الخط الساخن : 01118881009
جلسة 7 مارس سنة 1992
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (25)
القضية رقم 43 لسنة 7 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “إجراءات رفعها” – نظام عام.
الأوضاع الإجرائية المتعلقة برفع الدعوى الدستورية بطريق الدفع أمام محكمة الموضوع وبميعاد رفعها، من النظام العام – كون أحد المدعين وحده هو الذى اتهم فى الدعوى الموضوعية وأثار الدفع بعدم الدستورية، مؤداه، عدم اتصال دعوى من عداه بالمحكمة الدستورية العليا وبالتالى عدم قبولها.
2 – مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات – قانون – قرارات لائحية – لوائح تفويضية – لوائح تنفيذية.
الأصل كون التجريم والعقاب بيد السلطة التشريعية – النص فى المادة 66 من الدستور على أن “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون”، تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم والعقاب، توكيدا لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد أفعالا تعد جرائم وعقابها لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية وفى الحدود التى يبينها القانون الصادر عنها – هذه القرارات ليست من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة 108 من الدستور، ولا هى من اللوائح التنفيذية التى نظمتها المادة 144 منه.
3 – قرارات لائحية “الاختصاص بإصدارها” – تموين – تسعير جبرى – تدابير – عقوبة.
إناطة السلطة التشريعية – فى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 – بوزير التموين دون غيرة اتخاذ التدابير المتعلقة بإنتاج أى مادة أو سلعة ونقلها وتداولها واستهلاكها بما فى ذلك توزيعها وتقرير عقوبات أقل من المنصوص عليها فيهما على مخالفة هذه التدابير – تجريم المادة الثانية من قرار محافظ سوهاج رقم 33 لسنة 1985 حيازة وتخزين تجار المحافظة لبعض هذه السلع، انتحال لاختصاص ينفرد به وزير التموين، واغتصاب لسلطته بالمخالفة للمادة 66 من الدستور.
4 – اختصاص – إدارة محلية – لوائح تنفيذية – قرارات لائحية.
النص فى المادة 27/ 1 من قانون الإدارة المحلية على أن يتولى المحافظ فى دائرة اختصاصه جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح، ورئاسته لجميع الأجهزة والمرافق المحلية – استهدافه أن يباشر المحافظون بوصفهم رؤساء الاجهزة والمرافق العامة التابعة لهم، السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء ذات الطبيعة الإدارية، دون مجاوزة ذلك إلى الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذيه أو إصدار قرارات لائحية تتحدد بها بعض جوانب التجريم والعقاب، كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الاختصاص فى أى من الحالتين للوزراء.
5 – اختصاص – إدارة محلية – لوائح تنفيذية – قرارات لائحية – تفويض.
تعيين القانون وزير معينا لإصدار اللوائح التنفيذية أو القرارات اللائحية – الاختصاص فى الحالتين لا تشمله عبارة “السلطات والاختصاصات التنفيذية” التى ناطت المادة 7/ 1 من قانون نظام الإدارة المحلية بالمحافظين مباشرتها – عدم جواز تفويض الوزير غيره فى هذا الاختصاص.
1 – إن المشرع – بما نص عليه البند (ب) من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا – قد دل على أن الدعوى الدستورية لا ترفع من الخصم إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده، بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر، وهذه الأوضاع الإجرائية تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالا جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة قوامها انتظام التداعى فى المسائل الدستورية بالإجراءات التى رسمها وفى الموعد الذى حدده، إذ كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المدعى الثالث وحده – دون المدعين الآخرين – هو الذى اتهم فى الدعوى الموضوعية وأثار الدفع بعدم دستورية القرار المطعون فيه، فإن دعوى المدعين الأول والثانى والرابع لا تكون قد اتصلت بهذه المحكمة وفقا للأوضاع التى نص عليها قانونها، ويتعين بالتالى الحكم بعدم قبولها.
2 – إن المادة 66 من الدستور تنص على أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”، وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن حكم هذا النص لا يعدو أن يكون توكيدا لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب، وذلك لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية الأصلية وفى الحدود التى يبينها القانون الصادر عنها، وإذ يعهد المشرع إلى السلطة التنفيذية بهذا الاختصاص، فإن عمله لا يعتبر من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة 108 من الدستور، ولا يندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التى نظمتها المادة 144 منه، وإنما مرد الأمر فى تقرير هذا الاختصاص إلى نص المادة 66 من الدستور التى تنطوى على تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم والعقاب.
3 – لما كانت الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية تتمثل فى قيام المدعى – بوصفه أحد التجار بمحافظة سوهاج – بحيازة وتخزين كميات من السمسم مخالفا بذلك الحظر المنصوص عليه فى قرار محافظ سوهاج رقم 33 لسنة 1985 المطعون عليه، وكان هذا الحظر لا يعدو أن يكون قيدا على تداول سلعة من السلع التموينية هى السمسم، وهو قيد ناطت السلطة التشريعية اتخاذه بوزير التموين دون غيره، إذ يختص هذا الوزير – لضمان تموين البلاد وتوفير العدالة فى توزيع المواد التموينية وبعد موافقة لجنة التموين العليا – بإصدار القرارات المنصوص عليها فى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ويندرج تحتها فرض القيود على إنتاج أى مادة أو سلعة وتداولها واستهلاكها بما فى ذلك توزيعها، كذلك فرض قيود على نقل أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى، وهى قيود حددت الفقرة الرابعة من المادة 56 من المرسوم بقانون المشار إليها الجزاء على مخالفتها بقولها: “يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى هذه المادة على مخالفة أحكام قرارات وزير التموين والتجارة الداخلية الصادرة تنفيذا لهذا القانون، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل…”، وهذا النهج الذى التزمه المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945، احتذاه كذلك المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح، ذلك أنه بعد أن خول هذا المرسوم بقانون وزير التموين فى المادة الخامسة منه أن يتخذ بقرارات يصدرها التدابير المتعلقة بتعيين المقادير التى يجوز شراؤها أو تملكها أو حيازتها من أية سلعة، وبتقرير الوسائل اللازمة لمنع التلاعب بأسعار السلع والمواد الخاضعه لأحكام ذلك المرسوم بقانون وتعيين مواصفاتها، وبإلزام أصحاب المصانع والمستوردين بتسليم مقادير معينة من أى سلعة أو مادة إلى الجمعيات التعاونية لتقوم بعرضها للبيع لأعضائها، نص فى الفقرة الأخيرة من مادته التاسعة على أن “يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة على مخالفة القرارات التى تصدر تنفيذا للمادة 5 من هذا القانون، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل”. لما كان ذلك، وكان المشرع على ما تقدم بيانه، قد عهد إلى وزير التموين دون غيره – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد والسلع ولتحقيق العدالة فى توزيعها مع الالتزام بجداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون، فإن تجريم المادة الثانية من القرار المطعون عليه الصادر من محافظ سوهاج للواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية، لا يعدو أن يكون انتحالا لاختصاص مقرر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد بإتخاذها وفقا لأحكام كل من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 المشار إليهما، واغتصابا لسلطته فى هذا المجال، ومن ثم يقع حكم المادة الثانية من القرار المشار اليه فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه والمادة 66 من الدستور.
4، 5 – النص فى الفقرة الأولى من المادة 27 من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 على أن “يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح، ويكون المحافظ فى دائرة اختصاصه – رئيسا لجميع الأجهزة والمرافق المحلية”، إنما توخى تنظيم الأمور المتعلقة بالإدارة المحلية وذلك بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلا إليها من الحكومة المركزية بوزاراتها المختلفة، وقد قصد المشرع بالنص سالف الذكر أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد، دون أن يجاوز ذلك إلى تخويلهم الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية ولا إلى تقرير اختصاصهم بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب، وذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الاختصاص – فى أى من هاتين الحالتين – إلى الوزراء، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته ولا يجوز أن تفوض غيرها فيه، وهو فى كل الاحوال اختصاص تشريعى لا تشمله عبارة “السلطات والاختصاصات التنفيذية” الواردة بنص الماد 27/ 1 سالفة البيان.
الإجراءات
بتاريخ 20 يولية سنة 1985 أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبين الحكم بعدم دستورية قرار محافظ سوهاج رقم 33 لسنة 1985.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصليا عدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة اتهمت المدعى الثالث بأنه فى 28 فبراير سنة 1985 بدائرة مركز طهطا وبصفته تاجر للغلال حاز للإتجار كمية السمسم المبينة بالأوراق رغم صدور قرار يحظر ذلك طوال موسم 1984/ 1985، وأحالته إلى المحكمة الجنائية فى القضية رقم 1281 لسنة 1985 جنح طوارئ سوهاج طالبة عقابه بالمواد 1، 7 من قرار وزير التموين رقم 272 لسنة 1984 بشأن توريد محصول السمسم، وكذلك المواد 1، 2 من قرار محافظ سوهاج رقم 33 لسنة 1985 الصادر فى 14 فبراير سنة 1985، وبجلسة 14 مايو سنة 1985 دفع الحاضر عن المتهم بعدم دستورية قرار محافظ سوهاج سالف الذكر فقررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 29 أكتوبر سنة 1985 مع التصريح للمتهم بإقامة الدعوى بعدم دستورية القرار المشار إليه، فأقام المدعى الثالث والمدعون الآخرون الدعوى الماثلة.
وحيث إن المشرع – بما نص عليه البند (ب) من المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – قد دل على أن الدعوى الدستورية لا ترفع من الخصم إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر، وهذه الأوضاع الإجرائية – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – تتعلق بالنظام العام باعتبارها أشكالا جوهرية تغيا بها المشرع مصلحة عامة قوامها انتظام التداعى فى المسائل الدستورية بالاجراءات التى رسمها وفى الموعد الذى حدده، إذ كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المدعى الثالث وحده – دون المدعين الآخرين – هو الذى اتهم فى الدعوى الموضوعية وأثار الدفع بعدم دستورية القرار المطعون فيه، فإن دعوى المدعين الأول والثانى والرابع لا تكون قد اتصلت بهذه المحكمة وفقا للأوضاع التى نص عليها قانونها، ويتعين بالتالى الحكم بعدم قبولها.
وحيث إن الثابت من الأوراق، أنه بتاريخ 14 فبراير سنة 1985 أصدر محافظ سوهاج القرار رقم 33 لسنة 1985 مشيرا فى ديباجته إلى “قانون نظام الحكم المحلى الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979” وإلى “قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 272 لسنة 1984 بتكليف الحائزين لمساحات مزروعة سمسما بتوريد كميات محصول السمسم موسم 84/ 1985″، وإلى “قرار وزير الزراعة رقم 746 لسنة 1984 بنظام توريد السمسم موسم 83/ 1984″، وكانت المادة الأولى من قرار المحافظ المشار إليه قد حظرت على تجار المحافظة حيازة السمسم أو تخزينه وذلك طوال العام، ونصت المادة الثانية منه على أن كل مخالفة لأحكام ذلك القرار تطبق فى شأنها العقوبات المنصوص عليها بالقرار الوزارى رقم 272 لسنة 1984.
وحيث إن البين من ديباجة وأحكام قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 272 لسنة 1984 أنه صدر استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين، قاضيا فى مادته الأولى بإلزام الحائزين لمساحات مزروعة سمسما بالمحافظات التى حددها – ومن بينها محافظة سوهاج – بتوريد كامل إنتاجهم من محصول السمسم موسم 84/ 1985 إلى الجهات التى عينها هذا القرار، ومستثنيا من ذلك المزارع التابعة لوزارة الزراعة والزراع أعضاء الجمعيات التعاونية الزراعية المتعاقدين مع الوزارة لإنتاج تقاوى الإكثار بشرط توريدهم كميات السمسم المتعاقدين عليها بالكامل، وتكفلت المادة الثانية من هذا القرار بتحديد الحد الأدنى لمعدلات التوريد، ثم نصت المادة السابعة على أن “يعاقب كل حائز بغرامة قدرها مائة جنيه عن كل أردب يقصر فى توريده، وفى جميع الأحوال تضبط الكميات موضوع المخالفة ويحكم بمصادرتها”.
وحيث إنه يبين من مقارنة نصوص قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 272 لسنة 1984 بنصوص القرار المطعون فيه، أن الأول يتعلق بإلتزام زارعى السمسم بتوريد إنتاجهم منه إلى الجهات التى حددها وزير التموين وإلا عوقب المخالف بالعقوبات المنصوص عليها فى المادة السابعة منه، بينما حظر الثانى على تجار المحافظة حيازة السمسم أو تخزينه لديهم طوال العام، وقضى بمعاقبة المخالفين منهم لأحكامه بالعقوبات المنصوص عليها فى قرار وزير التموين المشار إليه، ومن ثم تكون الواقعة محل التجريم فى قرار وزير التموين سالف البيان مختلفة عن تلك التى أثمها القرار المطعون عليه وان أحال هذا القرار فى شأن العقوبات التى تقضى بها المحكمة على مخالفة أحكامه إلى قرار وزير التموين المشار إليه، ومن ثم تكون الجريمة التى أنشأها القرار المطعون عليه مختلفة فى أركانها عن تلك التى نص عليها قرار وزير التموين آنف البيان، بما مؤداه استقلالها عنها وعدم ارتباطها بها.
وحيث إن صحيفة الدعوى الماثلة تنعى على القرار المطعون عليه إنشاءه لجريمة وتقريره لعقوبة مما تستقل السلطة التشريعية – دون مصدر القرار – بتحديدها، هذا بالإضافة إلى أن السمسم من الحبوب الحقلية التى يتم إنتاجها فى مصر وأن فرض قيود على تخزينه يخل بحرمة الملكية الخاصة وبحرية التجارة، وأنه على ضوء ما تقدم جميعه، يكون القرار المطعون عليه مخالفة لأحكام المواد 34، 66، 86 من الدستور.
وحيث إن المادة 66 من الدستور تنص على أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذا القانون”، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن حكم هذا النص لا يعدو أن يكون توكيدا لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب، وذلك لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية الأصلية وفى الحدود التى يبينها القانون الصادر عنها، وإذ يعهد المشرع إلى السلطة التنفيذية بهذا الاختصاص، فإن عمله لا يعتبر من قبيل اللوائح التفويضية المنصوص عليها فى المادة 108 من الدستور، ولا يندرج كذلك تحت اللوائح التنفيذية التى نظمتها المادة 144 منه. وإنما مرد الأمر فى تقرير هذا الاختصاص إلى نص المادة 66 من الدستور التى تنطوى على تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم والعقاب على ما سلف البيان.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكانت الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية تتمثل فى قيام المدعى – بوصفه أحد التجار بمحافظة سوهاج – بحيازة وتخزين كميات من السمسم مخالفا بذلك الحظر المنصوص عليه فى المادة الأولى من القرار المطعون عليه، وكان هذا الحظر لا يعدو قيدا على تداول سلعة من السلع التموينية هى السمسم، وهو قيد ناطت السلطة التشريعية اتخاذه بوزير التموين دون غيره، إذ يختص هذا الوزير – لضمان تموين البلاد وتوفير العدالة فى توزيع المواد التموينية وبعد موافقة لجنة التموين العليا – بإصدار القرارات المنصوص عليها فى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ويندرج تحتها فرض القيود على إنتاج أى مادة أو سلعة وتداولها واستهلاكها بما فى ذلك توزيعها، وله كذلك فرض قيود على نقل أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى، وهى قيود حددت الفقرة الرابعة من المادة 56 من المرسوم بقانون المشار إليها الجزاء على مخالفتها بقولها: “يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى هذه المادة على مخالفة أحكام قرارات وزير التموين والتجارة الداخلية الصادره تنفيذا لهذا القانون، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل…”، وهذا النهج الذى التزمه المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945، احتذاه كذلك المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح، ذلك أن هذا المرسوم بقانون الأخير بعد أن خول وزير التموين فى المادة الخامسة منه أن يتخذ بقرارات يصدرها التدابير المتعلقة بتعيين المقادير التى يجوز شراؤها أو تملكها أو حيازتها من أية سلعة، وبتقرير الوسائل اللازمة لمنع التلاعب بأسعار السلع والمواد الخاضعة لأحكام ذلك المرسوم بقانون وتعيين مواصفاتها، وبإلزام أصحاب المصانع والمستوردين بتسليم مقادير معينة من أى سلعة أو مادة إلى الجمعيات التعاونية لتقوم بعرضها للبيع لأعضائها، نص فى الفقرة الأخيرة من مادته التاسعة على أن “يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة على مخالفة القرارات التى تصدر تنفيذا للمادة 5 من هذا القانون، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل”. لما كان ذلك، وكان المشرع على ما تقدم بيانه، قد عهد إلى وزير التموين دون غيره – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد والسلع ولتحقيق العدالة فى توزيعها مع الالتزام بجداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون، فإن تجريم المادة الثانية من القرار المطعون عليه الصادر من محافظ سوهاج للواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية، لا يعدو أن يكون انتحالا لاختصاص مقرر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد باتخاذها وفقا لأحكام كل من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 المشار إليهما واغتصابا لسلطته فى هذا المجال، ومن ثم يقع حكم المادة الثانية من القرار المشار اليه فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه والمادة 66 من الدستور آنفة البيان.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 27 من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 على أن “يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقا لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح، ويكون المحافظ فى دائرة اختصاصه – رئيسا لجميع الأجهزة والمرافق المحلية”. ذلك أن ما توخاه القانون المشار إليه لا يعدو تنظيم الأمور المتعلقة بالإدارة المحلية وذلك بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلا إليها من الحكومة المركزية بوزاراتها المختلفة، وقد قصد المشرع بالنص سالف الذكر أن يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد، دون أن يجاوز ذلك إلى تخويلهم الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية ولا إلى تقرير اختصاصهم بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب، وذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الاختصاص – فى أى من هاتين الحالتين – إلى الوزراء، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته ولا يجوز أن تفوض غيرها فيه، وهو فى كل الأحوال اختصاص تشريعى لا تشمله عبارة “السلطات والاختصاصات التنفيذية” الواردة بنص الماد 27/ 1 سالفة البيان.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الثانية من قرار محافظ سوهاج رقم 33 لسنة 1985، والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ ثلاثين جنيها مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية