الخط الساخن : 01118881009
جلسة 2 فبراير سنة 1985م
برياسة السيد المستشار محمد على بليغ رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ مصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ورابح لطفى جمعه وفوزى أسعد مرقس وشريف برهام نور- أعضاء، وحضور السيد/ المستشار الدكتور أحمد محمد الحنفى – المفوض، وحضور السيد/ أحمد على فضل الله – أمين السر.
قاعدة رقم (22)
القضية رقم 91 لسنة 4 قضائية “دستورية”
1 – تأميم – مسئولية المشروعات المؤممة – القانون رقم 118 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت.
تأميم المشروعات بنقل ملكيتها إلى الدولة لا يترتب عليها تصفيتها أو انقضاء شخصيتها التى كانت لها قبل التأميم. يظل لهذه المشروعات نظامها القانونى وذمتها المالية مستقلين عن شخصية وذمة الدولة، وتكون مسئولة وحدها مسئولية كاملة عن جميع التزاماتها قبل التأميم.
2 – تأميم – مسئولية الدولة.
المشرع قرر مسئولية الدولة عن التزامات المشروعات المؤممة فى حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها فى تاريخ التأميم، وذلك لاستقلال ذمة المساهم عن ذمة المشروعات المؤممة، وعدم مسئوليته عن التزاماتها إلا عند التصفية وفى حدود قيمة أسهمه.
3 – الملكية الخاصة – نزع الملكية – التأميم – المصادرة العامة أو الخاصة.
نص الدستور القائم على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون حظرت الدساتير نزع الملكيه الخاصة إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض.
حظر الدستور المصادرة العامة حظراً مطلقاً، ولم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى.
4 – الشركات والمنشآت المؤممة.
تحميل جميع أموال الزوجات والأولاد بضمان الوفاء بالتزامات الشركات المؤممة الزائدة على أصولها حال أنه لا علاقة لهم بها ولا وجه لمسئوليتهم عنها بمقتضى نص الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 يشكل اعتداء على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادة 34 من الدستور.
5 – السلطة التقديرية للمشرع – الرقابة القضائية على دستورية التشريعات. الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، والرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها. إلا أن هذا لا يعنى اطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور – خضوع هذه التشريعات لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
1، 2 – وحيث أنه يبين من أحكام القرار بقانون رقم 117 لسنة 61بتأميم بعض الشركات والمنشآت وقوانين التأميم اللاحقة ومن بينها القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 السالف الإشارة إليه، أن المشرع لم يشأ أن يتخذ تأميم المشروعات ـ جزئياً أو كلياً ـ صورة نقل ملكيتها مباشرة إلى الدولة بقصد تصفيتها بحيث تنقضى تبعاً لذلك شخصيتها الاعتبارية التى كانت لها قبل التأميم، وإنما رأى أن يكون تأميمها عن طريق نقل ملكية أسهمها – جميعاً أو جزء منها بحسب نطاق التأميم – إلى الدولة مع الإبقاء على شخصيتها الاعتبارية التى كانت تتمتع بها قبل التأميم بحيث تظل هذه المشروعات محتفظة بنظامها القانونى وذمتها المالية مستقلين عن شخصية وذمة الدولة وتستمر فى مباشرة نشاطه، وتبقى بالتالى مسئولة وحدها مسئولية كاملة عن جميع الالتزامات التى تحملت بها قبل التأميم. ومن ناحية أخرى فإن المشرع رغبة منه فى تنظيم حقوق دائنى هذه الشركات والمنشآت – وحتى لا تتأثر بسبب ما طرأ عليها من تحول نتيجة لخضوعها للقرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 سالف البيان – قرر مسئولية الدولة عن التزامات هذه المشروعات فى حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها فى تاريخ صدور القانون، مردداً بذلك حكم القواعد العامة فى شأن استقلال ذمة المساهم عن ذمة المشروعات المؤممة وعدم مسئوليته عن التزاماتها إلا عند التصفية فى حدود قيمة أسهمه ثم جاوز المشرع ذلك ـ بالنسبة إلى الشركات التى لم تكن أسهمها متداولة فى البورصة أو التى مضى على آخر تعامل عليها أكثر من ستة شهور أو المنشآت غير المتخذة شكل شركة مساهمة – إلى النص على أن تكون أموال زوجات وأولاد أصحاب المشروعات المؤممة ضامنة للوفاء بالتزاماتها الزائدة عن أصولها، فأنشأ بذلك ضماناً آخر استثنائياً – هو محل الطعن فى الدعوى الماثلة – أجاز بمقتضاه لدائنى هذه المشروعات الرجوع على تلك الأموال إذ لم تكن أصول المشروع – المسئول أصلاً عن التزاماته مسئولية كاملة – كافية للوفاء بها.
3 – أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها، وذلك باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى وحافزة على الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى. ومن أجل ذلك، حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة 9 من كل من دستور سنة 1923 ودستور سنة 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956 والمادة 5 من دستور سنة 1958 والمادة 16 من دستور سنة 1964 والمادة 34 من دستور سنة 1971). كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض (المادة 35) وحظر المصادرة العامة حظراً مطلقاً، ولم يجز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى (المادة 36).
4 – وحيث أنه لما كان مقتضى نص الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 ـ المعدلة بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962 ـ حسبما يبين من عبارتها المطلقة تحميل أموال الزوجات والأولاد بضمان الوفاء بالتزامات الشركات والمنشآت المشار إليها فى هذه الفقرة ـ الزائدة على أصولها، حال أنه لا علاقة لهم بها ودون أن يكون ثمة وجه لمسئوليتهم عنها فضلاً عما اتسم به هذا الضمان من شمول لجميع أموال الزوجات والأولاد ولو كانت فى مصدرها منبتة الصلة بالشركة أو بأصحابها.
ولما كان ذلك، وكان خلق هذا الضمان الاستثنائى الذى حمل به المشرع أموال الزوجات والأولاد وفاء لديون لا شأن لهم بها ومؤداه الحتمى تجريد هؤلاء من ملكيتهم لهذه الأموال ونزعها جبراً عنهم عند التنفيذ عليها اقتضاء لتلك الديون، بما قد يصل إلى حد حرمانهم منها جميعاً عند استغراق الديون لقيمة الأموال. وإذ كان ذلك لا يعد من قبيل نزع الملكية للمنفعة العامة ولا يعتبر من صور تأميم المشروعات، فإن النص التشريعى المطعون عليه يشكل اعتداء على الملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور التى تقضى بأن الملكية الخاصة مصونة.
5 – أنه وأن كان الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية وأن الرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصداره، إلا أن هذا لا يعنى اطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور ، هذا فضلاً عن أن تنظيم المشرع لحق الملكية فى إطار وظيفتها الاجتماعية ينبغى ألا يعصف بهذا الحق أو يؤثر على بقائه على نحو ما سلكه النص المطعون عليه إذ تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها حدوداً وقواعد معينة على ما سلف بيانه الأمر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
الإجراءات
بتاريخ أول يوينه سنة 1982 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 3214 لسنة 98 قضائية بعد أن قضت محكمة استئناف القاهرة فى 25 إبريل سنة 1982 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريه الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 بتقرير مساهمة الحكومة فى بعض الشركات والمنشآت المعدلة بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت على الوجه المبين بمحضر الجلسة حيث التزمت هيئة المفوضين رأيها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة 5 يناير سنة 1985. وفى هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المستأنف عليه الأول بصفته مصفياً لشركة التجارة والتبادل للشرق الأوسط “سليم نخلة وشركاه” الخاضعة لأحكام القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 بتقرير مساهمة الحكومة فى بعض الشركات والمنشآت، كان قد أقام الدعوى رقم 4025 لسنة 1979 مدنى كلى جنوب القاهرة ضد المستأنف عليهما الثانى والثالث بصفتهما طالبا الحكم بأحقيته فى اقتضاء مبلغ 73317.205 جنيهاً من المستأنفة وبصحة إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير الموقع تحت يد المستأنف عليه الثانى بصفته – الممثل القانونى لجهاز تصفيه الحراسات – على صافى ثمن حصة المستأنفة فى العقار الذى تقرر التخلى لها عنه بعد رفع الحراسة عن أموالها، وذلك استناداً إلى ما أسفر عنه تقرير لجنة تقويم رأس مال الشركة من زيادة خصومها على أصولها بمبلغ حدده التقرير يلتزم به الشريك المتضامن… ويستخلص من أمواله الخاصة وأموال زوجته.. وابنته (المستأنفة).
وبجلسة 12 مارس سنة 1981 قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بإجابة المصفى (المستأنف عليه الأول) إلى طلباته تأسيساً على ما ثبت لها من قرار لجنة التقويم وعلى ما نصت عليه المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 – المعدلة بالقرار بالقانون رقم 150 لسنة 1962- من أن تكون أموال أصحاب الشركات والمنشآت الخاضعة لأحكامه وأموال زوجاتهم وأولادهم ضامنة للوفاء بالالتزامات الزائدة على أصول هذه الشركات والمنشآت – فطعنت المستأنفة على هذا الحكم بالاستئناف رقم 3214 سنة 98 قضائية. وبجلسة 25 إبريل سنة 1982 قضت محكمة استئناف القاهرة بقبول الاستئناف شكلاً وبوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 المعدلة بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أن قرار الإحالة جاء خلواً من بيان أوجه مخالفة النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته لنص المادة 34 من الدستور المدعى بمخالفته خروجاً على ما توجبه المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا.
وحيث أنه يبين من قرار الإحالة أن المحكمة تراءى لها عدم دستورية نص الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 61 ـ المعدلة بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962 فيما تضمنته من أن أموال زوجات وأولاد أصحاب الشركات والمنشآت المبينة بالمادة تكون ضامنة للوفاء بالالتزامات الزائدة على أصوله، لمخالفته نص المادة 34 من الدستور مشيرة بذلك إلى أن تحميل أموال الزوجات والأولاد بضمان ديون لا شأن لهم بها أصلاً مؤداه المساس بملكيتهم لهذه الأموال.
لما كان ذلك، وكانت المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 إذ أوجبت أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة، إنما تطلبت – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ذكر هذه البيانات الجوهرية التى تنبئ عن جدية الدعوى الدستورية ويتحدد به موضوعها، حتى يتاح لذوى الشأن فيها – ومن بينهم الحكومة – أن يتبينوا كافة جوانبها ويتمكنوا على ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم عليها بحيث تتولى هيئة المفوضين تحضير الدعوى وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدى فيها رأيها مسبباً، وكان ما ورد فى قرار الإحالة واضح الدلالة فى بيان النص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة على النحو الذى يتحقق به ما تغياه المشرع فى المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى يكون فى غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث أن القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 بتقرير مساهمة الحكومة فى بعض الشركات والمنشآت بعد أن نص فى المادة الأولى على أن “يجب أن تتخذ كل من الشركات والمنشآت المبينة فى الجدول المرفق لهذا القانون (ومن بينها شركة التجارة والتبادل للشرق الأوسط سليم نخلة وشركاه) شكل شركة مساهمة عربية وأن تساهم فيها إحدى المؤسسات العامة التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية بحصة لا تقل عن 50 % من رأس المال”، وأوجب فى المادة الثانية على الشركات والمنشآت المشار إليها أن توفق أوضاعها مع أحكام هذا القانون خلال المهلة التى حددها وأجاز عند الاقتضاء تخفيض حصة كل مساهم أو شريك فى رأس المال بمقدار النصف، قضى فى الفقرة الأولى من المادة الثالثة بأن تحدد قيمة رأس المال على أساس سعر السهم حسب آخر إقفال ببورصة الأوراق المالية بالقاهرة قبل صدور القانون ونظم فى الفقرتين الثانية والثالثة كيفية تقويم الأسهم التى لم تكن متداولة فى البورصة أو التى مضى على آخر تعامل عليها أكثر من ستة شهور وكذلك تقويم رأس مال المنشآت غير المتخذة شكل شركات مساهمة. ثم نص فى الفقرات الثلاثة الأخيرة من المادة المذكورة – والتى أضيفت بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962 – على الآتي: الفقرة الرابعة: “ولا تسأل الدولة عن التزامات الشركات والمنشآت المشار إليها فى المادة (1) إلا فى حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها فى تاريخ صدور القانون رقم 118 لسنة 1961 المشار إليه “الفقرة الخامسة” وبالنسبة إلى الشركات والمنشآت المشار إليها فى الفقرتين الثانية والثالثة تكون أموال أصحابها وأموال زوجاتهم وأولادهم ضامنة للوفاء بالالتزامات الزائدة على أصول هذه الشركات والمنشآت”. الفقرة السادسة والأخيرة: “ويكون للدائنين حق امتياز على جميع هذه الأموال”.
وحيث أنه يبين من أحكام القرار بقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت وقوانين التأميم اللاحقة ومن بينها القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 السالف الإشارة إليه، أن المشرع لم يشأ أن يتخذ تأميم المشروعات – جزئياً أو كلياً – صورة نقل ملكيتها مباشرة إلى الدولة بقصد تصفيتها بحيث تنقضى تبعاً لذلك شخصيتها الاعتبارية التى كانت لها قبل التأميم، وإنما رأى أن يكون تأميمها عن طريق نقل ملكية اسهمها – جميعاً أو جزء منها بحسب نطاق التأميم – إلى الدولة مع الإبقاء على شخصيتها الاعتبارية التى كانت تتمتع بها قبل التأميم بحيث تظل هذه المشروعات محتفظة بنظامها القانونى وذمتها المالية مستقلين عن شخصية وذمة الدولة وتستمر فى مباشرة نشاطه، وتبقى بالتالى مسئولة وحدها مسئولية كاملة فى جميع الالتزامات التى تحملت بها قبل التأميم. ومن ناحية أخرى فإن المشرع رغبة منه فى تنظيم حقوق دائنى هذه الشركات والمنشآت – وحتى لا تتأثر بسبب ما طرأ عليها من تحول نتيجة لخضوعها للقرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 سالف البيان – قرر مسئولية الدولة عن التزامات هذه المشروعات فى حدود ما آل إليها من أموالها وحقوقها فى تاريخ صدور القانون، مردداً بذلك حكم القواعد العامة فى شأن استقلال ذمة المساهم عن ذمة المشروعات المؤممة وعدم مسئوليته عن التزاماتها إلا عند التصفية وفى حدود قيمة أسهمه ثم جاوز المشرع ذلك ـ بالنسبة إلى الشركات التى لم تكن أسهمها متداولة فى البورصة والتى مضى على آخر تعامل عليها أكثر من ستة شهور أو المنشآت غير المتخذة شكل شركة مساهمة – إلى النص على أن تكون أموال زوجات وأولاد أصحاب المشروعات المؤممة ضامنة للوفاء بالتزاماتها الزائدة عن أصولها، فأنشأ بذلك ضماناً آخر استثنائياً – هو محل الطعن فى الدعوى الماثلة – أجاز بمقتضاه لدائنى هذه المشروعات الرجوع على تلك الأموال إذا لم تكن أصول المشروع – المسئول أصلاً عن التزاماته مسئولية كاملة – كافية للوفاء بها.
وحيث أن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على النص على مبدأ صون الملكية الخاصة وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردتها، وذلك باعتبارها فى الأصل ثمرة النشاط الفردى وحافزة على الانطلاق والتقدم، فضلاً عن أنها مصدر من مصادر الثروة القومية التى يجب تنميتها والحفاظ عليها لتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد القومى. ومن أجل ذلك، حظرت الدساتير نزع الملكية الخاصة جبراً عن صاحبها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المادة 9 من كل من دستور سنة 1923 ودستور سنة 1930 والمادة 11 من دستور سنة 1956 والمادة 5 من دستور سنة 1958 والمادة 16 من دستور سنة 1964 والمادة 34 من دستور سنة 1971). كما نص الدستور القائم صراحة على حظر التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض – (المادة 35) وحظر المصادرة العامة حظراً مطلقاً، ولم يجز المصادرة إلا بحكم قضائى (المادة 36).
وحيث أنه لما كان مقتضى نص الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 – المعدلة بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962 – حسبما يبين من عبارتها المطلقة تحميل أموال الزوجات والأولاد بضمان الوفاء بالتزامات الشركات والمنشآت ـ المشار إليها فى هذه الفقرة ـ الزائدة على أصولها، حال أنه لا علاقة لهم بها ودون أن يكون ثمة وجه لمسئوليتهم عنها فضلاً عما اتسم به هذا الضمان من شمول لجميع أموال الزوجات والأولاد ولو كانت فى مصدرها منبتة الصلة بالشركة أو بأصحابها.
لما كان ذلك، وكان خلق هذا الضمان الاستثنائى الذى حمل به المشرع أموال الزوجات والاولاد وفاء لديون لا شأن لهم بها مؤداه الحتمى تجريد هؤلاء من ملكيتهم لهذه الأموال ونزعها جبراً عنهم عند التنفيذ عليها اقتضاء لتلك الديون، بما قد يصل إلى حد حرمانهم منها جميعاً عند استغراق الديون لقيمة الأموال. وإذ كان ذلك لا يعد من قبيل نزع الملكية للمنفعة العامة ولا يعتبر من صور تأميم المشروعات، فإن النص التشريعى المطعون عليه يشكل اعتداء على الملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور التى تقضى بأن الملكية الخاصة مصونة.
ولا يقدح فى هذا النظر ما ذهبت إليه الحكومة من أن النص محل الطعن يبرره ويسانده ما قدره المشرع من أن حقوق دائنى تلك الشركات والمنشآت أولى بالرعاية والتفضيل على حقوق زوجات وأولاد أصحابها وذلك فى إطار السلطة التقديرية المخولة له عند وضع القواعد المنظمة للحقوق ومنها حق الملكية الخاصة التى لا يحول دون صونها ترتيب حقوق للغير عليها وفق الملاءمات التى يراها محققة للمصلحة العامة ولا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه وإن كان الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية وأن الرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصداره، إلا أن هذا لا يعنى اطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور، هذا فضلاً عن أن تنظيم المشرع لحق الملكية فى إطار وظيفتها الاجتماعية ينبغى ألا يعصف بهذا الحق أو يؤثر على بقائه على نحو ما سلكه النص المطعون عليه إذ تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها حدوداً وقواعد معينة على ما سلف بيانه الأمر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث أنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية النص المطعون عليه.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 118 لسنة 1961 بتقرير مساهمة الحكومة فى بعض الشركات والمنشآت – المعدلة بالقرار بقانون رقم 150 لسنة 1962 – فيما تضمنته من النص على أن تكون أموال زوجات وأولاد أصحاب الشركات والمنشآت المبينة بها ضامنة للوفاء بالالتزامات الزائدة على أصول هذه الشركات والمنشآت.
وسوم : حكم دستورية