الخط الساخن : 01118881009
جلسة 3 فبراير سنة 1996
برئاسة المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدى أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم (26)
القضية رقم 22 لسنة 17 قضائية “دستورية”
1- دعوى دستورية “ذاتيتها”
لكل من الدعويين الدستورية والموضوعية ذاتيتها ومقوماتها – استقلال كل منهما عن الأخرى فى موضوعها وشروطها.
2- المحكمة الدستورية العليا “ولايتها”
ليس من بين مهام المحكمة الدستورية العليا الفصل فى شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها.
3- المحكمة الدستورية العليا “هيمنتها”
المسائل الدستورية التى تعرض على المحكمة الدستورية العليا تدخل بقوة القانون فى حوزتها لتهيمن عليها وحدها – ليس لهذه المحكمة أن تفصل فى غير المسائل التى تثيرها الخصومة الدستورية وبقدر اتصالها بالنزاع الموضوعي.
4- دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحه القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
5- دستور “صون الحقوق والحريات العامة”
حرص الدستور على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة.
6- تنظيم نقابى – حرية الاجتماع
قضاء المحكمة الدستورية العليا مطرد على أن حق العمال فى تكوين تنظيم نقابى فرع من حرية الاجتماع – وهذا الحق تصرف إرادى بحت.
7- حق الانضمام إلى المنظمة النقابية – حرية نقابية
لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها ليكون عضواً فيها – حقه فى إنهاء عضويته بها – حقه فى عدم الانضمام مطلقاً إلى أى تنظيم نقابى – تفرع هذه الحقوق عن الحرية النقابية.
8- مبدأ الحرية النقابية
معاملة مبدأ الحرية النقابية باعتباره لازماً لاستقرار العمال وتطوير اوضاعهم.
9- منظمة نقابية
حق العمال فى تكوين منظمتهم النقابية غير مرتبط بآرائهم السياسية أو معتقداتهم أو انتماءاتهم.
10- نقابة “عدم التدخل فى شئونها”
حق النقابة فى تقرير أهدافها واستقلالها بتنظيم شئونها.
11- حرية ديمقراطية نقابية “مظهرها”
الحرية الديمقراطية مدخل لديمقراطية العمل النقابى – الديمقراطية النقابية مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها – الفوز بمناصب النقابة رهن بالإرادة الحرة لأعضائها، يقترعون وينتخبون وفق أسس موضوعية تتم الحملة الانتخابية على ضوئها – العمل النقابى إسهام جماعى يعتمد على تعدد الآراء.
12- تنظيم نقابى “خصائصه”
مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم قيد على كل قرار صادر من أغلبيتهم – عدم تعطيله مباشرة الآخرين لحقوقهم – التنظيم النقابى مبناه بالضرورة الحوار والإقناع – التنظيم النقابى مفتوح لكل الآراء – فرض النقابة أشكالاً من الرقابة الذاتية على كيفية ممارستها لنشاطها – تقرير بطلان أو صحة التنظيم النقابى لا يجوز تعليقه على تدخل مسبق من الجهة الإدارية أو القضاء.
13- دستور”المادة 56″ – تنظيم نقابى “أهميته”
إنشاء التنظيم النقابى – وفقاً لهذه المادة – يتعين أن يكون وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها – افراد النقابات بهذا النص اعتراف من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التى تمثلها.
14- حق التقاضى “كفالته فى الدستور: عدم التمايز”
حق التقاضى مكفول بنص صريح فى الدستور – وهو حق للناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال اللجوء إليه – لا يجوز قصر مباشرته على فئة منهم دون أخرى – عدم جواز تقييده بعوائق إجرائية أو مالية تصل إلى حد إنكاره.
15- خصومة قضائية “مقصودها”
الخصومة القضائية غايتها منفعة يقرها القانون، تعكس أبعاد الترضية القضائية التى يسعى المتداعون للحصول عليها تأميناً لحقوقهم.
16- خصومة قضائية “حق ذاتى – حق جماعى – عضو النقابة”
حق عضو النقابة فى الاستقلال بدعواه لكفالة حقوقه الذاتية التى أضير من جراء الإخلال بها بمجازاة النقابة القيود المفروضة عليها دستورياً – انفصال هذه الحقوق عن المصالح الجماعية التى تحميها النقابة بوصفها شخصاً معنوياً.
17- خصومة قضائية
الطعن على قرار معين – وكلما توافر أصل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التى يقتضيها تنظيم هذا الحق.
18- نقابة “تصرفاتها – حق العضو فى الطعن”
تقويم أعمال النقابة وتصرفاتها لردها إلى دائرة الشرعية حق مقرر لكل عضو من أعضائها بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
19- تشريع “المادة 49 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن التطبيقية: نصاب الطعن -مصلحة ذاتية”
اشتراط هذه المادة نصاباً عددياً للطعن فى قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية: نقضها بذلك الأصل المقرر فى حق كل عضو فى دعواه المستقلة قبلها لحماية مصلحته الذاتية.
20- تشريع “النص المشار إليه: تعويق حق الطعن”
افتراض هذا النص اتحاد أعضاء الجمعية العمومية اللازم اكتمالهم للطعن فى قراراتها فى موقفهم منها – عدم واقعيته – توخيه بذلك تعويض الحق فى الطعن عليها.
21- تشريع: “النص المشار إليه – التصديق على توقيعات الطاعنين: إرهاق حق التقاضى – تدخل فى عمل القضاء”
ما فرضه النص المذكور من وجوب التصديق على توقيعات الطاعنين على تقرير الطعن من الجهة المختصة ليس تنظيماً لحق التقاضى بل إرهاقاً للمتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيمه – وإقحام للجهة الإدارية فى عمل السلطة القضائية.
1، 2، 3- لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى فى موضوعها، وكذلك فى مضمون الشروط التى يتطلبها القانون لجواز رفعها. وليس من بين المهام التى ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، الفصل فى شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها. وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية لتقرير صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها. والمسائل الدستورية التى تعرض على المحكمة الدستورية العليا تدخل – بقوة القانون – فى حوزتها، لتهيمن عليها وحدها، باعتبار أن الحكم الصادر فيها، يكون محددا تحديدا آمرا للقاعدة القانونية التى يتعين على محكمة الموضوع تطبيقها فى النزاع الموضوعى وإعمال كامل آثارها، ذلك أن المسائل الدستورية هى جوهر رقابتها، وهى التى تجيل بصرها فيما بعد إحاطتها بأبعادها، ومناطها مقابلة النصوص المطعون عليها بالقيود التى فرضها الدستور فى شأنها لضمان النزل عليها. ومن ثم يكون إهدار هذه النصوص بقدر تعارضها مع الدستور، إطارا وحيدا للخصومة الدستورية، وهى كذلك موضوعها وغايتها. وليس لها بالتالى أن تفصل فى غير المسائل التى تثيرها الخصومة الدستورية، وبقدر اتصالها بالنزاع الموضوعي. وإبطال المحكمة الدستورية العليا لنص المادة 49 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، يعنى زوال القيود التى أحاط بها المشرع الطعن فى قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية، وانفتاح طريق الطعن فيها دون قيد، لتفصل محكمة الموضوع فى المناعى الموجهة إليها على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، والتزاما بأبعاده ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، والتزاماً بأبعاده، باعتبارها جهة الاختصاص بإعمال أثره فى النزاع الموضوعى المعروض عليها.
4- إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول حق عضو النقابة الفرعية فى الطعن فى قرارتها دون التقيد بالشروط التى تضمنها النص المطعون فيه – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – وكان الفصل فى دستورية الشروط التى فرضها هذا النص، هو مدار دعواه الدستورية التى ابتغى بها إبطال هذه الشروط وتجريدها من كل آثارها، فإن دعواه هذه ترتبط بالنزاع الموضوعى برابطة وثقى، باعتبار أن الحكم فى المسائل الدستورية التى تدور حولها الخصومة الدستورية، يؤثر بالضرورة فى الطلبات الموضوعية المتصلة بها.
5- إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كى لا تقتحم إحداها المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها – من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة – مطلباً أساسياً توكيداً لقيمتها الاجتماعية، وتقديراً لدورها فى مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها.
6، 7- إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مضطرد على أن حق العمال فى تكوين تنظيمهم النقابي، فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفاً إدارياً حراً لا تتداخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيداً عن سيطرتها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية، إلى قاعدة أولية فى التنظيم النقابي، تمنحها بعض الدول – ومن بينها جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية فى ذاتها، لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها؛ وانتفاء واحدة أو أكثر من بينها – عند تعددها – يكون عضواً فيها، وأن ينعزل عنها جميعاً، فلا يلج أياً من أبوابها، وكذلك فى أن يعدل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها.
8، 9، 10- ينبغى أن يعامل مبدأ الحرية النقابية باعتباره لازماً لاستقرار العمال وتطوير أوضاعهم، على تقدير أن حق العمال – وأياً كان قطاع عملهم، ودون تمييز فيما بينهم – فى تكوين منظماتهم التى يختارونها، غير مرتبط بآرائهم السياسية أو معتقداتهم أو انتماءاتهم، ودون إخلال بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها، ووسائل تحقيقها، وطرق تمويلها، وإعداد القواعد التى تنظم شئونها. ولا يجوز بوجه خاص، إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق، أو تعلق تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها، ولا أن يكون تأسيسها رهناً بإذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها، ولا أن تُحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها، ولا أن تقرر إنهاء وجودها عقاباً لها.
11- إن الحرية النقابية – محدداً إطارها على النحو المتقدم – لا تعارض ديمقراطية العمل النقابي، بل هى المدخل إليه، ذلك أن الديمقراطية النقابية، هى التى تطرح – بوسائلها وتوجهاتها – نطاقاً للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها، وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود. وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها، ولازمها أمران: أولهما أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة – على تباين مستوياتها وأياً كان موقعها – رهناً بالإرادة الحرة لأعضائها ويتعين أن تتهيأ لكل منهم – الفرص ذاتها – التى يؤثر من خلالها – متكافئاً فى ذلك مع غيره ممن انضموا إليها – فى إدارة شئونها واتخاذ قراراتها ومراقبة نشاطها بطريق مباشر أو غير مباشر، يقترعون وينتخبون وفق أسس موضوعية تتم الحملة الانتخابية على ضوئها بما يكفل إنصافها وفعاليتها – بما فى ذلك حيدتها – لتكون مدخلهم إلى مباشرة مسئولياتهم قبل نقابتهم.
ثانيهما: أن للحرية النقابية أهدافاً لا تريم عنها، ولا يعتبر طلبها حقاً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة، ولا هى من امتيازاتها، وليس لها أن تتخذها موطئاً لفرض وصايتها على أحد. ذلك أن العمل النقابى لا يتمحض عن انتفاء حلول بذاتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة على المخالفين لها بحكم موقعها أو سيطرتها، بل يتعين أن يكون إسهاماً جماعياً Collective Decision – Making فاعلاً، يعتمد على تعدد الآراء وتزاحمها واتساع آفاقها، ليكون أعضاء النقابة – على ضوئها – شركاء فى تقرير أهدافها، وصوغ نظمها وبرامجها، وتحديد طرائق تنفيذها، بما فى ذلك وسائل تمويلها، فلا تكون السيادة إلا لجموعهم، ولا تفرض قوة من بينهم، أو غريبة عنهم، هيمنتها على شئونهم. بل يكون القرار بأيديهم، نابعاً من قناعتهم، ملبياً مصالحهم. يؤيد ذلك أن مفهوم الحرية ليس سلبياً، لا عملاً واقعاً وراء جدران مغلقة، منعزلاً عن مفاهيم الحق والعدل محددة من منظور اجتماعي، بل قوامها ارتباطاً بتربتها، ومناطها إرادة الاختيار تعقلاً لا انفلاتاً، ليفاضل من يمارسونها بين البدائل تبصراً، ليظل نبتها مترامياً، ومتطوراً كافلاً للحقوق التى تتولد عنها أو تتصل بها ضماناتها، سواء فى جوهر بنيانها أو من خلال دعم وسائل الدفاع عنها.
12- إن البين مما تقدم، أن لكل تنظيم نقابى خصائص لا يقوم إلا بها، من بينها:
1- أن مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم التى كفلها الدستور، يعتبر قيداً على كل قرار يصدر عن أغلبيتهم. كذلك لا يجوز أن يعطل هذا التنظيم، مباشرة الآخرين لحقوقهم فى الحدود التى نص عليها الدستور.
2- إن التنظيم النقابى يعد تجمعاً منظماً تتولد عنه كل الحقوق التى ترتد فى أساسها إلى حرية الاجتماع، ومبناه بالضرورة الحوار والإقناع باعتبار أن تنوع الآراء فى شأن المسائل التى يثور حولها الجدل، وكذلك تعددها Diversity and plurality of Opinions يفترض التعبير عنها والاستماع إليها، ليكون اختلافها فيما بينها، ومقابلتها ببعض، لازماً لتقرير الحلول التى توفق بينها قدر الإمكان أو تبدلها بغيرها، فلا يكون العمل النقابى إملاء أو التواء، بل تراضياً والتزاماً، وإلا كان مجاوزاً لحدوده Ultra Vires Actions.
3- إن مجتمعا مدنيا هو الإطار الوحيد لكل تنظيم نقابي. وهو يكون كذلك إذا كان مفتوحاً لكل الآراء، قائماً على ضمان فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها، مقيداً بما يكون منها محققاً لمصلحة مبتغاه، موازناً بين حقوق المنتمين إليه وواجباتهم، نائباً عما يعد بالمعايير الموضوعية انحرافاً بالسلطة، كافلاً ديمقراطية بنيانها على تعدد مستوياتها، مقرراً مباشرة مسئولياتها من خلال الوسائل القانونية التى ينبغى أن تكون ضابطاً لها وفقاً للدستور أو القانون، فلا يتنصل منها القائمون على تطبيقها، بل تتم محاسبتهم وفقاً لمعاييرها. وتنظيماً نقابياً محدداً نطاقاً على ضوء هذه المفاهيم، لا يستقيم بتنحيتها، بل يكون التقيد بها – إنفاذاً لمحتواها – ضرورة يلتزمها.
4- يتعين أن تفرض النقابة على كيفية ممارستها لنشاطها، أشكالاً من الرقابة الذاتية فى حدود أهدافها، ليكون تقييمها لنواحى القصور فيه، موضوعياً وواقعياً، معتمداً على وسائل تحليلية Factual and Analatycal Material موثوق بها.
5- أن تقرير ما إذا كان التنظيم النقابى صحيحاً أم باطلاً، لا يجوز أن يكون معلقاً على تدخل مسبق، لا من الجهة الإدارية، ولا من قبل السلطة القضائية، ولو بدا هذا التنظيم مشوباً بالبطلان، أو كان قد تقرر لغرض غير مشروع، وفى ذلك يقول المجلس الدستورى الفرنسى فى شأن الجمعيات – والتنظيم النقابى من صورها – ما يأتى:
La constitution d’associations, alors même qu’elles paraitraient entachées de nullité ou auraient un objet illicite, ne peut être soumise pour sa validité à l’intervention préalable de l’autorité administrative ou même de l’autirité judiciaire.
(71 – 44 DC, 16 juillet 1971, cons. 2, Rec. p. 29)
13- إن المعايير والخصائص التى يقوم عليها التنظيم النقابي، هى التى قننها الدستور – فى مجمل أحكامها – بنص المادة 56، التى تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها، راعياً لدوره فى تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية التى استهدفها، مرتقياً بكفايتها، ضامناً تقيد من يسهمون فيها بسلوكهم الاشتراكي، فلا يتنصلون من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانوناً، وهو ما يعنى أن إفراد النقابات بنص المادة 56 المشار إليها، لا يعدو أن يكون اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التى تمثلها، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وما ينبغى أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها فى مجموعها، وتوكيداً لضرورة أن يظل العمل النقابى تقدمياً، فلا ينحاز لمصالح جانبية أو ضيقة محدودة أهميتها – قطاعاً أو أثراً – Sectional or lnfluential lnterests، بل يكون متبنياً نهجاً سياسيا مقبولا من جموعهم، وقابلاً للتغيير على ضوء إرادتهم.
14- إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهره، ذلك أن الدستور كفل للناس جميعا – وبنص المادة 68 – حقهم فى اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايزون فى ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض فى مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التى يحاط بها ليكون عبئاً عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التى يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون فى استنهاض الأسس الموضوعية التى نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصاً طبيعياً أم معنوياً – الحق فى الدعوى، ليكون تعبيراً عن سيادة القانون ونمطاً من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصماً من جموحها، وانفلاتها من كوابحها، وضماناً لردها على أعقابها إن هى جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التى كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفاً أو إسرافاً بل لازماً لاقتضائها وفق القواعد القانونية التى تنظمها.
15، 16- إن الخصومة القضائية لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التى يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأميناً لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون فى الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التى أضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقاً بمجاوزة نقابتهم للقيود التى فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التى تحميها نقابتهم بوصفها شخصاً معنوياً يستقل بالدفاع عنها فى إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التى تحضنها، وهو ما يعنى أن تأميناً لمصالح أعضائها – منظوراً إليها فى مجموعها – لا يعتبر قيداً على حق كل منهم فى أن يستقل عنها بدعواه التى يكفل بها حقوقاً ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشره، ليتعلق بها مركزه القانونى الخاص فى مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده قيد تقرر دون مسوغ.
17، 18- إن الطعن على قرار معين – وكلما توافر أصل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التى يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقاً من مداه أو عاصفاً بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم؛ وكان حق النقابة ذاتها فى تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضماناً لصون الأسس التى حددها الدستور بنص المادة 56، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابى ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيداً أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطا للأعمال جميعها، محيطا بكل صورها، ما كان منها تصرفا قانونيا أو متمحضاً عملاً مادياً، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعاً، ليكون تقويمها حقاً مقررا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
19- بيد أن النص المطعون فيه نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن فى قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصاباً عددياً، فلا يقبل إلا إذا كان مقدماً من خمسين عضواً على الأقل ممن حضروا اجتماعها، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها، يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أدخل بها القرار المطعون فيه، والتى لا يقوم العمل النقابى سوياً بدونها.
20- وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقاً. وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصاباً محتوماً للطعن فى قراراتها – متحدون فيما بينهم فى موقفهم منها، وأنهم جميعاً قدروا مخالفتها للدستور، أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريداً لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلما يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعاً غير مجرد تعويق الحق فى الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون “أفدح عبئاً، وأقل احتمالاً”.
21- إن البين كذلك من النص المطعون فيه، أن الطعن فى قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية – ولو كان مكتملاً نصاباً – يظل غير مقبول إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص؛ وكان ما توخاه النص المطعون فيه بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتاً لصفاتهم؛ فلا يكون تقرير الطعن مقدماً من أشخاص لا يعتبرون أعضاء فى النقابة الفرعية، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية؛ وكان التصديق وإن تم فى هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطوياً على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسراً من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن فى مجال تثبتها من الشروط التى لا يقبل الطعن من الخصوم إلا بها – ويندرج صفاتهم تحتها- باعتبار أن تحقيقها وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل فى اختصاصها، ولا يجوز بالتالى أن تتولاه الجهة الإدارية وإلا كان ذلك منها عدواناً على الوظيفة القضائية التى اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
الإجراءات
بتاريخ 4 إبريل 1995 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 2512 لسنة 47 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الادارى بالإسكندرية (دائرة الأفراد والهيئات) – بجلستها المنعقدة فى 15/ 12/ 1994 – بوقف الدعوى وإحالة الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص المادة 49 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، فيما تضمنه من اشتراط نصاب معين للطعن على قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية، والتصديق على توقيعات الطاعنين من الجهة المختصة.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة، والنقابة المدعى عليها، مذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى – وهو عضو بالجمعية العمومية لنقابة المهن الفنية التطبيقية الفرعية بالبحيرة – كان قد أقام الدعوى رقم 2512 لسنة 47 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية (دائرة طلبات الأفراد والهيئات) – ضد النقيب العام لنقابة التطبيقين بالقاهرة وآخرين طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر بتاريخ 21/ 2/ 1993 بإعلان نتيجة انتخابات نقابة التطبيقيين الفرعية بالبحيرة، وتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار، من بينها حل مجلس النقابة الحالي. وقال المدعى شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 20/ 2/ 1993 أجريت انتخابات التجديد النصفى لنقابة المهن الفنية التطبيقية بالبحيرة، وأعلنت نتيجتيها فى 21/ 2/ 1993 وكانت نسبة عدد الحاضرين من أعضاء الجمعية العمومية لهذه النقابة لا تتجاوز 16%. وتمت الانتخابات – وفى غيبة الإشراف القضائى عليها – فى بندر دمنهور وزاوية غزال والمحمودية فقط مع حرمان باقى المراكز من الإسهام فيها وذلك بالمخالفة لأحكام القانون رقم 100 لسنة 1993 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية. وإذ دفع الحاضر عن النقابة المدعى عليها بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم التوقيع على صحيفتها من خمسين عضواً من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة الفرعية عملاً بالمادة 49 من القانون رقم 67 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، فضلاً عن تخلف باقى شروطها؛ وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية حكم هذه المادة، لانطوائها على تقييد لحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور، فقد قضت بتاريخ 15/ 12/ 1994 بوقف الدعوى واحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل فى دستورية ما نصت عليه من اشتراط نصاب معين للطعن على قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية والتصديق على توقيعات الطاعنين من الجهة المختصة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الدستورية، تأسيساً على أن الدعوى الموضوعية أقيمت بعد الميعاد المحدد قانوناً لرفعها، وبالتالى لن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية، مؤثراً على الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ولا منتجاً فى مجال الفصل فيها.
وحيث إن هذا الدفع مردود أولاً: بأن لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها، ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان فى شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى فى موضوعها، وكذلك فى مضمون الشروط التى يتطلبها القانون لجواز رفعها. وليس من بين المهام التى ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا، الفصل فى شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها. وإنما تنحصر ولايتها فيما يعرض عليها من المسائل الدستورية لتقرير صحة النصوص المطعون عليها أو بطلانها. ومردود ثانيا: بأن المسائل الدستورية التى تعرض على المحكمة الدستورية العليا تدخل – بقوة القانون – فى حوزتها، لتهيمن عليها وحدها، باعتبار أن الحكم الصادر فيها يؤثر بالضرورة على الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ويكون محددا تحديداً آمرا للقاعدة القانونية التى يتعين على محكمة الموضوع تطبيقها فى النزاع الموضوعى وإعمال كامل آثارها، ذلك أن المسائل الدستورية هى جوهر رقابتها، وهى التى تجيل بصرها فيما بعد إحاطتها بأبعادها، ومناطها مقابلة النصوص المطعون عليها بالقيود التى فرضها الدستور فى شأنها لضمان النزول عليها. ومن ثم يكون إهدار هذه النصوص بقدر تعارضها مع الدستور، إطاراً وحيداً للخصومة الدستورية، وهى كذلك موضوعها وغايتها. وليس لها بالتالى أن تفصل فى غير المسائل التى تثيرها الخصومة الدستورية، وبقدر اتصالها بالنزاع الموضوعي. ومردود ثالثا: بأن إبطال المحكمة الدستورية العليا لنص المادة 49 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، يعنى زوال القيود التى أحاط بها المشرع الطعن فى قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية، وانفتاح طريق الطعن فيها دون قيد، لتفصل محكمة الموضوع فى المناعى الموجهة إليها على ضوء قضاء المحكمة الدستورية العليا، والتزاما بأبعاده، باعتبارها جهة الاختصاص بإعمال أثره فى النزاع الموضوعى المعروض عليها.
وحيث إن المادة 49 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية تنص على ما يأتي: [يكون الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية للنقابة الفرعية، وفى قراراتها، من حق خمسين عضواً ممن حضروا الجمعية العمومية للنقابة الفرعية، وبمراعاة باقى الشروط والأوضاع المحددة فى المادة 20. كما يجوز لوزير الصناعة الطعن فى صحة انعقاد هذه الجمعية العمومية وقراراتها طبقاً لما هو موضح فى المادة 20. وتسرى أحكام الفقرة الأولى من المادة 21 على هذه الطعون، كما تسرى أحكام الفقرة الثانية فى حالة الحكم ببطلان انتخاب رئيس النقابة الفرعية أو خمسة من أعضاء مجلسها].
وتنص الفقرة الأولى من المادة 20 المشار إليها، على أن لوزير الصناعة الطعن فى صحة انعقاد الجمعية العمومية أو فى قراراتها، أو فى انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة…… وعملاً بفقرتها الثانية يجوز لمائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن فى قراراتها أو فى صحة انعقادها أو فى انتخاب وأعضاء مجلس النقابة أو نقيبها بتقرير موقع عليه منهم، ومصدقاً على توقيعاتهم من الجهة المختصة. على أن يقدم الطعن إلى قلم كتاب محكمة القضاء الإداري، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد الجمعية.
وحيث إن البين من النص المطعون فيه – مرتبطاً بالفقرتين اللتين تضمنتهما المادة 20 من قانون المهن الفنية التطبيقية المحال إليها – أن الجمعية العمومية للنقابة – فرعية كانت أم مركزية – لا يجوز الطعن فى صحة انعقادها أو فى قراراتها، إلا إذا كان الطعن مستوفياً نصاباً عددياً، وكان من رفعوه مصادقاً على توقيعاتهم جميعاً من الجهة الإدارية ذات الاختصاص.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعى يدور حول حق عضو النقابة الفرعية فى الطعن فى قراراتها دون التقيد بالشروط التى تضمنها النص المطعون فيه – محدداً نطاقاً على النحو المتقدم – وكان الفصل فى دستورية الشروط التى فرضها هذا النص، هو مدار دعواه الدستورية التى ابتغى بها إبطال هذه الشروط وتجريدها من كل آثارها، فإن دعواه هذه ترتبط بالنزاع الموضوعى برابطة وثقى، باعتبار أن الحكم فى المسائل الدستورية التى تدور حولها الخصومة الدستورية، يؤثر بالضرورة فى الطلبات الموضوعية المتصلة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلاً بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كى لا تقتحم إحداها المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها – من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة – مطلباً أساسياً توكيداً لقيمتها الاجتماعية، وتقديراً لدورها فى مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا مضطرد على أن حق العمال فى تكوين تنظيمهم النقابي، فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفاً إدارياً حراً لا تتداخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيداً عن سيطرتها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية، إلى قاعدة أولية فى التنظيم النقابي، تمنحها بعض الدول – ومن بينها جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية فى ذاتها، لتكفل لكل عامل حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التى يطمئن إليها، وفى انتفاء واحدة أو أكثر من بينها – عند تعددها – يكون عضواً فيها، وفى أن ينعزل عنها جميعاً، فلا يلج أياً من أبوابها، وكذلك فى أن يعدل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها.
وهذه الحقوق التى تتفرع من الحرية النقابية، تعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها، وبوجه خاص لرد خطرين عنها لا يتعادلان فى آثارهما، ويتأتيان من مصدرين مختلفين. ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها فى مواجهه العمال غير المنضمين إليها، لجذبهم لدائرة نشاطها، توصلاً لإحكام قبضتها على تجمعاتهم. وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة فى أوضاع الاستخدام فى منشآتهم، أو بالتهديد بفصل عمالهم، أو بمساءلتهم تأديبياً، أو بإرجاء ترقياتهم، لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابي، أو لحملهم عن التخلى عن عضويتهم فيه.
وينبغى بالتالى أن يعامل مبدأ الحرية النقابية باعتباره لازماً لاستقرار العمال وتطوير أوضاعهم، على تقدير أن حق العمال – وأياً كان قطاع عملهم، ودون تمييز فيما بينهم – فى تكوين منظماتهم التى يختارونها، غير مرتبط بآرائهم السياسية أو معتقداتهم أو انتماءاتهم، ودون إخلال بحق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها، ووسائل تحقيقها، وطرق تمويلها، وإعداد القواعد التى تنظم شئونها. ولا يجوز بوجه خاص، إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق، أو تعلق تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها، ولا أن يكون تأسيسها رهن قرار من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها، ولا أن تُحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها، ولا أن تقرر إنهاء وجودها عقاباً لها.
وحيث إن الحرية النقابية – محدداً إطارها على النحو المتقدم – لا تعارض ديمقراطية العمل النقابي، بل هى المدخل إليه، ذلك أن الديمقراطية النقابية، هى التى تطرح – بوسائلها وتوجهاتها – نطاقاً للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها، وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود. وهى كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحى نشاطها، ولازمها أمران: أولهما أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة – على تباين مستوياتها وأياً كان موقعها – رهناً بالإرادة الحرة لأعضائها ويتعين أن تتهيأ لكل منهم – الفرص ذاتها – التى يؤثر من خلالها – متكافئاً فى ذلك مع غيره ممن انضموا إليها – فى إدارة شئونها واتخاذ قراراتها ومراقبة نشاطها بطريق مباشر أو غير مباشر، يقترعون وينتخبون وفق أسس موضوعية تتم الحملة الانتخابية على ضوئها بما يكفل إنصافها وفعاليتها – بما فى ذلك حيدتها – لتكون مدخلهم إلى مباشرة مسئوليتهم قبل نقابتهم.
ثانيهما: أن للحرية النقابية أهدافاً لا تريم عنها، ولا يعتبر طلبها حقاً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة، ولا هى من امتيازاتها، وليس لها أن تتخذها موطئاً لفرض وصايتها على أحد. ذلك أن العمل النقابى لا يتمحض عن انتفاء حلول بذاتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة على المخالفين لها بحكم موقعها أو سيطرتها، بل يتعين أن يكون إسهاماً جماعياً Collective Decision – Making فاعلاً، يعتمد على تعدد الآراء وتزاحمها واتساع آفاقها، ليكون أعضاء النقابة – على ضوئها – شركاء فى تقرير أهدافها، وصوغ نظمها وبرامجها، وتحديد طرائق تنفيذها، بما فى ذلك وسائل تمويلها، فلا تكون السيادة إلا لجموعهم، ولا تفرض قوة من بينهم، أو غريبة عنهم، هيمنتها على شئونهم. بل يكون القرار بأيديهم، نابعاً من قناعتهم، ملبياً مصالحهم. يؤيد ذلك أن مفهوم الحرية ليس سلبياً، لا عملاً واقعاً وراء جدران مغلقة، منعزلاً عن مفاهيم الحق والعدل محددة من منظور اجتماعي، بل قوامها ارتباطاً بتربتها، ومناطها إرادة الاختيار تعقلاً لا انفلاتاً، ليفاضل من يمارسونها بين البدائل تبصراً، ليظل نبتها مترامياً، ومتطوراً كافلاً للحقوق التى تتولد عنها أو تتصل بها ضماناتها، سواء فى جوهر بنيانها أو من خلال دعم وسائل الدفاع عنها.
وحيث إن البين مما تقدم، أن لكل تنظيم نقابى خصائص لا يقوم إلا بها، من بينها:
1- إن مباشرة أعضاء هذا التنظيم لحقوقهم التى كفلها الدستور، يعتبر قيداً على كل قرار يصدر عن أغلبيتهم. كذلك لا يجوز أن يعطل هذا التنظيم، مباشرة الآخرين لحقوقهم فى الحدود التى نص عليها الدستور.
2- إن التنظيم النقابى يعد تجمعاً منظماً تتولد عنه كل الحقوق التى ترتد فى اساسها إلى حرية الاجتماع، ومبناه بالضرورة الحوار والإقناع باعتبار أن تنوع الآراء فى شأن المسائل التى يثور حولها الجدل، وكذلك تعددها Diversity and plurality of Opinions يفترض التعبير عنها والاستماع إليها، ليكون اختلافها فيما بينها، ومقابلتها ببعض، لازماً لتقرير الحلول التى توفق بينها قدر الإمكان أو تبدلها بغيرها، فلا يكون العمل النقابى إملاء أو التواء، بل تراضياً والتزاماً، وإلا كان مجاوزاً لحدوده Ultra Vires Actions.
3- أن مجتمعا مدنيا هو الإطار الوحيد لكل تنظيم نقابي. وهو يكون كذلك إذا كان مفتوحاً لكل الآراء، قائماً على ضمان فرص حقيقية لتداولها وتفاعلها، مقيداً بما يكون منها محققاً لمصلحة مبتغاه، موازناً بين حقوق المنتمين إليه وواجباتهم، نائباً عما يعد بالمعايير الموضوعية انحرافاً بالسلطة، كافلاً ديمقراطية بنيانها على تعدد مستوياتها، وفقاً للدستور أو القانون، فلا يتنصل منها القائمون على تطبيقها، بل تتم محاسبتهم وفقاً لمعاييرها. وتنظيماً نقابياً محدداً نطاقاً على ضوء هذه المفاهيم، لا يستقيم بتنحيتها، بل يكون التقيد بها – إنفاذاً لمحتواها – ضرورة يلتزمها.
4- يتعين أن تفرض النقابة على كيفية ممارستها لنشاطها، أشكالاً من الرقابة الذاتية فى حدود أهدافها، ليكون تقييمها لنواحى القصور فيه، موضوعياً وواقعياًن معتمداً على وسائل تحليلية Factual and Analatycal Material موثوق بها.
5- أن تقرير ما إذا كان التنظيم النقابى صحيحاً أم باطلاً، لا يجوز أن يكون معلقاً على تدخل مسبق، لا من الجهة الإدارية، ولا من قبل السلطة القضائية، ولو بدا هذا التنظيم مشوباً بالبطلان، أو كان قد تقرر لغرض غير مشروع، وفى ذلك يقول المجلس الدستورى الفرنسى فى شأن الجمعيات – والتنظيم النقابى من صورها – ما يأتى:
La constitution d’associations, alors même qu’elles paraitraient entachées de nullité ou auraient un objet illicite, ne peut être soumise pour sa validité à l’intervention préalable de l’autorité administrative ou même de l’autirité judiciaire.
(71 – 44 DC, 16 juillet 1971, cons. 2, Rec. p. 29)
وحيث إن المعايير والخصائص التى يقوم عليها التنظيم النقابي، هى التى قننها الدستور – فى مجمل أحكامها – بنص المادة 56، التى تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها، راعياً لدوره فى تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية التى استهدفها، مرتقياً بكفايتها، ضامناً تقيد من يسهمون فيها بسلوكهم الاشتراكي، فلا يتنصلون من واجباتهم أو يعملون على نقيضها أو ينحرفون عنها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانوناً، وهو ما يعنى أن إفراد النقابات بنص المادة 56 المشار إليها، لا يعدو أن يكون اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التى تمثلها، وعمق اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وما ينبغى أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها فى مجموعها، وتوكيداً لضرورة أن يظل العمل النقابى تقدمياً، فلا ينحاز لمصالح جانبية أو ضيقة محدودة أهميتها – قطاعاً أو أثراً – Sectional or lnfluential lnterests، بل يكون متبنياً نهجاً سياسياً مقبولاً من جموعهم، وقابلاً للتغيير على ضوء إرادتهم.
وحيث إن البين من النص المطعون فيه، أن شرطين يتعين توافرهما معاً لجواز الطعن فيما يصدر عن الجمعية العمومية للنقابة الفرعية من قراراتها أولهما: أن يكون هذا الطعن مقدماً من خمسين عضواً على الأقل ممن حضروا جمعيتها هذه، ليكون انضمامهم إلى بعض نصاباً للطعن، فلا يقبل بعدد أقل. ثانيهما: أن يكون الطعن على قراراتها مستوفياً شكلية بذاتها، قوامها أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن، مصادقاً عليها جميعاً من الجهة المختصة.
وحيث إن الشرطين المتقدمين ينالان من حق التقاضي، ويعصفان بجوهره، وعلى الأخص من زاويتين أولاهما: أن الدستور كفل للناس جميعاً – وبنص المادة 68 – حقهم فى اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي، لا يتمايزون فى ذلك فيما بينهم، فلا يتقدم بعضهم على بعض فى مجال النفاذ إليه، ولا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره أو عن طريق العوائق الإجرائية أو المالية التى يحاط بها ليكون عبئاً عليهم، حائلاً دون اقتضاء الحقوق التى يدعونها، ويقيمون الخصومة القضائية لطلبها، ذلك أنهم يتماثلون فى استنهاض الأسس الموضوعية التى نظم المشرع بها تلك الحقوق لضمان فعاليتها، فقد كفل الدستور لكل منهم – سواء أكان شخصاً طبيعياً أم معنوياً – الحق فى الدعوى، ليكون تعبيراً عن سيادة القانون ونمطاً من خضوع الدولة لقيود قانونية تعلوها، وتكون بذاتها عاصماً من جموحها، وانفلاتها من كوابحها، وضماناً لردها على أعقابها إن هى جاوزتها، لتظهر الخصومة القضائية بوصفها الحماية التى كفلها القانون للحقوق على اختلافها، وبغض النظر عمن يتنازعونها، ودون اعتداد بتوجهاتهم، فلا يكون الدفاع عنها ترفاً أو إسرافاً بل لازماً لاقتضائها وفق القواعد القانونية التى تنظمها.
ثانيتهما: أن الخصومة لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها اجتناء منفعة يقرها القانون، تعكس بذاتها أبعاد الترضية القضائية التى يطلبها المتداعون، ويسعون للحصول عليها تأميناً لحقوقهم. وهم بذلك لا يدافعون عن مصالح نظرية عقيمة، ولا عن عقائد مجردة يؤمنون بها، ولا يعبرون فى الفراغ عن قيم يطرحونها، بل يؤكدون من خلال الخصومة القضائية تلك الحقوق التى أضيروا من جراء الإخلال بها، ويندرج تحتها ما يكون منها متعلقاً بمجاوزة نقابتهم للقيود التى فرضها الدستور عليها، لتنفصل حقوقهم هذه، عن تلك المصالح الجماعية التى تحميها نقابتهم بوصفها شخصاً معنوياً يستقل بالدفاع عنها فى إطار رسالتها وعلى ضوء أهدافها والقيم التى تحضنها، وهو ما يعنى أن تأميناً لمصالح أعضائها – منظوراً إليها فى مجموعها – لا يعتبر قيداً على حق كل منهم فى أن يستقل عنها بدعواه التى يكفل بها حقوقاً ذاتية يكون صونها ورد العدوان عنها، متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة ليتعلق بها مركزه القانونى الخاص فى مواجهة غيره، فلا ينال من وجوده قيد تقرر دون مسوغ.
وحيث إن الطعن على قرار معين – وكلما توافر أصل الحق فيه – لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التى يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد مضيقاً من مداه أو عاصفاً بمحتواه، فلا يكتمل أو ينعدم؛ وكان حق النقابة ذاتها فى تكوينها على أسس ديمقراطية، وكذلك إدارتها لشئونها بما يكفل استقلالها، ويقظتها فى الدفاع عن مصالح أعضائها، وإنمائها للقيم التى يدعون إليها فى إطار أهدافها، ووعيها بما يعنيهم، ومراجعتها لسلوكهم ضماناً لصون الأسس التى حددها الدستور بنص المادة 56، وإن كان كافلاً لرسالتها محددة على ضوء أهدافها، وبمراعاة جوهر العمل النقابى ومتطلباته، إلا أن انحرافها عنها يقتضى تقويمها، ولا يكون ذلك إلا بإنزال حكم القانون عليها، باعتباره محددا لكل قاعدة قانونية مجالاً لعملها، ومقيداً أدناها بأعلاها، فلا تكون الشرعية الدستورية والقانونية إلا ضابطا الأعمال جميعها، محيطا بكل صورها، ما كان منها تصرفا قانونيا أو متمحضاً عملاً مادياً، فلا تنفصل هذه الشرعية عن واقعها، بل ترد إليها أعمال النقابة وتصرفاتها جميعاً، ليكون تقويمها حقاً مقررا لكل من أعضائها، بقدر اتصال الطعن عليها بمصالحهم الشخصية المباشرة.
بيد أن النص المطعون فيه نقض هذا الأصل، حين جعل للطعن فى قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية، نصابا عدديا، فلا يقبل إلا إذا كان مقدماً من خمسين عضواً على الأقل ممن حضروا اجتماعها، ليحول هذا القيد – وبالنظر إلى مداه – بين من يسعون لاختصامها من أعضائها، وأن يكون لكل منهم دعواه قبلها، يقيمها استقلالاً عن غيره، ويكون موضوعها تلك الحقوق التى أدخل بها القرار المطعون فيه، والتى لا يقوم العمل النقابى سوياً بدونها.
وهى بعد حقوق قد تزدريها نقابتهم أو تغض بصرها عنها، فلا تتدخل لحمايتها ولو كان اتصالها برسالتها وتعلقها بأهدافها، وثيقاً. وقد افترض النص المطعون فيه كذلك، أن أعضاء الجمعية العمومية – الذين جعل من عددهم نصاباً محتوماً للطعن فى قراراتها – متحدون فيما بينهم فى موقفهم منها، وأنهم جميعاً قدروا مخالفتها للدستور، أو القانون، وانعقد عزمهم على اختصامها تجريداً لها من آثارها وتعطيلاً للعمل بها، لتتخلى نقابتهم عنها. وهو افتراض قلما يتحقق عملاً، ولا يتوخى واقعاً غير مجرد تعويق الحق فى الطعن عليها من خلال قيود تنافى أصل الحق فيه، ليكون “أفدح عبئاً، وأقل احتمالاً”.
وحيث إن البين كذلك من النص المطعون فيه، أن الطعن فى قرار صادر عن الجمعية العمومية لنقابة فرعية – ولو كان مكتملاً نصاباً – يظل غير مقبول إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة الإدارية ذات الاختصاص؛ وكان ما توخاه النص المطعون فيه بذلك، أن يكون هذا التصديق إثباتاً لصفاتهم؛ فلا يكون تقرير الطعن مقدماً من أشخاص لا يعتبرون أعضاء فى النقابة الفرعية، ولا من أشخاص يتبعونها، ولكنهم تخلفوا عن حضور جمعيتها العمومية؛ وكان التصديق وإن تم فى هذا النطاق، وتعلق بتلك الأغراض، يظل منطوياً على إرهاق المتقاضين بأعباء لا يقتضيها تنظيم حق التقاضي، بل غايتها أن يكون الطعن أكثر عسراً من الناحيتين الإجرائية والمالية؛ وكان هذا القيد مؤداه كذلك، أن تحل الجهة الإدارية محل محكمة الطعن فى مجال تثبتها من الشروط التى لا يقبل الطعن من الخصوم لا بها – وتندرج صفاتهم تحتها – باعتبار أن تحقيقها لها وبسطها لرقابتها على توافرها، أو تخلفها، مما يدخل فى اختصاصها. ولا يجوز بالتالى أن تتولاه الجهة الإدارية وإلا كان ذلك منها عدواناً على الوظيفة القضائية التى اختص المشرع غيرها بها، وانتحالاً لبعض جوانبها، وباطلاً لاقتحام حدودها.
وحيث إنه لما تقدم، يكون النص المطعون فيه مخالفاً للمواد 40، 65، 68 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 49 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، فيما نصت عليه من أن يكون الطعن فى قرارات الجمعية العمومية للنقابة الفرعية موقعاً عليه من خمسين عضواً على الاقل ممن حضروا اجتماعها، ومصدقاً كذلك من الجهة الإدارية ذات الاختصاص على توقيعاتهم التى مهروا بها تقرير الطعن.
صدر هذا الحكم من الهيئة المبينة بصدره، أما السيد المستشار محمد عبد القادر عبد الله الذى سمع المرافعة وحضر المداولة ووقع على مسودة الحكم، فقد جلس بدله عن تلاوته السيد المستشار الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين.
وسوم : حكم دستورية