الخط الساخن : 01118881009
جلسة 15 إبريل سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: منير أمين عبد المجيد وفوزي أسعد مرقس ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور والدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (27)
القضية رقم 23 لسنة 8 قضائية “دستورية”
1- دستور – تشريع – مجلس الشورى – حق الترشيح – الرقابة الدستورية.
حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى من الحقوق السياسية الأساسية – النص في الدستور على حق الترشيح، لا ينبغي لسلطة التشريع النيل منه – التنظيم التشريعي لحق الترشيح لعضوية مجلس الشورى لا يعتبر من المسائل السياسية التي تنأى عن الرقابة الدستورية.
2 – دعوى دستورية “المصلحة فيها” – تشريع “تعديله” – مجلس الشورى.
تعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى بالقانون رقم 10 لسنة 1989 لا يحول دون النظر والفصل في الطعن عليها بعدم الدستورية ممن طبقت عليهم خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليهم.
3- دستور – الحقوق العامة “الحقوق السياسية”.
الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها.
4- دستور – تشريع – الحقوق العامة “الحقوق السياسية”.
القواعد التي يضعها المشرع تنظيماً للحقوق العامة ومنها الحقوق السياسية يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، وألا تخل القيود التي يفرضها في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة اللذين تضمنهما الدستور في المادتين (8)، (40) منه.
5 – دستور – حق الترشيح – مجلس الشورى.
قصر المشرع حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى على المنتمين إلى الأحزاب السياسية يحرم غيرهم من ذلك الحق دون مقتض من طبيعته أو متطلبات مباشرته، وينطوي على إهدار لأصله وإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بالمخالفة للمواد (8)، (40)، (62) من الدستور.
6- دستور – سلطة التشريع – الرقابة الدستورية – حق الترشيح.
الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، وأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور – تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو ينال منه، فإذا حرم منه طائفة من المواطنين، فإنه يكون قد جاوز دائرة التنظيم مما يخضع للرقابة الدستورية.
7- دستور – أحزاب سياسية – حق الترشيح.
الدستور إنما يستهدف من النص على تعدد الأحزاب العدول عن صيغة التنظيم السياسي الوحيد المتمثلة في الاتحاد الاشتراكي العربي، دون أن يجاوز ذلك إلى المساس بالحقوق والحريات العامة التي كفلها في المادة (62) منه، ومن بينها حق الترشيح.
1- إن القانون رقم 120 لسنة 1980 قد انطوى على النصوص التي تنظم حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى، وهو حق من الحقوق الأساسية للمواطن المصري ويقع موقع الصدارة من الحقوق الأساسية، ويتبوأ أعلى مكانه وأرفع منزلة منها، وإذ عنى الدستور بالنص عليه في المادة (62) منه فإن مؤدى ذلك أنه لا ينبغي لسلطة التشريع النيل من هذا الحق، وإلا وقع عملها بالضرورة في حومة المخالفة الدستورية – ما تناوله القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن الترشيح لعضوية مجلس الشورى لا يعتبر من المسائل السياسية التي تنأى عن الرقابة الدستورية وتكون عصية عليها، ومن ثم يكون الدفع المبدي من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا قائماً على غير أساس حقيقاً بالرفض.
2- تعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى – المطعون عليه – بمقتضى القانون رقم 10 لسنة 1989 لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية في شأن من طبق عليهم القانون رقم 120 لسنة 1980 خلال فترة نفاذه قبل تعديله وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستوريته.
3- إن الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور – ومن بينها حق الترشيح الذي عني الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء – اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة وذلك بطريق الانتخاب، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في مباشرة تلك الحقوق وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين.
4- القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً للحقوق العامة – ومنها الحقوق السياسية – يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، كما يتعين ألا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه في المادة (8) من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” وفي المادة (40) من أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة” بما مؤداه امتناع فرض قيود على مباشرة الحقوق السياسية التي نص عليها الدستور في غير مقتض من طبيعتها أو متطلبات ممارستها.
5 – مؤدى المادة (7) والفقرة الأولى من المادة (8) والمادة (10) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من القانون رقم 120 لسنة 1980 المطعون عليها – قبل تعديلها بالقانون رقم 10 لسنة 1989 – أن المشرع حين نص على أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية وما استتبع ذلك من النص على اعتبار صورة قائمة الحزب الذي ينتمي إليه المرشح المثبت إدراجه فيها شرطاً حتمياً لقبول طلب ترشيحه، يكون قد قصر حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى على المنتمين إلى الأحزاب السياسية المدرجة أسماؤهم بقوائم هذه الأحزاب، وحرم بالتالي غير هؤلاء من ذلك الحق دون مقتض من طبيعته أو متطلبات مباشرته. لما كان ذلك، وكان حق الترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين في المادة (62) منه، ومن ثم فإن حرمان طائفة من هذا الحق ينطوي على إهدار لأصله وإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون ويشكل بالتالي مخالفة للمواد (8)، (40)، (62) من الدستور.
6- الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، وأنه وإن كانت الرقابة على دستورية القوانين لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو ينال منه على نحو ما سلكته النصوص المطعون عليها، إذ حرمت غير المدرجة أسماؤهم في القوائم الحزبية من حق الترشيح، ومن ثم تكون هذه النصوص قد تعرضت لحقوق عامة كفلها الدستور وحرمت منها طائفة من الموطنين فجاوز المشرع بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذي يحتم إخضاعها لما تتولاه المحكمة الدستورية العليا من رقابة دستورية.
7- أن الدستور يستهدف من النص على تعدد الأحزاب العدول عن صيغة التنظيم السياسي الوحيد التي كانت متمثلة في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي اضطلع بمسئوليات العمل الوطني في المجالات المختلفة دون أن يجاوز ذلك إلى المساس بالحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور ومن بينها حق المواطن في الترشيح المنصوص عليه في المادة (62) منه باعتبار أن نصوص الدستور لا تنفصل عن أهدافها ويتعين تطبيقها مترابطة متكاملة.
الإجراءات
بتاريخ 7 أكتوبر سنة 1986 وردت إلى قلم كتاب المحكمة أوراق الدعوى رقم 5190 لسنة 40 قضائية من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة (دائرة منازعات الأفراد والهيئات). بعد أن قررت المحكمة بجلسة 23 سبتمبر سنة 1986 وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية النصوص التي تحرم المستقلين من الترشيح لعضوية مجلس الشورى والواردة في القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبولها أو برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أنه بتاريخ 19 أغسطس 1986 أقام المدعي الدعوى رقم 5190 لسنة 40 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية رقم 334 لسنة 1986 بشأن تحديد ميعاد 23 أغسطس 1986 موعداً لبدء قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشورى في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الشورى المنتخبين والحكم بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن مع إلزام المدعى عليهم متضامنين أن يؤدوا للمدعي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت، وأضاف المدعي في صحيفة دعواه أن دعوة الناخبين للترشيح لعضوية مجلس الشورى بشرط انتماء كل مرشح لأحد الأحزاب السياسية وإدراجه في قوائمه وفقاً لما يشترطه القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان والمواطن المصري وإن عدم انتمائه لحزب سياسي واستقلاله في الفكر والرأي لا يعني تجريده من حقوقه وحرياته العامة التي كفلها الدستور ومن بينها حق الترشيح لعضوية هذا المجلس ومن ثم فإن حرمانه من هذا الحق ينطوي على مخالفة لأحكام المادتين 40، 62 من الدستور.
وحيث إن محكمة القضاء الإداري – بعد استعراضها لبعض نصوص القانون رقم 120 لسنة 1980 المشار إليه – قد استخلصت أن قرار وزير الداخلية المطعون فيه يستند إلى نصوص القانون المذكور وأن هذه النصوص قد تبنت نظام الانتخاب عن طريق القوائم الحزبية وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع بعدم دستورية هذا النظام وتراءى لها مخالفته للمواد 8، 40، 47، 62 من الدستور فقد قضت بجلسة 23 سبتمبر سنة 1986 بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل برفض وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبوقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية النصوص التي تحرم المستقلين من الترشيح لعضوية مجلس الشورى والواردة في القانون رقم 120 لسنة 1980 المشار إليه.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن العدول عن نظام الانتخاب الفردي إلى نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 المطعون عليه هو من المسائل السياسية التي تتصل بالنظام السياسي الداخلي الذي أصبح قائماً على نظام تعدد الأحزاب السياسية بعد أن كان قائماً قبل تعديل المادة الخامسة من الدستور في 22 مايو سنة 1980 على أساس التنظيم السياسي الواحد وهو ينأى بهذه المثابة عن رقابة المحكمة الدستورية العليا ويتأبى عليها لخروجه عن اختصاصها بما يستتبعه من تنظيم عملية الترشيح لانتخابات هذا المجلس.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن القانون رقم 120 لسنة 1980 المطعون عليه قد انطوى على النصوص التي تنظم حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى وهو حق من الحقوق الأساسية للمواطن المصري ويقع موقع الصدارة من الحقوق الأساسية ويتبوأ أعلى مكانه وأرفع منزلة منها، وإذ عني الدستور بالنص عليه في المادة 62 منه فإن مؤدى ذلك أنه لا ينبغي لسلطة التشريع النيل من هذا الحق وإلا وقع عملها بالضرورة في حومة المخالفة الدستورية – لكل أولئك فإن ما تناوله القانون رقم 120 لسنة 1980 المشار إليه في شأن الترشيح لعضوية مجلس الشورى لا يعتبر من المسائل السياسية التي تنأى عن الرقابة الدستورية وتكون عصية عليها، ومن ثم يكون الدفع المبدي من الحكومة بعدم اختصاص المحكمة قائماً على غير أساس حقيقاً بالرفض.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء مصلحة المدعي إذ لم يقدم في الميعاد أوراق ترشيحه لعضوية مجلس الشورى في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء المجلس المنتخبين وأنه لن يترتب على الفصل في الدعوى الدستورية ترشيحه لعضوية المجلس المذكور.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن المدعي بادر – أثر صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 337 لسنة 1986 بدعوة الناخبين إلى انتخاب أعضاء مجلس الشورى الذين يحلون محل من انتهت عضويتهم من الأعضاء المنتخبين – برفع دعواه أمام محكمة القضاء الإداري طاعناً على قرار وزير الداخلية رقم 334 لسنة 1986 بشأن تحديد ميعاد قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشورى الذي ارتكز على نصوص تشريعية تتمثل بذاتها عقبة قانونية تحول بينه وبين تقديم أوراق ترشيحه إذ توجب أن تطوي هذه الأوراق على ما يثبت انتماء المرشح إلى حزب سياسي متمثلاً في صورة معتمدة من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مثبتاً بها إدراجه فيها كشرط حتمي لقبول هذه الأوراق، ومن ثم فلا سند للقول بإلزام المدعي – حتى تتحقق مصلحته في الدعوى الماثلة – بضرورة تقديم أوراق ترشيحه حتى ترفض حتماً من الجهة المختصة بتلقي هذه الأوراق تنفيذاً لنصوص قانونية هي بذاتها محل الطعن الدستوري الماثل وقد اتخذ المدعي سبيله إلى الطعن فيها أمام الجهة القضائية المختصة فور صدور القرار الجمهوري بدعوة الناخبين ومن ثم فإن مصلحة المدعي في الطعن الماثل تكون قائمة دون أن يقدح في ذلك ما رددته الحكومة من أنه لن يترتب على الفصل في الدعوى الدستورية ترشيح المدعي لعضوية المجلس سالف الذكر ذلك أن مصلحة المدعي في الطعن تتحقق بإعمال أحكام القانون المطعون عليه في حقه خاصة وأن الدعوى الموضوعية ما زالت مطروحة أمام محكمة القضاء الإداري بما تضمنته من طلبات ترتكز جميعها على الطعن بعدم دستورية القانون رقم 120 لسنة 1980 المشار إليه، ويعتبر هذا الطعن أساساً لها، ومن ثم فإن طلب الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة يكون في غير محله متعيناً رفضه.
وحيث إن تعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 – المطعون فيه – بمقتضى القانون رقم 10 لسنة 1989 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية في شأن من طبق عليهم القانون رقم 120 لسنة 1980 خلال فترة نفاذه قبل تعديله وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن بعدم دستوريته، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع التي تتم في ظلها أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين. ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل القانون القديم تخضع لحكمه وحده. لما كان ذلك وكان القانون رقم 120 لسنة 1980 المطعون فيه قد طبق على المدعي وأعملت في حقه أحكامه إذ حرمه من حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى، وظلت آثاره – وهي بقاؤه محروماً من حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى – قائمة بالنسبة إليه طوال مدة نفاذه وكانت الدعوى الموضوعية مازلت مطروحة أمام محكمة القضاء الإداري بما تضمنته من طلبات تستند جميعها على الطعن بعدم دستورية القانون رقم 120 لسنة 1980 المطعون فيه ويعتبر هذا الطعن أساساً لها على ما سلف بيانه، ومن ثم فإن مصلحة المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة تظل قائمة.
وحيث إن المواد 7، 8 فقرة أولى و10، 12 فقرة أولى وثانية من القانون رقم 120 لسنة 1980 كانت تنص قبل تعديلها بالقانون رقم 10 لسنة 1989 المشار إليه على ما يأتي:
المادة 7:
“يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية ويعين لكل قائمة رمز يصدر به قرار من وزير الداخلية.
ويجب أن تتضمن كل قائمة عدداً من المرشحين مساوياً للعدد المطلوب انتخابه في الدائرة وعدداً من الاحتياطيين طبقاً للجدول المرافق على أن يكون نصف المرشحين أصلياً واحتياطياً على الأقل من العمال والفلاحين.
وعلى الناخب أن يبدي رأيه باختيار إحدى القوائم بأكملها وتبطل الأصوات التي تنتخب أكثر من قائمة أو مرشحين من أكثر من قائمة.
وكذلك تبطل جميع الآراء المعلقة على شرط أو التي تعطى لأكثر أو أقل من العدد المطلوب انتخابه أو إذا أثبت الناخب رأيه على قائمة غير التي سلمها إليه رئيس اللجنة أو على ورقة عليها توقيع الناخب أو أية إشارة أو علامة أخرى تدل عليه”.
المادة 8 فقرة 1:
“يقدم المرشح طلب الترشيح لعضوية مجلس الشورى كتابة إلى مديرية الأمن بالمحافظة التي يرشح في دائرتها مرفقاً بها صورة معتمدة من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مثبتاً بها إدراجه فيها، وذلك خلال المدة التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه على ألا تقل عن خمسة عشر يوماً من تاريخ فتح باب الترشيح”.
المادة (10):
“إذا لم تقدم في الدائرة الانتخابية أكثر من قائمة حزبية أجري الانتخاب في ميعاده ويعلن انتخاب المرشحين الواردة أسماؤهم بالقائمة المقدمة ما دامت قد حصلت على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة التي أعطيت بشرط ألا يقل عدد هذه الأصوات عن 20% من مجموعة الناخبين”.
المادة 12 فقرة 1 و2:
“ينتخب أعضاء مجلس الشورى طبقاً للقوائم الحزبية التي حصلت على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخاب.
فإذا لم تتوفر الأغلبية المطلقة لأي من القوائم في الدائرة الانتخابية أعيد الانتخاب بين القائمتين اللتين حصلتا على أكبر عدد من الأصوات”.
وحيث إن مبني الطعن على النصوص التشريعية سالفة الذكر أنها قصرت حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى على المنتمين إلى الأحزاب السياسية وبذلك تكون قد حرمت طائفة من المواطنين وهم غير المنتمين إلى الأحزاب السياسية من حق كفله لهم الدستور في المادة 62 منه وأخلت بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما في المادتين 8، 40 من الدستور.
وحيث إن المادة (62) من الدستور التي وردت في الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون. ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني”.
ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها في هذه المادة – ومن بينها حق الترشيح الذي عني الدستور بالنص عليه صراحة مع حقي الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء – اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة وذلك بطريق الانتخاب، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في مباشرة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين ومن ثم فإن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها كما يتعين ألا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه في المادة (8) من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” وفي المادة (40) من أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. بما مؤداه امتناع فرض قيود على مباشرة الحقوق السياسية التي نص عليها الدستور في غير مقتض من طبيعتها أو متطلبات ممارستها.
وحيث إنه لما كان مؤدى المادة (7) والفقرة الأولى من المادة (8) والمادة (10) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من القانون رقم 120 لسنة 1980 المطعون عليها – قبل تعديلها بالقانون رقم 10 لسنة 1989 المشار إليه – أن المشرع حين نص على أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية وما استتبع ذلك من النص على اعتبار صورة قائمة الحزب الذي ينتمي إليه المرشح المثبت إدراجه فيها شرطاً حتمياً لقبول طلب ترشيحه، يكون قد قصر حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى على المنتمين إلى الأحزاب السياسية المدرجة أسماؤهم بقوائم هذه الأحزاب، وحرم بالتالي غير هؤلاء من ذلك الحق دون مقتض من طبيعته أو متطلبات مباشرته.
لما كان ذلك، وكان حق الترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمواطنين في المادة (62) منه وفقاً لما سبق بيانه، ومن ثم فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق ينطوي على إهدار لأصله وإخلال بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون ويشكل بالتالي مخالفة للمواد 8، 40، 62 من الدستور.
وحيث إنه لا يقدح في هذا النظر ما ذهبت إليه الحكومة من أن الدستور لم يقيد المشرع في حرية المفاضلة بين نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة وأن اختيار المشرع لنظام الانتخاب بالقائمة هو مما يدخل في نطاق سلطته التقديرية بما لا معقب عليه في ذلك من المحكمة الدستورية العليا التي لا يجوز أن تحل نفسها محل المشرع في هذا التقدير، ذلك أنه وإن كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بقيود محددة، وكانت الرقابة على دستورية القوانين لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن هذا لا يعني إطلاق هذه السلطة في سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الترشيح ينبغي ألا يعصف بهذا الحق أو ينال منه على نحو ما سلكته النصوص المطعون عليها إذ حرمت غير المدرجة أسماؤهم في القوائم الحزبية من حق الترشيح ومن ثم تكون هذه النصوص قد تعرضت لحقوق عامة كفلها الدستور وحرمت منها طائفة من الموطنين فجاوز المشرع بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق الأمر الذي يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث إنه لا ينال كذلك مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن مباشرة الحقوق السياسية ومن بينها حق الترشيح أصبح غير جائز إلا من خلال الانتماء إلى الأحزاب السياسية بعد تعديل المادة الخامسة من الدستور ونصها على أن النظام السياسي يقوم على أساس تعدد الأحزاب السياسية، ذلك أن الدستور إنما يستهدف من النص على تعدد الأحزاب العدول عن صيغة التنظيم السياسي الوحيد التي كانت متمثلة في الاتحاد الاشتراكي العربي الذي اضطلع بمسؤوليات العمل الوطني في المجالات المختلفة دون أن يجاوز ذلك إلى المساس بالحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور ومن بينها حق المواطن في الترشيح المنصوص عليه في المادة 62 منه باعتبار أن نصوص الدستور لا تنفصل عن أهدافها ويتعين تطبيقها مترابطة متكاملة.
وحيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية المادة (7) والفقرة الأولى من المادة (8) والمادة (10) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى قبل تعديله بالقانون رقم 10 لسنة 1989.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (7) والفقرة الأولى من المادة (8) والمادة (10) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (12) من القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى قبل تعديله بالقانون رقم 10 لسنة 1989.
وسوم : حكم دستورية