جلسة 29 إبريل سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: منير أمين عبد المجيد وفوزي أسعد مرقس وشريف برهام نور والدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وواصل علاء الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (28)
القضية رقم 21 لسنة 7 قضائية “دستورية”
1- الدساتير المصرية – مبدأ المساواة.
ترديد الدساتير المصرية المتعاقبة بداءً بدستور سنة 1923 وانتهاء بالدستور القائم لمبدأ المساواة أمام القانون وكفالتها تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن غايته صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها.
2- مبدأ المساواة “نطاقه” – صور التمييز.
مبدأ المساواة لا ينطبق على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور فحسب وإنما أيضاً على كافة الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين – عدم ورود صور التمييز المنصوص عليها في المادة (40) من الدستور والتي تقوم على الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة على سبيل الحصر – أساس ذلك.
3- تشريع – حقوق “تنظيمها” – مبدأ المساواة.
سلطة المشرع التقديرية في تنظيم الحقوق، حدها، كون الحكم الذي قرره قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً في الدستور، وله في نطاقها لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم ممارسة هذه الحقوق.
4- إيجار الأماكن “أجرة”.
الاعتبارات التي استند إليها المشرع في تقرير القاعدة العامة المتعلقة بزيادة الأجرة بالنسبة للأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى المنصوص عليها في المادة (7) من القانون رقم 136 لسنة 1981، وهي تحقيق المصلحة العامة وتعويض ملاكها عن انخفاض أجرتها والحرص على توفير مصدر لتمويل تكاليف ترميمها وصيانتها حفاظاً على الثروة القومية، تنسحب إلى المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية باعتبارها أحد عناصر الثروة القومية التي يجب الحفاظ عليها، وأن استقلال هذه المباني بأنواع معينة، من النشاط – اجتماعية أو دينية أو ثقافية – لا يخرجها عن كونها مبان مؤجرة لغير أغراض السكنى.
5- مبدأ المساواة – المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981.
المعاملة الاستثنائية التي أوردتها المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فيما تضمنته من استثناء الأماكن المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية من تطبيق القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (7) منه بشأن زيادة أجرة المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى – مؤداها التفرقة بين طائفتين من الملاك انتظمتهم أسس موحدة، تجعلهم جميعاً يقفون على قدم المساواة، وتوجب إخضاعهم لقاعدة قانونية موحدة مجردة.
6- مبدأ المساواة – إيجار الأماكن “أجرة”.
حرمان طائفة معينة من الملاك من الحق في زيادة الأجرة مع تحقق مناطه، يعد تفرقة تؤدى إلى الإخلال بمراكز قانونية متماثلة، وينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين الملاك الذين لم يحرموا من هذا الحق.
1، 2 – إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور سنة 1923، وانتهاء بالدستور القائم رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال أعمالها كذلك إلى الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية وعلى ضوء السياسة التشريعية التي يراها محققة للمصلحة العامة، وإن صور التمييز التي أوردتها المادة (40) من الدستور التي تقوم على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة لم ترد على سبيل الحصر، فهناك صور أخرى من التمييز لها خطرها، مما يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة قضائية تطبيقاً لمبدأ المساواة أمام القانون ولضمان احترامه في جميع مجالات تطبيقه، ويندرج تحتها زيادة الأجرة التي تقررها بعض النصوص التشريعية، كنص المادة (7) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر التي يتعين إعمال حكمها على جميع المؤجرين الذين تتماثل مراكزهم القانونية من كل الوجوه بالنسبة إلى الحق في طلبها، ذلك أن المساواة التي تعنيها المادة (40) من الدستور تنحصر في عدم جواز التمييز بين المواطنين الذين تتساوى مراكزهم القانونية من خلال تطابق العناصر التي تقوم عليها.
3 – من المقرر أن للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق بما لا معقب عليه في تقديره ما دام أن الحكم التشريعي الذي قرره لتلك الحالات قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً في الدستور، كما أنه يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها لهم المشرع.
4 – لما كان المشرع قد توخي بالقاعدة العامة المتعلقة بالزيادة في الأجرة – وعلى ما أفصح عنه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والتعمير ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية – “المحافظة على المباني القديمة باعتبارها ثروة قومية يجب الحفاظ عليها وإطالة أعمارها، وأن ضآلة إيجار هذه المساكن تجعل ملاكها يعزفون عن صيانتها وترميمها، وأنه لما كانت مصلحة سكان هذه الأماكن، فضلاً عن الصالح العام الذي يتمثل في كون هذه الأماكن ثروة قومية يجب الحفاظ عليها وعدم زيادة أعباء سكانها، وفي نفس الوقت رعاية مصالح ملاكها، وذلك كله في إطار من التكافل الاجتماعي – فقد خلصت اللجنة إلى ضرورة تحريك أجرة الأماكن القديمة المؤجرة لغير أغراض السكنى بنسب تتفاوت بحسب تاريخ إنشاء المبنى” – ومن ثم فإن هذه الاعتبارات التي استند إليها المشرع في تقرير الزيادة بالنسبة للأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى، وهي تحقيق المصلحة العامة وتعويض ملاكها عن انخفاض أجرتها والحرص علي توفير مصدر لتمويل تكاليف ترميمها وصيانتها واعتبارها من عناصر الثروة القومية إنما تنسحب كذلك إلى المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية باعتبارها إحدى عناصر الثروة القومية التي يجب الحفاظ عليها وأن استقلال هذه المباني الأخيرة بأنواع معينة من النشاط – اجتماعية كانت أو دينية أو ثقافية – لا يخرجها عن كونها مبان مؤجرة لغير أغراض السكنى طبقاً للغير المقصود من تأجيرها، وكان ينبغي أن تندرج في إطار القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (7) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فيسري عليها حكم الزيادة.
5، 6- المعاملة الاستثنائية التي أوردتها المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، أدت إلى التفرقة بين طائفتين من الملاك انتظمتهم أسس موحدة، تجعلهم جميعاً يقفون على قدم المساواة وكان يتعين أن يخضعهم المشرع لقاعدة قانونية موحدة مجردة، بحيث تنصرف الزيادة في الأجرة المقررة في القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (7) من القانون إلى ملاك المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى دون استثناء، وأياً كانت طبيعة النشاط الذي يتم ممارسته فيها، ما دام أن هذه التفرقة التي أوجدها المشرع في المادة (27) سالفة البيان لا ترتكز في واقعها على أسس تتصل بالهدف الذي تغياه المشرع من تقرير هذه الزيادة، فإن حرمان طائفة معينة من الملاك من الحق في زيادة الأجرة مع تحقق مناطه يعد تفرقة تؤدي إلى الإخلال بمراكز قانونية متماثلة، وينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين الملاك الذين لم يحرموا من هذا الحق.
الإجراءات
بتاريخ 14 مارس 1985 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية نص المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنه هذا النص من إعفاء الأماكن المؤجرة لاستعمالها في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على المهن غير التجارية من نسبة الزيادة في القيمة الإيجارية المقررة بالمادة (7) من القانون المشار إليه.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 172 لسنة 1983 مدني كلي جنوب القاهرة طالبين الحكم بإلزام المدعي عليه الرابع بصفته بقيمة الزيادة في الأجرة المقررة بمقتضى البند (ب) من الفقرة الثانية من المادة (7) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بالنسبة للأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى، وذلك اعتباراً من أول يناير سنة 1982، وبتاريخ 26 يناير سنة 1984 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى، فطعن المدعون على هذا الحكم بالاستئناف رقم 2176 لسنة 101 قضائية، ودفعوا بعدم دستورية المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه،
فصرحت لهم المحكمة برفض الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إنه مما ينعاه المدعون على نص المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المطعون عليها أن هذا القانون وإن كان قد أخضع المباني المؤجرة لغير أغراض السكني للزيادة المنصوص عليها في المادة (7) منه، فقد أعفت المادة 27 من هذه الزيادة المباني المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على المهن غير التجارية رغم أن هذه الأماكن مؤجرة لغير أغراض السكنى، ومن ثم وبهذه المعاملة الاستثنائية يكون النص قد ميز بين طائفتين من الملاك تماثلت ظروفهم القانونية مما يعيبه بعدم الدستورية لمخالفته مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور.
وحيث إن المادة (7) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه “اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون، تزاد في أول يناير من كل سنة أجرة الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى المنشأة حتى 9 سبتمبر سنة 1977 زيادة دورية ثابتة بواقع نسبة من القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لحساب الضريبة على العقارات المبينة في ذات وقت الإنشاء حتى ولو أدخلت عليها تعديلات جوهرية – ويخصص المالك نصف هذه الزيادة لمواجهة تكاليف الترميم والصيانة ويعتبر بمثابة أمانة تحت يده، ويصدر قرار من الوزير المختص بالإسكان بتنظيم التصرف فيه لهذا الغرض – وتحدد الزيادة المشار إليها وفقاً للنسب الآتية:………” وتنص المادة (27) من ذات القانون على أن “تعامل في تطبيق أحكام هذا القانون معاملة المباني المؤجرة لأغراض السكنى، الأماكن المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية……”.
وحيث إن مؤدى هذين النصين، أن المشرع أبقى أجرة الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى على حكم ما تقضي به القوانين السابقة، فلم تشملها قاعدة الزيادة ولم يضف إليها جديداً في هذا النطاق. أما المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى، فقد وضع المشرع بشأنها في المادة (7) من القانون قاعدة عامة مجردة تقضي بإخضاعها لزيادة دورية، تحددت فئاتها بنسبة معينة من القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لحساب الضريبة على العقارات المبنية، تختلف باختلاف تاريخ إنشاء المبنى، واعتبرها في حكم الأجرة طبقاً لما تقضي به المادة (8) من القانون، ثم عاد واستثنى في المادة 27 من القاعدة العامة الأماكن المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية، مما أدى إلى إعفاء المباني المستعملة في هذه الأغراض من الزيادة في الأجرة وبالتالي حرمان ملاكها منها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال أعمالها كذلك إلى الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية وعلى ضوء السياسة التشريعية التي يراها محققة للمصلحة العامة، وأن صور التمييز التي أوردتها المادة (40) من الدستور التي تقوم على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة لم ترد على سبيل الحصر، فهناك صور أخرى من التمييز لها خطرها، مما يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة قضائية تطبيقاً لمبدأ المساواة أمام القانون ولضمان احترامه في جميع مجالات تطبيقه، ويندرج تحتها زيادة الأجرة التي تقررها بعض النصوص التشريعية، كنص المادة (7) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه التي يتعين إعمال حكمها على جميع المؤجرين الذين تتماثل مراكزهم القانونية من كل الوجوه بالنسبة إلى الحق في طلبها. ذلك أن المساواة التي تعنيها المادة (40) من الدستور تنحصر في عدم جواز التمييز بين المواطنين الذين تتساوى مراكزهم القانونية من خلال تطابق العناصر التي تقوم عليها.
وحيث إنه لما كان من المقرر أن للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق بما لا معقب عليه في تقديره ما دام أن الحكم التشريعي الذي قرره لتلك الحالات قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً في الدستور، كما أنه يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها لهم المشرع. لما كان ذلك، وكان المشرع قد توخي بالقاعدة العامة المتعلقة بالزيادة في الأجرة – وعلى ما أفصح عنه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والتعمير ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية – “المحافظة على المباني القديمة باعتبارها ثروة قومية يجب الحفاظ عليها وإطالة أعمارها، وأن ضآلة إيجار هذه المساكن تجعل ملاكها يعزفون عن صيانتها وترميمها، وأنه لما كانت مصلحة سكان هذه الأماكن، فضلاً عن الصالح العام الذي يتمثل في كون هذه الأماكن ثروة قومية يجب الحفاظ عليها وعدم زيادة أعباء سكانها، وفي نفس الوقت رعاية مصالح ملاكها، وذلك كله في إطار من التكافل الاجتماعي، فقد خلصت اللجنة إلى ضرورة تحريك أجرة الأماكن القديمة المؤجرة لغير أغراض السكنى بنسب تتفاوت بحسب تاريخ إنشاء المبنى”، ومن ثم فإن هذه الاعتبارات التي استند إليها المشرع في تقرير الزيادة بالنسبة للأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى، وهي تحقيق المصلحة العامة وتعويض ملاكها عن انخفاض أجرتها والحرص على توفير مصدر لتمويل تكاليف ترميمها وصيانتها واعتبارها من عناصر الثروة القومية إنما تنسحب كذلك إلى المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية باعتبارها إحدى عناصر الثروة القومية التي يجب الحفاظ عليها وأن استقلال هذه المباني الأخيرة بأنواع معينة من النشاط – اجتماعية كانت أو دينية أو ثقافية – لا يخرجها عن كونها مبان مؤجرة لغير أغراض السكنى، طبقاً للغرض المقصود من تأجيرها. وكان ينبغي أن تندرج في إطار القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (7) من القانون فيسري عليها حكم الزيادة.
وحيث إن هذه المعاملة الاستثنائية التي أوردتها المادة (27) المطعون عليها، أدت إلى التفرقة بين طائفتين من الملاك انتظمتهم أسس موحدة، تجعلهم جميعاً يقفون على قدم المساواة وكان يتعين أن يخضعهم المشرع لقاعدة قانونية موحدة مجردة، بحيث تنصرف الزيادة في الأجرة المقررة في القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (7) من القانون إلى ملاك المباني المؤجرة لغير أغراض السكنى دون استثناء، وأياً كانت طبيعة النشاط الذي يتم ممارسته فيها، ما دام أن هذه التفرقة التي أوجدها المشرع في المادة (27) سالفة البيان لا ترتكز في واقعها على أسس تتصل بالهدف الذي تغياه المشرع من تقرير هذه الزيادة على ما سلف بيانه، ومن ثم، فإن حرمان طائفة معينة من الملاك من الحق في زيادة الأجرة، مع تحقق مناطه يعد تفرقة تؤدي إلى الإخلال بمراكز قانونية متماثلة، وينطوي على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين الملاك الذين لم يحرموا من هذا الحق.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية المادة (27) المشار إليها فيما تضمنته من استثناء الأماكن المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية وذلك بالنسبة إلى تطبيق ما تضمنته المادة (7) من زيادة الأجرة.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (27) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنته من استثناء الأماكن المستعملة في أغراض لا تدخل في نطاق النشاط التجاري أو الصناعي أو المهني الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو الضريبة على أرباح المهن غير التجارية وذلك بالنسبة إلى تطبيق ما تضمنته المادة (7) من زيادة الأجرة وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.