الخط الساخن : 01118881009
جلسة أول فبراير سنة 1992
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدى محمد محمد على وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (18)
القضية رقم 41 لسنة 7 قضائية” دستورية”
1 – حق التعليم “أساسه”.
كفالة الدستور للحق فى التعليم، انطلاقا من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطرا، وأنه أداتها الرئيسية التى تنمى فى النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية وتعده لحياة أفضل يتوافق فيها مع بيئته ومقتضيات انتمائه لوطنه وتمكنه من اقتحام الطريق الى آفاق المعرفة.
2 – حق التعليم “فحواه”.
الحق فى التعليم، فحواه، أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى قدرا من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته وأن يختار نوع التعليم الذى يراه أكثر اتفاقا مع ميوله وملكاته، وفق القواعد التنظيمية التى يضعها المشرع بما لا يؤدى إلى مصادرة هذا الحق أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة.
3 – حق التعليم “التعليم العالي: أهدافه وتنظيمه”.
التعليم العالى يعد الركيزة الأساسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع عليهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، فيتعين أن يرتبط فى أهدافه وأسس تنظيمه بحاجات المجتمع وانتاجه.
4 – حق التعليم “التعليم العالى: الشروط الموضوعية” – مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة.
مسئولية الدولة عن كفالة التعليم (مادة 18 من الدستور) – تقيد الفرص التى تلتزم بإتاحتها للراغبين فى الالتحاق بالتعليم العالى بامكانياتها الفعلية التى قد تقصر على استيعابهم جميعا – أثره، أن السبيل إلى فض تزاحمهم وتنافسهم عليها، لا يتأتى الا بتحديد مستحقيها وترتيبهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى طبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه ويتحقق بها ومن خلالها تكافؤ الفرص والمساواة، فإذا استقر لأى منهم الحق فى الالتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط، فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه.
5 – حق التعليم “التعليم العالي: قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية” – مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة.
إحالة قانون تنظيم الجامعات إلى لائحته التنفيذية فى بيان شروط قبول الطلاب وقيدهم، وتكفل هذه اللائحة بيان الشروط الموضوعية المحققة لتكافؤ الفرص والمساواة حين ربطت القبول فى التعليم الجامعى بترتيب درجات النجاح فى امتحان شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، باعتبار تمام هذا الامتحان فى اطار مسابقة عامة تجريها الدولة تتاح فيها الفرص المتكافئة لجميع المتقدمين اليها، بما يجعل المفاضلة بينهم عند تقدمهم للالتحاق بالتعليم الجامعى مرتبطا بالتفوق والجدارة التى يمتاز بها بعضهم على بعض.
6 – حق التعليم “التعليم العالي: المعاملة الاستثنائية فى قبول الطلاب” – مبدأ تكافؤ الفرص والمساواه.
المعاملة الاستثنائية التى خص بها القرار الصادر من المجلس الأعلى للجامعات بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1984 فئات من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها لقبولهم بالتعليم العالى دون التقيد بمجموع درجاتهم فى هذه الشهادة، وسواء أكان قوامها مجرد الانتماء الأسرى أو إلى المناطق النائية – مؤداها، أن يحل هؤلاء محل من يتقدمونه فى درجات النجاح فى الانتفاع بحق التعليم فى مرحلته العالية المحدودة فرصها، بعد أن انتظمتهم الأسس الموحدة لإجراء تلك المسابقة ورغم ما أسفرت عنه نتيجتها من أولويتهم دون المستثنين فى التمتع بذلك الحق، مما يتعارض وطبيعة التعليم العالى وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه ويخل بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة بالمخالفة للمواد 8، 18، 40 من الدستور.
1 – كفل الدستور فى مادته الثامنة عشر حق التعليم انطلاقا من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطرا، وأنه أداتها الرئيسية التى تنمى فى النشء القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وتعده لحياة أفضل يتوافق فيها مع بيئته ومقتضيات انتمائه لوطنه، ويتمكن فى كنفها من اقتحام الطريق إلى آفاق المعرفة وألوانها المختلفة.
2 – الحق فى التعليم – الذى أرسى الدستور أصله – فحواه أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى قدرا من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته، وأن يختار نوع التعليم الذى يراه أكثر اتفاقا مع ميوله وملكاته، وذلك كله وفق القواعد التى يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذا الحق، بما لا يؤدى إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها المشرع فى مجال هذا التنظيم بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور فى المادتين 8، 40 منه.
3 – أن التعليم العالى – بجميع كلياته ومعاهده – يشكل الركيزة الأساسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عاتقهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، فيتعين أن يرتبط فى أهدافه وأسس تنظيمه بحاجات هذا المجتمع وإنتاجه، وهو ما تطلبته صراحة المادة 18 من الدستور المشار إليها ورددته المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 عند تحديدها لرساله الجامعات بأن يكون التعليم فيها موجها لخدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا، والإسهام فى رقى الفكر وتقدم العلم وتنمية العلوم الإنسانية، وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة لضمان تقدم الوطن وتنمية ثروته البشرية، والعمل على بعث الحضارة العربية والتراث التاريخى للشعب المصرى وتقاليده الأصيلة، وذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم الجامعى وحاجات المجتمع والإنتاج.
4 – لما كانت الدولة مسئولة عن كفالة التعليم العالى الذى يخضع لإشرافها حسبما نصت عليه المادة 18 من الدستور، وكانت الفرص التى تلتزم بأن تتيحها للراغبين فى الالتحاق بالتعليم العالى مقيدة بإمكانياتها الفعلية التى قد تقصر عن استيعابهم جميعا بكلياته ومعاهده المختلفة، فان السبيل إلى فض تزاحمهم وتنافسهم على هذه الفرص المحدودة، لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى طبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، ويتحقق بها ومن خلالها التكافؤ فى الفرص والمساواة لدى القانون، بما يتولد عن تلك الشروط فى ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تتحدد على ضوئها ضوابط الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين فى الانتفاع بهذه الفرص بحيث اذا استقر لأى منهم الحق فى الالتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط، فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه، وإلا كان ذلك مساسا بحق قرره الدستور.
55 – إنه بناء على ما تضمنته المادة 196 من قانون تنظيم الجامعات الصادرة بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 من تخويل رئيس الجمهورية إصدار لائحة تنفيذية لهذا القانون تتضمن وضع الاطار العام لتنفيذ أحكامه، ومن بينها شروط قبول الطلاب وقيدهم، ورسوم الخدمات التى تؤدى اليهم، فقد أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 809 لسنة 1975 باللائحة التنفيذية للقرار بقانون سالف البيان التى تنص المادة 74 منها على أن “يحدد المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى بناء على اقتراح مجالس الجامعات بعد أخذ رأى مجالس الكليات المختلفة عدد الطلاب من ابناء جمهورية مصر العربية الذين يقبلون فى كل كلية أو معهد فى العام الجامعى التالى من بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو على الشهادات المعادلة…”.
كما نصت المادة 75 من هذه اللائحة على أنه “يشترط فى قيد الطالب فى الجامعة للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس، أن يكون حاصلا على شهادة الدراسة الثانوية العامة أو ما يعادلها ويكون القبول بترتيب درجات النجاح مع مراعاة التوزيع الجغرافى وفقا لما يقرره المجلس الأعلى للجامعات، وبعد أخذ رأى مجالس الجامعات ومجلس الكليات….”. ومؤدى هذين النصين أن فرص الالتحاق بالتعليم الجامعى – وهو يمثل الجانب الرئيسى للتعليم العالى – لا تتهيأ لجميع الناجحين فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، وإنما تتوافر هذه الفرص لأعداد منهم يحددها المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى، الأمر الذى من شأنه تزاحم الناجحين فى تلك الشهادة على الفرص المتاحة لهم للالتحاق بالتعليم الجامعى وقد تكفلت المادة 75 من اللائحة المشار اليها ببيان ما ارتأته من شروط موضوعية محققة لتكافؤ الفرص بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها ولتساويهم لدى القانون، حين ربطت القبول فى التعليم الجامعى بترتيب درجات النجاح بينهم فى امتحان تلك الشهادة باعتبار أن هذا الامتحان يتم فى اطار مسابقة عامة تجريها الدولة تتاح فيها الفرص المتكافئة لجميع المتقدمين إليها للحصول على تلك الشهادة، بما يجعل معيار المفاضلة بينهم عند تقدمهم للالتحاق بالتعليم الجامعى، مرتبطا بالتفوق والجدارة التى يمتاز بها بعضهم على بعض، وهى النتيجة الحتمية للتفاوت القائم بينهم فى الملكات والقدرات الذاتية.
6 – إن البين من الأوراق إن القرار المطعون فيه قد صدر عن المجلس الأعلى للجامعات بتاريخ 2 سبتمبر سنة 1984 وقد قضى بأن يكون قبول الفئات المستثناه فى الجامعات والمعاهد العليا فى العام الجامعى 84/ 1985 بترتيب المجموع الكلى للدرجات بالنسبة إلى المتقدمين من كل فئة فى كل كلية وذلك بشرط ألا يقل الحد الأدنى للقبول العادى فى كل كلية الا بما لا يجاوز 5% من مجموع الدرجات. وقد دل هذا القرار على أن المعاملة الاستثنائية التى خصت بها فئات من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها لقبولهم بالتعليم العالى دون التقيد بمجموع درجاتهم فى هذه الشهادة، إنما ترتكز فى واقعها على أسس منبتة الصلة بطبيعة هذه التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، اذ تقوم هذه المعاملة فى أساسها ودوافعها على تقرير مزية استثنائية للطلبة المستفيدين منها قوامها إما مجرد الانتماء الأسرى إلى من كان شاغلا لوظيفة بعينها، أو من كان قائما بأعبائها فى جهة بذاتها، أو متوليا مسئوليتها فى تاريخ معين، أو من كان قد استشهد بسبب أداء مهامها، أو من كان حاصلا على وسام، وإما أن يكون مناطها الانتماء إلى المناطق النائية بسبب الميلاد أو الاقامة، أو الحصول منها على شهادة الثانوية العامة. لما كان ذلك، وكانت المعاملة الاستثنائية فى القبول بالتعليم العالى التى تضمنها القرار المطعون عليه – وأيا كان وجه الرأى فى الاعتبارات التى دعت إلى تقريرها – تستتبع أن يحل أفراد الفئات المستثناة محل من يتقدمونهم فى درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها فى الانتفاع بحق التعليم فى مرحلته العالية المحدودة فرصها، بعد أن كانت قد انتظمتم جميعا الأسس الموحدة التى تقررت لإجراء تلك المسابقة، ورغم ما أسفرت عنه نتيجتها من أولويتهم دون المستثنين فى التمتع بذلك الحق، الأمر الذى يتعارض مع طبيعة التعليم العالى وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه على ما سلف بيانه، وينطوى على مساس بحق المتقدمين فى درجات النجاح فى هذا التعليم، والإخلال بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون، ومن ثم يشكل مخالفة للمواد 8، 18، 40 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 27 مايو 1985 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 7353 لسنة 38 قضائية بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى فى 5 مارس سنة 1985 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القرار الصادر من المجلس الأعلى للجامعات بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1984 فيما تضمنه من زيادة مجموع الدرجات الكلى بنسبة 5% للطلبة من أبناء الفئات المستثناة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى بصفته وليا طبيعيا على ابنته القاصر، كان قد أقام الدعوى رقم 7353 لسنة 38 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالبا الحكم بوقف تنفيذ القرار القاضى بإلحاق ابنته بكلية الطب البيطرى جامعة أسيوط فيما تضمنه من عدم قبولها بكلية الصيدلة، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار. واذ تراءى للمحكمة عدم دستورية القرار الصادر من المجلس الأعلى للجامعات بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1948 استنادا إلى أن ما تضمنه من زيادة مجموع الدرجات الكلى بنسبة 5% للطلبة من أبناء الفئات المستثناه بشكل مخالفة للمادتين 8،40 من الدستور، فقد قضت بجلسة 5 مارس سنة 1948 بوقف الدعوى واحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية القرار المشار إليه.
وحيث إن القرار المذكور نص على أن”…. يكون قبول الفئات المستثناه فى الجامعات والمعاهد العليا فى العام الجامعى 84/ 1985 بترتيب المجموع الكلى للدرجات بالنسبة للمتقدمين من كل فئة فى كل كلية وذلك بشرط ألا يقل الحد الأدنى للقبول العادى فى كل كلية إلا بما لا يجاوز 5% من مجموع الدرجات”.
ووحيث إن الفئات المستثناه التى انصرف اليها القرار المطعون فيه – حسبما ثبت من الاوراق – هى، أبناء القوات المسلحة، أبناء الشهداء المدنيين، أبناء أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأبناء العاملين بها، أبناء العاملين بالتعليم العالى، أبناء رجال التعليم، أبناء سيناء ومطروح والوادى الجديد والبحر الأحمر والواحات البحرية ووادى النطرون، وأبناء وزوجات الحاصلين على وسام نجمة الشرف العسكرية.
وحيث إن مبنى الطعن يقوم على تعارض القرار المطعون عليه من كل من مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة لدى القانون فى حق التعليم بما يخالف المواد 8، 18، 40 من الدستور.
وحيث إن المادة 18 من الدستور تنص على أن “التعليم حق تكفله الدولة وهو الزامى فى المرحلة الابتدائية، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، وتشرف على التعليم كله، وتكفل استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمى، وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج”. وكفالة الدستور لحق التعليم إنما جاءت انطلاقا من حقيقة أن التعليم يعد من أهم وظائف الدولة وأكثرها خطرا، وأنه أداتها الرئيسية التى تنمى فى النشئ القيم الخلقية والتربوية والثقافية، وتعده لحياة أفضل يتوافق فيها مع بيئته ومقتضيات انتمائه لوطنه، ويتمكن فى كنفها من اقتحام الطريق إلى آفاق المعرفة وألوانها المختلفة، والحق فى التعليم – الذى أرسى الدستور أصله – فحواه أن يكون لكل مواطن الحق فى أن يتلقى قدرا من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته وأن يختار نوع التعليم الذى يراه أكثر اتفاقا مع ميوله وملكاته، وذلك كله وفق القواعد التى يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذا الحق بما لا يؤدى إلى مصادرته أو الانتقاص منه، وعلى ألا تخل القيود التى يفرضها المشرع فى مجال هذا التنظيم بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون اللذين تضمنهما الدستور بما نص عليه فى المادة 8 من أن “تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” وفى المادة 40 من أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
وحيث إن التعليم العالى – بجميع كلياته ومعاهده – يشكل الركيزة الأساسية لتزويد المجتمع بالمتخصصين والفنيين والخبراء الذين تقع على عاتقهم مسئولية العمل فى مختلف مجالاته، فيتعين أن يرتبط فى أهدافه وأسس تنظيمه بحاجات هذا المجتمع وإنتاجه، وهو ما تطلبته صراحة المادة 18 من الدستور المشار اليها، ورددته المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 عند تحديدها لرسالة الجامعات بأن يكون التعليم فيها موجها لخدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا، والاسهام فى رقى الفكر وتقدم العلم وتنمية العلوم الإنسانية وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة لضمان تقدم الوطن وتنمية ثروته البشرية والعمل على بعث الحضارة العربية والتراث التاريخى للشعب المصرى وتقاليده الأصيلة، وذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم الجامعى وحاجات المجتمع والانتاج. لما كان ذلك وكانت الدولة مسئولة عن كفالة هذا التعليم الذى يخضع لإشرافها حسبما نصت عليه المادة 18 من الدستور، وكانت الفرص التى تلتزم بأن تتيحها للراغبين فى الالتحاق بالتعليم العالى مقيدة بإمكانياتها الفعلية التى قد تقصر عن استيعابهم جميعا بكلياته ومعاهده المختلفة، فان السبيل إلى فض تزاحمهم وتنافسهم على هذه الفرص المحدودة، لا يتأتى إلا بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد فى أساسها إلى طبيعة هذا التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة، ويتحقق بها ومن خلالها التكافؤ فى الفرص والمساواة لدى القانون بما يتولد عن تلك الشروط فى ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تتحدد على ضوئها ضوابط الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين فى الانتفاع بهذه الفرص بحيث اذا استقر لأى منهم الحق فى الالتحاق بإحدى الكليات أو المعاهد العالية وفق هذه الشروط، فلا يحل من بعد أن يفضل عليه من لم تتوافر فيه، وإلا كان ذلك مساسا بحق قرره الدستور.
وحيث إنه بناء على ما تضمنته المادة 196 من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 من تخويل رئيس الجمهورية إصدار لائحة تنفيذية لهذا القانون تتضمن وضع الإطار العام لتنفيذ أحكامه، ومن بينها شروط قبول الطلاب وقيدهم ورسوم الخدمات التى تؤدى إليهم، فقد أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 809 لسنة 1975 باللائحة التنفيذية للقرار بقانون سالف البيان التى تنص المادة 74 منها على أن “يحدد المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى بناء على اقتراح مجالس الجامعات بعد أخذ رأى مجالس الكليات المختلفة عدد الطلاب من أبناء جمهورية مصر العربية الذين يقبلون فى كل كلية أو معهد فى العام الجامعى التالى من بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو على الشهادات المعادلة…..”.
كما نصت المادة 75 من هذه اللائحة على أنه “يشترط فى قيد الطالب فى الجامعة للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس، أن يكون حاصلا على شهادة الدراسة الثانوية العامة أو ما يعادلها ويكون القبول بترتيب درجات النجاح مع مراعاة التوزيع الجغرافى وفقا لما يقرره المجلس الأعلى للجامعات، وبعد أخذ رأى مجالس الجامعات ومجالس الكليات….”. ومؤدى هذين النصين أن فرص الالتحاق، بالتعليم الجامعى – وهو يمثل الجانب الرئيسى للتعليم العالى – لا تتهيأ لجميع الناجحين فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، وإنما تتوافر هذه الفرص لأعداد منهم يحددها المجلس الأعلى للجامعات فى نهاية كل عام جامعى الأمر الذى من شأنه تزاحم الناجحين فى تلك الشهادة على الفرص المتاحة لهم للالتحاق بالتعليم الجامعى، وقد تكفلت المادة 75 من اللائحة المشار اليها ببيان ما ارتأته من شروط موضوعية محققة لتكافؤ الفرص بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها ولتساويهم لدى القانون، حين ربطت القبول فى التعليم الجامعى بترتيب درجات النجاح بينهم فى امتحان تلك الشهادة باعتبار أن هذا الامتحان يتم فى إطار مسابقة عامة تجريها الدولة تتاح فيها الفرص المتكافئة لجميع المتقدمين إليها للحصول على تلك الشهادة بما يجعل معيار المفاضلة بينهم عند تقدمهم للالتحاق بالتعليم الجامعى مرتبطا بالتفوق والجدارة التى يمتاز بها بعضهم على بعض، وهى النتيجة الحتمية للتفاوت القائم بينهم فى الملكات والقدرات الذاتية.
وحيث إنه البين من الأوراق والقرار المطعون عليه أن المعاملة الاستثنائية التى خصت بها فئات من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها لقبولهم بالتعليم العالى دون التقيد بمجموع درجاتهم فى هذه الشهادة، إنما ترتكز فى واقعها على أسس منبتة الصلة بطبيعة هذه التعليم وأهدافه ومتطلبات الدراسة فيه، اذ تقوم هذه المعاملة فى أساسها ودوافعها على تقرير مزية استثنائية للطلبة المستفيدين منها قوامها إما مجرد الانتماء الأسرى إلى من كان شاغلا لوظيفة بعينها، أو قائما بأعبائها فى جهة بذاتها، أو متوليا مسئوليتها فى تاريخ معين، أو من كان قد استشهد بسبب أداء مهامها، أو من كان حاصلا على وسام، وإما أن يكون مناطها الانتماء إلى المناطق النائية بسبب الميلاد أو الاقامة، أو الحصول منها على شهادة الثانوية العامة. لما كان ذلك، وكانت المعاملة الاستثنائية فى القبول بالتعليم العالى التى تضمنها القرار المطعون عليه – وأيا كان وجه الرأى فى الاعتبارات التى دعت إلى تقريرها – تستتبع أن يحل أفراد الفئات المستثناه محل من يتقدمونهم فى درجات النجاح فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها فى الانتفاع بحق التعليم فى مرحلته العالية المحدودة فرصها، بعد أن كانت قد انتظمتهم جميعا الأسس الموحدة التى تقررت لأجراء تلك المسابقة، ورغم ما أسفرت عنه نتيجتها من أولويتهم دون المستثنين فى التمتع بذلك الحق، الأمر الذى يتعارض مع طبيعة التعليم العالى وأهدافه ومتطلباته الدراسة فيه على ما سلف بيانه، وينطوى على مساس بحق المتقدمين فى درجات النجاح فى هذا التعليم، والاخلال بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون، ومن ثم يشكل مخالفة للمواد 8، 18، 40 من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية القرار المطعون عليه فيها تضمنه من قبول افراد الفئات المشار إليها فيه والمبينة بالأوراق، فى الكليات والمعاهد العالية، بمجموع يقل عن الحد الأدنى للقبول العادى فى كل كلية بما لا يجاوز 5% من مجموع الدرجات فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار الصادر من المجلس الأعلى للجامعات بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1984، وذلك فيما تضمنه من قبول أبناء القوات المسلحة، وأبناء الشهداء المدنيين، وأبناء أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأبناء العاملين بها، وابناء العاملين بالتعليم العالى، وأبناء رجال التعليم، وأبناء سيناء ومطروح والوادى الجديد والبحر الأحمر والواحات البحرية ووادى النطرون، وأبناء وزوجات الحاصلين على وسام نجمة الشرف العسكرية فى الجامعات والمعاهد العليا عن العام الجامعى 84/ 1985 بمجموع يقل عن الحد الأدنى للقبول العادى فى كل كلية بما لا يجاوز 5% من مجموع الدرجات فى شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها.
وسوم : حكم دستورية