جلسة 7 مايو سنة 1988
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: منير أمين عبد المجيد وفوزي أسعد مرقس ومحمد كمال محفوظ وشريف برهام نور والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وواصل علاء الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (16)
القضية رقم 44 لسنة 7 قضائية “دستورية”
1- دستور – أحزاب سياسية “ضرورتها” ديمقراطية.
استعاضة الدستور عن التنظيم الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي بنظام تعدد الأحزاب، تعميقاً للديمقراطية التي أقام عليها الدستور البنيان السياسي للدولة، وتطلبها لضمان إنفاذ محتواها تعدداً حزبياً، وكضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.
2- دستور – أحزاب سياسية “ضمانات وجودها وتنظيمها”.
إقامة الدستور النظام السياسي في الدولة على أساس تعدد الأحزاب، مؤداه بالضرورة كفالة حرية تكوينها، وضمان حق الانضمام إليها، وأن يكون التعدد الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور.
3- الأحزاب السياسية “ماهيتها – أهدافها”
الأحزاب السياسية جماعات منظمة، تعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
4- الأحزاب السياسية “تميز برامجها”
عدم اشتراط قانون الأحزاب السياسية أن يقع التميز الظاهر في مبادئ وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو استمراره – قصر التميز على برنامج الحزب وسياساته وأساليبه التي يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه ضماناً للجدية ليكون في وجوده إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى.
5- دستور – أحزاب سياسية – “تميز برامجها”.
ورود تميز البرامج في قانون الأحزاب عاماً مجرداً لينطبق حكمه على جميع الأحزاب السياسية دون تفرقة في مجال تطبيقه بين حزب وآخر سواء عند نشوء الحزب أو كشرط لاستمراره، يتحقق به مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون طبقاً للمادتين (8)، (40) من الدستور.
6- الدساتير المصرية – الحريات والحقوق العامة.
حرص الدساتير المصرية المتعاقبة على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها ليكون لها قوة الدستور وسموه على القوانين العادية ولضمان عدم قيام المشرع بتقييدها أو إهدارها أو الانتقاص منها – خروج المشرع فيما يضعه من تشريعات على هذا الضمان الدستوري بتقييده الحق أو إهداره تحت ستار التنظيم، مخالف للدستور.
7- حرية الرأي – ديمقراطية – مبدأ السيادة الشعبية.
حرية الرأي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم – جوهر النظام الديمقراطي قيامه على مبدأ السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات – ومبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن يكون للشعب ممثلاً في نوابه أعضاء السلطة التشريعية الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن يكون له – بأحزابه ونقاباته وأفراده – رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات.
8- حرية الرأي – حريات وحقوق عامة.
حرية الرأي هي الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية كحق النقد وحرية الصحافة والطباعة والنشر وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء وحق مخاطبة السلطات العامة.
9- حرية الرأي أحزاب سياسية “حق تكوينها”
حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية، وحق تكوين الأحزاب السياسية يعد حقاً دستورياً متفرعاًَ عنها ومترتباً عليها لقيام النظم الديمقراطية على أساسها باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية.
10- حري الرأي – حرية الصحافة.
حرص الدساتير المصرية المتعاقبة على توكيد حرية الرأي باعتبارها من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي متحضر – حرية الصحافة هي السياج لحرية الرأي والفكر.
11- حرية الرأي “تنظيمها”
عدم اقتصار أثر حرية التعبير عن الرأي على صاحب الرأي وحده وإنما يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع – إباحة الدستور للمشرع تنظيمها، بما يكفل صونها وعدم الإضرار بالغير أو بالمجتمع.
12- المعاهدات الدولية “قوتها” – حرية الرأي.
المعاهدات الدولية التي يتم إبرامها والتصديق عليها واستيفاء إجراءات نفاذها، لها قوتها الملزمة لأطرافها – مناقشتها ونقدها وإبداء الرأي فيها، جاز في الحدود المشروعة – أساس ذلك، أن حرية التعبير عن الرأي، بما تمثله من إباحة النقد، حرية عامة دستورية، والمساهمة في الحياة العامة عن طريق ممارسة الحقوق العامة السياسية واجب وطني – المادتان (47)، (62) من الدستور – عدم جواز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة كفلها الدستور هي حريته في التعبير عن رأيه، سبباً في حرمانه من حق أو حرية عامة أخرى قررها الدستور.
13- أحزاب سياسية “حق تكوينها”
اشتراط المادة (4/ سابعاً) من القانون رقم 40 لسنة 1977 ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على إبدائه الرأي أو قيامه بأعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، مؤداه الإخلال بحرية هؤلاء في التعبير عن الرأي وحرمانهم حرماناً مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية، بما يؤدي إلى مصادرة هذا الحق وإهداره بالمخالفة للمادتين (5)، (47) من الدستور.
1 – إن المادة الخامسة من الدستور – المعدلة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – تنص على أن “يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية”، وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذري في إحدى ركائز النظام السياسي في الدولة. وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي بنظام تعدد الأحزاب وذلك تعميقاً للنظام الديمقراطي الذي أقام عليه الدستور البنيان السياسي للدولة بما نص عليه في مادته الأولى من أن “جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة……..” وبما ردده في كثير من مواده، من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهي جوهر الديمقراطية – أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهي هدفها – أو بالاشتراك في ممارسة السلطة – وهي وسيلتها – كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على الحرية وأنها تتطلب – لضمان إنفاذ محتواها – تعدداً حزبياً، بل هي تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.
2 – إن الدستور إذ نص على تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة، فإنه يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها وضمان حق الانضمام إليها، إلا أنه لم يشأ أن يطلق الحرية الحزبية إطلاقاً لا سبيل معه إلى تنظيمها، وإنما أراد – حسبما نصت على ذلك المادة (5) منه – أن يكون التعدد الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، كما جعل جانب التنظيم التشريعي فيه أمراً مباحاً، إذ عهد إلى القانون تنظيم الأحزاب السياسية، على أن يقف التدخل التشريعي – بناء على هذا التفويض – عند حد التنظيم الذي ينبغي ألا يتضمن نقضاً للحرية الحزبية أو انتقاصاً منها، وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحرية ذاتها أو النيل منها أو خرج على القواعد والضوابط التي نص عليها الدستور، وقع القانون – فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم – مخالفاً للدستور.
3 – إن الأحزاب الأساسية وهي جماعات منظمة تعني أساساً بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وهي أهداف وغايات كبرى تتعلق بصالح الوطن والمواطنين، تتلاقى عندها الأحزاب السياسية الوطنية جميعها أو تتحاذى في بعض مناحيها، الأمر الذي يجعل التشابه أو التقارب بين الأحزاب السياسية في هذه الأهداف أمراً وارداً.
4، 5 – إن قانون الأحزاب السياسية في البند ثانياً من مادته الرابعة لم يشترط أن يقع التميز الظاهر في مبادئ وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو استمراره وذلك بقصد إفساح المجال لحرية تكوينها، بل جاء الشرط مقصوراً على برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه التي يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه ضماناً للجدية وحتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده، وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها. لما كان ذلك، وكان اشتراط تميز برنامج الحزب وسياساته وأساليبه في تحقيق مبادئه وأهدافه تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى مما يدخل في نطاق التنظيم التشريعي الذي عهد به الدستور إلى القانون، وقد ورد النص عليه في البند (ثانياً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب عاماً مجرداً لينطبق حكمه على جميع الأحزاب السياسية التي صدر القانون منظماً لها، دون أن يميز في مجال تطبيقه بين حزب وآخر، سواء عند نشوء الحزب أو كشرط لاستمراره، الأمر الذي يتحقق به مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة لدى القانون اللذان قررهما الدستور في المادتين (8)، (40) منه، ومن ثم يكون النعي على نص البند المذكور مخالفته هاتين المادتين على غير أساس سليم متعيناً رفضه.
6- إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصداً من الشارع الدستوري أن يكون لهذه الحريات والحقوق قوة الدستور وسموه على القوانين العادية وحتى يكون النص عليها في الدستور قيداً على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، فتارة يقرر الدستور الحرية العامة ويبيح للمشرع العادي تنظيمها لبيان حدود الحرية وكيفية ممارستها من غير نقص أو انتقاص منها، وطوراً يطلق الحرية العامة إطلاقاً يستعصى على التقييد والتنظيم. فإذا خرج المشرع فيما يضعه من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية وردت في الدستور مطلقة، أو إهدار أو انتقص من حرية تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وقع عمله التشريعي مشوباً بعيب مخالفة الدستور.
7 – أن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات” وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في المادة (3) منه، وقررت مضمونه الدساتير المصرية السابقة عليه بدءاً بدستور سنة 1923، ذلك إن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن يكون للشعب – ممثلاً في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيا يعرض عليه من شئون عامة، وأن يكون للشعب أيضاً بأحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات.
8 – إن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة.
9 – إن حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة كحق تكوين الأحزاب السياسية، وحق الانضمام إليها، وحق الانتخاب والترشيح، وإبداء الرأي في الاستفتاء، بل إن قانون الأحزاب السياسية – وقد صدر في سنة 1977 قبل تعديل المادة (5) من الدستور سنة 1980 بالنص فيها على نظام تعدد الأحزاب – حين أراد واضعو هذا القانون إقامته على أساس من الدستور، قد ارتكنوا – على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه – إلى بعض الحريات والحقوق العامة المقررة في الدستور، ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية باعتبار أن حق تكوين الأحزاب يعد حقاً دستورياً متفرعاً عنها ومترتباً عليها، واستناداً إلى أن النظم الديمقراطية تقوم علي أساس التسليم بقيام الأحزاب السياسية باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها.
10 – إن حرية الرأي إذ تعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي متحضر، وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة وقررها الدستور القائم بالنص في المادة (47) منه على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون. والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني”. ولئن كان الدستور قد كفل بهذا النص “حرية التعبير عن الرأي” بمدلوله الذي جاء عاماً مطلقاً ليشمل الرأي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه مع ذلك قد خص حرية الآراء السياسية برعاية أوفى لما لها من ارتباط وثيق بالحياة السياسية وبسير النظام الديمقراطي في طريقه الصحيح، ذلك إن الضمانات التي قررها الدستور بشأن حرية الصحافة واستقلالها في أداء رسالتها وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري – حسبما نصت على ذلك المواد (48)، (206)، (207)، (208) من الدستور – إنما تستهدف أساساً كفالة حرية الآراء السياسية باعتبار أن حرية الصحافة هي السياج لحرية الرأي والفكر.
11- إن حرية التعبير عن الرأي لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده، بل يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع، ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية، وإنما، أباح للمشرع تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التي تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها في إطارها المشروع دون أن تتجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع.
12- لئن كان من المقرر طبقاً لقواعد القانون الدولي العام، أن المعاهدات الدولية التي يتم إبرامها والتصديق عليها واستيفاء الإجراءات المقررة لنفاذها لها قوتها الملزمة لأطرافها، وأن على الدول المتعاقدة احترام تعهداتها المقررة بمقتضاها، طالما ظلت المعاهدة قائمة ونافذة، إلا أن ذلك لا يضفي على المعاهدة حصانة تمنع المواطنين من مناقشتها ونقدها وإبداء رأيهم فيها، ذلك إن حرية التعبير عن الرأي – بما تشمله من إباحة النقد – هي حرية عامة دستورية مقررة بنص المادة (47) من الدستور، لكل مواطن أن يمارسها في حدودها المشروعة، يؤكد ذلك إن الدستور كفل في المادة (62) منه للمواطن حقوقاً عامة سياسية، واعتبر مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسة تلك الحقوق واجباً وطنياً، ومن هذه الحقوق حق إبداء الرأي في الاستفتاء، وإذ كان الرأي يحتمل القبول والرفض، فإن هذا النص الدستوري يكون قد أقر للمواطن بحريته التامة في الموافقة أو عدم الموافقة على ما يجري عليه الاستفتاء من أمور، وجاء مؤكداً لحريته في التعبير عن رأيه فيما يعرض عليه من مسائل أو يدور حوله من أحداث على النحو الذي ترتاح إليه نفسه ويطمئن إليه وجدانه، ومن ثم لا يجوز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة كفلها الدستور، هي حريته في التعبير عن رأيه سبباً في حرمانه من حق أو حرية عامة أخرى قررها الدستور.
13 – مؤدى النص في البند (سابعاً) من المادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية فيما تضمنه من اشتراط “ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوى أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 إبريل سنة 1979″، هو حرمان فئة من المواطنين من حقهم في تكوين الأحزاب السياسية حرماناً أبدياً وهو حق كفله الدستور حسبما يدل عليه لزوماً نص المادة (5) منه، وقد رتب النص المطعون عليه – في شق منه – هذا الحرمان على أخذ هؤلاء الأشخاص بآرائهم التي تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فإن هذا النص يكون قد انطوى على إخلال بحريتهم في التعبير عن الرأي وحرمانهم حرماناً مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية بما يؤدي إلى مصادرة هذا الحق وإهداره ويشكل بالتالي مخالفة للمادتين (5)، (47) من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 21 يوليه سنة 1985، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الطعن رقم 777 لسنة 30 قضائية عليا، بعد أن قضت المحكمة الإدارية العليا “الدائرة الأولى” في 4 مايو سنة 1985 بوقف الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية البندين (ثانياً) و(سابعاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الدعوى استوفت أوضاعها القانونية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من قرار الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد تقدم – عن نفسه وبصفته وكيلاً عن ستين عضواً مؤسساً – إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية في 11 أغسطس سنة 1983 بإخطار كتابي عن تأسيس حزب…….. مرفقاً به المستندات التي يتطلبها القانون. وبتاريخ 188 ديسمبر سنة 1983 أصدرت اللجنة قراراً مسبباً بالاعتراض على تأسيس الحزب، فطعن المدعي على هذا القرار أمام المحكمة الإدارية العليا “الدائرة الأولى” بالطعن رقم 777 لسنة 30 قضائية طالباً الحكم بإلغائه، وأثناء نظر الطعن أضافت الحكومة سببين جديدين للاعتراض على تأسيس الحزب، مبناهما أن حزب…… ليس متميزاً في برنامجه وسياساته تميزاً ظاهراً عن حزب…… وأن الطاعن قام بالتوقيع على أحد البيانات التي تضمنت دعوة إلى تحبيذ وترويج اتجاهات تتعارض مع معاهدة السلام مع إسرائيل، الأمر الذي ينتفي معه الشرطان الواردان في البندين (ثانياً) و(سابعاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، وإذ تراءى للمحكمة الإدارية العليا عدم دستورية هذين البندين، فقد قضت في 4 مايو سنة 1985 بوقف الطعن وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريتهما.
وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية تنص على أن “يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي:
(أولاً)………
(ثانياً) تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
(ثالثاً)………….
(رابعاً)…………
(خامساً)………..
(سادساً) عدم انتماء أي من مؤسسي أو قيادات الحزب أو ارتباطه أو تعاونه مع أحزاب أو تنظيمات أو جماعات معادية أو مناهضة للمبادئ المنصوص عليها في البند (أولاً) من هذه المادة أو في المادة 3 من هذا القانون أو في المادة الأولى من القانون رقم 33 لسنة 1978 (بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي) المشار إليه أو للمبادئ التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء على معاهدة السلام وإعادة تنظيم الدولة بتاريخ 20 إبريل سنة 1979.
(سابعاً) ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع المبادئ المنصوص عليها في البند السابق”.
وحيث إن مبنى النعي على البند (ثانياً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 المشار إليه، أن البند المذكور إذ اشترط لتأسيس الحزب السياسي أو استمراره التميز الظاهر في برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه عن الأحزاب الأخرى مع أن الشروط التي حددتها المادة الرابعة من القانون المشار إليه لتأسيس الأحزاب السياسية هي من الإفاضة والشمول على نحو يجعل “التشابه بين مبادئها وبرامجها وأساليبها أمراً وارداً”، فإن هذا البند المطعون عليه يكون قد انطوى على إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة وتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص في تأسيس الأحزاب السياسية لما يؤدي إليه من إباحته للبعض وحظره على البعض الآخر بالمخالفة للمادتين 8، 40 من الدستور.
وحيث إن المادة الخامسة من الدستور – المعدلة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 – تنص على أن “يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية” وقد تحقق بهذا التعديل تغيير جذري في إحدى ركائز النظام السياسي في الدولة، ذلك أن هذه المادة كانت تنص قبل تعديلها على أن “الاتحاد الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية الوطنية…….”.
وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبي الوحيد ممثلاً في الاتحاد الاشتراكي العربي بنظام تعدد الأحزاب وذلك تعميقاً للنظام الديمقراطي الذي أقام عليه الدستور البنيان السياسي للدولة بما نص عليه في مادته الأولى من أن “جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة…….” وبما ردده في كثير من مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهي جوهر الديمقراطية – أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهي هدفها – أو بالاشتراك في ممارسة السلطة – وهي وسيلتها – كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على الحرية وأنها تتطلب – لضمان إنفاذ محتواها – تعدداً حزبياً، بل هي تحتم هذا التعدد كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديداً حراً واعياً.
وحيث إن الدستور إذ نص في مادته الخامسة على تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة، فإنه يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها وضمان حق الانضمام إليها، إلا أنه لم يشأ أن يطلق الحرية الحزبية إطلاقاً لا سبيل معه إلى تنظيمها، وإنما أراد – حسبما نصت على ذلك المادة الخامسة منه – أن يكون التعدد الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، كما جعل جانب التنظيم التشريعي فيه أمراً مباحاً، إذ عهد إلى القانون تنظيم الأحزاب السياسية، على أن يقف التدخل التشريعي – بناء على هذا التفويض – عند حد التنظيم الذي ينبغي ألا يتضمن نقضاً للحرية الحزبية أو انتقاصاً منها وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحرية ذاتها أو النيل منها أو خرج على القواعد والضوابط التي نص عليها الدستور، وقع القانون – فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم – مخالفاً للدستور.
وحيث إن الأحزاب السياسية وهي جماعات منظمة تعني أساساً بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وهي أهداف وغايات كبرى تتعلق بصالح الوطن والمواطنين، تتلاقى عندها الأحزاب السياسية الوطنية جميعها أو تتحاذى في بعض مناحيها الأمر الذي يجعل التشابه أو التقارب بين الأحزاب السياسية في هذه الأهداف أمراً وارداً، ومن ثم لم يشترط البند ثانياً من المادة الرابعة من قانون الأحزاب المشار إليه أن يقع التميز الظاهر في مبادئ وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو استمراره وذلك بقصد إفساح المجال لحرية تكوينها، بل جاء الشرط مقصوراً على برنامج الحزب وسياساته وأساليبه التي يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه ضماناً للجدية حتى يكون للحزب قاعدة جماهيرية حقيقية تسانده وأن يكون في وجود الحزب إضافة جديدة للعمل السياسي ببرامج وسياسات متميزة عن الأحزاب الأخرى إثراء للعمل الوطني ودعماً للممارسة الديمقراطية تبعاً لاختلاف البرامج والاتجاهات المتعلقة بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسعة لنطاق المفاضلة بينها واختيار أصلح الحلول وأنسبها. لما كان ذلك وكان اشتراط تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق مبادئه وأهدافه تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى مما يدخل في نطاق التنظيم التشريعي الذي عهد به الدستور إلى القانون، وقد ورد النص عليه في البند (ثانياً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب عاماً مجرداً لينطبق حكمه على جميع الأحزاب السياسية التي صدر القانون منظماً لها، دون أن يميز في مجال تطبيقه بين حزب وآخر، سواء عند نشوء الحزب أو كشرط لاستمراره الأمر الذي يتحقق به مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة لدى القانون اللذان قررهما الدستور في المادتين 8، 40 منه، ومن ثم يكون النعي علي نص البند المذكور مخالفته هاتين المادتين على غير أساس سليم متعيناً رفضه.
وحيث إن النعي على نص البند (سابعاً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب المشار إليه، يقوم على أن البند المذكور إذ اشترط ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جديدة على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 إبريل سنة 1979، يكون هذا البند قد انطوي على مصادرة لحرية الرأي بالمخالفة للمادة 47 من الدستور.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923 على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصداً من الشارع الدستوري أن يكون لهذه الحريات والحقوق قوة الدستور وسموه على القوانين العادية وحتى يكون النص عليها في الدستور قيداً على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام، فتارة يقرر الدستور الحرية العامة ويبيح للمشرع العادي تنظيمها لبيان حدود الحرية وكيفية ممارستها من غير نقص أو انتقاص منها، وطوراً يطلق الحرية العامة وإطلاقاً يستعصي على التقييد والتنظيم فإذا خرج المشرع فيما يضعه من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية وردت في الدستور مطلقة، أو أهدر أو انتقص من حرية تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وقع عمله التشريعي مشوباً بعيب مخالفة الدستور.
وحيث إن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات”، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في المادة الثالثة منه، وقررت مضمونه الدساتير المصرية السابقة عليه بدءاً بدستور سنة 1923، ولا شك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن يكون للشعب – ممثلاً في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن يكون للشعب أيضاً بأحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات وفضلاً عن ذلك فإن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تعد حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة كحق تكوين الأحزاب السياسية وحق الانضمام إليها وحق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء، بل إن قانون الأحزاب السياسية – وقد صدر في سنة 1977 قبل تعديل المادة الخامسة من الدستور سنة 1980 بالنص فيها على نظام تعدد الأحزاب – حين أراد واضعو القانون المشار إليه أن يقيموا هذا القانون علي أساس من الدستور، قد ارتكنوا – على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه – إلى بعض الحريات والحقوق العامة المقررة في الدستور، ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية باعتبار أن حق تكوين الأحزاب يعد حقاً دستورياً متفرعاً عنها ومترتباً عليها، واستناداً إلى أن النظم الديمقراطية تقوم علي أساس التسليم بقيام الأحزاب السياسة باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها. وإذ كانت حرية الرأي تعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة علي ما سلف بيانه، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي متحضر وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة، وقررها الدستور القائم بالنص في المادة 47 منه على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني”، ولئن كان الدستور قد كفل بهذا النص “حرية التعبير عن الرأي” بمدلوله الذي جاء عاماً مطلقاً ليشمل الرأي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإنه مع ذلك قد خص حرية الآراء السياسية برعاية أوفى لما لها من ارتباط وثيق بالحياة السياسية وبسير النظام الديمقراطي في طريقه الصحيح، ذلك أن الضمانات التي قررها الدستور بشأن حرية الصحافة واستقلالها في أداء رسالتها وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري – حسبما نصت على ذلك المواد 48، 206، 207، 208 من الدستور – إنما تستهدف أساساً كفالة حرية الآراء السياسية باعتبار أن حرية الصحافة هي السياج لحرية الرأي والفكر.
وحيث إنه، لما كانت حرية التعبير عن الرأي لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده، بل يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع، ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية، وإنما أباح للمشرع تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التي تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها في إطارها المشروع دون أن تجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع.
وحيث إنه وإن كان من المقرر طبقاً لقواعد القانون الدولي العام، إن المعاهدات الدولية التي يتم إبرامها والتصديق عليها واستيفاء الإجراءات المقررة لنفاذها لها قوتها الملزمة لأطرافها، وأن على الدول المتعاقدة احترام تعهداتها المقررة بمقتضاها طالما ظلت المعاهدة قائمة ونافذة، إلا أن ذلك لا يضفي على المعاهدة حصانة تمنع المواطنين من مناقشتها ونقدها وإبداء رأيهم فيها، ذلك أن حرية التعبير عن الرأي – بما تشمله من إباحة النقد – هي حرية عامة دستورية مقررة بنص المادة 47 من الدستور، لكل مواطن أن يمارسها في حدودها المشروعة، يؤكد ذلك أن الدستور كفل في المادة 62 منه للمواطن حقوقاً عامة سياسية، واعتبر مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسة تلك الحقوق واجباً وطنياً، ومن هذه الحقوق، حق إبداء الرأي في الاستفتاء، وإذ كان الرأي يحتمل القبول والرفض، فإن هذا النص الدستوري يكون قد أقر للمواطن بحريته التامة في الموافقة أو عدم الموافقة على ما يجرى عليه الاستفتاء من أمور، وجاء مؤكداً لحريته في التعبير عن رأيه فيما يعرض عليه من مسائل أو يدور حوله من أحداث على النحو الذي ترتاح إليه نفسه ويطمئن إليه وجدانه، ومن ثم لا يجوز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة كفلها الدستور، هي حريته في التعبير عن رأيه سبباً في حرمانه من حق أو حرية عامة أخرى قررها الدستور.
لما كان ذلك وكان البند (سابعاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية فيما تضمنه من اشتراط “ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وافق عليها – الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 إبريل سنة 1979″، مؤداه حرمان فئة من المواطنين من حقهم في تكوين الأحزاب السياسية حرماناً أبدياً وهو حق كفله الدستور حسبما يدل عليه لزوماً نص المادة الخامسة منه، وقد رتب النص المطعون عليه – في شق منه – هذا الحرمان على أخذ هؤلاء الأشخاص بآرائهم التي تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل سالفة الذكر، فإن هذا النص يكون قد انطوى على إخلال بحريتهم في التعبير عن الرأي وحرمانهم مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية بما يؤدي إلى مصادرة هذا الحق وإهداره ويشكل بالتالي مخالفة للمادتين 5، 47 من الدستور.
وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم برفض الطعن بعدم دستورية نص البند (ثانياً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، وبعدم دستورية البند (سابعاً) من المادة الرابعة من القانون المشار إليه فيما تضمنه من اشتراط ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 إبريل سنة 1979.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولاً) برفض الطعن بعدم دستورية البند (ثانياً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية.
(ثانياً) بعدم دستورية البند (سابعاً) من المادة الرابعة من القانون المشار إليه فيما تضمنه من اشتراط ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء بتاريخ 20 إبريل سنة 1979.