الخط الساخن : 01118881009

جلسة 2 ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – المفوض، وحضور السيد/ أحمد عطية أحمد منسى – أمين السر.

قاعدة رقم (18)
القضية رقم 15 لسنة 17 قضائية “دستورية”

1 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
2- دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: الضرر – تطبيقه”.
مؤدى هذا الشرط ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ألحق بهم النص المطعون فيه ضررا مباشرا، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً – انفصال الضرر المدعى به عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور – تحقق مصلحة محامى الادارات القانونية فى شركات القطاع العام فى الطعن على النص المقرر لحظر مباشرتهم دعاواهم الشخصية ضد جهة عملهم.
3- محامون “شركات القطاع العام” – تشريع “الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983″ – حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 4 لسنة 14 قضائية، جلسة 29/ 6/ 1993”.
انتهاء الحكم المشار إليه إلى موافقة هذه الفقرة للدستور فيما قررته من حظر مزاولة محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون فيها وإلا كان باطلاً.
4- المحكمة الدستورية العليا “ولايتها”.
امتداد قضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية نص معين إلى نص آخر غير مطروح عليها، هو عدوان على ولايتها.
5- نصوص قانونية “عدم تداخلها”.
الأصل فى النصوص القانونية التى ينتظمها موضوع واحد، أن يكون لكل منها مضمون مستقل فلا تتداخل مع بعضها البعض.
6- دعوى دستورية “المسألة الدستورية ” – المحكمة الدستورية العليا.
وجوب أن تؤكد الدعوى الدستورية من خلال تصادم المصالح المثارة فيها حقيقة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها.
7- دستور – حقوق – حق الدعوى – حماية.
يتغيا تقرير الحقوق التى كفلها الدستور توفير الحماية القانونية التى تكفلها – بما فى ذلك الحق فى الدعوى مستقلاً عن الحقوق موضوعها.
8- الحق فى الخصومة القضائية “ضمانه” حق التقاضى – حصانة القضاء واستقلاله.
ضمان الحق فى الخصومة القضائية لا يكون إلا بوصفها طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضى – حصانة القضاء واستقلاله أقامهما الدستور ضمانين أساسين لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم – حق التقاضى هو المدخل لهذه الحماية.
9- حق التقاضى “ترضية قضائية”.
لا يكتمل حق التقاضى ما لم يوفر المشرع للخصومة القضائية – فى نهاية مطافها – حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التى يستحقها من يطلبها.
10- حق الدفاع.
حق الدفاع – أصالة أو بالوكالة – يتوخى اقتضاء الترضية القضائية من خلال وسائل الدفاع التى يعرضها الخصوم بما لا تمييز فيه بينهم.
11- حق التقاضى “الترضية القضائية”.
الترضية القضائية – بافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – تشكل جزءاً غير منقسم من حق التقاضي.
12- الحق فى الترضية القضائية “عدوان على حق التقاضي”.
إنكار أو تقييد الحق فى الترضية القضائية يعتبر عدواناً على حق التقاضى ينحل إلى إنكار للعدالة فى أخص مقوماتها.
13- الحق فى الترضية القضائية” وسائل تنفيذها”.
عدم اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها يعطل دور السلطة القضائية فى مجال تأمينها، ويفرغ حق اللجوء إليها من كل مضمون.
14- حق التقاضى “عدم التمييز – عدم مصادرته”.
تخويل الدستور هذا الحق للناس جميعاً – لا تمييز فيما بينهم فيه – تكافؤ مراكزهم القانونية – فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم – النفاذ إليه فى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه ولا تصل إلى حد مصادرته.
15- ضمانة الدفاع – حق التقاضى – ترضية قضائية.
ضمانة الدفاع التى كفلها الدستور بنص المادة 69 منه لا يمكن فصلها عن حق التقاضى – تكاملهما معاً فى دائرة الترضية القضائية.
16- ضمانة الدفاع “مفترض أولي”.
اعتبار ضمانة الدفاع مفترضاً أولياً لصون حقوق الأفراد وحرياتهم – قيام الحق فيها ولو لم يصرح الدستور بها.
17- حق الدفاع “الأمم المتحضرة – إبطال ما يرد على خلافه”.
ارتباط حق الدفاع بالقيم التى تؤمن بها الأمم المتحضرة بما يؤكد مبدأ الخضوع للقانون – قيامه كضرورة تفرض نفسها ليبطل كل تنظيم تشريعى على خلافها.
18- ضمانة الدفاع “إنكارها: مؤداه”.
إنكار ضمانة الدفاع أو انفصالها هو إخلال بالحق المقرر دستورياً لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.
19- ضمانة الدفاع “شمولها”.
وجوب انصراف ضمانة الدفاع إلى كل دعوى مدنية كانت أو جنائية.
20- ضمانة الدفاع “العمل القضائي”.
عدم اعتبار القرار الصادر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين قرارا قضائيا إذا كانت النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية، قد أغفلت ضمانة الدفاع.
21- حق الدفاع أصالة.
حق الدفاع أصالة كان دائماً أسبق وجوداً من حق الشخص فى اختيار محام يكون وكيلاً عنه فى دعواه.
22- محامون – ضمانة الدفاع.
قيام المحامين بالدفاع عن بعض الحقوق المكفولة فى الدستور، من خلال قضاياهم الشخصية أو تلك التى وكلوا فيها – اعتباراً ضمانة الدفاع أكثر اتصالاً بإنفاذ هذه الحقوق.
23- خضوع الدولة للقانون “مؤداه”.
خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديموقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية – منها الحقوق وثيقة الصلة بالحرية الشخصية.
24- عقوبة – حرية شخصية “تقييدها” – خصومة قضائية.
ضمان ألا تكون العقوبة مهينة فى ذاتها – مجاوزة فى قسوتها للحدود التى توازنها بالأفعال المجرمة – عدم جواز تقييد الحرية الشخصية إلا بعد اتباع الوسائل الموافقة للشرعية الدستورية – من هذه الوسائل الاستماع للشخص – ولوج هذه الوسائل أكثر لزوماً فى نطاق الخصومة القضائية.
25- حق الدفاع “أصالة ووكالة”.
مضمون الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور لا يقتصر على مجرد تقرير حق الشخص فى اختيار محام يتولى الدفاع عنه – تأكيدها الملامح الشخصية لحق الدفاع باستصحابها أصل الحق فيه – استقلال كل من الحقين عن الآخر.
26- محاماة – تشريع “قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983”.
المحاماة – وفقاً لهذا القانون – مهنة حرة – مشاركتها السلطة القضائية فى تحقيق العدالة وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين.
27- محامون “شركات القطاع العام” – تشريع “الفقرة الثالثة من المادة 8 من قانون المحاماة: إخلال بحق الدفاع”.
ما قررته هذه الفقرة من حظر مباشرة محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام لأعمال المحاماه بالنسبة إلى القضايا الخاصة بهم وتكون متعلقة بجهات عملهم – اعتباره عدواناً على الطبيعة الشخصية لحق الدفاع.
28- حق الدفاع أصالة “عدم إسقاطه”.
حق الدفاع أصالة من الحقوق التى كفلها الدستور، وبالتى لا يجوز إسقاطها سواء بعمل تشريعى أو من خلال مقابل مادى – ضرورة اقتضاؤها عيناً.
1 و2- إن المصلحة الشخصية فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي. بما مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ألحق بهم النص المطعون فيه، ضرراً مباشراً، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دوماً أن يكون الضرر المدعى به، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها عائداً فى مصدره إلى النص المطعون فيه، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية التى يقتضيها تسوية آثاره.
إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى يعمل بالإدارة القانونية للشركة المدعى عليها الأخيرة حين أقام ضدها دعواه الموضوعية، ناعياً البطلان على قرار تخطيه فى الترقية؛ وكان النص المطعون فيه، مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تنحيها أو تتجاهلها، بل يتعين عليها تطبيقها من تلقاء نفسها، ويحول بالتالى دون مباشرة المدعى لدعواه الشخصية قبل الجهة التى كان يعمل بها؛ فإن المدعى يكون قد أضير من جراء تطبيق النص المطعون فيه بالنسبة إليه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية فى الطعن بعدم دستوريته، وذلك فيما تضمنه من حظر مزاولة أعمال المحاماة، على محامى الإدارات القانونية فى شركات القطاع العام، فى شأن قضاياهم الخاصة بالجهات التى يعملون بها.
3- إن الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أنه: [مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لمحامى الإدارات القانونية للهيئات العامة، وشركات القطاع العام، والمؤسسات الصحفية، أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، وإلا كان العمل باطلاً].
والفقرة الأولى المشار إليها، كان مطعوناً عليها فى القضية رقم 4 لسنة 14 قضائية “دستورية” وانتهت المحكمة الدستورية العليا فى 29 يونيو سنة 1993، إلى رفض المطاعن الموجهة إليها، وتقرير موافقتها للدستور، محمولاً قضاؤها فى ذلك على أن هيئات القطاع العام وشركاته الصادر فى شأنها القانون رقم 97 لسنة 1973، وإن استعيض عنها بالشركات القابضة والشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 – المعمول به اعتباراً من 20 يوليه سنة 1991 – إلا أن المادة الرابعة من قانون الاصدار نصت على استمرار خضوع العاملين فى هيئات القطاع العام وشركاته – المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها، والموجودين بالخدمة فى تاريخ العمل بهذا القانون – لكل النظم والقواعد التى كانت تحكم شئونهم الوظيفية، وذلك أن تصدر النظم الخاصة بالعاملين بالشركات المنقولين إليها طبقاً لأحكام القانون المرافق؛ وإذ كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص للشركة التى يتبعها المدعيان لم تصدر بعد؛ وكان ما ينعاه المدعيان من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة فى الحقوق أمام القانون، مردود، بأن القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالهيئات والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها، لم يخرج أعضاءها الفنيين من عداد العاملين بها، وأخضعهم بالتالى للواجبات المنصوص عليها فى نظام العاملين فى القطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978، ومن بينها ألا يقوم العامل – بالذات أو بالواسطة – بأعمال من شأنها الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها؛ وكانت هذه القيود جميعها مردها إلى أصل واحد يتمثل فى وجوب أن يكرس العاملون بشركات القطاع العام – وهى من أشخاص القانون الخاص – وقتهم وجهدهم لأعمال شركتهم؛ وكان قانون المحاماة لم يغير من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التى تربط شركات القطاع العام بمحامى إدارتها القانونية؛ وكان ما قرره النص المطعون فيه، من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً، يندرج فى إطار الضوابط التى حدد بها المشرع واجباتهم تحديداً قاطعاً؛ وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة؛ وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة، وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم؛ فإن النعى على النص التشريعى المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقراً إلى دعامته.
4 و5 – إن ما تقرره هيئة قضايا الدولة – فى مقام دفاعها عن النص المطعون فيه – من أن الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة، يستغرق حكمها الحظر المقرر بفقرتها الثالثة، وأن رفض المحكمة الدستورية العليا المطاعن الموجهة إلى فقرتها الأولى، يمنعها من الخوض فى المناعى التى أثارها المدعى فى شأن النص المطعون فيه، مردود أولاً: بأن المشرع لا يردد بالنصوص القانونية أحكاماً قررتها نصوص سابقة عليها، وإلا كان عابثاً؛ ومردود ثانياً: بأن الفقرة الأولى المشار إليها، يقتصر حكمها على منع محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من مزاولة أعمال المحاماة لجهة غيرها، ولا شأن لها بالتالى بمن يقيمون من بينهم – وضد جهة عملهم – القضايا الخاصة بهم أو بأزواجهم أو أقاربهم حتى الدرجة الثالثة؛ ومردود ثالثاً: بأن نطاق المسألة الدستورية التى واجهتها المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر فى الدعوى رقم 4 لسنة 14 قضائية “دستورية” منحصر فى نص الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة. وتعلق حكمها بهذا النطاق وحده، لا يمنعها من نظر الخصومة الدستورية فيما جاوز حدوده؛ ومردود رابعاً: بأن مد آثار قضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية نص معين إلى نص آخر كان غير مطروح عليها، هو عدوان على ولايتها؛ ومردود خامساً: بأن النصوص القانونية التى ينتظمها موضوع واحد، وأن جمعتها وحدة الغرض، وكان الأصل فيها أنها لا تتهادم فيما بينها أو تتماحى، إلا أن لكل منها مضمونا مستقلاً، لا يمزجها بغيره، فلا تتداخل مع بعضها البعض.
6 و7- إن من المقرر فى مجال الدعوى الدستورية، أنها ينبغى أن تؤكد بماهية الخصومة التى تتناولها، التعارض بين المصالح المثارة فيها، بما يعكس حدة التناقض بينها، ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض، حقيقة المسألة التى تدعى المحكمة الدستورية للفصل فيها؛ وكان لا يتصور أن يكون للحقوق التى كفلها الدستور قيمة مجردة فى ذاتها، ولا أن تعمل فى فراغ، ولا أن يكون تأمينها ناشئاً عن مجرد وزنها أو أهميتها فى بناء النظام القانونى للدولة، ودعم حرياته المنظمة، ذلك أن تقرير هذه الحقوق، تغيا دوماً توفير الحماية القانونية التى تكفلها، بما فى ذلك الحق فى الدعوى، وهو حق يقوم مستقلاً عن الحقوق موضوعها، متوخياً رد الأضرار الناشئة عن الإخلال بتلك الحقوق.
8- إن ضمان الحق فى الخصومة القضائية، لا يكون إلا بوصفها طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضى المنصوص عليه صراحة فى المادة 68 من الدستور؛ وكان هذا الحق يعتبر لازماً لإنفاذه سيادة القانون التى عقد لها الدستور بابا مستقلاً، وهو بابه الرابع، محدداً فيه تلك القواعد التى لا تقوم سيادة القانون – فى تقديره – بدونها، وهى قواعد تتكامل فيما بينها، ودل بها على أن سادة القانون فى الدولة، هى محور نظامها القانونى وأساس شرعيتها، وأن ممارستها لسلطاتها، لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، ولكنها تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها، مقيدة فى ذلك بقواعد قانونية تعلوها، وتعصمها من جموحها لضمان ردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها. وإذ كان الدستور، قد أقام من حصانة القضاء واستقلاله، ضمانين أساسيين لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فقد أضحى لازماً – وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولاً بنص صريح فى الدستور، كى لا تنعزل حقوق الأفراد وحرياتهم عن وسائل حمايتها، بل تكون معززة بها، وتقارنها، لضمان فعاليتها.
9 و10 و11- إن العناصر التى يتكون منها حق التقاضي، لا تكتمل ما لم يوفر المشرع للخصومة القضائية – فى نهاية مطافها – حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية judicial relief التى يبتغيها من يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، وكان حق الدفاع – أصالة أو بالوكالة – يتوخى اجتناءها من خلال وسائل الدفاع التى يعرض الخصوم بموجبها أدلتهم – واقعاً وقانوناً – بما لا تمييز فيه بين بعضهم البعض، بل تتكافأ أسلحتهم فى مجال الحقوق التى يدعونها، فإن هذه الترضية – وبافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – تشكل جزءاً غير منقسم من حق التقاضي. وترتبط بالأغراض النهائية التى يعمل لبلوغها، يؤيد ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصالح نظرية لا تتولد عنها فائدة عملية، بل غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتبلور حقيقتها نطاق المسائل المتنازع عليها، وحكم القانون بشأنها.
12- إن قضاء المحكمة الدستورية العليا، قد جرى على أن إنكار أو تقييد الحق فى الترضية القضائية، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أو من خلال تقديمها متراخية متباطئة دون مسوغ، أو إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة فى ذاتها عيباً جوهرياً، إنما يعد إهداراً أو تهويناً من الحماية التى يفرضها الدستور أو القانون للحقوق التى وقع الإخلال بها، بما ينال من جوهر هذه الترضية، ولا يدفعها لكامل مداها، ليتمحض ذلك عدواناً على حق التقاضى ينحل إلى إنكار للعدالة فى أخص مقوماتها، على أن يكون مفهوماً أن هذا الإنكار، لا يقوم فى محتواه على مجرد الخطأ فى تطبيق القانون، بل هو الإخفاق فى تقديم الترضية القضائية ذاتها، وبوجه خاص كلما كانت الوسائل القضائية التى أتاحها المشرع للخصوم، لا توفر لمن استنفذها الحماية اللازمة لصون الحقوق التى يدعيها، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية التى يأملها، لا طائل من ورائها.
13- إن الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل تنفيذها، لحمل الملزمين بها على الرضوخ لها، تغدو وهماً وسراباً، وتفقد قيمتها عملاً، بما يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها، إهدار الحقوق التى كفلتها، وتعطيل دور السلطة القضائية فى مجال تأمينها، وإفراغ حق اللجوء إليها من كل مضمون. وهو كذلك تدخل فى أخص شئونها، وعدوان على ولايتها، بما يقلص دورها، وينال من الحدود التى تفصل بينها وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية. يؤيد ذلك أن الحماية القضائية للحق أو الحرية – على أساس من سيادة القانون والخضوع لأحكامه – لازمها التمكين من اقتضائها، والعمل من أجل تنفيذها، ولو باستعمال القوة عن الضرورة.
14- إن الدستور حرص بنص المادة 68، على أن يكون لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأًً للفصل فيها؛ وكان هذا الحق مخولاً للناس جميعاً، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق، مقصوراً على بعضهم، ولا منصرفاً إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفراً من المتقاضين دون غيرهم؛ بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطاً وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته.
15- إن ضمانة الدفاع التى كفلها الدستور بنص المادة 69، لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معاً فى دائرة الترضية القضائية التى يعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية. فلا قيمة لحق التقاضي، ما لم يكن مسانداً لضمانة الدفاع، مؤكداً لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيداً عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعاً وراء جدران صامتة Behind walls of silence. يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها، تتجرد من قيمتها العلمية، إذا كان من يطلبها عاجزاً عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها، لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها.
16- إن الدستور – فى إطار من سيادة القانون – نظم ضمانة الدفاع محدداً بعض جوانبها، كافلاً إنفاذها باعتبارها مفترضاً أولياً لصون حقوق الأفراد وحرياتهم؛ وكان الحق فيها يظل قائماً ولو لم يصرح الدستور بها، إلا أن الدستور حرص على أن يرددها بنص الفقرة الأولى من المادة 69 التى كفل بموجبها حق الدفاع، سواء كان من يباشره أصيلاً أم وكيلاً. بل إن الدستور خطا خطوة أبعد، بأن نص فى فقرتها الثانية، على أن يكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء أو الدفاع عن حقوقهم، ليؤمن بذلك حق المعوزين فيما يعينهم على صون حقوقهم وحرياتهم، من خلال ضمانة الدفاع عنها.
17- وقد غدا حق الدفاع غائراً فى وجدان البشر مرتبطاً بالقيم التى تؤمن بها الأمم المتحضرة، مؤكداً مبدأ الخضوع للقانون، ناهياً عن التسلط والتحامل، معززاً إرادة الاختيار، مبلوراً الدور الاجتماعى للسلطة القضائية فى مجال تأمينها للحقوق على اختلافها، واقعاً فى إطار الأسس الجوهرية للحرية المنظمة، نائياً عن أن يكون ترفاً عميقاً أو سرفاً زائداً، قائماً كضرورة تفرض نفسها ليبطل كل تنظيم تشريعى على خلافها، فلا يكون القبول بها رمزياً، بل فاعلاً ومؤثراً، تغليباً لحقائقها الموضوعية على أهدابها الشكلية، إنفاذاً لمحتواها، وتقيداً بأهدافها، فلا ينازع أحد فى ثبوتها أو يحجبها.
18- إن إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها، لا يعدو أن يكون إخلالاً بالحق المقرر دستورياً لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي. وليس النزول عليها إلا توكيداً للحق فى الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقيدها متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعي، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحباً إلى الحق فى أن يقيم باختياره محامياً يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه لثقته فيه – أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطاً بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائياً عن الانحدار بمتطلباتها، إلى ما دون مستوياتها الموضوعية، التى يملها التبصر، وتفرضها العناية الواجبة.
19 و20- إن الخصومة القضائية، تمثل فى نطاق ضمانة للدفاع، مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية، وهو ما يحتم انصرافها إلى كل دعوى، سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. وإذ جاز القول بأن تمثيل الشخص بمحام يكون وكيلاً عنه، يعد ضمانة أولية يقتضيها مسار الخصومة القضائية حقاً وإنصافاً fairness and Right، فإن حرمان الشخص من أن يكون أصيلاً فى مباشرة الدفاع، إنما يصادم النبض الجماعى لحقائق العدل shocking to a Universal Sense of justice.
ولقد كان تقدير المحكمة الدستورية العليا لضمانة الدفاع، وإقرارها لأهميتها، واضحاً وقاطعاً فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً، وذلك بما جرى عليه قضاؤها، من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون قرار قضائياً، إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية، وتبين حدودها.
21- إن حق الشخص فى اختيار محام يكن وكيلاً عنه فى دعواه، إن كان يعكس فى الأعم من الأحوال، ما آل إليه تطور النظم القضائية، وما يكتنفها من قواعد معقدة تدق على الكثيرين، وباعتبار أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم، أياً كان شكل ثقافتهم أو عمقها وعلى الأخص فى مجال تطبيق بعض أفرع القانون، بالنظر إلى تطور أبعادها، وخفاء عديد من جوانبها، إلا أن حق الدفاع أصالة، كان دائماً أسبق وجوداً من الحق فى اختيار محام، وكان ذلك أكثر اتصالاً بخصائص الشخصية الإنسانية، وارتباطاً بتكاملها. فإذا كان من يتولى هذا الدفاع محامياً، فإن من المفترض أن يكون قادراً على إدارة شئون قضاياه الشخصية، فلا تفقد الضمانة الدستورية لحق الدفاع، مضمونها، ولا تنحسر عنها أهدافها، وعلى تقدير أن المحامين – من كان منهم أصيلاً أو وكيلاً – جميعهم شركاء للسلطة القضائية – على تعدد تنظيماتها – فى سعيها للوصول إلى الحقيقة، والتماس الوسائل القانونية التى تعينها على تحريها.
22- إن قيام المحامين بالدفاع عن بعض الحقوق التى كفلها الدستور Constitutionally protected Rights، كالحق فى العمل، وحق الحصول على أجر عادل – وسواء كان ذلك من خلال قضاياهم الشخصية، أو تلك التى وكلوا فيها – لا يعتبر مجرد ارتكان إلى الوسائل الفنية التى يقتضيها الفصل فى الخصومة القضائية، بل تبدوا ضمانة الدفاع فى هذه الفروض أكثر اتصالاً بإنفاذه هذه الحقوق، من خلال إحاطتها بالحماية التى وفرها الدستور لها، وهو ما يعلوا بمبدأ سيادة القانون، ليكون كافلاً دعم البنية الخلفية لإدارة العدالة:
The Ethical Fabric of the Administration of justice.
23 و24- إن الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور، أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمى يجعل لبعضها علوا على ما سواها؛ وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن خضوع الدولة للقانون، محدد على ضوء مفهوم ديموقراطي، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديموقراطية، مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور، من بينها ألا تكون العقوبة مهينة فى ذاتها، أو مجاوزة فى قسوتها للحدود التى توازنها بالأفعال التى أثمها المشرع، ليكون إيقاعها شاذاً منافياً لحكم العقل؛ وكان لا يجوز كذلك تقييد الحرية الشخصية إلا بعد اتباع الوسائل القانونية التى يكون تطبيقها موافقاً لأسس الشرعية الدستورية وضوابطها، وكان من بين ما تشتمل عليه هذه الوسائل، ضمان فرص جادة يباشر الشخص من خلالها، حق الاستماع إليه The Right to be Heard؛ فإن ولوجها. وبوجه خاص فى مجال ارتباطها بضمانة الدفاع التى لا تقوم الشرعية الدستورية فى غيبتها – يكون أكثر لزوماً فى نطاق الخصومة القضائية، ولو كان الذين يفيدون منها. مثلماً هو الحال فى الدعوى الراهنة – محامين يعملون بوصفهم أصلاء عن أنفسهم pro se
25- يؤيد ما تقدم بنيان الفقرة الأولى من المادة 29 من الدستور ذاتها، ذلك أن مضمونها لا يقتصر على مجرد حق الشخص فى اختيار محام يتولى الدفاع عنه، ولكنها تؤكد الملامح الشخصية لحق الدفاع، من خلال استصحابها أصل الحق فيه، بتخويلها إياه لمن يكون أصيلاً فى إدارته – The Right of Self Representation، وهو ما يفيد استقلال كل من الحقين عن الآخر، فلا يتهادمان، وعلى تقدير أن اختيار الشخص لمحام يكون وكيلاً عنه، لا يعدو أن يكون شكلاً من أشكاله المعاونة التى يطلبها، وأن انفراد الوكيل بالخصومة القضائية التى وكل فيها، لا يتصور أن يتم إلا بقبول الأصيل، ليتحمل بعدئذ – دون غيره – بآثارها ونتائجها.
26- إن البين من أحكام المادتين 1، 3 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون، وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، وأن المحامين يمارسون مهنتهم فى استقلال، ولا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون، وأنه مع عدم الإخلال بأحكام القوانين المنظمة للهيئات القضائية، وبأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لغير المحامين مزاولة أعمال المحاماة، ويندرج تحتها الحضور عن ذوى الشأن أمام جهات التحقيق إدارياً كان أم جنائياً، وكذلك أمام دوائر الشرطة والمحاكم على اختلافها، ودفاعهم عنهم فيما يقام منهم أو عليهم من الخصومات القضائية، والقيام، بما يتصل بها من أعمال المرافعات والإجراءات القضائية.
27- إن المادتين 2، 3 من قانون المحاماة، تصرحان كذلك بأن كل من يقيد بجداول المحاماة التى ينظمها هذا القانون، يعد محامياً، وأن مهنة المحاماة يجوز أن يمارسها المحامون فى إدارتهم القانونية بشركات القطاع العام.
ولئن كان المشرع قد دل بنص الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون المحاماة، على أن الأصل المقرر بها هو أن من يعملون من المحامين بالإدارة القانونية لإحدى شركات القطاع العام، لا يمارسون لغير جهة عملهم أعمال المحاماة المنصوص عليها فى المادة 3 من هذا القانون، وإلا كان العمل باطلاً إلا أن الفقرة الثالثة من المادة 8 المشار إليها، خولتهم مباشرة أعمال المحاماة هذه، بالنسبة إلى قضاياهم الشخصية، بشرط أن تكون جهة عملهم خصماً فيها، لتحول بينهم وبين مقاضاتها دفاعاً عن الحقوق التى يطلبونها لأنفسهم – وبوصفهم أصلاء فيها – ولتمنعهم بالتالى من أن يباشروا قبلها أعمال المحاماة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من قانون المحاماة، حال كونهم مؤهلين للقيام بها كوكلاء عنها. ولا يعدو حرمانهم من مباشرتها فيما يخصهم من القضايا، أن يكون عدواناً على الطبيعة الشخصية لحق الدفاع التى كفلتها الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور، من خلال ضمانها حق الدفاع أصالة لكل مواطن.
28- إن ما قررته الشركة المدعى عليها الأخيرة، من أن شركات القطاع العام، هى التى تقوم بنفسها بأداء الرسوم اللازمة لقيد محاميها بالجدول الخاص المعد لهذا الغرض، والمنصوص عليه بالفقرة الثانية من المادة 10 من قانون المحاماة، وأن عليهم بالتالى أن يتفرغوا للعمل لحسابها، فلا يختصمونها؛ مردود بأن الحقوق التى كفلها الدستور – ويندرج تحتها حق الدفاع أصالة – لا يجوز إسقاطها أو تنحيتها عن مجال تطبيقها سواء بعمل تشريعي، أو من خلال مقابل مالى أيا كان مقداره. بل يتعين اقتضاؤها عيناً كلما كان ذلك ممكناً.


الإجراءات

بتاريخ الحادى والعشرين من مارس سنة 1995 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفه الدعوى الماثلة، طالبا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثامنة من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطيا رفضها.
وقدم المدعى عليه الأخير مذكرة دفع فيها الدعوى بعدم قبولها، وطلب احتياطياً الحكم برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعي، كان قد أقام – وعندما كان محاميا بالادارة القانونية للشركة المدعى عليها الأخيرة – الدعوى رقم 1201 لسنة 1989 عمال كلى الإسكندرية، طالباً الحكم ببطلان قرار الشركة المذكوره بتخطيه فى الترقية إلى الدرجة الأولى، وأحقيته فى الترقية إليها اعتباراً من أول مارس سنة 1989، ثم دفع أثناء نظر الدعوى الموضوعية، بعدم دستورية المادة الثامنة من قانون المحاماة، وذلك فيما تضمنته من حظر مزاولة أعمال المحاماة على محامى الإدارات القانونية فى شأن دعواهم الشخصية التى تكون جهة عملهم طرف فيها. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث أن المادة الثامنة من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 – بعد تعديلها بالقانون رقم 227 لسنة 1984 – تنص على أنه: [مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لمحامى الإدارات القانونية للهيئات العامة وشركات القطاع العام والمؤسسات الصحفية، أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، وإلا كان العمل باطلاً.
كما لا يجوز للمحامى فى هذه الإدارات القانونية، الحضور أمام المحاكم الجنائية إلا فى الادعاء بالحق المدنى فى الدعاوى التى تكون الهيئة أو الشركة أو المؤسسة طرفاً فيها، وكذلك الدعاوى التى ترفع على مديريها، أو العاملين بها، بسبب أعمال وظائفهم.
ولا يسرى هذا الحظر بالنسبة للقضايا الخاصة بهم وبأزواجهم وبأقاربهم حتى الدرجة الثالثة، وذلك فى غير القضايا المتعلقة بالجهات التى يعملون بها].
وحيث إن البين من الأوراق، أن المدعى قصر الطعن بعدم الدستورية، على نص الفقرة الثالثة من المادة الثامنة المشار إليها، باعتبار أن مصلحته الشخصية المباشرة تتعلق بإبطالها، وتجريدها من قوة نفاذها، بأثر رجعى يرتد إلى تاريخ العمل بها.
وحيث إن كلاً من هيئة قضايا الدولة، والشركة المدعى عليها الأخيرة، قد دفعتا الدعوى الدستورية بعدم قبولها، تأسيساً على أن المدعى قد دفع بعدم دستورية النص المطعون فيه، بعد أن أحيل إلى التقاعد، ولم يعد بالتالى عضوا بالإدارة القانونية لهذه الشركة، وكان يستطيع بعد أن أحيل إلى التقاعد أن يوقع بوصفه محامياً حراً على صحيفة دعواه الموضوعية، ليصبح ما اعتراها من بطلان نشأ عن توقيعه عليها إبان عمله بتلك الإدارة، بالمخالفة للحظر المقرر بالنص المطعون فيه، وهو بطلان لم تثره تلك الشركة أثناء نظر دعواه الموضوعية، مما يجعل الفصل فى المسألة الدستورية غير لازم.
وحيث إن المصلحة الشخصية فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي. بما مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ألحق بهم النص المطعون فيه، ضرراً مباشراً، سواء أكان هذا الضرر وشيكا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دوماً أن يكون الضرر المدعى به، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقوم عليها عائداً فى مصدره إلى النص المطعون فيه، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية التى يقتضيها تسوية آثاره.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المدعى يعمل بالإدارة القانونية للشركة المدعى عليها الأخيرة حين أقام ضدها دعواه الموضوعية، ناعياً البطلان على قرار تخطيه فى الترقية؛ وكان النص المطعون فيه، مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تنحيها أو تتجاهلها، بل يتعين عليها تطبيقها من تلقاء نفسها، ويحول بالتالى دون مباشرة المدعى لدعواه الشخصية قبل الجهة التى كان يعمل بها؛ فإن المدعى يكون قد أضير من جراء تطبيق النص المطعون فيه بالنسبة إليه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية فى الطعن بعدم دستوريته، وذلك فيما تضمنه من حظر مزاولة أعمال المحاماة، على محامى الإدارات القانونية فى شركات القطاع العام، فى شأن قضاياهم الخاصة بالجهات التى يعملون بها.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة 40 من الدستور، من زاويتين؛ أولاهما: أنه أقام تفرقة تحكمية بين عضو الإدارة القانونية بشركة القطاع العام وغيره من المحامين من جهة وكذلك بين أعضاء هذه الإدارات القانونية وغيرهم من العاملين بالقطاع العام من جهة أخرى. وآية ذلك أن قانون المحاماة، يخول كل محام أن يقيم دعواه الشخصية ضد موكله، فى حين حظر النص المطعون فيه على محامى الإدارات القانونية مزاولة أعمال المحاماة فى قضاياهم الشخصية ضد جهة عملهم. كذلك يخول قانون مجلس الدولة، العاملين بالقطاع العام، الطعن فى الجزاءات التأديبية التى توقعها عليهم جهة عملهم، ومباشرة الدفاع فيها بأنفسهم. ثانيهما: أن النص المطعون فيه، حظر على محامى الإدارات القانونية بالقطاع العام، مباشرة دعواهم الشخصية ضد جهة عملهم، بينما ظل حق هذه الجهة فى اختصامهم – بما تقيمه عليهم من الدعاوى – قائماً.
وحيث إن المدعى كذلك على النص المطعون فيه إهداره حق الدفاع بالأصالة، حال أن هذا الحق أسبق وجودا من حق الدفاع بالوكالة، ومقدم عليه، باعتباره مترتبا على حق الدفاع عن النفس. ولئن جاز القول بأن التطور الراهن قد آل إلى تعقد الخصومة القضائية، وإحاطتها بعديد من القواعد الإجرائية الصارمة التى تكفل جديتها. فلا يرفعها إلا من كان محيطاً بالقواعد القانونية التى تنظمها وتضبط مسارها، ومن خلال القيد بجدول المحامين، إلا أن حرمان أعضاء الإدارات القانونية بشركات القطاع العام، من مزاولة أعمال المحاماة فى قضاياهم الشخصية التى تتعلق بجهة عملهم – وهم مؤهلون قانونا لمباشرتها – يناقض حق الدفاع بالأصالة، ويخل بالأسس التى يقوم عليها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أنه: [مع عدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لمحامى الإدارات القانونية للهيئات العامة، وشركات القطاع العام، والمؤسسات الصحفية، أن يزاولوا أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها، وإلا كان العمل باطلاً].
وحيث إن الفقرة الأولى المشار إليها، كان مطعوناً عليها فى القضية رقم 4 لسنة 14 قضائية “دستورية” وانتهت المحكمة الدستورية العليا فى 29 يونيو سنة 1993، إلى رفض المطاعن الموجهة إليها، وتقرير موافقتها للدستور، محمولاً قضاؤها فى ذلك على أن هيئات القطاع العام وشركاته الصادر فى شأنها القانون رقم 97 لسنة 1973، وإن استعيض عنها بالشركات القابضة والشركات التابعة لها بحسب الأحوال بمقتضى نص المادة الثانية من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 – المعمول به اعتباراً من 20 يوليه سنة 1991 – إلا أن المادة الرابعة من قانون الإصدار نصت على استمرار خضوع العاملين فى هيئات القطاع العام وشركاته – المنقولين إلى الشركات الجديدة بنوعيها، والموجودين بالخدمة فى تاريخ العمل بهذا القانون – لكل النظم والقواعد التى كانت تحكم شئونهم الوظيفية، وذلك أن تصدر النظم الخاصة بالعاملين بالشركات المنقولين إليها طبقاً لأحكام القانون المرافق؛ إذ كان ذلك، وكانت لائحة النظام الخاص للشركة التى يتبعها المدعيان لم تصدر بعد؛ وكان ما ينعاه المدعى من إخلال النص المطعون فيه بمبدأ المساواة فى الحقوق أمام القانون، مردود، بأن القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالهيئات والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها، لم يخرج أعضاءها الفنيين من عداد العاملين بها، وأخضعهم بالتالى للواجبات المنصوص عليها فى نظام العاملين فى القطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978، ومن بينها ألا يقوم العامل – بالذات أو بالوساطة – بأعمال من شأنها الإخلال بواجبات وظيفته أو مقتضياتها أو الحط من كرامتها؛ وكانت هذه القيود جميعها مردها إلى اصل واحد يتمثل فى وجوب أن يكرس العاملون بشركات القطاع العام – وهى من أشخاص القانون الخاص – وقتهم وجهدهم لأعمال شركاتهم؛ وكان قانون المحاماة لم يغير من الطبيعة القانونية لعلاقة العمل التى تربط شركات القطاع العام بمحامى إدارتها القانونية؛ وكان ما قرره النص المطعون فيه، من عدم جواز مزاولتهم أعمال المحاماة لغير الجهة التى يعملون بها وإلا كان العمل باطلاً يندرج فى إطار الضوابط التى حدد بها المشرع واجباتهم تحديداً قاطعاً؛ وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة؛ وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة، وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم؛ فإن النعى على النص التشريعى المطعون فيه مخالفته للدستور، يكون مفتقراً إلى دعامته.
وحيث إن ما تقرره هيئة قضايا الدولة – فى مقام دفاعها عن النص المطعون فيه – من أن الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة، يستغرق حكمها الحظر المقرر بفقرتها الثالثة، وأن رفض المحكمة الدستورية العليا المطاعن الموجهة إلى فقرتها الأولى، يمنعها من الخوض فى المناعى التى أثارها المدعى فى شأن النص المطعون فيه، مردود أولاً: بأن المشرع لا يردد بالنصوص القانونية أحكاماً قررتها نصوص سابقة عليها، وإلا كان عابثاً؛ ومردود ثانياً: بأن الفقرة الأولى المشار إليها، يقتصر حكمها على منع محامى الإدارات القانونية بشركات القطاع العام من مزاولة أعمال المحاماة لجهة غيرها، ولا شأن لها بالتالى بمن يقيمون من بينهم – وضد جهة عملهم – القضايا الخاصة بهم أو بأزواجهم أو أقاربهم حتى الدرجة الثالثة؛ ومردود ثالثاً: بأن نطاق المسألة الدستورية التى واجهتها المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر فى الدعوى رقم 4 لسنة 14 قضائية “دستورية” منحصر فى نص الفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون المحاماة. وتعلق حكمها بهذا النطاق وحده، لا يمنعها من نظر الخصومة الدستورية فيما جاوز حدوده؛ ومردود رابعاً: بأن مد آثار قضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية نص معين إلى نص آخر كان غير مطروح عليها، هو عدوان على ولايتها؛ ومردود خامساً: بأن النصوص القانونية التى ينتظمها موضوع واحد، وأن جمعتها وحدة الغرض، وكان الأصل فيها أنها لا تتهادم فيما بينها أو تتماحى، إلا أن لكل منها مضمونا مستقلاً، لا يمزجها بغيره، فلا تتداخل مع بعضها البعض.
وحيث إن من المقرر فى مجال الدعوى الدستورية، أنها ينبغى أن تؤكد بماهية الخصومة التى تتناولها، التعارض بين المصالح المثارة فيها، بما يعكس حدة التناقض بينها، ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض، حقيقة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها؛ وكان لا يتصور أن يكون للحقوق التى كفلها الدستور قيمة مجردة فى ذاتها، ولا أن يكون تأمينها ناشئاً عن مجرد وزنها أو أهميتها فى بناء النظام القانونى للدولة، ودعم حرياته المنظمة؛ ذلك أن تقرير هذه الحقوق، تغيا دوماً توفير الحماية القانونية التى تكفلها، بما فى ذلك الحق فى الدعوى، وهو حق يقوم مستقلاً عن الحقوق موضوعها، متوخياً رد الأضرار الناشئة عن الإخلال بتلك الحقوق.
وحيث إن ضمان الحق فى الخصومة القضائية، لا يكون إلا بوصفها طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضى المنصوص عليه صراحة فى المادة 68 من الدستور؛ وكان هذا الحق يعتبر لازماً لإنفاذ سيادة القانون التى عقد لها الدستور بابا مستقلاً، وهو بابه الرابع، محدداً فيه تلك القواعد التى لا تقوم سيادة القانون – فى تقديره – بدونها، وهى قواعد تتكامل فيما بينها، ودل بها على أن سيادة القانون فى الدولة، هى محور نظامها القانونى وأساس شرعيتها، وأن ممارستها لسلطاتها، لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، ولكنها تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها، مقيدة فى ذلك بقواعد قانونية تعلوها، وتعصمها من جموحها لضمان ردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها. وإذ كان الدستور، قد أقام من حصانة القضاء واستقلاله، ضمانين أساسيين لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فقد أضحى لازماً – وحق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولاً بنص صريح فى الدستور، كى لا تنعزل حقوق الأفراد وحرياتهم عن وسائل حمايتها، بل تكون معززة بها، وتقارنها، لضمان فعاليتها.
وحيث إن العناصر التى يتكون منها حق التقاضي، لا تكتمل ما لم يوفر المشرع للخصومة القضائية – فى نهاية مطافها – حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية judicial relief التى يتغيها من يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها؛ وكان حق الدفاع – أصالة أو بالوكالة – يتوخى اجتناءها من خلال وسائل الدفاع التى يعرض الخصوم بموجبها أدلتهم – واقعاً وقانوناً – بما لا تمييز فيه بين بعضهم البعض،بل تتكافأ أسلحتهم فى مجال الحقوق التى يدعونها؛ فإن هذه الترضية – وبافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – تشكل جزءاً غير منقسم من حق التقاضي، وترتبط بالأغراض النهائية التى يعمل لبلوغها، يؤيد ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصالح نظرية لا تتولد عنها فائدة عملية، بل غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتبلور حقيقتها نطاق المسائل المتنازع عليها، وحكم القانون بشأنها.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا، قد جرى على أن إنكار أو تقييد الحق فى الترضية القضائية، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أو من خلال تقديمها متراخية متباطئة دون مسوغ، أو إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة فى ذاتها عيباً جوهرياً، إنما يعد إهداراً أو تهويناً من الحماية التى يفرضها الدستور أو القانون للحقوق التى وقع الإخلال بها، بما ينال من جوهر هذه الترضية، ويدفعها لكامل مداها، ليتمحض ذلك عدواناً على حق التقاضى ينحل إلى إنكار للعدالة فى أخص مقوماتها، على أن يكون مفهوماً أن هذا الإنكار، لا يقوم فى محتواه على مجرد الخطأ فى تطبيق القانون، بل هو الإخفاق فى تقديم الترضية القضائية ذاتها، وبوجه خاص كلما كانت الوسائل القضائية التى أتاحها المشرع للخصوم، لا توفر لمن استنفذها الحماية اللازمة لصون الحقوق التى يدعيها، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية التى يأملها، لا طائل من ورائها.
وحيث إن الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل تنفيذها، لحمل الملزمين بها على الرضوخ لها، تغدو وهماً وسراباً، وتفقد قيمتها عملاً، بما يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها، إهدار الحقوق التى كفلتها، وتعطيل دور السلطة القضائية فى مجال تأمينها، وإفراغ حق اللجوء إليها من كل مضمون. وهو كذلك تدخل فى أدق شئونها، وعدوان على ولايتها، بما يقلص دورها، وينال من الحدود التى تفصل بينها وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية. يؤيد ذلك أن الحماية القضائية للحق أو الحرية – على أساس من سيادة القانون والخضوع لأحكامه – لازمها التمكين من اقتضائها، والعمل من أجل تنفيذها، ولو باستعمال القوة عند الضرورة.
وحيث إن الدستور حرص بنص المادة 68، على أن يكون لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأً للفصل فيها؛ وكان هذا الحق مخولاً للناس جميعاً، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق، مقصوراً على بعضهم، ولا منصرفاً إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفراً من المتقاضين دون غيرهم؛ فقد صار لازما أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطاً وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى اطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن ضمانة الدفاع التى كفلها الدستور بنص المادة 69، لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معاً فى دائرة الترضية القضائية التى يعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية. فلا قيمة لحق التقاضي، ما لم يكن مسانداً لضمانة الدفاع، مؤكداً لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيداً عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعاً وراء جدران صامتة Behind walls of slience. يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها، تتجرد من قيمتها العلمية، إذا كان من يطلبها عاجزاً عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها، لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها.
وحيث إن الدستور – فى إطار من سيادة القانون – نظم ضمانة الدفاع محدداً بعض جوانبها، كافلاً إنفاذها باعتبارها مفترضاً أولياً لصون حقوق الأفراد وحرياتهم؛ وكان الحق فيها يظل قائماً ولو لم يصرح الدستور بها؛ إلا أن الدستور حرص على أن يرددها بنص الفقرة الأولى من المادة 69 التى كفل بموجبها حق الدفاع، سواء كان من يباشرة أصيلاً أم وكيلاً. بل إن الدستور خطا خطوة أبعد، بأن نص فى فقرتها الثانية، على أن يكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء أو الدفاع عن حقوقهم، ليؤمن بذلك حق المعوزين فيما يعينهم على صون حقوقهم وحرياتهم، من خلال ضمانة الدفاع عنها.
وقد غدا حق الدفاع غائراً فى وجدان البشر مرتبطاً بالقيم التى تؤمن بها الأمم المتحضرة، مؤكداً مبدأ الخضوع للقانون، ناهياً عن التسلط والتحامل، معززاً إرادة الاختيار، مبلوراً الدور الاجتماعى للسلطة القضائية فى مجال تأمينها للحقوق على اختلافها، واقعاً فى إطار الأسس الجوهرية للحرية المنظمة، نائياً عن أن يكون ترفاً عميقاً أو سرفاً زائداً، قائماً كضرورة تفرض نفسها ليبطل كل تنظيم تشريعى على خلافها، فلا يكون القبول بها رمزياً، بل فاعلاً ومؤثراً، تغليباً لحقائقها الموضوعية على أهدابها الشكلية، إنفاذاً لمحتواها، وتقيداً بأهدافها، فلا ينازع أحد فى ثبوتها أو يحجبها.
وحيث إن إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها، لا يعدو أن يكون إخلالاً بالحق المقرر دستورياً لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي. وليس النزول عليها إلا توكيداً للحق فى الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقيدها متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعي، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحباً إلى الحق فى أن يقيم باختياره محامياً يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه لثقته فيه – أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطاً بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائياً عن الانحدار بمتطلباتها، إلى ما دون مستوياتها الموضوعية، التى يميلها التبصر، وتفرضها العناية الواجبة.
وحيث إن الخصومة القضائية، تمثل فى نطاق ضمانة الدفاع، مجالها الأكثر أهمية من الناحية العملية، وهو ما يحتم انصرافها إلى كل دعوى، سواء كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، أم كان الاتهام الجنائى موضوعها. وإذ جاز القول بأن تمثيل الشخص بمحام يكون وكيلاً عنه، يعد ضمانة أولية يقتضيها مسار الخصومة القضائية حقاً وإنصافاً fairness and Right، فإن حرمان الشخص من أن يكون أصيلاً فى مباشرة الدفاع، إنما يصادم النبض الجماعى لحقائق العدل shocking to a Universal Sense of justice.
ولقد كان تقدير المحكمة الدستورية العليا لضمانة الدفاع، وإقرارها لأهميتها، واضحاً وقاطعاً فى مجال تحديدها للشروط التى يتعين استجماعها لاعتبار العمل قضائياً، وذلك بما جرى عليه قضاؤها، من أن القرار الذى يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل فى نزاع معين، لا يكون قرار قضائياً، إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التى تنظم هذه الولاية، وتبين حدودها.
وحيث إن حق الشخص فى اختيار محام يكن وكيلاً عنه فى دعواه، وإن كان يعكس فى الأعم من الأحوال، ما آل إليه تطور النظم القضائية، وما يكتنفها من قواعد معقدة تدق على الكثيرين، وباعتبار أن ما قد يبدو واضحاً فى الأذهان لرجال القانون، يكون شائكاً محاطاً بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة إلى غيرهم، أياً كان شكل ثقافتهم أو عمقها وعلى الأخص فى مجال تطبيق بعض أفرع القانون، بالنظر إلى تطور أبعادها، وخفاء عديد من جوانبها، إلا أن حق الدفاع أصالة، كان دائماً أسبق وجوداً من الحق فى اختيار محام، وكان ذلك أكثر اتصالاً بخصائص الشخصية الإنسانية، وارتباطاً بتكاملها. فإذا كان من يتولى هذا الدفاع محامياً، فإن من المفترض أن يكون قادراً على إدارة شئون قضاياه الشخصية، فلا تفقد الضمانة الدستورية لحق الدفاع، مضمونها، ولا تنحسر عنها أهدافها، وعلى تقدير أن المحامين – من كان منهم أصيلاً أو وكيلاً – جميعهم شركاء للسلطة القضائية – على تعدد تنظيماتها – فى سعيها للوصول إلى الحقيقة، والتماس الوسائل القانونية التى تعينها على تحريها.
وحيث إن قيام المحامين بالدفاع عن بعض الحقوق التى كفلها الدستور Constitutionally protected Rights، كالحق فى العمل، وحق الحصول على أجر عادل – وسواء كان ذلك من خلال قضاياهم الشخصية، أو تلك التى وكلوا فيها – لا يعتبر مجرد ارتكان إلى الوسائل الفنية التى يقتضيها الفصل فى الخصومة القضائية، بل تبدوا ضمانة الدفاع فى هذه الفروض أكثر اتصالاً بإنفاذه هذه الحقوق، من خلال إحاطتها بالحماية التى وفرها الدستور لها، وهو ما يعلوا بمبدأ سيادة القانون، ليكون كافلاً دعم البنية الخلفية لإدارة العدالة:
The Ethical Fabric of the Administration of justice.
وحيث إن الأصل فى الحقوق التى كفلها الدستور، أنها لا تتمايز فيما بينها، ولا ينتظمها تدرج هرمى يجعل لبعضها علوا على ما سواها؛ وكان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد اضطرد على أن خضوع الدولة للقانون، محدد على ضوء مفهوم ديموقراطي، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديموقراطية، مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور، من بينها ألا تكون العقوبة مهينة فى ذاتها، أو مجاوزة فى قسوتها للحدود التى توازنها بالأفعال التى أثمها المشرع، ليكون إيقاعها شاذاً منافياً لحكم العقل؛ وكان لا يجوز كذلك تقييد الحرية الشخصية إلا بعد اتباع الوسائل القانونية التى يكون تطبيقها موافقاً لأسس الشرعية الدستورية وضوابطها، وكان من بين ما تشتمل عليه هذه الوسائل، ضمان فرص جادة يباشر الشخص من خلالها، حق الاستماع إليه The Right to be Heard، فإن ولوجها – وبوجه خاص فى مجال ارتباطها بضمانة الدفاع التى لا تقوم الشرعية الدستورية فى غيبتها – يكون أكثر لزوماً فى نطاق الخصومة القضائية، ولو كان الذين يفيدون منها – مثلماً هو الحال فى الدعوى الراهنة – محامون يعملون بوصفهم أصلاء عن أنفسهم pro se
يؤيد ما تقدم، بنيان الفقرة الأولى من المادة 29 من الدستور ذاتها، ذلك أن مضمونها لا يقتصر على مجرد حق الشخص فى اختيار محام يتولى الدفاع عنه، ولكنها تؤكد الملامح الشخصية لحق الدفاع، من خلال استصحابها أصل الحق فيه، بتخويلها إياه لمن يكون أصيلاً فى إدارته – The Right of Self Representation، وهو ما يفيد استقلال كل من الحقين عن الآخر، فلا يتهادمان، وعلى تقدير أن اختيار الشخص لمحام يكون وكيلاً عنه، لا يعدو أن يكون شكلاً من أشكاله المعاونة التى يطلبها، وأن انفراد الوكيل بالخصومة القضائية التى وكل فيها، لا يتصور أن يتم إلا بقبول الأصيل، ليتحمل بعدئذ – دون غيره – بآثارها ونتائجها.
وحيث إن البين من أحكام المادتين 1، 3 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون، وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، وأن المحامين يمارسون مهنتهم فى استقلال، ولا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون، وأنه مع عدم الإخلال بأحكام القوانين المنظمة للهيئات القضائية، وبأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، لا يجوز لغير المحامين مزاولة أعمال المحاماة، ويندرج تحتها الحضور عن ذوى الشأن أمام جهات التحقيق إدارياً كان أم جنائياً، وكذلك أمام دوائر الشرطة والمحاكم على اختلافها، ودفاعهم عنهم فيما يقام منهم أو عليهم من الخصومات القضائية، والقيام، بما يتصل بها من أعمال المرافعات والإجراءات القضائية.
وحيث إن المادتين 2، 3 من قانون المحاماة، تصرحان كذلك بأن كل من يقيد بجداول المحاماة التى ينظمها هذا القانون، يعد محامياً، وأن مهنة المحاماة يجوز أن يمارسها المحامون فى إدارتهم القانونية بشركات القطاع العام.
ولئن كان المشرع قد دل بنص الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون المحاماة، على أن الأصل المقرر بها هو أن من يعملون من المحامين بالإدارة القانونية لإحدى شركات القطاع العام، لا يمارسون لغير جهة عملهم أعمال المحاماة المنصوص عليها فى المادة 3 من هذا القانون، وإلا كان العمل باطلاً إلا أن الفقرة الثالثة من المادة 8 المشار إليها، خولتهم مباشرة أعمال المحاماة هذه، بالنسبة إلى قضاياهم الشخصية، بشرط أن تكون جهة عملهم خصماً فيها، لتحول بينهم وبين مقاضاتها دفاعاً عن الحقوق التى يطلبونها لأنفسهم – وبوصفهم أصلاء فيها – ولتمنعهم بالتالى من أن يباشروا قبلها أعمال المحاماة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من قانون المحاماة، حال كونهم مؤهلين للقيام بها كوكلاء عنها. ولا يعدو حرمانهم من مباشرتها فيما يخصهم من القضايا، أن يكون عدواناً على الطبيعة الشخصية لحق الدفاع التى كفلتها الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور، من خلال ضمانها حق الدفاع أصالة لكل مواطن.
وحيث إن ما قررته الشركة المدعى عليها الأخيرة، من أن شركات القطاع العام، هى التى تقوم بنفسها بأداء الرسوم اللازمة لقيد محاميها بالجدول الخاص المعد لهذا الغرض، والمنصوص عليه بالفقرة الثانية من المادة 10 من قانون المحاماة، وأن عليهم بالتالى أن يتفرغوا للعمل لحسابها، فلا يختصمونها، مردود بأن الحقوق التى كفلها الدستور – ويندرج تحتها حق الدفاع أصالة – لا يجوز إسقاطها أو تنحيتها عن مجال تطبيقها سواء بعمل تشريعي، أو من خلال مقابل مالى أيا كان مقداره. بل يتعين اقتضاؤها عيناً كلما كان ذلك ممكناً.
كذلك فإن مصلحة المدعى عليها الأخيرة فى عدم اختصامها، لا تتعادل مع المصالح التى توخى الدستور بلوغها من وراء ضمانة الدفاع، ذلك أن صون حقوق المواطنين وحرياتهم أولى بالاعتبار، وأدخل إلى القيم العليا التى لا يقوم بنيان شرعى لمجتمعهم بعيداً عنها، وهى قيم لا يجوز التفريط فيها، بل يتعين ضمانها بكل الوسائل، ولو عرض من يتولى الدفاع عنها – أصيلاً كان أم وكيلاً – لتلك الحقائق التى تزيد جهة العمل إخفاءها من خلال التذرع بسريتها.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لأحكام المواد 65، 68، 69 من الدستور.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 8 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، من حظر مباشرة محامى الادارات القانونية بشركات القطاع العام لأعمال المحاماة بالنسبة إلى القضايا الخاصة بهم وتكون متعلقة بالجهات التى يعملون بها، والزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88