جلسة 21 يونيه سنة 1986م
برئاسة السيد المستشار محمد على بليغ رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمود حمدى عبد العزيز وممدوح مصطفى حسن ومنير أمين عبد المجيد ومحمد كمال محفوظ والدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة -المفوض، وحضور السيد/ أحمد على فضل الله – أمين السر.
قاعدة رقم (51)
القضية رقم 56 لسنة 6 قضائية “دستورية”
الأعمال السياسية – الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح – الاستفتاء – دستور – المادة 152 من الدستور.
رخص الدستور – فى المادة 152 منه – لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا.
لا يجوز أن يتخذ هذا الاستفتاء ذريعة إلى إهدار أحكام الدستور أو مخالفتها. الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت فى الاستفتاء لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية، ولا تصحح ما يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور – تخضع هذه النصوص التشريعية لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
دستور – المادة الخامسة بعد تعديلها فى 22 مايو سنة 1980.
الدستور تطلب فى المادة الخامسة منه تعدد الأحزاب ليقوم على أساسها النظام السياسى فى الدولة، وكفل حرية تكوينها فى الإطار الذى رسمه لها بما يستتبع ضمان حق الانضمام إليها. الحرمان من حق الانضمام إليها يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.
3ـ دستور – المادة 62 من الدستور – حق سياسى.
الحقوق السياسية المنصوص عليها فى المادة 62 من الدستور من الحقوق العامة التى حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم فى اختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة. إهدار تلك الحقوق يعد مخالفة لأحكام الدستور.
4ـ الحرمان من الحقوق والأنشطة السياسية – دستور – القانون رقم 33 لسنة 1978.
الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 تحرم فئة من المواطنين حرمانا مطلقا ومؤبدا من حقهم فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة – ينطوى ذلك على إهدار لأصل تلك الحقوق ويشكل اعتداء عليها بالمخالفة لحكم المادتين 5، 62 من الدستور.
5 – السلطة التقديرية للمشرع – الرقابة القضائية على دستورية التشريعات.
الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية: والرقابة القضائية على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، إلا أن ذلك لا يعنى إطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور – خضوع هذه التشريعات لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
1 – أن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعى المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبى تم إعمالاً لنص المادة 152 من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسى وتحقيق مصلحتها السياسية فى حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التى تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة 152 من الدستور من أن “لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا”، لا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التى يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لا يجوز أن يتخذ هذا الاستفتاء – الذى رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه – ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت فى الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التى لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها فى المادة 189 من الدستور، وبالتالى لا تصحح هذه الموافقه ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعى أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالى لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية. هذا فضلاً عن أن النص التشريعى المطعون عليه، قد صدر فى شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين فى مباشرة الحقوق السياسية التى كفلها الدستور، والتى ينبغى على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى – برمته – على غير أساس متعيناً رفضه.
2 – الدستور إذ نص فى مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسى فى جمهورية مصر العربية، وجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعها – سواء عند تكوينها أو فى مجال ممارستها لعملها – بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور، وهو ما لا يعنى أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل فى ظل الدستور – بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسى فى الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها فى الإطار الذى رسمه لها، بما يستتبع حتماً ضمان حق الانضمام إليها، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً، يتشكل البنيان الطبيعى للحزب وتتأكد شرعية وجوده فى واقع الحياة السياسية، وبالتالى فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.
3 – إن المادة 62 من الدستور. التى وردت فى الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن: “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته فى الحياة العامة واجب وطنى” ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها فى هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التى حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم فى اختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن فى ممارسة تلك الحقوق وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة عن طريق ممارسة لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به فى أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة فى المادة 62 منه.
4 – لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، حسبما يبين من عبارتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة، حرماناً مطلقاً ومؤبداً بما ينطوى على إهدار لأصل الحقوق، ويشكل بالتالى اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.
5 – الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها،الا أن هذا لا يعنى إطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومباشرتهم لحقوقهم السياسية، ينبغى ألا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور، وحرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً ومؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذى يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
الإجراءات
بتاريخ 7 مايو سنة 1984، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1548 لسنة 38 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى فى 12 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعيين كانا قد أقاما الدعوى رقم 1548 لسنة 38 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالبين فيها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرارين الصادرين من المدعى العام الاشتراكى فى الثانى عشر من يونيه سنة 1978، المتضمنين إخطارهما بسريان حكم المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى فى حقهما لاشتراكهما فى قيادة حزب الوفد المصرى القديم وإدارته. وإذ تراءى لمحكمة القضاء الإدارى عدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 المشار إليه، فقد قضت فى 12 فبراير سنة 1984 بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها استناداً إلى ما استظهرته من مخالفتها لأحكام المواد 5، 40، 41، 62، 178 من الدستور.
وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعى المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبى تم أعمالاً لنص المادة 152 من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسى وتحقيق مصلحتها السياسية فى حمايه الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التى تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة 152 من الدستور من أن “لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا”، ولا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التى يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لا يجوز أن يتخذ هذا الاستفتاء – الذى رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه – ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت فى الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التى لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها فى المادة 189 من الدستور، وبالتالى لا تصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعى أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالى لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية هذا فضلاً عن أن النص التشريعى المطعون عليه، قد صدر فى شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين فى مباشرة الحقوق السياسية التى كفلها الدستور، والتى ينبغى على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى – برمته – على غير أساس متعيناً رفضه.
وحيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى – المطعون عليها – تنص على أنه “لا يجوز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق أو الأنشطة السياسية لكل من تسبب فى إفساد الحياة السياسية قبل ثورة يوليو سنة 1952 سواء كان ذلك بالاشتراك فى تقلد المناصب الوزارية منتمياً إلى الأحزاب السياسية التى تولت الحكم قبل 23 يوليو 1952، أو بالاشتراك فى قيادة الأحزاب وإدارتها، وذلك كله فيما عدا الحزب الوطنى والحزب الاشتراكى (حزب مصر الفتاه).
ويعتبر اشتراكاً فى قيادة الحزب وإدارته، تولى مناصب الرئيس أو نواب الرئيس أو وكلائه أو السكرتير العام أو السكرتير العام المساعد أو أمين الصندوق أو عضوية الهيئة العليا للحزب.
ويخطر المدعى العام الاشتراكى مجلس الشعب، وذوى الشأن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل بهذا القانون ببيان أسماء من ينطبق عليهم حكم الفقرة الأولى ولصاحب الشأن خلال عشرة أيام من تاريخ إبلاغه بذلك، أن يتظلم إلى مجلس الشعب من إدراج اسمه فى هذا البيان إذا لم يكن قد تقلد أحد المناصب المشار إليها بالفقرة الأولى.
ويبت المجلس فى التظلم بأغلبية أعضائه مع مراعاة حكم المادة 96 من الدستور”.
وحيث إنه مما ينعاه قرار الإحالة على هذه المادة، أنها إذا قضت بحرمان فئة من المواطنين من حق الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية، تكون قد انطوت على مخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.
وحيث إن المادة 5 من الدستور – المعدلة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – تنص على أن ” يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك فى إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية” وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذرى فى إحدى ركائز النظام السياسى فى الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت تنص قبل تعديلها على أن “الاتحاد الاشتراكى العربى هو التنظيم السياسى الذى يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديموقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية، وهو أداة هذا التحالف فى تعميق قيم الديموقراطية والاشتراكية وفى متابعة العمل الوطنى فى مختلف مجالاته ودفع هذا العمل إلى اهدافه المرسومة”. وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبى الوحيد ممثلاً فى الاتحاد الاشتراكى العربى، بنظام تعدد الأحزاب، وذلك تعميقاً للنظام الديموقراطى الذى أقام عليه الدستور البنيان السياسى للدولة بما نص عليه فى مادته الأولى من أن “جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكى ديموقراطى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة…” وبما ردده فى كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديموقراطية التى أرساها، وتشكل معالم المجتمع الذى ينشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهى جوهر الديموقراطية – أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهى هدفها – أو بالاشتراك فى ممارسة السلطة – وهى وسيلتها – ، كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديموقراطية تقوم أصلاً على الحرية، وأنها تتطلب – لضمان إنفاذ محتواها – تعدداً حزبياً، بل هى تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.
لما كان ذلك، وكان الدستور إذ نص فى مادته الخامسة على تعدد الأحزاب كأساس للنظام السياسى فى جمهورية مصر العربية، يجعل هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب جميعها – سواء عند تكوينها أو فى مجال ممارستها لعملها – بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور، وهو ما لا يعنى أكثر من تقيد الأحزاب كتنظيمات سياسية تعمل فى ظل الدستور- بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه، فإن الدستور إذ تطلب تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسى فى الدولة، يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها فى الاطار السياسى فالذى رسمه لها، بما يستتبع حتماً ضمان حق الانضمام إليها، ذلك أنه من خلال ممارسة هذا الحق، وبه أساساً، يتشكل البنيان الطبيعى للحزب وتتأكد شرعية وجوده فى واقع الحياة السياسية، وبالتالى فإن الحرمان منه يشكل اعتداء على حق كفله الدستور.
وحيث إن المادة 62 من الدستور. التى وردت فى الباب الثالث منه الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة تنص على أن: “للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته فى الحياة العامة واجب وطنى” ومؤدى ذلك أن الحقوق السياسية المنصوص عليها فى هذه المادة، اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التى حرص على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان أسهامهم فى اختيار قياداتهم وممثليهم فى إدارة دفة الحكم ورعاية مصالح الجماعة، ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن فى ممارسة تلك الحقوق، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته فى الحياة العامة عن طريق ممارسته لها، واجباً وطنياً يتعين عليه القيام به فى أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن إهدار تلك الحقوق يعد بدوره مخالفة لأحكام الدستور ممثلة فى المادة 62 منه.
وحيث إنه لما كان مقتضى نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، حسبما يبين من عبارتها المطلقة، حرمان فئة من المواطنين من حقهم فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومن مباشرة الحقوق والأنشطة السياسية كافة، حرماناً مطلقاً ومؤبداً بما ينطوى على إهدار لأصل تلك الحقوق، ويشكل بالتالى اعتداء عليها بالمخالفة لحكم كل من المادتين 5، 62 من الدستور.
وحيث أنه لا يقدح فى هذا النظر، ما ذهبت إليه الحكومة من أن النص المطعون عليه يسانده ما قدره المشرع من استبعاد من أفسدوا الحياة السياسية قبل الثورة من ممارسة أى نشاط سياسى وذلك فى إطار السلطة التقديرية المخولة له أعمالاً للتفويض الدستورى الذى تضمنته المادتان 5، 62 من الدستور عندما أحالتا تنظيم الأحزاب السياسية ومباشرة الحقوق السياسية إلى القانون، دون وضع قيود محددة لهذا التنظيم، ذلك أنه وإن كان الأصل فى سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وأن الرقابة على دستورية التشريعات لا تمتد إلى ملاءمة إصدارها، أن هذا لا يعنى إطلاق هذه السلطة فى سن القوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين فى الانتماء إلى الأحزاب السياسية، ومباشرتهم لحقوقهم السياسية، ينبغى ألا يعصف بهذه الحقوق أو يؤثر على بقائها على نحو ما سلكه النص المطعون عليه، إذ تعرض لحقوق عامة كفلها الدستور، وحرم فئة من المواطنين منها حرماناً مطلقاً ومؤبداً على ما سلف بيانه مجاوزاً بذلك دائرة تنظيم تلك الحقوق، الأمر الذى يحتم إخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، ولما كانت باقى أحكام هذه المادة مترتبة على الحكم الوارد بالفقرة الأولى المشار إليها، بما مؤداه ارتباط فقرات المادة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل الفصل أو التجزئة، ومن ثم فأن عدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الرابعة وإبطال أثرها يستتبع بحكم هذا الارتباط ابطال باقى فقرات المادة المشار إليها مما يستوجب الحكم بعدم دستوريتها برمتها.
لهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الرابعة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى.