الخط الساخن : 01118881009

جلسة 16 مايو سنة 1992

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.

قاعدة رقم (37)
القضية رقم 6 لسنة 13 قضائية “دستورية”

1 – دستور “حق الدفاع: ضمانة أولية – مكفول أصالة أو بالوكالة – كفالته للمعوزين”.
اقرار حق الدفاع كضمانه أولية لعدم الإخلال بالحربة الشخصية ولصون الحقوق والحريات عامة، وبمقتضى الفقرة الأولى من المادة 69 منه حق الدفاع مكفول أصالة أو وكالة، تخويل المشرع بموجب فقرتها الثانية تقرير الوسائل الملائمة لإعانة المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمان الدفاع عنها.
2 – حق الدفاع ضمانة لازمة – امتدادها إلى مرحلة ما قبل المحاكمة – ضرورته “دستور” توكيد ذلك.
حق الدفاع ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى ضروريا كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على اعمالهم أو غفوتها – عدم اقتصار قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها، بل تمتد مظلتها إلى المرحلة السابقة عليها، فقد تحدد نتيجة هذه المرحلة المصير النهائى للمتهم مما يجعل محاكمته بعدئذ اطارا شكليا لا يرد عنه ضررا، توكيد هذا الاتجاه فى المادة 71 من الدستور
3 – دستور “حق ابلاغ الغير أو الاستعانة به: مقصوده”
تخويل الدستور فى المادة 71 منه للمقبوض عليه أو المعتقل الحق فى إبلاغ من يرى أو الاستعانة به، مقصوده ضمان حقه فى الحصول على المشورة القانونية ممن يختاره من المحامين، وهى لازمة لمعاونته على إزالة الشبهات العالقة به وازاحة القيود المفروضة على حريته الشخصية، ومن غير الجائز معها الفصل بينه وبين محاميه، مما يسىء إلى مركزه سواء أثناء التحقيق الابتدائى أو قبله.
4 – دستور “ضمانه الدفاع”: المحاكمة المنصفة “أصل البراءة”
ضمانه الدفاع اعتبرها الدستور فى المادة 67 منه ركنا جوهريا فى المحاكمة المنصفة التى تطلبها كاطار للفصل فى كل اتهام جنائى، انطلاقا من أن انكارها انما يخل بالقواعد المبدئية لهذه المحاكمة – بما تتوخاه من صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه، والإخلال بها ينال من أصل البراءة، وهو وثيق الصلة بالحق فى الدفاع متمثلا فى حق المتهم فى مواجهة أدلة النيابة العامة ودحضها.
5 – دستور “افتراض البراءة – الموازنة بين حقى الفرد والجماعة – المتهم فى جناية”.
افتراض الدستور فى الفقرة الأولى من المادة 67 منه براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر له فيها ضمانات الدفاع، موازنته بذلك بين حق الفرد فى الحرية وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها، المتهم بجناية غالبا ما يكون مضطربا مهددا بإدانته بارتكابها إذا افتقد المعاونة الفعالة من محام له، وجوب أن يكون له وفقا للفقرة الثانية من هذه المادة محام يدير دفاعه.
6 – ضمانة الدفاع “دورها – موازنتها – الاستعانة بمحام”.
ضمانه الدفاع أكثر لزوما فى مجال الاتهام الجنائى لتأمين حقوق الفرد وحرياته، حق النيابة فى تقديم أدلة الاتهام يتعين أن يكون موازنا بضمانه الدفاع لدحض هذه الأدلة، حق الدفاع يغدوا سرابا بغير اشتماله على الحق فى سماع أقوال المتهم عن طريق محاميه.
7 – حق الدفاع “ضمانة أساسية – حقيقة مبدئية – غير ممكن انكاره”.
ححق الدفاع ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفعالية لأحكامه بما يحول دون الاخلال بحقوق الفرد وحرياته بغير وسائل القانون موضوعيا وإجرائيا، استقراره كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها، ومن غير الجائز للمشرع إهداره أو الانتقاص منه سواء كان بالأصالة، أو بالوكالة حين يقيم الشخص باختياره محاميا يراه أقدر على تأمين المصالح التى يستهدف حمايتها.
8 – ضمانة الدفاع “مجالها – القرار القضائى”.
انسحاب ضمانة الدفاع إلى كل دعوى، مدنية كانت أو جنائية، القرار الصادر من جهة لها ولاية الفصل فى نزاع معين لا يكون قضائيا إذا أغفلت النصوص المنظمة لها ضمانة الدفاع.
9 – حق الدفاع “اختيار محام”.
وجوب أن يظل الحق فى اختيار الشخص لمحام يقدر بنفسه كفاءته على إدارة الدفاع عنه محاطا بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع.
10 – ضمانه الدفاع “اختيار محام”.
اعتبار حق الشخص فى اختيار من يوليه ثقته من المحامين لازما لفاعلية ضمانة الدفاع.
11 – دستور “الحقوق”.
الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور عدم التمايز فيما بينها، وتتكافأ فى عدم جواز اقتحام المجال الحيوى لكل منها بقيود تشريعية.
12 – ضمانة الدفاع “اختيار محام”.
انكار حق الشخص فى اختيار من يقدر تميزه من المحامين فى الدفاع عنه لا يتمحض عن مصلحه مشرعة.
13 – تشريع “ضمانة الدفاع”.
فعالية ضمان الدفاع ينافيها ما قرره نص المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من حرمان فئة بذاتها من المحامين من مباشرة المحاماة أمام المحكمة الجزئية والابتدائية وما فى حكمها.
14 – دستور “مبدأ المساواة أمام القانون – مؤداه”.
حظر الدستور التمييز بين المواطنين سواء فى الأحوال المبينة فى المادة 40 منه أو فى غيرها، مؤدى مبدأ المساواة أمام القانون عدم اخلال المشرع بالحماية القانونية المتكافئة بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم القانونية.
15 – دستور “مبدأ المساواة أمام القانون – صوره المحددة بنص المادة 40 من الدستور غير واردة على سبيل الحصر: أساس ذلك”.
إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظورا فيها، مرده أنها الأكثر شيوعا من الناحية العملية، ولا يدل البتة على انحصارها فيها، وإلا كان التمييز فيما عداها جائزا من الناحية الدستورية، وهو ما يناقض مبدأ المساواة أمام القانون ويهدم الأساس الذى يتركز عليه.
16 – تشريع “تمييز مجحف”.
تمييز نص المادة 15 من قانون المحاماة بين الفئة التى شملها الحظر وغيرهم من المحامين تحكمى ومنهى عنه.
17 – تشريع “بطلان”
حكم الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون المحاماة مخالف للدستور، وبالتالى يسقط – ترتيبا على بطلانها – حكما الفقرتين الثانية والثالثة المرتبطتين بها.
1، 2 – إن الدستور نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه مقررا كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية ولصون الحقوق والحريات جميعها سواء فى ذلك تلك التى نص عليه الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها، فأورد فى شأن هذا الحق حكما قاطعا حين نص فى الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور على أن حق الدفاع أصلة أو بالوكالة مكفول، ثم خطا الدستور خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم مخولا المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، وهى بعد ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضروريا كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على أعمالهم أو غفوتها، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها، بل تمتد كذلك مظلتها وما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض عليه أو أعتقل وتجعل بعدئذ من محاكمته اطاراً شكليا لا يرد عنه ضررا، وبوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الأغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل قسرية لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد انتزاعه من محيطه وتقييد حريته على وجه أو آخر. وتوكيداً لهذا الاتجاه وفى إطاره، خول الدستور فى المادة 71 منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الاتصال بغيره لابلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون.
3 – خول الدستور فى المادة 71 منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الاتصال بغيره لابلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمة القانون، بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الحصول على المشورة القانونية التى يطلبها ممن يختاره من المحامين، وهى مشورة لازمة توفر سياجا من الثقة والاطمئنان، وتمده بالمعاونة الفعالة التى تقتضيها إزالة الشبهات العالقة به، ومواجهة تبعات القيود التى فرضتها السلطة العامة على حريته الشخصية، والتى لا يجوز معها الفصل بينه وبين محاميه بما يسيئ إلى مركزه، وذلك سواء أثناء التحقيق الابتدائى أو قبله.
4 – وضمانة الدفاع هى التى اعتبرها الدستور ركنا جوهريا فى المحاكمة المنصفة التى تطلبها فى المادة 67 منها كاطار للفصل فى كل اتهام جنائى، تقديرا بأن صون النظام الاجتماعى ينافيه أن تكون القواعد التى تقررها الدولة فى مجال الفصل فى هذا الاتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، وانطلاقا من أن انكار ضمانة الدفاع أو فرض قيود تحد منها، إنما يخل بالقواعد المبدئية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، والتى تعكس نظاما متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الانسان وحماية حقوقه الاساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها. كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة، ذلك أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك – ومن ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وقررته النصوص الصريحة للتعديل السادس للدستور الأمريكى والمادة 6 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.
5 – الفقرة الأولى من المادة 67 من الدستور التى افترض بموجبها براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، تعكس الموازنة التى أجراها بين حق الفرد فى الحرية من ناحية، وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى، وكان المتهم بجناية غالبا ما يكون مضطربا، مهددا بإدانته بارتكابها وبأن تفرض عليه عقوبة متناسبة مع خطورة الجريمة إذا اساء عرض دفاعه وأعوزته الحجة القانونية، وهو ما يقع فى الأرجح إذا حرم من حقه فى الإتصال بمحاميه فى حرية وفى غير حضور أحد، أو افتقد المعاونة الفعالة التى يقدمها، فقد حتم الدستور بنص الفقرة الثانية من المادة 67 أن يكون لكل متهم بجناية محام يدير دفاعه ويوجهه بما يصون حقوقه ويكفل من خلال الأدلة الواقعية والنصوص القانونية الحماية الواجبة لها سواء كان هذا المحامى منتدبا أو موكلا.
6 – إن دور ضمانة الدفاع فى تأمين حقوق الفرد وحرياته يبدو أكثر لزوما فى مجال الاتهام الجنائى، باعتبار أن الادانة التى قد يؤول إليها قد تفصل من الناحية الواقعية بينه وبين الجماعة التى ينتمى اليها، منهية – أحيانا – آماله المشروعة فى الحياة، ويتعين بالتالى أن يكون حق النيابة العامة فى تقديم أدلة الاتهام موازنا بضمانة الدفاع التى يتكافأ بها مركز المتهم معها – فى اطار النظام الاختصامى للعدالة الجنائية – كى يتمكن بوساطتها من مقارعة حججها، ودحض الأدلة المقدمة منها. ولقد غدا أمرا مقضيا أنه إذا كان حق الدفاع – فى هذا المجال – يعنى فى المقام الأول حق المتهم فى سماع أقواله، فإن حق الدفاع يغدو سرابا بغير اشتماله على الحق فى سماعه عن طريق محاميه، ذلك أن ما قد يبدو واضحا فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكا محاطا بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم أيا كان حظهم من الثقافة، وبوجه خاص إزاء الطبيعة المعقدة لبعض صور الاتهام، خفاء جوانبها المتعلقة بالقواعد التى تحكم الأدلة، بما يعزز الاقتناع بأنه بغير معونة المحامى الذى يقيمه الشخص باختياره وكيلا عنه إذا كان قادراً على الوفاء بأتعابه، أو معونة من تندبه المحكمة له إذا كان معسرا، فإنه قد يدان بناء على أدلة غير متعلقة بواقعة الاتهام أو غير جائز قبولها.
7 – حق الدفاع ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفعالية لأحكامه التى تحول دون الإخلال بحقوق الفرد وحرياته بغير الوسائل القانونية التى يقرها الدستور سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية، وهى بعد تؤمن لكل مواطن حماية متكافئة أمام القانون، وتعززها الأبعاد القانونية لحق التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة 68 انصرافه إلى الناس كافة، مسقطا عوائقه وحواجزه على اختلافها، وملقيا على الدولة بمقتضاه التزاما اصيلا بأن تكفل لكل متقاض نفاذا ميسرا إلى محاكمها للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها أو الإخلال بالحرية التى يمارسها، وكان حق الدفاع – بالنظر إلى أبعاده وعلى ضوء الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الإجتماعى للقضاء كحارس للحرية والحقوق على اختلافها انتقالا بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية إلى تطبيقاته العملية – قد أضحى – مستقرا كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها، مندرجا فى اطار المبادئ الأساسية للحرية المنظمة، واقعا فى نطاق القيم التى غدا الإيمان بها راسخا فى وجدان البشرية، وكانت ضمانة الدفاع بالتالى لم تعد ترفا يمكن التجاوز عنه، فإن التعلق بأهدافها الشكلية دون تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر انكارا لمضمونها الحق مصادما لمعنى العدالة، منافيا لمتطلباتها، ومن ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية اهدار هذا الحق أو الانتقاص منه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفا بذلك عن ان انكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الإغراض المقصودة منها، إنما يؤول فى أغلب صوره إلى اسقاط الضمانة التى كفلها الدستور لكل مواطن فى مجال الاتجاء إلى قاضيه الطبيعى، ويعرض حق الانسان فى الحياة والحرية الشخصية والكرامة الواجبة لصون آدميته لمخاطر مترامية فى أبعادها عميقة فى آثارها، وهو ما يعتبر هدما للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان الانكار أو التقييد منصرفا إلى حق الدفاع بالأصالة – بما يقوم عليه من ضمان الحرية الكاملة لكل فرد فى أن يعرض وجهة نظره فى شأن الوقائع المنسوبة اليه وأن يبين حكم القانون بصددها – أم كان متعلقا بالدفاع بالوكالة – حين يقيم الشخص باختياره محاميا يراه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، وعلى أساس من الخبرة والمعرفة القانونية والثقة.
8 – إن ضمانة الدفاع وإن كانت لا ترتبط لزوما بمرحلة المحاكمة و حدها كما سلف القول، إلا أن الخصومة القصائية تمثل مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية وهوا ما يحتم انسحابها إلى كل دعوى سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. ولقد كان تقدير هذه المحكمة لحق الدفاع واقرارها لأهميته واضحا فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائيا، وذلك بما جرى قضاؤها من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون قرارا قضائيا إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية وتبين حدودها.
9 – إستبعاد المادة 15 من قانون المحاماة – وهى النص المطعون عليه – من ولى الوزارة أو من شغل منصب مستشار فى إحدى الهيئات القضائية، وكذلك أساتذة القانون بالجامعات المصرية من ممارسة مهنة المحاماة أمام المحاكمة الابتدائية والجزئية، ينطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك أنه وإن صح القول بأن المعسرين لا حق لهم فى اختيار محاميهم، وإن حقوقهم فى مجال ضمانة الدفاع لا تجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم، ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض، فإن من الصحيح كذلك أن اختيار الشخص لمحام يكون قادرا على تحمل أتعابه، إنما يتم فى إطار علاقة قانونية قوامها الثقة المتبادلة بين طرفيها، ويتعين بالتالى أن يظل الحق فى هذا الاختيار محاطا بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع، كى يحصل من يلوذ بهذا الحق على المعونة التى يطلبها معتصما فى بلوغها بمن يختاره من المحامين، متوسما فيه أنه الأقدر – لعلمه وخبرته – على ترجيح كفته، ذلك أنه فى نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص ومحاميه، فإنه يكون مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التى يسفر عنها الحكم فى دعواه، فضلا عن أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفا فيها من المحامين حرية إدارة الدفاع وتوجيهه الوجهة التى يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله فى إطار أصول المهنة ومقتضياتها. وعلى ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختيار الحر، والتى يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره وأعمق دخائله اطمئنانا منها لجانبه، يتخذ المحامى قراراته حتى ما كان منها مؤثرا فى مصير موكله، بل إن حدود هذه العلاقة تحمله على أن يكون أكثر يقظة وتحفزا فى متابعته للخصومة القضائية، وتعقبه لمسارها، ومواجهته بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده، وبوجه خاص كلما كان الحكم بالإدانة أكثر احتمالا أو كانت النتائج المحتملة للحكم فى النزاع بعيده فى آثارها العملية أو القانونية.
10 – إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة التى يقدمها المحامى لمن يقوم بتمثيله، وهى ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على أن يختار محاميا أقل خبرة منحيا بذلك – وإعمالا للنص التشريعى المطعون عليه – من يقدر أنه أكثر موهبة وأنفذ بصرا، متى كان ذلك، فإن حق الشخص فى اختيار من يوليه ثقته من المحامين يغدو لازما لفعالية ضمانة الدفاع، والانتقال بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء فى مجال النهوض بالرسالة التى يقوم عليها، وتحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدما لا ينتكس بأهدافها، بل يثريها بدماء الخبرة والمعرفة. وبغيرها قد يؤول أمر الدفاع – فى عديد من صوره – إلى النمطية العقيمة التى لا إبداع فيها، والى افراغ متطلباته من محتواها.
11 – الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمى يجعل بعضها أقل شأنا من غيرها أو فى مرتبة أدنى منها، بل تتكافأ فى أن لكل منها مجالا حيويا لا يجوز اقتحامه بالقيود التى تفرضها النصوص التشريعية. ويتحدد هذا المجال بالنسبة إلى الحقوق التى نص عليها الدستور فى صلبه، على ضوء طبيعة كل حق منها، وبمراعاة الأغراض النهائية التى قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء اقراره، وفى اطار الرابطة الحتمية التى تقوم بين هذا الحق وغيره من الحقوق التى كفلها الدستور، باعتباره مدخلا اليها أو معززا لها، أو لازما لصونها.
12 – إنكار حق الشخص فى أن يختار من المحامين من يقدر تميزه فى الدفاع عن المصالح التى يتوخى تأمينها والذود عنها، لا يتمحض عن مصلحة مشروعة بل هو سعى إلى نقيضها.
13 – إن فعالية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة بذاتها من المحامين – تفترض خبرتها العريضة بفروع القانون المختلفة مع تعمقها لأغوارها – من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما فى حكمها، لمجرد كون أفرادها يشغلون وظيفة بعينها أو كانوا قائمين بأعبائها، وذلك لما ينطوى عليه هذا النص من انكار حق كل متقاضى فى اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته – سواء فى مجال قدراته القانونية، أو القيم التى يتحلى بها فى أداء عمله، أو الكيفية التى يباشر بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية – وليس ذلك كله إلا عدوانا على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضى مهدرا كذلك مبدأ الخضوع للقانون، ومجردا الحقوق والحريات التى نص عليها الدستور من أبرز ضماناتها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التى رسمها الدستور مجالا حيويا لحق الدفاع، وأخل بالحقوق الأخرى المرتبطة برابطة وثيقة، ووقع من ثم باطلا.
14، 15 – إن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءا بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون، كافلة تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلا فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق الحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى تلك الحقوق التى يضمنها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية وعلى ضوء ما يرتئيه محققا للمصلحة العامة. ولئن نص الدستور فى المادة 40 على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظورا فيها، مرده أنها الأكثر شيوعا فى الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها دون غيرها، إذ لو صح ذلك، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزا دستوريا، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور ويحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها. وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل فى أهميتها من ناحية محتواها وخطورة الآثار المترتبة عليها – عن تلك التى عينتها بصريح نصها، كالتمييز بين المواطنين – فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقا لأحكام الدستور، أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها بمراعاة قواعده – لاعتبار مرده إلى الملكية أو المولد أو الانتماء إلى أقلية عرقية، أو عصبية قبلية، أو مركز اجتماعى معين، أو الانحياز إلى آراء بذاتها أو الانضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الأعراض عن تنظيم تدعمه الدولة، وغير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة، مما يؤكد أن صوره المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة وتفرغه من محتواه، يتعين إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
16 – إذا كان الدستور قد كفل حق الدفاع بالوكالة بما يعنيه ذلك أصلا من ضمان حق الموكل فى فرصة مواتية يؤمن من خلالها اختيار محام يطمئن إليه ويثق فيه – ما دام قادرا على آداء أتعابه – وكان الحق فى هذا الاختيار يلعب دورا متميزا – سواء فى مجال فعالية المعونة التى يقدمها الوكيل إلى موكله، أو باعتباره مكونا أساسا لحق الدفاع بالوكالة فى مجالاته العملية الأكثر أهمية – وكانت المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى فى علاقته بموكله أمام المحاكم لا تقتصر على درجاتها العليا، وإنما تمتد كذلك إلى الخصومة القضائية فى مراحلها الأولى أمام المحاكم الجزائية أو الابتدائية – وما فى حكمها – وذلك لإرساء أسسها من البداية على دعائم قوية تؤمن مسارها، وترجح كفتها، سواء من ناحية عناصرها الواقعية أو دعاماتها القانونية، بما قد يضع نهاية مبكرة لها، ويوفر لموكله جهدا يهدر، وما لا يتبدد، إذا استطال أمرها، وكان المحامون الذين منعهم النص التشريعى المطعون فيه من مباشرة المهنة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما فى حكمها – هم هؤلاء الذين يشغلون وظيفة معينة أو كانوا يقومون بأعبائها – ولا يعتبرون بسببها أقل خبرة أو علما بالقانون ممن خولهم ذلك النص حرية ممارستها أمام هذه المحاكمة ذاتها، بل هم مهيأون للاضطلاع بمسئولياتهم المهنية أمامها بالنظر إلى خبراتهم المتميزة وإحاطتهم المتعمقة بعلم القانون، ولكونهم، من المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الأعلى درجة، وكان من المقرر أن المحامين ورجال الفضاء يلعبون معاً دوراً متكاملا فى مجال ضمان إداره أفضل للعدالة، وانه فى مجال مهنة المحاماة، فإن الحماية الملائمة لحقوق الأفراد وحرياتهم مناطها أن تزيل الدولة من خلال تنظيماتها التشريعية القيود غير المبررة التى تحول دون النفاذ الفعال إلى الخدمات القانونية التى يقدمها المحامون لمن يطلبونها، وكان مبدأ المساواة أمام القانون مؤداه ألا يخل المشرع بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم القانونية، فى حين حرم النص التشريعى المطعون فيه الفئة التى شملتها الحظر من الحق الذى كفله لغيرهم من المحامين، دون أن يستند فى التمييز بين هاتين الفئتين إلى مصلحة مشروعة، بل عمد إلى نقيضها، فإن هذا التمييز يكون مفتقرا إلى الأسس الموضوعية التى تسوغه، ويكون بالتالى تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور.
17 – متى كان حكم الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 مخالفا للمواد 40، 67، 68، 69، 71 من الدستور، وكانت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 15 من قانون المحاماة – فيما تنصان عليه من عدم سريان الحظر المشار إليه فى الفقرة الأولى على المحامين المقيدين لدى غير المحاكم المنصوص عليها فى الفقرة وقت صدور ذلك القانون، وقوع كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة باطلا – مرتبطتين بفقرتها الأولى ارتباطا لا يقبل التجزئة، إذ لا قوام لهما بدونها ولا يتصور إعمالهما استقلالا عنها، من ثم فإنهما يسقطان تبعا لها.


الإجراءات

بتاريخ 12 يناير سنة 1991 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبين الحكم بعدم دستورية المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى الثانى كان قد أقام الدعوى رقم 12074 لسنة 1989 مدنى كلى أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليهما الثالثة والرابع، وفيها حضر المدعى الأول مدافعا عن المدعى الثانى، وإذ نعى المدعى عليهما على إجراءات الدعوى بطلانها استنادا إلى أن المدعى الأول كان وزيرا سابقا للعدل ويشغل حاليا منصب أستاذ القانون العام بجامعة الاسكندرية، ولا يجوز بالتالى أن يمارس المحاماة أمام المحاكمة الابتدائية عملا بنص المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، فقد دفع الطاعن بعدم دستورية تلك المادة، وصرحت له المحكمة برفع الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
حيث إن الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون المحاماة المشار إليه تنص على أنه: “لا يجوز لمن ولى الوازرة أو شغل منصب مستشار بإحدى الهيئات القضائية وأساتذة القانون بالجامعات المصرية، أن يمارس المحاماة إلا أمام محكمة النقض وما يعادلها ومحاكم الاستئناف وما يعادلها ومحاكم الجنايات ومحكمة القضاء الإدارى” كما تنص فقرتها الثانية على ألا يسرى هذا الحظر على المحامين المقيدين لدى غير هذه المحاكم وقت صدور هذا القانون. وتنص فقرتها الثالثة على أن يقع باطلا كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة.
وحيث إن المدعين ينعيان على هذه المادة مخالفتها لنص المادتين 40، 69 من الدستور، التى تكفل أولاهما مبدأ المساواة أمام القانون، وتقرر الثانية أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، وذلك قولا منها بأن النص المطعون فيه حرم من المرافعة لدى المحاكم الجزئية والابتدائية: الوزراء ومستشارى الهيئات القضائية السابقين وأساتذة القانون بالجامعات المصرية، وكفل فى الوقت ذاته لمن عداهم من المحامين ممارسة المحاماة لدى المحاكم جميعها وبالنسبة إلى درجات التقاضى على اختلافها، مقيما بذلك تمييزا تحكميا بين هؤلاء وأولئك رغم تماثل مراكزهم القانونية وخضوعهم جميعا لذات الواجبات التى فرضها عليهم قانون المحاماة، وبالتالى أخل هذا التمييز بنص المادة 40 من الدستور وكذلك بما كفلته المادة 69 لكل متقاض من الحق فى اختيار محاميه الذى يثق فى قدراته القانونية ومستواه الخلقى. هذا بالاضافة إلى أن النص المطعون فيه يعكس انحرافا فى استعمال السلطة التشريعية فى أبلغ صوره وأكثرها مجافاة للمصلحة العامة وخروجا عليها، ذلك أن ما قصد إليه النص المطعون فيه من استبعاد فئة بذاتها من المحامين من المرافعة لدى المحاكم الجزئية والابتدائية، لا يعدو مجرد الرغبة فى التضييق عليهم فى الرزق اضرارا بهم، ومحاباة للآخرين، وهو ما تؤكده غرابة القيود التى أتى بها النص الطعين، إذ لا تعرفها تشريعات النقابات المهنية الأخرى.
وحيث إن ما ينعاه المدعيان من مخالفة النص المطعون فيه للمادة 69 من الدستور فى محله، ذلك أن الدستور نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه مقررا كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية ولصون الحقوق والحريات جميعها سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها، فأورد فى شأن هذا الحق حكما قاطعا حين نص فى الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور على أن حق الدفاع اصالة أو بالوكالة مكفول، ثم خطا الدستور خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية منها التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم مخولا المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، وهى بعد ضمانة لازمة كلما كان حضور المحامى فى ذاته ضروريا كرادع لرجال السلطة العامة إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على أعمالهم أو غفوتها، بم مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها بل تمتد كذلك مظلتها وما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن قبض عليه أو أعتقل وتجعل بعدئذ من محاكمته اطاراً شكليا لا يرد عنه ضررا، وبوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الاغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل قسرية لحمله على الأدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد انتزاعه من محيطه وتقييد حريته على وجه أو آخر. وتوكيداً لهذا الاتجاه وفى اطاره، خول الدستور فى المادة 71 منه كل من قبض عليه أو أعتقل حق الاتصال بغيره لإبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون، بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الحصول على المشورة القانونية التى يطلبها ممن يختاره من المحامين، وهى مشورة لازمة توفر سياجا من الثقة والاطمئنان، وتمده بالمعاونة الفعالة التى تقتضيها ازالة الشبهات العالقة به ومواجهة تبعات القيود التى فرضتها السلطة العامة على حريته الشخصيه. والتى لا يجوز معها الفصل بينه وبين محاميه “بما يسئ إلى مركزه، وذلك سواء أثناء التحقيق الابتدائى أو قبله وضمانة الدفاع هذه هى التى اعتبرها الدستور ركنا جوهريا فى المحاكمة المنصفة التى تطلبها فى المادة 67 منها كإطار للفصل فى كل اتهام جنائى تقديرا بأن صون النظام الاجتماعى ينافيه أن تكون القواعد التى تقررها الدولة فى مجال الفصل فى هذا الاتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، وانطلاقا من أن إنكار ضمانة الدفاع أو فرض قيود تحد منها، إنما يخل بالقواعد المبدئية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، والتى تعكس نظاما متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها. كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة، ذلك أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائما من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك – ومن ناحية أخرى – وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة، والحق فى دحضها بأدلة النفى التى يقدمها، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وقررته النصوص الصريحة للتعديل السادس للدستور الأمريكى والمادة 6 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان. متى كانت ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 67 من الدستور التى افترض بموجبها براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تتوافر له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، تعكس الموازنة التى أجراها بين حق الفرد فى الحرية من ناحية وحق الجماعة فى الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى، وكان المتهم بجنابة غلبا ما يكون مضطربا، مهددا بإدانته بارتكابها وبأن تفرض عليه عقوبة متناسبة مع خطورة الجريمة إذا أساء عرض دفاعه وأعوزته الحجة القانونية، وهو ما يقع فى الأرجح إذا حرم من حقه فى الاتصال بمحاميه فى حرية وفى غير حضور أحد، أو افتقد المعاونة الفعالة التى يقدمها، فقد حتم الدستور بنص الفقرة الثانية من المادة 67 أن يكون لكل متهم بجناية محام يدير دفاعه ويوجهه بما يصون حقوقه ويكفل من خلال الأدلة الواقعية والنصوص القانونية الحماية الواجبة لها سواء كان هذا المحامى منتدبا أو موكلا. والحق أن دور ضمانة الدفاع فى تأمين حقوق الفرد وحرياته يبدو أكثر لزوما فى مجال الاتهام الجنائى باعتبار أن الإدانة التى قد يؤول إليها قد تفصل من الناحية الواقعية بينه وبين الجماعة التى ينتمى إليها، منهية – أحيانا – آماله المشروعة فى الحياة، ويتعين بالتالى أن يكون حق النيابة العامة فى تقديم أدلة الاتهام موازنا بضمانة الدفاع التى يتكافأ بها مركز المتهم معها فى إطار النظام الاختصامى للعدالة الجنائية كى يتمكن بوساطتها من مقارعة حجمها ودحض الأدلة المقدمة منها. ولقد غدا أمرا مقضيا أنه إذا كان حق الدفاع – فى هذا المجال – يعنى فى المقام الأول حق المتهم فى سماع أقواله، فإن حق الدفاع يغدو سرابا بغير اشتماله على الحق فى سماعه عن طريق محاميه، ذلك أن ما قد يبدو واضحا فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكا محاطا بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم أيا كان حظهم من الثقافة، وبوجه خاص إزاء الطبيعة المعقدة لبعض صور الاتهام وخفاء جوانبها المتعلقة بالقواعد التى تحكم الأدلة بما يعزز الاقتناع بأنه بغير معونة المحامى الذى يقيمه الشخص باختياره وكيلا عنه إذا كان قادرا على الوفاء بأتعابه، أو معونة من تندبه المحكمة له إذا كان معسرا، فإنه قد يدان بناء على أدلة غير متعلقة بواقعة الاتهام أو غير جائز قبولها.
وحيث إن النصوص التى أوردها للدستور فى شأن حق الدفاع على النحو السالف بيانه تتضافر جميعها فى توكيد أن هذا الحق ضمانة أساسيا يوفر الدستور من خلالها الفعالية لأحكامه التى تحول دون الإخلال بحقوق الفرد وحرياته بغير الوسائل القانونية التى يقرها الدستور سواء فى جوانبها الموضوعية أو الإجرائية، وهى بعد حماية تؤمن لكل مواطن حماية متكافئة أمام القانون وتعززها الأبعاد القانونية لحق التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة 68 انصرافه إلى الناس كافة، مسقطا عوائقه وحواجزه على اختلافها، وملقيا على الدولة بمقتضاه التزاما أصيلا بأن تكفل لكل متقاض نفاذا ميسرا إلى محاكمها للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها أو الإخلال بالحرية التى يمارسها، وكان حق الدفاع – بالنظر إلى أبعاده وعلى ضوء الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الاجتماعى للقضاء كحارس للحرية والحقوق على اختلافها انتقالا بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية إلى تطبيقاته العملية – قد أضحى – مستقرا كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها، مندرجا فى إطار المبادىء الأساسية للحرية المنظمة، واقعا فى نطاق القيم التى غدا الإيمان بها راسخا فى وجدان البشرية، وكانت ضمانة الدفاع بالتالى لم تعد ترفا يمكن التجاوز عنه، فإن التعلق بأهدافها الشكلية دون تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر انكارا لمضمونها الحق مصادما لمعنى العدالة منافيا لمتطلباتها، ومن ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية اهدار هذا الحق أو الانتقاص منه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفا بذلك عن إن إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها، إنما يؤول فى أغلب صوره إلى اسقاط الضمانة التى كفلها الدستور لكل مواطن فى مجال الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، ويعرض حق الإنسان فى الحياة والحرية الشخصية والكرامة الواجبة لصون آدميته لمخاطر مترامية فى أبعادها عميقة فى آثارها، وهو ما يعتبر هدما للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان الانكار أو التقييد منصرفا إلى حق الدفاع بالأصالة – بما يقوم عليه من ضمان الحرية الكاملة لكل فرد فى أن يعرض وجهة نظره فى شأن الوقائع المنسوبة إليه وأن يبين حكم القانون بصددها – أم كان متعلقا بالدفاع بالوكالة – حين يقيم الشخص باختياره محاميا يراه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، وعلى أساس من الخبرة والمعرفة القانونية والثقة.
وحيث إن ضمانة الدفاع وإن كانت لا ترتبط لزوما بمرحلة المحاكمة وحدها كما سلف القول، إلا أن الخصومة القضائية تمثل مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية، وهو ما يحتم انسحابها إلى كل دعوى سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. ولقد كان تقدير هذه المحكمة لحق الدفاع واقرارها لأهميته واضحا فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائيا، وذلك بما جرى قضاؤها من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون قرارا قضائيا إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية وتبين حدودها.
وحيث إنه وإن صح القول بأن المعسرين لا حق لهم فى اختيار محاميهم، وان حقوقهم فى مجال ضمانة الدفاع لا تجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون من المحامين لهذا الغرض، فإن من الصحيح كذلك أن اختيار الشخص لمحام يكون قادرا على تحمل أتعابه، إنما يتم فى إطار علاقة قانونية قوامها الثقة المتبادلة بين طرفيها، ويتعين بالتالى أن يظل الحق فى هذا الاختيار محاطا بالحماية التى كفلها الدستور لحق الدفاع كى يحصل من يلوذ بهذا الحق على المعونة التى يطلبها معتصما فى بلوغها بمن يختاره من المحامين متوسما فيه أنه الأقدر – لعلمه وخبرته وتخصصه – على ترجيح كفته، ذلك أنه فى نطاق علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين الشخص ومحاميه، فإنه يكون مهيأ أكثر للقبول بالنتائج التى يسفر عنها الحكم فى دعواه، فضلا عن أن حدود هذه العلاقة توفر لمن كان طرفا فيها من المحامين حرية إدارة الدفاع وتوجيهه الوجهة التى يقدر أنها الأفضل لخدمة مصالح موكله فى إطار أصول المهنة ومقتضياتها. وعلى ضوء هذه الوكالة القائمة على الاختيار الحر والتى يودع من خلالها الموكل بيد محاميه أدق أسراره وأعمق دخائله اطمئنانا منها لجانبه، يتخذ المحامى قراراته حتى ما كان منها مؤثرا فى مصير موكله، بل أن حدود هذه العلاقة تحمله على أن يكون أكثر يقظة وتحفزا فى متابعته للخصومة القضائية وتعقبه لمسارها ومواجهته بالمثابرة لما يطرح أثناء نظرها مما يضر بمركز موكله فيها أو يهدده، وبوجه خاص كلما كان الحكم بالإدانة أكثر احتمالا أو كانت النتائج المحتملة للحكم فى النزاع بعيدة فى آثارها العملية أو القانونية.
وحيث إن ضمانة الدفاع قوامها تلك المعاونة التى يقدمها المحامى لمن يقوم بتمثيله، وهى ترتد على عقبيها إذا ما حمل الشخص على أن يختار محاميا أقل خبرة منحيا بذلك – وإعمالا للنص التشريعى المطعون عليه – من يقدر أنه أكثر موهبة وأنفذ بصرا. متى كان ذلك، فإن حق الشخص فى اختيار من يوليه ثقته من المحامين يغدو لازما لفاعلية ضمانة الدفاع، والانتقال بها إلى آفاق تعزز معاونة القضاء فى مجال النهوض بالرسالة التى يقوم عليها، وتحقق لمهنة المحاماة ذاتها تقدما لا ينتكس بأهدافها بل يثريها بدماء الخبرة والمعرفة وبغيرها قد يؤول أمر الدفاع – فى عديد من صوره – إلى النمطية العقيمة التى لا ابداع فيها، والى إفراغ متطلباته من محتواها.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمى يجعل بعضها أقل شأنا من غيرها أو فى مرتبة أدنى منها، بل تتكافأ فى أن لكل منها مجالا حيويا لا يجوز اقتحامه بالقيود التى تفرضها النصوص التشريعية، وكان هذا المجال يتحدد بالنسبة إلى الحقوق التى نص عليها الدستور فى صلبه على ضوء طبيعة كل حق منها، وبمراعاة الأغراض النهائية التى قصد الدستور إلى تحقيقها من وراء إقراره، وفى إطار الرابطة الحتمية التى تقوم بين هذا الحق وغيره من الحقوق التى كفلها الدستور باعتباره مدخلا إليها أو معززا لها أو لازما لصونها، وكان إنكار حق الشخص فى أن يختار من المحامين من يقدر تميزه فى الدفاع عن المصالح التى يتوخى تأمينها والذود عنها، لا يتمحض عن مصلحة مشروعة بل هو سعى إلى نقيضها، باعتبار إن فعالية ضمانة الدفاع ينافيها ما قرره النص المطعون فيه من حرمان فئة بذاتها من المحامين – الاصل أن تتوافر لها الخبرة العريضة والإحاطة بفروع القانون المختلفة مع تعمقها لأغوارها وتقصيها لدقائقها – من مباشرة مهنة المحاماة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما فى حكمها، لمجرد كون أفرادها يشغلون وظيفة بعينها أو كانوا قائمين بأعبائها، وذلك لما ينطوى عليه هذا النص من انكار حق كل متقاض فى اختيار محام من بينهم يكون محل ثقته – سواء فى مجال قدراته القانونية أو القيم التى يتحلى بها فى أداء عمله أو الكيفية التى يواجه بها مسئولياته المهنية من الناحية العملية – وليس ذلك كله إلا عدوانا على حق الدفاع ينال من القيمة العملية لحق التقاضى مهدرا كذلك مبدأ الخضوع للقانون ومجردا الحقوق والحريات التى نص عليها الدستور من أبرز ضماناتها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد اقتحم الحدود التى رسمها الدستور مجالا حيويا لحق الدفاع، وأخل بالحقوق الأخرى المرتبطة به برابطة وثيقة، ووقع من ثم باطلا. يؤدى هذا البطلان ما ينعاه المدعيان – بحق – على النص التشريعى المطعون فيه من مخالفته مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور ذلك أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءا بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلا فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق الحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها كذلك إلى تلك الحقوق التى يكفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققا للمصلحة العامة. ولئن نص الدستور فى المادة 40 على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها هى تلك التى يقوم فيها على أساس من الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بعينها يكون التمييز محظورا فيها مرده أنها الأكثر شيوعا فى الحياة العملية ولا يدل البتة على انحصاره فيها دون غيرها، إذ لو صح ذلك، لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزا دستوريا، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور ويحول دون تحقيق الأغراض التى قصد إليها من إرسائها. وآية ذلك أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل فى أهميتها – من ناحية محتواها وخطورة الآثار المترتبة عليها – عن تلك التى عينتها بصريح نصها، كالتمييز بين المواطنين – فى مجال الحقوق التى يتمتعون بها وفقا لأحكام الدستور أو فى نطاق حرياتهم التى يمارسونها بمراعاة قواعده – لاعتبار مرده إلى الملكية أو المولد أو الانتماء إلى أقلية عرقية أو عصبية قبلية أو مركز اجتماعى معين أو الانحياز إلى آراء بذاتها أو الانضمام إلى جمعية أو مساندة أهدافها أو الأعراض عن تنظيم تدعمه الدولة وغير ذلك من أشكال التمييز غير المبررة مما يؤكد أن صوره المختلفة التى تناقض مبدأ المساواة وتفرغه من محتواه، يتعين اخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية. لما كان ذلك، وكان الدستور قد كفل حق الدفاع بالوكالة بما يعنيه ذلك أصلا من ضمان حق الموكل فى فرصة مواتية يؤمن من خلالها اختيار محام يطمئن إليه ويثق فيه – ما دام قادرا على آداء أتعابه – وكان الحق فى هذا الاختيار يلعب دورا متميزا – سواء فى مجال فعالية المعونة التى يقدمها الوكيل إلى موكله أو باعتباره مكونا أساسا لحق الدفاع بالوكالة فى مجالاته العملية الأكثر أهمية – وكانت المعاونة الفعالة التى يقدمها المحامى فى علاقته بموكله أمام المحاكم لا تقتصر على درجاتها العليا، وانما تمتد إلى الخصومة القضائية فى مراحلها الأولى أمام المحاكم الجزئية أو الابتدائية – وما فى حكمها – وذلك لإرساء أسسها من البداية على دعائم قوية تؤمن مسارها وترجح كفتها سواء من ناحية عناصرها الواقعية أو دعاماتها القانونية بما قد يضع نهاية مبكرة لها ويوفر لموكله جهدا يهدر ومالا يتبدد إذا استطال أمرها، وكان المحامون الذين منعهم النص التشريعى المطعون فيه من مباشرة المهنة أمام المحاكم الجزئية والابتدائية وما فى حكمها – هم هؤلاء الذين يشغلون وظيفة معينة أو كانوا يقومون بأعبائها – ولا يعتبرون بسببها أقل خبرة أو علما بالقانون ممن خولهم ذلك النص حرية ممارستها أمام هذه المحاكم ذاتها، بل هم مهيأون للاضطلاع بمسئولياتهم المهنية أمامها بالنظر إلى خبراتهم المتميزة وإحاطتهم المتعمقة بعلم القانون، ولكونهم من المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الأعلى درجة، وكان من المقرر أن المحامين ورجال القضاء يلعبون معا دورا متكاملا فى مجال ضمان ادارة أفضل للعدالة، وأنه فى مجال مهنة المحاماة، فان الحماية الملائمة لحقوق الأفراد وحرياتهم مناطها أن تزيل الدولة من خلال تنظيماتها التشريعية القيود غير المبررة التى تحول دون النفاذ الفعال إلى الخدمات القانونية التى يقدمها المحامون لمن يطلبونها، وكان مبدأ المساواة أمام القانون مؤداه ألا يخل المشرع بالحماية القانونية المتكافئة فيما بين الأشخاص المتماثلة مراكزهم القانونية – فى حين حرم النص التشريعى المطعون فيه الفئة التى شملها الحظر من الحق الذى كفله لغيرهم من المحامين- دون أن يستند فى التميز بين هاتين الفئتين إلى مصلحة مشروعة – بل عمد إلى نقيضها – فان هذا التمييز يكون مفتقرا إلى الأسس الموضوعية التى تسوغه، ويكون بالتالى تحكميا ومنهيا عنه بنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه على ضوء ما بسطناه فيما تقدم يكون حكم الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 مخالفا للمواد 40، 67، 68، 69، 71 من الدستور. إذ كان ذلك وكانت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 15 من قانون المحاماة – فيما تنصان عليه من عدم سريان الحظر المشار إليه فى فقرتها الأولى على المحامين المقيدين لدى غير المحاكم المنصوص عليها فى الفقرة وقت صدور ذلك القانون، ووقوع كل عمل يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة باطلا – مرتبطتين بفقرتها الأولى ارتباطا لا يقبل التجزئة، إذ لا قوام لهما بدونها ولا يتصور إعمالهما استقلالا عنها، من ثم فإنهما يسقطان تبعا لها.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 15 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88