جلسة 19 مايو سنة 1990
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: فوزي أسعد مرقس، ومحمد كمال محفوظ، والدكتور عوض محمد المر، والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين، وواصل علاء الدين، ومحمد ولي الدين جلال – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (33)
القضية رقم 37 لسنة 9 قضائية “دستورية”
1- مجلس الشعب – حق الترشيح – الرقابة القضائية الدستورية.
كفالة الدستور لحق الترشيح، مقتضاه ألا ينبغي لسلطة التشريع النيل منه، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه. صدور القانون رقم 188 لسنة 1986 بتعديل القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب في أمر يتعلق بحق الترشيح لعضوية مجلس الشعب – لا يتناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة القضائية الدستورية.
2- دعوى دستورية “الحكم فيها – حجيته”.
حجية الأحكام الصادرة في الدعاوي الدستورية المانعة من نظر أي طعن دستوري جديد، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها.
3- دستور “سموه”.
الدستور هو القانون الأساسي الأعلى، الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، ويحدد السلطات العامة، ويقرر الحريات والحقوق العامة وضماناتها – سيادة الدستور وسموه بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها.
4- دستور “مبدأ سيادة الدستور” – السلطات العامة – المحكمة الدستورية العليا “الرقابة الدستورية”.
خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور، أصل مقرر وحكم لازم لكل نظام ديمقراطي سليم – إلزام كل السلطات بالنزول على قواعد الدستور والتزام حدوده وإلا خضع عملها متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة للرقابة القضائية الدستورية التي اختص بها الدستور المحكمة الدستورية العليا دون غيرها ابتغاء الحفاظ على أحكامه وصونها وحمايتها من الخروج عليها.
5- الدساتير المصرية – الحريات والحقوق العامة.
حرص الدساتير المصرية المتعاقبة منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة قصداً من الشارع الدستوري بأن تكون قيداً على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، فإذا خرج على هذا الضمان الدستوري بأن قيد حرية أو حقاً ورد في الدستور مطلقاً أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم، شاب عمله مخالفة الدستور.
6- دستور – مبدأ المساواة “ماهيته”.
صدارة مبدأ المساواة أمام القانون لباب الحريات والحقوق العامة في الدستور، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي وعلى تقدير أن غايته صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها.
7 – مبدأ المساواة “نطاقه – صور التمييز”.
مبدأ المساواة لا ينطبق على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور فحسب وإنما أيضاً على كافة الحقوق التي يقررها القانون للمواطنين – عدم ورود صور التمييز المنصوص عليها في المادة (40) من الدستور، والتي تقوم على الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة على سبيل الحصر – علة ذلك – النص على هذه الصور لأنها الأكثر شيوعاً في الناحية العملية، ووجود صور أخرى من التمييز لا تقل آثارها خطورة عنها وتتناقض ومبدأ المساواة وتهدر أساسه.
8 – مبدأ المساواة – حقوق “تنظيمها”.
المساواة المنصوص عليها في المادة (40) من الدستور، مساواة قانونية رهينة بشروطها الموضوعية التي ترتد إلى طبيعة الحق الذي يكون محلاً لها، وما تقتضيه ممارسته من متطلبات – سلطة المشرع التقديرية لمقتضيات الصالح العام في وضع الشروط الموضوعية التي تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم ممارسة هذه الحقوق.
9 – الحقوق السياسية “حقا الانتخاب والترشيح”.
الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور ومن بينها حقي الترشيح والانتخاب، من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها واعتبارها واجباً وطنياً لاتصالها بالسيادة الشعبية – حقا الانتخاب والترشيح حقان متكاملان لا تقوم الحياة النيابية بدونهما ولا تتحقق للسيادة الشعبية أبعادها إذا هما أفرغا من المضمون الذي يكفل جدية وفاعلية ممارستهما.
10 – الحقوق السياسية – تشريع.
القواعد التي يضعها المشرع تنظيماً للحقوق السياسية، يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها أو التمييز في أسس مباشرتها أو التعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص لمن تتماثل مراكزهم القانونية.
11 – دستور – أحزاب سياسية – ديمقراطية.
استعاضة الدستور عن التنظيم الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان مسيطراً وحده على العمل الوطني سيطرة لا تتحقق بها للديمقراطية مفهومها المتجانس مع طبيعتها، إلى نظام التعددية الجزئية تعميقاً للديمقراطية باعتبارها الطريق للعمل الوطني من خلال ديمقراطية الحوار التي تتعدد فيها الآراء في إطار المصلحة القومية التي يقوم عليها الشعب في مجموعه ويفرض من خلالها قياداته السياسية وانتماءاته الوطنية.
12 – السيادة الشعبية – ديمقراطية – أحزاب سياسية.
السيادة الشعبية لا تنعقد لفئة دون أخرى ولا سيطرة لجماعة بذاتها على غيرها – مادة (3) من الدستور – أثر ذلك، تعاون الأحزاب السياسية مع غير المنتمين إليها في إرساء دعائم العمل الوطني – الديمقراطية لا تمنح الأحزاب السياسية دوراً في العمل الوطني يجاوز حدود الثقة التي توليها هيئة الناخبين لمرشحيها الذين يتنافسون مع غيرهم وفقاً لأسس موضوعية لا تحدها عقيدة من أي نوع ولا يقيدها شكل من أشكال الانتماء سياسياً كان أو غير سياسي.
13 – حق الانتخاب وحق الترشيح – مبدأ المساواة.
كفالة الدستور للمواطنين حقي الانتخاب والترشيح وجعلهم سواء في ممارستهما وعدم إجازته التمييز بينهم في أسس مباشرتهما، ولا تقرير أفضلية لبعضهم على بعض في أي شأن يتعلق بهما – إطلاقه هذين الحقين للمواطنين الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة لذلك على اختلاف انتماءاتهم وآرائهم السياسية لضمان أن يظل العمل الوطني جماعياً لا امتياز فيه لبعض المواطنين على بعض.
14 – حق الترشيح – مبدأ تكافؤ الفرص.
المواطنون جميعاً الذين تتوافر فيهم شروط مباشرة الحق في الترشيح، لهم الفرص ذاتها التي يؤثرون من خلالها – وبقدر متساو فيما بينهم – في تشكيل السياسة القومية.
15 – أحزاب سياسية – حقوق سياسية “صفة المواطنة” – مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة.
عدم التمييز في أسس مباشرة الحقوق السياسية بين المنتمين للأحزاب السياسية وغير المنتمين إليها – توكيد ذلك، النص في المادة (5) من الدستور على نظام تعدد الأحزاب السياسية لم يتضمن إلزام المواطنين جميعاً بالانضمام إليها، والنص في المادة (62) منه على كفالة الحقوق السياسية جاء رهيناً بصفة “المواطنة” فحسب طليقاً من قيد الحزبية ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون يوجبان معاملة المرشحين كافة معاملة قانونية واحدة، وقيام النظام الحزبي تقرر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 قبل التعديل الدستوري بالنص على التعددية الحزبية، ارتكاناً إلى بعض الحريات والحقوق العامة ومنها حق الترشيح، فلا يصح أن ينقلب النظام الحزبي بعد تقريره قيداً عليها.
16 – دستور “تفسير نصوصه”.
تفسير نصوص الدستور يكون باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، فلا يفسر نص منه بمعزل عن نصوصه الأخرى وإنما متسانداً معها بما يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض.
17 – دستور “المادة (62) منه – تفسيرها” – حق الترشيح – مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة.
المادة (62) من الدستور – كفالتها حق الترشيح غير مقيد بالانتماء الحزبي، مع إيجاب الدستور في المادة (8) منه تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وفي المادة (40) المساواة بين المواطنين في الحقوق العامة ومنها حق الترشيح وحظره التمييز بينهم بسبب اختلاف الآراء السياسية – مؤدى هذه النصوص مترابطة متكاملة، اعتبار المواطنين المستوفين لشروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب بالنسبة لممارسة هذا الحق في مراكز قانونية متماثلة وعلى أساس من الفرص المتكافئة في الفوز بالعضوية دون اعتداد بانتماءاتهم الحزبية.
18 – دستور – تشريع “النظام الانتخابي”.
سلطة المشرع التقديرية في اختيار النظام الانتخابي، حدها، عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه.
19 – مجلس الشعب – حق الترشيح – مبدأ المساواة.
إقامة القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 التحديد العددي للمقاعد المخصصة لكل دائرة بصورة متفاوتة على أساس عدد المواطنين بها وتحديده في المادة الخامسة مكرراً منه للمرشح الفردي في كل منها مقعداً واحداً بصورة تحكمية أياًً كان عدد مواطنيها يتنافس عليه المستقلون مع غيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية – يتضمن مخالفة للقاعدة العامة التي اتبعها في تحديد عدد المقاعد النيابية في كل دائرة بما يتناسب وعدد السكان فيها وإخلالاً بمبدأ المساواة في المعاملة بين المرشحين.
20 – مجلس الشعب – حق الترشيح – المادة (5) مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 المعدل – مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة.
المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 – نصها على تحديد مقعد واحد في كل دائرة مخصصاً لنظام الانتخاب الفردي، يجرى التنافس عليه بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين غير المنتمين إليها، وتخصيصها عدة مقاعد في الدائرة خالصة لمرشحي القوائم الحزبية – يتضمن إخلالاً صريحاً بحق المواطنين غير المنتمين لأحزاب سياسية في الترشيح على قدم المساواة وعلى أساس من تكافؤ الفرص مع باقي المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية وتمييزاً قائماً على أساس اختلاف الآراء السياسية بالمخالفة للمواد (8)، (40)، (62) من الدستور.
21 – أحزاب سياسية “الحرية في الانضمام إليها” – حرية الرأي.
كفالة الدستور للمواطن حرية الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو عدم الانضمام إليها – حمل المواطن على الانضمام إلى الأحزاب السياسية يتعارض مع حريته في الرأي بالمخالفة للمادة (47) من الدستور.
22 – المحكمة الدستورية العليا “اختصاصها”.
المحكمة الدستورية العليا، هي الهيئة القضائية العليا التي أنشأها الدستور حارسة لأحكامه ونصبها قوامة على صونه وحمايته، والجهة التي ناط بها القانون دون غيرها سلطة الفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
23 – الأحكام القضائية “طبيعتها الكاشفة – الأثر الرجعي”.
الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة وليست منشئة، مما يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة – أعمال المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الرجعية على إطلاقها بالنسبة للنصوص الجنائية إلى حد إسقاط حجية الأمر المقتضي لتعلقها بالإدانة في أمور تمس الحريات الشخصية، أما في غير المسائل الجنائية فالأصل أيضاً سريان الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية، والاستثناء من الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة تقادم.
24 – مجلس الشعب – حكم “أثر الحكم بعدم الدستورية”.
القضاء بعدم دستورية النص التشريعي الذي أجريت انتخابات مجلس الشعب بناء عليه، مؤداه ولازمه بطلان تكوين المجلس منذ انتخابه ودون أن يستتبع ذلك إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة وحتى تاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية، بل تظل على أصلها من الصحة ونافذة ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها أو يقضي بعدم دستورية نصوصها التشريعية إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بني عليه هذا الحكم.
1 – إن القانون رقم 188 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، قد صدر في شأن يتعلق بحق الترشيح لعضوية مجلس الشعب، وهو من الحقوق السياسية التي كفلها الدستور، والتي ينبغي على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه، ومن ثم لا يكون قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة القضائية الدستورية.
2 – لئن كان الثابت أن المدعي سبق أن أقام الدعوى الدستورية رقم 131 لسنة 6 قضائية بالطعن على بعض مواد القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 ومن بينها المادتان الثالثة والخامسة مكرراً منه قبل تعديلهما بالقانون رقم 188 لسنة 1986، إلا أنه لما كان الطعن في الدعوى الراهنة وارداً على الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمادة الخامسة مكرراً من القانون المشار إليه بعد تعديلهما بالقانون رقم 188 لسنة 1986، ومن ثم فإن محل الطعن في كل من الدعويين يكون مختلفاً، ولا يكون للحكم الصادر في الدعوى الدستورية السابقة حجية مانعة من نظر الدعوى الماثلة.
3- الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، ودون أي تفرقة أو تمييز – في مجال الالتزام بها – بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ذلك أن هذه السلطات كلها سلطات مؤسسة أنشأها الدستور، تستمد منه وجودها وكيانها، وهو المرجع في تحديد وظائفها، ومن ثم تعتبر جميعها أمام الدستور على درجة سواء، وتقف كل منها مع الأخرى على قدم المساواة، قائمة بوظيفتها الدستورية متعاونة فيما بينها في الحدود المقررة لذلك، خاضعة لأحكام الدستور الذي له وحده الكلمة العليا وعند أحكامه تنزل السلطات العامة جميعاً. والدولة في ذلك إنما تلتزم أصلاً من أصول الحكم الديمقراطي، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور، وهو ما حرص الدستور القائم على تقريره بالنص في المادة (64) منه على أن “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة”، وفي المادة (65) منه على أن “تخضع الدولة للقانون…..” ولا ريب في أن المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي الأعم الذي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها، ويأتي على رأسها، وفي الصدارة منها الدستور بوصفه أعلى القوانين وأسماها.
4 – إن خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصل مقرر وحكم لازم لكل نظام ديمقراطي سليم، ومن ثم يكون لزاماً على كل سلطة عامة أياً كان شأنها وأياً كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، النزول عند قواعد الدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضع – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.
5 – إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصداً من الشارع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيداً على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفي حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعياً، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية أو حقاً ورد في الدستور مطلقاً أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وقع عمله التشريعي مشوباً بعيب مخالفة الدستور.
6، 7 – إن الحق في المساواة أمام القانون هو أول ما نص عليه الدستور في الباب الخاص بالحريات والحقوق العامة، وجاء في الصدارة منها باعتبار أن هذا الحق هو أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها علي الحريات والحقوق العامة المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال أعمالها إلى الحقوق التي يقررها القانون العادي ويكون مصدراً لها. ولئن نص الدستور في المادة (40) منه على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينها وهي التي يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده إلى أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية ولا يدل بالتالي على انحصاره فيها دون غيرها، إذ لو قيل بأن التمييز المحظور دستورياً لا يقوم إلا في الأحوال التي بينتها المادة (40) المشار إليها، لكان التمييز فيما عداها غير مناقض للدستور، وهو نظر لا يستقيم مع المساواة التي كفلها ويتناقض مع الغاية المقصودة من إرسائها، يؤيد ذلك إن من صور التمييز التي لم تصرح المادة المذكورة بالإشارة إليها ما لا تقل في أهميتها وخطورة الآثار المترتبة عليها عن تلك التي عنيت بإبرازها كالتمييز بين المواطنين في مجال الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور لاعتبار يتعلق بالمولد أو المركز الاجتماعي أو الانتماء الطبقي أو الانحياز لرأي بذاته سياسياً كان أو غير سياسي، مما يؤكد أن ألوان التمييز على اختلافها التي تتناقض في محتواها مع مبدأ المساواة وتهدر الأساس الذي يقوم عليه إنما يتحتم إخضاعها جميعاً لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة قضائية لضمان احترام مبدأ المساواة في جميع مجالات تطبيقه.
8 – المساواة المنصوص عليها في المادة (40) من الدستور لا تعني أنها مساواة فعلية يتساوى بها المواطنون في الحريات والحقوق أياً كانت مراكزهم القانونية، بل هي مساواة قانونية رهينة بشروطها الموضوعية التي ترتد في أساسها إلى طبيعة الحق الذي يكون محلاً لها وما تقتضيه ممارسته من متطلبات ذلك أن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل مراكزهم القانونية، وإن اختلفت هذه المراكز بأن توافرت في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم.
9 – إن الدستور قد نص في المادة (62) منه – التي وردت في الباب الخاص بالحريات والحقوق العامة – على أن “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني”، مما مفاده أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة – ومن بينها حق الترشيح الذي عني الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء – اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصلحة الجماعة، وعلى أساس أن حقي الانتخاب والترشيح خاصة هما حقان متكاملان لا تقوم الحياة النيابية بدون أيهما ولا تتحقق للسيادة الشعبية أبعادها الكاملة إذا هما أفرغا من المضمون الذي يكفل ممارستهما ممارسة جدية وفعالة، ومن ثم كان هذان الحقان لازمين لزوماً حتمياً لإعمال الديمقراطية في محتواها المقرر دستورياً ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الإرادة الشعبية ومعبرة تعبيراً صادقاً عنها. ولذلك لم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسته تلك الحقوق السياسية وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين.
10 – لئن كانت المادة (62) من الدستور قد أجازت للمشرع العادي تنظيم الحقوق السياسية الثلاثة – الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء – بما نصت عليه من أن ممارسة هذه الحقوق تكون “وفقاً لأحكام القانون” فإنه يتعين عليه أن يراعي في القواعد التي يتولى وضعها تنظيماً لتلك الحقوق ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها وألا تنطوي على التمييز المحظور دستورياً أو تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة لجميع المواطنين ممن تتماثل مراكزهم القانونية وبوجه عام ألا يتعارض التنظيم التشريعي لتلك الحقوق مع أي نص في الدستور بحيث يأتي التنظيم مطابقاً للدستور في عموم قواعده وأحكامه.
11 – إن المادة الخامسة من الدستور إذ تنص – بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – على أن “يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب، وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور……” فإنما قصد بهذا التعديل الدستوري العدول عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان مهيمناً وحده على العمل الوطني ومسيطراً عليه في مجالاته المختلفة سيطرة لا تتحقق بها للديمقراطية مفهومها المتجانس مع طبيعتها، إلى تعدد الأحزاب ليقوم عليه النظام السياسي في الدولة، باعتبار أن هذه التعددية الحزبية إنما تستهدف أساساً الاتجاه نحو تعميق الديمقراطية وإرساء دعائمها في إطار حقي الانتخاب والترشيح اللذين يعتبران مدخلاً وقاعدة أساسية لها، ومن ثم كفلها الدستور للمواطنين كافة الذين تنعقد لهم السيادة الشعبية ويتولون ممارستها على الوجه المبين في الدستور، وليس أدل على ذلك من أن التعددية الحزبية هي التي تحمل في أعطافها تنظيماً تتناقض فيه الآراء أو تتوافق، تتعارض أو تتلاقى ولكن المصلحة القومية تظل إطاراً لها ومعياراً لتقييمها وضابطاً لنشاطها وهي مصلحة يقوم عليها الشعب في مجموعه ويفرض من خلالها قياداته السياسية وانتماءاته الوطنية، ولم تكن التعددية الحزبية بالتالي وسيلة انتهجها الدستور لإبدال سيطرة بأخرى، وإنما نظر إليها الدستور باعتبارها طريقاً قوياً للعمل الوطني من خلال ديمقراطية الحوار التي تتعدد معها الآراء وتتباين على أن يظل الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية مرتبطاً في النهاية بإرادة هيئة الناخبين في تجمعاتها المختلفة، وهي إرادة تبلورها عن طريق اختيارها الحر لممثليها في المجالس النيابية وعن طريق الوزن الذي تعطيه بأصواتها للمتزاحمين على مقاعدها.
12 – من خلال الجهود المتضافرة في بناء العمل الوطني تعمل الأحزاب السياسية متعاونة مع غير المنتمين إليها في إرساء دعائمه وبذلك يتحدد المضمون الحق لنص المادة الثالثة من الدستور التي لا تعقد السيادة الشعبية لفئة دون أخرى، ولا تفرض سيطرة لجماعة بذاتها على غيرها، وفي هذا الإطار تكمن قيمة التعددية الحزبية باعتبارها توجهاً دستورياً نحو تعميق مفهوم الديمقراطية التي لا تمنح الأحزاب السياسية دوراً في العمل الوطني يجاوز حدود الثقة التي توليها هيئة الناخبين لمرشحيها الذين يتنافسون مع غيرهم وفقاً لأسس موضوعية لا تحدها عقيدة من أي نوع ولا يقيدها شكل من أشكال الانتماء سياسياً كان أو غير سياسي.
13 – إن الدستور حين كفل للمواطنين حقي الانتخاب والترشيح وجعلهم سواء في ممارسة هذين الحقين ولم يجز التمييز بينهم في أسس مباشرتهما ولا تقرير أفضلية لبعض المواطنين على بعض في أي شأن يتعلق بهما، إنما أطلق هذين الحقين للمواطنين – الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة لذلك – على اختلاف انتماءاتهم وآرائهم السياسية لضمان أن يظل العمل الوطني جماعياً لا امتياز فيه لبعض المواطنين على بعض.
14، 15 – للمواطنين جميعاً الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة لمباشرة الحق في الترشيح الفرص ذاتها التي يؤثرون من خلالها – وبقدر متساو فيما بينهم – في تشكيل السياسية القومية وتحديد ملامحها النهائية. ومما يؤكد ذلك أن المادة الخامسة من الدستور عندما نصت على نظام تعدد الأحزاب، لم تتضمن النص على إلزام المواطنين بالانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تقييد مباشرة الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور بضرورة الانتماء الحزبي مما يدل بحكم اللزوم على تقرير حرية المواطن في الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو عدم الانضمام إليها وفي مباشرة حقوقه السياسية المشار إليها من خلال الأحزاب السياسية أو بعيداً عنها ما دام أن النص في المادة (62) من الدستور على كفالة هذه الحقوق السياسية قد جاء رهيناً بصفة “المواطنة” فحسب طليقاً من قيد الحزبية، يقطع في دلالة ذلك أن المادة الخامسة من الدستور عندما نصت على تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة قيدته بأن يكون النظام الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري، ولا شك في أن مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون وهماً – من المقومات والمبادئ الأساسية المعنية في هذا الشأن – يوجبان معاملة المرشحين كافة معاملة قانونية واحدة وعلى أساس من تكافؤ الفرص للجميع دون أي تمييز يستند إلى الصفة الحزبية، إذ يعتبر التمييز في هذه الحالة قائماً على أساس اختلاف الآراء السياسية الأمر المحظور دستورياً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قيام النظام الحزبي، وقد تقرر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 قبل التعديل الدستوري بالنص على تعدد الأحزاب السياسية، فكان لزاماً أن يكون لهذا القانون أساس دستوري في ظل قيام الاتحاد الاشتراكي العربي وقد ارتكن واضعو القانون المشار إليه في ذلك – على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه – إلى بعض الحريات والحقوق العامة المقررة في الدستور، ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية وحق الانتخاب وحق الترشيح على اعتبار أن حق تكوين الأحزاب السياسية يعد حقاً دستورياً منبثقاً منها ومترتباً عليها، فلا يصح أن ينقلب النظام الحزبي بعد تقريره قيداً على الحريات والحقوق العامة التي تفرع عنها ومنها حق الترشيح وهو من الحقوق العامة التي تحتمها طبيعة النظم الديمقراطية النيابية ويفرضها ركنها الأساسي الذي يقوم على التسليم بالسيادة للشعب.
16 – تفسير نصوص الدستور يكون بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله بما يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض.
17 – إن الدستور إذ كفل – في المادة (62) منه – للمواطن حق الترشيح غير مقيد بالانتماء الحزبي، وقرر في المادة (40) منه المساواة بين المواطنين في الحقوق العامة، ومنها حق الترشيح، وهو من الحقوق السياسية التي تأتي في الصدارة من الحقوق العامة لتعلقها بالإرادة الشعبية المعبرة عن سيادة الشعب وحظر التمييز بينهم فيها بسبب اختلاف الآراء السياسية، وأوجب على الدولة في المادة الثامنة أن تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، فإن مؤدى هذه النصوص مترابطة ومتكاملة، أن المواطنين المستوفين لشروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب، يعتبرون بالنسبة إلى حق الترشيح في مراكز قانونية متماثلة، مما يتعين أن تكون ممارستهم لهذا الحق على قدم المساواة وعلى أساس من الفرص المتكافئة في الفوز بالعضوية بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية وعدمها، على أن يكون المرجع في الفوز بالعضوية للمرشح – مستقلاً كان أو حزبياً، طبقاً لنظام الانتخاب بالقوائم الحزبية أو لنظام الانتخاب الفردي – إلى إرادة هيئة الناخبين صاحبة السيادة الشعبية التي هي مصدر السلطات جميعاً.
18- لئن كان للمشرع سلطة تقديرية في اختيار النظام الانتخابي إلا أن سلطته في هذا الشأن تجد حدها في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه.
19- إن القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 حين حدد عدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة من الدوائر الانتخابية وغاير في عدد المقاعد من دوائر إلى أخرى، أقام هذا التحديد العددي للمقاعد المخصصة لكل دائرة كقاعدة عامة على أساس عدد المواطنين بها حسبما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 114 لسنة 1983 بتعديل قانون مجلس الشعب فيما عدا المحافظات التي استثناها المشرع من هذه القاعدة للاعتبارات التي أشارت إليها المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، فإنه أياً كان وجه الرأي في هذا الاستثناء وبافتراض صحة الالتزام بتلك القاعدة في المحافظات الأخرى فإن القانون إذ حدد للمرشح الفردي مقعداً واحداً في كل دائرة من الدوائر الانتخابية على ما بينها من تفاوت في عدد المواطنين بها وخص مرشحي القوائم الحزبية بباقي المقاعد النيابية المخصصة للدائرة، فإنه يكون بذلك قد جعل التفاوت في عدد المواطنين هو الأساس في تحديد عدد المقاعد المخصصة لمرشحي القوائم الحزبية دون أن يكون لذلك أي أثر بالنسبة للمرشحين طبقاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يتنافس عليه المستقلون مع غيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية على مقعد واحد حدده المشرع بطريقة تحكمية في كل دائرة انتخابية أياً كان عدد المواطنين بها مخالفاً بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – القاعدة العامة التي اتبعها في تحديد عدد المقاعد النيابية في كل دائرة انتخابية بما يتناسب مع عدد السكان فيها، الأمر الذي يتضمن بدوره إخلالاً بمبدأ المساواة في معاملة الفئتين من المرشحين.
20 – المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 بما نصت عليه من أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية، تعتبر قاطعة في الدلالة على ما قصد إليه المشرع من تحديده مقعداً واحداً – لنظام الانتخاب الفردي في كل دائرة انتخابية – يجرى التنافس عليه بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين غير المنتمين لهذه الأحزاب، وتخصيصه عدة مقاعد في الدائرة خالصة لمرشحي القوائم الحزبية، ومن ثم فإن هذه المادة تكون بذاتها قد تضمنت في صريح نصها إخلالاً بحق المواطنين غير المنتمين لأحزاب سياسية في الترشيح على قدم المساواة وعلى أساس من تكافؤ الفرص مع باقي المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية إخلالاً أدى إلى التمييز بين الفئتين من المرشحين في المعاملة القانونية وفي الفرص المتاحة للفوز بالعضوية تمييزاً قائماً على أساس اختلاف الآراء السياسية مما يشكل مخالفة للمواد (8)، (40)، (62) من الدستور ويستوجب القضاء بعدم دستوريتها فيما تضمنته من النص على أن “يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية”.
21 – القول بأن للمواطن المستقل الحرية في الانضمام إلى أحد الأحزاب السياسية ليباشر من خلاله حقوقه السياسية ومنها الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب على قدم المساواة مع غيره من أعضاء الأحزاب السياسية، مردود بما ينطوي عليه من إخلال بالحرية في الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو عدم الانضمام إليها، وهي حرية كفل الدستور أصلها، ومردود أيضاً بأن للمواطن آراؤه وأفكاره التي تنبع من قرارة نفسه ويطمئن إليها وجدانه وأن حمله على الانضمام لأي من الأحزاب السياسية مع ما يلتزم به الحزب من برامج وسياسيات وأساليب يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه، ما قد يتعارض مع حريته في الرأي، وهي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظم الديمقراطية الحرة والتي حرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة وقررها الدستور القائم في المادة (47) منه.
22 – المحكمة الدستورية العليا هي الهيئة القضائية العليا التي أنشأها الدستور حارسة لأحكامه ونصبها قوامه على صونه وحمايته، والجهة التي ناط بها القانون دون غيرها سلطة الفصل القضائي في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
23 – الأصل في الأحكام القضائية، أنها كاشفة وليست منشئة، إذ هي لا تستحدث جديداً ولا تنشئ مراكز أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء وترده إلى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة، بياناً لوجه الصواب في دستورية النص التشريعي المطعون عليه منذ صدوره، وما إذا كان هذا النص قد جاء موافقاً للدستور وفي حدوده المقررة شكلاً وموضوعاً، فتتأكد للنص شرعيته الدستورية ويستمر نفاذه، أم أنه صدر متعارضاً مع الدستور فينسلخ عنه وصفه وتنعدم قيمته بأثر ينسحب إلى يوم صدوره. وفضلاً عن ذلك فإن المشرع حين أجاز في قانون المحكمة الدستورية العليا إثارة المسألة الدستورية أثناء نظر إحدى الدعاوي أمام أي من جهات القضاء، إما من تلقاء نفسها أو بطريق الدفع من أحد الخصوم، وأوجب على الجهة القضائية – عند الشك في عدم الدستورية – وقف الدعوى أو تأجيلها انتظاراً لحكم المحكمة الدستورية العليا بالفصل في المسألة المثارة إنما كان يبغي بذلك تحقيق فائدة للخصم في المنازعات الموضوعية التي أثير فيها الدفع الدستوري فيما لو قضى بعدم الدستورية وهي منازعات تدور كلها حول علاقات وأوضاع سابقة بالضرورة على الحكم بعدم الدستورية، فإذا لم يكن لهذا الحكم أثر رجعي، لأصبح لزاماً على قاضي الموضوع – الذي أرجأ تطبيق القانون حين ساوره الشك في عدم دستوريته – أن يطبق ذات القانون بعد القضاء بعدم دستوريته مما يأباه المنطق القانوني السليم ويتنافى مع الغرض المرتجى من الدفع بعدم الدستورية ولا يحقق لمبدي الدفع أية فائدة عملية، مما يجعل الحق في التقاضي – وهو من الحقوق العامة التي كفلها الدستور في المادة (68) منه للناس كافة – بالنسبة للمسألة الدستورية غير مجد ومجرداً من مضمونه، الأمر الذي ينبغي تنزيه المشرع عن قصد التردي فيه. وبالإضافة إلى ذلك فإن النص في المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا على عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية، هو خطاب تشريعي موجه لجميع سلطات الدولة وللكافة للعمل بمقتضاه، ولما كان قاضي الموضوع هو من بين المخاطبين بهذا النص التشريعي فإنه يكون متعيناً عليه عملاً بهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعات المطروحة عليه من قبل، وذلك يؤكد قصد المشرع في تقرير الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ويؤيد انسحابه على ما سبقه من علاقات وأوضاع نشأت في ظل القانون الذي قضى بعدم دستوريته. وقد أعملت المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا هذه الرجعية على إطلاقها بالنسبة للنصوص الجنائية إلى حد إسقاط حجية الأمر المقضي لتعلقها الإدانة في أمور تمس الحريات الشخصية، أما في المسائل الأخرى – غير الجنائية – فيسري عليها كذلك الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية، ما لم يكن للعلاقات والأوضاع السابقة عليه أساس قانوني آخر ترتكن إليه ويحد من إطلاقة الرجعية عليها، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا في تعليقها على نص المادة (49) منه، حيث جاء بها أن القانون “تناول أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب وإنما بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة تقادم. أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص تعتبر كأن لم تكن ولو كانت أحكاماً باتة”.
24 – إجراء انتخابات مجلس الشعب بناء على نص تشريعي ثبت عدم دستوريته بالحكم الذي انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الماثلة، فإن مؤدي هذا الحكم ولازمه أن تكوين المجلس المذكور يكون باطلاً منذ انتخابه، إلا أن هذا البطلان لا يؤدي البتة إلي ما ذهب إليه المدعي من وقوع انهيار دستوري ولا يستتبع إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة وحتى تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة، وذلك ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً أو يقضي بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بني عليه
الحكم.
الإجراءات
بتاريخ 16 ديسمبر 1987 ورد إلي قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 2516 لسنة 41 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري – دائرة منازعات الأفراد والهيئات – في 31 مارس سنة 1987 بوقف الفصل في طلب الإلغاء وإحالة الدعوي إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية الفقرة الأولي من المادة الثالثة والمادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986.
وقدمت هيئة قضايا الدولة عدة مذكرات طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبولها وفي الموضوع برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها. ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 2516 لسنة 41 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري – دائرة منازعات الأفراد والهيئات – طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين إلي انتخاب أعضاء مجلس الشعب المحدد له يوم 6 إبريل سنة 1987 وفقاًً لأحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانونين رقمي 114 لسنة 1983، 188 لسنة 1986 وبوقف تنفيذ القرار السلبي للمدعى عليهم بالامتناع عن تعديل عدد ومساحات وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يتفق مع نظام الانتخاب الفردي، والحكم في الموضوع بإلغاء هذين القرارين. وبجلسة 3 مارس سنة 1987 أضاف المدعي أمام المحكمة المذكورة طلباً عارضاً للحكم له بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية رقم 141 لسنة 1987 بتحديد ميعاد قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب. وبجلسة 10 مارس سنة 1987 حضر…… بصفته مرشحاً فردياًًًً في انتخابات أعضاء مجلس الشعب عن الدائرة الأولي بمحافظة المنيا وطلب قبول تدخله في الدعوى خصماً منضماً للمدعي في جميع طلباته فيها. وقد استند المدعي في طلب الحكم له بهذه الطلبات إلي أن القرارات المطعون عليها جميعها صدرت بناء على قانون مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986, وهو قانون مخالف للدستور للأسباب التي ارتكن إليها في دعواه. وإذ تراءى لمحكمة القضاء الإداري عدم دستورية القانون المشار إليه، فقد قضت في 31 مارس سنة 1987 “(أولاً) بالنسبة لطلبي وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية بالدعوة إلي الانتخابات المحدد لها يوم 6/ 4/ 1987 وكذا وقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تعديل عدد ومساحات وتقسيم الدوائر الانتخابية، بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الطعن على هذين القرارين……. (ثانيا) بالنسبة لطلب وقف تنفيذ قراري وزير الداخلية المطعون عليهما: (1) برفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن عليهما وبعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة ومصلحة المدعي وبقبول الدعوى شكلاً. (2) وبقبول تدخل طالب التدخل خصماً منضماً للمدعي في طلباته (3) وفي الطلب المستعجل برفض طلب وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما…….. (4) وأوقفت الفصل في طلب الإلغاء وأمرت بإحالة الدعوى إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادتين الثالثة فقرة أولى والخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986”. وقد طعنت الحكومة على هذا الحكم – في شقه الخاص بوقف الفصل في طلب الإلغاء والإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة الدستورية – أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 1636 لسنة 33 قضائية وطلبت – للأسباب التي استندت إليها – الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون عليه في شقه موضوع الطعن، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه فيما قضى به في هذا الخصوص. وبتاريخ 7 ديسمبر سنة 1987 قضت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بإجماع الآراء برفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
حيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن الطعن الدستوري الماثل يرد على المادتين الثالثة فقرة أولى والخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 فيما نصت عليه من تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد عددها ونطاق كل دائرة ومكوناتها وعدد الأعضاء الممثلين لها والجمع في كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي. وإذ لم يحدد الدستور الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة ودون أن يضع قيوداً في شأن تحديد عددها أو عدد النواب الممثلين لكل دائرة منها. وإنما ترك ذلك كله للسلطة التشريعية تجريه بما لها من سلطة تقديرية، ومن ثم لا يكون للمحكمة الدستورية العليا التعقيب على تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد نطاقها وعددها لأن ذلك يعد من المسائل السياسية التي تخرج عن ولاية المحكمة إذ هي لا تملك إلزام المشرع بتحديد عدد الدوائر الانتخابية أو تقسيمها على نحو معين.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن القانون رقم 188 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب – الذي يتضمن المادتين محل الطعن الماثل – قد صدر في شأن يتعلق بحق الترشيح لعضوية مجلس الشعب وهو من الحقوق السياسية التي كفلها الدستور، والتي ينبغي على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه، ومن ثم لا يكون النصان المطعون عليهما قد تناولا مسائل سياسية تنأى عن الرقابة القضائية الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة. ويكون الدفع المبدي منها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إنه وإن كان الثابت أن المدعي سبق أن أقام الدعوى الدستورية رقم 131 لسنة 6 قضائية بالطعن على بعض مواد القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 ومن بينها المادتان الثالثة والخامسة مكرراً منه قبل تعديلهما بالقانون رقم 188 لسنة 1986، إلا أنه لما كان الطعن في الدعوى الراهنة وارداً على الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمادة الخامسة مكرراً من القانون المشار إليه بعد تعديلهما بالقانون رقم 188 لسنة 1986، ومن ثم فإن محل الطعن في كل من الدعويين يكون مختلفاً، ولا يكون للحكم الصادر في الدعوى الدستورية السابقة حجية مانعة من نظر الدعوى الماثلة.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة تأسيساً على أن قرار وزير الداخلية رقم 141 لسنة 1987 بتحديد ميعاد قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب والمطعون عليه في الدعوى الموضوعية أمام محكمة القضاء الإداري. قد أصدره وزير الداخلية استناداً إلى السلطة المخولة له طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون مجلس الشعب المشار إليه، ولا شأن له بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة أو المادة الخامسة مكرراً المطعون عليها بعدم الدستورية، مما تنتفي معه مصلحة المدعى في الطعن على هاتين المادتين.
وحيث إن هذا الدفع – بالنسبة إلى المادة الخامسة مكرراً من القانون المشار إليه – مردود بأن قرار وزير الداخلية المطعون عليه بالإلغاء إذ نص على قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب ابتداء من التاريخ الذي حدده، إنما يعني بداهة إجراء الترشيح لهذه العضوية طبقاً لنصوص القانون الذي استند إليه القرار المذكور، وهو القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986، ومن بينها نص المادة الخامسة مكرراً سالفة الذكر. لما كان ذلك وكانت الدعوى الموضوعية ما زالت مطروحة أمام محكمة القضاء الإداري بما تضمنته من طلب إلغاء قرار وزير الداخلية المشار إليه مرتكزاً – فيما استند إليه – على الطعن بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً فيما تضمنته من النص على أن يكون لكل دائرة انتخابية “عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية” مستهدفاً بذلك إبطال هذا النص وإعدام أثره بما يترتب عليه من إفساح الفرص المتاحة للمرشحين الأفراد للفوز بالعضوية، وكان من شأن الحكم الصادر في الدعوى الماثلة التأثير في طلبه الموضوعي محدداً على النحو السالف بيانه، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة يكون في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث أن الأستاذ…….. قدم – أثناء تحضير الدعوى الماثلة أمام هيئة المفوضين – طلباً بقبول تدخله فيها خصماً منضماً للمدعي في طلباته.
وحيث إنه يشترط لقبول طلب التدخل الانضمامي طبقاً لما تقضي به المادة 126 من قانون المرافعات أن يكون لطالب التدخل مصلحة شخصية ومباشرة في الانضمام لأحد الخصوم في الدعوى. ومناط المصلحة في الانضمام بالنسبة للدعوى الدستورية أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين مصلحة الطالب في ذات الدعوى الموضوعية التي أثير فيها الدفع بعدم الدستورية وذلك بأن يكون الحكم في هذا الدفع مؤثراً على الحكم فيما أبداه طالب التدخل أمام محكمة الموضوع من طلبات. لما كان ذلك وكان الثابت من حكم الإحالة الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2516 لسنة 41 قضائية بتاريخ 31 مارس سنة 1987 أن طالب التدخل حضر أمام المحكمة المذكورة بصفته مرشحاً فردياً في انتخابات مجلس الشعب عن الدائرة الأولى بمحافظة المنيا وطلب قبول تدخله في الدعوى خصماً منضماً للمدعي في جميع طلباته فيها والتمس الحكم له بهذه الطلبات، وقد قضت محكمة القضاء الإداري في حكمها المشار إليه بقبول تدخله بهذه الصفة، فأصبح بذلك طرفاً في الدعوى الموضوعية التي أثير فيها الدفع بعدم الدستورية وثبتت له بالتالي صفة الخصم التي تسوغ اعتباره من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية الذين تتوافر لهم المصلحة في تأييدها.
وحيث إن نطاق الطعن الدستوري الماثل – حسبما حدده حكم الإحالة – يقتصر على الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 واللتين يجرى نصهما بالآتي:
المادة الثالثة فقرة أولى: “تقسم جمهورية مصر العربية إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية ويكون تحديد نطاق كل دائرة ومكوناتها. وكذلك عدد الأعضاء الممثلين لها وفقاً للجدول المرافق لهذا القانون”.
المادة الخامسة مكرراً: “يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الجمع في كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، بحيث يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية. ويكون لكل حزب قائمة خاصة. ولا يجوز أن تتضمن القائمة الواحدة أكثر من مرشحي حزب واحد، ويحدد لكل قائمة رمز يصدر به قرار من وزير الداخلية ويجب أن تتضمن كل قائمة عدداً من المرشحين مساوياً لعدد الأعضاء الممثلين للدائرة طبقاً للجدول المرافق ناقصاً واحداً، كما يجب أن يكون نصف المرشحين بكل قائمة حزبية على الأقل من العمال والفلاحين، على أن يراعى اختلاف الصفة في تتابع أسماء المرشحين بالقوائم. وعلى الناخب أن يبدي رأيه باختيار إحدى القوائم بأكملها، دون إجراء أي تعديل فيها، وتبطل الأصوات التي تنتخب أكثر من قائمة أو مرشحين من أكثر من قائمة أو تكون معلقة على شرط أو إذا أثبت الناخب رأيه على قائمة غير التي سلمها إليه رئيس اللجنة أو على ورقة عليها توقيع الناخب أو أية إشارة أو علامة تدل عليه، كما تبطل الأصوات التي تعطى لأكثر من العدد الوارد بالقائمة أو لأقل من هذا العدد في غير الحالات المنصوص عليها في المادة السادسة عشر من هذا القانون. ويجرى التصويت لاختيار المرشح الفرد عن كل دائرة في الوقت ذاته الذي يجرى فيه التصويت على القوائم الحزبية، وذلك في ورقة مستقلة. ويحدد لكل مرشح فرد رمز أولون مستقل يصدر به قرار من وزير الداخلية. وتبطل الأصوات التي تنتخب أكثر من مرشح واحد أو تكون معلقة على شرط أو إذا أثبت الناخب رأيه على ورقة غير التي سلمها إليه رئيس اللجنة أو على ورقة عليها توقيع الناخب أو أي إشارة أو علامة أخرى تدل عليه”.
وحيث إن النعي على هذين النصين يقوم على أن الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون المشار إليه إذ قضت بتقسيم الدولة إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية وإذ نصت المادة الخامسة مكرراً منه على الجمع بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي في كل دائرة من هذه الدوائر الكبرى على اتساع مساحتها وترامي أطرافها وضخامة عدد سكانها. فإنه يستحيل على المرشح الفردي المستقل مباشرة حقه الدستوري في الترشيح على قدم المساواة وفي منافسة انتخابية متكافئة مع مرشحي القوائم المنتمين لأحزاب سياسية تساندهم بإمكانياتها المادية والبشرية التي تعجز عنها طاقة الفرد، كما أنه لم يراع في تقسيم الدوائر الانتخابية مبدأ المساواة التقريبية بين عدد الناخبين الذين يمثلهم النائب في كل دائرة مما يترتب عليه اختلاف الوزن النسبي لصوت الناخب من دائرة إلى أخرى، فضلاً عن التمييز بين المرشحين بحسب انتماءاتهم السياسية حيث حدد القانون لنظام الانتخاب الفردي في جميع الدوائر الانتخابية ثمانية وأربعين مقعداً نيابياً بواقع مقعد واحد في كل دائرة انتخابية يتنافس عليه المرشحون المستقلون مع غيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية، بينما ترك لمرشحي القوائم الحزبية على مستوى الجمهورية باقي المقاعد النيابية التي يبلغ عددها أربعمائة مقعد، وكل ذلك يؤدي إلى المساس بحق الترشيح والإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بالمخالفة للمواد 8، 40، 62 من الدستور، بالإضافة إلى أن المادة الخامسة مكرراً المطعون عليها لم تشترط في المرشح الفرد صفة معينة، ولم تبين الكيفية التي تؤدي إلى تحقق النسبة المخصصة للعمال والفلاحين مما يخالف المادة 87 من الدستور فيما تضمنته من النص على أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين.
وحيث إن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، ودون أي تفرقة أو تمييز – في مجال الالتزام بها – بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ذلك أن هذه السلطات كلها سلطات مؤسسة أنشأها الدستور، تستمد منه وجودها وكيانها، وهو المرجع في تحديد وظائفها، ومن ثم تعتبر جميعها أمام الدستور على درجة سواء، وتقف كل منها مع الأخرى على قدم المساواة، قائمة بوظيفتها الدستورية متعاونة فيما بينها في الحدود المقررة لذلك، خاضعة لأحكام الدستور الذي له وحده الكلمة العليا وعند أحكامه تنزل السلطات العامة جميعاً. والدولة في ذلك إنما تلتزم أصلاً من أصول الحكم الديمقراطي، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور، وهو ما حرص الدستور القائم على تقريره بالنص في المادة 64 منه على أن “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة” وفي المادة 65 منه على أن “تخضع الدولة للقانون…….” ولا ريب في أن المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي الأعم الذي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها، ويأتي على رأسها وفي الصدارة منها الدستور بوصفه أعلى القوانين وأسماها. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً وحكماً لازماً لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يكون لزاماً على كل سلطة عامة أياً كان شأنها وأياً كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، النزول عند قواعد الدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضع – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصداً من الشارع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيداً على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفي حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعياً فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية أو حقاً ورد في الدستور مطلقاً أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وقع عمله التشريعي مشوباً بعيب مخالفة الدستور.
وحيث إن الدستور القائم قد أفرد الباب الثالث منه “للحريات والحقوق والواجبات العامة” وصدر هذا الباب بالنص في المادة 40 منه على أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والوجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الحبس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. فكان الحق في المساواة أمام القانون هو أول ما نص عليه الدستور في الباب الخاص بالحريات والحقوق العامة، وجاء في الصدارة منها باعتبار أن هذا الحق هو أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحريات والحقوق العامة المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال أعمالها إلى الحقوق التي يقررها القانون العادي ويكون مصدراً لها. ولئن نص الدستور في المادة 40 منه على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينتها وهي التي يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده إلى أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية ولا يدل بالتالي على انحصاره فيها دون غيرها، إذ لو قيل بأن التمييز المحظور دستورياً لا يقوم إلا في الأحوال التي بينتها المادة 40 المشار إليها، لكان التمييز فيما عداها غير مناقض للدستور، وهو نظر لا يستقيم مع المساواة التي كفلها ويتناقض مع الغاية المقصودة من إرسائها، يؤيد ذلك أن من صور التمييز التي لم نصرح المادة المذكورة بالإشارة إليها ما لا تقل في أهميتها وخطورة الآثار المترتبة عليها عن تلك التي عنيت بإبرازها كالتمييز بين المواطنين في مجال الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور لاعتبار يتعلق بالمولد أو المركز الاجتماعي أو الانتماء الطبقي أو الانحياز لرأي بذاته سياسياً كان هذا الرأي أو غير سياسي، مما يؤكد أن ألوان التمييز على اختلافها التي تتناقض في محتواها مع مبدأ المساواة وتهدر الأساس الذي يقوم عليه إنما يتحتم إخضاعهاً جميعاً لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة قضائية لضمان احترام مبدأ المساواة في جميع مجالات تطبيقه. وبديهي أن المساواة المنصوص عليها في المادة 40 من الدستور لا تعني أنها مساواة فعلية يتساوى بها المواطنون في الحريات والحقوق أياً كانت مراكزهم القانونية، بل هي مساواة قانونية رهينة بشروطها الموضوعية التي ترتد في أساسها إلى طبيعة الحق الذي يكون محلاً لها وما تقتضيه ممارسته من متطلبات، ذلك أن المشرع يملك بسلطته التقديرية لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل مراكزهم القانونية، وإن اختلفت هذه المراكز بأن توافرت في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم.
وحيث إن الدستور نص في المادة 62 منه – التي وردت أيضاً في الباب الخاص بالحريات والحقوق العامة – على أن “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون. ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني”. مما مفاده أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة – ومن بينها حق الترشيح الذي عنى الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء – اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصلحة الجماعة، وعلى أساس أن حقي الانتخاب والترشيح خاصة هما حقان متكاملان لا تقوم الحياة النيابية بدون أيهما ولا تتحقق للسيادة الشعبية أبعادها الكاملة إذا هما أفرغا من المضمون الذي يكفل ممارستهما ممارسة جدية وفعالة، ومن ثم كان هذان الحقان لازمين لزوماً حتمياً لإعمال الديمقراطية في محتواها المقرر دستورياً ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الإرادة الشعبية ومعبرة تعبيراً صادقاً عنها. ولذلك لم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسته تلك الحقوق السياسية، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين. ولئن كانت المادة 62 من الدستور قد أجازت للمشرع العادي تنظيم الحقوق السياسية الثلاثة بما نصت عليه من أن ممارسة هذه الحقوق تكون “وفقاً لأحكام القانون”، فإنه يتعين عليه أن يراعى في القواعد التي يتولى وضعها تنظيماً لتلك الحقوق ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها وألا تنطوي على التمييز المحظور دستورياً أو تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة لجميع المواطنين ممن تتماثل مراكزهم القانونية وبوجه عام ألا يتعارض التنظيم التشريعي لتلك الحقوق مع أي نص في الدستور بحيث يأتي التنظيم مطابقاً للدستور في عموم قواعده وأحكامه.
وحيث إن المادة الخامسة من الدستور إذ تنص – بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب، وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور…….” إنما قصد بهذا التعديل الدستوري العدول عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان مهيمناً وحده على العمل الوطني ومسيطراً عليه في مجالاته المختلفة سيطرة لا تتحقق بها للديمقراطية مفهومها المتجانس مع طبيعتها، إلى تعدد الأحزاب ليقوم عليه النظام السياسي في الدولة، باعتبار أن هذه التعددية الحزبية إنما تستهدف أساساً الاتجاه نحو تعميق الديمقراطية وإرساء دعائمها في إطار حقي الانتخاب والترشيح اللذين يعتبران مدخلاً وقاعدة أساسية لها، ومن ثم كفلهما الدستور للمواطنين كافة الذين تنعقد لهم السيادة الشعبية ويتولون ممارستها على الوجه المبين في الدستور. وليس أدل على ذلك من أن التعددية الحزبية هي التي تحمل في أعطافها تنظيماً تتناقض فيه الآراء أو تتوافق، تتعارض أو تتلاقى، ولكن المصلحة القومية تظل إطاراً لها ومعياراً لتقييمها وضابطاً لنشاطها وهي مصلحة يقوم عليها الشعب في مجموعه ويفرض من خلالها قياداته السياسية وانتماءاته الوطنية، ولم تكن التعددية الحزبية بالتالي وسيلة انتهجها الدستور لإبدال سيطرة بأخرى، وإنما نظر إليها الدستور باعتبارها طريقاً قويماً للعمل الوطني من خلال ديمقراطية الحوار التي تتعدد معها الآراء وتتباين على أن يظل الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية مرتبطاً في النهاية بإرادة هيئة الناخبين في تجمعاتها المختلفة، وهي إرادة تبلورها عن طريق اختيارها الحر لممثليها في المجالس النيابية وعن طريق الوزن الذي تعطيه بأصواتها للمتزاحمين على مقاعدها وهو ما حرص الدستور على توكيده والنص عليه في صريح مواده حين كفل للمواطنين حقي الانتخاب والترشيح وجملهم سواء في ممارسة هذين الحقين ولم يجز التمييز بينهم في أسس مباشرتهما ولا تقرير أفضلية لبعض المواطنين على بعض في أي شأن يتعلق بهما، وإنما أطلق هذين الحقين للمواطنين – الذين تتوافر فيهم الشروط المقرر لذلك – على اختلاف انتماءاتهم وآرائهم السياسية لضمان أن يظل العمل الوطني جماعياً لا امتياز فيه لبعض المواطنين على بعض. ومن خلال هذه الجهود المتضافرة في بناء العمل الوطني تعمل الأحزاب السياسية متعاونة مع غير المنتمين إليها في إرساء دعائمه وبذلك يتحدد المضمون الحق لنص المادة الثالثة من الدستور التي لا تعقد السيادة الشعبية لفئة دون أخرى ولا تفرض سيطرة لجماعة بذاتها على غيرها، وفي هذا الإطار تكمن قيمة التعددية الحزبية باعتبارها توجهاً دستورياً نحو تعميق مفهوم الديمقراطية التي لا تمنح الأحزاب السياسية دوراً في العمل الوطني يجاوز حدود الثقة التي توليها هيئة الناخبين لمرشحيها الذين يتنافسون مع غيرهم وفقاً لأسس موضوعية لا تحدها عقيدة من أي نوع ولا يقيدها شكل من أشكال الانتماء، سياسياً كان أو غير سياسي. وعلى أن تتوافر للمواطنين جميعاً – الذين تتوافر فيهم الشروط المقررة لذلك – الفرص ذاتها التي يؤثرون من خلالها – وبقدر متساو فيما بينهم – في تشكيل السياسية القومية وتحديد ملامحها النهائية. ومما يؤكد ذلك أن المادة الخامسة من الدستور عندما نصت على نظام تعدد الأحزاب، لم تتضمن النص على إلزام المواطنين بالانضمام إلى الأحزاب السياسية أو تقييد مباشرة الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة 62 من الدستور بضرورة الانتماء الحزبي مما يدل بحكم اللزوم على تقرير حرية المواطن في الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو عدم الانضمام إليها وفي مباشرة حقوقه السياسية المشار إليها من خلال الأحزاب السياسية أو بعيداً عنها ما دام أن النص في المادة 62 من الدستور على كفالة هذه الحقوق السياسية قد جاء رهيناً بصفة “المواطنة” فحسب طليقاً من قيد الحزبية، يقطع في دلالة ذلك أن المادة الخامسة من الدستور عندما نصت على تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة قيدته بأن يكون النظام الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري، ولا شك في أن مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون وهما – من المقومات والمبادئ الأساسية المعنية في هذا الشأن – يوجبان معاملة المرشحين كافة معاملة قانونية واحدة وعلى أساس من تكافؤ الفرص للجميع دون أي تمييز يستند إلى الصفة الحزبية، إذ يعتبر التمييز في هذه الحالة قائماً على أساس اختلاف الآراء السياسية الأمر المحظور دستورياً. وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن قيام النظام الحزبي، وقد تقرر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 قبل التعديل الدستوري بالنص على تعدد الأحزاب السياسية، فكان لزاماً أن يكون لهذا القانون أساس دستوري في ظل قيام الاتحاد الاشتراكي العربي وقد ارتكن واضعو القانون المشار إليه في ذلك – على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه – إلى بعض الحريات والحقوق العامة المقررة في الدستور، ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية وحق الانتخاب وحق الترشيح على اعتبار أن حق تكوين الأحزاب السياسية يعد حقاً دستورياً منبثقاً منها ومترتباً عليها، فلا يصح أن ينقلب النظام الحزبي بعد تقريره قيداً على الحريات والحقوق العامة التي تفرع عنها ومنها حق الترشيح وهو من الحقوق العامة التي تحتمها طبيعة النظم الديمقراطية النيابية ويفرضها ركنها الأساسي الذي يقوم على التسليم بالسيادة للشعب.
وحيث إنه من المسلم أنه ينبغي عند تفسير نصوص الدستور، النظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله فهماً يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض.
وحيث إن الدستور إذ كفل – في المادة 62 منه – للمواطن حق الترشيح غير مقيد بالانتماء الحزبي، وقرر في المادة 40 منه المساواة بين المواطنين في الحقوق العامة، ومنها حق الترشيح، وهو من الحقوق السياسية التي تأتي في الصدارة من الحقوق العامة لتعلقها بالإرادة الشعبية المعبرة عن سيادة الشعب وحظر التمييز بينهم فيها بسبب اختلاف الآراء السياسية، وأوجب على الدولة في المادة الثامنة أن تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، فإن مؤدى هذه النصوص مترابطة ومتكاملة، إن المواطنين المستوفين لشروط الترشيح لعضوية مجلس لشعب، يعتبرون بالنسبة إلى حق الترشيح في مراكز قانونية متماثلة، مما يتعين أن تكون ممارستهم لهذا الحق على قدم المساواة وعلى أساس من الفرص المتكافئة في الفوز بالعضوية بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية وعدمها، على أن يكون المرجع في الفوز بالعضوية للمرشح – مستقلاً كان أو حزبياً، طبقاً لنظام الانتخاب بالقوائم الحزبية أو لنظام الانتخاب الفردي – إلى إرادة هيئة الناخبين صاحبة السيادة الشعبية التي هي مصدر السلطات جميعاً.
وحيث إنه وإن كان للمشرع سلطة تقديرية في اختيار النظام الانتخابي إلا أن سلطته في هذا الشأن تجد حدها في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه.
وحيث إنه لما كان مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمادة الخامسة مكرراً – متضامنين – من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 أن المشرع قد نص على تقسيم الجمهورية إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية وجعل انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الجمع في كل دائرة انتخابية يبين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، وإذ حدد لكل دائرة انتخابية عدداً من المقاعد النيابية خص بها مرشحي الأحزاب السياسية عدا مقعداً واحداً خصصه لنظام الانتخاب الفردي وجعله مجالاً للمنافسة الانتخابية بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين عن هذه الأحزاب، يكون القانون قد خالف الدستور من عدة وجوه، إذ خص مرشحي القوائم الحزبية في كل دائرة انتخابية بعدد من المقاعد النيابية يصل في بعضها إلى ثلاثة عشر مقعداً بينما حدد لنظام الانتخاب الفردي مقعداً واحداً لم يجعله حتى مقصوراً على المرشحين المستقلين عن الأحزاب السياسية، بل تركه مجالاً مباحاً للمنافسة بين هؤلاء المرشحين وغيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية فميز القانون بذلك بين فئتين من المواطنين إذ خص المرشحين بالقوائم الحزبية بعدد من المقاعد النيابية تصل في جملتها على مستوى الجمهورية إلى ما يقرب من تسعة أعشار المقاعد النيابية في مجلس الشعب، بينما هبط بعدد المقاعد المتاحة للمرشحين المستقلين غير المنتمين لأحزاب سياسية – بفرض فوزهم بها – إلى عشر إجمالي المقاعد النيابية بزيادة طفيفة، بل أن توزيع المقاعد النيابية على النحو الذي تضمنه القانون هو مما ينفتح يه أيضاً لأعضاء الأحزاب السياسية فرص الفوز بجميع مقاعد مجلس الشعب بينما لا تتجاوز فرص الفوز للمستقلين بأيه حال العشر تقريباً من عدد المقاعد النيابية الأمر الذي ينطوي على تمييز لفئة من المرشحين على فئة أخرى تمييزاً قائماً على الصفة الحزبية أو عدمها دون مقتض من طبيعة حق الترشيح أو متطلبات ممارسته مما يتعارض مع الصفة التمثيلية للمجالس النيابية ويخالف صراحة نص المادة 40 من الدستور التي حظرت التمييز بين المواطنين في الحريات والحقوق العامة كما يتعارض أيضاً مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي يقتضي أن تكون فرص الفوز في الانتخابات متساوية بين جميع المرشحين بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية، وفضلاً عن ذلك فإن القانون حين حدد عدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة من الدوائر الانتخابية وغاير في عدد المقاعد من دوائر إلى أخرى، أقام هذا التحديد العددي للمقاعد المخصصة لكل دائرة كقاعدة عامة على أساس عدد المواطنين بها حسبما أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 114 لسنة 1983 بتعديل قانون مجلس الشعب فيما عدا المحافظات التي استثناها المشرع من هذه القاعدة للاعتبارات التي أشارت إليها المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، فإنه أياً كان وجه الرأي في هذا الاستثناء وبافتراض صحة الالتزام بتلك القاعدة في المحافظات الأخرى، فإن القانون إذ حدد للمرشح الفردي مقعداً واحداً في كل دائرة من الدوائر الانتخابية على ما بينها من تفاوت في عدد المواطنين بها وخص مرشحي القوائم الحزبية بباقي المقاعد النيابية المخصصة للدائرة، فإنه يكون بذلك قد جعل التفاوت في عدد المواطنين هو الأساس في تحديد عدد المقاعد المخصصة لمرشحي القوائم الحزبية دون أن يكون لذلك أي أثر بالنسبة للمرشحين طبقاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يتنافس فيه المستقلون مع غيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية على مقعد واحد حدده المشرع بطريقة تحكمية في كل دائرة انتخابية أياً كان عدد المواطنين بها مخالفاً بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – القاعدة العامة التي اتبعها في تحديد عدد المقاعد النيابية في كل دائرة انتخابية بما يتناسب مع عدد السكان فيها، الأمر الذي يتضمن بدوره إخلالاً بمبدأ المساواة في معاملة الفئتين من المرشحين، وبالإضافة إلى ذلك فإن القانون عندما جعل المقعد الوحيد المخصص لنظام الانتخابات الفردي في دائرة انتخابية مجالاً للمنافسة بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين غير المنتمين لهذه الأحزاب، فإنه يكون بذلك قد أتاح لكل من مرشحي الأحزاب السياسية إحدى فرصتين للفوز بالعضوية: إحداهما بوسيلة الترشيح بالقوائم الحزبية، والثانية عن طريق الترشيح للمقعد الفردي، بينما جاءت الفرصة الوحيدة المتاحة للمرشحين المستقلين قاصرة يتنافس معهم فيها المرشحون من أعضاء الأحزاب السياسية، مما ينطوي على التمييز بين الفئتين في الفرص المتاحة للفوز بالعضوية، ويتعارض بالتالي مع مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور، وذلك كله دون أن يكون التمييز في معاملة الفئتين من المرشحين وفي الفرص المتاحة للفوز بالعضوية في جميع الوجوه المتقدمة مبرراً بقاعدة موضوعية ترتد في أساسها إلى طبيعة حق الترشيح وما تقتضيه ممارسته من متطلبات والتي يتحقق ومن خلالها التكافؤ في الفرص والمساواة أمام القانون.
لما كان ذلك وكانت المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 بما نصت عليه من أن “يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي، ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية” تعتبر قاطعة في الدلالة على ما قصد إليه المشرع من تحديده مقعداً واحداً – لنظام الانتخاب الفردي في كل دائرة انتخابية – يجرى التنافس عليه بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين غير المنتمين لهذه الأحزاب، وتخصيصه عدة مقاعد في الدائرة خالصة لمرشحي القوائم الحزبية، ومن ثم فإن هذه المادة تكون بذاتها قد تضمنت في صريح نصها إخلالاً بحق المواطنين غير المنتمين لأحزاب سياسية في الترشيح على قدم المساواة وعلى أساس من تكافؤ الفرص مع باقي المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية إخلالاً أدى إلى التمييز بين الفئتين من المرشحين في المعاملة القانونية وفي الفرص المتاحة للفوز بالعضوية تمييزاً قائماً على أساس اختلاف الآراء السياسية مما يشكل مخالفة للمواد 8، 40، 62 من الدستور ويستوجب القضاء بعدم دستوريتها فيما تضمنته من النص على أن “يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية”.
وحيث إنه لا محاجة في القول بأن للمواطن المستقل الحرية في الانضمام إلى أحد الأحزاب السياسية ليباشر من خلاله حقوقه السياسية ومنها الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب على قدم المساواة مع غيره من أعضاء الأحزاب السياسية، إذ أن ذلك مردود بما ينطوي عليه من إخلال بالحرية في الانضمام إلى الأحزاب السياسية أو عدم الانضمام إليها، وهي حرية كفل الدستور أصلها، ومردود أيضاً بأن للمواطن آراؤه وأفكاره التي تنبع من قرارة نفسه ويطمئن إليها وجدانه وأن حمله على الانضمام لأي من الأحزاب السياسية مع ما يلتزم به الحزب من برامج وسياسيات وأساليب يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه، ما قد يتعارض مع حريته في الرأي، وهي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظم الديمقراطية الحرة والتي حرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة وقررها الدستور القائم في المادة 47 منه.
لما كان ذلك وكان القضاء بعدم دستورية نص المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 يترتب عليه انعدام هذا النص وإبطال العمل به فيما قرره من أن “يكون لكل دائرة (انتخابية) عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية”. ومن ثم يكون النعي على نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون المشار إليه قد أضحى غير مجد وبالتالي غير مقبول، إذ لم يعد له مجال في التطبيق بعد أن ألغى نفاذ النص على كيفية توزيع المقاعد النيابة في كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقوائم الحزبية على النحو الذي تضمنته المادة الخامسة مكرراً سالفة الذكر تبعاً لتقرير بطلان هذا النص وانعدام أثره.
وحيث إنه عما أشار إليه المدعي من أن بطلان تكوين مجلس الشعب لقيامه على انتخابات مخالفة للدستور يترتب عليه عدم دستورية كل ما أقره المجلس من قوانين وقرارات مما يهدد البلاد بانهيار دستوري كامل، فإن على المحكمة – بحكم رسالتها التي حملت أمانتها بصفتها الهيئة القضائية العليا التي أنشأها الدستور حارسة لأحكامه ونصبها قوامة على صونه وحمايته، وباعتبارها الجهة التي ناط بها القانون دون غيرها سلطة الفصل القضائي في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها – أن تقول كلمتها في الموضوع تجلية لوجه الحق فيه.
وحيث إن الأصل في الأحكام القضائية، أنها كاشفة وليست منشئة، إذ هي لا تستحدث جديداً ولا تنشئ مراكزاً أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء وترده إلى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدور الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة، بياناً لوجه الصواب في دستورية النص التشريعي المطعون عليه منذ صدوره، وما إذا كان هذا النص قد جاء موافقاً للدستور وفي حدوده المقررة شكلاً وموضوعاً، فتتأكد للنص شرعيته الدستورية ويستمر نفاذه، أم أنه صدر متعارضاً مع الدستور فينسلخ عنه وصفه وتنعدم قيمته بأثر ينسحب إلى يوم صدوره. وفضلاً عن ذلك فإن المشرع حين أجاز في قانون المحكمة الدستورية العليا إثارة المسألة الدستورية أثناء نظر إحدى الدعاوي أمام أي من جهات القضاء، إما من تلقاء نفسها أو بطريق الدفع من أحد الخصوم، وأوجب على الجهة القضائية – عند الشك في عدم الدستورية – وقف الدعوى أو تأجيلها انتظاراً لحكم المحكمة الدستورية العليا بالفصل في المسألة المثارة، إنما كان يبغي بذلك تحقيق فائدة للخصم في المنازعات الموضوعية التي أثير فيها الدفع الدستوري فيما لو قضي بعدم الدستورية وهي منازعات تدور كلها حول علاقات وأوضاع سابقة بالضرورة على الحكم بعدم الدستورية، فإذا لم يكن لهذا الحكم أثر رجعي، لأصبح لزاماً على قاضي الموضوع – الذي أرجأ تطبيق القانون حين ساوره الشك في عدم دستوريته – أن يطبق ذات القانون بعد القضاء بعدم دستوريته مما يأباه المنطق القانوني السليم ويتنافى مع الغرض المرتجى من الدفع بعدم الدستورية ولا يحقق لمبدي الدفع أية فائدة عملية، مما يجعل الحق في التقاضي – وهو من الحقوق العامة التي كفلها الدستور في المادة 68 منه للناس كافة – بالنسبة للمسألة الدستورية غير مجد ومجرداً من مضمونه، الأمر الذي ينبغي تنزيه المشرع عن قصد التردي فيه. وبالإضافة إلى ذلك فإن النص في المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا على عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية، هو خطاب تشريعي موجه لجميع سلطات الدولة وللكافة للعمل بمقتضاه، ولما كان قاضي الموضوع هو من بين المخاطبين بهذا النص التشريعي فإنه يكون متعيناً عليه عملاً بهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعات المطروحة عليه من قبل، وذلك يؤكد قصد المشرع في تقرير الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ويؤيد انسحابه على ما سبقه من علاقات وأوضاع نشأت في ظل القانون الذي قضى بعدم دستوريته. وقد أعملت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا هذه الرجعية على إطلاقها بالنسبة للنصوص الجنائية إلى حد إسقاط حجية الأمر المقضي لتعلقها الإدانة في أمور تمس الحريات الشخصية، فنصت على أنه “فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي، تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن…..”، أما في المسائل الأخرى – غير الجنائية – فيسري عليها كذلك الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية على ما سلف بيانه، ما لم يكن للعلاقات والأوضاع السابقة عليه أساس قانوني آخر ترتكن إليه ويحد من إطلاقه الرجعية عليها، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا في تغليقها على نص المادة 49 منه، حيث جاء بها أن القانون “تناول أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب وإنما بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة تقادم. أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص تعتبر كأن لم تكن ولو كانت أحكاماً باتة”. وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة بحكمها الصادر في الدعوى الدستورية رقم 16 لسنة 3 قضائية بتاريخ 5 يونيه سنة 1982 وحكمها الصادر في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 3 قضائية بتاريخ 11 يونيه سنة 1983.
لما كان ذلك، وكانت انتخاب مجلس الشعب قد أجريت بناء على نص تشريعي ثبت عدم دستوريته بالحكم الذي انتهت إليه المحكمة في الدعوى الماثلة ، فإن مؤدي هذا الحكم ولازمه أن تكوين المجلس المذكور يكون باطلاً منذ انتخابه، إلا أن هذا البطلان لا يؤدي البتة إلي ما ذهب إليه المدعي من وقوع انهيار دستوري ولا يستتبع إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة وحتى تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة، وذلك ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً أو يقضي بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بني عليه هذا الحكم
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة مكرراً من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 فيما تضمنته من النص على أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية.