جلسة 5 من فبراير سنة 1983
برئاسة السيد المستشار فاروق سيف النصر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ د. فتحى عبد الصبور ومصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومحمد عبد الخالق النادى ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعة أعضاء، وحضور السيد المستشار محمد كمال محفوظ المفوض، والسيد أحمد على فضل الله أمين السر.
(14)
القضية رقم 7 لسنة 2 قضائية “دستورية”
1- قرارات إدارية – المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 الخاص بالرقابة – القصد منها تحصين كافة القرارات والأعمال التى يتخذها القائمون على شئون الرقابة فى حدود اختصاصهم ضد الطعن بالإلغاء أو المطالبة بالتعويض عن الاضرار المترتبة عليها وإعفائهم إعفاء مطلقاً من كل مسئولية.
2- حق التقاضى – قرارات إدارية – حظر النص فى القوانين على تحصينها من رقابة القضاء – أساس ذلك – المادة 68 من الدستور.
3- دستور – مبدأ المساواة – حق التقاضى – من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها – حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناط ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يجرموا من هذا الحق.
4- قرارات إدارية – القرارات والأعمال التى تتخذها الجهة القائمة على تنفيذ شئون الرقابة لها صفة القرارات والاعمال الإدارية – أثر ذلك – خضوعها لرقابة القضاء. عدم ترتيب أية مسئولية وعدم قبول أى دعوى قبل القائمين على شئون الرقابة مصادرة لحق التقاضى واخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين.
1- يبين من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 الخاص بالرقابة أنه صدر استناداً إلى حكم البند الثانى فى المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 – بشأن حالة الطوارئ – الذى يجيز لرئيس الجمهورية إصدار الأوامر بمراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والمحررات وكافة وسائل التعبير قبل نشرها وضبطها ومصادرتها – وذلك عند إعلان حالة الطوارئ – التى تم إعلانها بموجب القرار الجمهورى رقم 1337 لسنة 1967. وينص أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1976 فى مادته الأولى على أنه “تفرض من الآن وإلى حين صدور أوامر أخرى من أجل سلامة الوطن رقابة عامة فى جميع أنحاء البلاد ومياهها الإقليمية على الكتابات والمطبوعات والصور والطرود التى ترد إلى مصر أو ترسل منها إلى الخارج أو تمر بها أو تتداول داخل البلاد….” وفى مادته الثانية على أن “يتولى الرقيب العام ومن يندبه من الموظفين التابعين – فى سبيل الدفاع الوطنى والأمن العام – فحص ومراقبة جميع المواد والرسائل والأخبار التى تسرى عليها أحكام الرقابة وفقاً لما نص عليه فى المادة (1) وله أن يؤخر تسليمها أو يوقفها أو يمحو فيها و يصادرها أو يعدمها أو يتصرف فيها على أى وجه إذا كان من شأنها الإضرار بسلامة الدولة……” كما نصت مادته الثامنة – محل هذه الدعوى – على أنه “لا تترتب أية مسئولية ولا تقبل أية دعوى على الحكومة المصرية أو أحد مصالحها أو موظفيها أو الرقيب العام أو أى موظف تابع له أو أى شركة أو أى فرض بسبب أى اجراء اتخذ تنفيذا لأعمال الرقابة وفى حدود اختصاصها المبين فى هذا الأمر”. مؤدى ذلك أن المشرع قصد بحكم هذه المادة الأخيرة أن يحصن كافة القرارات والأعمال التى يتخذها القائمون على شئون الرقابة – فى حدود اختصاصهم – ضد أى طعن بإلغائها أو أى مطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة عليها ولو كانت هذه القرارات والأعمال معيبة – فجاء النص بإعفائهم هم والحكومة والجهات التى يتبعونها إعفاء مطلقاً من كل مسئولية تترتب عليها، فحظر قبول أية دعوى بشأنها، كاشفاً بذلك عما تغياه المشرع من هذه المادة برمتها من إغلاق باب كل منازعة فى تلك القرارات والأعمال وحجب حق التقاضى بصددها.
2- إن المادة 68 من الدستور تنص على أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى …. ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وقد خص الدستور هذا المبدأ بالمذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للإفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها.
3- أن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة 40 منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق إفرادها – ينطوى على إهدار إبداء المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق.
4- إن القرارات والأعمال التى تتخذها الجهة القائمة على تنفيذ شئون الرقابة – المنصوص عليها فى المادة الأولى من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 – إنما هى قرارات وأعمال تصدر عن تلك الجهة باعتبارها سلطة عامة بقصد إحداث مركز قانونى معين ابتغاء مصلحة عامة، فتكون لها صفة القرارات والأعمال الإدارية وتنبسط عليها رقابة القضاء، ومن ثم فإن المادة الثامنة من هذا الأمر إذ تقضى بعدم ترتيب أية مسئولية وعدم قبول أية دعوى على الحكومة أو موظفيها أو الرقيب العام بسبب أى إجراء اتخذ تنفيذاً لإعمال الرقابة المشار إليها – هى أعمال وقرارات إدارية على ما سلف البيان – تكون قد انطوت على مصادرة لحق التقاضى وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين 40 و68 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 11 مارس سنة 1980 وردت إلى قلم كتاب المحكمة الدعوى رقم 1933 لسنة 29 قضائية بعد أن قضت محكمة القضاء الادارى بجلسة 11 نوفمبر سنة 1979 بوقفها وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 الخاص بالرقابة.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 1932 لسنة 29 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه متضامنين مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. وقال بياناً لدعواه أنه قام بتأليف كتاب بعنوان “محمد نبى الإسلام فى التوراة والإنجيل والقرآن” وأعد منه أربعة آلاف نسخة بعد أن أجازته إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بحسبانها الجهة ذات الاختصاص فى هذا الشأن، ثم قدم مؤلفه هذا إلى الرقيب العام للموافقة على نشره وتوزيعه وفقاً لأحكام أمر رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 1967 الذى عهد إليه بفحص الكتب والمطبوعات قبل تداولها، بيد أن الرقيب أصدر قراراً بحظر نشر الكتاب داخل البلاد بحجة أنه يمس عقيدة النصارى، فى حين أن موضوع الكتاب المشار إليه لا ينطوى على المساس بأى عقيدة، بدلالة أن الجهة الدينية المختصة أجازته، بل إن الرقابة – ذاتها – وافقت على نشره خارج البلاد، ولم تحظر تداول كتب أخرى نقلت البحث الذى تضمنه كتابه، الأمر الذى يجعل قرار الرقيب بحظر نشره ومصادرة نسخه المطبوعة عملا خاطئا وغير مشروع يستوجب التعويض عنه مما حدا به إلى إقامة دعواه بالطلبات سالفة الذكر. وقد دفعت الحكومة الدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بعدم قبولها عملاً بحكم المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 التى تقضى بإعفاء الحكومة وموظفتها من المسؤولية عن أى إجراء اتخذ تنفيذاً لأعمال الرقابة وبحظر قبول أية دعوى قبلهم فى هذا الصدد. وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية هذا النص، قضت بجلسة 11 نوفمبر سنة 1979 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية الفصل فى مدى دستوريته.
وحيث إنه يبين من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 الخاص بالرقابة أنه صدر استناداً إلى حكم البند الثانى فى المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 – بشأن حالة الطوارئ – الذى يجيز لرئيس الجمهورية إصدار الأوامر بمراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والمحررات وكافة وسائل التعبير قبل نشرها وضبطها ومصادرتها – وذلك عند إعلان حالة الطوارئ – التى تم إعلانها بموجب القرار الجمهورى رقم 1337 لسنة 1967. وينص أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 فى مادته الأولى على أنه “تفرض من الآن وإلى حين صدور أوامر أخرى من أجل سلامة الوطن رقابة عامة فى جميع إنحاء البلاد ومياهها الإقليمية على الكتابات والمطبوعات والصور والطرود التى ترد إلى مصر أو ترسل منها إلى الخارج أو تمر بها أو تتداول داخل البلاد….” وفى مادته الثانية على أن “يتولى الرقيب العام ومن يندبه من الموظفين التابعين – فى سبيل الدفاع الوطنى والأمن العام – فحص ومراقبة جميع المواد والرسائل والأخبار التى تسرى عليها أحكام الرقابة وفقاً لما نص عليه فى المادة (1) وله أن يؤخر تسليمها أو يوقفها أو يمحو فيها و يصادرها أو يعدمها أو يتصرف فيها على أى وجه إذا كان من شأنها الإضرار بسلامة الدولة……” كما نصت مادته الثامنة – محل هذه الدعوى – على أنه “لا تترتب أية مسئولية ولا تقبل أية دعوى على الحكومة المصرية أو أحد مصالحها أو موظفيها أو الرقيب العام أو أى موظف تابع له أو أى شركة أو أى فرد بسبب أى إجراء اتخذ تنفيذاًَ لأعمال الرقابة وفى حدود اختصاصها المبين فى الأمر”. ومؤدى ذلك أن المشرع قصد بحكم هذه المادة الأخيرة أن يحصن كافة القرارات والأعمال التى يتخذها القائمون على شئون الرقابة – فى حدود اختصاصهم – ضد أى طعن بإلغائها أو أى مطالبة بالتعويض عن الأضرار المترتبة عليها ولو كانت هذه القرارات والأعمال معيبة – فجاء النص بإعفائهم هم والحكومة والجهات التى يتبعونها إعفاء مطلقاً من كل مسئولية تترتب عليها، فحظر قبول أية دعوى بشأنها، كاشفاً بذلك عما تغياه المشرع من هذه المادة برمتها من إغلاق باب كل منازعة فى تلك القرارات والأعمال وحجب حق التقاضى بصددها.
وحيث إن المادة 68 من الدستور تنص على أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى …. وبحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وقد خص الدستور هذا المبدأ بالمذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها.
وحيث إن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة 40 منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق.
وحيث إن القرارات والأعمال التى تتخذها الجهة القائمة على تنفيذ شئون الرقابة – المنصوص عليها فى المادة الاولى من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 – إنما هى قرارات وأعمال تصدر عن تلك الجهة باعتبارها سلطة عامة بقصد إحداث مركز قانونى معين ابتغاء مصلحة عامة، فتكون لها صفة القرارات والأعمال الإدارية وتنبسط عليها رقابة القضاء، ومن ثم فإن المادة الثامنة من هذا الأمر إذ تقضى بعدم ترتيب أية مسئولية وعدم قبول أية دعوى على الحكومة أو موظفيها أو الرقيب العام بسبب أى إجراء اتخذ تنفيذاً لإعمال الرقابة المشار إليها – وهى أعمال وقرارات إدارية على ما سلف البيان – تكون قد انطوت على مصادرة لحق التقاضى وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق مما يخالف المادتين 40، 68 من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية نص المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 الخاص بالرقابة.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الثامنة من أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1967 الخاص بالرقابة، والزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثون جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.