جلسة 3 من ديسمبر سنة 1983
برئاسة السيد المستشار الدكتور فتحى عبد الصبور رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعة وفوزى أسعد مرقس أعضاء، وحضور السيد المستشار والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين المفوض، والسيد أحمد على فضل الله أمين السر.
(26)
القضية رقم 92 لسنة 4 قضائية “دستورية”
1- تشريع – إلغاء ضمنى – إصلاح زراعى – الأراضى الزراعية والأراضى البور – القانون رقم 127 لسنة 1961 – ألغى ضمنا نص الفقرة الأولى من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعى التى كانت تستثنى من الحد الأقصى للملكية الزراعية الأراضى البور.
2- تشريع – صيرورة النص معطلاً لم يعد له محل يرد عليه – لا يفقد وجوده كنص تشريعى – جواز الطعن بعدم دستوريته – مثال ذلك.
3- إصلاح زراعى – مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى – طبيعة القرار الذى يصدره بشأن الاراضى البور التى كانت مستثناة من الحد الأقصى للملكية الزراعية – اعتباره قراراً إدارياً نهائياً.
4- حق التقاضى – حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء – المادة 68 من الدستور.
5- قرار إدارى – حظر الطعن فيه – نص الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 على عدم جواز طلب إلغاء القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بشأن الادعاء ببور الأرض أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه – تحصين لقرار إدارى – مخالفة ذلك الدستور.
1، 2- ساوى المشرع بين الأراضى الزراعية والأراضى البور والصحراوية من حيث خضوعها جميعا للحد الأقصى للملكية الزراعية وذلك اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم 127 لسنة 1961 فى 25 يوليو سنة 1961 الذى عدل المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، وكان هذا التعديل بمقتضى هذا القانون الأخير إنما يتعارض فحسب مع نص الفقرة الأولى من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون سالف الذكر – المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 – والتى كانت تستثنى الأراضى البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية، فإنه يكون قد ألغى نص هذه الفقرة ضمنا دون أن يمتد هذا الإلغاء التشريعى إلى نص الفقرة الأخيرة من ذلك البند والذى يتضمن مانعاً من التقاضى بالنسبة للقرار الذى يصدره مجلس إدارة الهيئة العامة للاصلاح الزراعى فى شأن الادعاء ببور الأرض وهو النص المطعون فى دستوريته. ومقتضى ذلك أن النص وأن كان قد أضحى معطلا إذ لم يعد له محل يرد عليه بعد إلغاء الاستثناء الخاص بالأراضى البور اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم 127 لسنة 61 على ما سلف بيانه، إلا أنه مع ذلك ل يفقد وجوده كنص تشريعى فضلاً عن أن ذلك الإلغاء التشريعى الخاص بالأراضى البور لا ترتد إلى الماضى – أى إلى الفترة التى تبدأ من تاريخ نفاذ القانون رقم 127 لسنة 1961 فى 25 يوليه سنة 1961، ومن ثم فلا يحول إلغاء الاستثناء الذى كان مقرراً بالفقرة الأولى من البند (ب) سالف الذكر دون النظر فى الطعن بعدم دستورية الفقرة الاخيرة من هذا البند وذلك من قبل الذين نشأت لهم مراكز قانونية تتعلق بتطبيق الاستثناء المشار إليه خلال فترة نفاذه وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستورية النص المانع مع التقاضى دفاعاً عن تلك المراكز القانونية.
3- إن المشرع لم يسبغ على مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى – حال إصداره قراره بشأن الأرض البور التى كانت مستثناه من الحد الأقصى للملكية الزراعية – ولاية الفصل فى أية خصومة تنعقد أمامه بقرارات حاسمة طبقا لإجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليه إصدار قراره بشأن الأرض البور بعد فحص طلب استثنائها ثم قراره فى التظلم الذى يرفع إليه وذلك لبيان طبيعة الأرض موضوع الطلب وما إذا كانت بورا أم أرضا زراعية، ودون أن يفرض المشرع على مجلس الإدارة إخطار ذوى الشأن للمثول أمامه لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليه تسبيب ما يصدره من قرارات إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى، وإذ كانت الهيئة العامة للإصلاح الزراعى من أشخاص القانون العام وتقوم على موفق عام فإن قرار مجلس إدارتها بشأن الأرض البور يعد قراراً إدارياً نهائياً تفصح به جهة الادارة عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانونى هو اعتبارها من الأراضى الزراعية أو الأراضى البور وخضوعها بالتالى للحد الأقصى للملكية الزراعية من عدمه.
4- إن المادة 68 من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى … ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص الدستورى المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها، وباعتباره من الحقوق العامة بالنظر إلى ما يترتب على حرمان طائفة معينة منه مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – من إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا هذا الحق وهو المبدأ الذى كفلته المادة 31 من دستور سنة 1956 والمادة 7 من دستور سنة 1958 والمادة 24 من دستور سنة 1964 والمادة 40 من الدستور القائم.
5- إن الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 بالإصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 إذ نصت – فيما يخص القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بشأن الادعاء ببور الأرض – على أنه “استثناء من أحكام قانون مجلس الدولة وقانون نظام القضاء لا يجوز طلب إلغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه”. تكون قد تضمنت حظرا للتقاضى فى شأن هذا القرار وانطوت على تحصين له من رقابة القضاء – رغم أنه من القرارات الإدارية النهائية – الأمر الذى يخالف حكم كل من المادتين 40 و68 من الدستور القائم وما أوردته الدساتير السابقة.
الإجراءات
بتاريخ 9 يونيه سنة 1982 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالباً الحكم بعدم دستورية البند (ب) من المادة الثانية من الرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى – المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 – فيما تضمنه من النص على منع التقاضى بالنسبة للقرار الذى تصدره اللجنة العليا للاصلاح الزراعى (والتى حل محلها مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى) فى شأن الادعاء ببور الأرض سواء بطلب إلغاء القرار أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 949 لسنة 15 ق أمام محكمة القضاء الإدارى طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للإصلاح الزراعى رقم 290 بتاريخ 4 سبتمبر سنة 1957 برفض ما طلبه مورثه من اعتبار الأطيان المبينة فيه بوراً مستثناة من حكم المادة الأولى من قانون الإصلاح الزراعى وبالغاء قرار ذات الهيئة رقم 9 الصادر بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1960 برفض التظلم من قرار الرفض المشار إليه. وبجلسة 6 مايو سنة 1969 قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى استناداً إلى ما نص عليه فى البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى من عدم جواز الطعن فى القرارات الصادرة بشأن الأراضى البور، غير أن المدعى طعن فى هذا الحكم لدى المحكمة الإدارية العليا وقيد طعنه برقم 846 لسنة 15 ق إدارية عليا حيث دفع بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 – المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 – باعتبار أنها تحوى مانعاً من التقاضى بالمخالفة للدستور، فقضت المحكمة بجلسة 16 مارس سنة 1982 – بعد أن قدرت جدية هذا الدفع – بتأجيل نظر الطعن وأمهلت المدعى ثلاثة أشهر لرفع الدعوى الدستورية فأقام دعواه الماثلة.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن نص البند (ب) من المادة الثانية – من المرسوم بقانون 178 لسنة 52 لم يعد قائماً لإلغائه ضمناً بتعديل المادة الأولى من المرسوم بقانون المشار إليه وذلك بمقتضى القانون رقم 127 لسنة 1961 الذى اعتبر الأراضى البور فى حكم الأراضى الزراعية وبالتالى لا يكون للمدعى مصلحة فى دعواه، كما أنه ليس له الاحتكام إلى مبادئ الدستور القائم فى النعى بعدم دستورية النص المطعون فيه لما سلف من إلغائه بالقانون رقم 127 لسنة 1961 قبل نفاذ هذا الدستور الذى ليس له أثر رجعى.
وحيث إن المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى بعد أن نص – عند صدوره – فى مادته الاولى على أنه “لا يجوز لأى شخص أن يتملك من الأراضى الزراعية أكثر من مائتى فدان…” قضى فى مادته الثانية – المعدل بالقانون رقم 148 لسنة 1957 – بأنه “استثناء من حكم المادة الأولى السابقة: ( أ )…….. (ب) ويجوز للأفراد أن يمتلكوا أكثر من مائتى فدان من الأراضى البور والأراضى الصحراوية وتعتبر هذه الأراضى زراعية فيسرى عليها حكم المادة الأولى عند انقضاء خمس وعشرين سنة من تاريخ الترخيص فى الرأى من مياه النيل أو الآبار الأرتوازية ويستولى عندئذ لدى المالك على ما يجاوز مائتى فدان نظير التعويض المنصوص عليه فى المادة (5) وذلك كله مع عدم الإخلال بجواز التصرف فى هذه الأراضى قبل انقضاء المدة المشار إليها…..” وقد صدر بعد ذلك القانون رقم 127 لسنة 1961 معدلاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 سالفة الذكر بحيث صار نصها “لا يجوز لأى فرد أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائة فدان ويعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ما يملكه الأفراد من الأراضى البور والأراضى الصحراوية وكل تعاقد ناقل للملكية يترتب عليه مخالفة هذه الأحكام يعتبر باطلاً ولا يجوز تسجيله”.
ولما كان مؤدى تلك النصوص أن المشرع قد ساوى بين الأراضى الزراعية والاراضى البور والصحراوية من حيث خضوعها جميعاً للحد الأقصى للملكية الزراعية وذلك اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم 127 لسنة 1961 فى 25 يوليو سنة 1961، وكان التعديل الذى أورده المشرع بمقتضى هذا القانون الأخير إنما يتعارض فحسب مع نص الفقرة الأولى من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 – المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 – والتى كانت تستثنى الأراضى البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية، فإنه يكون قد ألغى نص هذه الفقرة ضمناً دون أن يمتد هذا الإلغاء التشريعى إلى نص الفقرة الأخيرة من ذلك البند والذى يتضمن مانعاً من التقاضى بالنسبة للقرار الذى يصدره مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى فى شأن الادعاء ببور الأرض وهو النص المطعون فى دستوريته. ومقتضى ذلك أن هذا النص وأن كان قد أضحى معطلاً إذ لم يعد له محل يرد عليه بعد الغاء الاستثناء الخاص بالأراضى البور اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون رقم 127 لسنة 1961 على ما سلف بيانه، إلا أنه مع ذلك لم يفقد وجوده كنص تشريعى فضلا عن أن ذلك الإلغاء التشريعى الخاص بالأراضى البور لا يرتد إلى الماضى – أى إلى الفترة التى تبدأ من تاريخ نفاذ قانون الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر سنة 1952 حتى تاريخ نفاذ القانون رقم 127 لسنة 1961 فى 25 يوليه سنة 1961، ومن ثم فلا يحول إلغاء الاستثناء الذى كان مقرراً بالفقرة الأولى من البند (ب) سالف الذكر دون النظر فى الطعن بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من هذا البند وذلك من قبل الذين نشأت لهم مراكز قانونية تتعلق بتطبيق الاستثناء المشار إليه خلال فترة نفاذه وبالتالى توافرت لهم مصلحة شخصية فى الطعن بعدم دستورية النص المانع مع التقاضى دفاعاً عن تلك المراكز القانونية. ومما يؤكد مصلحتهم فى ذلك ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم 48 لسنة 1963 فى شأن الاعتراضات ببور الأرض المقدمة من المستولى لديهم إلى الهيئة العامة للاصلاح الزراعى من استمرار مجلس إدارة هذه الهيئة فى نظر هذه الاعتراضات وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى وذلك بالرغم من إلغاء استثناء الأرض البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية نفاذاًَ للقانون رقم 127 لسنة 1961 على ما سلف بيانه.
وحيث إنه لما كان الثابت من الوقائع أن المرحوم….. – والد المدعى – قد خضع لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى وتم الاستيلاء من تحت يده فى سنة 1954 على القدر الزائد عن الحد الأقصى الجائز تملكه حينئذ – وهو مائتاً فدان – باعتبار أن القدر الزائد كله من الأراضى الزراعية فقدم طلباً يتضمن الادعاء بأن هذا القدر من الأراضى البور المستثناة من الحد الأقصى للملكية الزراعية والتى كان يجوز للأفراد وقتذاك أن يتملكوا منها أكثر من مائتى فدان، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 148 لسنة 1957 قد قضت – استثناء من حكم الفقرة الأولى من البند (ب) المشار إليه – بأن تستولى الحكومة على ما جاوز مائتى فدان من الأراضى البور المملوكة للأفراد يوم 9 سبتمبر سنة 1952 مع عدم الاعتداد بما حدث بعد هذا التاريخ من تجزئة الملكية بسبب الميراث أو الوصية ثم قضت بأنه لا يخضع للاستيلاء الأراضى البور التى سبق التصرف فيها بعقود ثابتة التاريخ قبل العمل بهذا القانون فى 13 يوليه سنة 1957 مما مفاده أن المشرع – بموجب القانون رقم 148 لسنة 1957 المعدل بالقانون رقم 34 لسنة 1960 – قد أخرج ما زاد من الحد الأقصى من الأرض البور من نطاق الاستثناء ثم ألغى هذا الاستثناء كلية بالقانون رقم 127 لسنة 1961 من تاريخ نفاذه وأخضعها جميعاً للحد الأقصى للملكة الزراعية. لما كان ذلك، فإن مصلحة المدعى تتمثل فى أنه إذا ما ثبت أن الأرض التى كان يملكها مورثه وتم الاستيلاء عليها باعتبارها أرضاً زراعية – على ما سلف بيانه – هى من الأرض البور، فإنه يكون من حقه – كوارث له – أن يتملك نصيباً منها لا يجاوز مع باقى ملكيته الحد الأقصى المقرر بالقانون رقم 148 لسنة 1957 وأن تعتبر تصرفاته فى هذا القدر صحيحة ونافذة متى كانت ثابتة التاريخ قبل العمل بهذا القانون، كما يحق له أن ينتفع به خلال الفترة ما بين تاريخ سريان المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والقانون رقم 127 لسنة 1961.
لما كان ما تقدم فإن الدفع المبدى من الحكومة بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة فيها يكون على غير أساس متعينا رفضه.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالاصلاح الزراعى أنها تتضمن منعاً من التقاضى وتحضيناً للقرارات التى يصدرها مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى فى شأن الادعاء ببور الأرض – وهى قرارات إدارية نهائية – الأمر الذى يخالف نص المادة 68 من الدستور التى رددت ما قررته ضمناً الدساتير السابقة من كفالة حق التقاضى فضلاً عن مخالفته لحكم المادة 40 من الدستور وما كانت عليه تلك الدساتير جميعها من أن المواطنين لدى القانون سواء وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات.
وحيث إن البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى – المعدلة بالقانون رقم 48 لسنة 1957 – بعد أن نص فى الفقرة الأولى منه على أنه “يجوز للأفراد أن يمتلكوا أكثر من مائتى فدان من الأراضى البور والأراضى الصحراوية لاستصلاحها…….” وفى الفقرة الثانية على أنه “تصدر اللجنة العليا للإصلاح الزراعى قراراً فى شأن الادعاء ببور الأرض يعلن إلى ذوى الشأن بالطريق الإدارى …… ولهم أن يتظلموا منه إلى اللجنة العليا رأساً خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلانهم”. نص فى الفقرتين الأخيرتين على أنه “يكون قرار اللجنة الذى تصدره بعد فوات الميعاد نهائيا، وقاطعا لكل نزاع فى شأن الادعاء ببور الأرض وفى الاستيلاء المترتب على ذلك”. و “استثناء من أحكام قانون مجلس الدولة وقانون نظام القضاء لا يجوز طلب إلغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه”. هذا وقد حل مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى محل اللجنة العليا للإصلاح الزراعى بمقتضى المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم 614 لسنة 1957 الذى صدر بإنشاء الهيئة العامة للإصلاح الزراعى لتتولى عمليات الاستيلاء والتوزيع وإدارة الأطيان المستولى عليها إلى أن يتم توزيعها.
وحيث إن مؤدى هذه النصوص أن المشرع لم يسبغ على مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى – حال إصداره قراره بشأن الأرض البور التى كانت مستثناه من الحد الأقصى للملكية الزراعية – ولاية الفصل فى أية خصومة تنعقد أمامه بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليه إصدار قراره بشأن الأرض البور بعد فحص طلب استثنائها ثم قراره فى التظلم الذى يرفع إليه وذلك لبيان طبيعة الأرض موضوع الطلب وما إذا كانت بوراً أم أرضاً زراعية، ودون أن يفرض المشرع على مجلس الإدارة إخطار ذوى الشأن للمثول أمامه لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليه تسبيب ما يصدره من قرارات إلى غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى، وإذ كانت الهيئة العامة للإصلاح الزراعى من أشخاص القانون العام وتقوم على موفق عام فإن قرار مجلس إدارتها بشأن الأرض البور يعد قراراً إدارياً نهائياً تفصح به جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانونى هو اعتبارها من الأراضى الزراعية أو الأراضى البور وخضوعها بالتالى للحد الأقصى للملكية الزراعية من عدمه.
وحيث إن المادة 68 من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى… ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص الدستورى المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها، وباعتباره من الحقوق العامة بالنظر إلى ما يترتب على حرمان طائفة معينة منه مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – من إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا هذا الحق وهو المبدأ الذى كفلته المادة 31 من دستور سنة 1956 والمادة 7 من دستور سنة 1958 والمادة 24 من دستور سنة 1964 والمادة 40 من الدستور القائم.
لما كان ما تقدم فإن الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 سنة 1952 بالإصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 إذ نصت – فيما يخص القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى بشأن الادعاء ببور الأرض – على أنه “استثناء من أحكام قانون مجلس الدولة وقانون نظام القضاء لا يجوز طلب إلغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه”. تكون قد تضمنت حظراً للتقاضى فى شأن هذا القرار وانطوت على تحصين له من رقابة القضاء – رغم أنه من القرارات الإدارية النهائية – الأمر الذى يخالف حكم كل من المادتين 40 و68 من الدستور القائم وما أوردته الدساتير السابقة على ما سلف بيانه. ولا محل لما تثيره الحكومة من أنه لا يجوز الاحتكام إلى الدستور القائم فى النعى بعدم دستورية النص المطعون فيه لإلغائه بالقانون رقم 127 لسنة 1961 قبل نفاذ هذا الدستور، ذلك أن هذا الدفاع مردود بأن القانون المشار إليه – وإن كان قد ألغى ضمناً الاستثناء الخاص بالأراضى البور من الحد الأقصى للملكية الزراعية قبل نفاذ الدستور إلا أن هذا الإلغاء لم يتناول النص المطعون فيه الذى بقى قائماً كنص تشريعى على ما سلف بيانه ومن ثم تخضع رقابته الدستورية لأحكام الدستور القائم.
وحيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من البند (ب) من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالاصلاح الزراعى المعدلة بالقانون رقم 148 لسنة 1957 فيما نصت عليه – خاصاً بالقرار الذى يصدره مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى فى شأن الادعاء ببور الأرض – من أنه “لا يجوز طلب إلغاء القرار المذكور أو وقف تنفيذه أو التعويض عنه” وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل اتعاب المحاماة.