جلسة 25 من يونيه سنة 1983
برئاسة السيد المستشار د. فتحى عبد الصبور رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى ومحمد عبد الخالق النادى ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى ورابح لطفى جمعة وفوزى أسعد مرقس أعضاء، وحضور السيد المستشار د. محمد إبراهيم أبو العينين المفوض، والسيد أحمد على فضل الله أمين السر.
(22)
القضية رقم 3 لسنة 1 قضائية “دستورية”(1)
1- أعمال سيادة – اختصاص – النأى بها عن الرقابة القضائية نظراً لطبيعتها.
2- أعمال سيادة – المسائل السياسية – صورة من صور أعمال السيادة التى لا تنبسط علنها رقابة القضاء.
3- أعمال سيادة – تحديدها – المرد فى ذلك إلى القضاء بحسب ظروف كل حالة على حدة – الاطار العام لهذه الأعمال هو صدورها عن الدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة داخلية وخارجية.
4- أعمال سيادة. إصلاح زراعى. الاستيلاء على الأراضى الزائدة – القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 لسنة 1964 – صدر فى شأن يتعلق بالأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها – لا يتناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية.
5- ملكية خاصة – حرص الدساتير المصرية المتعاقبة على النص على مبدأ صونها وحرمتها – بيان ذلك وحكمته.
6- إصلاح زراعى – استيلاء – مصادرة – الاستيلاء على ملكية الأراضى الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى بغير مقابل – يعتبر مصادرة خاصة لا تجوز إلا بحكم قضائى.
7- إصلاح زراعى – الاستيلاء على أراضى زراعية زائدة عن الحد الأقصى للملكية الزراعية – سكوت الدستور عن النص على تقرير حق التعويض عنها – هذا الحق تمليه المبادئ الأساسية التى يتضمنها الدستور بشأن صون الملكية الخاصة.
8- إصلاح زراعى – استيلاء – تعويض – تشريعات الإصلاح الزراعى المتعاقبة التى وضعت حدا أقصى للملكية الزراعية – لم تغفل حق الملاك فى التعويض عن أراضيهم المستولى عليها.
9- إصلاح زراعى – استيلاء – القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 بشأن أيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها دون مقابل – اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة للمادتين 34 و36 من الدستور.
10- قانون – عدم دستورية – ارتباط نصوصه بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة – عدم دستورية نص من نصوصه – أثر ذلك – عدم دستورية القانون برمته.
1، 2- إن نظرية أعمال السيادة، وإن كانت فى أصلها الفرنسى قضائية النشأة ولدت فى ساحة القضاء الادارى الفرنسى، وتبلورت فى رحابه، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية نظامنا القضائى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب تشريعاته المتعاقبة المنظمة للمحاكم ومجلس الدولة. وآخرها ما ورد فى قانونى السلطة القضائية ومجلس الدولة اللذين استبعدا أعمال السيادة من ولاية القضاء العادى والقضاء الإدارى على السواء تحقيقاً للاعتبارات التى تقتضى – نظراً لطبيعة هذه الأعمال – النأى بها عن الرقابة القضائية وذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة، واستجابة لمقتضيات أمنها فى الداخل والخارج ورعاية لمصالحها الأساسية. وقد وجدت هذه الاعتبارات صدى لدى القضاء الدستورى فى الدول التى اخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين فاستبعدت المسائل السياسية من نطاق هذه الرقابة، وهى صورة من أعمال السيادة التى لا تنبسط عليها رقابة القضاء فى النظام المصرى.
3، 4- أن أعمال السيادة التى تخرج عن مجال الرقابة القضائية، وإن كانت لا تقبل الحصر والتحديد وكان المرد فى تحديدها إلى القضاء ليقرر ما يعتبر من أعمال السيادة وما لا تعتبر منها بحسب ظروف كل حالة على حدة، إلا أن هذا الأعمال يجمعها إطار عام هى أنها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة داخلية وخارجية مستهدفة تحقيق المصالح العليا للجماعة، والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى، وتأمين سلامتها وأمنها فى الداخل والخارج. لما كان ذلك، وكان القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه قد صدر فى شأن يتعلق بالاراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 متضمناً عدم أحقية ملاكها فى التعويض عن هذا الأراضى، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، وهى من الحقوق التى عنى الدستور بالنص على صونها، وتحديد الحالات التى يجوز فيها نزعها جبرا عن مالكها، ووضع القيود والضوابط لحمايتها، والتى ينبغى على سلطة التشريع أن تلتزمها وإلا جاء عملها مخالفاً للدستور. ومن ثم لا يكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية.
5- إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حصرت جميعها منذ دستور سنة 1923 على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة وحرمتها باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى، وحافزه على الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى. ومن أجل ذلك، حظرت تلك الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة 9 من كل من دستور سنة 1923 ودستور سنة 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956 والمادة 5 من دستور سنة 1958 والمادة 16 من دستور سنة 1964 والمادة 34 من دستور سنة 1971) كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (المادة 35). بل إنه إمعاناً فى حماية الملكية الخاصة وصونها من الاعتداء عليها بغير حق حظر هذا الدستور المصادرة العامة حظراً مطلقاً، كما لم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى (المادة 36).
6- استيلاء الدولة على ملكية الأراضى الزراعية الزائدة على الحد الأقصى الذى يقرره القانون للملكية الزراعية يتضمن نزعا لهذه الملكية الخاصة بالنسبة للقدر الزائد جبراً عن صاحبها، ومن ثم وجب أن يكون حرمانه من ملكه مقابل تعويض، وإلا كان استيلاء الدولة على أرضه بغير مقابل مصادرة خاصة لها لا تجوز إلا بحكم قضائى وفقاً لحكم المادة (36) من الدستور.
7- إذا كانت المادة 37 من الدستور قد سكتت عن النص صراحة على تقرير حق التعويض بالنسبة للاستيلاء على الأراضى الزراعية المجاوزة للحد المقرر قانوناً، فإن ما استهدفه المشرع الدستورى من إيراد هذا النص هو تقرير مبدأ تعيين حد أقصى للملكية الزراعيه بما لا يسمح بقيام الإقطاع ويضمن حماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، فكان مجال ذلك النص الدستورى مقصوراً على تقرير هذا المبدأ ومحصورا فى ارساء حكمه، ولم يكن إيراد هذا النص بصدد تنظيم الاستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى. وبالتالى لم يكن ثمة مقتض فى هذا الصدد لتأكيد مبدأ التعويض عن الاستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن هذا الحد اجتزاء بما تغنى عنه المبادئ الأساسية الأخرى التى يتضمنها الدستور والتى تصون الملكية الخاصة، وتنهى عن نزعها إلا لمنفعة عامة ومقابل تعويض، ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. كما لا ينال من ذلك ما أثارته الحكومة من أن القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 قد جاء استجابة من المشرع لما يقرره الدستور فى مادته الرابعة من أن الأساس الاقتصادى للدولة يهدف إلى تذويب الفوارق بين الطبقات، وفى مادته السابعة من أن التضامن الاجتماعى أساس المجتمع ذلك أن التزام المشرع بالعمل على تحقيق تلك المبادئ لا يعنى ترخصه فى تجاوز الضوابط الخروج على القيود التى تضمنتها مبادئ الدستور الأخرى ومنها صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها نصوصه.
8- إن تشريعات الإصلاح الزراعى المتعاقبة التى صدر بها المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 والقرار بقانون رقم 50 لسنة 1969 والتى وضعت حداً أقصى للملكية الزراعية، وقررت الاستيلاء على ما يزيد عن هذا الحد لم تغفل حق الملاك فى التعويض عن أراضيهم المستولى عليها، وإنما قررت حقهم فى التعويض عنها وفقا للقواعد والأسس التى نصت عليها تلك القوانين. بل إن القرار بقانون رقم 15 لسنة 1963 فى شأن حظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما فى حكمها قد اعتنق هذا النظر، فنص فى المادة الرابعة منه على أن يؤدى إلى ملاك تلك الأراضى تعويض يقدر وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952.
9، 10 – إن القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه، إذ نص فى مادته الأولى على أيلولة ملكية الاراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له إلى الدولة دون مقابل، يكون قد جرد ملاك تلك الأراضى المستولى عليها من ملكيتهم لها بغير مقابل، فشكل بذلك اعتداء على هذه الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم كل من المادة 34 من دستور سنة 1971 التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة 36 منه التى تحضر المصادرة العامة للأموال ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964.
الإجراءات
بتاريخ 29 مارس سنة 1976 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 بأيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له – إلى الدولة دون مقابل.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً بالرأى انتهت فيه إلى عدم دستورية القرار بقانون المطعون فيه.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت الحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 5685 لسنة 1974 مدنى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية طالبين الحكم بإلزام المدعى عليهم متضامنين بتسليمهما سندات اسمية على الدولة بمبلغ 19600 جنيهاً قيمة التعويض المستحق لهما عن أراضيهما الزراعية التى استولت عليها الحكومة تنفيذاً لأحكام القرار بقانون 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى، والتى امتنعت الدولة عن تسليمها لهما بحجة أن القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 قد قضى بأيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له – إلى الدولة دون مقابل. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعيان بعدم دستورية القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964. وبجلسة 22 فبراير سنة 1976 رخصت المحكمة للمدعيين برفع دعواهما الدستورية خلال شهرين، فأقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه – يعتبر عملاً من الأعمال السياسية التى تستهدف الحفاظ على كيان الدولة الاقتصادى وتحقيق سياستها العليا فى القضاء على الإقطاع وتذويب الفوارق بين الطبقات، وهو بهذه المثابة يعد من أعمال السيادة التى تنحسر عنها الرقابة على دستورية القوانين.
وحيث إن نظرية أعمال السيادة، وإن كانت فى أصلها الفرنسى قضائية النشأة ولدت فى ساحة القضاء الادارى الفرنسى، وتبلورت فى رحابه، إلا أنها فى مصر ذات أساس تشريعى يرجع إلى بداية نظامنا القاضى الحديث الذى أقرها بنصوص صريحة فى صلب تشريعاته المتعاقبة المنظمة للمحاكم ومجلس الدولة. وآخرها ما ورد فى قانونى السلطة القضائية ومجلس الدولة اللذين استبعدا أعمال السيادة من ولاية القضاء العادى والقضاء الإدارى على السواء تحقيقاً للاعتبارات التى تقتضى – نظراً لطبيعة هذه الأعمال – النأى بها عن الرقابة القضائية وذلك لدواعى الحفاظ على كيان الدولة، واستجابة لمقتضيات أمنها فى الداخل والخارج ورعاية لمصالحها الأساسية. وقد وجدت هذه الاعتبارات صدى لدى القضاء الدستورى فى الدول التى أخذت بنظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين فاستبعدت المسائل السياسية من نطاق هذه الرقابة، وهى صورة من أعمال السيادة التى لا تنبسط عليها رقابة القضاء فى النظام المصرى.
وحيث إن أعمال السيادة التى تخرج عن مجال الرقابة القضائية، وإن كانت لا تقبل الحصر والتحديد وكان المرد فى تحديدها إلى القضاء ليقرر ما يعتبر من أعمال السيادة وما لا تعتبر منها بحسب ظروف كل حالة على حدة، إلا أن هذا الأعمال يجمعها إطار عام هى انها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة داخلية وخارجية مستهدفة تحقيق المصالح العليا للجماعة، والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى، وتأمين سلامتها وأمنها فى الداخل والخارج. لما كان ذلك، وكان القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه قد صدر فى شأن يتعلق بالأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 متضمناً عدم أحقية ملاكها فى التعويض عن هذا الأراضى، فتعرض بذلك للملكية الخاصة، وهى من الحقوق التى عنى الدستور بالنص على صونها، وتحديد الحالات التى يجوز فيها نزعها جبراً عن مالكها، ووضع القيود والضوابط لحمايتها، والتى ينبغى على سلطة التشريع أن تلتزمها وإلا جاء عملها مخالفاً للدستور. ومن ثم لا يكون ذلك القرار بقانون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها فى هذا الصدد بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى غير قائم على أساس، متعيناً رفضه.
وحيث إن مما ينعاه المدعيان على القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه أنه إذ قضى بأيلولة ملكية الأراضى الزراعية – التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له – إلى الدولة دون مقابل يكون قد انطوى على اعتداء على الملكية الخاصة، ومصادرة لها، وذلك بالمخالفة لحكم كل من المادة 34 من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة والمادة 36 منه التى تحظر المصادرة العامة، ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى.
وحيث إن المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى بعد أن نص فى مادته الأولى على أنه “لا يجوز لأى شخص أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائتى فدان. وكان عقد يترتب عليه مخالفة هذا الحكم يعتبر باطلاً ولا يجوز تسجيله” قضى فى مادته الخامسة بأن “يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقاً لأحكام المادة الأولى، الحق فى تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأراضى. مضافاً إليه قيمة المنشآت والآلات الثابتة وغير الثابتة، والأشجار. وتقدر القيمة الإيجازية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية…..” كما نص فى مادته السادسة على أن “يؤدى التعويض سندات على الحكومة… وتستهلك خلال أربعين سنة. وتكون هذه السندات اسمية…. ويصدر مرسوم بناء على طلب وزير المالية والاقتصاد بتعيين مواعيد وشروط استهلاك هذه السندات وشروط تداولها”. وإذ صدر بعد ذلك القانون بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى ونص فى مادته الأولى على أنه “لا يجوز لأى فرد أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائة فدان ويعتبر فى حكم الأراضى الزراعية ما يملكه الأفراد من الأراضى البور والأراضى الصحراوية…..” وفى مادته الثالثة على أن “تستولى الحكومة على ملكية ما يجاوز الحد الأقصى الذى يستبقيه المالك” قضى فى مادته الرابعة بأن “يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذاً لأحكام هذا القانون الحق فى تعويض يقدر وفقاً للأحكام الواردة فى هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه وبمراعاة الضريبة السارية فى 9 سبتمبر سنة 1952” كما نصت مادته الخامسة على أن “يؤدى التعويض سندات اسمية على الدولة لمدة 15 سنة… وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة – ويصدر قرار من وزير الخزانة بكيفية إصدار هذه السندات…”.
وحيث إنه فى 21 مارس سنة 1964 صدر القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه، ونص فى مادته الاولى على أن “الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والقانون رقم 127 لسنة 1961 المشار إليهما، تؤول ملكيتها إلى الدولة دون مقابل”، وفى مادته الثانية على أن “يلغى كل من يخالف أحكام هذا القانون”، وانتهى فى مادته الثالثة والأخيرة إلى النص على أن ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره. وقد تم نشره فى الجريدة الرسمية فى 23 مارس سنة 1964.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حصرت جميعها منذ سنة 1923 على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة وحرمتها باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى، وحافزه على الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحافظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى. ومن أجل ذلك، حظرت تلك الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة 9 من كل دستور سنة 1923 ودستور 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956 والمادة 5 من دستور سنة 1958 والمادة 16 من دستور سنة 1964 والمادة 34 من دستور سنة 1971) كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (المادة 35). بل إنه إمعاناً فى حماية الملكية الخاصة وصونها من الاعتداء عليها بغير حق حظر هذا الدستور المصادرة العامة حظراً مطلقاً، كما لم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى (المادة 36).
لما كان ذلك، وكان استيلاء الدولة على ملكية الأراضى الزراعية الزائدة على الحد الأقصى الذى يقرره القانون للملكية الزراعية يتضمن نزعا لهذه الملكية الخاصة بالنسبة للقدر الزائد جبراً عن صاحبها، ومن ثم وجب أن يكون حرمانه من ملكه مقابل تعويض، وإلا كان استيلاء الدولة على أرضه بغير مقابل مصادرة خاصة لها لا تجوز إلا بحكم قضائى وفقاً لحكم المادة (36) من الدستور.
ولا يقدح فى هذا النظر ما ذهبت إليه الحكومة من أن المادة 37 من الدستور قد سكتت عن النص صراحة على تقرير حق التعويض بالنسبة للاستيلاء على الأراضى الزراعية المجاوزة للحد المقرر قانوناً، ذلك أن ما استهدفه المشرع الدستورى من إيراد هذا النص هو تقرير مبدأ تعيين حد أقصى للملكية الزراعية بما لا يسمح بقيام الإقطاع ويضمن حماية الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال، فكان مجال ذلك النص الدستورى مقصوراً على تقرير هذا المبدأ ومحصوراً فى إرساء حكمه، ولم يكن إيراد هذا النص بصدد تنظيم الاستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن الحد الأقصى. وبالتالى لم يكن ثمة مقتض فى هذا الصدد لتأكيد مبدأ التعويض عن الاستيلاء على الأراضى الزراعية الزائدة عن هذا الحد اجتزاء بما تغنى عنه المبادئ الأساسية الأخرى التى يتضمنها الدستور والتى تصون الملكية الخاصة، وتنهى عن نزعها إلا لمنفعة عامة ومقابل تعويض، ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. كما لا ينال من ذلك ما أثارته الحكومة من أن القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 قد جاء استجابة من المشرع لما يقرره الدستور فى مادته الرابعة من أن الأساس الاقتصادى للدولة يهدف إلى تذويب الفوارق بين الطبقات، وفى مادته السابعة من أن التضامن الاجتماعى أساس المجتمع ذلك أن التزام المشرع بالعمل على تحقيق تلك المبادئ لا يعنى ترخصه فى تجاوز الضوابط الخروج على القيود التى تضمنتها مبادئ الدستورى الأخرى ومنها صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها نصوصه.
وحيث إنه تمشياً مع هذا المفهوم الصحيح لأحكام الدستور، فإن تشريعات الإصلاح الزراعى المتعاقبة التى صدر بها المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 والقرار بقانون رقم 50 لسنة 1969 والتى وضعت حدا أقصى للملكية الزراعية، وقررت الاستيلاء على ما يزيد عن هذا الحد لم تغفل حق الملاك فى التعويض عن أراضيهم المستولى عليها، وإنما قررت حقهم فى التعويض عنها وفقاً للقواعد والأسس التى نصت عليها تلك القوانين. بل إن القرار بقانون رقم 15 لسنة 1963 فى شأن حظر تملك الأجانب للأراضى الزراعية وما فى حكمها قد اعتنق هذا النظر، فنص فى المادة الرابعة منه على أن يؤدى إلى ملاك تلك الأراضى تعويض يقدر وفقاً للأحكام المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952.
وحيث إنه على مقتضى ما تقدم، فإن القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 المطعون فيه، إذ نص فى مادته الأولى على أيلولة ملكية الأراضى الزراعية التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له إلى الدولة دون مقابل، يكون قد جرد ملاك تلك الأراضى المستولى عليها من ملكيتهم لها بغير مقابل، فشكل بذلك اعتداء على هذه الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم كل من المادة 34 من دستور سنة 1971 التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، والمادة 36 منه التى تحظر المصادرة العامة للأموال ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى، مما يتعين معه الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964.
ولما كان ذلك، وكانت باقى مواد هذا القانون مترتبة على مادته الأولى، بما مؤداه ارتباط نصوصه بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم، فإن عدم دستورية نص المادة الأولى وإبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط – أن يلحق ذلك الابطال باقى نصوص هذا القرار بقانون المطعون فيه، بما يستوجب الحكم بعدم دستوريته برمته.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 بأيلولة ملكية الاراضى الزراعية – التى تم الاستيلاء عليها طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالاصلاح الزراعى والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المعدل له – إلى الدولة دون مقابل، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.
(1) أصدرت المحكمة بذات الجلسة حكمين مماثلين فى الدعوى الدستورية رقم 4 لسنة 1 ق والدعوى الدستورى رقم 38 لسنة 4 ق.
كما أصدرت بذات الجلسة أيضاً خمسة أحكام أخرى فى الدعاوى الدستورية ارقام 23 لسنة 1 ق و24 لسنة 1 ق و25 لسنة 1 ق و27 لسنة 1 ق و85 لسنة 4 ق تضمنت ذات المبادئ المشار إليها فى البنود من 5 إلى 10.