جلسة 6 فبراير سنة 1993
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (14)
القضية رقم 130 لسنة 5 قضائية “دستورية”
1 – حراسة – “تصفية الأوضاع الناشئة عن فرضها: القواعد التى جرى بها القرار رقم 141 لسنة 1958 فى شأنها”.
صدر القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 متوخيا تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة على اموال الأشخاص الطبيعيين وممتلكاتهم، وكان الأصل هو أن ترد إليهم أموالهم هذه عينا تنفيذا لأحكام القضاء التى تواترت على اعتبار أوامر فرض الحراسة الصادرة فى شأن هؤلاء الأشخاص استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ كأن لم تكن، إلا أن القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 توخى الحد من الآثار المترتبة على قيام هؤلاء الأشخاص باسترداد بعض أموالهم وممتلكاتهم ممن يحوزونها مدداً طويلة رتبوا خلالها وعلى أساسها أحوالهم المعيشية مما يناقض السلام الاجتماعى، فعمد – فى هذه الأحوال – إلى اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض بدلا من التنفيذ العينى، وذلك بتعويضهم عن أموالهم وممتلكاتهم وفق أسس قدر أنها لا تصادر الحق فى التعويض بصفة كلية أو جزئية.
2 – حراسة – تعويض “أسس تقديره: مخالفة ما ارتآه القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 فى شأنها للدستور: أساس ذلك”.
لئن نص القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 – فى مادته الأولى – على أن تعتبر كأن لم تكن أوامر فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الصادرة استنادا إلى أحكام قانون الطوارئ، وكانت المادة الثانية من هذا القرار بقانون قد نصت فى صدرها على أن ترد إلى هؤلاء أموالهم وممتلكاتهم عينا، إلا أن المادة الثانية ذاتها أوردت استثناء من قاعدة الرد العينى تحد به من إطلاقها، وهو استثناء اعتبرته هذه المحكمة مخالفا للدستور، على أساس أن التعويض المقرر بالمادة الثانية عن أموال الخاضعين وممتلكاتهم التى استثنتها من قاعدة الرد العينى، ليس معادلا لقيمتها الحقيقية.
3 – حراسة – الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عنها أو المترتبة عليها “تكييفها القانونى”.
النص فى الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 على ألا تقبل الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التى فرضتها الدولة – قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم سلامة الشعب – أو المترتبة عليها، ما لم ترفع الدعوى بشأنها خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون، مؤداه أن هذا الميعاد مرتبط بدعوى الاستحقاق التى تحمى تلك الحقوق، ومسقطا للحق فى إقامتها بفواته.
4 – حق الملكية “الخاصية التى يتميز بها”.
من المقرر أن لحق الملكية خاصية يتميز بها عن غيره من الحقوق العينية والشخصية، تتمثل فى أن الملكية وحدها هى التى تعتبر حقا دائما، وأنه أيا كانت المدة التى يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه، فإنه يظل متمتعا بالحق فى حمايتها وردها إليه حال اغتصابها منه دون أن يتقيد فى ذلك بزمن معين إلا إذا آل الحق فيها إلى غيره وفقا للقانون.
5 – حق الملكية “عدم سقوط الدعوى التى تحميه”.
إذ كان من المقرر أن حق الملكية يظل باقيا ما بقى الشئ محلها منقولا كان أم عقارا، فإن حق الملكية ذاته يكون غير قابل للسقوط بالتقادم ولا يتصور بالتالى أن تسقط بالتقادم الدعوى التى تقام لطلبه.
6 – مبدأ المساواة أمام القانون “التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة – أثره”
يفترض مبدأ المساواة أمام القانون ألا يغاير المشرع بين المراكز القانونية المتماثلة فى المعاملة التى يقررها لها. ولا يعتبر الأشخاص الذين خضعوا لتدابير الحراسة بالنسبة إلى أموالهم وممتلكاتهم التى يطلبون ردها عينا إليهم فى مركز قانونى مختلف عن غيرهم ممن يدعون ملكية شئ غير خاضع لهذه التدابير، ويقيمون دعوى الاستحقاق لطلبه، ذلك أن هؤلاء وهؤلاء يطلبون رد أموالهم إليهم ولا يتمايزون عن بعضهم البعض إلا فى واقعة بعينها هى فى ذاتها منعدمة ولا يجوز أن يرتب عليها المشرع أثراً، تلك هى خضوع الأولين لتدابير الحراسة. ولا يتصور أن يقوم التمايز بين مركزين قانونيين بناء على واقعة عديمة الأثر قانونا، ذلك أن إنعدامها زوال لها وإفناء لذاتيتها، ومن ثم تغدو الواقعة المنعدمة – ساقطة فى ذاتها والساقط لا يعود.
1 – البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 أن جهات القضاء المختلفة كانت قد اصدرت أحكاما متوالية قررت بموجبها اعتبار أوامر فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين الصادرة استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ، باطلة عديمة الأثر قانونا، وإنه إذ كان إعمال الآثار التى رتبتها هذه الأحكام فى شأن تلك الأوامر مؤداه أن ترد عينا لهؤلاء الأشخاص أموالهم وممتلكاتهم، فقد تقرر – لمواجهة هذه الأثار وتنظيما لها، وإنهاء للمنازعات القائمة فى شأنها، وتوقيا لإثارة منازعات جديدة بصددها – التدخل تشريعيا بالنصوص التى تضمنها القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، وذلك للحد بوجه خاص من الآثار المترتبة على قيام هؤلاء الأشخاص باسترداد بعض أموالهم وممتلكاتهم ممن يحوزونها مددا طويله رتبوا خلالها وعلى أساسها أحوالهم المعيشية، مما يناقض السلام الاجتماعى، ويمس بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية فى الدولة، ويبرر الالتجاء إلى التنفيذ بطريق التعويض بدلا من التنفيذ العينى، وعلى أساس أنه ليس ثمة ما يحول دون تدخل المشرع لتنظيم عناصر التعويض، وذلك بتقرير أسس لتحديده لا تتضمن أية مصادرة كلية أو جزئية للحق فى التعويض.
2 – النص فى المادة الأولى من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه على “أن تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ وتتم إزالة الأثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين فى هذا القانون…” مؤداه أن المشرع قنن بهذه المادة ما استقر عليه القضاء من اعتبار على هذه الأوامر متضمنة عيبا جسيما لصدورها فاقدة لسندها فى أمر ينطوى على اعتداء على الملكية الخاصة التى نص الدستور على صونها وحمايتها، مما يجرد تلك الأوامر منه مشروعيتها الدستورية والقانونية، وينحدر بها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، وهو ما عززته المادة الثانية من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 وذلك بما قررته فى صدرها – وكأثر حتمى لأعمال مادته الأولى – من أن ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الذين شملتهم تدابير الحراسة المشار اليها فى المادة الأولى من هذا القانون، جميع أموالهم وممتلكاتهم. أما ما أورته المادة الثانية من استثناء للحد من إطلاق هذه القاعدة، فقد اعتبرته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى الدعويين رقمى 139، 140 لسنة 5 قضائية “دستورية”، مخالفا للدستور على أساس أن التعويض الذى قررته المادة الثانية لأموال الخاضعين وممتلكاتهم التى استثنتها من قاعدة الرد العينى، ليس معادلا لقيمتها الحقيقية.
3 – البين من أحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة وما أثير بشأنها من مناع متعلقة بدستوريتها، أنها تدور حول الملكية الخاصة التى أفردها الدستور بالحماية وكفل صونها باعتبارها مترتبة على الجهد الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، ويتعين بالتالى أن يختص بثمارها وأن تعود إليه كافة المزايا الأخرى المترتبة عليها. متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون المشار اليه، صريحة فى نصها على ألا تقبل الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التى فرضتها الدولة – قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب – أو المترتبة عليها، ما لم ترفع الدعوى بشأنها خلال سنة من تاريخ العمل بهذه القرار بقانون، فإن هذا الميعاد يكون مرتبطا بدعوى الاستحقاق التى تكفل الحماية لتلك الحقوق، ومسقطا للحق فى إقامتها بفواته.
4 – الأصل فى دعوى الاستحقاق أنه ليس لها أجل معين تزول بانقضائه، وذلك ترتيبا على ما لحق الملكية من خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية منها والعينية، الأصلية منها والتبعية. وتتمثل هذه الخاصية فى أن الملكية وحدها هى التى تعتبر حقا دائما، وأنها لا تزول بعدم استعمالها، ذلك أنه أيا كانت المدة التى يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه، فإنه يظل متمتعا بالحق فى حمايتها وأن ترد إليه حال اغتصابها منه دون أن تتقيد فى ذلك بزمن معين إلا إذا آل الحق فيها إلى غيره وفقا للقانون، بما مؤداه أن حق الملكية باق ما بقى الشئ محلها منقولا كان أم عقارا. ولا ينال مما تقدم ما نص عليه القانون المدنى من أن المنقول يصبح لا مالك له اذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته، ذلك أن هذا التخلى لا يفيد أن حق الملكية فى المنقول من الحقوق الموقوته، بل يظل حقا دائما إلى أن ينزل عنه صاحبه، ولا يعتبر هذا النزول توقيتا لحق الملكية فى المنقول.
5 – إذ كان من المقرر أن حق الملكية يظل باقيا ما بقى الشئ محلها منقولا كان أم عقارا، فإن حق الملكية ذاته يكون غير قابل للسقوط بالتقادم، ولا يتصور بالتالى أن تسقط بالتقادم الدعوى التى تقام لطلبه. متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة – وهى النص التشريعى المطعون عليه – صريحة فى نصها على أن ترفع الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التى فرضتها الدولة – قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب – أو المترتبة عليها، خلال سنة من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه، وإلا كانت غير مقبولة، فإن النص التشريعى المطعون عليه يكون قد انتقص من الحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة، وجاء بالتالى مخالفا للمادة 34 منه.
6 – التمييز بين المراكز القانونية بعضها البعض، يفترض تغايرها – ولو فى بعض جوانبها – تغايرا يقوم فى مبناه على عدم اتحاد هذه المراكز فى العناصر التى تكونها. متى كان ذلك، وكان من المقرر قانونا أن كل واقعة منعدمة ليس لها من وجود، اذ هى ساقطة فى ذاتها، والساقط لا يعود، بما مؤداه أن انعدامها زوال لها واجتثات لها من منابتها وإفناء لذاتيتها، فإن مثل هذه الواقعة – وهى فى إطار النزاع الراهن واقعة فرض الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين وممتلكاتهم استنادا إلى قانون الطوارئ – لا يمكن أن يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين، ولا يعتد بالآثار المصادمة للدستور التى رتبها المشرع عليها، خاصة ما تعلق منها بالانتقاص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، وهى حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة 65 من الدستور بما يتضمنه هذا المبدأ من استقامة المنحى عند اقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأن الحقوق والحريات التى كفلها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون عليه قد خص المخاطبين بأحكامه – وهم من أخضعتهم الدولة لتدابير الحراسة المنعدمة فى ذاتها على ما سلف البيان – بمعاملة استثنائية مايز فيها – فى مجال دعوى الاستحقاق – بينهم وبين غيرهم ممن يملكون منقولا أو عقارا غير محمل بهذه التدابير ويقيمون هذه الدعوى لطلبه، ودون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية، وذلك لارتكازه فى مبناه على واقعة الحراسة المنحدرة إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، والتى لا يقوم بها التباين فى المراكز القانونية على ما تقدم، وكان من غير المتصور أن تؤول الحراسة فى أثرها إلى الانتقاص من حقوق هؤلاء الذين ناءوا بعبئها، فإن النص المطعون فيه – وقد قيد دعوى الاستحقاق – التى يقيمها المخاطبون بأحكامه – بزمن معين خلافا للأصل فيها، وإخلالا من جهته بالمعاملة القانونية المتكافئة التى يقتضيها التماثل فى المراكز القانونية – يكون قد ناقض جوهر الملكية، وأهدر مبدأ المساواة أمام القانون بالمخالفة للمادتين 43، 40 من الدستور.
الاجراءات
بتاريخ 9 يونيو سنة 1983 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بطلب الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 141 لسنة 1981 الخاص بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة عدا ما جاء به متفقا مع أحكام الدستور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد أقام دعواه الموضوعية أمام محكمة القيم طالبا الحكم برد أمواله الخاضعة لتدابير الحراسة عينا. وأثناء نظر هذه الدعوى دفع بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 برمتها وذلك عدا ما جاء به متفقا مع أحكام الدستور. وبمذكرة تم إيداعها بتاريخ 4 نوفمبر 1990، قصر المدعى طلباته على الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون المشار إليه.
وحيث إن من بين ما ينعاه المدعى على الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه، مخالفتها للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة المنصوص عليها فى المواد 34، 35، 36 من الدستور، وذلك فيما قررته من أن “لا تقبل الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التى فرضت قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامه الشعب أو المترتبة عليها ما لم ترفع الدعوى بشأنها خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون”.
وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أن البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليها أن جهات القضاء المختلفة كانت قد أصدرت أحكاما متواليه قررت بموجبها اعتبار أوامر فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين الصادرة استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ باطلة عديمة الأثر قانونا. وإذ كان إعمال الآثار التى رتبتها هذه الأحكام فى شأن تلك الأوامر مؤداه أن ترد عينا لهؤلاء الأشخاص أموالهم وممتلكاتهم، فقد تقرر – لمواجهة هذه الآثار وتنظيما لها، وإنهاء للمنازعات القائمة فى شأنها، وتوقيا لإثارة منازعات جديدة بصددها – التدخل تشريعيا بالنصوص التى تضمنها القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، وذلك للحد بوجه خاص من الآثار المترتبة على قيام هؤلاء الأشخاص باسترداد بعض أموالهم وممتلكاتهم ممن يحوزونها مددا طويلة رتبوا خلالها وعلى أساسها أحوالهم المعيشية، مما يناقض السلام الاجتماعى، ويمس بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية فى الدولة، ويبرر الالتجاء إلى التنفيذ بطريق التعويض بدلا من التنفيذ العينى، وعلى أساس أنه ليس ثمة ما يحول دون تدخل المشرع لتنظيم عناصر التعويض وذلك بتقرير أسس لتحديده لا تتضمن أية مصادرة كلية أو جزئية للحق فى التعويض.
وحيث إنه توكيدا لانعدام أوامر فرض الحراسة الصادرة فى حق الأشخاص الطبيعيين على النحو المتقدم، وإقرارا بما انطوت عليه هذه الأوامر من عدوان على الملكية الخاصة يرقى إلى مرتبة اغتصابها، نصت المادة الأولى من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه على “أن تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ وتتم إزالة الآثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين فى هذا القانون….” مقننة بنصها هذا ما استقر عليه القضاء من اعتبار هذه الأوامر متضمنة عيبا جسيما لصدورها فاقدة لسندها فى أمر ينطوى على اعتداء على الملكية الخاصة التى نص الدستور على صونها وحمايتها، مما يجرد الأوامر منه مشروعيتها الدستورية والقانونية، وينحدر بها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا. وهو ما عززته المادة الثانية من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 وذلك بما قررته فى صدرها – وكأثر حتمى لأعمال مادته الأولى – من أن ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الذين شملتهم تدابير الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القانون، جميع أموالهم وممتلكاتهم. أما ما أورته المادة الثانية من استثناء للحد من إطلاق هذه القاعدة، فقد اعتبرته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى القضيتين رقمى 139، 140 لسنة 5 قضائية دستورية، مخالفا للدستور على أساس أن التعويض الذى قررته المادة الثانية لأموال الخاضعين وممتلكاتهم التى استثنتها من قاعدة الرد العينى، ليس معادلا لقيمتها الحقيقية.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان تطبيق أحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار اليه وما أثير بشأنها من مناع متعلقة بدستوريتها، إنما يدور حول الملكية الخاصة التى اختصها الدستور بالحماية وكفل صونها باعتبارها فى الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئتها للانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة المطعون عليها قد حددت ميعاد سنة من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 كى ترفع خلالها الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسات التى عينتها أو المترتبة عليه، وإلا كانت غير مقبولة، فإن هذا الميعاد يكون مرتبطا بدعوى الاستحقاق التى تحمى تلك الحقوق، ومسقطا لها بفواته.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الأصل فى دعوى الاستحقاق، أنه ليس لها أجل محدد تزول بانقضائه، وذلك بناء على ما لحق الملكية من خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية، وكذلك عن غيره من الحقوق العينية الأصلية منها أو التبعية. وتتمثل هذه الخاصية فى أن الملكية وحدها هى التى تعتبر حقا دائما، وتقتضى طبيعتها ألا يزول هذا الحق بعدم الاستعمال، ذلك إنه أيا كانت المدة التى يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه، فإنه لا يفقد ملكيته بالتقاعس عن استعماله، بل يظل من أن يقيم دعواه لطلبها مهما طال الزمن عليها إلا إذا كسبها غيره وفقا للقانون، بما مؤداه أن حق الملكية باق لا يزول ما بقى الشئ المملوك. ومن ثم لا تسقط الدعوى التى تحميه بانقضاء زمن معين سواء كان محل الملكية منقولا أو عقارا. ولئن نص القانون المدنى على أن المنقول يصبح لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته، إلا أن هذا التخلى لا يفيد أن حق الملكية فى المنقول من الحقوق الموقوته، بل يظل حق الملكية فى المنقول حقا دائما إلى أن ينزل عنه صاحبه ولا يعتبر النزول عن الحق توقيتا له. متى كان ذلك، وكان لا يتصور أن يكون حق الملكية ذاته غير قابل للسقوط بالتقادم وتسقط مع ذلك بالتقادم الدعوى التى يطلب بها هذا الحق، فإن النص المطعون عليه يكون قد انتقص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، وجاء بالتالى مخالفا للمادة 34 منه. ولا ينال مما تقدم قالة أن الذين خضعوا لتدابير الحراسة يعتبرون بالنسبة إلى أموالهم وممتلكاتهم التى يطلبون ردها فى مركز قانونى مختلف عن غيرهم ممن يدعون ملكية شئ غير خاضع لهذه التدابير ويقيمون دعوى الاستحقاق لطلبه، ذلك أن هؤلاء وهؤلاء يطلبون رد أموالهم وممتلكاتهم إليهم أيا كان سبب كسبهم ملكيتها، ولا يتمايزون عن بعضهم البعض إلا فى واقعة بعينها، هى فى ذاتها منعدمة من الناحية الدستورية والقانونية، تلك هى المتعلقة بخضوع الأولين لتدابير الحراسة التى فرضتها الدولة عدوانا على ملكيتهم واغتصابا لها. ولا يتصور قانونا أن تكون الواقعة المنعدمة مرتبة لأية آثار فى محيط العلاقات القانونية، ذلك أن انعدامها زوال لها واجتثاث لها من منابتها وإفناء لذاتيتها، وإذ كان القضاء قد جرد أوامر الحراسة من كل قيمة وقرر انحدارها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، فإن من غير المتصور أن تؤول فى أثرها إلى الانتقاص من حقوق هؤلاء الذين ناءوا بعبئها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان التمييز بين المراكز القانونية بعضها البعض، يفترض تغايرها – ولو فى بعض جوانبها – تغايرا يقوم فى مبناه على عدم اتحاد هذه المراكز فى العناصر التى تكونها، وكان من المقرر قانونا أن كل واقعة منعدمة ليس لها من وجود، إذ هى ساقطة فى ذاتها والساقط لا يعود، فإن مثل هذه الواقعة – وهى فى إطار النزاع الراهن واقعة فرض الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين وممتلكاتهم استنادا إلى قانون الطوارئ – لا يمكن أن يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين، ولا يعتد بالآثار التى رتبها المشرع عليها خاصة ما تعلق منها بالانتقاص من الحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية، وهى حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه فى المادة 65 من الدستور بما يتضمنه هذا المبدأ من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأن الحقوق والحريات التى كفلها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد خص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة استثنائية جائرة لا تستند إلى أسس موضوعية رتبها على كونهم ممن خضعوا لتدابير الحراسة التى فرضتها الدولة عليهم بأوامره، وهى تدابير منعدمة فى ذاتها على ما سلف بيانه، ولا يقوم بها التباين فى المراكز القانونية بين هؤلاء وبين غيرهم ممن يتمتعون بالحماية الكاملة التى ضمنها الدستور لحق الملكية أيا كان صاحبه، وكانت دعوى الاستحقاق سواء كان محلها منقولا أو عقارا لا تندرج تحت الدعاوى التى يتقيد رفعها بميعاد، فإن النص المطعون فيه إذ أفرد المخاطبين بأحكامه – المعتبرين ملاكا كغيرهم – بميعاد قصره عليهم، ناقض به جوهر الملكية وأخل بالحماية التى كفلها الدستور لها. وكذلك بمبدأ المساواه أمام القانون يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه وأحكام المادتين 34، 40 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الاوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.