الخط الساخن : 01118881009

جلسة 2 ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين ومحمد عبد القادر عبد الله – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – المفوض، وحضور السيد/ أحمد عطية منسى – أمين السر.

قاعدة رقم (15)
القضية رقم 28 لسنة 17 قضائية “دستورية”

1 – دعوى دستورية “الحكم فيها: حجيته – انتهاء الخصومة”.
للحكم الصادر فى الدعوى الدستورية حجية مطلقة اعتبار الخصومة منتهية فى الدعوى لسابقة الحكم – فى دعوى مماثلة – بعدم دستورية ذات النص المطعون فيه.
2 – دستور “المادتان 16، 17 منه” – أغذية “مراقبتها”
دلالة التنظيم التشريعى لمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها على أن صون صحة الإنسان هو من أولى المهام التى تقوم عليها الدولة وفاءً بالتزاماتها المقررة فى المادتين 16، 17 من الدستور.
3 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”
مناط المصلحة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
4 – دستور “سلطتا التشريع والقضاء”
لكل من السلطتين التشريعية والقضائية مهام قصرها الدستور عليهما فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا.
5 – دستور “المادة 66 منه” – جريمة “ركنها المادي”
دلالة الدستور بهذه المادة منه على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره – الأفعال ذاتها هى مناط التأثيم وعلته.
6 – جريمة “ركنها المادي”
من غير المتصور – طبقاً للدستور – أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادي، إذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين فليس ثمة جريمة.
7 – دستور “المادة 67: “الحق فى المحاكمة المنصفة – مواثيق دولية”
الحق فى المحاكمة المنصفة كفله الدستور فى المادة 67 منه. توكيد هذا الحق فى الإعلان العالمى لحقوق الانسان.
8 – إفتراض البراءة – “المحاكمة المنصفة – حرية شخصية”
حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه – صلة هذا الحق بالحرية الشخصية وهى من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها.
9 – الحق فى المحاكمة المنصفة “امتداده”
امتداد هذا الحق إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية إلا أنها أكثر لزوماً فى الدعوى الجنائية.
10 – الحق فى المحاكمة المنصفة “استيثاق المحكمة”
استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة عند فصها فى الاتهام الجنائى يعتبر ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية.
11 – افتراض البراءة “نقضها”
عدم جواز نقض افتراض البراءة بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة وتتكون من جماعها عقيدتها.
12 – حق المحاكمة المنصفة “ضوابطها” عقوبة “الغرض منها”
تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد تتوخى كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية وتحول بضماناتها دون إساءة استخدام العقوبة – التقيد فى فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعى بالأغراض النهائية للقوانين العقابية التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته.
13 – افتراض البراءة “قاعدة أولية” – دستور – مواثيق دولية.
أصل البراءة قاعدة أولية تفرضها الفطرة – حرص الدستور على إبرازه فى المادة 67 منه – توكيده فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان.
14 – افتراض البراءة “دحضه”
الاتهام الجنائى فى ذاته، لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوماً ولا يزايله – لا سبيل لدحض أصل البراءة بغير الأدلة الجازمة وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت بحكم جنائى بات.
15 – افتراض البراءة “ثبوت الجريمة: قرينة قانونية”
افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية ولا هو من صورها – تأسيسه على الفطرة التى جبل الإنسان عليها – عدم جواز افتراض ثبوت الجريمة بقرينة قانونية يحدثها المشرع.
16 – افتراض البراءة “الحق فى الدفاع”
اقتران افتراض البراءة بوسائل إجرائية وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع – حق المتهم فى هدم أدلة الإثبات بأدلة النفى التى يقدمها.
17 – جريمة جنائية “القصد الجنائي”
الركن المعنوى فى الجريمة يكمل ركنها المادى – هذه الإرادة الواعية هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة فى مناهجها فى مجال التجريم بوصفها ركناً فى الجريمة – فلا يجرم الفعل ما لم يكن إدارياً ومقصوداً.
18 – جريمة “القصد الجنائي: عدم اتصاله بها”
تقرير المشرع – أحياناً – لجرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى – باعتبارها أن الإثم ليس كامنا فيها – تصاعد هذا الاتجاه إثر الثورة الصناعية – ما توخاه المشرع من إنشاء هذه الجرائم هو الحد من مخاطر بذواتها والتحوط لدرئها.
19 – جريمة “الجريمة غير العمدية: معيار الخطأ”
الجرائم غير العمدية لا تقوم إلا على الخطأ – صوره على اختلافها يجمعها معيار عام يتمثل فى انحرافها عما يعد – وفقاً للقانون الجنائى – سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد. من المتعين أن يتدخل المشرع ليحدد ما يكون من صور الخطأ مؤثماً مع بيان عناصره تعريفاً به على وجه التحديد.
20 – نصوص عقابية “صياغتها”
الأصل فى النصوص العقابية أن تصاغ فى حدود ضيقة تعريفاً بالأفعال التى جرمها المشرع وتحديداً لمضمونها.
21 – جريمة جنائية “عقوبة”
الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها.
22 – عقوبة جنائية “ضوابطها”
الجزاء على الأفعال التى يرتكبها الأفراد لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية – الأصل فى العقوبة هو معقوليتها.
23 – عقوبة جنائية – تشريع “المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها: إخلالها بالدستور”
تقرير هذه المادة عقوبة المخالفة على مجرد مخالفة أحكام بعض مواد هذا القانون إذا كان مقارفها حسن النية – فرضها عقوبة المخالفة يفيد تعلقها بأفعال قوامها خطأ اتخذ من مفهوم الجريمة غير العمدية إطاراً – تقريرها هذا الجزاء على صور من الخطأ لم تعن بتعيينها من خلال تحديد عناصرها – إخلالها بذلك بالحرية الشخصية، وبضمانة الدفاع، وضوابط المحاكمة المنصفة.
1 – إنه فيما يتعلق بشق الدعوى الدستورية الخاص بالطعن بعدم دستورية نص البند (1) من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، فقد سبق أن تناولت المحكمة الدستورية العليا هذه المسألة عينها بحكمها الصادر فى 20 مايو 1995 فى القضية رقم 31 لسنة 16 قضائية “دستورية” الذى قضى بعدم دستورية البند الأول من المادة الثانية من هذا القانون قبل تعديلها بالقانون رقم 281 لسنة 1994. وإذ نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية فى 8 يونيو 1995، فإن الخصومة فى هذا الشق من الدعوى الدستورية تكون منتهية، بعد أن حمستها المحكمة الدستورية العليا بحكمها المشار إليه، وهو حكم لا رجوع فيه ولا تعقيب عليه، بالنظر إلى الحجية المطلقة التى أسبغها المشرع على قضائها فى المسائل الدستورية. ومن ثم تكون الخصومة منتهيه فى هذا الشق من الدعوى الدستورية.
2 – إن التنظيم التشريعى لمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، يدل على أن صون صحة الإنسان، كان دوماً من أولى المهام التى تقوم عليها الدولة، وفاء بالتزاماتها المنصوص عليها فى المادتين 16، 17 من الدستور، ويندرج تحت ذلك ضمان خلو أغذيته من الأمراض والتقيد بمستوياتها الصحية ومواصفاتها، ومن ثم حدد القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، الأحوال التى يكون فيها تداول الأغذية محظوراً، ذلك أن هذا القانون، بعد أن نص فى مادته الأولى على أن يقصد بتداول الأغذية، أية عملية أو أكثر من عمليات تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها، أردفها بالمادة الثانية التى حظر بموجبها تداول الأغذية فى أحوال بعينها هي: 1 – إذا كانت غير مطابقة للمواصفات الواردة فى التشريعات النافذة. 2 – إذا كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي. 3 – إذا كانت مغشوشة.
وتقضى المادة الثالثة من هذا القانون، بأن الأغذية تعتبر غير صالحة للاستهلاك الآدمى إذا كانت ضارة بالصحة أو كانت فاسدة أو تالفة. وتعتبر الأغذية ضارة بالصحة – وعملاً بالمادة 4 – من ذلك القانون – فى الأحوال الآتية:
(1) إذا كانت ملوثة بميكروبات أو طفيليات من شأنها إحداث المرض بالإنسان.
(2) إذا كانت تحتوى على مواد سامة تحدث ضرراً لصحة الإنسان إلا فى الحدود المقررة بالمادة 11.
(3) إذا تداولها شخص مريض بأحد الأمراض المعدية التى تنقل عدواها إلى الإنسان عن طريق الغذاء أو الشراب، أو حامل لميكروباتها، وكانت هذه الأغذية معرضة للتلوث.
(4) إذا كانت ناتجة من حيوان مريض بأحد الأمراض التى تنتقل إلى الإنسان أو من حيوان نافق.
(5) إذا امتزجت بالأتربة أو بالشوائب بنسبة تزيد على النسب المقررة، أو كان يستحيل تنقيتها منها.
(6) إذا احتوت على مواد ملوثة، أو مواد حافظة، أو أية مواد أخرى محظور استعمالها.
(7) إذا كانت عبواتها أو لفائفها تحتوى على مواد ضارة بالصحة.
وتنص المادة 5 من هذا القانون، على أن الأغذية تعتبر فاسدة أو تالفة إذا تغير تركيبها أو خواصها الطبيعية من حيث طعمها أو رائحتها أو مظهرها نتيجة تحليلها كيماوياً أو ميكروبياً، وكذلك إذا انتهى التاريخ المحدد لاستعمالها، أو احتوت على يرقات أو ديدان أو حشرات أو فضلات أو مخلفات حيوانية.
ويعتبر الغش متحققاً فى الأغذية – وعملاً بنص المادة 6 من القانون – إذا كانت غير مطابقة للمواصفات المقررة، أو تم خلطها أو مزجها بمادة أخرى تغير من طبيعتها، أو جودة صنفها، أو بإبدال مادة تقل جودة عن تلك التى تدخل فى تركيبها أو بتعمد إخفاء فسادها أو تلفها بانتزاع أحد عناصرها سواء بصفة كلية أو جزئية، أو باحتوائها على عناصر غذائية فاسدة، نباتية كانت أم حيوانية، وكذلك إذا كانت بيانات عبواتها مخالفة لحقيقة تركيبها مما يؤدى لخداع مستهلكها أو الإضرار به صحياً.
3 – إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان الاتهام المثار فى الدعوى الجنائية يتعلق بقيام المتهم ببيع أغذية محظور تداولها؛ وكانت المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 المشار إليها، هى التى تحدد الأحوال التى لا يجوز فيها تداول الأغذية سواء لفسادها أو تلفها، أو لإضرارها بالصحة العامة، أو لقيام الدليل على غشها أو مخالفتها لمواصفاتها المقررة قانوناً؛ وكانت المادة 18 من هذا القانون، التى أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها، تقضى بإيقاع عقوبة المخالفة على من يخالفون أحكام المواد 2 و10 و11 و12 و14 و14 مكرراً منه، ذلك إذا كان المتهم حسن النية؛ فإن نطاق الطعن الماثل لا يمتد إلى كل الأحكام التى تحيل إليها المادة 18 من ذلك القانون، بل يقتصر على مادة وحيدة من بينها، هى مادته الثانية.
4 – إن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا، ذلك أن الدستور ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، فنص فى المادة 86 على أن “يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور”.
كذلك أسند الدستور إلى السلطة القضائية ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور. فنص فى المادة 165 على أن “السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون”.
5، 6 – إن الدستور – فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية – نص فى المادة 66، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها؛ وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء – فى زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، فى علاقاتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوائها بين الجرائم وبعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التى أحدثا بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه.

Apersons’ intent in any regard is to be inferred from his conduct and ordinarily can be proven only by circumstantial evidence. Regardless of whether intent is general or specific، intent is proven to the trier of facts by the conduct of the actor which represent an objective، tangible manifestation of behaviour assumed to be reflection of his or her mental state.

ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته – تعتبر واقعة فى منطقة التجريم، كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤخذاً عليه قانوناً، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
7، 8، 9 – إن الدستور كفل فى مادته السابعة والستين، الحق فى المحاكمة المنصفة. بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولاهما: أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتردد ثانيتهما: فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة 67 من الدستور أصلها، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة بها فى الدول المتحضرة.
وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائي، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة 41 بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه. ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيراً ضيقاً، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائي، وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوماً فى الدعوى الجنائية، وذلك أياً كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها.
10، 11 – إن الدستور يكفل الحقوق التى نص عليها فى صلبه، الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان – عند فصها فى الاتهام الجنائى – تحقيقاً لمفاهيم العدالة حتى فى أكثر الجرائم خطورة، لا يعدو أن يكون ضمانة أولية لعدم المساس بالحرية الشخصية – التى كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونية التى لا يترخص أحد فى التقيد بها، أو النزول عنها؛ وكان افتراض براءة المتهم، يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها، فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة، وتتكون من جماعها عقيدتها.
ولازم ذلك، أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هى وحدها كلمتها فيها، وألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهوماً محدداً لدليل بعينه، وأن يكون مرد الأمر دائماً إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى، وحصلته من أوراقها، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها.
12 – أنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقاً من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعي، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة. بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
13 – وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية فى الأصل – إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية – وعلى امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة 67، مؤكداً بمضمونها ما قررته المادة 11 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على ما سلف البيان، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان.
14 – إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد، سواء كان مشتبهاً فيه أو متهماً، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامي، أقرتها الشرائع جميعها لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام، ذلك أن الاتهام الجنائى فى ذاته، لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوماً ولا يزايله، سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها، وعلى امتداد حلقاتها، وأياً كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها، ولا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه، وصار باتاً.
15 – إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلاً فى الواقعة مصدر الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قرينة منها متصلة بها، وهذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها، إثباتاً للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلا عنها

innocence is more properly called an assumption as opposed to apresumption. It does not rest on any other proved facts، It is assumed.

وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، وهو كذلك من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور. ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية، ليوفر من خلالها لكل فرد، الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية يحدثها.
16 – إن من المقرر كذلك أن افتراض البراءة يقترن دائماً من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية، تعتبر من زاوية دستورية وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، من بينها حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى طرحتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة، وكذلك الحق فى هدمها بأدلة النفى التى يقدمها.
17، 18 – إن الأصل فى الجرائم، أنها تعكس تكويناً مركباً باعتبار أن قوامها تزامناً بين يد اتصل الإثم بعملها (an evil – doing hand) وعقل واع خالطها an evil – meaning mind)) ليهيمن عليها محدداً خطاها، متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها، ليكون القصد الجنائى (mens Rea) ركناً معنوياً فى الجريمة مكملاً لركنها المادى (Actus Rea) ومتلائماً مع الشخصية الفردية فى ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية، هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة فى مناهجها فى مجال التجريم بوصفها ركناً فى الجريمة، وأصلاً ثابتاً كامناً فى طبيعتها، وليس أمراً فجا أو دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها. ذلك أن حرية الإدارة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكن وجهة هو موليها، لتنحل الجريمة – فى معناها الحق – إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التى يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها.
وغداً أمراً ثابتاً – وكأصل عام – ألا يجرم الفعل ما لم يكن إدارياً قائماً على الاختيار الحر. ومن ثم مقصوداً. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفاً على ماهيته، لا زال أمراً عسراً، إلا أن معناها – وبوصفها ركناً معنوياً فى الجريمة – يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية أو الجانحة felonious intent أو النوازع الشريرة المدبرة malice aforethought أو تلك التى يكون الخداع قوامها fraudulent intent أو التى تتمحض عن علم بالتأثيم مقترناً بقصد اقتحام حدوده guilty knowledge لتدل جميعها على إرادة إتيان فعل بغياً.
وهذا الأصل – وإن ظل محورا للتجريم – إلا أن المشرع عمد أحياناً – من خلال بعض اللوائح – إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى باعتبار أن الإثم ليس كامناً فيها، ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان، mala in se (inherently wrong) ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره، وإنما ضبطها المشرع تحديداً لمجراها، وحداً من مخاطرها، وأخرجها بذلك عن مشروعيتها mala prohibita وهى الأصل – وجعل عقوبتها متوازنة مع طبيعتها، فلا يكون أمرها غلواً من خلال تغليظها، بل هيناً فى الأعم.
وقد بدا هذا الاتجاه متصاعداً إثر الثورة الصناعية التى تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التى تحركها. واقترن ذلك بتعدد وسائل النقل وتباين قوتها، وبتكدس المدن وازدحام أحيائها، وبغلبة نواحى الإخلال بالصحة العامة، وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند إنتاجها أو توزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها. وكان لازماً بالتالى – ولمواجهة تلك المخاطر – أن يفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم، وقيوداً كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكاً قويماً موحداً، ببذل العناية التى يتوقعها المشرع من أوساطهم، ليكون النكول عنها – وبغض النظر نواياهم – دالاً على تراخى يقظتهم، ومستوجباً عقابهم.
غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم فى ذلك المجال، ظل مرتبطاً بطبيعتها ونوعيتها، ومنحصراً فى الحدود الضيقة التى تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها، وخطر عام، لتكون أوثق اتصالاً برخاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم فى مجموعهم public Welfare Offenses وبإهمال من قارفها لنوع الرعاية التى تطلبها المشرع منه كلما باشر نشاطاً معيناً، وكذلك إذا أعرض عن القيام بعمل ألقاه عليه باعتباره واجباً، وبمراعاة أن ما توخاه المشرع من إنشائها، هو الحد من مخاطر بذاواتها، بتقليل فرص وقوعها، وإنماء القدرة على السيطرة عليها، والتحوط لدرئها.
19 – إن القصد الجنائي، يمثل أكثر العناصر تعقيداً فى المجال الجنائي، باعتباره متصلاً بالحالة الذهنية التى كان عليها الجانى حيث أقدم مختاراً على إتيان الفعل المؤثم قانوناً، وكانت تلك الحالة أدخل إلى العوامل الشخصية التى يتعين تمييزها عن العوامل الموضوعية التى تعكس مادية الفعل أو الأفعال التى ارتكبها، والتى يكون الرجوع إليها وتقييمها كاشفاً عادة عما عناه منها، وقصد إليه من وراء مقارفتها؛ وكان من المفترض أن الجانى إذا أراد إتيان فعل أو أفعال بذواتها، فقد قصد إلى نتيجتها؛ فإن توافر هذا القصد – فيما أتاه الجانى من أفعال – يكون هو القاعدة العامة، وليس الاستئناء منها، وهو استثناء لا يقوم بالضرورة، ولا يتصور عقلاً إذا كانت إرادة الجانى تبلور انصرافها إلى إتيان أفعال محددة بغرض إحداث نتيجة إجرامية بعينها. وإنما ينحصر هذا الاستثناء فى حدود ضيقة، تقوم الجريمة فيها على إهمال نوع من الرعاية كان ينبغى أن يلتزمها الجانى فيما أتاه، لتكون الجريمة عندئذ عائدة فى بنيانها إلى الخطأ، وجوهرها أعمال يخالطها سوء التقدير، أو ينتفى عنها الاحتراس والتبصر، أو تتمحض عن رعونة لا حذر فيها، ومن ثم أحاطها القانون الجنائى بالجزاء، محددا ضابطها بما كان ينبغى أن يكون سلوكا لأوساط الناس، يقوم على واجبهم فى التزام قدر معقول من التحوط Ordinary reasonable person’s standard of care) لتمثل الجريمة غير العمدية انحرافاً ظاهراً عن ذلك المقياس، ويتحدد بقدره، نوع الجزاء عنها، ومقداره.
A deviation from and proportional to the level of established standards of reasonable care in conduct
ومن ثم يكون الفارق بين عمدية الجريمة، وما دونها، دائراً أصلاً – وبوجه عام – حول النتيجة الإجرامية التى أحدثها، فكلما أرادها الجانى وقصد إليها، موجهاً جهده لتحقيقها، كانت الجريمة بشأنها، فلم يتحوط لدفعها ليحول دون بلوغها، فإن الجريمة تكون غير عمدية يتولى المشرع دون غيره بيان عناصر الخطأ التى تكونها، وهى عناصر لا يجوز افتراضها أو انتحالها، ولا نسبتها لغير من ارتكبها، ولا اعتباره مسئولاً عن نتائجها، إذا انفك اتصالها بالأفعال التى أتاها، ذلك أن مسئوليته الجنائية عن هذا الخطأ، مسئولية شخصية لا تقوم إلا بتوافر أركانها (pas de peine sans culpabilité)، وهى بعد مسئولية يحققها القاضي، ويستمد عناصرها من عيون الأوراق، ليكون ثبوتها يقينياً لا ظنياً، ضماناً لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور، وتوكيداً لامتناع تقييدها بغير الوسائل القانونية السليمة التى لا يترخص أحد فى التحلل منها.
إن ما تقدم مؤداه، أن الجرائم غير العمدية لا تقوم إلى على الخطأ، وأن صوره على اختلافها يجمعها معيار عام يتمثل فى انحرافها عما يعد – وفقاً للقانون الجنائى – سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد، وأن هذه الصور على تعددها، تتباين فيما بينها سواء فى نوع المخاطر التى تقارنها، أو درجتها. ويتعين بالتالى أن يتدخل المشرع ليحدد ما يكون منها مؤثماً فى تقديره، مع بيان عناصر الخطأ فى كل منها تعريفاً بها، وقطعاً لكل جدل حول ماهيتها، توقياً لالتباسها بغير، وتعييناً جلياً لما ينبغى على المخاطبين بالنصوص العقابية أن يأتوه أو يَدعَوه من أفعال، إذ لا يجوز لمثل هذه النصوص، أن تحمل الناس ما لا يطيقون، ولا أن تؤاخذهم بما يجهلون، ولا أن تمد إليهم بأسها وقد كانوا غير منذرين ، ولا أن تنهاهم عما ألبس عليهم ، وإلا قام التجريم فيها على أساس من الظن والإبهام، ليكون خداعاً أو ختالاً. وهو ما تأباه النظم العقابية جميعها، وينحدر بآدمية الإنسان إلى أدنى مستوياتها، ليغدو بغير حقوق – وعلى الأخص – فى مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
20 – الأصل فى النصوص العقابية أن تصاغ فى حدود ضيقةnarrowly tailored تعريفاً بالأفعال التى جرمها المشرع، وتحديداً لمضمونها، فلا يكون التجهيل بها – من خلال انفلات عباراتها وإرهاقاً بتعدد تأويلاتها – موطئاً للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين، كذلك التى تتعلق بحرية عرض الآراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة، وكذلك بالحق فى تكامل الشخصية، وأن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع. ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة، وتقرير أحوال فرضها، مما يدخل فى إطار تنظيم الحقوق، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع، إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور، ولازمها ألا تكون النصوص العقابية [شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها، أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها].
21 – الأصل فى الجريمة، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولاً عنها، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن “وطأتها” مع طبيعة الجريمة موضوعها. بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله. وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن “شخصية العقوبة” “وتناسبها مع الجريمة محلها” مرتبطان بمن يعد قانوناً “مسئولا عن ارتكابها”.ومن ثم تفترض شخصية العقوبة – التى كفلها الدستور بنص المادة 66 – شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمها. ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها.
22 – إن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين، فى تنظيمها لبعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها، فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مبرراً، إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور.
23 – متى كان الجزاء الجنائى عقاباً واقعاً بالضرورة فى إطار اجتماعي، ومنطوياً غالباً – من خلال قوة الردع – على تقييد الحرية الشخصية، ومقرراً لغرض محدد، استيفاء لقيم ومصالح اجتماعية لها وزنها؛ وكان الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر نأياً بها عن أن تكون إيلاماً غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة unnecessary cruelty and pain؛ وكانت المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها – والتى أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها – تقرر جزاء جنائياً يقوم على مجرد مخالفة أحكام المواد 2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرراً من هذا القانون، إذا كان مقارفها حسن النية؛ وكان نطاق الدعوى الدستورية الراهنة – محدداً على ضوء الاتهام المنسوب إلى المتهم – يقوم على الطعن بعدم دستورية إيقاع عقوبة المخالفة فى شأن متهم كان حسن النية حين أخل بنص المادة الثانية من ذلك القانون، التى تحظر تداول الأغذية التى يقوم الدليل على غشها، أو عدم صلاحية استهلاكها آدمياً، أو مخالفتها لمواصفاتها المحددة قانوناً، سواء عند تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها؛ وكان هذا التداول – بمختلف صوره – يتعلق بسلع شى تتباين مصادرها، ولا يقع التعامل فيها، أو الاتصال بها، مرة واحدة، بل تتناولها أيد عديدة، وعلى الأخص منذ خروجها من يد منتجها أو جالبها، إلى أن تصل إلى عارضها الأخير، وبافتراض خضوعها لنظم الفحص والرقابة التى تباشرها الجهات الحكومية ذات الاختصاص، وعلى الأقل داخل مصادر إنتاجها المحلية، أو قبل تجاوزها الدائرة الجمركية حال جلبها؛ وكان النص المطعون فيه – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – يقرر جزاء جنائياً فى شأن أفعال أتاها المتهم بحسن نية إخلالاً بنص المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها؛ وكانت عبارة [حسن النية] وإن جاز القول بتعدد معانيها، تبعاً لموقعها من سياق النصوص القانونية التى انتظمتها، وبمراعاة ما تغياه المشرع من هذه النصوص، مُحَدّداً – من خلال أغراضها – إطاراً للدائرة التى تعمل فيها، إلا أن حسن نية من يتداولون أغذية الإنسان، يفترض تعاملهم فيها، أو اتصالهم بها، بوصفهم مواطنين شرفاء، يتقيدون بأصول مهنتهم ويلتزمون بمتطلباتها.
والعقوبة التى فرضها النص المطعون فيه كجزاء على الأفعال التى أثمها، هى عقوبة المخالفة. وانحدارها على هذا النحو، يفيد تعلقها بأفعال لا يعتمدها مرتكبها، ولا تصل خطورتها إلى حد الإيغال فى الجزاء عليها، ليكون قوامها خطأ اتخذ من مفهوم الجريمة غير العمدية، إطاراً. متى كان ما تقدم، وكان ركن الخطأ فى الجرائم غير العمدية، ليس إلا فعلاً أو امتناعاً يمثل انحرافاً عماً يُعد وفقاً للقانون الجنائى سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد؛ وكان تحديد مضمون الأفعال أو مظاهر الامتناع التى تقوم عليها هذه الجرائم، من خلال بيان عناصر الخطأ، بما ينتفى التجهيل بها، ضرورة يقتضيها اتصال هذا التجريم بالحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز النزول عنها أو الإخلال بها؛ وكان النص المطعون فيه قد قرر جزاء جنائيا فى شأن متهم حسن النية بالمفهوم السالف البيان – وعن صور من الخطأ قَصُرَ عن تعيينها من خلال تحديد عناصرها؛ فإن هذا النص يكون قد أخل بالحرية الشخصية، وبضمانة الدفاع، وكذلك بالضوابط الجوهرية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، ويندرج تحتها افتراض البراءة، وجاء بذلك مخالفاً لأحكام المواد 41، 67، 69 من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ 12 إبريل 1995، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 17126 لسنة 1994 جنح مستأنف دمنهور، بعد أن قضت محكمة دمنهور الابتدائية (د/ 11) بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادة 2/ 1 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، والمادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى شقها الأول، وبرفض شقها الثاني.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة، كانت قد اتهمت محمد مصطفى الشريف فى القضية رقم 2685 جنح شبرا خيت بأنه فى يوم 24 مارس 1994، بدائرة مركز شبرا خيت، عرض للبيع شيئاً من أغذية الإنسان غير صالح للاستهلاك الآدمى على النحو المبين بالأوراق، وطلبت عقابه بالمواد 2/ 1 و7 و8 و9 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، وكذلك بالمواد 1 و2/ 1 و6/ 1 و18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها. وبجلسة 10/ 8/ 1994 قضت محكمة جنح شبرا خيت بتغريم المتهم مائة جنيه والمصادرة والنشر والمصاريف. فاستأنف هذا الحكم، وقضى غيابياً بجلسة 29/ 9/ 1994 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. وإذ عارض المتهم فى ذلك الحكم أمام محكمة دمنهور الابتدائية (د/ 11) فى قضية النيابة العامة رقم 17126 لسنة 1994 جنح مستأنف دمنهور، فقد أصدرت بجلسة 31/ 1/ 1995، وبعد أن تراءى لها أن البند (1) من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، وكذلك نص المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 المشار إليهما ينطويان على افتراض علم المتهم بغش الأغذية أو فسادها بالنسبة إلى مشتغلين بالاتجار فيها، ويناقضان بالتالى افتراض البراءه المنصوص عليه فى المادة 67 من الدستور، مما حملها على وقف الدعوى الجنائية المنظورة أمامها، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية هذين النصين.
وحيث إنه فيما يتعلق بشق الدعوى الدستورية الخاص بالطعن بعدم دستورية نص البند (1) من المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، فقد سبق أن تناولت المحكمة الدستورية العليا هذه المسألة عينها بحكمها الصادر فى 20 مايو 1995 فى القضية رقم 31 لسنة 16 قضائية “دستورية” الذى قضى بعدم دستورية البند الأول من المادة الثانية من هذا القانون قبل تعديلها بالقانون رقم 281 لسنة 1994. وإذ نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية فى 8 يونيو 1995، فإن الخصومة فى هذا الشق من الدعوى الدستورية تكون منتهية بعد أن حسمتها المحكمة الدستورية العليا بحكمها المشار إليه، وهو حكم لا رجوع فيه ولا تعقيب عليه، بالنظر إلى الحجية المطلقة التى أسبغها المشرع على قضائها فى المسائل الدستورية.
وحيث إن النعى على المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، – وهى الشق الآخر من الدعوى الدستورية – مخالفتها للدستور، فإن نصها يجرى كالآتي: [يعاقب من يخالف أحكام المواد 2 و10 و11 و12 و14 و14 مكرراً والقرارات المنفذة لها بعقوبة المخالفة، وذلك إذا كان المتهم حسن النية. ويجب أن يقضى الحكم بمصادرة المواد الغذائية موضوع الجريمة].
وحيث إن التنظيم التشريعى لمراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، يدل على أن صون صحة الإنسان، كان دوماً من أولى المهام التى تقوم عليها الدولة، وفاء بالتزاماتها المنصوص عليها فى المادتين 16، 17 من الدستور، ويندرج تحت ذلك ضمان خلو أغذيته من الامراض والتقيد بمستوياتها الصحية ومواصفاتها، ومن ثم حدد القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها، الأحوال التى يكون فيها تداول الأغذية محظوراً، ذلك أن هذا القانون، بعد أن نص فى مادته الأولى على أن يقصد بتداول الأغذية، أية عملية أو أكثر من عمليات تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها، أردفها بالمادة الثانية التى حظر بموجبها تداول الأغذية فى أحوال بعينها هي: 1 – إذا كانت غير مطابقة للمواصفات الواردة فى التشريعات النافذة. 2 – إذا كانت غير صالحة للاستهلاك الآدمي. 3 – إذا كانت مغشوشة.
وتقضى المادة الثالثة من هذا القانون، بأن الأغذية تعتبر غير صالحة للاستهلاك الآدمى إذا كانت ضارة بالصحة أو كانت فاسدة أو تالفة. وتعتبر الأغذية ضارة بالصحة – وعملاً بالمادة 4 – من ذلك القانون – فى الأحوال الآتية:
(1) إذا كانت ملوثة بميكروبات أو طفيليات من شأنها إحداث المرض بالإنسان.
(2) إذا كانت تحتوى على مواد سامة تحدث ضرراً لصحة الإنسان إلا فى الحدود المقررة بالمادة 11.
(3) إذا تداولها شخص مريض بأحد الأمراض المعدية التى تنقل عدواها إلى الإنسان عن طريق الغذاء أو الشراب، أو حامل لميكروباتها، وكانت هذه الأغذية معرضة للتلوث.
(4) إذا كانت ناتجة من حيوان مريض بأحد الأمراض التى تنتقل إلى الإنسان أو من حيوان نافق.
(5) إذا امتزجت بالأتربة أو بالشوائب بنسبة تزيد على النسب المقررة، أو كان يستحيل تنقيتها منها.
(6) إذا احتوت على مواد ملوثة، أو مواد حافظة، أو أية مواد أخرى محظور استعمالها.
(7) إذا كانت عبواتها أو لفائفها تحتوى على مواد ضارة بالصحة.
وتنص المادة 5 من هذا القانون، على أن الأغذية تعتبر فاسدة أو تالفة إذا تغير تركيبها أو خواصها الطبيعية من حيث طعمها أو رائحتها أو مظهرها نتيجة تحليلها كيماوياً أو ميكروبياً، وكذلك إذا انتهى التاريخ المحدد لاستعمالها، أو احتوت على يرقات أو ديدان أو حشرات أو فضلات أو مخلفات حيوانية.
ويعتبر الغش متحققاً فى الأغذية – وعملاً بنص المادة 6 من القانون – إذا كانت غير مطابقة للمواصفات المقررة، أو تم خلطها أو مزجها بمادة أخرى تغير من طبيعتها، أو جودة صنفها، أو بإبدال مادة تقل جودة عن تلك التى تدخل فى تركيبها أو بتعمد إخفاء فسادها أو تلفها بانتزاع أحد عناصرها سواء بصفة كلية أو جزئية، أو باحتوائها على عناصر غذائية فاسدة، نباتية كانت أم حيوانية، وكذلك إذا كانت بيانات عبواتها مخالفة لحقيقة تركيبها مما يؤدى لخداع مستهلكها أو الإضرار به صحياً.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وحان الاتهام المثار فى الدعوى الجنائية يتعلق بقيام المتهم ببيع أغذية محظور تداولها؛ وكانت المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 المشار إليه، هى التى تحدد الأحوال التى لا يجوز فيها تداول الأغذية سواء لفسادها أو تلفها، أو لإضرارها بالصحة العامة، أو لقيام الدليل على غشها أو مخالفتها لمواصفاتها المقررة قانوناً؛ وكانت المادة 18 من هذا القانون، التى أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لفصل فى دستوريتها، تقضى بإيقاع عقوبة المخالفة على من يخالفون أحكام المواد 2 و10 و11 و12 و14 و14 مكرراً منه، ذلك إذا كان المتهم حسن النية؛ فإن نطاق الطعن الماثل لا يمتد إلى كل الأحكام التى تحيل إليها المادة 18 من ذلك القانون، بل يقتصر على مادة وحيدة من بينها، هى مادته الثانية.
وحيث إن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية والقضائية بمهام قصرها عليهما، فلا تتداخل الولايتان أو تتماسا، ذلك أن الدستور ناط بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، فنص فى المادة 86 على أن “يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع، ويقر السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور”.
كذلك أسند الدستور إلى السلطة القضائية ولاية الفصل فى المنازعات والخصومات على النحو المبين فى الدستور. فنص فى المادة 165 على أن “السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون”.
وحيث إن الدستور – فى اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية – نص فى المادة 66، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذى ينص عليها؛ وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل أساساً فى فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحاً بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائى ابتداء – فى زواجره ونواهيه – هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابياً كان هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن العلائق التى ينظمها هذا القانون فى مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، فى علاماتها الخارجية، ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية، إذ هى مناط التأثيم وعلته، وهى التى يتصور إثباتها ونفيها، وهى التى يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهى التى تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها، وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه فى مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التى قام الدليل عليها قاطعاً واضحاً، ولكنها تجيل بصرها فيها، منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجانى حقيقة من وراء ارتكابها، ومن ثم تعكس هذه العناصر تعبيراً خارجياً ومادياً عن إرادة واعية. ولا يتصور بالتالى وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة فى غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التى أحدثا بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه.

Apersons’ intent in any regard is to be inferred from his conduct and ordinarily can be proven only by circumstantial evidence. Regardless of whether intent is general or specific، intent is proven to the trier of facts by the conduct of the actor which represent an objective، tangible manifestation of behaviour assumed to be reflection of his or her mental state.

ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية – وليس النوايا التى يضمرها الإنسان فى أعماق ذاته – تعتبر واقعة فى منطقة التجريم، كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً فى صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
وحيث إن الدستور كفل فى مادته السابعة والستين، الحق فى المحاكمة المنصفة. بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولاهما: أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتردد ثانيتهما: فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه. وهذه الفقرة هى التى تستمد منها المادة 67 من الدستور أصلها، وهى تردد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهوماً للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة بها فى الدول المتحضرة.
وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائي، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى قضى الدستور فى المادة 41 بأنها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه. ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيراً ضيقاً، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائي، وإنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزوماً فى الدعوى الجنائية، وذلك أياً كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها.
وحيث إن الدستور يكفل الحقوق التى نص عليها فى صلبه، الحماية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وكان استيثاق المحكمة من مراعاة القواعد المنصفة آنفة البيان – عند فصها فى الاتهام الجنائى – تحقيقاً لمفاهيم العدالة الشخصية – التى كفلها الدستور لكل مواطن – بغير الوسائل القانونية التى لا يترخص أحد فى التقيد بها، أو النزول عنها؛ وكان افتراض براءة المتهم، يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وليس بنوع العقوبة المقررة لها، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها، وعلى امتداد إجراءاتها؛ فقد غدا من الحتم أن يرتب الدستور على افتراض البراءة، عدم جواز نقضها بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة، وتتكون من جماعها عقيدتها.
ولازم ذلك، أن تطرح هذه الأدلة عليها، وأن تقول هى وحدها كلمتها فيها، وألا تفرض عليها أى جهة أخرى مفهوماً محدداً لدليل بعينه، وأن يكون مرد الأمر دائماً إلى ما استخلصته هى من وقائع الدعوى، وحصلته من أوراقها، غير مقيدة بوجهة نظر النيابة العامة أو الدفاع بشأنها.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نظاماً متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقاً من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صوناً للنظام الاجتماعي، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفاً مقصوداً لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة. بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
وهذه القواعد – وإن كانت إجرائية فى الأصل – إلا أن تطبيقها فى مجال الدعوى الجنائية – وعلى امتداد مراحلها – يؤثر بالضرورة على محصلتها النهائية، ويندرج تحتها أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهى بعد قاعدة حرص الدستور على إبرازها فى المادة 67، مؤكداً بمضمونها ما قررته المادة 11 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على ما سلف البيان، والمادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان.
وحيث إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد، سواء كان مشتبهاً فيه أو متهماً، باعتباره قاعدة أساسية فى النظام الاتهامي، أقرتها الشرائع جميعها لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة محل الاتهام، ذلك أن الاتهام الجنائى فى ذاته، لا يزحزح أصل البراءة الذى يلازم الفرد دوماً ولا يزايله، سواء فى مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها، وعلى امتداد حلقاتها، وأياً كان الزمن الذى تستغرقه إجراءاتها، ولا سبيل بالتالى لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التى تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين، بما لا يدع مجالاً معقولاً لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائى استنفد طرق الطعن فيه، وصار باتاً.
وحيث إن افتراض البراءة لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلى ممثلاً فى الواقعة مصدر الحق المدعى به، إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة بها، وهذه الواقعة البديلة هى التى يعتبر إثباتها، إثباتاً للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التى افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها

innocence is more properly called an assumption as opposed to apresumption. It does not rest on any other proved facts، It is assumed.

وإنما يؤسس افتراض البراءة على الفطرة التى جبل الإنسان عليها، وهو كذلك من الركائز التى يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التى كفلها الدستور. ويعكس قاعدة مبدئية تعتبر فى ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية فى مجالاتها الحيوية، ليوفر من خلالها لكل فرد، الأمن فى مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية يحدثها.
وحيث إن من المقرر كذلك أن افتراض البراءة يقترن دائماً من الناحية الدستورية – ولضمان فعاليته – بوسائل إجرائية إلزامية، تعتبر من زاوية دستورية وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع، من بينها حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى طرحتها النيابة العامة إثباتاً للجريمة، وكذلك الحق فى هدمها بأدلة النفى التى يقدمها.
وحيث إن الأصل فى الجرائم، أنها تعكس تكويناً مركباً باعتبار أن قوامها تزامناً بين يد اتصل الإثم بعملها (an evil – doing hand) وعقل واع خالطها (an evil – meaning min) ليهيمن عليها محدداً خطاها، متوجهاً إلى النتيجة المترتبة على نشاطها، ليكون القصد الجنائى (mens Rea) ركناً معنوياً فى الجريمة مكملاً لركنها المادى (Actus Reus) ومتلائماً مع الشخصية الفردية فى ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية، هى التى تتطلبها الأمم المتحضرة فى مناهجها فى مجال التجريم بوصفها ركناً فى الجريمة، وأصلاً ثابتاً كامناً فى طبيعتها، وليس أمراً فجا أو دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها. ذلك أن حرية الإدارة تعنى حرية الاختيار بين الخير والشر، ولكل وجهة هو موليها، لتنحل الجريمة – فى معناها الحق – إلى علاقة ما بين العقوبة التى تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التى تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التى يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها بديلاً عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها.
وغداً أمراً ثابتاً – وكأصل عام – ألا يجرم الفعل ما لم يكن إدارياً قائماً على الاختيار الحر. ومن ثم مقصوداً. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفاً على ماهيته، لا زال أمراً عسراً، إلا أن معناها – وبوصفها ركناً معنوياً فى الجريمة – يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية أو الجانحة felonious intent أو النوازع الشريرة المدبرة malice aforethought أو تلك التى يكون الخداع قوامها fraudulent intent أو التى تتمحض عن علم بالتأثيم مقترناً بقصد اقتحام حدوده guilty knowledge لتدل جميعها على إرادة إتيان فعل بغياً.
وحيث إن هذا الأصل – وإن ظل محورا للتجريم – إلا أن المشرع عمد أحياناً – من خلال بعض اللوائح – إلى تقرير جرائم عن أفعال لا يتصل بها قصد جنائى باعتبار أن الإثم ليس كامناً فيها، ولا تدل بذاتها على ميل إلى الشر والعدوان، mala in se (inherently wrong) ولا يختل بها قدر مرتكبها أو اعتباره، وإنما ضبطها المشرع تحديداً لمجراها، وحداً من مخاطرها، وأخرجها بذلك عن مشروعيتها mala prohibita وهى الأصل – وجعل عقوبتها متوازنة مع طبيعتها، فلا يكون أمرها غلواً من خلال تغليظها، بل هيناً فى الأعم.
وقد بدا هذا الاتجاه متصاعداً الثورة الصناعية التى تزايد معها عدد العمال المعرضين لمخاطر أدواتها وآلاتها ومصادر الطاقة التى تحركها. واقترن ذلك بتعدد وسائل النقل وتباين قوتها، وبتكدس المدن وازدحام أحيائها، وبغلبة نواحى الإخلال بالصحة العامة، وبوجه خاص من خلال الاتصال بالمواد الغذائية سواء عند إنتاجها أو توزيعها وتداولها أو بمراعاة نوعيتها. وكان لازماً بالتالى – ولمواجهة تلك المخاطر – أن يفرض المشرع على المسئولين عن إدارة الصناعة أو التجارة وغيرهم، وقيوداً كثيرة غايتها أن ينتهج المخاطبون بها سلوكاً قويماً موحداً، ببذل العناية التى يتوقعها المشرع من أوساطهم، ليكون النكول عنها – وبغض النظر نواياهم – دالاً على تراخى يقظتهم، ومستوجباً عقابهم.
غير أن تقرير هذا النوع من الجرائم فى ذلك المجال، ظل مرتبطاً بطبيعتها ونوعيتها، ومنحصراً فى الحدود الضيقة التى تقوم فيها علاقة مسئولية بين من يرتكبها، وخطر عام، لتكون أوثق اتصالاً برخاء المواطنين وصحتهم وسلامتهم فى مجموعهم public Welfare Offenses وبإهمال من قارفها لنوع الرعاية التى تطلبها المشرع منه كلما باشر نشاطاً معيناً، وكذلك إذا أعرض عن القيام بعمل ألقاه عليه باعتباره واجباً، وبمراعاة أن ما توخاه المشرع من إنشائها، هو الحد من مخاطر بذاواتها، بتقليل فرص وقوعها، وإنماء القدرة على السيطرة عليها، والتحوط لدرئها.
وحيث إن القصد الجنائي، يمثل أكثر العناصر تعقيداً فى المجال الجنائي، باعتباره متصلاً بالحالة الذهنية التى كان عليها الجانى حيث أقدم مختاراً على إتيان الفعل المؤثم قانوناً؛ وكانت تلك الحالة أدخل إلى العوامل الشخصية التى يتعين تمييزها عن العوامل الموضوعية التى تعكس مادية الفعل أو الأفعال التى ارتكبها، والتى يكون الرجوع إليها وتقييمها كاشفاً عادة عما عناه منها، وقصد إليه من وراء مقارفتها؛ وكان من المفترض أن الجانى إذا أراد إتيان فعل أو أفعال بذواتها، فقد قصد إلى نتيجتها؛ فإن توافر هذا القصد – فيما أتاه الجانى من أفعال – يكون هو القاعدة العامة، وليس الاستئناء منها، وهو استثناء لا يقوم بالضرورة، ولا يتصور عقلاً إذا كانت إرادة الجانى تبلور انصرافها إلى إتيان أفعال محددة بغرض إحداث نتيجة إجرامية بعينها. وإنما ينحصر هذا الاستثناء فى حدود ضيقة، تقوم الجريمة فيها على إهمال نوع من الرعاية كان ينبغى أن يلتزمها الجانى فيما أتاه، لتكون الجريمة عندئذ عائدة فى بنيانها إلى الخطأ، وجوهرها أعمال يخالطها سوء التقدير، أو ينتفى عنها الاحتراس والتبصر، أو تتمحض عن رعونة لا حذر فيها، ومن ثم أحاطها القانون الجنائى بالجزاء، مُحددا ضابطها بما كان ينبغى أن يكون سلوكا لأوساط الناس، يقوم على واجبهم فى التزام قدر معقول من التحوط Ordinary reasonable person’s standard of care) لتمثل الجريمة غير العمدية انحرافاً ظاهراً عن ذلك المقياس، ويتحدد بقدره، نوع الجزاء عنها، ومقداره.
A deviation from and proportional to the level of established standards of reasonable care in conduct
ومن ثم يكون الفارق بين عمدية الجريمة، وما دونها، دائراً أصلاً – وبوجه عام – حول النتيجة الإجرامية التى أحدثها، فكلما أرادها الجانى وقصد إليها، موجهاً جهده لتحقيقها، كانت الجريمة عمدية. فإن لم يقصد إلى إحداثها، بأن كان لا يتوقعها، أو ساء تقديره بشأنها، فلم يتحوط لدفعها ليحول دون بلوغها، فإن الجريمة تكون غير عمدية يتولى المشرع دون غيره بيان عناصر الخطأ التى تكونها، وهى عناصر لا يجوز افتراضها أو انتحالها، ولا نسبتها لغير من ارتكبها، ولا اعتباره مسئولاً عن نتائجها، إذا انفك اتصالها بالأفعال التى أتاها، ذلك أن مسئوليته الجنائية عن هذا الخطأ، مسئولية شخصية لا تقوم إلا بتوافر أركانها (pas de peine sans culpabilité)، وهى بعد مسئولية يحققها القاضي، ويستمد عناصرها من عيون الأوراق، ليكون ثبوتها يقينياً لا ظنياً ضماناً لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور، وتوكيداً لامتناع تقييدها بغير الوسائل القانونية السليمة التى لا يترخص أحد فى التحلل منها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن الجرائم غير العمدية لا تقوم إلى على الخطأ، وأن صوره على اختلافها يجمعها معيار عام يتمثل فى انحرافها عما يعد – وفقاً للقانون الجنائى – سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد، وأن هذه الصور على تعددها، تتباين فيما بينها سواء فى نوع المخاطر التى تقارنها، أو درجتها. ويتعين بالتالى أن يتدخل المشرع ليحدد ما يكون منها مؤثماً فى تقديره، مع بيان عناصر الخطأ فى كل منها تعريفاً بها، وقطعا لكل جدل حول ماهيتها، توقياً لالتباسها بغيرها، وتعييناً جلياً لما ينبغى على المخاطبين بالنصوص العقابية أن يأتوه أو يَدعَوه من أفعال، إذ لا يجوز لمثل هذه النصوص، أن تُحّمل الناس ما لا يطيقون، ولا أن تؤاخذهم بما يجهلون ، ولا أن تمد إليهم بأسها وقد كانوا غير منذرين، ولا أن تنهاهم عما ألبس عليهم، وإلا قام التجريم فيها على أساس من الظن والإبهام، ليكون خداعاً أو ختالاً. وهو ما تأباه النظم العقابية جميعها، وينحدر بآدمية الإنسان إلى أدنى مستوياتها، ليغدو بغير حقوق – وعلى الأخص – فى مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
يؤيد ذلك أمران: أولهما أن الأصل فى النصوص العقابية أن تصاغ فى حدود ضيقة narrowly tailored تعريفاً بالأفعال التى جرمها المشرع، وتحديداً لمضمونها، فلا يكون التجهيل بها – من خلال انفلات عباراتها وإرهاقاً بتعدد تأويلاتها – موطئاً للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين، كذلك التى تتعلق بحرية عرض الآراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة، وكذلك بالحق فى تكامل الشخصية، وأن يؤمن كل فرد ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع. ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة، وتقرير أحوال فرضها، مما يدخل فى إطار تنظيم الحقوق، ويندرج تحت السلطة التقديرية للمشرع، إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور، ولازمها ألا تكون النصوص العقابية [شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها، أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها].
ثانيهما: أن الأصل فى الجريمة، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين باعتباره مسئولاً عنها، وهى بعد عقوبة يجب أن تتوازن “وطأتها” مع طبيعة الجريمة موضوعها. بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله. وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن “شخصية العقوبة” “وتناسبها مع الجريمة محلها” مرتبطان بمن يعد قانوناً “مسئولا عن ارتكابها”. ومن ثم تفترض شخصية العقوبة – التى كفلها الدستور بنص المادة 66 – شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمها. ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها.
وحيث إن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين، فى تنظيمها لبعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها، فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعياً ممكناً، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مبرراً، إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لا يكون معها ضرورياً، غدا مخالفاً للدستور متى كان ذلك، وكان الجزاء الجنائى عقاباً واقعاً بالضرورة فى إطار اجتماعي، ومنطوياً غالباً – من خلال قوة الردع – على تقييد الحرية الشخصية، ومقرراً لغرض محدد، استيفاء لقيم ومصالح اجتماعية لها وزنها؛ وكان الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل بها إلا بقدر نأياً بها عن أن تكون إيلاماً غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة unnecessary cruelty and pain؛ وكانت المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها – والتى أحالتها محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها – تقرر جزاء جنائياً يقوم على مجرد مخالفة أحكام المواد 2، 10، 11، 12، 14، 14 مكرراً من هذا القانون، إذا كان مقارفها حسن النية؛ وكان نطاق الدعوى الدستورية الراهنة – محدداً على ضوء الاتهام المنسوب إلى المتهم – يقوم على الطعن بعدم دستورية إيقاع عقوبة المخالفة فى شأن متهم كان حسن النية حين أخل بنص المادة الثانية من ذلك القانون، التى تحظر تداول الأغذية التى يقوم الدليل على غشها، أو عدم صلاحية استهلاكها آدمياً، أو مخالفتها لمواصفاتها المحددة قانوناً، سواء عند تصنيعها أو تحضيرها أو طرحها للبيع أو تخزينها أو نقلها أو تسليمها؛ وكان هذا التداول – بمختلف صوره – يتعلق بسلع شى تتباين مصادرها، ولا يقع التعامل فيها، أو الاتصال بها، مرة واحدة، بل تتناولها أيد عديدة، وعلى الأخص منذ خروجها من يد منتجها أو جالبها، إلى أن تصل إلى عارضها الأخير، وبافتراض خضوعها لنظم الفحص والرقابة التى تباشرها الجهات الحكومية ذات الاختصاص، وعلى الأقل داخل مصادر إنتاجها المحلية، أو قبل تجاوزها الدائرة الجمركية حال جلبها؛ وكان النص المطعون فيه – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – يقرر جزاء جنائياً فى شأن أفعال أتاها المتهم بحسن نية إخلالاً بنص المادة الثانية من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها؛ وكانت عبارة [حسن النية] وإن جاز القول بتعدد معانيها، تبعاً لموقعها من سياق النصوص القانونية التى انتظمتها، وبمراعاة ما تغياه المشرع من هذه النصوص، مُحَدداً – من خلال أغراضها – إطاراً للدائرة التى تعمل فيها، إلا أن حسن نية من يتداولون أغذية الإنسان، يفترض تعاملهم فيها، أو اتصالهم بها، بوصفهم مواطنين شرفاء، يتقيدون بأصول مهنتهم ويلتزمون بمتطلباتها.
وحيث إن العقوبة التى فرضها النص المطعون فيه كجزاء على الأفعال التى أثمها، هى عقوبة المخالفة. وانحدارها على هذا النحو، يفيد تعلقها بأفعال لا يعتمدها مرتكبها، ولا تصل خطورتها إلى حد الإيغال فى الجزاء عليها، ليكون قوامها خطأ اتخذ من مفهوم الجريمة غير العمدية، إطاراً.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان ركن الخطأ فى الجرائم غير العمدية، ليس إلا فعلاً أو امتناعاً يمثل انحرافاً عماً يُعد وفقاً للقانون الجنائى سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد؛ وكان تحديد مضمون الأفعال أو مظاهر الامتناع التى تقوم عليها هذه الجرائم، من خلال بيان عناصر الخطأ، بما ينتفى التجهيل بها، ضرورة يقتضيها اتصال هذا التجريم بالحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز النزول عنها أو الإخلال بها؛ وكان النص المطعون فيه قد قرر جزاء جنائياً فى شأن متهم حسن النية بالمفهوم السالف البيان – وعن صور من الخطأ قَصُرَ عن تعيينها من خلال تحديد عناصرها، فإن هذا النص يكون قد أخل بالحرية الشخصية، وبضمانة الدفاع، وكذلك بالضوابط الجوهرية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، ويندرج تحتها افتراض البراءه، وجاء بذلك مخالفاً لأحكام المواد 41، 67، 69 من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 18 من القانون رقم 10 لسنة 1966 بشأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها فيما تضمنته من معاقبة من يخالف أحكام المادة الثانية من هذا القانون بعقوبة المخالفة إذا كان حسن النية.
والزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة(1).


(1) إعمالاً للحجية المطلقة لهذا الحكم قضت المحكمة الدستورية العليا باعتبار الخصومة منتهية فى الدعاوى المماثلة الآتية:
1 – الدعوى رقم 26 لسنة 17 دستورية جلسة 6/ 1/ 1995
2 – الدعوى رقم 27 لسنة 17 دستورية جلسة 6/ 1/ 1995.

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88