جلسة 19 يونيه سنة 1993
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ محمد إبراهيم أبو العينين رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (28)
القضية رقم 5 لسنة 10 قضائية “دستورية”
1 – تشريع – أرض فضاء – ضريبة.
البين من تقصى التنظيم التشريعى للضريبة على الأرض الفضاء خضوع الارض الفضاء المستغلة أو المستعملة منها للضريبة على العقارات المبنية منذ فترة طويلة، أما الأراضى الفضاء غير المستغلة أو المستعملة والتى لا تدر دخلا فلم تكن خاضعة لأية ضريبة حتى صدور القانون رقم 34 لسنة 1978 معدلا القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى.
2 – أرض فضاء – ضريبة “سعرها ووعاؤها”.
القانون رقم 34 لسنة 1978 فرض ضريبة سنوية على الأراضى الفضاء داخل نطاق المدن فى المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية مقدارها 2% من قيمة الأرض، رسم المشرع طريقة تحديد قيمة الأرض كوعاء للضريبة، فحددها على أساس القيمة الواردة فى العقود المسجلة فإن لم توجد عقود مسجلة فعلى أساس تقدير مصلحة الضرائب لعناصر التركة إن كان من بينها أرض فضاء، على ألا تكون قد انقضت خمس سنوات على التسجيل أو التقدير، وعلى أن تزاد القيمة بواقع 7% سنويا من أول السنة التالية لتاريخ التسجيل أو التقرير حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة، وفى غير تلك الحالات تقدر قيمة الأرض وفقا لثمن المثل فى سنة 1974 مع زيادة سنوية مقدرها 7% منذ ذلك التاريخ حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة.
3 – تشريع – دعوى دستورية “نطاقها”.
المادة 3 مكرراً المضافة بالقانون رقم 34 لسنة 1978 إلى القانون رقم 107 لسنة 1976، تعديلها بالقانون رقم 13 لسنة 1984 بإضافة كلمة “جميع” قبل عبارة “المرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء”، لا يعدو توكيداً لما كان مسلما فى ظل النص السابق، انبساط الدعوى الدستورية المقامة طعنا فى المادة المذكورة لنصها قبل وبعد التعديل.
4 – أرض فضاء – ضريبة “تكييفها، وعاؤها، نطاقها”.
الضريبة على الأرض الفضاء المفروضة بالقانون رقم 107 لسنة 1976 معدلا بالقانونين رقمى 34 لسنة 1978، 13 لسنة 1984، هى ضريبة مباشرة على رأس مال لا يغل دخلاً، وهى ضريبة دورية متجددة، ولا يقتصر وعاؤها على القيمة الاصلية للأرض حسبما وردت فى عقد شرائها المشهر أو فى تقدير مصلحة الضرائب لها ضمن عناصر التركة أو وفقاً لثمن مثلها فى 1974 حسب الأحوال، وإنما يشمل الوعاء زيادة افترض المشرع تحققها فى قيمة هذه الأرض بواقع 7% سنويا حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة، ولا يقتصر فرض الضريبة على الأراضى الخاضعة لها عند العمل بالقانون الذى فرضها بل تسرى أيضا على الأراضى التى تتوافر لها تلك الشروط بعد العمل بذلك القانون. وتؤدى الزيادة السنوية التى افترضها المشرع إلى زيادة وعاء الضريبة، ومن ثم ارتفاع قيمة الضريبة السنوية المستحقة.
5 – تشريع – ضريبة – دستورية.
النص التشريعى الذى يفرض ضريبة ويحدد سعرها، عدم انفكاكه عن النص التشريعى المحدد لوعائها، عند الفصل فى دستورية هذه الضريبة.
6 – ضريبة – “تعريفها، مناط دستوريتها”.
الضريبة هى فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً بما لها من سيادة، فرض الضريبة يقع مخالفاً للدستور كلما كان معدلها وأحوال فرضها وتحديد وعائها مناقضاً للأسس الموضوعية التى ينبغى أن تقوم عليها، مجاوزاً للأغراض المقصودة منها.
7 – دستور – حق الملكية “وظيفته الاجتماعية”.
صون الملكية الخاصة وفقا للدستور، عدم جواز المساس بها إلا استثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردها – أساس ذلك – حق الملكية لا يستعصى على التنظيم التشريعى ويسوغ تحميله بالقيود التى تقتضيها وظيفته الاجتماعية بمراعاة الموازنه بين مصلحة المالك وصالح المجتمع. القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية للملكية ليست مقصودة لذاتها وإنما غايتها الخير المشترك للفرد والجماعة.
8 – دخل – رأس مال – ضريبة “وعاؤها”.
الدخل – وباعتباره من طبيعة متجددة دورية – يشكل – على اختلاف مصادره – الوعاء الأساسى للضرائب، ولا يلجأ المشرع إلى فرض الضريبة على رأس المال إلا استثناء ولمرة واحدة أو لفترة محدودة حتى لا تودى الضريبة بوعائها بأكمله أو بمعظم جوانبه، ليس ثمة ما يمنع من فرض ضريبة على رأس مال يغل دخلاً بمراعاة أن يتم الوفاء بالضريبة من دخل رأس المال الخاضع لها.
9 – ضريبة – رأس مال – ملكية – عدالة اجتماعية.
فرض ضريبة على رأس مال لا يغل دخلاً، وبطريقة دورية متجددة ولفترة غير محدودة مع زيادة تحكمية افترضها المشرع فى وعاء الضريبة. أثره: أن تودع الضريبة بوعائها أو بجانب جسيم منه. انطواء ذلك على عدوان على الملكية التى يصونها الدستور وبما يناقض مفهوم العدالة الاجتماعية التى أقامها الدستور أساساً للنظام الضريبى.
10 – تشريع – ارتباط – دعوى دستورية “الحكم فيها”.
ارتباط النص التشريعى المطعون عليه بنصوص أخرى ارتباطاً لا يقبل التجزئة. الحكم بعدم دستورية هذا النص – أثره – سقوط النصوص التشريعية المرتبطة به لزوماً.
1، 2 – إن البين من تقصى التنظيم التشريعى للضريبة على الأرض الفضاء أن المشرع أخضع الأراضى الفضاء المستغلة للضريبة على العقارات المبنية منذ فترة طويلة، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 56 لسنة 1954 تسوى فى حكم الخضوع للضريبة بين العقارات المبنية والأراضى المستغلة أو المستعملة، أما الأراضى الفضاء غير المستغلة أو المستعملة والتى لا تدر دخلا فلم تكن تخضع لأية ضريبة حتى أصدر المشرع القانون رقم 35 لسنة 1978 معدلا بعض أحكام القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى، ومضيفا إليه بعض النصوص من بينها المادة 3 مكررا التى تنص فقرتها الأولى على أن “تفرض على الأراضى الفضاء الواقعة داخل نطاق المدن فى المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء، والتى لا تخضع للضريبة على العقارات المبنية أو الضريبة على الأطيان الزراعية، ضريبة سنوية مقدارها 2% من قيمة الأرض الفضاء”. كما تنص هذه المادة فى فقرتها الثانية على أن يتم تحديد قيمة الأرض الفضاء الخاضعة لأحكام هذا القانون على أساس القيمة الوردة بالعقود المسجلة، فإذا لم توجد عقود مسجلة، فيتم تحديد هذه القيمة على أساس تقدير مصلحة الضرائب لعناصر التركة إذا كان من بين عناصرها أرض فضاء، وذلك ما لم تنقض على التسجيل أو التقدير خمس سنوات على استحقاق الضريبة المنصوص عليها فى هذا القانون، على أن تزاد قيمة الأرض بواقع سبعة فى المائة سنويا من أول السنة التالية لتاريخ التسجيل أو التقدير حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة. وفى الحالات التى لا تسرى عليها أحكام الفقرة السابقة يكون تقدير قيمة الأرض الفضاء وفقا لثمن المثل فى عام 1974 مع زيادة سنوية مقدارها سبعة فى المائة منذ ذلك التاريخ حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة، وتضمنت باقى النصوص المضافة، الأحكام الأخرى المتعلقة بهذه الضريبة سواء فيما يتعلق بحصر الأراضى الخاضعة لها، وموعد وضمانات أدائها، وأيلولة حصيلتها إلى صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى، وأحوال وقف استحقاقها.
3 – بتاريخ 15 مارس سنة 1984 نشر بالجريدة الرسمية القانون رقم 13 لسنة 1984 مستبدلاً بنص المادتين 3 مكررا، 3 مكررا 2 نصين جديدين. وقد ورد النص الجديد للمادة 3 مكررا بذات ألفاظ وعبارات وأحكام النص السابق، إذ ينحصر ما طرأ على هذا النص وفقا لما نشر فى الجريدة الرسمية فى إيراده كلمة “بجميع” قبل عبارة “المرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء”، وليس ذلك إلا توكيدا لما كان مسلما فى ظل العمل بالنص السابق، وهو اشتراط اتصال المنطقة الكائنة بها الأرض الفضاء الخاضعة للضريبة بالمرافق العامة الأساسية الثلاثة المشار إليها. ومن ثم فلا يتسنى – والحالة هذه – اعتبار نص الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا سالفة البيان مغايرا فى حكمه لما كان عليه الأمر قبل تعديلها بالقانون رقم 13 لسنة 1984 المشار إليه، وبالتالى تنبسط الدعوى الدستورية الماثلة لتشمل الطعن بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا قبل وبعد تعديلها بالقانون رقم 13 لسنة 1984.
4، 5 – المستفاد من التنظيم التشريعى سالف البيان أن الضريبة على الأرض الفضاء ضريبة مباشرة على رأس مال لا يغل دخلا، يتمثل فى الأرض الفضاء الواقعة داخل نطاق المدن فى المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء والتى لا تخضع للضريبة على العقارات المبنية أو الضريبة على الأطيان الزراعية، وأنها ضريبة دورية متجددة تستحق سنويا طالما لم تتغير طبيعتها بالبناء عليها أو بزراعتها، فتخضع بذلك لضريبة أخرى. كما يبين كذلك من التنظيم التشريعى سالف البيان، أن وعاء الضريبة على الأرض الفضاء لا يقتصر على القيمة الأصلية للأرض الفضاء حسبما وردت فى عقد شرائها المشهر، أو فى تقدير مصلحة الضرائب لها ضمن عناصر التركة، أو وفقا لثمن مثلها فى سنة 1974 حسب الأحوال، وإنما يشمل الوعاء زيادة افترض المشرع تحققها فى قيمة هذه الأراضى قدرها بنسبة 7% سنويا حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة. وهذه الزيادة المفترضة تسرى على جميع الأراضى الخاضعة للضريبة بغض النظر عن مساحتها أو موقعها أو صقعها أو تعدد ملاكها وشيوع أنصبتهم. هذا بالإضافة إلى أن الضريبة لا يقتصر فرضها على الأرض الفضاء التى توافرت لها شروط الخضوع للضريبة عند العمل بالقانون الذى فرضها، وإنما تسرى أيضا على الأراضى الفضاء التى تتوافر لها تلك الشروط بعد العمل بذلك القانون اعتبارا من أول يناير التالى لانقضاء سنة على تاريخ خضوعها لأحكامه. كذلك فإن الزيادة السنوية التى افترضها المشرع فى قيمة الأرض الفضاء، تؤدى إلى زيادة وعاء الضريبة مما يفضى بدوره إلى ارتفاع قيمة الضريبة السنوية المستحقة.
إذ كانت الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا بفرضها ضريبة سنوية على الأرض الفضاء بواقع 2% من قيمتها – مرتبطة بالمادة 3 مكررا (2) المتعلقة بضوابط تحديد تلك القيمة باعتبارها وعاء للضريبة، فإنه لا يجوز – فى مجال الفصل فى الدستورية – أن ينفك أحد النصين عن الآخر.
6 – إن الأصل فى الضريبة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا بما لها من سيادة، وقد ارتبط فرض الضرائب من الناحية التاريخية بوجود المجالس التشريعية لما ينطوى عليه تقديرها من تحميل المكلفين بها أعباء مالية تقتطع من ثرواتهم مما يتعين معه فرضها بموازين دقيقة ولضرورة تقضيها، لذلك نص الدستور – فى المادة 119 – على أن إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون. ويقع فرض الضريبة مخالفا للدستور كلما كان معدلا وأحوال فرضها وتحديد وعائها مناقضا للأسس الموضوعية التى ينبغى أن تقوم عليها، مجاوزا للأغراض المقصودة منها.
7 – حرص الدستور فى مادته الرابعة والثلاثين على صون الملكية الخاصة، والمتمثلة – وفقا لمادته الثانية والثلاثين – فى رأس المال غير المستغل، فكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها – فى الأصل – مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد، وبوصفها حافزه إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها، وبتهيئتها للانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. هذا بالإضافة إلى أن الأموال التى يرد عليها حق الملكية، تعد من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها. وإذ كانت الملكية فى اطار النظم الوضعية الحديثة لم تعد حقا مطلقا مستعصيا على التنظيم التشريعى، فقد غدا سائغا تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التى يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع – فى ضوء أحكام الدستور – بين المصلحة الخاصة للمالك والصالح للمجتمع، ذلك أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة لذاتها، وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة.
8 – إنه وإن صح أن تتخذ الضريبة وسيلة لتوزيع أعباء النفقات العامة على المواطنين وفقا لأسس عادلة، إلا أنه لا يجوز أن تفرض الضريبة، ويحدد وعاؤها، بما يؤدى إلى زوال رأس المال المفروضة عليه كلية أو الانتقاص منه بدرجة جسيمة، فما لذلك الغرض شرعت الضريبة، وما قصد الدستور أن تؤدى فى نهاية مطافها إلى أن يفقد المواطن رأس المال المحمل بعبئها أو جانبا جسيما منه ليؤول الأمر إلى زوال وعائها كلية أو اطراد تقليصه، ومن ثم كان الدخل – وباعتباره من طبيعة متجددة ودورية – هو الذى يشكل – على اختلاف مصادره – الوعاء الأساسى للضريبة، إذ هو التعبير الرئيسى عن المقدرة التكليفية للممول، بينما يشكل رأس المال وعاء ضرائبيا تكميليا فلا يلجأ المشرع إلى فرض الضريبة عليه إلا استثناء، ولمرة واحدة، أو لفترة محددة، بحث لا تنال الضريبة من وعائها بأكمله أو تمتص معظم جوانبه.
9 – فرض ضريبة على رأس مال لا يغل دخلا، وبطريقة دورية متجددة، ولفترة غير محددة، مع زيادة تحكمية مفترضة فى قيمة الضريبة السنوية المستحقة عليه، ينطوى على عدوان على الملكية بالمخالفة لنص المادة 34 من الدستور، كما يناقض مفهوم العدالة الاجتماعية الذى نصت المادة 38 من الدستور على قيام النظام الضريبى على أساسه، وهو ما يوجب القضاء بعدم دستورية النصين المطعون عليهما.
10 – إذ ترتبط الأحكام الأخرى للتنظيم التشريعى لضريبة الأرض الفضاء، ارتباطا وثيقا لا يقبل التجزئة بالنصين التشريعين المطعون عليهما فى الدعوى الماثلة، فإن القضاء بعدم دستوريتهما، يترتب عليه لزوما سقوط الأحكام المرتبطة بهما.
الإجراءات
بتاريخ 13 يناير 1988 ورد إلى قلم كتاب المحكمة الحكم الصادر من المحكمة الادارية العليا بجلسة 7 نوفمبر سنة 1987 فى الطعن رقم 908 لسنة 32 قضائية، قاضيا بوقف نظر هذا الطعن وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا وكذلك نص المادة 3 مكررا (2) من القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى المعدل بالقانون رقم 34 لسنة 1978.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
وونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة القضاء الإدارى الدعوى رقم 4957 لسنة 36 قضائية طالبا الحكم بإلغاء القرار الصادر فى 17 يونيو سنة 1982 من لجنة المراجعة عن شياخة الحوتية بمأمورية الضرائب العقارية بالدقى محافظة الجيزة، والمتضمن تحديد الضريبة السنوية على الأرض الفضاء التى يملكها بواقع 265 مليم، 263جـ اعتبارا من سنة 1980 بالإضافة إلى غرامة قدرها 816 مليم، 90جـ. وإذ قضت محكمة القضاء الإدارى برفض دعواه، فقد طعن فى هذا الحكم بالطعن رقم 98 لسنة 32 قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا، التى تراءى لها بحكمها الصادر بجلسة 7 نوفمبر سنة 1987 عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا، والمادة 3 مكررا (2) المضافتين للقانون رقم 107 لسنة 1976 بالقانون رقم 34 لسنة 1978، على سند من أن خضوع الأرض الفضاء التى لا تغل دخلا لضريبة سنوية مستمرة بواقع 2% من قيمتها، وزيادة هذه القيمة بمقدار 7% سنويا حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة، يؤدى بالضرورة إلى أن تستغرق الضريبة قيمة الأرض الفضاء ذاتها فى وقت غير بعيد، وهو ما يعنى فى الحقيقة مصادرتها بالمخالفة للمادة 36 من الدستور، ويقع مخالفا كذلك للمادة 38 من الدستور التى تقيم النظام الضريبى على أساس العدالة الاجتماعية، فقضت بإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية النصين سالفى الذكر.
وحيث إن البين من تقصى التنظيم التشريعى للضريبة على الارض الفضاء أن المشرع أخضع الأراضى الفضاء المستغلة والمستعملة للضريبة على العقارات المبنية منذ فترة طويلة، وكانت المادة الأولى من القانون رقم 56 لسنة 1954 تسوى فى حكم الخضوع للضريبة بين العقارات المبنية والأراضى الفضاء المستغلة أو المستعملة. أما الأراضى الفضاء غير المستغلة أو المستعملة والتى لا تدر دخلا فلم تكن تخضع لأية ضريبة حتى أصدر المشرع القانون رقم 34 لسنة 1978 معدلا بعض أحكام القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى ومضيفا إليه بعض النصوص من بينها المادة 3 مكررا التى تنص فقرتها الأولى على أن “تفرض على الأراضى الفضاء الواقعة داخل نطاق المدن فى المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء، والتى لا تخضع للضريبة على العقارات المبنية أو الضريبة على الاطيان الزراعية، ضريبة سنوية مقدارها 2% من قيمة الأرض الفضاء” والمادة 3 مكررا (2) التى تنص على أن “يتم تحديد قيمة الأرض الفضاء الخاضعة لأحكام هذا القانون على أساس القيمة الواردة بالعقود المسجلة، وإذا لم توجد عقود مسجلة فيتم تحديد هذه القيمة على أساس تقدير مصلحة الضرائب لعناصر التركة إذا كان من بين عناصرها أرض فضاء، وذلك ما لم تنقض على التسجيل أو التقدير خمس سنوات على استحقاق الضريبة المنصوص عليها فى هذا القانون، على أن تزاد قيمة الأرض بواقع 7% سنويا من أول السنة التالية لتاريخ التسجيل أو التقدير حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة، وفى الحالات التى لا تسرى عليها أحكام الفقرة السابقة يكون تقدير قيمة الأرض الفضاء وفقا لثمن المثل فى عام 1974 مع زيادة سنوية مقدارها 7% منذ ذلك التاريخ حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة”. وتضمنت باقى النصوص المضافة الأحكام الأخرى المتعلقة بهذه الضريبة سواء فيما يتعلق بحصر الأراضى الخاضعة لها، وموعد وضمانات أدائها، وأيلولة حصيلتها إلى صندوق تمويل مشروعات الإسكان الاقتصادى، وأحوال وقف استحقاقها.
وبتاريخ 15 مارس سنة 1984 نشر بالجريدة الرسمية القانون رقم 13 لسنة 1984 مستبدلا بنص المادتين 3 مكررا، 3 مكررا 2 نصين جديدين، وإن كان الثابت أن النص الجديد للمادة 3 مكررا قد ورد بذات ألفاظ وعبارات وأحكام النص السابق إذ ينحصر ما طرأ على هذا النص الجديد فى إيراده كلمة “بجميع” قبل عبارة “المرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء”، لمجرد تأكيد أمر ثابت من قبل فى ظل العمل بالنص السابق وهو اشتراط اتصال المنطقة الكائنة بها الأرض الفضاء الخاضعة للضريبة بالمرافق العامة الأساسية الثلاثة المشار إليه، ومن ثم فلا يتسنى – والحالة هذه – اعتبار نصى الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا سالفة البيان مغايرا فى حكمه لما كان عليه قبل تعديلها بالقانون رقم 13 لسنة 1984 المشار إليه. وبالتالى فإن الدعوى الدستورية الماثلة تنبسط لتشمل الطعن بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا قبل وبعد تعديلها بالقانون رقم 13 لسنة 1984.
وحيث إنه يستفاد من التنظيم التشريعى سالف البيان أن الضريبة على الأرض الفضاء ضريبة مباشرة على رأس مال لا يغل دخلا، يتمثل فى الأرض الفضاء الواقعة داخل نطاق المدن فى المناطق المتصلة بالمرافق العامة الأساسية من مياه ومجار وكهرباء والتى لا تخضع لأى من الضريبة على العقارات المبنية أو الضريبة على الأطيان الزراعية، وأنها ضريبة دورية متجددة تستحق سنويا طالما لم تتغير طبيعتها بالبناء عليها أو بزراعتها فتخضع بذلك لضريبة أخرى. كما يبين كذلك من التنظيم التشريعى سالف البيان، أن وعاء الضريبة على الأرض الفضاء لا يقتصر على القيمة الأصلية للأرض الفضاء حسبما وردت فى عقد شرائها المشهر أو فى تقدير مصلحة الضرائب لها ضمن عناصر التركة أو وفقا لثمن مثلها فى سنة 1974 حسب الأحوال، وإنما يشمل الوعاء زيادة افترض المشرع تحققها فى قيمة هذه الأرض قدرها بنسبة 7% سنويا حتى نهاية السنة السابقة مباشرة على استحقاق الضريبة. وهذه الزيادة المفترضة تسرى على جميع الأراضى الخاضعة للضريبة بغض النظر عن مساحتها أو موقعها أو صقعها. أن الضريبة لا يقتصر فرضها على الأرض الفضاء التى توافرت لها شروط الخضوع للضريبة عند العمل بالقانون الذى فرضها، وإنما تسرى أيضا على الأراضى الفضاء التى توافرت لها تلك الشروط بعد العمل بذلك القانون اعتبارا من أول يناير التالى لانقضاء سنة على تاريخ خضوعها لأحكامه. هذا فضلا عن أن الزيادة السنوية التى افترضها المشرع فى قيمة الأرض الفضاء تؤدى إلى زيادة وعاء الضريبة مما يفضى بدوره إلى ارتفاع قيمة الضريبة السنوية المستحقة، وأن الضريبة المشار إليها تسرى على الأرض الفضاء أيا كانت مساحتها ولو كانت ملكيتها شائعة بين عدة ملاك.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا بفرضها ضريبة سنوية على الأرض الفضاء بواقع 2% من قيمته، والمادة 3 مكررا (2) بوضعها ضوابط تحديد تلك القيمة باعتبارها وعاء للضريبة، فإنه لا يتسنى – فى مقام الفصل فى الدستورية – أن ينفك أحد النصين عن الآخر، وهو ما حدا بمحكمة الموضوع إلى إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية، للفصل فى دستورية النصين معا.
وحيث إن الأصل فى الضريبة أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا بما لها من سيادة، وقد ارتبط فرض الضرائب من الناحية التاريخية بوجود المجالس التشريعية لما ينطوى عليه من تحميل المكلفين بها أعباء مالية تقتطع من ثرواتهم مما يتعين معه تقريرها بموازين دقيقة ولضرورة تقضيها، لذلك نص الدستور – فى المادة 119 – على أن “إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها إلا فى الاحوال المبينة فى القانون”؛ وكان فرض الضريبة مخالفا للدستور كلما كان معدلها وأحوال فرضها وتحديد وعائها مناقضا للأسس الموضوعية التى ينبغى أن تقوم عليها، مجاوزاً للأغراض المقصودة منها ولو كان الغرض من فرضها زيادة موارد الدولة لمقابلة مصلحة مشروعة.
ووحيث إن الدستور قد حرص فى مادته الرابعة والثلاثين على النص على صون الملكية الخاصة والمتمثلة – وفقا لمادته الثانية والثلاثين – فى رأس المال غير المستغل، فكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها – فى الأصل – ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد، وبوصفها حافزا له على الانطلاق والتقدم، فيختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئتها للانتفاع المفيد بما لتعود إليه ثمارها. هذا بالإضافة إلى أن الأموال التى يرد عليها حق الملكية تعد من مصادر الثروة القومية التى لا يجوز التفريط فيها. وإذ كانت الملكية فى إطار النظم الوضعية الحديثة – لم تعد حقا مطلقا يستعصى على التنظيم التشريعى، فقد غدا سائغا تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية التى يتحدد نطاقها ومرماها بمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع – فى ضوء أحكام الدستور – بين المصلحة الخاصة للمالك والصالح العام للمجتمع، ذلك أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقه، لا تعتبر مقصودة لذاتها وإنما غايتها تحقيق الخير المشترك للفرد والجماعة. متى كان ذلك فإنه وإن صح أن تتخذ الضريبة وسيلة لتوزيع أعباء النفقات العامة على المواطنين وفقا لأسس عادلة، إلا أنه لا يجوز أن تفرض الضريبة ويحدد وعاؤها بما يؤدى إلى زوال رأس المال المفروضة عليه كلية أو الانتقاص منه بدرجة جسيمة، فما لذلك الغرض شرعت الضريبة، وما قصد الدستور أن تؤدى فى نهاية مطافها إلى أن يفقد المواطن رأس المال المحمل بعبئها ليؤول تنفيذها فى النهاية إلى فقدان وعائها أو الانتقاص الجسيم منه. ومن أجل ذلك كان الدخل – باعتباره من طبيعة متجددة ودورية – هو الذى يشكل – على اختلاف مصادره – الوعاء الأساسى للضريبة، إذ هو التعبير الرئيسى عن المقدرة التكليفية للممول، بينما يشكل رأس المال وعاء تكميليا للضرائب لا يلجأ المشرع إلى فرض الضريبة عليه إلا استثناء ولمرة واحدة أو لفترة محددة بحيث لا تؤدى الضريبة من بوعائها كليا أو تمتص جانباً جسيما منه. وقد يرى المشرع أحيانا فرض ضريبة على رأس مال يغل دخلا ويراعى أن يتم الوفاء بهذه الضريبة من دخل رأس المال الخاضع للضريبة. أما فرض ضريبة على رأس مال لا يغل دخلا وبطريقة دورية متجددة، ولفترة غير محددة مع زيادة تحكمية مفترضة فى قيمة الضريبة السنوية المستحقة عليه، فإنه ينطوى على عدوان على الملكية بالمخالفة لنص المادة 34 من الدستور، كما يناقض مفهوم العدالة الاجتماعية الذى نصت المادة 38 من الدستور على قيام النظام الضريبى على أساسه وهو ما يوجب القضاء بعدم دستورية النصين المطعون عليهما.
وحيث إنه بالنسبة لباقى أحكام التنظيم التشريعى لضريبة الأرض الفضاء، فإنها إذ ترتبط ارتباطا وثيقا لا يقبل التجزئة بالنصين المطعون عليهما فى الدعوى الماثلة ومن ثم يترتب لزوما على القضاء بعدم دستوريتهما سقوط الأحكام المشار إليها، ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 3 مكررا تحدد الجهات التى لا تخضع الأراضى الفضاء المملوكة لها لهذه الضريبة. وتنظم المادة 3 مكررا (3) مواعيد أداء تلك الضريبة. وتبين المادة 3 مكررا (2) كيفية حصر الأراضى الخاضعة للضريبة، وتحظر المادة 3 مكررا (4) صرف تراخيص البناء أو إقامة مبان على هذه الأراضى أو شهر التصرفات التى تتناولها إلا بعد تقديم ما يفيد سداد الضريبة. وتقضى المادة 3 مكررا (5) بوقف استحقاق الضريبة متى تم البناء على الأرض أو شغل وربط بالضريبة على العقارات المبنية أو خضعت للضريبة على الأرض الزراعية، كما ينص البند (4) من المادة 36 من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 والمعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 على أن تكون حصيلة هذه الضريبة موردا من موارد الحساب الخاص بتمويل مشروعات الاسكان الاقتصادى والذى ينشأ بكل محافظة، ومن ثم تسقط النصوص سالفة الذكر ترتيبها على القضاء بعدم دستورية النصين المطعون عليهما فى الدعوى الراهنه.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة:
أولا: بعد دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 3 مكررا والمادة 3 مكررا (2) من القانون رقم 107 لسنة 1976 بإنشاء صندوق تمويل مشروعات الاسكان الاقتصادى المعدل بالقانونين رقمى 34 لسنة 1978 و13 لسنة 1984.
ثانيا: بسقوط أحكام الفقرة الثانية من المادة 3 مكررا والمادة 3 مكررا (1) والمادة (3) مكررا (3) والمادة 3مكررا (4) والمادة 3 مكررا (5) والبند (4) من المادة (36) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 والمعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره أما السيد المستشار محمد ولى الدين جلال الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع مسوده هذا الحكم فقد جلس بدله عند تلاوته السيد المستشار سامى فرج يوسف.