الخط الساخن : 01118881009
جلسة 16 مايو سنة 1992
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد على وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (35)
القضية رقم 25 لسنة 8 قضائية “دستورية”
1 – دستور “لقواعده مقام الصدارة – السلطات العامة: وظائفها الأصلية والاستثنائية”.
الأصل فى نصوص الدستور أنها تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليه نظام الحكم فى الدولة، وباعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام وأحقها بالنزول على أحكامها، ولكل سلطة عامة بموجبه وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى ترد استثناء عليها التزام كل سلطة فى مباشرتها لهذه الأعمال الاستثنائية بحدودها الضيقة، وردها الى ضوابطها التى عينها الدستور، والا وقع عملها مخالفا لأحكامه.
2 – دستور “وظيفة السلطة التشريعية”.
اختصاص مجلس الشعب بمقتضى المادة 86 من الدستور بسلطة التشريع واقرار السياسة العامة للدولة وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور.
3 – دستور “عدم تدخل سلطة فى إعمال سلطة أخرى”
وظائف وصلاحيات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية محددة فى الدستور، بما يحول دون تدخل احداها فى أعمال السلطة الأخرى.
4 – دستور “تفويض تشريعى: ضوابطه” رقابة دستورية “التحقق من توافر الضوابط”.
موازنة الدساتير المصرية جميعها ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا، بضرورة الترخيص للسلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية فى ممارسة جانب من وظيفة التشريع عند الضرورة وفى الاحوال الاستثنائية – النهج الذى التزمته هذه الدساتير – وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية، وبناء على تفويض من السلطة التشريعية، فى أحوال بذاتها تفرضها الضرورة، وتمليها الأوضاع الاستثنائية، رخصة تشريعية فى حدود ضيقة لا تتخلى بها عن ولايتها فى سن القوانين، تقييد ممارسة هذه الرخصة بقيود وضوابط تكفل انحصارها فى المجال المحدد لها وغايتها أن تظل الولاية التشريعية – كمبدأ عام – فى يد السلطة الأصيلة التى أقامتها هيئة الناخبين لممارستها، ومرد الأمر فى تحديد هذه الضوابط الى الشروط التى فرضها الدستور لجواز هذا التفويض سواء تعلق الأمر بمناسبته أو بمحله أو بمدته أو بالرقابة على كيفية تنفيذه، امتداد الرقابة المناطة بالمحكمة الدستورية العليا للتحقق من توافر تلك الشروط فى الحدود التى رسمها الدستور لها.
5 – دستور “تفويض تشريعى بموجب المادة 108 منه – شروطه: ضابطه العام – مناسبته – أغلبية خاصة – حصر المسائل الوارد عليها – تأقيته – عرض ما اتخذ من تدابير على السلطة التشريعية لاقرارها – أثر عدم عرضها أو عدم اقرارها”.
اجازة الدستور التفويض التشريعى بموجب المادة 108منه، وتخويله لرئيس الجمهورية فى اطار ضابط عام هو ألا ينطوى التفويض على نقل الولاية التشريعية بأكملها أو فى جوانبها الأكثر أهمية من الهيئة النيابية إلى السلطة التنفيذية أو التنازل عنها بانابة جهة أخرى فى ممارستها، وفى اطار هذا الضابط العام حدد الدستور مناسبة التفويض فحصرها فى قيام الضرورة والاوضاع الاستثنائية التى تدور معها علة اقراره، وامعانا فى الحيطة حرص الدستور على أن تكون موافقة السلطة التشريعية على قانون التفويض بأغلبية ثلثى أعضائها، وعهد اليها بأن تحدد بذاتها فى هذا القانون المسائل التى يتناولها التفويض، وأسس تنظيمها تحديدا قاطعا لتقيد السلطة التنفيذية بنطاقه، وجعل التفويض موقوتا بميعاد معلوم محدد سلفا أو قابلا للتعيين كى يمثل هذا الميعاد حدا زمنيا لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتخطاه فى ممارستها لاختصاصها الاستثنائى، وأوجب عرض التدابير التى اتخذها رئيس الجمهورية اعمالا لقانون التفويض على السلطة التشريعية فى أول جلسة تدعى إليها بعد انتهاء مدته، فاذا لم تعرض عليها ولم تقرها، زال ما كان لها من قوة القانون.
6 – دستور “تفويض – مجاوزة محله”.
ما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات لها قوة القانون مجاوزة بها محل التفويض يقع مخالفا للدستور.
7 – تشريع “القرار بقانون 102 لسنة 1980: صدوره فى شأن يتعلق بالتأمينات الاجتماعية للعاملين بالهيئة العربية للتصنيع – استناده إلى التفويض الصادر بالقانون رقم 29 لسنة 1972 فى مسائل الإنتاج الحربى – مجاوزته حدود هذا التفويض – بطلانه بتمامه”.
انطواء القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 على الغاء القاعدة التى كانت تقرر الحق فى الجمع بين مرتب الوظيفة فى الهيئة العربية للتصنيع ووحدتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها، وبين المعاش العسكرى المستحق قبل التعيين فيها، صدوره استنادا إلى القانون رقم 29 لسنة 1972 بتفويض رئيس الجمهورية فى اصدار قرارات لها قوة القانون فى موضوع بعينه هو التصديق على اتفاقيات التسليح، وفيما يتعلق باعتمادات التسليح والاعتمادات الأخرى اللازمة للقوات المسلحة، موضوع القرار بقانون المشار اليه منبت الصلة بالمسائل التى تعلق بها قانون التفويض الصادر استنادا اليه، ولا ينزل منزلتها سواء من حيث طبيعتها أو أهميتها، مجاوزته بذلك نطاق التفويض، ومنتزعا بالتالى جانبا من الولاية التى تملكها السلطة التشريعية وفقا لأحكام الدستور ومخالفا من ثم للمادتين 86، 108 منه.
8 – تشريع “القرار بقانون 102 لسنة 1980: مجاوزته كذلك التفويض المقرر بالقانون رقم 49 لسنة 1974”.
لا محاجة فى القول بأن القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المشار اليه قد صدر ارتكانا إلى أحكام القانون رقم 49 لسنة 1974، ما نص عليه هذا القانون من تفويض رئيس الجمهورية فى اصدر قرارات لها قوة القانون بالتصديق على الاتفاقيات المتعلقة بمشروعات الإنتاج الحربى وبالأحكام الخاصة بكل مشروع منها، غايته – وعلى ما تضمنته مذكرته الايضاحية – اقامة صناعة حربية متطورة فى اطار مشروعات الانتاج الحربى التى تنفرد بطبيعتها الخاصة التى تقتضى عدم ملاءمة عرضها ومناقشتها علانية، وهى اغراض لا يتصل بها هذا القرار بقانون، وقد صدر فى شأن يتعلق بالتأمينات الاجتماعية للعاملين بالهيئة العربية للتصنيع، وبمجاوزته حدود التفويض الصادر عن السلطة التشريعية، يكون باطلا بتمامه.
1 – الأصل فى نصوص الدستور أنها تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها. وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصيلة، وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها، وكان الدستور قد حصر هذ الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة، وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور، والا وقع عملها مخالفة لأحكامه.
2، 3 – إختص الدستور السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا لأحكامه، فنص فى المادة 86 منه على أن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقر السياسة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور، وإذ كان الدستور قد حدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها، فإنه بذلك يكون قد عين لكل منها التخوم والقيود الضابطة لولايتها بما يحول دون تدخل احداها فى أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها.
4 – إن الدساتير المصرية جميعا، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا، بضرورة الترخيص للسلطة التنفيذية – ممثلة فى رئيس الجمهورية – فى أن يمارس عند الضرورة وفى الأحوال الاستثنائية جانبا من الوظيفة التشريعية تمكينا لها من تنظيم مسائل بعينها تكون أقدر على مواجهتها بتدابير تقتضيها المرونة تارة، والسرعة والسرية والحسم طورا آخر. ولقد كان النهج الذى التزمته الدساتير المصرية على اختلافها – وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة – هو تخويلها السلطة التنفيذية – وبناء على تفويض من السلطة التشريعية فى أحوال بذاتها تفرضها الضرورة وتمليها الأوضاع الاستثنائية – رخصة تشريعية فى حدود ضيفة لا تتخلى السلطة التشريعية بموجبها عن ولايتها فى مجال سن القوانين، ولا ينفلت بها زمام هذا الاختصاص من يدها، وإنما تتقيد ممارسة هذه الرخصة الاستثنائية بقيود وضوابط تكفل انحصارها فى المجال المحدد لها، وبما لا يخرجها عن الأغراض المقصودة منها باعتبار أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى نطاق التفويض الممنوح لها، لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصيلة فى المجال التشريعي، بما مؤداه أن القيود والضوابط التى أحاط الدستور بها مباشرة السلطة التنفيذية لهذه الرخصة الاستثنائية غايتها أن تظل الولاية التشريعية – وكمبدأ عام – فى يد السلطة الأصيلة التى أقامتها هيئة الناخبين لممارستها، وأن يكون مرد الأمر دائما إلى الشروط التى فرضها الدستور لجواز التفويض فى بعض مظاهر هذه الولاية سواء تعلق الأمر بمناسبة التفويض، أن بمحله، أو بمدته، أو بالرقابة على كيفية تنفيذه. وتوافر هذه الشروط مجتمعة هو مناط مباشرة السلطة التنفيذية لهذا الاختصاص الاستثنائى، واليها تمتد الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح للتحقق من قيامها فى الحدود الى رسمها الدستور لها، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
5 – ينص الدستور القائم فى المادة 108 منه على أن لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى الأحوال الاستثنائية، وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثى أعضائه، أن يصدر قرارات لها قوة القانون. ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة، وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التى تقوم عليها. ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب فى أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض، فاذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق عليه المجلس زال ما كان لها من قوة القانون. وبذلك يكون الدستور قد أجاز التفويض التشريعي، وخوله لرئيس الجمهورية فى اطار ضابط عام، هو ألا ينطوى التفويض على نقل الولاية التشريعية بأكملها أو فى جوانبها الأكثر أهمية من الهيئة النيابية إلى السلطة التنفيذية أو التنازل عنها بانابة جهة أخرى فى ممارستها. وفى إطار هذا الضابط العام حدد الدستور “مناسبة التفويض” فحصرها فى قيام الضرورة والأوضاع الاستثنائية التى تدور معها علة إقراره، وحرص إمعانا فى الحيطة فى أن تكون موافقة السلطة التشريعية على قانون التفويض بالأغلبية الخاصة التى تطلبها ممثلة فى ثلثى أعضائها لضمان أن يظل التفويض فى حدود ضيقة لا تفريط فيها، وأن يكون إقراره مرتبطا بدواعيه الضاغطة مبررا بها، مستندا إليها، وعهد إلى السلطة التشريعية بأن تعين بنفسها “محل التفويض” فى قانونه وذلك من خلال تحديدها القاطع للمسائل التى يتناولها وأسس تنظيمها، لتتقيد السلطة التنفيذية بنطاق التفويض ولا تجاوزه إلى غير المسائل التى يشملها فى موضوعه، وجعل التفويض “موقوتا بميعاد معلوم” محددا سلفا أو قابلا للتعيين كى يمثل هذا الميعاد حدا زمنيا لا يجوز أن تتخطاه السلطة التنفيذية فى ممارستها لاختصاصها الاستثنائي، وإلا انطوى عملها على اقتحام للولاية التشريعية التى اختص الدستور بها الهيئة النيابة الأصيلة، وهو ما عززه الدستور حين أقام من السلطة التشريعية – التى جعل الدستور زمام اقرار القوانين وتعديلها وإلغائها بيدها – رقيبا على “مجاوزة السلطة التنفيذية لحدود التفويض أو التزامها بأبعاده”. وذلك بما أوجبته المادة 108 من الدستور من أن تعرض على السلطة التشريعية التدابير التى اتخذها رئيس الجمهورية إعمالا لقانون التفويض وذلك فى أول جلسة تدعى إليها بعد انتهاء مدته، فإذا لم تعرض على السلطة التشريعية أو عرضت ولم تقرها، زال ما كان لها من قوة القانون. وكل ذلك ضمانا لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائى فى حدود القيود التى عينها الدستور حصرا لنطاقه، وضبطا لقواعده.
6 – ما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات لها قوى القانون مجاوزة بها محل التفويض لخروجها عن نطاق الموضوعات التى يجرى فيها، تقع مخالفة للدستور لافتئاتها على ولاية السلطة التشريعية.
7 – البين من أحكام القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المطعون فيه – أنها تقرر سريان أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها، وكانت هذه الهيئة وفقا لاتفاقية تأسيسها متمتعة بالشخصية القانونية وتوخى إنشاؤها قيام قاعدة صناعية عربية تكفل اقامة وإنماء وتطوير الصناعات المتقدمة، وتحقيق المصالح المشتركة للدول العربية المساهمة فيها على أسس فنية واقتصادية سليمة، وذلك كله على الوجه المبين فى نظامها الأساسى، وكان افصاح المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ودولة قطر عن ارادتها الانسحاب من عضوية الهيئة، قد أعقبه صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979 لمواجهة هذه الأوضاع الطارئة، فنص هذا القرار بقانون على أن تظل الهيئة متمتعة بالشخصية الاعتبارية وفقا للأحكام المقررة فى قانون مركزها ومقرها، كما تظل متمتعة باختصاصاتها وسلطاتها ومزاياها وحصاناتها التى كانت مقررة لها، مع استمرارها فى مزاولة نشاطها واستيفاء حقوقها والوفاء بالتزاماتها، وكان القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المطعون عليه قد انطوى فى مادتيه الأولى والثالثة على الغاء القاعدة التى كانت تقرر الحق فى الجمع بين مرتب الوظيفة فى الهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التى تساهم فيها، وبين المعاش العسكرى المستحق قبل التعيين فيها، وكان هذا القرار بقانون – وعلى ما أوردته ديباجته بصريح عبارتها – قد صدر استنادا إلى أحكام القانون رقم 29 لسنة 1972 بتفويض رئيس الجمهورية فى اصدار قرارات لها قوة القانون، وليس ثمة دليل فى الأوراق على أن رئيس الجمهورية أصدره بناء على قانون آخر، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 29 لسنة 1972 قاطعة فى أن التفويض الصادر عن السلطة التشريعية وفقا لأحكامه تحدد موضوعه فى التصديق على الاتفاقيات الخاصة بالتسليح وفى إصدار قرارات لها قوة القانون فيما يتعلق باعتمادات التسليح والاعتمادات الاخرى اللازمة للقوات المسلحة، وكان قانون التفويض المشار إليه قد صدر لاعتبارات أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية حاصلها “أن الأمر بالنسبة إلى اتفاقيات التسليح يقتضى وفقا لنص المادة 115 من الدستور الحصول على موافقة مجلس الشعب وتصديقه عليها، كما أن رفع تكاليف التسليح بالزيادة عما هو وارد بالموازنة العامة للدولة يقتضى وفقا لنص المادة 116 من الدستور العرض على مجلس الشعب للحصول على موافقته التى يجب وفقا للدستور أن تصدر بقانون، وأنه على ضوء هذه الأحكام وما تقتضيه دواعى السرية الواجبة عند إبرام اتفاقيات التسليح، وكذلك عند النظر فى اعتمادات التسليح، ولأنه من غير الملائم عرض المشروعات الخاصة بذلك ومناقشتها علانية، فقد أعد مشروع القانون المرافق. لما كان ذلك، وكانت من الموضوعات التى جرى بها التفويض الصادر بالقانون رقم 29 لسنة 1972 قد حددتها السلطة التشريعية على الوجه السالف بيانه فى نطاق صلاحياتها الدستورية، استجابة من جانبها لدواعى السرية المحيطة بها، وكان موضوع القرار بقانون المطعون عليه منبت الصلة بها، ولا ينزل منزلة المسائل التى تعلق بها قانون التفويض سواء من حيث طبيعتها أو أهميتها، فإن القرار بقانون المطعون عليه يكون قد جاوز نطاق التفويض، وصدر بالتالى غير مستند لأحكامه منتزعا جانبا من الولاية التى تملكها السلطة التشريعية وفقا لأحكام الدستور، ومخالفا من ثم للمادتين 86، 108 منه.
8 – لا محاجة فى القول بأن القرار بقانون المطعون فيه قد صدر ارتكانا إلى أحكام القانون رقم 49 لسنة 1974 وفى حدود أحكامه، ذلك أن ما نص عليه هذا القانون من تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون بالتصديق على الاتفاقيات المتعلقة بمشروعات الانتاج الحربى، وكذلك اصدار قرارات لها قوة القانون بالأحكام الخاصة بكل مشروع منها، غايته – وعلى ما جاء بالمذكرة الايضاحية لهذا القانون – تنفيذ ما تقتضيه استراتيجية التصنيع الحربى التى تنفرد بطبيعتها الخاصة بالنظر إلى سريتها وحساسيتها وأهميتها للأمن القومى وعدم ملاءمة عرضها ومناقشتها علانية، وبمراعاة تنظيمها دون تقيد بأحكام قانون استثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة، وهى أغراض لا يتصل بها القرار بقانون المطعون عليه، ولا يمكن حمله عليها أو اعتباره مدخلا اليها، بما مؤداه مجاوزة ذلك القرار بقانون – وقد صدر فى شأن يتعلق بالتأمينات الاجتماعية للعاملين بالهيئة العربية للتصنيع – حدود التفويض الصادر عن السلطة التشريعية، وبطلانه بتمامه تبعا لسقوط أحكامه بأكملها.
الإجراءات
بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1986 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية القرار بقانون 102 لسنة 1980 بسريان قانون التأمين الاجتماعى على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين بعد أن انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة باحالتهم إلى التقاعد واستحقوا عن عملهم بها معاشاتهم العسكرية، التحقوا بالهيئة العربية للتصنيع وعملوا بشركاتها وظلوا يجمعون بين رواتبهم من هذه الهيئة ومعاشاتهم العسكرية التى استحقوها طبقاً للقانون رقم 90 لسنة 1975 إلى أن صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 الذى نص فى مادته الاولى على إلغاء المادة 18 من القانون رقم 150 لسنة 1976 فى شأن حصانات وامتيازات الهيئة العربية للتصنيع والاتفاقيات المبرمة وفقا لها، وفى مادته الثانية على أن تسرى على العاملين بهذه الهيئة ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فأقاموا الدعوى رقم 85 لسنة 35 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالبين الحكم بالغاء القرار بقانون المشار إليه واعتباره كأن لم يكن، وإذ قضت هذه المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، فقد أقاموا الدعوى رقم 9 لسنة 1983 برية والدعاوى المضمومة إليها أمام اللجنة القضائية لضباط القوات البرية طالبين أن ترد إليهم معاشاتهم العسكرية من تاريخ قطعها فى 1 يونية سنة 1980، كما دفعوا بعدم دستورية القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980، واذ قدرت اللجنة جدية هذا الدفع وحددت لذلك ميعادا لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 بسريان قانون التأمين الاجتماعى على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها ينص فى مادته الأولى على أن: “تلغى المادة 18 من القانون رقم 150 لسنة 1976 المشار اليه والاتفاقيات المبرمة وفقا لها”.
وينص فى مادته الثانية على أن: “تسرى على العاملين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الإنتاجية والشركات التى تساهم فيها أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975. ويختص صندوق التأمينات الذى تديره الهيئة العامة للتأمين والمعاشات بالتأمين على العاملين المشار اليهم” ، وينص فى مادته الثالثة على أن: “تسرى أحكام المادة 99 من القانون رقم 90 لسنة 1975 على أصحاب المعاشات العسكرية المعينين بالجهات المشار إليها فى المادة السابقة. وفى حالة اختيار ضم مدة الخدمة العسكرية لمدة الخدمة المدنية طبقا لحكم المادة 36 من قانون التأمين الاجتماعى يعفى صاحب المعاش من رد المعاشات التى صرفت اليه وفقا لأحكام اتفاقية التأمينات الاجتماعية المشار إليها”. وينتهى فى مادته الرابعة والأخيرة إلى النص على نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية وأن تكون له قوة القانون وأن يعمل به من تاريخ نشره.
وحيث إن مؤدى نص المادة الأولى من القرار بقانون المطعون فيه، إلغاء المادة 18 من قانون حصانات وامتيازات الهيئة العربية للتصنيع الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1976 والاتفاقيات المبرمة وفقا لها، ومن ثم إلغاء اتفاقية التأمينات الاجتماعية المعقودة بين جمهورية مصر العربية والهيئة العربية للتصنيع بتاريخ 23 مايو سنة 1976 وكانت تنص فى مادتها التاسعة على أن: “المؤمن عليهم الذين يتقاضون معاشات وقت بدء عملهم بالهيئة العربية للتصنيع وفقا لقانون غير قانون التأمين يستمرون فى صرف معاشهم وفقا لقوانين التأمين والمعاشات التى كانوا يخضعون لها”. كما أن ما قررته المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه من سريان حكم المادة 99 من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 على أصحاب المعاشات العسكرية المعينين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها مؤداه أنه “اذا عين صاحب معاش فى الجهاز الادارى للدولة أو وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات والمؤسسات العامة أو وحدات القطاع العام أوقف صرف معاشه طوال مدة استخدامه اعتبارا من تاريخ استلامه العمل”.
وحيث إن من بين ما ينعاه المدعون على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 المشار اليه خروجه على نطاق التفويض المخول لرئيس الجمهورية بمقتضى أحكام القانون رقم 29 لسنة 1972 بتفويض رئيس الجمهورية فى اصدار قرارات لها قوة القانون، قولا بأن القرار بقانون المطعون عليه صدر لتنظيم التأمينات الاجتماعية للعاملين فى الهيئة العربية للتصنيع مستندا فى ذلك إلى القانون رقم 29 لسنة 1972 الذى عين الموضوعات التى يجرى التفويض فيها وحصرها فى التصديق على الاتفاقيات الخاصة بالتسليح وفى إصدار قرارات لها قوة القانون فيما يتعلق باعتمادات التسليح والاعتمادات الأخرى اللازمة للقوات المسلحة، ومن ثم يكون هذ التفويض قد استبعد من نطاقه موضوع القرار بقانون المطعون عليه، وبالتالى جاء هذا القرار بقانون مجاوزا حدود التفويض المخول لرئيس الجمهورية ومنتزعا جانباً من الولاية التشريعية لمجلس الشعب دون سند من الدستور وبالمخالفة لأحكام المادتين 86، 108منه.
وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن الأصل فى نصوص الدستور – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة وهى باعتبارها كذلك تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها والعمل بموجبها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها. وإذ كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصيلة، وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة، وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفا لأحكامه.
و حيث إن الدستور اختص السلطة التشريعية بسن القوانين وفقا لأحكامه فنص فى المادة 86 منه على أن يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقر السياسة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور، وكان الدستور بتحديده لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحيتها، قد عين لكل منها التخوم والقيود الضابطة لولايتها بما يحول دون تدخل إحداها فى أعمال السلطة الأخرى أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها، متى كان ذلك، وكان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة الوظيفة التى اختصها الدستور بها وأقامها عليها، إلا أن الدساتير المصرية جميعها كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منها لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا بضرورة الترخيص للسلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية فى أن تمارس عند الضرورة وفى الأحداث الاستثنائية جانبا من الوظيفة التشريعية تمكينا لها من تنظيم مسائل بعينها تكون أقدر على مواجهتها بتدابير تقتضيها المرونة تارة، والسرعة والدقة والحسم طورا آخر. ولقد كان النهج الذى التزمته الدساتير المصرية على اختلافها – وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة هو تخويلها السلطة التنفيذية – وبناء على تفويض من السلطة التشريعية فى أحوال بذاتها تفرضها الضرورة وتمليها الأوضاع الاستثنائية – رخصة تشريعية فى حدود ضيقة لا تتخلى السلطة التشريعية بموجبها عن ولايتها فى مجال سن القوانين، ولا ينفلت بها زمام هذا الاختصاص من يدها، وإنما تتقيد ممارسة هذه الرخصة الاستثنائية بقيود وضوابط تكفل انحصارها فى المجال المحدد لها وبما لا يخرجها عن الأغراض المقصودة منها باعتبار أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى نطاق التفويض الممنوح لها لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصيلة فى المجال التشريعى، بما مؤداه أن القيود والضوابط التى أحاط الدستور بها مباشرة السلطة التنفيذية لهذه الرخصة الاستثنائية غايتها أن تظل الولاية التشريعية – وكمبدأ عام – فى يد السلطة الأصيلة التى أقامتها هيئة الناخبين لممارستها، وأن يكون مرد الأمر دائما إلى الشروط التى فرضها الدستور لجواز التفويض فى بعض مظاهر هذه الولاية سواء تعلق الأمر بمناسبة التفويض، أن بمحله، أو بمدته، أو بالرقابة على كيفية تنفيذه، وتوافر هذه الشروط مجتمعة هو مناط مباشرة السلطة التنفيذية لهذا الاختصاص الاستثنائى، واليها تمتد الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح للتحقق من قيامها فى الحدود الى رسمها الدستور لها، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية – وهى من طبيعة استثنائية – إلى سلطة تشريعية كامله ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها. وشروط التفويض هذه هى التى عنى الدستور القائم ببيانها وتفصيل أحكامها فى المادة 108 منه التى تنص على أن لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى الأحوال الاستثنائية، وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلثى أعضائه أن يصدر قرارات لها قوة القانون، ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة. وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التى تقوم عليها. ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب فى أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض، فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق عليها المجلس زال ما كان لها من قوة القانون. وبذلك يكون الدستور قد أجاز التفويض التشريعى وخوله لرئيس الجمهورية فى اطار عام هو ألا ينطوى التفويض على نقل الولاية التشريعية بأكملها أو فى جوانبها الأكثر أهمية من الهيئة النيابية إلى السلطة التنفيذية أو النازل عنها بانابة جهة أخرى فى ممارستها. وفى إطار هذا الضابط العام حدد الدستور “مناسبة التفويض” فحصرها فى قيام الضرورة والأوضاع الاستثنائية التى تدور معها علة اقراره وحرص إمعانا فى الحيطة فى أن تكون موافقة السلطة التشريعية على قانون التفويض بالأغلبية الخاصة التى تطلبها ممثلة فى ثلثى أعضائها لضمان أن يظل التفويض فى حدود ضيقة لا تفريط فيها، وأن يكون اقراره مرتبطا بدواعيه الضاغطة مبررا بها، مستندا اليها، وعهد إلى السلطة التشريعية بأن تعين بنفسها “محل التفويض” فى قانونه وذلك من خلال تحديدها القاطع للمسائل التى يتناولها وأسس تنظيمها لتتقيد السلطة التنفيذية بنطاق التفويض ولا تجاوزه إلى غير المسائل التى يشملها فى موضوعه، وجعل التفويض “موقوتا” بميعاد معلوم “محددا سلفا أو قابلا للتعيين كى يمثل هذا الميعاد حدا زمنيا لا يجوز أن تتخطاه السلطة التنفيذية فى ممارستها لاختصاصها الاستثنائي، وإلا انطوى عملها على اقتحام للولاية التشريعية التى اختص الدستور بها الهيئة النيابية الأصيلة، وهو ما عززه الدستور حين أقام من السلطة التشريعية – التى جعل الدستور زمام اقرار القوانين وتعديلها والغائها بيدها – رقيبا على “مجاوزة السلطة التنفيذية لحدود التفويض أو التزامها بأبعاده”. وذلك بما أوجبته المادة 108 من الدستور من أن تعرض على السلطة التشريعية التدابير التى اتخذها رئيس الجمهورية إعمالا لقانون التفويض وذلك فى أول جلسة تدعى اليها بعد انتهاء مدته، فإذا لم تعرض على السلطة التشريعية أو عرضت ولم تقرها، زال ما كان لها من قوة القانون. وكل ذلك ضمانا لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائى فى حدود القيود التى عينها الدستور حصرا لنطاقه وضبطا لقواعده.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ما تصدره السلطة التنفيذية من قرارات لها قوة القانون مجاوزة بها محل التفويض لخروجها عن نطاق الموضوعات التى يجرى فيها، تقع مخالفة للدستور لافتئاتها على ولاية السلطة التشريعية، وكان البين من أحكام القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المطعون فيه أنها تقرر سريان أحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها، وكانت هذه الهيئة وفقا لاتفاقية تأسيسها متمتعة بالشخصية القانونية وتوخى انشاؤها قيام قاعدة صناعية عربية تكفل إقامة وإنماء وتطوير الصناعات المتقدمة وتحقيق المصالح المشتركة للدول العربية المساهمة فيها على أسس فينة واقتصادية سليمة وذلك كله على الوجه المبين فى نظامها الأساسى، وكان إفصاح المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ودولة قطر عن إرادتها الانسحاب من عضوية الهيئة، قد أعقبه صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 30 لسنة 1979 لمواجهة هذه الأوضاع الطارئة فنص هذا القرار بقانون على أن تظل الهيئة متمتعة بالشخصية الاعتبارية وفقا للأحكام المقررة فى قانون مركزها ومقرها، كما تظل متمتعة باختصاصاتها وسلطاتها ومزاياها وحصاناتها التى كانت مقررة لها مع استمرارها فى مزاوله نشاطها واستيفاء حقوقها والوفاء بالتزاماتها، وكان القرار بقانون رقم 102 لسنة 1980 المطعون عليه قد انطوى فى مادتيه الأولى والثالثة على إلغاء القاعدة التى كانت تقرر الحق فى الجمع بين مرتب الوظيفة فى الهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها وبين المعاش العسكرى المستحق قبل التعيين فيها، وكان هذا القرار بقانون – وعلى ما أوردته ديباجته بصريح عبارتها – قد صدر استنادا إلى أحكام القانون رقم 29 لسنة 1972 بتفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون، وليس ثمة دليل فى الأوراق على أن رئيس الجمهورية أصدره بناء على قانون آخر، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 29 لسنة 1972 قاطعة فى أن التفويض الصادر عن السلطة التشريعية وفقا لأحكامه تحدد موضوعه فى التصديق على الاتفاقيات الخاصة بالتسليح وفى إصدار قرارات لها قوة القانون فيما يتعلق باعتمادات التسليح والاعتمادات الأخرى اللازمة للقوات المسلحة، وكان قانون التفويض المشار إليه قد صدر لاعتبارات أفصحت عنها المذكرة الايضاحية حاصلها “أن الأمر بالنسبة إلى اتفاقيات التسليح يقتضى وفقا لنص المادة 151 من الدستور الحصول على موافقة مجلس الشعب وتصديقه عليها، كما أن رفع تكاليف التسليح بالزيادة عما هو وارد بالموازنة العامة للدولة يقتضى وفقا لنص المادة 116 من الدستور العرض على مجلس الشعب للحصول على موافقته التى يجب وفقا للدستور أن تصدر بقانون، وأنه على ضوء هذه الأحكام وما تقتضيه دواعى السرية الواجبة عند ابرام اتفاقيات التسليح وكذلك عند النظر فى اعتمادات التسليح ولأنه من غير الملائم عرض المشروعات الخاصة بذلك ومناقشتها علانية، فقد أعد مشروع القانون المرافق. لما كان ذلك، وكانت الموضوعات التى جرى بها التفويض الصادر بالقانون رقم 29 لسنة 1972 قد حددتها السلطة التشريعية على الوجه السالف بيانه فى نطاق صلاحياتها الدستورية استجابة من جانبها لدواعى السرية المحيطة بها، وكان موضوع القرار بقانون المطعون عليه منبت الصلة بها، ولا ينزل منزلة المسائل التى تعلق بها قانون التفويض سواء من حيث طبيعتها أو أهميتها فإن القرار بقانون المطعون عليه يكون قد جاوز نطاق التفويض وصدر بالتالى غير مستند لأحكامه منتزعا جانبا من الولاية التى تملكها السلطة التشريعية وفقا لأحكام الدستور ومخالفا من ثم للمادتين 86، 108 منه. ولا محاجة فى القول بأن القرار بقانون المطعون فيه قد صدر ارتكانا إلى أحكام القانون رقم 49 لسنة 1974 وفى حدود أحكامه، ذلك أن ما نص عليه هذا القانون من تفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون بالتصديق على الاتفاقيات المتعلقة بمشروعات الإنتاج الحربى وكذلك اصدار قرارات لها قوة القانون بالأحكام الخاصة بكل مشروع منها – غايته – وعلى ما جاء بالمذكرة الايضاحية لهذا القانون – تنفيذ ما تقتضيه استراتيجية التصنيع الحربى من اقامة صناعة حربية متطورة فى اطار مشروعات الإنتاج الحربى التى تنفرد بطبيعتها الخاصة بالنظر إلى سريتها وحساسيتها وأهميتها للأمن القومى وعدم ملائمة عرضها ومناقشتها علانية وبمراعاة تنظيمها دون تقيد بأحكام قانون استثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة – وهى أغراض لا يتصل بها القرار بقانون المطعون عليه، ولا يمكن حمله عليها أو اعتباره مدخلا إليها، بما مؤداه مجاوزة ذلك القرار بقانون – وقد صدر فى شأن يتعلق بالتأمينات الاجتماعية للعاملين بالهيئة العربية للتصنيع – حدود التفويض الصادر عن السلطة التشريعية، وبطلانه بتمامه تبعا لسقوط أحكامه بأكملها.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 102 لسنة 1980 بسريان قانون التأمين الاجتماعى على العاملين المصريين بالهيئة العربية للتصنيع ووحداتها الانتاجية والشركات التى تساهم فيها، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه.
وسوم : حكم دستورية