جلسة 2 من أبريل سنة 2014
برئاسة السيد القاضي/ وجيه أديب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ سمير سامي, منتصر الصيرفي وطارق بهنساوي نواب رئيس المحكمة وحسام مطر.
(2)
الطعن رقم 20535 لسنة 73 القضائية
(1) تفتيش “إذن التفتيش. إصداره”. دفوع “الدفع ببطلان إذن التفتيش”. استدلالات. مأمورو الضبط القضائي “اختصاصهم”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير جدية التحريات”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش. موضوعي. المجادلة فيه. غير جائزة أمام محكمة النقض.
تولي رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم. غير لازم. له الاستعانة بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع من جرائم. حد ذلك؟
الخطأ في بيان مهنة المتهم أو خلو محضر التحريات من إيراد البيانات التي ساقها الطاعن بأسباب طعنه. لا يقدح في جدية التحري.
عدم إفصاح رجل الضبط القضائي عن شخصية المرشد الذي اختاره لمعاونته في مهنته. لا يعيب الإجراءات.
مثال لتسبيب سائغ للرد على الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية.
(2) إثبات “بوجه عام” “أوراق رسمية”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”.
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية. للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. شرط ذلك؟
مثال.
(3) إثبات “خبرة”. حكم “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل أجزائه. لا ينال من سلامة الحكم.
مثال.
(14) إجراءات “إجراءات المحاكمة”. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير مقبول.
مثال.
(5) مواد مخدرة. قصد جنائي. استدلالات. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. دفوع “الدفع ببطلان إذن التفتيش”. تفتيش ” إذن التفتيش. إصداره”. حكم “ما لا يعيبه في نطاق التدليل”. محكمة النقض “سلطتها”. نقض “أسباب الطعن. تحديدها. ما لا يقبل منها” “المصلحة في الطعن” “نطاق الطعن”.
حق محكمة الموضوع أن ترى في تحريات وأقوال الضابط ما يكفي لإسناد واقعة إحراز المخدر للطاعن. دون أن ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي.
وجوب تفصيل أسباب الطعن ابتداءً. علة ذلك؟
الأصل هو التقيد بأسباب الطعن بالنقض. عدم جواز الخروج عنها والتصدي لما يشوب الحكم من أخطاء في القانون إلا لمصلحة المتهم. أساس ذلك؟
الدفع ببطلان إذن النيابة العامة. وجوب إبداؤه في عبارة صريحة تشمل على بيان المراد منه. عدم ورود هذا الدفع في عبارة صريحة بأسباب الطعن. يوجب عدم قبوله.
صدور الإذن بناءً على أن الطاعن يتجر في المواد المخدرة. مؤداه: صدوره لضبط جريمة تحقق وقوعها لا لضبط جريمة مستقبلية.
(6) مواد مخدرة. ظروف مخففة. عقوبة “تطبيقها”. محكمة النقض “سلطتها”. نقض “حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون” “عدم جواز مضاراة الطاعن بطعنه”.
إدانة الطاعن بجريمة إحراز مخدر الحشيش بغير قصد من القصود المسماة في القانون وإعمال المادة 17 عقوبات في حقه ثم القضاء بمعاقبته بالسجن المشدد خمس سنوات بالإضافة لعقوبتي الغرامة والمصادرة. خطأ في تطبيق القانون. يوجب نقضه في حدود مصلحة المتهم رافع الطعن والالتزام بحدود ما قضى به الحكم المطعون فيه. ما دامت النيابة العامة لم تقرر بالطعن عليه. لمحكمة النقض من تلقاء نفسها نقض الحكم جزئيًا وتصحيح هذا الخطأ بمعاقبة الطاعن بالسجن خمس سنوات بدلا من السجن المشدد. أساس وعلة ذلك؟
1 – لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية واطرحه بقوله “… لما كانت المحكمة تطمئن إلى التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صحيحة وواضحة وتصدق من أجراها وتقتنع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة النقيب/ …. وحوت بيانات كافية لتسويغ إصدار إذن التفتيش، ومن ثم يكون الدفع على غير سند صحيح ويتعين الالتفات عنه “، لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت – وعلى ما سلف بيانه – بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر فلا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض، وإذا كان القانون لا يوجب حتمًا أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التفتيش بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه اقتنع شخصيًا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو في محضر التحريات وخلو ذلك المحضر من إيراد البيانات التي ساقها الطاعن بأسباب طعنه لا يقدح بذاته في عدم جدية التحري، وكان لا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي والذي اختاره لمعاونته في مهنته، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.
2 – لما كان لا ينال من سلامة الحكم اطراحه المستندات المقدمة من الطاعن والتي يتساند إليها للتدليل على عدم جدية التحريات وكيدية الاتهام، ذلك لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى، ومن ثم فبحسب المحكمة أن أقامت الأدلة على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها بما يحمل قضاءها وهو ما يفيد ضمنًا أنها لم تأخذ بدفاعه.
3 – لما كان الحكم قد أورد مؤدى تقرير المعمل الكيماوي وأبرز ما جاء به من ثبوت أن المادة المضبوطة هي لجوهر الحشيش المخدر، وهو بيان كاف للدلالة على أن المادة المضبوطة مع الطاعن هي لذلك المخدر، وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل أجزائه، ومن ثم ينتفي عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت نقلاً عن تقرير التحليل بمصلحة الطب الشرعي أن ما ضبط مع الطاعن هو جوهر الحشيش المخدر، ومن ثم فإن ما أثبته الحكم استنادًا إلى الدليل الفني يدخل في عداد الجواهر المخدرة المبينة بالبند 56 من الجدول الأول، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
4 – لما كان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب ضم دفتر أحوال القسم أو مكتب مكافحة المخدرات، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من الإخلال بحقه في الدفاع لعدم ضم دفتر الأحوال لا يكون له محل، لما هو مقرر من أنه لا يقبل النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها.
5 – لما كان ليس هناك ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية في أن ترى في تحريات وأقوال الضابط ما يسوغ الإذن بالتفتيش ويكفي لإسناد واقعة إحراز المخدر إلى الطاعن، ولا ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت إحراز المخدر في حق الطاعن وانتهى في منطق سليم إلى استبعاد قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في حقه، فإن دعوى التناقض لا يكون لها محل، ولا يقدح في ذلك ما أثارته نيابة النقض الجنائي في مذكرتها بل وما كان لها أن تثيره من رمي الحكم المطعون فيه بالقصور والإخلال لالتفاته عن الرد عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لصدوره عن جريمة مستقبلية، لما هو مقرر من أن تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوب من جهة الوجوب تحديدًا للطعن وتعريفًا بوجهه منذ انفتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو موطن البطلان الذي وقع فيه، كما أن الأصل هو التقيد بأسباب الطعن فلا ينقض من الحكم إلا ما كان مبنيًا على الأسباب التي بني عليها الطعن بالنقض – المادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 – ولا يجوز لمحكمة النقض الخروج على هذه الأسباب والتصدي لما يشوب الحكم من أخطاء في القانون طبقًا لنص المادة 35/ 2 من القانون السالف إلا أن يكون ذلك لمصلحة المتهم، كما أنه من المقرر أن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشمل على بيان المراد منه وإلا كان دفعًا غير مقبول، لما كان ذلك، وكان البين من أسباب الطعن أنه لم يرد بها هذا الدفع في عبارة صريحة بل ورد بها بعض المبادئ القضائية، هذا إلى أن مفاد ما سلم به الطاعن في مذكرته من أن الإذن صدر بناء على أن الطاعن يتجر في المواد المخدرة وما ورد بمدونات الحكم ومن رده على الدفع ببطلان إذن النيابة لعدم جدية التحريات، كل ذلك يقطع بأن الإذن صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها لا لضبط جريمة مستقبلية، لما كان ذلك، فإن الطعن – في حدود الأسباب التي بني عليها – يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.
6 – لما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة إحراز جوهرٍ مخدرٍ – نبات الحشيش – بغير قصد من القصود المسماة في القانون طبقًا للمواد 1، 2، 38/ 1، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند 56 من القسم الثاني من الجدول رقم 1 المحلق وأعمل في حقه المادة 17 من قانون العقوبات ثم قضى بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي السجن المشدد والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، وكانت المادة 36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1989 قد نصت على أنه ” استثناء من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز في تطبيق المواد السابقة والمادة 38 النزول عن العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة فإذا كانت العقوبة هي السجن المشدد أو السجن فلا يجوز أن تقل المدة المحكوم بها عن ست سنوات “، وكان مقتضى تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات والمادة 36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 النزول بعقوبة السجن المشدد إلى عقوبة السجن الذي لا يجوز أن تنقص مدته عن ست سنوات بالإضافة إلى عقوبتي الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه والمصادرة اللتين يجب الحكم بهما، لما هو مقرر من أن هاتين المادتين إنما تجيزان تبديل العقوبات المقيدة للحرية وحدها في مواد الجنايات بعقوبة مقيدة للحرية أخف منها إذا اقتضت الأحوال رأفة القضاء، وكذلك فإن مؤداهما أنه وإن كان النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح المشرع النزول إليها جوازيًا، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقًا لنصيهما ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد فيهما باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر الحشيش بغير قصد من القصود المسماة في القانون وذكرت في حكمها أنها رأت معاملته طبقًا للمادة 17 عقوبات، ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة السجن المشدد وهي العقوبة المقررة لهذه الجريمة طبقًا لنص المادة 38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1989، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون، إذ كان عليها أن تنزل بعقوبة السجن المشدد إلى عقوبة السجن بالإضافة إلى عقوبة الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه والمصادرة، لما كان ذلك، وكانت عقوبة السجن المشدد أشد جسامة من عقوبة السجن وإذ تنفيذه في أماكن خاصة تنطوي حتمًا على الإلزام بأعمال مشددة – المادة 14 من قانون العقوبات – على خلاف عقوبة السجن، وإذ العبرة في تشديد العقوبة أو تخفيفها هي بدرجة الغلظ في ترتيب العقوبات – المادة 10 من قانون العقوبات – فإذا كانت النيابة العامة لم تقرر بالطعن على الحكم الصادر بالعقوبة بل ارتضته فصار بذلك نهائيًا في مواجهتها وحصل الطعن عليه من غيرها من الخصوم، فإن نقض الحكم في هذه الحالة لا يترتب عليه سوى إعادة نظر الدعوى في حدود مصلحة رافع الطعن بحيث لا يجوز للهيئة الثانية أن تتجاوز مقدار العقوبة أو تغليظها بل تلتزم بحدود ونفس القدر الذي قضى به الحكم المطعون فيه حتى لا يضار الطاعن بطعنه وينقلب تظلمه وبالاً عليه – المادة 43 من القانون السالف – وبعبارة أخرى فإن مبدأ عدم جواز أن يضار المحكوم عليه بسبب تظلمه عند الأخذ به في الطعن بطريق النقض لا يصح إعماله إلا من ناحية مقدار العقوبة الذي يعتبر حدًا أقصى لا يجوز أن تتعداه محكمة النقض وهي تصلح الخطأ بنفسها، ولما كانت المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 المعدل تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت به أنه مبني على خطأ في تطبيق القانون، كما أن لهذه المحكمة – حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من ذات القانون السالف – أن تصحح هذا الخطأ، وكان البين من الحكم المطعون فيه الصادر حضوريًا في 17 من أبريل سنة 2013 ومن تقرير طعن المحكوم عليه بالنقض من السجن في 5 من مايو سنة 2013 أنه نفذ مدة قصيرة من العقوبة الأشد المقضي بها عليه – خطأ – وأنه ما زال ينفذ العقوبة الأشد، وهو ما تأباه العدالة، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا وتصحيحه بمعاقبة الطاعن بالسجن لمدة خمس سنوات، بدلاً من السجن المشدد لمدة خمس سنوات (بالإضافة إلى عقوبتي الغرامة والمصادرة المقضي بهما)، ومدة السجن المقضي بها وإن كانت تقل عن المدة الواجبة التطبيق على الجريمة التي دين الطاعن بها – السجن لمدة ست سنوات – إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحكم بطريق النقض بل طعن فيه المحكوم عليه وحده، فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يضار الطاعن بطعنه طبقًا لقاعدة قانونية عامة تنطبق على طرق الطعن جميعها عادية كانت أو غير عادية وفقًا للمادتين 401، 417 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحرز بقصد الاتجار جوهر الحشيش المخدر “قمم وأزهار نبات القنب المجفف” في غير الأحوال المصرح بها قانونًا. وأحالته إلى محكمة جنايات…. لمحاكمته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا عملا بالمواد 1, 2, 38/ 1, 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم 56 من القسم الثاني من الجدول رقم 1 الملحق, مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات والمادة 36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل, باعتبار أن الإحراز مجرد من القصود المسماة قانونًا, بمعاقبته بالسجن المشدد خمس سنوات وبتغريمه مبلغ مائة ألف جنيه وبمصادرة المخدر المضبوط.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض….. إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع, ذلك بأن الحكم اطرح دفعه ببطلان إذن النيابة العامة بالقبض والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية برد قاصر بدلالة ما عدده من شواهد وما قدمه من مستندات للتدليل على صحة دفعه, كما استند الحكم في الإدانة على تقرير المعمل الكيماوي الذي لم يورد مؤداه في بيان واف يكشف عن مدى احتواء المخدر المضبوط للمادة الفعالة, كما لم تجب المحكمة الطاعن لطلب ضم دفتر الأحوال رغم أن المحكمة قد استجابت لطلبه وعدلت عنه دون بيان العلة, هذا وقد أخذت المحكمة بتحريات وأقوال ضابط الواقعة عند نسبة الاتهام إلى المتهم واطرحتها عند نفي قصد الاتجار عنه مما يصم الحكم بالتناقض, ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية واطرحه بقوله “… لما كانت المحكمة تطمئن إلى التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها تحريات صحيحة وواضحة وتصدق من أجراها وتقتنع بأنها أجريت فعلاً بمعرفة النقيب/ …. وحوت بيانات كافية لتسويغ إصدار إذن التفتيش، ومن ثم يكون الدفع على غير سند صحيح ويتعين الالتفات عنه “، لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت – وعلى ما سلف بيانه – بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر فلا يجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض، وإذا كان القانون لا يوجب حتمًا أن يتولى رجل الضبط القضائي بنفسه مراقبة المتحرى عنهم أو أن يكون على معرفة سابقة بهم بل له أن يستعين فيما يجريه من تحريات أو أبحاث أو ما يتخذه من وسائل التفتيش بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم ما دام أنه اقتنع شخصيًا بصحة ما نقلوه إليه وبصدق ما تلقاه من معلومات، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم أو في محضر التحريات وخلو ذلك المحضر من إيراد البيانات التي ساقها الطاعن بأسباب طعنه لا يقدح بذاته في عدم جدية التحري، وكان لا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا يفصح عنها رجل الضبط القضائي والذي اختاره لمعاونته في مهنته، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك, وكان لا ينال من سلامة الحكم اطراحه المستندات المقدمة من الطاعن والتي يتساند إليها للتدليل على عدم جدية التحريات وكيدية الاتهام، ذلك لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى، ومن ثم فبحسب المحكمة أن أقامت الأدلة على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها بما يحمل قضاءها وهو ما يفيد ضمنًا أنها لم تأخذ بدفاعه. لما كان ذلك, وكان الحكم قد أورد مؤدى تقرير المعمل الكيماوي وأبرز ما جاء به من ثبوت أن المادة المضبوطة هي لجوهر الحشيش المخدر، وهو بيان كاف للدلالة على أن المادة المضبوطة مع الطاعن هي لذلك المخدر، وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل أجزائه، ومن ثم ينتفي عن الحكم ما يثيره الطاعن من قصور في هذا الصدد، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت نقلاً عن تقرير التحليل بمصلحة الطب الشرعي أن ما ضبط مع الطاعن هو جوهر الحشيش المخدر، ومن ثم فإن ما أثبته الحكم استنادًا إلى الدليل الفني يدخل في عداد الجواهر المخدرة المبينة بالبند 56 من الجدول الأول، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك, وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب ضم دفتر أحوال القسم أو مكتب مكافحة المخدرات، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من الإخلال بحقه في الدفاع لعدم ضم دفتر الأحوال لا يكون له محل، لما هو مقرر من أنه لا يقبل النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. لما كان ذلك, وكان ليس هناك ما يمنع محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية في أن ترى في تحريات وأقوال الضابط ما يسوغ الإذن بالتفتيش ويكفي لإسناد واقعة إحراز المخدر إلى الطاعن، ولا ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على ثبوت إحراز المخدر في حق الطاعن وانتهى في منطق سليم إلى استبعاد قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في حقه، فإن دعوى التناقض لا يكون لها محل، ولا يقدح في ذلك ما أثارته نيابة النقض الجنائي في مذكرتها بل وما كان لها أن تثيره من رمي الحكم المطعون فيه بالقصور والإخلال لالتفاته عن الرد عن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة لصدوره عن جريمة مستقبلية، لما هو مقرر من أن تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوب من جهة الوجوب تحديدًا للطعن وتعريفًا بوجهه منذ انفتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة الحكم للقانون أو موطن البطلان الذي وقع فيه، كما أن الأصل هو التقيد بأسباب الطعن فلا ينقض من الحكم إلا ما كان مبنيًا على الأسباب التي بني عليها الطعن بالنقض – المادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 – ولا يجوز لمحكمة النقض الخروج على هذه الأسباب والتصدي لما يشوب الحكم من أخطاء في القانون طبقًا لنص المادة 35/ 2 من القانون السالف إلا أن يكون ذلك لمصلحة المتهم، كما أنه من المقرر أن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشمل على بيان المراد منه وإلا كان دفعًا غير مقبول، لما كان ذلك، وكان البين من أسباب الطعن أنه لم يرد بها هذا الدفع في عبارة صريحة بل ورد بها بعض المبادئ القضائية، هذا إلى أن مفاد ما سلم به الطاعن في مذكرته من أن الإذن صدر بناء على أن الطاعن يتجر في المواد المخدرة وما ورد بمدونات الحكم ومن رده على الدفع ببطلان إذن النيابة لعدم جدية التحريات، كل ذلك يقطع بأن الإذن صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها لا لضبط جريمة مستقبلية، لما كان ذلك، فإن الطعن – في حدود الأسباب التي بني عليها – يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا. لما كان ما تقدم, وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة إحراز جوهرٍ مخدرٍ – نبات الحشيش – بغير قصد من القصود المسماة في القانون طبقًا للمواد 1، 2، 38/ 1، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند 56 من القسم الثاني من الجدول رقم 1 المحلق وأعمل في حقه المادة 17 من قانون العقوبات ثم قضى بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، لما كان ذلك، وكانت العقوبة المقررة لهذه الجريمة هي السجن المشدد والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي جنيه ومصادرة المخدر المضبوط، وكانت المادة 36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1989 قد نصت على أنه ” استثناء من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز في تطبيق المواد السابقة والمادة 38 النزول عن العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة فإذا كانت العقوبة هي السجن المشدد أو السجن فلا يجوز أن تقل المدة المحكوم بها عن ست سنوات “، وكان مقتضى تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات والمادة 36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 النزول بعقوبة السجن المشدد إلى عقوبة السجن الذي لا يجوز أن تنقص مدته عن ست سنوات بالإضافة إلى عقوبتي الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه والمصادرة اللتين يجب الحكم بهما، لما هو مقرر من أن هاتين المادتين إنما تجيزان تبديل العقوبات المقيدة للحرية وحدها في مواد الجنايات بعقوبة مقيدة للحرية أخف منها إذا اقتضت الأحوال رأفة القضاء، وكذلك فإن مؤداهما أنه وإن كان النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح المشرع النزول إليها جوازيًا، إلا أنه يتعين على المحكمة إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقًا لنصيهما ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد فيهما باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر الحشيش بغير قصد من القصود المسماة في القانون وذكرت في حكمها أنها رأت معاملته طبقًا للمادة 17 عقوبات، ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة السجن المشدد وهي العقوبة المقررة لهذه الجريمة طبقًا لنص المادة 38 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1989، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون، إذ كان عليها أن تنزل بعقوبة السجن المشدد إلى عقوبة السجن بالإضافة إلى عقوبة الغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه والمصادرة، لما كان ذلك، وكانت عقوبة السجن المشدد أشد جسامة من عقوبة السجن وإذ تنفيذه في أماكن خاصة تنطوي حتمًا على الإلزام بأعمال مشددة – المادة 14 من قانون العقوبات – على خلاف عقوبة السجن، وإذ العبرة في تشديد العقوبة أو تخفيفها هي بدرجة الغلظ في ترتيب العقوبات – المادة 10 من قانون العقوبات – فإذا كانت النيابة العامة لم تقرر بالطعن على الحكم الصادر بالعقوبة بل ارتضته فصار بذلك نهائيًا في مواجهتها وحصل الطعن عليه من غيرها من الخصوم، فإن نقض الحكم في هذه الحالة لا يترتب عليه سوى إعادة نظر الدعوى في حدود مصلحة رافع الطعن بحيث لا يجوز للهيئة الثانية أن تتجاوز مقدار العقوبة أو تغليظها بل تلتزم بحدود ونفس القدر الذي قضى به الحكم المطعون فيه حتى لا يضار الطاعن بطعنه وينقلب تظلمه وبالاً عليه – المادة 43 من القانون السالف – وبعبارة أخرى فإن مبدأ عدم جواز أن يضار المحكوم عليه بسبب تظلمه عند الأخذ به في الطعن بطريق النقض لا يصح إعماله إلا من ناحية مقدار العقوبة الذي يعتبر حدًا أقصى لا يجوز أن تتعداه محكمة النقض وهي تصلح الخطأ بنفسها، ولما كانت المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 المعدل تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت به أنه مبني على خطأ في تطبيق القانون، كما أن لهذه المحكمة – حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها في المادة 39 من ذات القانون السالف – أن تصحح هذا الخطأ، وكان البين من الحكم المطعون فيه الصادر حضوريًا في 17 من أبريل سنة 2013 ومن تقرير طعن المحكوم عليه بالنقض من السجن في 5 من مايو سنة 2013 أنه نفذ مدة قصيرة من العقوبة الأشد المقضي بها عليه – خطأ – وأنه ما زال ينفذ العقوبة الأشد، وهو ما تأباه العدالة، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضًا جزئيًا وتصحيحه بمعاقبة الطاعن بالسجن لمدة خمس سنوات، بدلاً من السجن المشدد لمدة خمس سنوات (بالإضافة إلى عقوبتي الغرامة والمصادرة المقضي بهما)، ومدة السجن المقضي بها وإن كانت تقل عن المدة الواجبة التطبيق على الجريمة التي دين الطاعن بها – السجن لمدة ست سنوات – إلا أنه لما كانت النيابة العامة لم تطعن في هذا الحكم بطريق النقض بل طعن فيه المحكوم عليه وحده، فإنه لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يضار الطاعن بطعنه طبقًا لقاعدة قانونية عامة تنطبق على طرق الطعن جميعها عادية كانت أو غير عادية وفقًا للمادتين 401، 417 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 43 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.