جلسة 7 مارس سنة 1992
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (26)
القضية رقم 8 لسنة 8 قضائية “دستورية”
1 – دستور – مبدأ خضوع الدولة للقانون – حق التقاضى.
إفراد الدستور بابه الرابع للقواعد التى صاغها فى مجال سيادة القانون والتى تتكامل فيما بينها ويندرج تحتها كفالة حق التقاضى للناس كافة – دلالته أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون، وتوكيدا لجانب من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساس للحكم فى الدولة.
2 – مبدأ استقلال القضاء وحصانته – حق التقاضى
إقامة الدستور من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات، لازمه، أن حق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية، كفالة هذا الحق بنص صريح فى الدستور، كى لا تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.
3 – حق التقاضى “نطاقه – ضماناته”.
إلتزام الدولة بضمان حق التقاضى وفقا للمادة 68 من الدستور، يقتضيها أن توفر لكل فرد، وطنيا أم أجنبيا، نفاذا ميسرا إلى محاكمها، بالاضافة الى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها، وبمراعاة الضمانات الأساسية لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقا لمستوياتها فى الدول المتحضرة.
4 – حق التقاضى “إجراءات التقاضى – مبدأ المساواة أمام القضاء.
الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية، يلازمها بالضرورة من أجل اقتضائها طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها – مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافيا لضمانها، وإنما يتعين اقترانه بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة عن العدوان عليها، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كى توفر الدولة للخصومة حلا منصفا قائما على حيدة المحكمة واستقلالها وضامنا عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتمييز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها.
5 – الخصومة القضائية “غايتها”.
الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عن فائدة عملية، وإنما غايتها طلب منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها، وحكم القانون بشأنها.
6 – حق التقاضى “نطاقه” – أجانب.
حق التقاضى للناس كافة مبدأ دستورى أصيل، كفله الدستور للمصريين والأجانب سواء.
7 – حق الملكية – حق التقاضى – أجانب – مسئولية دولية.
للدولة بناء على ضرورة اقتصادية أو قومية أو تتطلبها علاقتها الخارجية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية، أن تفرض قيودا فى شأن الاموال التى يجوز لغير مواطنيها تملكها أو أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التى يجوز لهم التعامل فيها، عقارية كانت أم منقولة – تداخل مصالح الدول ونماء اتصالاتها الدولية وحتمية التعاون بينها، يلزمها أن تعمل كل منها فى نطاق إقليمها على أن توفر الوسائل الإجرائية والقواعد الموضوعية التى يتمكن الأجنبى من خلالها من رد العدوان على حقوقه الثابتة وفقا لنظمها – لا يجوز للدولة بموجب المادة 68 من الدستور أن تجحد على غير مواطنيها الحق فى اللجوء إلى قضائها للدفاع عن حقوقهم التى تكفلها قوانينها، وإعراضها أو إغفالها عن توفير هذه الحماية إنكار للعدالة تقوم به مسئوليتها ويوقعها فى حومه المخالفة الدستورية.
8 – حق الملكية – أجانب.
استهداف المدعى، وهو من غير المواطنين، بدعواه الموضوعية، رد الأموال، التى يقول باغتصابها، عينا اليه، وكون اكتساب ملكيتها وفقا للقوانين المعمول بها أمرا لا نزاع فيه، تنسحب اليه الحماية المقررة فى المادة 34 من الدستور للحق فى المكية.
9 – المحكمة الدستورية العليا “اختصاصها بالرقابة الدستورية – أجانب.
المحكمة الدستورية العليا هى الجهة القضائية العليا التى اختصها الدستور والمشرع كلاهما بولاية الفصل فى المسائل الدستورية وطنيا كان المدعى أم أجنبيا، وليس ثمة جهة أخرى يمكن أن تنازعها هذا الاختصاص أو أن تنتحله لنفسها.
10 – تشريع – دعوى دستورية “بيانات صحيفة الدعوى: أوجه الطعن”.
الأصل فى النصوص التشريعية افتراض تطابقها مع أحكام الدستور – إعمال هذا الافتراض وكشرط مبدئى لإنفاذ محتواه، يوجب أن تكون المطاعن الموجهة إلى هذه النصوص جلية فى معناها واضحة الدلالة فى مراميها، لا يحيطها التجهيل أو يكتنفها الغموض، وبوجه خاص كلما تكون النص من عدة أجزاء يقوم كل منها مستقلا عن الآخر فى مضمونه، إذ يتعين على الطاعن أن يبين تحديدا أيها وقع، فى تقديره، منافيا لأحكام الدستور، وإلا كان الطعن غير مقبول.
11 – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة – مصادرة – تعويض – الرقابة القضائيه الدستورية.
أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة الى ملكية الدولة طبقا لنص المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 – اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة للمادتين 34، 36 من الدستور – لا محاجة للقول بأن هذا القرار بقانون، والقانون رقم 69 لسنة 1974 قد تضمنا تعويض الخاضعين للحراسة عن أموالهم وممتلكاتهم وان تقدير التعويض يعد من الملاءمات السياسية، باعتبار أن تعرضهما للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة، يحتم إخضاعها للرقابة الدستورية.
12 – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة – تعويض.
تعديل القانون رقم 69 لسنة 1974 لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 فيما قضت به من التعويض جزافيا عن أموال وممتلكات الخاضعين للحراسة بحد أقصى ثلاثين ألف جنيه يؤدى بسندات على الدولة، ولأحكام القانون رقم 52 لسنة 1972 فيما نصت عليه من أيلولة هذه السندات إلى بنك ناصر الاجتماعى مقابل معاشات لهؤلاء، واستبداله بهما أحكاما تقضى برد بعض أموالهم عينا أو ثمن ما تم بيعه منها فى حدود مبلغ ثلاثين ألف جنيه للفرد ومائة ألف جنيه للأسرة، يتضمن مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة للدستور الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية.
13 – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة – مصادرة – تعويض.
عدم إجازة المادة 5 من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 مجاوزة الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة 2 من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 وقدره ثلاثون ألف جنيه لتعويض الخاضع للحراسة عن صافى العناصر المحققة من ذمته المالية وما يتم التخلى له من عناصرها غير المحققة، مؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على القدر الزائد على هذا الحد الأقصى وتجريد الخاضعين من ملكيته، مما يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة للمواد 34، 36، 37 من الدستور.
14 – حقوق “تنظيمها” – تشريع – حراسة – تعويض.
سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، وجوهر هذه السلطة المفاضلة بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم – النعى على المادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 ما تضمنته من كون تعويض الخاضعين للحراسة الذين آلت أموالهم وممتلكاتهم إلى الدولة بسندات اسمية عليها، ينحل إلى موازنة بين البدائل المختلفة وتعقيب على ما ارتآه المشرع منها ملبيا لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه للكيفية التى تؤدى بها الدولة ما هو مستحق عليها من التعويض بما لا مخالفة فيه للدستور.
15 – جنسية – أجانب – حراسة – تعويض.
تحديد نص المادة 3/ 2 من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المطعون فيه فئتين يستحق أصحابهما عن تدابير الحراسة التعويض المنصوص عليه فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، (أولاهما) من أسقطت عنهم الجنسية المصرية بصفة نهائية إزاء إخلالهم بواجباتهم نحو وطنهم (ثانيتهما) من غادروا مصر ولم يعودوا إلى الإقامة فيها، بإرادتهم، خلال المدة المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 69 لسنة 1974 – إبعاد المدعى عن مصر نهائيا بعد تخليه عن جنسيته المصرية – اعتبار حالته مسكوتا عليها لعدم انسحاب النص المطعون فيه إليه – يعد أجنبيا بعد أن أمرته السلطة التنفيذية بمغادرة البلاد إثر تخليه عن جنسية المصرية، وتلحق واقعة تخليه عن الجنسية المصرية بواقعة إسقاطها فى الحكم الذى ورد به النص المطعون عليه لاتحاد الواقعتين فى العلة التى يقوم عليها.
16 – جنسية “تعريفها”.
الجنسية رابطة بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها وزوالها ويحدد آثارها، وتقوم فى الأصل على فكرة الولاء للدولة فتتميز بطابعها السياسى وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التى يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعا بها أو خارجا عن دائرة مواطنيها.
17 – حق الملكية “الملكية الخاصة” – حراسة – مصادرة – تعويض – أجانب.
تقييد التعويض عن تدابير الحراسة لغير المواطنين وفقا لنص المادة 3/ 2 من القرار رقم 141 لسنة 1981 بألا يجاوز الحدود النصوص عليها فى المادة 5 من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 عن صافى العناصر المحققة من ذمة الخاضع المالية وما يتم التخلى له عنه من عناصرها غير المحققة، والتى التزمت بالحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة 2 من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 وقدره ثلاثون ألف جنيه، يشوبها ذات العوار الدستورى الموصومة به المادتان الأخيرتان وتشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة للمادتين 34، 36 من الدستور.
1، 2 – أفرد الدستور بابه الرابع للقواعد التى صاغها فى مجال سيادة القانون، وهى قواعد تتكامل فيما بينها ويندرج تحتها نص المادة الثامنة والستين التى كفل بها حق التقاضى للناس كافة، دالا بذلك على أن التزام الدولة بضان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون ومؤكدا بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساسا للحكم فى الدولة على ما تنص عليه المادتان الرابعة والستون والخامسة والستون. وإذ كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات فقد أضحى لازما – وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح فى الدستور كى لا تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.
3 – الالتزام الملقى على عاتق الدولة بضمان حق التقاضى وفقا لنص المادة الثامنة والستين من الدستور يقتضيها أن توفر لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – نفاذا ميسرا إلى محاكمها بالاضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها وبمراعاة الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقا لمستوياتها فى الدول المتحضرة.
4، 5، 6 – الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – ومن أجل اقتضائها – طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافيا لضمانها، وإنما يتعين أن يقترن هذا النفاذ دوما بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة عن العدوان عليها، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلا منصفا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويضمن عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتميز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها، وكانت هذه التسوية هى التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، فإن هذه الترضية – وبافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى وتعتبر من متمماته لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة، وآية ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، ولكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها، وذلك هو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا بما جرى عليه قضاؤها من أن الدستور أفصح بنص المادة الثامنة والستين منه عن ضمان حق التقاضى كمبدأ دستورى أصيل، مرددا بذلك ما قررته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة هذا الحق لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – باعتباره الوسيلة التى تكفل حماية الحقوق التى يتمتع بها قانونا، ورد العدوان عليها.
7، 8 – لئن كان من المقرر قانونا أن للدولة بناء على ضرورة تفرضها أوضاعها الاقتصادية أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية، أن تفرض قيودا فى شأن الأموال التى يجوز لغير مواطنيها تملكها أو أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التى يجوز لهم التعامل فيها سواء أكانت أموالا منقولة أم عقارية، فإن من الصحيح كذلك أن تداخل مصالح الدول ونماء اتصالاتها الدولية وحتمية التعاون فيما بينها يلزمها بأن تعمل كل منها فى نطاق اقليمها على أن توفر الوسائل الإجرائية والقواعد الموضوعية التى يتمكن الأجنبى من خلالها من رد العدوان على حقوقه الثابتة وفقا لنظمها القائمة، وهو ما قررته المادة الثامنة والستون من الدستور التى لا يجوز للدولة بموجبها أن تجحد على غير مواطنيها الحق فى اللجوء إلى قضائها للدفاع عن حقوقهم التى تكفلها القوانين الوطنية، وإلا اعتبر إعراضها عن توفير هذه الحماية، أو إغفالها لها، إنكارا العدالة تقوم بها مسئوليتها الدولية، ويوقعها فى حومة المخالفة الدستورية. ومتى كان ذلك، وكان المدعيان – وهما من غير المواطنين – يستهدفان بدعواهما رد الأموال – التى يقولان باغتصابها بالمخالفة لأحكام الدستور – عينا اليهما، وكان اكتسابهما ملكيتها ووفقا للقوانين المعمول بها، وبمراعاة الأوضاع المقررة فيها، أمرا لا نزاع فيه، فإن الحماية التى كفلتها المادة الرابعة والثلاثون من الدستور للحق فى الملكية، تنسحب إليهما، ذلك أن حجبها عنهما أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها يكرس انتزاع أموالهما، ويعتبر إهدارا لسند ملكيتها، وإسقاطا للحقوق المتفرعة عنها، وإفراغا للمادة الثامنة والستين من الدستور من محتواها.
9 – المحكمة الدستورية العليا هى الجهة القضائية العليا التى اختصها الدستور والمشرع كلاهما بولاية الفصل فى المسائل الدستورية، وليس ثمة جهة أخرى يمكن أن تنازعها هذا الاختصاص، أو أن تنتحله لنفسها، ومن ثم فإن الفصل فى المخالفة الدستورية المدعى بها إنما يعود إلى هذه المحكمة دون غيرها، ويغدو الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى الماثلة استنادا إلى أن المدعين من غير المواطنين، وأنهما بوصفهما هذا لا يتمتعان بالحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، على غير أساس متعين الرفض.
10 – الأصل فى النصوص التشريعية هو افتراض تطابقها مع أحكام الدستور، ويتعين بالتالى إعمالا لهذا الافتراض وكشرط مبدئى لإنفاذ محتواه أن تكون المطاعن الموجهة الى هذه النصوص جلية فى معناها، واضحة فى الدلالة على المقصود منها لا يحيطها التجهيل أو يكتنفها الغموض، وبوجه خاص كلما كان النص التشريعى المطعون فيه مكونا من عدة أجزاء يقوم كل منها مستقلا عن الآخر فى مضمونه، إذ يتعين على الطاعن أن يبين على وجه التحديد أيها وقع – فى تقديره – منافيا لأحكام الدستور والا كان الطعن غير مقبول.
11، 12 – إن أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة طبقا لأحكام قانون الطوارئ إلى ملكية الدولة، وفقا لنص المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964، والبين من أحكام القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، أن الأصل الذى إلتزمه هذا القرار بقانون فيما تضمنه من أحكام تغيا بها تصفية الحراسة وتحديد المراكز القانونية للخاضعين، وهو أيلولة أموالهم وممتلكاتهم إلى الدولة، ولا يكون بذلك قد نقض الأساس الذى تقوم عليه أحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964، وهو ما يناقض الدستور، ويرتكز ذلك على دعامتين، أولاهما: أن هذه الأيلولة تشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، كما أنها تتضمن خروجا على حكم المادة 36 منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى، ثانيتهما: أنه لا يحاج بأن القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 والقانون رقم 69 لسنة 1974 قد تضمنا تعويض الخاضعين للحراسة عن أموالهم وممتلكاتهم وأن تقدير هذا التعويض من الملاءمات السياسية التى يستقل بها المشرع، ذلك أن كلا من هذين التشريعين قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة الأمر الذى يحتم اخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية، وإذا كان القانون 69 لسنة 1974 قد عدل من أحكام كل من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 التى كانت تقضى بتحديد مبلغ جزافى بحد أقصى مقداره ثلاثون ألف جنيه يؤدى إلى جميع من فرضت عليهم الحراسة بسندات على الدولة لمدة خمسة عشر عاما، والقانون رقم 52 لسنة 1972 الذى نص على أيلولة هذه السندات إلى بنك ناصر الاجتماعى مقابل معاشات يحددها وزير المالية ويستحقها هؤلاء الخاضعون، واستبدل بها أحكاما تسوى بها أوضاعهم برد بعض أموالهم عينا أو ثمن ما تم بيعه منها وذلك فى حدود مبلغ ثلاثين ألف جنيه للفرد ومائة ألف جنيه للأسرة، فإنه يكون بما نص عليه من تعيين حد أقصى لما يرد من كافة الأموال والممتلكات التى فرضت عليها الحراسة قد انطوى على مخالفة لأحكام دستور سنة 1971 الذى لا يجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية طبقا للمادة 37 منه، الأمر الذى يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور.
13 – أن ما تنص عليه المادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 – المطعون عليها – من عدم جواز مجاوزة الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 – وقدره ثلاثون ألف جنيه – لتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة من ذمته المالية وما يتم التخلى له عنه من عناصرها غير المحققة، مؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على القدر الزائد على هذا الحد الأقصى وتجريد الخاضعين من ملكيته، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة خاصة للأموال بما يناقض المادتين 34، 36 من الدستور، ويتضمن خروجا على حكم المادة 37 منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى الا بالنسبة للملكية الزراعية، ومن ثم يقع باطلا حكم المادة الخامسة المطعون عليها، وهو ما يتعين الحكم به.
14 – الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة لا يجيز الخروج عليها، ويتمثل جوهر السلطة التقديرية فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، ومن ثم فإن ما ينعاه المدعيان فى ما تضمنته المادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 من تقدير تعويض فى شكل سندات على الدولة، وليس تعويضا نقديا حالا للخاضعين للحراسة الذين آلت أموالهم وممتلكاتهم إلى الدولة، إنما ينحل إلى موازنة من جهتهما بين هذه البدائل وتعقيبها من جانبهما على ما ارتآه المشرع منها ملائما لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه للكيفية التى تؤدى بها الدولة ما هو مستحق عليها بالتعويض بما لا مخالفة فيه للدستور.
15 – إن نص المادة 3/ 2 من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المطعون عليه – والذى جرى تطبيقه على المدعيين – قد حدد فئتين يستحق أصحابهما – عن تدابير الحراسة – التعويض المنصوص عليه فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 وفى الحدود النصوص عليها فيه، أولاهما: من أسقطت عنهم الجنسية المصرية بصفة نهائية إزاء إخلالهم بواجباتهم نحو وطنهم وثانيتهما: من غادروا البلاد مغادرة نهائية ولم يعودوا إلى الإقامة بمصر خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974، ومتى كان ذلك، وكان المدعى الثانى قد أبعد عن البلاد نهائيا بعد تخليه عن جنسيته المصرية، فإنه لا يكون مندرجا ضمن الأشخاص الذين غادروا البلاد ولم يعودوا إليها بإرادتهم ولا منتميا إلى الأشخاص الذين قررت السلطة التنفيذية اسقاط الجنسية عنهم، وإنما تعتبر حالته مسكوتا عنها لعدم انسحاب النص المطعون فيه إليه، وهو فى كل حال يعد أجنبيا بعد أن أمرته السلطة التنفيذية بمغادرة البلاد إثر تخليه عن جنسيته المصرية ويتعين بالتالى أن تلحق واقعة تخليه عن الجنسية المصرية بواقعة إسقاطها فى الحكم الذى ورد به النص التشريعى المطعون فيه، لاتحاد الواقعتين فى العلة التى يقوم عليها.
16 – الجنسية هى رابطة أصيلة بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها وزوالها ويحدد آثارها، وتقوم فى الأصل على فكرة الولاء للدولة فتتميز عن غيرها من الروابط القانونية بطابعها السياسى وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التى يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعا بها، أو خارجا عن دائرة مواطنيها.
17 – لما كان التعويض عن تدابير الحراسة وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المطعون فيه فى مجال تطبيقه على المدعيين – وبوصفهما من غير المواطنين – مقيدا بألا يجاوز مقداره الحدود المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، ومن ثم فإن هذا النص – وقد التزم الحد الأقصى للتعويض المنصوص عليه فى القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964، والذى خلصت هذه المحكمة آنفا إلى القضاء بعدم دستوريته – يكون مشوبا بذات العوار الدستورى الموصومة به المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 ومنطويا بذلك على مخالفة للمادتين 34، 36 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 27 مارس سنة 1986 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الاولى والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، والفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين سبق أن فرضت عليهما الحراسة بالأمر رقم 140 لسنة 1961، تقرر تعويضهما نهائيا – بموجب القرار رقم 584 لسنة 1975 بالنسبة للأول ورقم 585 لسنة 1975 بالنسبة للثانى – استنادا إلى أحكام القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 بتصفية الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الخاضعين لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964، وعلى أساس أن المدعى الأول قد أسقطت عنه جنسيته المصرية، بعد أن غادر البلاد بتاريخ 14 سبتمبر سنة 1962 وأن المدعى الثانى قد أبعد عن البلاد نهائيا بعد تخليه عن جنسيته المصرية فى 7 مايو سنة 1969، وكان المدعيان قد أقاما الدعوى رقم 624 لسنة 2 ق “قيم” التى انتهيا فى شأنها إلى تعديل طلباتهما – فى مواجهة الحاضر عن المدعى عليهم – إلى طلب الحكم ببطلان الإجراءات المترتبة على فرض الحراسة على أموالهما ورد هذه الأموال عينا إليهم، ودفعا – اثناء نظرها – بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، واذ صرحت لهما محكمة الموضوع بجلسة 2 فبراير سنة 1986 بإقامة دعواهم الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى استنادا إلى أن المدعيين من الأجانب، وهؤلاء يكفل المشرع العادى حقوقهم فى النصوص التشريعية المختلفة دون نصوص الدستور التى يقتصر مجال تطبيقها على المصريين لضمان حقوقهم وحرياتهم دون سواهم، ومستهدفة بهذا الدفع إنكار حق المدعيين فى رفع الدعوى الدستورية القائمة.
وحيث إن هذا الدفع غير سديد، ذلك أن الدستور أفرد بابه الرابع للقواعد التى صاغها فى مجال سيادة القانون، وهى قواعد تتكامل فيما بينها ويندرج تحتها نص المادة الثامنة والستين التى كفل بها حق التقاضى للناس كافة، دالا بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون، ومؤكداً بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساسا للحكم فى الدولة على ما تنص عليه المادتان الرابعة والستون والخامسة والستون، وإذ كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات، فقد أضحى لازما – وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح فى الدستور كى لا تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقا لنص المادة الثامنة والستين من الدستور يقتضيها أن توفر لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – نفاذا ميسرا إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها، وبمراعاة الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقا لمستوياتها فى الدول المتحضرة، وكانت الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – ومن أجل اقتضائها – طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافيا لضمانها، وإنما يتعين أن يقترن هذا النفاذ دوما بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة عن العدوان عليها، وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلا منصفا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها ويضمن عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتميز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها، وكانت هذه التسوية هى التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، فإن هذه الترضية – وبافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى وتعتبر من متمماته لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة، وآية ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، ولكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها، وذلك هو ما أكدته المحكمة بما جرى عليه قضاؤها من أن الدستور أفصح بنص المادة الثامنة والستين منه عن ضمان حق التقاضى كمبدأ دستورى أصيل مرددا بذلك ما قررته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة هذا الحق لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – باعتباره الوسيلة التى تكفل حماية الحقوق التى يتمتع بها قانونا ورد العدوان عليها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان من المقرر قانونا أن للدولة بناء على ضرورة تفرضها أوضاعها الاقتصادية أو تتطلبها إدارة علاقاتها الخارجية أو توجبها روابطها القومية أو غير ذلك من مصالحها الحيوية، أن تفرض قيودا فى شأن الأموال التى يجوز لغير مواطنيها تملكها أو أن تخرج فئة منها من دائرة الأموال التى يجوز لهم التعامل فيها سواء أكانت أموالا منقولة أم عقارية، فإن من الصحيح كذلك أن تداخل مصالح الدول ونماء اتصالاتها الدولية وحتمية التعاون فيما بينها يلزمها بأن تعمل كل منها فى نطاق إقليمها على أن توفر الوسائل الإجرائية والقواعد الموضوعية التى يتمكن الأجنبى من خلالها من رد العدوان على حقوقه الثابتة وفقا لنظمها القائمة وهو ما قررته المادة الثامنة والستون من الدستور التى لا يجوز للدولة بموجبها أن تجحد على غير مواطنيها الحق فى اللجوء إلى قضائها للدفاع عن حقوقهم التى تكفلها القوانين الوطنية، وإلا اعتبر إعراضها عن توفير هذه الحماية أو إغفالها لها إنكارا العدالة تقوم به مسئوليتها الدولية ويوقعها فى حومة المخالفة الدستورية. ومتى كان ذلك، وكان المدعيان – وهما من غير المواطنين – يستهدفان بدعواهما رد الأموال – التى يقولان باغتصابها بالمخالفة لأحكام الدستور – عينا اليهما، وكان اكتسابهما ملكيتها ووفقا للقوانين المعمول بها وبمراعاة الأوضاع المقررة فيها أمرا لا نزاع فيه فإن الحماية التى كفلتها المادة الرابعة والثلاثون من الدستور للحق فى الملكية تنسحب إليهما، ذلك أن حجبها عنهما أو تقييدها بما يخرجها عن الاغراض المقصودة منها يكرس انتزاع أموالهما، ويعتبر إهدارا لسند ملكيتها وإسقاطا للحقوق المتفرعة عنها وإفراغا للمادة الثامنة والستين من الدستور من محتواها.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، وكانت هذه المحكمة هى الجهة القضائية العليا التى اختصها الدستور والمشرع كلاهما بولاية الفصل فى المسائل الدستورية، وليس ثمة جهة أخرى يمكن أن تنازعها هذا الاختصاص، أو أن تنتحله لنفسها، فإن الفصل فى المخالفة الدستورية المدعى بها إنما يعود إلى هذه المحكمة دون غيرها، ويغدو الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى الماثلة على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 انطواءهما على عدوان على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لأحكام المادتين 34، 36 من الدستور بمقولة أنهما يتضمنان ذات الأحكام المنصوص عليها فى المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 سواء ما تعلق منها بأيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الخاضعين للحراسة إلى الدولة أو بتعويضهم عنها تعويضا إجماليا بحد أقصى قدره ثلاثون ألف جنيه بموجب سندات عليها، وإذ قضى بعدم دستورية هذه المادة فيما تضمنته من نص على الأيلولة وكذلك بعدم دستورية المادة الرابعة من قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة الصادر بالقانون رقم 69 لسنة 1974 فيما نصت عليه من تعيين حد أقصى لما يرد من أموال الخاضعين للحراسة وممتلكاتهم فإن النصين المطعون فيهما يكونان باطلين ولا يزول هذا البطلان تبعا لزوال صفة المواطنة عن المدعيين إذا ليس من شأن زوال جنسيتهما الإخلال بالضمانات التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى المواد 34، 35، 36 منه، ويذهب المدعيان كذلك إلى أن ما قررته الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 من تعويض الأشخاص المشار إليهم فيها عن تدابير الحراسة طبقا لأحكام القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 وفى الحدود المنصوص عليها فيه، مؤداه التقيد بالحد الأقصى للتعويض المنصوص عليه فى المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 بالمخالفة لأحكام المواد 34، 35، 36 من الدستور.
وحيث إن الأصل فى النصوص التشريعية هو افتراض تطابقها مع أحكام الدستور، ويتعين بالتالى إعمالا لهذا الافتراض وكشرط مبدئى لإنفاذ محتواه أن تكون المطاعن الموجهة إلى هذه النصوص جلية فى معناها واضحة فى الدلالة على المقصود منها لا يحيطها التجهيل أو يكتنفها الغموض، وبوجه خاص كلما كان النص التشريعى المطعون فيه مكونا من عدة أجزاء يقوم كل منها مستقلا عن الآخر فى مضمونه، إذ يتعين على الطاعن أن يبين على وجه التحديد أيها وقع – فى تقديره – منافيا لأحكام الدستور وإلا كان الطعن غير مقبول، ومتى كان ذلك وكان ما ينعاه المدعيان على الفقرة الثانية من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 لا يتضمن تحديدا قاطعا لما قصده المدعيان من مخالفة حكمها للدستور، إذ لم يعرفا بما وقع من أجزاء مضمونها مناقضا لقواعده، مما يعجز هذه المحكمة عن مباشرة رقابتها القضائية على دستوريتها، الأمر الذى يغدو معه الطعن بالنسبة إليها غير مقبول، وهو ما يتعين الحكم به.
وحيث إن المادة الأولى من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 تنص على أن ترفع الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم بمقتضى أوامر جمهورية طبقا لأحكام قانون الطوارئ وتنص المادة الثانية منه على أن تؤول إلى الدولة ملكية الأموال والممتلكات المشار إليها فى المادة السابقة ويعوض عنها صاحبها بتعويض إجمالى قدره ثلاثون ألف جنيه ما لم تكن قيمتها أقل من ذلك فيعوض عنها بمقدار هذه القيمة، على أنه إذا كانت الحراسة قد فرضت على الشخص وعلى عائلته بالتبعية له فيعوض جميعهم عن جميع أموالهم وممتلكاتهم المفروضة عليها الحراسة، بما لا يجاوز قدر التعويض الإجمالى السابق بيانه…. ويؤدى التعويض بسندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنويا…….
وحيث إن القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 توخى – بما نص عليه من أحكام – تصفية الحراسة على أموال وممتلكات هؤلاء الأشخاص الذين خضعوا لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 المشار إليه، بما يقتضيه ذلك من تحديد لمراكزهم المالية، وفى سبيل هذا التحديد تنص الفقرة الثانية من المادة الأولى منه على أن تجرى التصفية بمراعاة الأحكام القانونية السارية فى شأن من رفعت عنهم الحراسة والتيسيرات التى تقررت لهم بموجب قرارات رئيس الجمهورية ووفقا للإجراءات والقواعد المنصوص عليها فى المواد التالية….. أما المادة الخامسة منها فتنص على أنه “اذا تبين للجنة القضائية – المنصوص على تشكيلها فى مادته الثانية – أن صافى الذمة المالية للخاضع لا يجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 المشار إليه تصدر اللجنة قرارا بتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة من ذمته المالية مع التخلى له عن باقى العناصر غير المحققة أصولا وخصوما، فإذا جاوز صافى الذمة المالية للخاضع الحد الأقصى سالف الذكر، تعين أن تصدر اللجنة قرارا بتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة من ذمته المالية مع التخلى له عن قدر من العناصر غير المحققة لا يجاوز صافيها بالإضافة إلى التعويض المستحق له عن العناصر المحققة الحد الأقصى المشار إليه، وفى هذه الحالة يكون تحديد ما يتم التخلى عنه من العناصر غير المحققة متروكا لاختيار الخاضع، وإذا تبين للجنة أن خصوم الخاضع تزيد على أصوله جاز لها أن تصدر قرارا بالتخلى له عن عناصر ذمته المالية وفى هذه الأحوال جميعا يكون التعويض عن العناصر المحققة بسندات على الدولة طبقا لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 المشار إليه، ويترتب على التخلى عن عناصر من الذمة المالية أن يتولى الخاضع بنفسه تحصيل حقوقه وسداد ديونه التى تمثلها العناصر المتخلى عنها دون أن يخل ذلك بالتصرفات التى تكون قد أجريت بالنسبة لأصوله كلها أو بعضها والتى يتولى المدير العام لإدارة الأموال التى آلت إلى الدولة استكمال إجراءاتها.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان الأصل الذى التزمه القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 فيما تضمنه من أحكام تغيا بها تصفية الحراسة وتحديد المراكز المالية للخاضعين هو أيلولة أموالهم وممتلكاتهم إلى الدولة، فإن هذا القرار بقانون لا يكون قد نقض الأساس الذى تقوم عليه أحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 آنف البيان، بل تبناه بتمامه.
وحيث إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بتاريخ 16 مايو سنة 1981 فى الدعوى رقم 5 لسنة 1 قضائية “دستورية” بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 – سالفة البيان – فيما نصت عليه من أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة طبقا لأحكام قانون الطوارئ إلى ملكية الدولة مستندة فى ذلك إلى دعامتين، أولاهما: أن هذه الأيلولة تشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادره لها بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور التى تنص على أن الملكية الخاصة مصونة كما أنها تتضمن خروجا على حكم المادة 36 منه التى تحظر المصادرة العامة ولا تجيز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائى. ثانيتهما: أنه لا يحاج بأن القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 والقانون رقم 69 لسنة 1974 قد تضمنا تعويض الخاضعين للحراسة عن أموالهم وممتلكاتهم وأن تقدير هذا التعويض يعد من الملاءمات السياسية التى يستقل بها المشرع، ذلك أن كلا من هذين التشريعين قد تعرض للملكية الخاصة التى صانها الدستور ووضع لحمايتها ضوابط وقواعد محددة الأمر الذى يحتم اخضاعهما لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية، واذ كان القانون رقم 69 لسنة 1974 قد عدل من أحكام كل من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 التى كانت تقضى بتحديد مبلغ جزافى بحد أقصى مقداره ثلاثون ألف جنيه يؤدى إلى جميع من فرضت عليهم الحراسة بسندات على الدولة لمدة خمسة عشر عاما، والقانون رقم 52 لسنة 1972 الذى نص على أيلولة هذه السندات إلى بنك ناصر الاجتماعى مقابل معاشات يحددها وزير المالية ويستحقها هؤلاء الخاضعون، واستبدل بها أحكاما تسوى بها أوضاعهم برد بعض أموالهم عينا أو ثمن ما تم بيعه منها وذلك فى حدود مبلغ ثلاثين ألف جنيه للفرد ومائة ألف جنيه للأسرة، فإنه يكون بما نص عليه من تعيين حد أقصى لما يرد من كافة الأموال والممتلكات التى فرضت عليها الحراسة قد أنطوى على مخالفة لأحكام دستور 1971 الذى لا يجيز تحديد حد أقصى الا بالنسبة للملكية الزراعية طبقا للمادة 37 منه، الأمر الذى يتضمن بدوره مساسا بالملكية الخاصة بالمخالفة لحكم المادة 34 من الدستور سالفة البيان.
وحيث إن هذه المحكمة عادت إلى تأكيد هذا المبدأ فيما قضت به فى الدعوى رقم 1 لسنة 1 قضائية دستورية بتاريخ 2 مارس سنة 1985 من عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 فيما عينه من حد أقصى للتعويض المستحق لأصحاب المشروعات المؤممة بما لا يجاوز خمسة عشر ألف جنيه.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكانت المادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 – المطعون عليها – لا تجيز مجاوزة الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 – وقدره ثلاثون ألف جنيه – لتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة، بما مؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على القدر الزائد على هذا الحد الأقصى وتجريد الخاضعين من ملكيته، الأمر الذى يشكل اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة خاصة للأموال بما يناقض المادتين 34، 36 من الدستور، ويتضمن خروجا على حكم المادة 37 منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى إلا بالنسبة للملكية الزراعية، ومن ثم يقع باطلا حكم المادة الخامسة المطعون عليها، وهو ما يتعين الحكم به.
وحيث إن المدعيين ينعيان كذلك على المادة الخامسة سالفة البيان – مخالفتها للدستور فيما تضمنته من أن يكون التعويض بسندات أسمية على الدولة طبقا لأحكام القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 الذى قرر أن تكون بفائدة قدرها 4% سنويا مع جواز استهلاكها كليا أو جزئيا بعد عشر سنين من إصدارها.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة لا يجوز الخروج عليها، ويتمثل جوهر السلطة التقديرية فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، ومن ثم ينحل إلى ما ينعاه المدعيان على النص المطعون فيه إلى موازنة من جهتهما بين البدائل وتعقيبا من جانبهما على ما ارتآه المشرع منها ملائما لصالح الجماعة فى إطار تنظيمه للكيفية التى تؤدى بها الدولة ما هو مستحق عليها من التعويض بما لا مخالفة فيه للدستور.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 تنص على أنه بالنسبة للأشخاص الذين أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو غادروا البلاد مغادرة نهائية ولم يستردوا الجنسية المصرية أو لم يعودوا إلى الإقامة بمصر خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974 المشار إليه، فيعوضوا عن تدابير الحراسة طبقا لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1974 وفى الحدود المنصوص عليها فيه.
وحيث إن المدعين ينعيان على نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليها مخالفتها للمادتين 34، 36 من الدستور.
وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن النص التشريعى المطعون عليه – والذى جرى تطبيقه على المدعيين – حدد فئتين يستحق أصحابهما – عن تدابير الحراسة – التعويض المنصوص عليه فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 وفى الحدود المنصوص عليها فيه، أولاهما: من أسقطت عنهم الجنسية المصرية بصفة نهائية إزاء إخلالهم بواجباتهم نحو وطنهم، وثانيتهما: من غادروا البلاد مغادرة نهائية ولم يعودوا إلى الإقامة بمصر خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974، ومتى كان ذلك، وكان المدعى الثانى قد أبعد عن البلاد نهائيا بعد تخليه عن جنسيته المصرية، فإنه لا يكون مندرجا ضمن الأشخاص الذين قررت السلطة التنفيذية إسقاط الجنسية عنهم، وإنما تعتبر حالته مسكوتا عنها لعدم انسحاب النص المطعون فيه إليه، وهو فى كل حال يعد أجنبيا بعد أن أمرته السلطة التنفيذية بمغادرة البلاد إثر تخليه عن جنسيته المصرية، ويتعين بالتالى أن تلحق واقعة تخليه عن الجنسية المصرية بواقعة إسقاطها فى الحكم الذى ورد به النص التشريعى المطعون فيه لاتحاد الواقعتين فى العلة التى يقوم عليها، وآية ذلك أن الجنسية هى رابطة أصيلة بين الدولة والفرد يحكم القانون نشأتها ويحدد آثارها، وإذ تقوم فى الأصل على فكرة الولاء للدولة فتتميز عن غيرها من الروابط القانونية بطابعها السياسى، وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التى يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعا بها أو خارجا عن دائرة مواطنيها، ولا يتصور أن يكون النص التشريعى المطعون فيه قد قصد إلى معاملة المدعى الثانى فى مجال مقدار التعويض المستحق بموجبه معاملة أفضل من تلك التى قررها بالنسبة إلى المدعى الأول، فكلاهما قد غدا أجنبيا أولهما بإسقاط الجنسية المصرية عنه، وثانيهما بتخليه عنها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان التعويض عن تدابير الحراسة وفقا للنص التشريعى المطعون فيه فى مجال تطبيقه على المدعين – وبوصفهما من غير المواطنين – مقيدا بألا يجاوز مقداره الحدود المنصوص عليها فى القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، ومن ثم فإن النص وقد التزم الحد الأقصى للتعويض المنصوص عليه فى هذه القرار بقانون – والذى خلصت هذه المحكمة آنفا إلى القضاء بعدم دستورية – يكون مشوبا بذات العوار الدستورى الموصومة به المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 والمادة الخامسة من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، ومنطويا بذلك على مخالفة للمادتين 34، 36 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة للطعن على الفقرة الثانية من المادة الأولى من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1971، وبعدم دستورية نص المادة الخامسة منها فيما تضمنه من تعيين حد أقصى لتعويض الخاضع عن صافى العناصر المحققة من ذمته المالية وما يتم التخلى له عنه من عناصرها غير المحققة، وبعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو تخلوا عنها، والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنية مقابل أتعاب المحاماه.