جلسة 15 مايو سنة 1993
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم (26)
القضية رقم 18 لسنة 13 قضائية “دستورية”
1 – حراسة قضائية – “طبيعتها – حقوق الحارس وسلطاته”.
الحراسة مزاوجة بين عقدين هما عقد الوديعة وعقد الوكالة – انطباقهما معاً على الحارس. مؤداه: مسؤولية الحارس عن صون المال وحفظه فضلاً عن إدارته.
2 – دعوى دستورية – “الصفة فيها”.
مسئولية الحارس القضائى على أعيان الوقف عن أعمال الحفظ التى تلزمها إلى أن يتم تسلميها إلى أصحابها. أثر ذلك: تخويله حق الطعن بعدم دستورية النص التشريعى الذى انتزع هذه الأعيان من ذويها.
3 – دستور – “ملكية خاصة”.
الملكية الخاصة مصونة طبقاً للدستور – عدم جواز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود وبالقيود التى أوردها الدستور.
4 – حق الملكية – “نفاذه فى مواجهة الكافة – القرار بقانون رقم 44 لسنة 1962”.
حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة. الحماية التى كفلها الدستور للملكية. مؤداها: عدم جواز إسقاط المشرع لها عن صاحبها سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، وعدم جواز نزعها من ذويها إلا فى الأحوال التى يقرها القانون ومقابل تعويض عادل ولمنفعة عامة. نص المادة 25 من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1962: إلزامه فئة من المستحقين لحصص فى الأوقاف التى انتهى فيها الوقف على غير الخيرات بالتقدم إلى الجهة الإدارية خلال موعد محدد مطالبين بملكيتهم وإلا انقلبت وقفاً خيرياً يتمحض عدواناً مباشراً على حق الملكية الخاصة.
5 – دستور – “تشريع – حقوق: تنظيمها – ضوابطه”.
الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية إلا أنها مقيدة بالتخوم التى فرضها الدستور حداً لها.
6 – مبدأ المساواة “ماهيته”.
عدم الإخلال بمبدأ الحماية القانونية المتكافئة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة – اختصاص النص المطعون فيه الفئة المخاطبة بأحكامه بمعاملة استثنائية لا تستند إلى أسس موضوعية، يوقعه فى حومة المخالفة الدستورية.
1، 2 – إذ كان ناظر الوقف على الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً عملاً بنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات – قد عين حارساً قضائياً على الأعيان التى كانت موقوفة، فقد أضحى ملزماً بأن يعمل على حفظها وأن يقوم بإدارتها، ذلك أن الأحكام التى تنتظم الحراسة، وبها تتحدد حقوق الحارس ونطاق سلطاته، هى مزاوجة بين عقدين هما عقد الوديعة وعقد الوكالة، وانطباقهما معا على الحارس، مؤداه أن له مهمتين تتمحض إحداهما عن صون المال وحفظه بصفته مودعاً عنده، وتخوله ثانيتهما إدارته باعتباره وكيلاً عن أصحابه. واندماج هذين العقدين معاً لا يدل على أنهما متكافئان فى مجال بيان المهمة التى يقوم الحارس عليها، وحدود مسئوليته، ذلك أن التزامه بصون الأموال التى يرعاها أظهر من واجبه كوكيل فى إدارتها. ومرد ذلك أن الحراسة فى حقيقتها لا تعدو أن تكون صورة خاصة من صور الوديعة، بل هى الصورة الأكثر وقوعاً فى العمل. إذ كان ذلك، وكانت وزارة الأوقاف – وعلى ما تقضى به المادة الخامسة والعشرون من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى والمجالس المحلية – هى التى تقوم بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها باعتبارها أوقافاً أهلية ليس لها مستحقون معلومون، وهى التى تعد الكشوف المتعلقة بها والمتضمنة بيان مقرها ومساحتها وحدودها على أن تنشر بالكيفية التى نظمتها هذه المادة لضمان اعلام كل ذى شأن بها، وكانت هذه المادة عينها قد ألزمت كل ذى شأن بأن يتقدم لوزارة الأوقاف مطالباً باستحقاقه فى تلك الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر، وإلا اعتبر نصيب من لم يتقدم وقفاً خيرياً. متى كان ما تقدم، وكان إعمال نص المادة الخامسة والعشرين المشار إليها – فيما تضمنته من اعتبار نصيب كل من لم يتقدم مطالباً باستحقاقه خلال الميعاد المحدد بها وقفاً خيرياً – مؤداه انتزاع الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً من يد الحارس عليها وإخراجها بأكملها من نطاق ولايته، وغل يده عنها، وانتقالها إلى غير مستحقيها، بل والتغيير فى طبيعتها بتحويلها من أموال مملوكة يباشر عليها أصحابها كل الحقوق المتفرعة عن الملكية، إلى أموال مرصودة على البر موجهة لتحقيق أغراضه، وهو ما يخل بمهمة الحارس كأمين عليها تقع عليه مسئولية أعمال الحفظ التى تلزمها – إلى أن يتم تسليمها إلى أصحابها – بما فى ذلك الطعن بعدم دستورية النص التشريعى الذى انتزع هذه الأعيان من ذويها، وأحال حقوقهم فى شأنها عدماً. ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها من غير ذى صفة حرياً بالرفض.
3 – حرص الدستور على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، وحافزه إلى الانطلاق إلى آفاق التنمية مقتحماًً دروبها، معبداً من خلالها طريقه إلى التقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وبتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ملحقاتها وثمارها ومنتجاتها، وذلك دون ما إخلال بالقيود التى تفرضها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية.
4 – من المقرر أن حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة، وأن حصانته تدرأ عنه كل عدوان أياً كانت الجهة التى صدر عنها، وأنه صوناً لحرمتها كفل الدستور حمايتها – على الأخص – من جهتين، أولاهما: أنها لا تزول بعدم استعمالها، ولا يجوز أن يجردها المشرع من لوازمها، ولا أن يفصل عنها أجزاءها المكونة له، ولا أن ينتقص من أصلها أو يعدل من طبيعتها، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبوجه خاص لا يجوز أن يسقطها المشرع عن صاحبها سواء كان بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا أن يقرر زوال حقه على الأموال محلها إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون، وطبقاً للأوضاع المنصوص عليها فيه. ثانيتهما: أنه لا يجوز نزع الملكية من ذويها – سواء عن طريق التأميم أو غيره – إلا فى الأحوال التى يقرها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه، ومقابل تعويض يكون معادلاً لقيمتها الحقيقية فى تاريخ نزعها، ولمنفعة أو مصلحة عامة لها اعتبارها. ودون ذلك تفقد الملكية الخاصة ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصباً لها أدخل إلى مصادرتها، وهو ما حرص الدستور على توكيده فى المادتين 32، 34 منه التى تقرر أولاهما حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الاستغلال، ودعمها لها شريطة أدائها لوظيفتها الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية. وتقرر ثانيتهما صون الملكية الخاصة بما يحول دون نزعها لغير منفعة عامة، ومقابل تعويض وفقاً للقانون. متى كان ما تقدم، وكان المستحقون فى الأعيان التى أصبح وقفها منتهياً – وسواء كانوا معلومين للجهة الإدارية أم كانوا غير معلومين لها – قد صاروا مالكين لحصص فيها ملكية باته غير معلقة على شرط بقدر الأنصبة التى كانت لهم قبل هذا الإنهاء، وكان النص التشريعى المطعون فيه قد ألزمهم بأن يتقدموا إلى الجهة الإدارية التى عينها، وخلال الموعد الذى حدده، مطالبين بملكيتهم وإلا حرموا منها بصفة نهائية بانقلابها وقفاً خيرياً، وكان هذا النص – وقد جرى على هذا النحو – قد تمحض عن عدوان مباشر على حق الملكية الخاصة بإرصاده الأموال محلها وقفاً خيرياً، وهو ما يناقض طبيعتها ويعدل من خصائصها، وينحل إلى انتزاعها من ذويها لغير منفعة عامة، ودون تعويض، وكان إسقاط الملكية عن أصحابها بعمل تشريعى يناقض الحقيقة القانونية التى لا يجوز بمقتضاها أن تنتقل الملكية من شخص معين إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون، فإن لازم ما تقدم أن النص التشريعى المطعون فيه يكون قد أزال الملكية عن أصحابها بإعدامه لها. وآية ذلك أن المستحقين لحصص فى الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً لا يفقدون – بالنص المطعون فيه – ملكيتهم لها لأن حقهم فيها يفتقر إلى دليل إثباته، وإنما تزول هذه الملكية عنهم بناء على واقعة لا شأن لها باستحقاقهم للحصص مثار النزاع، هى عدم مطالبتهم الجهة الادارية بها خلال موعد محدد.
5 – إن السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق مقيدة بالتخوم التى فرضها الدستور حداً لها، ومن بينها ألا يكون التنظيم التشريعى للحق مؤدياً إلى مصادرته أو منطوياً على اغتيال وجوده. وهو ما نحاه النص المطعون فيه باعتباره حصص المستحقين الذين قعدوا عن طلبها خلال موعد معلوم، وقفاً مرصوداً على جهة بر، مهدرا بذلك الحق فى الملكية عاصفاً بخصائصها، وبما يناهض كذلك مبدأ خضوع الدولة للقانون ما يتطلبه من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور لحماية الحقوق التى كفلها.
6 – إن النص التشريعى المطعون فيه قد أخل كذلك بمبدأ الحماية القانونية المتكافئة المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور، ذلك أنه خص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة استثنائية لا تستند إلى أسس موضوعية جاوز بها ما تقتضيه الحماية المتكافئة بين المركز القانونية المتماثلة، وهى معاملة رتبها على واقعة لا يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين، تلك هى عدم تقدم المستحقين إلى الجهة الإدارية التى حددها، خلال موعد معين، مطالبين بالحصص التى يملكونها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية.
الإجراءات
بتاريخ 14 من فبراير سنة 1991 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 25 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى والمجالس المحلية.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، دفعت فيها بعدم قبول الدعوى كما طلبت رفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن بعض مدعى الاستحقاق فى وقف المرحوم شهاب الدين أحمد الشهير نسبه بالرويعى، كانوا قد أقاموا أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية “نفس” الدعاوى أرقام 1568 لسنة 1988، 1968 لسنة 1988، 1969 لسنة 1988، 116 لسنة 1989 ضد المدعى – فى الدعوى الماثلة – بصفته حارسا قضائيا على الوقف المذكور طالبين فيها الحكم باستحقاقهم لأنصبة غير محددة فى أعيان ذلك الوقف يصير تحديدها بواسطة لجان القسمة تأسيساً على أنهم جميعاً من نسل الواقف ويستحقون فى وقفه، وأنه فيما جاوز حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء بالأغراض الخيرية التى رصد الوقف عليها، فإن باقى ريعه يتعين صرفه لمن حددهم الواقف من ذريته، وأنه إذ كان المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 قد نص فى مادته الثانية على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصاً لجهة بر، فإن ملكية الأعيان التى أصبح الوقف فيها منتهياً على هذا النحو تؤول إلى المستحقين، كل بقدر حصته أو حصة أصله فى الاستحقاق، وإذ كانت محكمة الموضوع قد قررت ضم الدعاوى أرقام 1968 لسنة 1988 و1969 لسنة 1988 و116 لسنة 1989 إلى الدعوى رقم 1568 لسنة 1988 لارتباطها وليصدر فيها جميعاً حكم واحد، وكانت وزارة الأوقاف – التى أدخلتها المحكمة خصماً جديداً – قد نازعت رافعيها استحقاقهم لأنصبة فى أعيان الوقف سالف الذكر قولاً منها بأنه كان يتعين عليهم أن يتقدموا بطلبها وفقاً للأحكام التى تضمنتها المادة الخامسة والعشرون من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى والمجالس المحلية، وإذ كانت هذه المادة ذاتها تنص على أنه إذا لم يتقدم كل ذى شأن مطالباً باستحقاقه وفقاً لأحكامها، فإن نصيبه يعتبر وقفاً خيرياً، فقد دفع المدعى بعدم دستوريتها، ثم أقام الدعوى الماثلة بعد تقدير محكمة الموضوع لجدية دفعه.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول هذه الدعوى تأسيساً على أن صفة رافعها كحارس على الأعيان التى كانت موقوفة تقف عند حد المحافظة عليها والقيام بإدارتها، ومباشرة حق التقاضى فيما ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات لا تمس أصل الحق. وذلك إلى أن يتمكن أصحابها من استلامها، وأنه إذ كان الحارس ليس من طالبى الاستحقاق فى الدعاوى الموضوعية، فإن صفته فى الدعوى الدستورية التى أقامها تكون منتفية.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ناظر الوقف على الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً عملاً بنص المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات – قد عين حارساً قضائياً على الأعيان التى كانت موقوفة، فقد أضحى ملزماً بأن يعمل على حفظها وأن يقوم بادارتها، ذلك أن الأحكام التى تنتظم الحراسة وبها تتحدد حقوق الحارس ونطاق سلطاته، هى مزاوجة بين عقدين هما عقد الوديعة وعقد الوكالة، وانطباقهما معا على الحارس مؤداه أن له مهمتين تتمحض إحداهما عن صون المال وحفظه بصفته مودعاً عنده، وتخوله ثانيتهما إدارته باعتباره وكيلاً عن أصحابه. واندماج هذين العقدين معاً لا يدل على أنهما متكافئان فى مجال بيان المهمة التى يقوم الحارس عليها، وحدود مسئوليته، ذلك أن التزامه بصون الأموال التى يرعاها أظهر من واجبه كوكيل فى إدارته، ومرد ذلك أن الحراسة فى حقيقتها لا تعدو أن تكون صورة خاصة من صور الوديعة، بل هى الصورة الأكثر وقوعاً فى العمل. إذ كان ذلك، وكانت وزارة الأوقاف – وعلى ما تقضى به المادة الخامسة والعشرون من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1962 – هى التى تقوم بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها باعتبارها أوقافاً أهلية ليس لها مستحقون معلومون، وهى التى تعد الكشوف المتعلقة بها والمتضمنة بيان مقرها ومساحتها وحدودها على أن تنشر بالكيفية التى نظمتها هذه المادة لضمان إعلام كل ذى شأن بها، وكانت هذه المادة عينها قد ألزمت كل ذى شأن بأن يتقدم لوزارة الاوقاف مطالبا باستحقاقه فى تلك الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر، وإلا اعتبر نصيب من لم يتقدم وقفاً خيرياً. متى كان ما تقدم، وكان إعمال نص المادة الخامسة والعشرين المشار إليها – فيما تضمنته من اعتبار نصيب كل من لم يتقدم مطالباً باستحقاقه خلال الميعاد المحدد بها وقفاً خيرياً – مؤداه انتزاع الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً من يد الحارس عليها وإخراجها بأكملها من نطاق ولايته، وغل يده عنها، وانتقالها إلى غير مستحقيها، بل والتغيير فى طبيعتها بتحويلها من أموال مملوكة يباشر عليها أصحابها كل الحقوق المتفرعة عن الملكية، إلى أموال مرصودة على البر موجهة لتحقيق أغراضه، وهو ما يخل بمهمة الحارس كأمين عليها تقع عليه مسؤولية أعمال الحفظ التى تلزمها – إلى أن يتم تسليمها إلى أصحابها – بما فى ذلك الطعن بعدم دستورية النص التشريعى الذى انتزع هذه الأعيان من ذويها، وأحال حقوقهم فى شأنها عدماً. ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها من غير ذى صفة حرياً بالرفض.
وحيث إن المدعى ينعى على المادة الخامسة والعشرين من القرار بقانون رقم 44 لسنة 1962 – المشار إليه – مخالفتها للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية قولاً منه بأنه وفقاً للمادتين الثانية والثالثة من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات، فإن المستحقين فى الأوقاف وقت العمل بأحكامه أصبحوا ملاكاً للقدر الذى انتهى فيه الوقف، وكان يتعين بالتالى صون ملكيتهم من العدوان، إلا أن النص المطعون عليه ألزمهم بأن يتقدموا لوزارة الأوقاف – خلال ميعاد معلوم – مطالبين بالحصص التى يملكونها فى هذه الأوقاف، وإلا اعتبر نصيب كل من لم يتقدم لطلبها وقفاً خيرياً بما مؤداه التعرض لملكيتهم بإسقاطها بالمخالفة للدستور الذى كفل حمايتها وحال دون مصادرتها بغير حكم قضائى، ومنع نزعها لغير المنفعة العامة ومقابل تعويض.
وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 تنص على أن يعتبر منتهياً كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصاً لجهة من جهات البر، فإذا كان الواقف قد شرط فى وقفه لجهة بر خيرات أو مرتبات دائمة معينة المقدار أو قابلة للتعيين مع صرف باقى الريع إلى غير جهات البر، اعتبر الوقف منتهياً فيما عدا حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء بنفقات تلك الخيرات أو المرتبات. وتنص مادته الثالثة على أن يصبح ما ينتهى فيه الوقف على الوجه المبين فى المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه، فإن لم يكن، آلت الملكية إلى المستحقين الحاليين كل بقدر حصته أو حصة أصله فى الاستحقاق. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 44 لسنة 1962 المشار إليه، ونص فى مادته الخامسة والعشرين على أن تقوم وزارة الأوقاف بحصر الأوقاف المقيدة بسجلاتها باعتبارها أوقافاً أهلية لها مستحقون غير معلومين. وتعد الوزارة كشوفاً بهذه الأوقاف يوضح بها اسم الوقف وأعيانه ومقرها ومساحتها ينشر فى جريدتين يوميتين، كما تلصق لمدة ثلاثة أشهر على الباب الرئيسى لمقر ديوان عام وزارة الأوقاف وبمقر الشرطة أو العمدة فى المدينة أو القرية التى توجد بدائرتها أعيان الوقف، ويكون لكل ذى شأن أن يطالب باستحقاقه فى هذه الأوقاف، وذلك بموجب طلب يقدم إلى وزارة الأوقاف خلال ستة أشهر من تاريخ النشر، فإذا مضت هذه المدة دون أن يتقدم ذوو الشأن بهذا الطلب أعتبر نصيب كل من لم يتقدم وقفاً خيرياً. وعملاً بالمادة السادسة والعشرين من ذلك القانون، تتولى فحص الطلبات المقدمة من ذوى الشأن طبقاً لأحكام المادة السابقة لجنة أو أكثر يرأسها قاضى تعينه وزارة العدل، ويصدر بتشكيلها وتحديد مكان انعقادها قرار من وزير الأوقاف، وتكون قرارات هذه اللجان نهائية ولا يجوز الطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن.
وحيث الدستور حرص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، وحافزه إلى الانطلاق إلى آفاق التنمية مقتحما دروبها، معبداً من خلالها طريقه إلى التقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وبتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ملحقاتها وثمارها ومنتجاتها، وذلك دون ما إخلال بالقيود التى تفرضها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية.
وحيث إن من المقرر أن حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة، وأن حصانته تدرأ عنه كل عدوان أياً كانت الجهة التى صدر عنها، وأنه صوناً لحرمتها كفل الدستور حمايتها – على الأخص – من جهتين، أولاهما: أنها لا تزول بعدم استعمالها، ولا يجوز أن يجردها المشرع من لوازمها، ولا أن يفصل عنها أجزاءها المكونة له، ولا أن ينتقص من أصلها أو يعدل من طبيعتها، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبوجه خاص لا يجوز أن يسقطها المشرع عن صاحبها سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا أن يقرر زوال حقه على الأموال محلها إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون وطبقاً للأوضاع المنصوص عليها فيه. ثانيتهما: أنه لا يجوز نزع الملكية من ذويها – سواء عن طريق التأميم أو غيره – إلا فى الأحوال التى يقرها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه، ومقابل تعويض يكون معادلاً لقيمتها الحقيقية فى تاريخ نزعها، ولمنفعة أو مصلحة عامة لها اعتبارها. ودون ذلك تفقد الملكية الخاصة ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصباً لها أدخل إلى مصادرتها، وهو ما حرص الدستور على توكيده فى المادتين 32، 34 منه التى تقرر أولاهما حماية الملكية الخاصة التى لا تقوم فى جوهرها على الاستغلال ودعمها لها شريطة أدائها لوظيفتها الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها مراعياً أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية، وتقرر ثانيتهما صون الملكية الخاصة بما يحول دون نزعها لغير منفعة عامة، ومقابل تعويض وفقاً للقانون.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المستحقون فى الأعيان التى أصبح وقفها منتهياً – وسواء كانوا معلومين للجهة الإدارية أم كانوا غير معلومين لها – قد صاروا مالكين لحصص فيها ملكية باتة غير معلقة على شرط بقدر الأنصبة التى كانت لهم قبل هذا الإنهاء، وكان النص التشريعى المطعون فيه قد ألزمهم بأن يتقدموا إلى الجهة الإدارية التى عينها، وخلال الموعد الذى حدده، مطالبين بملكيتهم وإلا حرموا منها بصفة نهائية بانقلابها وقفاً خيرياً، وكان هذا النص – وقد جرى على هذا النحو – قد تمحض عن عدوان مباشر على حق الملكية الخاصة بإرصاده الأموال محلها وقفاً خيرياً، وهو ما يناقض طبيعتها ويعدل من خصائصها، وينحل إلى انتزاعها من ذويها لغير منفعة عامة، ودون تعويض، وليس ذلك إلا إسقاطاً للملكية عن أصحابها بعمل تشريعى يناقض الحقيقة القانونية التى لا يجوز بمقتضاها أن تنتقل الملكية من شخص معين إلا إذا كسبها غيره وفقاً للقانون، بما مؤداه أن النص التشريعى المطعون فيه قد أزال الملكية عن أصحابها بإعدامه لها. وآية ذلك أن المستحقين لحصص فى الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً لا يفقدون – بالنص المطعون فيه – ملكيتهم لها لأن حقهم فيها يفتقر إلى دليل إثباته، وإنما تزول هذه الملكية عنهم بناء على واقعة لا شأن لها باستحقاقهم للحصص مثار النزاع، هى عدم مطالبتهم الجهة الإدارية بها خلال موعد محدد. ولا محاجة فيما قررته هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه قد صدر فى حدود السلطة التقديرية التى يملكها المشرع مستهدفاً تصفية أوضاع الأعيان التى اعتبر وقفها منتهياً وليس لها مستحقون معلومون، ذلك أن السلطة التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق مقيدة بالتخوم التى فرضها الدستور حدا لها، ومن بينها ألا يكون التنظيم التشريعى للحق مؤدياً إلى مصادرته أو منطوياً على اغتيال وجوده، وهو ما نحاه النص المطعون فيه باعتباره حصص المستحقين الذين قعدوا عن طلبها خلال موعد معلوم، وقفاً مرصوداً على جهة بر، وهو ما يعتبر إهداراً للحق فى الملكية عاصفاً بخصائصها، ومناهضاً مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يتطلبه من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور لحماية الحقوق التى كفلها.
وحيث إن النص التشريعى المطعون فيه قد أخل كذلك بمبدأ الحماية القانونية المتكافئة المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور، ذلك أنه خص الفئة التى تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة استثنائية لا تستند إلى أسس موضوعية جاوز بها ما تقتضيه الحماية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة، وهى معاملة رتبها على واقعة لا يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين. تلك هى عدم تقدم المستحقين إلى الجهة الإدارية التى حددها، خلال موعد معين، مطالبين بالحصص التى يملكونها. ومن ثم يكون النص المطعون فيه قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية لأحكام المواد 32، 34، 40، 65 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة والعشرين من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التى تديرها وزارة الاوقاف إلى الهيئة العامة للاصلاح الزراعى والمجالس المحلية، وذلك فيما تضمنته من اعتبار نصيب كل من لم يتقدم بطلبه إلى وزارة الاوقاف – خلال الميعاد المنصوص عليه فيها – وقفاً خيرياً، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.