جلسة 6 ديسمبر سنة 1993
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
(القاعدة رقم 7)
القضية رقم 43 لسنة 13 قضائية “دستورية”
1 – ضريبة “القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج – نطاق تطبيقه – فئات الضريبة”.
فرض هذه الضريبة طبقاً للقانون المشار إليه على الأجور والمرتبات التي يتقاضاها عن عملهم بالخارج العاملون في الدولة والقطاع العام والعاملون بنظم أو كادرات خاصة الحاصلون على إعارة أو أجازة خاصة بدون مرتب للعمل في الخارج, تتفاوت مبالغ الضريبة المحددة فيه بحسب درجاتهم الوظيفية.
2 – تشريع “القانون رقم 229 لسنة 1989 المشار إليه – أحكامه الأخرى”.
عدم خضوع الأجور والمرتبات والبدلات التي يحصل عليها العاملون في الخارج المشار إليهم للضريبة العامة على الدخل في مصر, وسداد الضريبة المفروضة بموجب القانون المذكور سنوياً وبالطريقة المحددة في لائحته التنفيذية, وسريانها على العامل الحاصل على إجازة خاصة لمرافقة الزوج الذي يعمل في الخارج متى ثبت التحاقه بأي عمل هناك, حظر تجديد الإعارة أو الإجازة إلا بعد سداد الضريبة المذكورة.
3 – دستور “ضريبة – فرضها: متى يكون هدفاً يحميه الدستور؟”.
ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجى من تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال ضريبة مفتقرة إلى قوالبها الشكلية أو أسسها الموضوعية اللازمة, جباية الأموال في ذاتها ليست هدفاً يحميه الدستور, يتعين أن تكون هذه الجباية وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه.
4 – دستور “ضوابطه” – ضريبة “وعائها – تحديد دينها – عدالتها” – الضريبة على مرتبات العاملين في الخارج “انفصامها عن وعائها”.
الضوابط التي يفرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان تقيدها بأحكامه هي ضوابط آمرة, لكل ضريبة وعاء يتمثل في المال الذي تفرض عليه. ويفترض تحديد دين الضريبة التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها باعتبار أن ذلك يعد شرطاً لازماً لعدالة الضريبة. وعاء الضريبة: يجب أن يكون محققاً, ومُحَدَّداً على أسس واقعية يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته. حصر وعاء الضريبة على العاملين في الخارج في أجورهم ومرتباتهم التي يتقاضونها عن عملهم في الخارج دون سواه, يستلزم أن يكون دين هذه الضريبة محدداً بمبلغ معين, متأتياً من مصدر هذا الدخل دون سواه. تحديده وفقاً لاعتبار آخر, دلالته: تخلف الرابطة المنطقية والحتمية بين وعاء الضريبة ومبلغها, بما يناقض الأسس الموضوعية للضريبة التي تعتبر قواماً لها من زاوية دستورية؛ وبغيرها تنحل الضريبة عدماً.
5 – تشريع “القانون رقم 229 لسنة 1989 – انفكاك الضريبة عن وعائها – مناقضته الأسس الموضوعية اللازمة لفرضها – افتقارها إلى العدالة الاجتماعية – أثره: انعدام الضريبة”.
توخي القانون رقم 229 لسنة 1989 المشار إليه, فرض ضريبة على أجور العاملين المصريين ومرتباتهم التي يحصلون عليها لقاء عملهم في الخارج. القانون المذكور غض البصر عن هذا الإيراد, وجعل دين الضريبة مرتبطاً بواقعة لا صله لها بوعائها, إذ حدد مقداره على ضوء الدرجة الوظيفية التي كان الخاضع للضريبة يشغلها قبل مغادرته البلاد. انفكاك الضريبة التي فرضها عن الدخل المحقق من العمل في الخارج المتخذ وعاء لها, مناقضة ذلك الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة من الناحية الدستورية إلا بها. الضريبة الواجب أداؤها قانوناً وفقاً للمادتين 61, 119 من الدستور. شروطها: هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية, وتكون العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المبينة في المادة 38 من الدستور. تخلف هذه المقومات جميعها في الضريبة التي فرضها القانون المشار إليه, يجعلها منعدمة وينفي بالتالي استحقاقها.
6 – مبدأ المساواة – تنظيم الحقوق – تشريع “القانون رقم 229 لسنة 1989”.
حرص الدستور على النص على مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون. امتداد هذا المبدأ إلى الحقوق والحريات التي يقررها القانون ويكون مصدراً لها. عدم جواز تأويل سلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم الحقوق, إلى التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة التي تتحدد وفقاً لشروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون. اقتصار تطبيق القانون المشار إليه على العاملين في الدولة والقطاع العام, وإخراجه من مجال سريانه – بالتالي – غير هؤلاء ممن يحققون دخلاً ناجماً عن عملهم في الخارج رغم اتحاد هاتين الفئتين في المركز القانوني. القانون المشار إليه, مايز بين الفئتين المذكورتين, بأن اختص إحداهما دون الأخرى بأحكامه, عدم استناد هذا التميز إلى أسس موضوعية, التمييز التحكمي منهي عنه بنص المادة 40 من الدستور.
7 – تشريع “القانون رقم 229 لسنة 1989: تحديد الضريبة بمبلغ ثابت – عدم تماثل المراكز القانونية – مخالفة مبدأ المساواة”.
تحديد القانون المشار إليه مبلغاً ثابتاً للضريبة لكل درجة وظيفية, تفاوت الشاغلين لهذه الدرجة فيما بينهم فيما يحصلون عليه من دخل لقاء عملهم في الخارج, مؤدى هذا التباين في مقدار المال المحمل بالضريبة, هو عدم تماثل مراكزهم القانونية. إخضاعهم جميعاً لضريبة واحدة, ثابت مبلغها, يناقض – من ثم – مبدأ المساواة.
1 – البين من الإطلاع على أحكام القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج, أنه بعد أن نص في مادته الأولى على أن “تفرض ضريبة على الأجور والمرتبات التي يتقاضاها عن عملهم بالخارج العاملون بالدولة والقطاع العام, والعاملون بنظم أو كادرات خاصة الحاصلون على إعارة أو إجازة خاصة بدون مرتب للعمل في الخارج” قضى في الفقرة الأولى من مادته الثانية بأن “تحدد قيمة الضريبة المنصوص عليها في المادة السابقة على الوجه الآتي:
( أ ) العاملون بالدرجات الرابعة والخامسة والسادسة, أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة، عشرون جنيهاً شهرياً.
(ب) العاملون من الدرجتين الثانية والثالثة, أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة, أربعون جنيهاً شهرياً.
(جـ) العاملون في الدرجتين مدير عام والأولى، أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة, ثمانون جنيهاً شهرياً.
(د) العاملون بالدرجات فوق مدير عام, أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة، مائة وعشرون جنيهاً شهرياً.
2 – وفقاً للفقرة من المادة الثانية من القانون رقم 229 لسنة 1989 المشار إليه. “لا تخضع الأجور والمرتبات والبدلات المشار إليها في هذه المادة للضريبة العامة على الدخل في مصر”. وتنص مادته الثالثة على أن “يكون سداد هذه الضريبة سنويا وبالطريقة التي تحددها اللائحة التنفيذية”. وتسري الضريبة النصوص عليها في هذا القانون – وعملاً بمادته الرابعة – على العامل الحاصل على إجازة خاصة لمرافقة الزوج الذي يعمل في الخارج متى ثبت التحاقه بأي عمل في الخارج خلال مدة الأجازة. وحظرت مادته الخامسة على الجهات الإدارية المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون، تجديد الإعارة أو الأجازة للعاملين الخاضعين لأحكامه، إلا بعد تقديم ما يفيد سداد هذه الضريبة على النحو المبين به؛ وخولت مادته السادسة وزير المالية بالاتفاق مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، إصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
3 – ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجي من وراء إقرار تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال تقرير ضريبة تفتقر إلى قوالبها, الشكلية، أو لا تتوافر في أركانها ودوافعها الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها. ذلك أن جباية الأموال – في ذاتها – لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور. بل يتعين أن تكون هذه الجباية وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه.
4 – من المقرر أن الضوابط التي يفرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان تقيدهما بأحكامه, هي ضوابط آمرة لا تبديل فيها ولا مهرب منها, وليس لأي جهة أو سلطة بالتالي أن تبغي عنها حولاً, أو أن تنقضها من أطرافها, أو أن تجعل لها عوجا, أو أن تتحلل من بأسها أمداً, إذ هي باقية دوماً, نافذة أبداً, لتفرض – بزواجرها ونواهيها – كلمة الدستور على المخاطبين بها, فلا ينسلخون منها. ولتكون قواعده مآبا لكل سلطة, وضابطاً لحركتها, ومتكئاً لأعمالها وتصرفاتها على اختلافها, ومرتفقاً لتوجهاتها, وكان لكل ضريبة وعاء – يعبر عنه أحياناً “بقاعدة الضريبة” base Tax – ويتمثل في المال الذي تفرض عليه, وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تحديد دين الضريبة, يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها, باعتبار أن ذلك يعد شرطاً لازماً لعدالة الضريبة, ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، إذا كان ذلك كذلك، تعين أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها, مُحققاً ومُحدداً على أسس واقعية يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه. ولا يكون الوعاء محققاً إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال أو الترخص. ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها, إنما يتحدد مرتبطاً بوعائها, وباعتباره منسوباً إليه, ومحمولاً عليه, وفق الشروط التي يقدر المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور. وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى. ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها, والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها. فإذا حدد المشرع وعاءً للضريبة التي فرضها بأن حصره في أجور العاملين ومرتباتهم التي يتقاضونها عن عملهم في الخارج, تعين أن يكون دين الضريبة محدداً بمبلغ معين متأتياً من مصدر هذا الدخل دون سواه, ومترتباً على وجوده – حقيقة لا حكماً – ومرتبطاً بمقداره – واقعاً لا مجازاً – فإذا كان دين الضريبة منفصماً عن وعائها، وليس نتاجاً لتحقق الدخل المحمل بعبئها, بل محدداً وفقا لاعتبار آخر, دل ذلك على أن الرابطة المنطقية والحتمية بين وعاء الضريبة ومبلغها متخلفة بتمامها. بما يناقض الأسس الموضوعية للضريبة التي تقرر هذه المحكمة أنها تعتبر قواماً لها من زاوية دستورية, وبغيرها تنحل الضريبة عدماً.
5 – البين من أحكام القانون رقم 229 لسنة 1989 المشار إليه, أنها تتوخى فرض ضريبة على صور بعينها من صور الدخل, تتمثل في أجور العاملين المصريين ومرتباتهم التي يحصلون عليها لقاء علمهم في الخارج. وبالتالي يكون الإيراد المحقق الذي نجم فعلاً عن هذا العمل, وعاء للضريبة, وكان يتعين بالتالي إن يُرَدَّ دين الضريبة أو مبلغها – إلى المال المحمل بعبئها من ناحية, وأن يكون متناسباً مع مقداره زيادة أو نقصاناً من ناحية أخرى, بما يصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة. إلا أن القانون المطعون فيه غض بصره عن الدخل المحقق من العمل في الخارج. وجعل دين الضريبة مرتبطاً بواقعة أخرى لا صلة لها بوعائها, إذ حدد مقداره على ضوء الدرجة الوظيفية التي كان العامل يشغلها قبل مغادرته جمهورية مصر العربية, وجعل مبلغها بالنسبة إلى كل درجة رقماً ثابتاً مقدراً تبعاً لموقعها من البنيان الهرمي الوظيفي على النحو المبين تفصيلاً في مادته الثانية, وبذلك أفرغ مادته الأولى التي عين بها وعاء الضريبة من مضمونها, لتغدو هائمة في الفراغ, منعزلة عن واقعها، بعد أن انفكت الضريبة التي فرضها عن الدخل المحقق من العمل في الخارج المتخذ وعاء لها, وهو ما يناقض الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة من الناحية الدستورية إلا بها, بما مؤداه انعدامها, ذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان 61, 119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية على النحو المتقدم بيانه, وتكون العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور, ويندرج تحتها أن يكون دين الضريبة متناسباً مع مقدار الدخل الخاضع لها. وتلك هي العدالة في توزيع الأعباء والتكاليف العامة التي اعتبرتها المادة الرابعة من الدستور – بعد تعديلها من خصائص النظام الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوم عليه الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية. متى كان ما تقدم, فإن انعدام الضريبة يكون منافياً لاستحقاقها, ولوجوبها ديناً في ذمة الممول, ولجواز تكليفه بأدائها, ذلك أن تحصيل الضريبة وفقاً لأحكام المواد 38, 61, 119 من الدستور, يفترض توافر مقوماتها, والأسس الواقعية لعدالتها, وجميعها متخلفة بالنسبة إلى الضريبة التي فرضها القانون المطعون فيه.
6 – أفرد الدستور بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة, وصدره بالنص في المادة 40 على أن المواطنين لدى القانون سواء, وكان مبدأ المساواة أمام القانون, هو ما رددته الدساتير المصرية جميعها باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وعلى تقدير الغاية التي يتوخاها, تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم في مواجهة صور من التمييز تنال منها أو تقيد ممارستها. وغدا هذا المبدأ في جوهرة وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة, والتي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي يقررها القانون ويكون مصدراً لها, وكانت السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق, لا يحوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة التي تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون, وكان القانون المطعون فيه قد صدر – حسبما يبين من عنوانه – بفرض ضريبة على مرتبات العاملين في الخارج, إلا أن النصوص التي فصل بها المشرع أحكام هذه الضريبة, ومن بينها تحديده للمخاطبين بها, يَدل على أنه قصر تطبيقها على العاملين في الدولة والقطاع العام أياً كانت طبيعة النظم الوظيفية التي يخضعون لها, وبذلك أخرج من مجال سريانها غير هؤلاء ممن يحققون دخلاً ناجماً عن عملهم في الخارج ومتولداً عنه, وهم فئة من المواطنين تتوافر بالنسبة إليها عين الواقعة المنشئة للضريبة التي فرضها على العاملين في الدولة ووحداتها الاقتصادية، مما مؤداه اتحاد هاتين الفئتين في المركز القانوني, وكان ينبغي من ثم إخضاعهما معاً لقاعدة قانونية واحدة يتحقق من خلالها التكافؤ في المعاملة القانونية. غير أن القانون المطعون فيه مايز بين هاتين الفئتين بأن اختص إحداهما بأحكامه, دون أن يستند في هذا التميز إلى أسس موضوعية, وأضحى هذا التميز بالتالي تحكمياً, ومنهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
7 – لما كان القانون المطعون فيه, قد حدد لكل درجة وظيفية ضريبة ثابتة نص عليها في صلبه, وكان الشاغلون لهذه الدرجة يتفاوتون فيما بينهم فيما قد يحصلون عليه من دخل لقاء عملهم خارج جمهورية مصر العربية, وكان هذا التباين في مقدار المال المحمل بالضريبة, لازمه أن مراكزهم القانونية غير متماثلة بالنسبة إليه, فإن إخضاعهم جميعاً لضريبة واحدة ثابت مبلغها, يعتبر كذلك – ومن هذه الناحية – مناهضاً لمبدأ المساواة أمام القانون
الإجراءات
بتاريخ 8 مايو سنة 1991 أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة هذه الدعوى طالبة الحكم بعدم دستورية المواد 1, 2, 4, 5 من القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق, والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعية – بوصفها عاملة بوظيفة من الدرجة الثالثة بإحدى شركات القطاع العام التابعة لوزارة الإسكان – كانت قد حصلت على أجازة خاصة بدون مرتب لمدة عام, وقد طالبتها جهة عملها الأصلي بأن تؤدي لمصلحة الضرائب مبلغ 458.65 جنيهًا مقومة بالدولار الأمريكي عن أجازتها هذه, ارتكاناً من جانبها لأحكام القانون رقم 299 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير المالية رقم 379 لسنة 1989، وإذ لم ترتض المدعية الوفاء بهذا المبلغ, فقد أقامت ضد المدعي عليهم – وأمام محكمة القضاء الإداري – الدعوى رقم 3438 لسنة 44 قضائية طالبة الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير المالية رقم 379 لسنة 1989 المشار إليه, وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار, وما يترتب علي ذلك من آثار, والأمر بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية أحكام القانون رقم 229 لسنة 1989, وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع, وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية, فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن البين من الاطلاع على أحكام القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج, أنه بعد أن نص في مادته الأولى على أن “تفرض ضريبة على الأجور والمرتبات التي يتقاضاها عن عملهم بالخارج العاملون بالدولة والقطاع العام والعاملون بنظم أو كادرات خاصة الحاصلون على إعارة أو أجازة خاصة بدون مرتب للعمل في الخارج” قضى في مادته الثانية بأن “تحدد قيمة الضريبة المنصوص عليها في المادة السابقة على الوجه الآتي”:
( أ ) العاملون بالدرجات الرابعة والخامسة والسادسة عشرون جنيهاً شهرياً. أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة.
(ب) العاملون من الدرجتين الثانية والثالثة أربعون جنيهاً شهرياً أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة.
(جـ) العاملون في الدرجتين مدير عام والأولى ثمانون جنيهاً شهرياً أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة.
(د) العاملون بالدرجات فوق مدير عام مائة وعشرون جنيهاً شهرياً أو ما يعادلها من الكادرات الخاصة.
ولا تخضع الأجور والمرتبات والبدلات المشار إليها في هذه المادة للضريبة العامة على الدخل في مصر. “وتنص مادته الثالثة على أن يكون سداد هذه الضريبة سنوياً وبالطريقة التي تحددها اللائحة التنفيذية. وتسري الضريبة المنصوص عليها في هذا القانون – وعملاً بمادته الرابعة – على العامل الحاصل على إجازة خاصة لمرافقة الزوج الذي يعمل في الخارج متى ثبت التحاقه بأي عمل في الخارج خلال مدة الإجازة, وحظرت مادته الخامسة على الجهات الإدارية المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون, تجديد الإعارة أو الإجازة للعاملين الخاضعين لأحكامه, إلا بعد تقديم ما يفيد سداد هذه الضريبة على النحو المبين به, وخولت مادته السادسة وزير المالية بالاتفاق مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية, وإصدار اللائحة التنفيذية بهذا القانون.
وحيث إن من بين ما تنعاه المدعية على أحكام القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج, تعارضها ونص المادة 38 من الدستور فيما قررته من قيام النظام الضريبي على العدالة الاجتماعية, قولاً منها بأن القانون المطعون فيه اختص بأحكامه طائفة بذاتها من المواطنين, هم العاملون بالدولة والقطاع العام والعاملون بنظم وكادرات خاصة الحاصلون على إعارة أو إجازة خاصة بدون مرتب للعمل بالخارج. ثم أخضعهم للضريبة بعد تقسيمهم إلى طبقات – كل بحسب الطبقة التي تندرج تحتها درجته الوظيفية – ودون ما اعتداد بالأجر أو المرتب الذي يتقاضونه عن عملهم بالخارج, وهو ما يخل بعدالة الضريبة من ناحية, وكذلك بمبدأ المساواة من ناحية أخرى المنصوص عليهما في المادتين 38, 40 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره, ذلك أنه ليس ثمة مصلحة مشروعة ترتجي من وراء إقرار تنظيم تشريعي يتوخى مجرد تنمية موارد الدولة من خلال تقرير ضريبة تفتقر إلى قوالبها, الشكلية أو لا تتوافر في أركانها ودوافعها الأسس الموضوعية التي ينبغي أن تقوم عليها, ذلك أن جباية الأموال في ذاتها لا تعتبر هدفاً يحميه الدستور, بل يتعين أن تكون هذه الجباية وفق قواعده وبالتطبيق لأحكامه.
وحيث إن من المقرر أن الضوابط التي يفرضها الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية لضمان تقيدها بأحكامه, هي ضوابط آمرة لا تبديل فيها ولا مهرب منها, وليس لأي جهة أو سلطة بالتالي أن تبغي عنها حولاً, أو أن تنقضها من أطرافها, أو أن تجعل لها عوجاً, أو أن تتحلل من بأسها أمداً, إذ هي باقية دوماً, نافذة أبداً, لتفرض – بزواجرها ونواهيها – كلمة الدستور على المخاطبين بها, فلا ينسلخون منها. ولتكون قواعده مآبا لكل سلطة, وضابطاً لحركتها, ومتكأ لأعمالها وتصرفاتها على اختلافها, ومرتفقاً لتوجهاتها, وكان لكل ضريبة وعاء – يعبر عنه أحياناً “بقاعدة الضريبة Tax base – يتمثل في المال الذي تفرض عليه, وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع لها, باعتبار أن ذلك يعد شرطاً لازماً لعدالة الضريبة, ولصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة، إذ كان كذلك تعين أن يكون وعاء الضريبة ممثلاً في المال المحمل بعبئها, مُحققاً ومُحدداً على أسس واقعية يكون ممكناً معها الوقوف على حقيقته على أكمل وجه, ولا يكون الوعاء محققاً إلا إذا كان ثابتاً بعيداً عن شبهة الاحتمال أو الترخص, ذلك أن مقدار الضريبة أو مبلغها أو دينها, إنما يتحدد مرتبطاً بوعائها, وباعتباره منسوباً إليه, ومحمولاً عليه, وفق الشروط التي يقدر المشرع معها واقعية الضريبة وعدالتها بما لا مخالفة فيه للدستور. وبغير ذلك لا يكون لتحديد وعاء الضريبة من معنى, ذلك أن وعاء الضريبة هو مادتها, والغاية من تقرير الضريبة هو أن يكون هذا الوعاء مصرفها, فإذا حدد المشرع وعاءً للضريبة التي فرضها بأن حصره في أجور العاملين ومرتباتهم التي يتقاضونها عن عملهم في الخارج, تعين أن يكون دين الضريبة محدداً بمبلغ معين متأتياً من مصدر هذا الدخل دون سواه, ومترتباً على وجوده – حقيقة لا حكماً – ومرتبطاً بمقداره – واقعاً لا مجازاً – فإذا كان دين الضريبة منفصماً عن وعائها، وليس نتاجاً لتحققه، بل محدداً وفقا لاعتبار آخر, دل ذلك على أن الرابطة المنطقية والحتمية بين وعاء الضريبة وبمبلغها متخلفة بتمامها, بما يناقض الأسس الموضوعية للضريبة التي تقرر هذه المحكمة أنها تعتبر قواماً لها من زاوية دستورية, وبغيرها تنحل الضريبة عدماً.
وحيث إن البين من أحكام القانون رقم 229 لسنة 1989 المشار إليه, أنها تتوخى فرض ضريبة على صور بعينها من صور الدخل, تتمثل في أجور العاملين المصريين ومرتباتهم التي يحصلون عليها لقاء علمهم في الخارج، وبالتالي يكون الإيراد المحقق الذي نجم فعلاً عن هذا العمل, وعاء للضريبة, وكان يتعين بالتالي أن يرد دين الضريبة أو مبلغها – إلى المال المحمل بعبئها من ناحية, وأن يكون متناسباً مع مقداره زيادة أو نقصاناً من ناحية أخرى بما يصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة, إلا أن القانون المطعون فيه غض بصره عن الدخل المحقق من العمل في الخارج, وجعل دين الضريبة مرتبطاً بواقعة أخرى لا صلة لها بوعائها, إذ حدد مقداره على ضوء الدرجة الوظيفية التي كان العامل يشغلها قبل مغادرته جمهورية مصر العربية, وجعل مبلغها بالنسبة إلى كل درجة رقماً ثابتاً مقدراً تبعاً لموقعها من البنيان الهرمي الوظيفي على النحو المبين تفصيلاً في مادته الثانية, وبذلك أفرع مادته الأولى التي عين بها وعاء الضريبة من مضمونها, لتغدو هائمة في الفراغ, منعزلة عن واقعها، بعد أن انفكت الضريبة التي فرضها عن الدخل المحقق من العمل في الخارج المتخذ وعاء لها, وهو ما يناقض الأسس الموضوعة التي لا تقوم الضريبة من الناحية الدستورية إلا بها, بما مؤداه انعدامها, ذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية على النحو المتقدم بيانه, وتكون العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور, ويندرج تحتها أن يكون دين الضريبة متناسباً مع مقدار الدخل الخاضع لها, وتلك هي العدالة في توزيع الأعباء والتكاليف العامة التي اعتبرتها المادة الرابعة من الدستور – بعد تعديلها من خصائص النظام الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوم عليه الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية. متى كان ما تقدم، فإن انعدام الضريبة يكون منافياً لاستحقاقها, ولوجوبها ديناً في ذمة الممول ولجواز تكليفه بأدائها, ذلك أن تحصيل الضريبة وفقاً لأحكام المواد 38, 61, 119 من الدستور، يفترض توافر مقوماتها, والأسس الواقعية لعدالتها, وجميعها متخلفة بالنسبة إلى الضريبة التي فرضها القانون المطعون فيه.
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم, فإنه إذ أفرد الدستور بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة, وصدره بالنص في المادة 40 على أن المواطنين لدى القانون سواء, وكان مبدأ المساواة أمام القانون, هو ما رددته الدساتير المصرية جميعها باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وعلى تقدير الغاية التي يتوخاها, تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم في مواجهة صور من التمييز تنال منها أو تقيد ممارستها, وغدا هذا المبدأ في جوهرة وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة, والتي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي يقررها القانون ويكون مصدراً لها, وكانت السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق, لا يحوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة التي تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون, وكان القانون المطعون فيه قد صدر – حسبما يبين من عنوانه – بفرض ضريبة على مرتبات العاملين في الخارج, إلا أن النصوص التي فصل بها المشرع أحكام هذه الضريبة, ومن بينها تحديده للمخاطبين بها, يدل على أنه قصر تطبيقها على العاملين في الدولة والقطاع العام أياً كانت طبيعة النظم الوظيفية التي يخضعون لها, وبذلك أخرج من مجال سريانها غير هؤلاء ممن يحققون دخلاً ناجماً عن عملهم في الخارج ومتولداً عنه, وهم فئة من المواطنين تتوافر بالنسبة إليها عين الواقعة المنشئة للضريبة التي فرضها على العاملين في الدولة ووحداتها الاقتصادية مما مؤداه اتحاد هاتين الفئتين في المركز القانوني, وكان ينبغي من ثم إخضاعهما معا لقاعدة قانونية واحدة يتحقق من خلالها التكافؤ في المعاملة القانونية. غير أن القانون المطعون فيه مايز بين هاتين الفئتين بأن اختص إحداهما بأحكامه, دون أن يستند في هذا التمييز إلى أسس موضوعية, وأضحى هذا التميز بالتالي تحكمياً, ومنهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
ومن ناحية أخرى, فإنه لما كان القانون المطعون فيه, قد حدد لكل درجة وظيفية ضريبة ثابتة نص عليها في صلبه, وكان الشاغلون لهذه الدرجة يتفاوتون فيما بينهم فيما قد يحصلون عليه من دخل لقاء عملهم خارج جمهورية مصر العربية, وكان هذا التباين في مقدار المال المحمل بالضريبة, لازمه أن مراكزهم القانونية غير متماثلة بالنسبة إليه, فإن إخضاعهم جميعاً لضريبة واحدة ثابت مبلغها, يعتبر كذلك – ومن هذه الناحية – مناهضاً لمبدأ المساواة أمام القانون. متى كان ذلك, فإن القانون المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد 4, 38, 40, 61, 119 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة على مرتبات العاملين المصريين في الخارج, وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.