الخط الساخن : 01118881009
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفي حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: فوزي أسعد مرقس ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور والدكتور عوض محمد المر وواصل علاء الدين ومحمد ولي الدين جلال – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (23)
القضية رقم 13 لسنة 8 قضائية “دستورية”
1- تشريع – لوائح تنفيذية.
الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع واستثناء من هذا الأصل عهد الدستور إليها في حالات محدودة بأعمال لا تدخل في نطاق الأعمال التشريعية ومنها إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين.
2- دستور – لوائح تنفيذية – اختصاص.
قصر الدستور الجهات التي تختص بإصدار اللوائح التنفيذية على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك أو من يعينه القانون لإصدارها – الامتناع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص.
3- قانون – لوائح تنفيذية – اختصاص.
تعيين القانون جهة معينة لإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه مؤداه استقلالها دون غيرها بإصدارها.
4- قانون “إيجار الأماكن” – لوائح تنفيذية – حكم محلي – اختصاص.
النص في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 على جواز مد نطاق سريان أحكام الباب الأول من هذا القانون على القرى بقرار من وزير الإسكان والتعمير بناء على اقتراح المجلس المحلي للمحافظة، وعلى المناطق السكنية التي لا ينطبق عليها قانون نظام الحكم المحلي – مؤداه اختصاص وزير الإسكان والتعمير دون غيره بإصدار القرارات المنفذة لهذا النص.
5- قانون “إيجار الأماكن” – قرار رئيس الجهورية رقم 272 لسنة 1982 – لوائح تنفيذية – اختصاص.
استبدال المادة (2/ 1) من قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 الاختصاص اللائحي لوزير الإسكان المنصوص عليه في المادة (2/ 1) من القانون رقم 49 لسنة 1977 بنقله إلى المحافظ المختص، ينطوي على تعديل للاختصاص الدستوري بإصدار اللوائح التنفيذية بالمخالفة للمادة (144) من الدستور.
6- دعوى دستورية “المصلحة فيها”.
الطعن بعدم دستورية نص سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستوريته – انتفاء المصلحة في الدعوى – أثره، عدم قبول الدعوى.
7- دعوى دستورية “المصلحة فيها” – تشريع “إلغاؤه – سريانه من حيث الزمان”.
إلغاء النص المطعون عليه لا يحول دون الفصل في الطعن بعدم دستوريته ممن طبق عليهم خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم تتحقق بإبطالها مصلحتهم الشخصية المباشرة في الطعن بعدم الدستورية – أساس ذلك، القاعدة العامة في سريان القانون من حيث الزمان بسريان القاعدة القانونية على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، وأن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظلها تخضع لحكمها وحده – مثال بشأن قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984.
8- لوائح تنفيذية – حكم محلي – اختصاص.
استهداف المشرع من المادة (27/ 1) من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 أن يباشر المحافظون بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية المقررة للوزارة في هذا الصدد، دون أن يتعدى ذلك إلى الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية التي تكون القوانين قد عهدت بها إلى الوزراء.
1- الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساساً علي أعمال القوانين وأحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذا الأصل وتحقيقاً لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها في حالات محددة أعمالاً تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين.
2، 3- النص في المادة (144) من الدستور على أن “يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها وله أن يفوض غيره في إصدارها ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه”، مؤداه أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التي تختص بإصداره اللوائح التنفيذية، فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك، أو من يعينه القانون لإصدارها بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستوري وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً لنص المادة (144) من الدستور. ومن ثم فإنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها.
4- إن القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن المؤجرة وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981، حدد في بعض نصوصه الأحكام التي يتوقف تنفيذها على صدور قرار من وزير الإسكان والتعمير، من بينها ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الأولي من أنه “يجوز بقرار من وزير الإسكان والتعمير مد نطاق سريان أحكام الباب الأول منه كلها أو بعضها على القرى بناء على اقتراح المجلس المحلي للمحافظة، وكذلك على المناطق السكنية التي لا ينطبق عليها قانون نظام الحكم المحلي…….” وطبقاً لهذا النص، وإعمالاً لحكم المادة (144) من الدستور، يكون وزير الإسكان والتعمير هو المختص دون غيره بإصدار القرارات المنفذة للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه.
5، 6 – إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 17 مايو 1986 في القضية رقم 5 لسنة 5 قضائية “دستورية” بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 فيما تضمنته من استبدال عبارة “المحافظ المختص” بعبارة “وزير الإسكان” الواردة بالفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك تأسيسا علي مخالفتها لنص المادة 144 من الدستور لانطوائها على تعديل للاختصاص الدستوري بإصدار اللوائح التنفيذية الذي سبق وأن عين القانون رقم 49 لسنة 1977 من له الحق في ممارسته فحصره في وزير الإسكان والتعمير الذي يستقل منذ العمل بهذا القانون بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ الفقرة الثانية من مادته الأولى. إذ كان كذلك، وكان قضاء هذه المحكمة في هذا النطاق له حجية مطلقة حاسمة للخصومة بشأن دستوريتها حسماً قاطعاً مانعاً من نظر أي طعن يثور من جديد بشأنها، فإن المصلحة في هذا الشق من الدعوى الماثلة تكون قد انتفت ويتعين الحكم بعدم قبولها.
7 – أنه بالنسبة لقرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 – المطعون عليه – فإنه وإن كان وزير الإسكان والمرافق قد أصدر القرار الوزاري رقم 440 لسنة 1986 الذي قضى في مادته الأولى بسريان أحكام الباب الأول من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على بعض قرى مركز سنورس ومن بينها قرية سنهور القبلية، إلا أن هذا القرار الذي عمل به اعتباراً من اليوم التالي لنشره في 24 سبتمبر 1987 لا ينسحب إلى الفترة التي كان فيها قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 قائماً نافذاً، ولا تعتبر به الخصومة في الدعوى الراهنة منتهية، ذلك إن الإلغاء التشريعي لهذا القرار لا يحول دون الفصل في الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم تتحقق بإبطالها مصلحتهم الشخصية المباشرة في الطعن عليه بعدم الدستورية، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل القاعدة القديمة تخضع لحكمها. لما كان ذلك وكان وزير الإسكان والتعمير – وإعمالاً لنص المادة 144 من الدستور – هو المختص دون غيره بإصدار القرارات المنفذة للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 وكان قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 – وهو القرار المطعون عليه – قد صدر استناداً إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 الذي سبق أن انتهت هذه المحكمة إلى عدم دستورية الفقرة الثانية من مادته الأولى فيما تضمنته من استبدال عبارة “المحافظ المختص” بعبارة “وزير الإسكان” الواردة بالفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ومنتحلاً سلطة وزير الإسكان بعد أن عينه القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه لإصدار اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذ أحكامه، ومن بينها القرارات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الأولي منه، فإن قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 – بوصفه لائحة تنفيذية لذلك القانون – إذ نص على مد نطاق بعض أحكامه على بعض القرى الواقعة في دائرة محافظة الفيوم، يكون مشوباً بعيب دستوري لصدوره من سلطة غير مختصة بالمخالفة لحكم المادة 144 من الدستور الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم دستوريته.
8- إن ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 27 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 من أن “يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التي تدخل في اختصاص وحدات الحكم المحلي وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح، ويكون المحافظ في دائرة اختصاصه رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية “وقد استهدف به المشرع تنظيم الأمور المتعلقة بنظام الحكم المحلي بإنشاء وحدات إدارية تتولي ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق الواقعة في دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية لوزاراتها المختلفة، وقصد المشرع بنص المادة 27/ 1 المشار إليها أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء في هذا الصدد دون أن يتعدي ذلك إلى الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية، والتي تكون القوانين قد عهدت بها إلى الوزراء والتي لا يتسع لها مدلول عبارة السلطات والاختصاصات التنفيذية الواردة بنص المادة (27) المشار إليها.
الإجراءات
بتاريخ أول يونيو 1986 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 60 لسنة 1986 مدني مستأنف الفيوم، بعد أن قررت محكمة الفيوم الابتدائية بجلسة 22 إبريل سنة 1986 وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية كل من قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 في شأن نقل بعض الاختصاصات إلى الحكم المحلي، وقرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 بمد نطاق سريان بعض أحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إلى قرية سنهور القبلية مركز سنورس.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أولاً بعدم قبول الدعوى بالنسبة لقرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982، وثانياً تفويض الرأي للمحكمة بالنسبة إلى قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 المشار إليهما.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أنه بتاريخ 12 سبتمبر سنة 1984 أقام ورثة المرحوم…….. الدعوى رقم 1816 لسنة 1984 مدني كلي الفيوم ضد المدعى عليه وطلبوا في ختام صحيفتها الحكم بإنهاء عقد إيجار العين المؤجرة إليه الكائنة بقرية سنهور القبلية مركز سنورس الفيوم مع إخلائها وتسليمها إليهم وذلك تأسيساً على أن العلاقة الإيجارية التي قامت بين مورثهم والمدعى عليه في شأن تلك العين لا تحكمها التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن ولكنها تخضع لأحكام القانون المدني باعتبار أن العين المؤجرة تقع بقرية سنهور القبلية التي لم يصدر قرار من وزير الإسكان والمرافق بإخضاعها لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن المؤجرة وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. ومحكمة الفيوم الابتدائية قضت بجلسة 28 فبراير سنة 1985 بعدم اختصاصها قيمياً بنظر الدعوى المشار إليها وبإحالتها إلى محكمة سنورس الجزئية. وكانت هذه المحكمة قد انتهت بجلستها في 21 يناير سنة 1986 إلى رفض الدعوى استناداً إلى امتداد نطاق سريان القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه إلى القرية الكائنة بها العين المؤجرة محل النزاع بموجب قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984، وأن عقد إيجار تلك العين يكون بالتالي قد امتد بحكم القانون لمدة غير محددة ويكون طلب إخلائها غير قائم على أساس من القانون، وإذ طعن المدعون في هذا الحكم أمام محكمة الفيوم الابتدائية، وقيد استئنافهم برقم 60 لسنة 1986 مدني مستأنف الفيوم، وتراءى لهذه المحكمة عدم دستورية قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 الصادر بناء على التفويض المخول للمحافظين بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 في شأن نقل بعض الاختصاصات إلى الحكم المحلي، فقد قررت بجلستها المنعقدة في 23 إبريل سنة 1986 وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذين القرارين تأسيساً على أن ما أوردته في أسباب قرارها من أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 تجيز لوزير الإسكان والتعمير مد نطاق سريان أحكام الباب الأول من هذا القانون كلها أو بعضها على القرى، وأنه إذ كان قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 قد نقل هذا الاختصاص إلى المحافظين بما نص عليه في الفقرة الثانية من مادته الأولى من استبدال عبارة “المحافظ المختص” بعبارة “وزير الإسكان” أينما وردت في القوانين واللوائح المعمول بها في المجالات الموضحة بهذا القرار ومن بينها تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فإن قرار رئيس الجمهورية المشار إليه وقرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 الصادر استناداً إليه يكونان قد عدلا من حكم القانون رقم 49 لسنة 1977 حال أنهما لم يصدرا عن السلطة التشريعية ولا بتفويض منها، ولا عن رئيس الجمهورية بالتطبيق لأحكام المادة 147 من الدستور، ومن ثم يكون هذان القراران قد خالفا المواد 108 و144 و147 من الدستور.
وحيث إن الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع، وإنما يقوم اختصاصها أساسا علي أعمال القوانين وأحكام تنفيذها، غير أنه استثناء من هذه الأصل وتحقيقاً لتعاون السلطات وتساندها، فقد عهد الدستور إليها في حالت محددة أعمالاً لا تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، ومن ذلك إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين. فنصت المادة 144 من الدستور على أن “يصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها ويجوز أن يعين القانون من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه”، ومؤدى هذا النص أن الدستور حدد على سبيل الحصر الجهات التي تختص بإصداره اللوائح التنفيذية، فقصرها على رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ذلك، أن من يعينه القانون لإصدارها، بحيث يمتنع على من عداهم ممارسة هذا الاختصاص الدستوري وإلا وقع عمله اللائحي مخالفاً لنص المادة 144 المشار إليها، كما أنه متى عهد القانون إلى جهة معينة بإصدار القوانين اللازمة لتنفيذه، استقل من عينه القانون دون غيره بإصدارها.
وحيث إن القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن المؤجرة وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981، حدد في بعض نصوصه الأحكام التي يتوقف تنفيذها على صدور قرار من وزير الإسكان والتعمير، من بينها ما نصت عليه الفقرة الثانية من مادته الأولي من أنه “يجوز بقرار من وزير الإسكان والتعمير مد نطاق سريان أحكام الباب الأول منه كلها أو بعضها على القرى بناء على اقتراح المجلس المحلي للمحافظة، وكذلك على المناطق السكنية التي لا ينطبق عليها قانون نظام الحكم المحلي……” وطبقاً لهذا النص، وإعمالاً لحكم المادة 144 من الدستور – على ما تقدم بيانه – يكون وزير الإسكان والتعمير هو المختص دون غيره بإصدار القرارات المنفذة للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 في شأن نقل بعض الاختصاصات إلى الحكم المحلي بعد أن نص في الفقرة الأولى من مادته الأولى على أن “تنقل إلى الوحدات المحلية كل في دائرة اختصاصها، الاختصاصات التي تباشرها وزارة الإسكان وفقاً للقوانين واللوائح والقرارات المعمول بها في المجالات الآتية:…… تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر…..” نص في الفقرة الثانية منها – المطعون عليها – على أن “ويستبدل بعبارتي وزارة الإسكان ووزير الإسكان عبارتا المحافظة المختصة والمحافظ المختص أينما وردتا في القوانين واللوائح والقرارات المعمول بها في المجالات السابقة”، وكان مؤدى هذا الاستبدال – وفي نطاق الدعوى الراهنة – نقل اختصاصات وزير الإسكان اللائحي المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 إلى المحافظين كل في نطاق محافظته.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 17 مايو 1986 في القضية رقم 5 لسنة 5 قضائية “دستورية” بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 فيما تضمنته من استبدال عبارة “المحافظ المختص” بعبارة “وزير الإسكان” الواردة بالفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك تأسيسا علي مخالفتها لنص المادة 144 من الدستور لانطوائها على تعديل للاختصاص الدستوري بإصدار اللوائح التنفيذية الذي سبق وأن عين القانون رقم 49 لسنة 1977 من له الحق في ممارسته فحصره في وزير الإسكان والتعمير الذي يستقل منذ العمل بهذا القانون بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ الفقرة الثانية من مادته الأولى. إذا كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة في هذا النطاق له حجية مطلقة حاسمة للخصومة بشأن دستوريتها حسماً قاطعاً مانعاً من نظر أي طعن يثور من جديد بشأنها، فإن المصلحة في هذا الشق من الدعوى الماثلة تكون قد انتفت ويتعين الحكم بعدم قبولها.
وحيث إنه بالنسبة لقرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 المطعون عليه – فإنه وإن كان وزير الإسكان والمرافق قد أصدر القرار الوزاري رقم 440 لسنة 1986 الذي قضى في مادته الأولى بسريان أحكام الباب الأول من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على بعض قرى مركز سنورس ومن بينها قرية سنهور القبلية، إلا أن هذا القرار الذي عمل به اعتباراً من اليوم التالي لنشره في 24 سبتمبر 1987 لا ينسحب إلى الفترة الذي كان فيها قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 قائماً نافذاً، ولا تعتبر به الخصومة الراهنة منتهية، ذلك أن الإلغاء التشريعي لهذا القرار لا يحول دون الفصل في الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم تتحقق بإبطالها مصلحتهم الشخصية المباشرة في الطعن عليه بعدم الدستورية، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، ومن ثم فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل القاعدة القديمة تخضع لحكمها وحدها. لما كان ذلك وكان وزير الإسكان والتعمير – وإعمالاً لنص المادة 144 من الدستور – هو المختص دون غيره بإصدار القرارات المنفذة للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه علي ما تقدم بيانه، وكان قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 – وهو القرار المطعون عليه – قد صدر استناداً إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 272 لسنة 1982 الذي سبق أن انتهت هذه المحكمة إلى عدم دستورية الفقرة الثانية من مادته الأولى فيما تضمنته من استبدال عبارة “المحافظ المختص” بعبارة “وزير الإسكان” الواردة بالفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ومنتحلاً سلطة وزير الإسكان بعد أن عينه القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه لإصدار اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذ أحكامه، ومن بينها القرارات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الأولى منه، فإن قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984 – بوصفه لائحة تنفيذية لذلك القانون – إذ نص على مد نطاق بعض أحكامه على بعض القرى الواقعة في دائرة محافظة الفيوم، يكون مشوباً بعيب دستوري لصدوره من سلطة غير مختصة بالمخالفة لحكم المادة 144 من الدستور الأمر الذي يتعين معه الحكم بعدم دستوريته.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 27 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 من أن “يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التي تدخل في اختصاص وحدات الحكم المحلي وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح، ويكون المحافظ في دائرة اختصاصه رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية”، ذلك أن القانون المشار إليه استهدف تنظيم الأمور المتعلقة بنظام الحكم المحلي بإنشاء وحدات إدارية تتولي ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة في دائرتها نقلا إليها من الحكومة المركزية لوزاراتها المختلفة، وقصد المشرع بنص المادة 27/ 1 المشار إليها أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء في هذا الصدد دون أن يتعدى ذلك إلى الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية، والتي تكون القوانين قد عهدت بها إلى الوزراء والتي لا يتسع لها مدلول عبارة السلطات والاختصاصات التنفيذية الواردة بنص المادة (27) المشار إليها.
وحيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بعدم دستورية قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى القرار الجمهوري رقم 272 لسنة 1982 فيما تضمنته الفقرة الثانية من المادة الأولى منه من استبدال عبارة “المحافظ المختص” بعبارة “وزير الإسكان” الواردة في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
ثانياً: بعدم دستورية قرار محافظ الفيوم رقم 277 لسنة 1984.
وسوم : حكم دستورية