الخط الساخن : 01118881009
جلسة 15 إبريل سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: منير أمين عبد المجيد ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور والدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وواصل علاء الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (26)
القضية رقم 14 لسنة 8 قضائية “دستورية”
1- دعوى دستورية – إجراءات رفعها “طريقته – ميعاده”.
الأوضاع الإجرائية المتعلقة بطريقة رفع الدعوى الدستورية وميعاد رفعها، تتعلق بالنظام العام.
2- دعوى دستورية – محكمة الموضوع – جدية الدفع.
تقدير جدية الدفع بعدم الدستورية، تختص به محكمة الموضوع.
3- دعوى دستورية “المصلحة فيها” – تشريع “تعديله” – حكم محلي.
تعديل بعض أحكام قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 145 لسنة 1988 لا يحول دون النظر والفصل في الطعن عليها بعدم الدستورية ممن طبقت عليهم خلال فترة نفاذها وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليهم.
4- دعوى دستورية المصلحة فيها.
شرط قبول الطعن بعدم الدستورية، أن تتوافر للطاعن مصلحة مباشرة في طعنه، ومناط هذه المصلحة ارتباطها بمصلحته في الدعوى الموضوعية التي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبتها والتي يؤثر الحكم فيه على الحكم فيها.
5- دعوى دستورية المصلحة فيها – حكم محلي.
استهدف المدعي من الدعوى الموضوعية، إلغاء قرار محافظ الجيزة بإعلان انتخاب القوائم الحزبية لعضوية المجالس الشعبية المحلية بالمحافظة تأسيساً على أن طلبه الترشيح لعضويتها قد رفض لعدم إرفاقه صورة رسمية من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مبيناً بها إدراجه فيها، وكون المادتان (76/ 1)، (86/ 3) من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 فحسب هما اللتان تضمنت أحكامهما وجوب استيفاء هذا الشرط، تنتفي معه مصلحته في الطعن بعدم الدستورية على ما عداهما من نصوصه.
6- دستور – الحقوق العامة “الحقوق السياسية”.
الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور، من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، واعتبارها واجباً وطنياً لاتصالها بالسيادة الشعبية.
7- دستور – تشريع – الحقوق العامة “الحقوق السياسية”.
القواعد التي يضعها المشرع تنظيماً للحقوق العامة – ومنها الحقوق السياسية – يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، وألا تخل القيود التي يفرضها في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة اللذين تضمنهما الدستور في المادتين (8)، (40) منه.
8 – دستور – حق الترشيح – المجالس الشعبية المحلية.
حق الترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين – قصر حق الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية على المنتمين إلى الأحزاب السياسية يحرم غيرهم من ذلك الحق دون مقتض من طبيعته أو متطلبات مباشرته، وينطوي على إهدار لأصله وإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بالمخالفة للمواد (8)، (40)، (62) من الدستور.
9 – دستور – سلطة التشريع – الرقابة الدستورية – حق الترشيح.
الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، وأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور – تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو ينال منه، فإذا حرم منه طائفة من المواطنين فإنه يكون قد جاوز دائرة التنظيم، مما يخضع للرقابة الدستورية.
1، 2 – أن المشرع رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها، وربط بينه وبين الميعاد الذي حدده لرفعها، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده، بحيث لا يجاوز ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، وإذ كان البين من ملف الدعوى الموضوعية أن المدعي ضمن صحيفتها دفعاً بعدم دستورية النصوص القانونية المطعون عليها لتعارضها مع مواد الدستور التي حددها، وكانت محكمة الموضوع قد منحته أجلاً لرفع الدعوى الدستورية وهو ما يفيد بالضرورة تقديرها جدية هذا الدفع ولزومه للفصل في الدعوى الموضوعية المطروحة عليها، فإن الدعوى الراهنة تكون قد اتصلت بهذه المحكمة وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في البند (ب) من المادة (29) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس متعين الرفض.
3- إن نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 الذي أصبح نظاماً للإدارة المحلية بمقتضى أحكام القانون رقم 145 لسنة 1988 قضى بأن يكون لكل وحدة من وحدات الإدارة المحلية مجلس شعبي محلي يشكل من أعضاء منتخبين انتخاباً مباشراً، عن طريق الجمع بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، إلا أن ذلك لا يحول دون الفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليهم أحكام القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المطعون عليها خلال فترة نفاذها وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليهم تتوافر بإبطالها مصلحتهم الشخصية المباشرة في الطعن بعدم دستوريتها، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل القانون القديم تخضع لحكمه. لما كان ذلك، وكان القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 – وقبل تعديله بالقانون رقم 145 لسنة 1988 – قد طبق على المدعي وأعملت في حقه أحكامه إذ حرمه من حق الترشيح لعضوية المجلس الشعبي لمحافظة الجيزة، وظلت آثاره – وهي بقاؤه محروماً من حق الترشيح لعضوية هذا المجلس – قائمة بالنسبة إليه طوال مدة نفاذه، وكانت الدعوى الموضوعية لا تزال مطروحة أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية والحكم المحلي بما تتضمنه من طلبات ترتكز جميعها على الطعن بعدم دستورية أحكام القانون رقم 50 لسنة 1981 المعدل لقانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979، ويعتبر هذا الطعن أساساً لها. ومن ثم فإن مصلحة المدعي في الطعن بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 قبل تعديلها بالقانون رقم 145 لسنة 1988، تكون قائمة.
4، 5- يشترط لقبول الطعن بعدم الدستورية أن تتوافر للطاعن مصلحة شخصية ومباشرة في طعنه، ومناط هذه المصلحة ارتباطها بمصلحته في دعوى الموضوع التي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبتها والتي يؤثر الحكم فيه على الحكم فيها، وإذ كان ما استهدفه المدعي من دعواه الموضوعية هو إلغاء قرار محافظ الجيزة رقم 424 لسنة 1983 الصادر في 6 نوفمبر سنة 1983 والمتضمن إعلان انتخاب قوائم الحزب الوطني المرشحة لعضوية المجالس الشعبية المحلية بمحافظة الجيزة بالتزكية واعتباره كأن لم يكن تأسيساً على أن الطلب الذي تقدم به للترشيح لعضوية المجلس الشعبي المحلي بالجيزة كان قد رفض لأنه لم يرفق به صورة رسمية من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مبيناً بها إدراجه فيها، لما كان ذلك، وكانت المادتان (76/ 1)، (86/ 3) من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 هما اللتان تضمنت أحكامهما وجوب استيفاء هذا الشرط، فإن مصلحة المدعي في دعواه تقوم على الطعن بعدم دستورية هاتين الفقرتين فحسب، بتقدير أن الحكم له في الطلبات الموضوعية يتوقف على ما يسفر عنه القضاء في الطعن بعدم دستوريتهما، أما باقي مواد القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 – المطعون عليها – فلا مصلحة شخصية ومباشرة للمدعي في الطعن بعدم دستوريتها إذ ليس ثمة أثر لها على طلباته أمام محكمة الموضوع، ذلك أن المادة الأولى تعرف بوحدات الحكم المحلي وتتناول كيفية إنشائها وتحديد نطاقها وتغيير أسمائها وإلغائها، وتبين المادة (76) في فقرتها الثانية المبالغ التي يتعين إيداعها مع طلب الترشيح، وفي فقرتها الثالثة المستندات التي يحددها وزير الداخلية والتي يجب إرفاقها بهذا الطلب لإثبات توافر الشروط اللازمة للترشيح، كما تقضي فقرتها الرابعة باعتبار الأوراق التي يقدمها المرشح أوراقاً رسمية في تطبيق أحكام قانون العقوبات، وتحدد المادة (79) كيفية عرض الكشوف المتضمنة القوائم المدرجة فيها أسماء المرشحين في الوحدة المحلية وطريقة الاعتراض على الأسماء المدرجة أو صفاتها وجهة الفصل في الاعتراض، وتجابه المادة (83) حالة خلو مكان أحد المرشحين بعد الترشيح وقبل إجراء الانتخابات، وتعالج المادة (85) حالة تقديم قائمة حزبية واحدة في الدائرة الانتخابية، وتعرض المادة (86) في فقرتها الأولى لسريان أحكام قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية على المجالس الشعبية المحلية، وتبين فقرتها الثانية اختصاص مديرية الأمن بإجراء عملية الانتخاب لعضوية تلك المجالس، وتخص فقرتها الرابعة المحافظ بإعلان نتيجة الانتخاب، وتعقد فقرتها الخامسة اختصاص الفصل في الطعون المتعلقة بصحة العضوية للمحكمة الإدارية المختصة، أما المادة (97) فتواجه حالة خلو مكان أحد أعضاء المجلس قبل انتهاء مدته. ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذه المواد لانتفاء مصلحة المدعي في الطعن عليها.
6- الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور – ومن بينها حق الترشيح الذي عنى الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء – اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة وذلك بطريق الانتخاب سواء على النطاق القومي في مجلسي الشعب والشورى أو على النطاق المحلي في المجالس الشعبية حسبما جرت به نصوص المواد (87)، (162)، (196) من الدستور. ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في مباشرة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين.
7 – القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً للحقوق العامة – ومنها الحقوق السياسية – يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها وبمراعاة ألا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه في المادة (8) من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين”، وفي المادة (40) من أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”، بما مؤداه امتناع فرض قيود على مباشرة الحقوق السياسية التي نص عليها الدستور في غير مقتض من طبيعتها أو متطلبات ممارستها.
8 – مؤدى الفقرة الأولى من المادة (76) والفقرة الثالثة من المادة (86) من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981، أن المشرع حين نص على أن يكون انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية وما استتبع ذلك من النص على اعتباره صورة قائمة الحزب الذي ينتمي إليه المرشح المثبت إدراجه فيها شرطاً حتمياً لقبول طلب ترشيحه، يكون قد قصر حق الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية على المنتمين إلى الأحزاب السياسية المدرجة أسماؤهم بقوائم هذه الأحزاب، وحرم بالتالي غير هؤلاء من ذلك الحق دون مقتض من طبيعته أو متطلبات مباشرته. لما كان ذلك، وكان حق الترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين في المادة (62) منه، ومن ثم فإن حرمان طائفة معينة منه ينطوي على إهدار لأصله وإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون ويشكل بالتالي مخالفة للمواد (8)، (40)، (62) من الدستور.
9 – الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، وأنه وإن كانت الرقابة على دستورية القوانين لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو ينال منه على نحو ما سلكته المادتان (77/ 1)، (86/ 3) من قانون نظام الحكم المحلي إذ حرمتا غير المدرجة أسماؤهم في القوائم الحزبية من حق الترشيح، ومن ثم فقد تعرضتا لحقوق عامة كفلها الدستور وحرمتا منها طائفة من المواطنين، فجاوز المشرع بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق الأمر الذي يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
الإجراءات
بتاريخ 14 من يونيه 1986، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية المواد 1، 76، 79، 83، 85، 86، 97 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق، تتحصل في أن السيد محافظ الجيزة، كان قد أصدر القرار رقم 379 لسنة 1983 بتحديد ميعاد قبول طلبات الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية بدائرة المحافظة وذلك تمهيداً لإجراء الانتخابات فيها. وقد تقدم المدعي – في الميعاد المحدد – بطلب الترشيح لعضوية المجلس الشعبي المحلي لمحافظة الجيزة عن قسم بولاق الدكرور، إلا أن الموظف المختص رفض قبول طلبه على أساس أنه لم يرفق به صورة رسمية من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مدرجاً فيها اسمه وذلك طبقاً لما تقضي به المادة (76) من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981، فأقام الدعوى رقم 48 لسنة 31 قضائية أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية والحكم المحلي، مضمناً صحيفتها الدفع بعد دستورية أحكام المواد 1، 76، 79، 83، 85، 86، 97 من قانون نظام الحكم المحلي المشار إليه بمقولة مخالفتها أحكام المواد 1، 8، 40، 47، 62، 87 من الدستور، وطالباً في ختامها الحكم ببطلان وانعدام قرار محافظ الجيزة رقم 424 لسنة 1983 الصادر في 6 نوفمبر سنة 1983 في شأن إعلان انتخاب قوائم الحزب الوطني المرشحة لعضوية المجالس الشعبية المحلية بمحافظة الجيزة بالتزكية واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار. وإذ قررت محكمة الموضوع بتاريخ 11 مايو 1986 منح المدعي أجلاً ينتهي في 15 يونيه 1986 ليقدم صورة من عريضة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
ومن حيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى الدستورية تأسيساً على أن محكمة الموضوع لم تقدر جدية الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعي أمامها، ولم يتضمن قرارها بالتالي أي بيانات تتعلق بنطاق هذا الدفع الأمر الذي تتخلف معه الشروط المنصوص عليها في البند (ب) من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وهو دفع مردود بما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن مؤدى نص المادة 29/ ب المشار إليها، أن المشرع رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها، وربط بينه وبين الميعاد الذي حدده لرفعها، فدل بذلك على أنه اعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية. فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية، وكان البين من ملف الدعوى الموضوعية أن المدعي ضمن صحيفتها دفعاً بعدم دستورية النصوص القانونية المطعون عليها لتعارضها مع مواد الدستور التي حددها، وكانت محكمة الموضوع قد منحته أجلاً لرفع الدعوى الدستورية وهو ما يفيد بالضرورة تقديرها جدية هذا الدفع ولزومه للفصل في الدعوى الموضوعية المطروحة عليها، فإن الدعوى الراهنة تكون قد اتصلت بهذه المحكمة وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في البند ب من المادة 29 من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ويكون الدفع بعدم قبولها على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 الذي أصبح نظاماً للإدارة المحلية بمقتضى أحكام القانون رقم 145 لسنة 1988 الذي عدل الفقرة الأولي من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 43 لستة 1979 المشار إليه، قضى بأن يكون لكل وحدة من وحدات الإدارة المحلية مجلس شعبي محلي يشكل من أعضاء منتخبين انتخاباً مباشراً، عن طريق الجمع بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردي، إلا أن ذلك لا يحول دون الفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليهم أحكام القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المطعون عليها خلال فترة نفاذها وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليهم تتوافر بإبطالها مصلحتهم الشخصية المباشرة في الطعن بعدم دستوريتها، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها. فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل القانون القديم تخضع لحكمه وحده. لما كان ذلك، وكان القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 – وقبل تعديله بالقانون رقم 145 لسنة 1988 – قد طبق على المدعي وأعملت في حقه أحكامه إذ حرمه من حق الترشيح لعضوية المجلس الشعبي لمحافظة الجيزة، وظلت آثاره – وهي بقاؤه محروماً من حق الترشيح لعضوية هذا المجلس – قائمة بالنسبة إليه طوال مدة نفاذه، وكانت الدعوى الموضوعية لا تزال مطروحة أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية والحكم المحلي بما تتضمنه من طلبات ترتكز جميعها على الطعن بعدم دستورية أحكام القانون رقم 50 لسنة 1981 المعدل بقانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979، ويعتبر هذا الطعن أساساً لها، ومن ثم فإن مصلحة المدعي في الطعن بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 قبل تعديلها بالقانون رقم 145 لسنة 1988، تكون قائمة.
وحيث إن المدعي وإن كان قد طعن على المواد 1، 76، 79، 83، 85، 86، 97 من القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 المشار إليه، إلا أنه لما كان من المقرر أنه يشترط لقبول الطعن بعدم الدستورية أن تتوافر للطاعن مصلحة شخصية ومباشرة في طعنه، ومناط هذه المصلحة ارتباطها بمصلحته في دعوى الموضوع التي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبتها والتي يؤثر الحكم فيه على الحكم فيها، وكان ما استهدفه المدعي من دعواه الموضوعية هو إلغاء قرار محافظ الجيزة رقم 424 لسنة 1983 الصادر في 6 نوفمبر سنة 1983 والمتضمن إعلان انتخاب قوائم الحزب الوطني المرشحة لعضوية المجالس الشعبية المحلية بمحافظة الجيزة بالتزكية واعتباره كأن لم يكن تأسيساً على أن الطلب الذي تقدم به للترشيح لعضوية المجلس الشعبي المحلي بالجيزة كان قد رفض لأنه لم يرفق به صورة رسمية من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مبيناً بها إدراجه فيها، لما كان ذلك، وكانت المادتان 76 فقرة أولي، 86 فقرة ثالثة هما اللتان تضمنت أحكامهما وجوب استيفاء هذا الشرط، فإن مصلحة المدعي في دعواه الماثلة تقوم على الطعن بعدم دستورية هاتين الفقرتين فحسب، بتقدير أن الحكم له في الطلبات الموضوعية يتوقف على ما يسفر عنه القضاء في الطعن بعدم دستوريتها، أما باقي مواد القرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 – المطعون عليها – فلا مصلحة شخصية ومباشرة للمدعي في الطعن بعدم دستوريتها إذ ليس ثمة أثر لها على طلباته أمام محكمة الموضوع، ذلك أن المادة الأولى تعرف بوحدات الحكم المحلي وتتناول كيفية إنشائها وتحديد نطاقها وتغيير أسمائها وإلغائها، وتبين المادة 76 في فقرتها الثانية المبالغ التي يتعين إيداعها مع طلب الترشيح، وفي فقرتها الثالثة المستندات التي يحددها وزير الداخلية والتي يجب إرفاقها بهذا الطلب لإثبات توافر الشروط اللازمة للترشيح، كما تقضي فقرتها الرابعة باعتبار الأوراق التي يقدمها المرشح أوراقاً رسمية في تطبيق أحكام قانون العقوبات، وتحدد المادة 79 كيفية عرض الكشوف المتضمنة القوائم المدرجة فيها أسماء المرشحين في الوحدة المحلية وطريقة الاعتراض على الأسماء المدرجة أو صفاتها وجهة الفصل في الاعتراض، وتجابه المادة 83 حالة خلو مكان أحد المرشحين بعد الترشيح وقبل إجراء الانتخابات وتعالج المادة 85 حالة تقديم قائمة حزبية واحدة في الدائرة الانتخابية، وتعرض المادة 86 في فقرتها الأولى لسريان أحكام قانون ينظم مباشرة الحقوق السياسية في المجالس الشعبية المحلية، وتبين فقرتها الثانية اختصاص مديرية الأمن بإجراء عملية الانتخاب لعضوية تلك المجالس، وتخص فقرتها الرابعة المحافظ بإعلان نتيجة الانتخاب، وتعقد فقرتها الخامسة اختصاص الفصل في الطعون المتعلقة بصحة العضوية للمحكمة الإدارية المختصة. أما المادة 97 فتواجه حالة خلو مكان أحد أعضاء المجلس قبل انتهاء مدته، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذه المواد لانتفاء مصلحة المدعي في الطعن عليها.
وحيث إنه على مقتضى ما تقدم، وكان نطاق الطعن في الدعوى الماثلة قد تحدد بالفقرة الأولى من المادة 76 والفقرة الثالثة من المادة 86 من نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 وكانت هاتان الفقرتان – قبل تعديلهما بالقانون رقم 145 لسنة 1988 – تقضيان بما يأتي:
المادة 76 فقرة أولى: “يقدم المرشح طلب الترشيح لعضوية المجلس الشعبي المحلي كتابة إلى المحافظة أو إلى إحدى وحدات الحكم المحلي الكائنة بنطاقها مرفقاً بها صورة معتمدة من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مبيناً بها إدراجه فيها وذلك خلال المدة التي يحددها المحافظ على ألا تقل عن عشرة أيام من تاريخ فتح باب الترشيح”.
المادة 86 فقرة ثالثة: “وينتخب أعضاء المجالس الشعبية المحلية طبقاً للقوائم الحزبية التي حصلت على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخاب، فإذا لم تتوافر الأغلبية المطلقة لأي من القوائم أعيد الانتخاب بين القائمتين اللتين حصلتا على أكبر عدد من الأصوات”.
وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على هاتين الفقرتين أنهما إذا قصرتا حق الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية على المنتمين إلى الأحزاب السياسية، فإنها تكون قد حرمت طائفة من المواطنين وهم غير المنتمين إلى الأحزاب من حق كفله لهم الدستور في المادة 62 منه وأخلت بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون المنصوص عليهما في المادتين 8، 40 من الدستور.
وحيث إن المادة 62 من الدستور التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني”. ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة – ومن بينها حق الترشيح الذي عنى الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء – اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة وذلك بطريق الانتخاب سواء على النطاق القومي في مجلسي الشعب والشورى أو على النطاق المحلي في المجالس الشعبية حسبما جرت به نصوص المواد 87، 162، 196 من الدستور. ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في مباشرة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين ومن ثم فإن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها وبمراعاة ألا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه في المادة 8 من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين “وفي المادة 40 من أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”، بما مؤداه امتناع فرض قيود على مباشرة الحقوق السياسية التي نص عليها الدستور في غير مقتض من طبيعتها أو متطلبات ممارستها.
وحيث إنه لما كان مؤدى الفقرة الأولى من المادة 76 والفقرة الثالثة من المادة 86 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981، أن المشرع حين نص على أن يكون انتخاب أعضاء المجالس الشعبية المحلية عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية وما استتبع ذلك من النص على اعتباره صورة قائمة الحزب الذي ينتمي إليه المرشح المثبت إدراجه فيها شرطاً حتمياً لقبول طلب ترشيحه، يكون قد قصر حق الترشيح لعضوية المجالس الشعبية المحلية على المنتمين إلى الأحزاب السياسية المدرجة أسماؤهم بقوائم هذه الأحزاب، وحرم بالتالي غير هؤلاء من ذلك الحق دون مقتض من طبيعته أو متطلبات مباشرته.
لما كان ذلك، وكان حق الترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين في المادة 62 منه، وفقاً لما سبق بيانه، ومن ثم فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق ينطوي على إهدار لأصله وإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون ويشكل بالتالي مخالفة للمواد 8، 40، 62 من الدستور.
وحيث إنه لا يقدح في هذا النظر ما ذهبت إليه الحكومة من أن الدستور لم يقيد المشرع في حرية المفاضلة بين نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة وأن اختيار المشرع لنظام الانتخاب بالقائمة الحزبية هو مما يدخل في نطاق سلطته التقديرية بما لا معقب عليه في ذلك من المحكمة الدستورية العليا التي لا يجوز لها أن تحل نفسها محل المشرع في هذا التقرير، ذلك أنه وإن كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، وكانت الرقابة على دستورية القوانين لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو ينال منه على نحو ما سلكته النصوص المطعون عليها إذ حرمت غير المدرجة أسماؤهم في القوائم الحزبية من حق الترشيح ومن ثم تكون هذه النصوص قد تعرضت لحقوق عامة كفلها الدستور وحرمت منها طائفة من المواطنين، فجاوز المشرع بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق الأمر الذي يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 76 والفقرة الثالثة من المادة 86 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 قبل تعديله بالقانون رقم 145 لسنة 1988.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 76 والفقرة الثالثة من المادة 86 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية