الخط الساخن : 01118881009
جلسة 2 مارس سنة 1985م
برياسة السيد المستشار محمد على بليغ رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ مصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعة وفوزى أسعد مرقس وشريف برهام نور – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ الدكتور أحمد محمد الحنفى – المفوض، وحضور السيد/ أحمد على فضل الله – أمين السر.
قاعدة رقم (26)
القضية رقم 1 لسنة 1 قضائية “دستورية”(1)
1- تأميم – تعويض – التزام المشرع فى قوانين التأميم التى تعلقت بها أحكام القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بأن يكون التعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة معادلاً لكامل القيمة الحقيقية لحصصهم وأنصبتهم فى تلك المشروعات.
2- تأميم – تعويض – لم يقصد المشرع من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 تعديل أسس أو قيمة التعويض التى سبق أن أرساها فى قوانين التأميم جميعها.
3- حق الملكية – حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة على مبدأ صون الملكية الخاصة وعدم المسا بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها.
لا يجيز الدستور تحديد حداً أقصى لما يملكه الفرد إلا بالنسبة للملكية الزراعية.
4- سندات – ملكية خاصة – اعتداء عليها – مصادرة – ملكية السندات الأسمية التى تحولت إليها القيمة الكاملة لاسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة – استقرارها لأصحاب بموجب قوانين التأميم – مقتضى تطبيق الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 من وضع حد أقصى للتعويض لا يجاوز 15 ألف جنيه – هو استيلاء الدولة دون مقابل على السندات الاسمية الزائدة على هذا الحد مما يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم المادتين 34 و36 من الدستور.
5- المحكمة الدستورية العليا – رقابتها القضائية الدستورية – لا تتقيد بالوصف الذى يخلعه المشرع على القواعد التى يسنها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف وتنطوى على إهدار حق من الحقوق التى كفلها الدستور – مثال ذلك.
6- دعوى دستورية – الحكم فيها – قانون – ارتباط نصوصه بعضها ببعض – عدم دستورية أحد نصوصه – يستتبع بحكم هذا الارتباط ابطال باقى نصوصه والحكم بعدم دستوريته برمته.
1- يبين من تقصى قوانين التأميم التى تعلقت بها أحكام القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المشار – ابتداء من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1961 وانتهاء بالقرار بقانون رقم 123 لسنة 1964 – أن المشرع التزم فيها جميعاً – بالنسبة لتقدير التعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة كلياً أو جزئياً – نهجاً عاماً قوامه أن يكون هذا التعويض معادلاً لكامل القيمة الحقيقية لحصص وأنصبة أصحاب تلك المشروعات، بعد تقويمها وفقاً للقواعد المحددة بالقوانين المذكورة.
2- أن السبيل الذى ارتآه المشرع محققاً للعدالة المطلقة فى نظام التأميم ما درجت عليه القوانين سالفة البيان – بوجه مضطرد وبغير استثناء – من أن يكون التعويض المستحق لأصحاب أسهم ورؤوس أموال المشروعات المؤممة معادلاً لقيمة ما يملكونه فى هذه المشروعات جميعها وأياً ما بلغ مقدار هذا التعويض، وهو المبدأ الذى لم يحد عنه المشرع حتى بالنسبة للقرار بقانون رقم 123 لسنة 1964 بتأميم بعض الشركات والمنشآت الذى أصدره بتاريخ 21 مارس سنة 1964، وهو اليوم السابق مباشرة على صدور القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المطعون عليه، وقد تم نشرهما معاً فى 24 مارس سنة 1964، مما لا يستقيم معه القول بأن المشرع قصد من القرار بقانون المطعون عليه تعديل أسس أو قيمة التعويض التى سبق أن أرساها فى قوانين التأميم جميعها ومن بينها القرار بقانون رقم 123 لسنة 1964 المعاصر فى صدوره للقرار بقانون المطعون عليه.
3- أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على النص على مبدأ الملكيه الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها، وذلك باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى، وحافزة إلى الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادرة الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى ومن أجل ذلك حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن أصاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة 9 من كل دستور سنة1923 ودستور سنة 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956 والمادة 5 من دستور سنة 1958 والمادة 16 من دستور سنة 1964 والمادة 34 من دستور سنة 1971)، كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (المادة 35)، وحظر المصادرة العامة حظراً مطلقاً ولم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى (المادة 36).
4- أن ملكية السندات الاسمية التى تحولت إليها القيمة الكاملة لأسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة قد استقرت لأصحابها بموجب قوانين التأميم، بما تخوله لهم ملكية هذه السندات من حقوق كالتصرف فيها بالبيع بتداولها فى البورصة أو كوسيلة للوفاء بالتزاماتهم قبل الدولة بقدر قيمتها، والانتفاع بما تغله من ريع، فأن مقتضى تطبيق الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المطعون عليه من وضع حد أقصى للتعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة بما لا يجاوز 15 ألف جنيه، استيلاء الدولة دون مقابل على السندات الاسمية المملوكة لهم والزائدة على هذا الحد وتجريدهم بالتالى من ملكيتها، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة للأموال بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة 36 منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. فضلاً عن أن النص التشريعى – محل الطعن – بوضعه حداً أقصى لما يملكه أصحاب المشروعات المؤممة من السندات الاسمية التى تحولت إليها حصصهم وأنصبتهم فى هذه المشروعات – وأن تعددت – يكون قد انطوى على مخالفة لأحكام الدستور الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقاً للمادة 37 منه، الأمر الذى يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور.
5- أن المحكمة لا تتقيد – وهى بصدد أعمال رقابتها على دستورية التشريعات – بالوصف الذى يخلعه المشرع على القواعد التى يسنها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف وتنطوى على إهدار حق من الحقوق التى كفلها الدستور، وإذ كانت المحكمة قد انتهت – على ما سلف بيانه – إلى أن النص التشريعى المطعون عليه لا يقوم على تعديل التعويض المستحق عن التأميم، وإنما يستهدف مصادرة ملكية السندات المستحقة لأصحاب المشروعات والتى تزيد على الحد الأقصى المنصوص عليه فيه، فإنه يكون قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة، الأمر الذى صانها يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
6- لما كانت نصوص القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 ترتبط بعضها ببعض ارتباطا لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فإن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى وإبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط إبطال باقى نصوص القرار بقانون المطعون عليه، بما يستوجب الحكم بعدم دستوريته برمته.
الإجراءات
بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1975 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963 بإضافة بعض الشركات والمنشآت إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت فيما تضمنه من العمل بأحكامه بأثر رجعى، وكذلك بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 و و118 و و119 لسنة 1961 والقوانين التالية لها تعويضاً إجمالياً.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى فى شقها الأول وبرفضها فى الشق الثانى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 3772 لسنة 1974 مدنى كلى جنوب القاهرة طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه سندات اسمية على الدولة بقيمة ما تم الاستيلاء عليه من حصصه فى الشركة التى أضافها القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963إلى الجدول المرافق للقرار بقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت، وبأن يدفعوا إليه ريع تلك السندات والتعويض عما لحقه من أضرار بسبب الاستيلاء على أمواله بغير مقابل. ودفع المدعى فى صحيفة دعواه بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963 سالف الذكر، وكذلك القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة وفقا لأحكام القوانين أرقام 117 و118 و119 لسنة 1961 تعويضاً إجمالياً. وبتاريخ 18 أكتوبر سنة 1975 قضت المحكمة بوقف الدعوى ليرفع المدعى دعواه الدستورية، فأقام دعواه الماثلة.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963 تأسيساً على انتفاء مصلحة المدعى فى هذا الشق من الدعوى بعد إلغاء ما كانت تنص عليه هذه المادة من أثر رجعى – وهو محل الطعن عليها – بموجب القرار بقانون رقم 140 لسنة 1964.
وحيث أنه يبين من القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963 بإضافة بعض الشركات والمنشآت إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت، أن المادة الثالثة منه كانت تنص على أن “ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ العمل بالقانون رقم 117 لسنة 1961 المشار إليه”. ثم استبدل بهذا النص النص الآتي: “وينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره”. وذلك بموجب القرار بقانون رقم 140 لسنة 1964 الذى قضت مادته الأخيرة بسريان هذا التعديل من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم 77 لسنة 1963.
ولما كان مقتضى ذلك أعمال القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963 بأثر مباشر من تاريخ نشره – بعد إلغاء الأثر الرجعى الذى كانت تنص عليه المادة الثالثة منه وكان يرتد بتاريخ تأميم الشركات والمنشآت الواردة به إلى تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم 117 لسنة 1961. ومن ثم تكون مصلحة المدعى فى الطعن بعدم دستورية هذه المادة – بعد تعديلها على الوجه المتقدم – غير قائمة، الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى فى هذا الشق.
وحيث أنه عن الطعن بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964، فإن المدعى ينعى على المادة الأولى منه أنها إذ قضت بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 و118 و119 لسنة 1961 والقوانين التالية لها بتعويض إجمالى لا يجاوز 15 ألف جنيه أياً كان مجموع ما يملكونه فيها، بعد أن كان قد تم تعويضهم عنها فعلاً طبقاً لقوانين التأميم المشار إليها بما يساوى القيمة الفعلية لحصصهم فى تلك المشروعات بموجب سندات مستحقة فى ذمة الدولة وقابلة للتداول، فإن مؤدى هذا النص استيلاء الدولة – بغير مقابل – على ما يملكونه من سندات تزيد على الحد الأقصى من التعويض الإجمالى المشار إليه، الأمر الذى يخالف ما تقضى به المادة الخامسة من دستور سنة 1958 – الذى صدر التشريع المطعون عليه فى ظله – من أن الملكية الخاصة مصونة، وما تقضى به المادة 36 من دستور سنة 1971 من أن المصادرة العامة للأموال محظورة، وأنه لا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى.
وحيث أن المادة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المطعون عليه والمعدل بالقانون رقم 4 لسنة 1966 تنص فى فقرتها الأولى على أن “جميع أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 و 118 و119 لسنة 1961 المشار إليها وأحكام القوانين التالية لها، يعوض صاحبها عن مجموع ما يمتلكه من أسهم ورؤوس أموال فى جميع هذه الشركات والمنشآت بتعويض إجمالى قدره 15 ألف جنيه، ما لم يكن مجموع ما يمتلكه فيها أقل من ذلك فيعوض عنه بمقدار هذا المجموع. وفى فقرتها الثانية على أن “وتستثنى البنوك وشركات التأمين وأجهزة الادخار والتأمين والمعاشات وصناديق التوفير والتأمين بالشركات وبالهيئات المختلفة من الحد الأقصى للتعويض المشار إليه بالفقرة السابقة”. وتنص المادة الثانية منه على أن “يتم التعويض المشار إليه فى المادة السابقة بسندات على الدولة وفقاً لأحكام القوانين التى آلت بمقتضاها ملكية أسهم ورؤوس أموال هذه الشركات والمنشآت إلى الدولة”. كما تنص مادته الثالثة والأخيرة على أن “ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره”. وقد تم هذا النشر فى 24 مارس سنة 1964
وحيث أنه يبين من تقصى قوانين التأميم التى تعلقت بها أحكام القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المشار إليه – ابتداء من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1961 وانتهاء بالقرار بقانون رقم 123 لسنة 1964 – أن المشرع التزم فيها جميعاً – بالنسبة لتقدير التعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة كلياً أو جزئياً – نهجاً عاماً قوامه أن يكون هذا التعويض معادلاً لكامل القيمة الحقيقية لحصص وأنصبة أصحاب تلك المشروعات، بعد تقويمها وفقاً للقواعد المحددة بالقوانين المذكورة. ويستفاد من ذلك مما نصت عليه المادة الثانية من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت من أن “تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار إليها إلى سندات أاسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة…” وما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 بتقرير مساهمة الدولة فى بعض الشركات والمنشآت من أن “تؤدى الحكومة قيمة الحصة التى تساهم بها المؤسسات العامة فى رأس مال الشركات والمنشآت المشار إليها بموجب سندات اسمية على الدولة بفائدة 4% سنويا لمدة خمس عشرة سنة وتكون السندات قابلة للتداول …” وما نصت عليه المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 119 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة من أن “تسدد الحكومة قيمة الأسهم التى آلت ملكيتها إليها بموجب سندات على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً وتكون السندات قابلة للتداول…” وقد رددت الحكم الوارد فى هذه النصوص جميع قوانين التأميم الأساسية التالية ومن بينها القرار بقانون رقم 38 لسنة 1963 (مادة 3) ورقم 72 لسنة 1963 (مادة 2) ورقم 73 لسنة 1963 (مادة 4) ورقم 123 لسنة 1964 (مادة 2).
وقد أفصح المشرع صراحة عن هذا النهج الذى التزمه فى تحديد التعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة فى مختلف قوانين التأميم بما أورده فى المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 117 لسنة 1961 – وأشار إليه فى المذكرات الإيضاحية للقرارات بقوانين اللاحقة عليه – من أن “هذا التأميم اتخذ صورته العادلة فلم تؤول ملكية أسهم الشركات أو رؤوس أموال المنشآت إلى الدولة بلا مقابل، بل عوض أصحابها عنها تعويضاً عادلاً إذ التزمت الدولة بأن تدفع قيمة أسهم تلك الشركات ورؤوس أموال المنشآت التى شملها التأميم فى شكل سندات اسمية على الدولة…. وبذلك تكون الدولة قد عوضت المساهمين وأصحاب رؤوس الأموال عن حصصهم وأنصبتهم التى كانوا يملكونها بتلك الشركات والمنشآت على نحو روعيت فيه العدالة المطلقة..” كما استطردت تلك المذكرة إلى القول “ثم أن هذه السندات تدفع عنها فائدة قدرها 4% وتكفل ثبات قيمتها طبيعتها كسندات على الدولة، وبذلك لا تكون تلك السندات معرضة التغيرات التى تطرأ عادة على قيمة الاسهم ورؤوس الأموال تبعا للتيارات الاقتصادية التى تسود المشروعات المستثمرة فيها تلك الأموال…” وهو ما يكشف عن وجه أخر لما رآه من رعاية لأصحاب الأسهم ورؤوس الأموال فى المشروعات المؤممة – إلى جانب تعويضهم الكامل عنها – بما ينم عن حرصه على النأى بسندات التعويض عن كل ما من شأنه انتقاص قيمتها أو المساس بها.
وحيث أن مفاد ما تقدم أن السبيل الذى ارتآه المشرع محققاً للعدالة المطلقة فى نظام التأميم ما درجت عليه القوانين سالفة البيان – بوجه مضطرد وبغير استثناء – من أن يكون التعويض المستحق لأصحاب أسهم ورؤوس أموال المشروعات المؤممة معادلاً لقيمة ما يملكونه فى هذه المشروعات جميعها وأياً ما بلغ مقدار هذا التعويض، وهو المبدأ الذى لم يحد عنه المشرع حتى بالنسبة للقرار بقانون رقم 123 لسنة 1964 بتأميم بعض الشركات والمنشآت الذى أصدره بتاريخ 21 مارس سنة 1964، وهو اليوم السابق مباشرة على صدور القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المطعون عليه، وقد تم نشرهما معاً فى 24 مارس سنة 1964، مما لا يستقيم معه القول بأن المشرع قصد من القرار بقانون المطعون عليه تعديل أسس أو قيمة التعويض التى سبق أن أرساها فى قوانين التأميم جميعها ومن بينها القرار بقانون رقم 123 لسنة 1964 المعاصر فى صدوره للقرار بقانون المطعون عليه حسبما سلف بيانه.
وحيث أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على النص على مبدأ الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها، وذلك باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى، وحافزهة إلى الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى ومن أجل ذلك حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً على صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة 9 من كل دستور سنة 1923 ودستور سنة 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956 والمادة 5 من دستور سنة 1958 والمادة 16 من دستور سنة 1964 والمادة 34 من دستور سنة 1971)، كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (المادة 35)، وحظر المصادرة العامة حظراً مطلقاً ولم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى (المادة 36).
لما كان ذلك، وكانت ملكية السندات الاسمية التى تحولت إليها القيمة الكاملة لأسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت المؤممة قد استقرت لأصحابها بموجب قوانين التأميم، بما تخوله لهم ملكية هذه السندات من حقوق كالتصرف فيها بالبيع بتداولها فى البورصة أو كوسيلة للوفاء بالتزاماتهم قبل الدولة بقدر قيمتها، أوالالانتفاع بما تغله من ريع، فأن مقتضى تطبيق الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المطعون عليه من وضع حد أقصى للتعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة بما لا يجاوز 15 ألف جنيه. استيلاء الدولة دون مقابل على السندات الاسمية المملوكة لهم والزائدة على هذا الحد وتجريدهم بالتالى من ملكيتها، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة للأموال بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة 36 منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. فضلاً عن أن النص التشريعى – محل الطعن – بوضعه حداً أقصى لما يملكه أصحاب المشروعات المؤممة من السندات الاسمية التى تحولت إليها حصصهم وأنصبتهم فى هذه المشروعات – وأن تعددت – يكون قد انطوى على مخالفة لأحكام الدستور الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقاً للمادة 37 منه، الأمر الذى يتضمن بدوره مساساً بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور سالف البيان.
وحيث أنه لا ينال مما تقدم ما ذهبت إليه الحكومة من أن القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت إليها ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117، 118، 119 لسنة 1961 والقوانين التالية لها تعويضاً إجمالياً، قصد به تعديل التعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة وأن تقدير التعويض ابتداء أو تعديله يعد من الملاءمات السياسية التى يستقل بها المشرع دون تعقيب، ذلك أن المحكمة لا تتقيد – وهى بصدد أعمال رقابتها على دستورية التشريعات – بالوصف الذى يخعله المشرع على القواعد التى يسنها متى كانت بطبيعتها تتنافى مع هذا الوصف وتنطوى على إهدار حق من الحقوق التى كفلها الدستور، وإذ كانت المحكمة قد انتهت – على ما سلف بيانه – إلى أن النص التشريعى المطعون عليه لا يقوم على تعديل التعويض المستحق عن التأميم، وإنما يستهدف مصادرة ملكية السندات المستحقة لأصحاب المشروعات والتى تزيد على الحد الأقصى المنصوص عليه فيه، فإنه يكون قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة، الأمر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث أنه لا وجه أيضاً لما أثارته الحكومة من أن القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 المطعون عليه – بما تضمنه من إضافة القدر الزائد من السندات الاسمية على الحد الأقصى للتعويض الإجمالى عن التأميم إلى ملكية الشعب – قد سعى إلى الحد من تضخم ثروات الأفراد وجاء استجابة لما يقرره الدستور من مبادئ فى شأن التضامن الاجتماعى وتحقيق كفاية الإنتاج وعدالة التوزيع وتذويب الفوارق بين الطبقات. ذلك أنه فضلاً عن أن ما ذهبت إليه الحكومة فى دفاعها – تبياناً لقصد المشرع من إصدار القرار بقانون المطعون عليه يؤكد ما خلصت إليه المحكمة من أن هذا التشريع قد تغيا أساساً استيلاء الدولة – بغير مقابل – على ما زاد من سندات التعويض على الحد الأقصى المقرر به، فإن التزام المشرع بالعمل على تحقيق تلك المبادئ لا يعنى ترخصه فى تجاوز الضوابط والخروج على القيود التى تضمنتها مبادئ الدستور الأخرى ومنها صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها نصوصه. وفضلاً عن ذلك فإن المشرع الدستورى قد عنى – فى التعديل الصادر بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – عند تحديد الأساس الاقتصادى للدولة فى المادة الرابعة من الدستور، بأن يستبدل بعبارة “ويهدف إلى تذويب الفروق بين الطبقات” عبارة “ويؤدى إلى تقريب الفوارق بين الدخول ويحمى الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة”. وهى ذات العبارة التى أوردها فى المادة 23 منه والتى تنص على أن “ينظم الاقتصاد القومى وفقاً لخطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومى وعدالة التوزيع، ورفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وزيادة فرص العمل، وربط الأجر بالانتاج، وضمان حد أدنى للأجور، ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول”.
وحيث أنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964، ولما كانت باقى أحكام هذا القانون مترتبة على الحكم الوارد بالفقرة المشار إليها، بما مؤداه ارتباط نصوصه بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فإن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى وإبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط إبطال باقى نصوص القرار بقانون المطعون عليه، بما يستوجب الحكم بعدم دستوريته برمته.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 77 لسنة 1963 بإضافة بعض الشركات والمنشآت إلى الجدول المرافق للقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت.
ثانياً: بعدم دستورية القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 بتعويض أصحاب أسهم ورؤوس أموال الشركات والمنشآت التى آلت ملكيتها إلى الدولة وفقاً لأحكام القوانين أرقام 117 و118 و119 لسنة 1961 والقوانين التالية لها تعويضاً إجمالياً.
وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيها مقابل أتعاب المحاماة.
(1) أصدرت المحكمة بذات الجلسة حكمين مماثلين فى الدعويين رقمى 25 لسنة 2 ق و32 لسنة 3 ق دستورية.
وسوم : حكم دستورية