الخط الساخن : 01118881009
جلسة 30 من أبريل سنة 1983
برئاسة السيد المستشار فاروق سيف النصر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ د. فتحى عبد الصبور ومحمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومحمد عبد الخالق النادى ومنير أمين عبد المجيد أعضاء، وحضور السيد المستشار د. محمد إبراهيم أبو العينين المفوض، والسيد أحمد على فضل الله أمين السر.
(15)
القضية رقم 16 لسنة 1 قضائية “دستورية”(1)
1- لجان إدارية – لجان التقويم المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت لجان إدارية – قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية.
2- حق التقاضى – مبدأ دستورى أصيل – حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء – أساس ذلك – نص المادة 68 من الدستور وما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للإفراد.
3- مبدأ المساواة – حق التقاضى – من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها – حرمان طائفة معينة من هذا الحق ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة.
4- لجان التقويم – النص على تحصين قراراتها من رقابة القضاء – مخالف للدستور – أوجه مخالفة الدستور.
1- إن المشرع لم يسبغ على لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون 72 لسنة 1963 – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تحديد أسعار أسهم بعض الشركات التى تتخذ شكل شركات المساهمة وتقويم رؤوس أموال المنشآت التى لم تتخذ هذا الشكل، لتقدير أصولها وخصومها توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق قانوناً لأصحابها مقابل تأميمها، دون أن يفرض على تلك اللجان إخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات وغير ذلك من الإجراءات القضائية التى تحقق بها ضمانات التقاضى، ومن ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية وتعتبر قراراتها قرارات ادارية وليست قرارات قضائية. ولا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الحكومة من أن تشكيل هذه اللجان برئاسة أحد المستشارين يضفى على أعمالها الصفة القضائية ويوفر منذ البداية الرقابة القضائية عليها بما يغنى عن الرقابة اللاحقة بالطعن فيها، ذلك أن مجرد مشاركة أحد رجال القضاء فى تلك اللجان – التى يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى – لا يخلع بذاته عليها الصفة القضائية طالما أن المشرع لم يخولها سلطة الفصل فى خصومة، وما دامت لا تتبع فى مباشرة عملها إجراءات لها سمات إجراءات التقاضى وضماناته على نحو ما تقدم.
2- إن المادة 68 من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ….. ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها.
3- إن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة 40 منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفه معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق.
4- إن المادة الثالثة من القرار بقانون 72 لسنة 1963 إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكامه – قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – وهى قرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء وانطوت على مصادرة لحق التقاضى وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق بما يخالف المادتين 40 و68 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 25 مارس سنة 1978 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت فيما نصت عليه من أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقاً لاحكامه – نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 836 لسنة 26 ق أمام محكمة القضاء الإدارى – طالبين الحكم بإلغاء قرار لجنة تقويم شركة “أبو الهول لصناعة وتجارة الغزل والمنسوجات” – المكونة منهم والتى شملها التأميم بمقتضى القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 – مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إعادة تقويم الشركة على أسس قانونيه عادلة. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية المادة الثالثة من ذلك القرار بقانون فيما نصت عليه من أن قرارات لجان التقويم المشكلة طبقاً لأحكامه نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن، فقضت المحكمة فى 17 يناير سنة 1978 بوقف الدعوى وأمهلت المدعين ثلاثة أشهر لرفع دعواهم الدستورية، فأقاموا دعواهم الماثلة.
وحيث إن المدعين ينعون على المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 73 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت أنها إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم المشكلة طبقاً لأحكامه نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – وهى بطبيعتها قرارات إدارية – تكون قد أخلت بحق التقاضى الذى تكفله الدساتير السابقة كما عنى الدستور القائم فى المادة 68 منه بالنص على صونه والنهى عن تحصين الأعمال والقرارات الإدارية من رقابة القضاء.
وحيث إن القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت بعد أن نص فى مادته الأولى على أن “تؤمم الشركات والمنشآت المبينة بالجدول المرافق لهذا القانون وتؤول ملكيتها إلى الدولة…..”، وفى مادته الثانية على أن “تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار إليها إلى سندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة….. وتكون السندات قابلة التداول فى البورصة”. قضى فى مادته الثالثة بأن “يحدد سعر كل سند بسعر السهم حسب آخر إقفال لبورصة الأوراق المالية بالقانون قبل صدور هذا القانون، فإذا لم تكن الأسهم متداولة فى البورصة أو كان قد مضى على آخر تعامل عليها أكثر من ستة شهور فيتولى تحديد سعرها لجان من ثلاثة أعضاء يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصها قرار من وزير الصناعة على أن يرأس كل لجنة مستشار بمحكمة الاستئناف يختاره وزير العدل. وتصدر كل لجنة قراراتها فى مدة لا تجاوز شهرين من تاريخ صدور قرار تشكيلها وتكون قرارات اللجنة نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن. كما تتولى هذه اللجان تقييم المنشآت غير المتخذة شكل شركات مساهمة”.
وحيث إن مؤدى هذه النصوص أن المشرع لم يسبغ على لجان التقويم – المشكلة طبقاً لاحكام القرار بقانون 72 لسنة 1963 سالف البيان – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تحديد أسعار أسهم بعض الشركات التى تتخذ شكل شركات المساهمة وتقويم رؤوس أموال المنشآت التى لم تتخذ هذا الشكل، لتقدير أصولها وخصومها توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق قانوناً لأصحابها مقابل تأميمها، دون أن يفرض على تلك اللجان إخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات وغير ذلك من الإجراءات القضائية التى تحقق بها ضمانات التقاضى، ومن ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية. ولا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الحكومة من أن تشكيل هذه اللجان برئاسة أحد المستشارين يضفى على أعمالها الصفة القضائية ويوفر منذ البداية الرقابة القضائية عليها بما يغنى عن الرقابة اللاحقة بالطعن فيها، ذلك أن مجرد مشاركة أحد رجال القضاء فى تلك اللجان – التى يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى – لا يخلع بذاته عليها الصفة القضائية طالما أن المشرع لم يخولها سلطة الفصل فى خصومة، وما دامت لا تتبع فى مباشرة عملها إجراءات لما سمات إجراءات – التقاضى وضماناته على نحو ما تقدم.
وحيث إن المادة 68 من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى …. ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائيه على القرارات الإدارية وحسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها.
وحيث إنه من ناحية أخرى فإن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة 40 منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة فى حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار إبداء المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق.
لما كان ذلك، فإن المادة الثالثة من القرار بقانون 72 لسنة 1963 إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكامه – قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – وهى قرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء وانطوت على مصادرة لحق التقاضى وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق بما يخالف المادتين 40 و68 من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت – فيما تضمنته من النص على أن تكون قرارات لجان التقويم “نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن”.
لهذه الأسباب:
حكمت الحكمة بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 72 لسنة 63 بتأميم بعض الشركات والمنشآت – فيما تضمنته من النص على أن تكون قرارات لجان التقويم “نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن” وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماه.
(1) أصدرت المحكمة بذات الجلسة حكماً مماثلاً فى الدعوى الدستورية رقم 14 لسنة 2 ق.
وسوم : حكم دستورية