضوع بعدم توافر الارتباط بين الجرائم المسندة إليه، فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعى يخرج عن وظيفتها. ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن والطعن برمته غير مقبول ويتعين رفضه.