الخط الساخن : 01118881009
جلسة 4 مايو سنة 1996
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ عبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدى أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم (34)
القضية رقم 6 لسنة 17 قضائية “دستورية”
1- دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن تقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمه فى الدعوى الموضوعية وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعي.
2- الرقابة على الدستورية “ملاذ نهائى – مكنة تصحيح المخالفة”.
الرقابة على الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا تعتبر ملاذاً نهائياً – على ألا تفصل فيما هو مثار من مسائل دستورية – كلما كان بوسعها أن تتجنبها من خلال إسناد المخالفة المدعى بها إلى أساس آخر يصححها.
3- تشريع “القانون رقم 42 لسنة 1967 – المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي”.
قرار وزير المالية رقم 381 لسنة 1982 حتى وإن صح القول ببطلانه لصدوره بناءً على تنظيم باطل ممثلا فى القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى الاختصاصات، إلا أن هذا القرار يظل محمولاً على نص الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى التى أحال فعلاً إليها.
4- رقابة على الدستورية “مناطها”.
الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية النصوص القانونية مناطها مخالفتها لقاعدة تضمنها الدستور ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا فى قوانين مختلفين.
5- جريمة تهرب البضائع الأجنبية – تشريع “المادة 124 مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963: طلب رفع الدعوى الجنائية”.
الجرائم الضريبية – ومنها الجريمة المشار إليها – جرائم مالية غايتها التخلص من الضريبة الجمركية بعضها أو كلها ولا تعلق لها بأشخاص مرتكبيها – الجرائم الضريبية يتعين معاملتها وفق ضوابط حذرة يكون تقديرها عائداً إلى الإدارة المالية ذاتها – عدم رفع الدعوى الجنائية إلا بناء على طلبها بعد تقييمها لكل حالة على حدة – تلك هى الأغراض التى توختها الفقرة الثانية من المادة المشار إليها.
6- دستور – دعوى جنائية “رفعها: النيابة العامة”.
الأصل المقرر فى الدستور هو ألا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الاحوال التى حددها القانون – اختصاص النيابة العامة دون غيرها طبقاً للقانون برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، وذلك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
7- دعوى جنائية “طلب رفعها”.
تعليق حق النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية بشأن بعض الجرائم على طلب الجهة التى عينها المشرع لا يعدو أن يكون قيداً استثنائياً على سلطتها فى مجال تحريكها – الطلب ليس عنصراً فى قيام الجريمة أو توافر أركانها.
8- جريمة ضريبية “عقوبة: مصلحة الخزانة العامة”.
العقوبة التى يفرضها المشرع على الجريمة الضريبية يقصد بها أصلاً صون مصلحة الخزانة العامة فى إطار من التفاهم بين المحملين بالضريبة والجهة الإدارية التى تقتضيها.
9- جريمة ضريبية “تقدير الجهة المالية المختصة”.
الجهة التى حددها المشرع هى التى تقدر بذاتها خطورة الآثار المرتبطة بهذه الجريمة – وملاءمة رفع الدعوى الجنائية أو التخلى عنها بعد ارتكابها.
10- تشريع “نص الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي”.
ما اقتضاه هذا النص من طلب لرفع الدعوى الجنائية فى شأن الجرائم الضريبية التى عينها المشرع، ينحل قيدا نظاميا يتوقى – ولمصلحة لها اعتبارها – الحد من إطلاق يد النيابة العامة فى مجال الدعوى الجنائية – إهمالها هذا القيد يعتبر عدواناً منها على المصلحة المقصودة بالحماية التى يتعلق الطلب بها.
11- دعوى دستورية “المصلحة فيها – شرطها”.
إذا توفرت للمدعى مصلحة محتملة ينازع بها فى مضمون الشروط التى يجب قانوناً أن يشتمل الصلح عليها فيما بينه وبين الإدارة المالية، تعين على هذه المحكمة أن تفصل فى دستورية هذه الشروط.
12 تشريع “نص الفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي: أثر الصلح”.
انحصار أثر الصلح المقرر بمقتضى هذا النص فى أمرين هما: انقضاء الدعوى الجنائية فى الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من المادة المشار إليها – امتناع رد البضائع المضبوطة فى هذا الجرائم مع جواز رد وسائل النقل والمواد المستخدمة فى تهريبها.
13- مصادرة – تشريع “نص الفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي: مخالفة للدستور”.
الأثر الحتمى لكل صلح ينعقد وفقاً لهذا النص هو مصادرة البضائع المضبوطة فى الجرائم محله – عدم استناد هذه المصادرة إلى إرادة أطراف التصالح بل بناءً على نص فى القانون. من المتعين – من ثم – إنفاذ المصادرة ولو خلا عقد الصلح من النص عليها. نص القانون هو الذى خول الجهة المعنية الخيار بين مصادرة وسائل النقل المستخدمة فى التهريب أو ردها إلى أصحابها – المصادرة فى الحالتين لا تقع بناء على حكم قضائى بالمخالفة للدستور.
14- “حق الملكية: مداه – عدم إسقاط الملكية”.
انصراف حق الملكية إلى الحقوق العينية والشخصية، وكذلك إلى حقوق الملك الأدبية والفنية والصناعية – إسقاط الملكية عن أصحابها عدوان عليها يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون.
15- تنظيم الحقوق “سلطة تقديرية”.
الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية يفاضل المشرع من خلالها بين بدائل متعددة مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المقصودة بالحماية.
16- حق الملكية “حظر العدوان عليها وتقييدها”.
عدم جواز العدوان على الملكية ولا اقتلاع المزايا التى تنتجها أو ترتبط بمقوماتها – حظر تقييد الملكية فيما يجاوز نطاق وظيفتها الاجتماعية – التعويض عن حرمان صاحبها من مزاياها يتعين أن يكون مكفولاً وجابراً للأضرار الناشئة عن تعطيل الانتفاع بها.
17- مصادرة – تشريع “الفقرة الثالثة من المادة 124 من القانون الجمركي: عقاب جنائي”.
المصادرة التى حتمها المشرع كأثر للتصالح وفقاً لهذه الفقرة – لا يعدو تدبيراً احترازياً متصلاً بالأشياء التى يلزم سحبها من التداول لخطورة إجرامية تكمن فيها – عدم رد البضائع المضبوطة إلى أصحابها يعتبر عقاباً جنائياً عينياً لقيام صلة بين مصادرتها وبين الجريمة المرتكبة – من المتعين صدور حكم قضائى بها.
18- دستور – مصادرة – جريمة تهريب البضائع الأجنبية.
المصادرة تتناول حقوقاً لها قيمة مالية كفل الدستور صونها – عدم جواز المساس بهذه الحقوق إلا من خلال حق التقاضى – الحكم القضائى بالمصادرة لازم فى كل صورها. وجوبه عند مصادرة البضائع الأجنبية المهربة بقصد الاتجار فيها وكذلك وسائل ومواد نقلها – أياً كان طبيعة هذه المصادرة أو أغراضها.
1، 2، 3- إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية، لازماً للفصل فى النزاع الموضوعي؛ وكان من المقرر أن الرقابة على الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة، لا تعتبر إجراءً احتياطياً، بل ملاذاً نهائياً. وعليها بالتالى ألا تفصل فيما يثيره الطعن على النصوص القانونية من المسائل الدستورية، كلما كان بوسعها أن تتجنبها من خلال إسناد المخالفة المدعى بها إلى أساس آخر يستقيم عقلا معها ويصححها؛ وكان قرار وزير المالية رقم 381 لسنة 1982 – وحتى وإن صح القول ببطلانه لصدوره بناء على تنظيم باطل ممثلاً فى القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى الاختصاصات – إلا أن قرار وزير المالية، يظل محمولاً على نص الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى – التى أحال فعلاً إليها – والتى لا يجوز بمقتضاها رفع الدعوى الجنائية فى شأن الجرائم المنصوص عليها بفقرتها الأولى إلا بناء على طلب من وزير المالية أو من ينيبه. متى كان ذلك، فإن الخوض فى بطلان القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 – وهو ما تصوره المدعى سنداً للقرار رقم 381 لسنة 1982 الصادر عن وزير المالية – لا يكون منتجاً.
4- إن ما ينعاه المدعى من وقوع تعارض بين الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى من ناحية، والمادة 124 من هذا القانون من ناحية أخرى – وبفرض صحة منعاه – مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الرقابة القضائية التى تباشرها فى شأن دستورية القانونية، مناطها مخالفتها لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين سواء جمعها قانون واحد، أو تفرقاً بين قانونين مختلفين.
5- إن ما ينعاه المدعى من أن تخويل وزير المالية أو من ينيبه – وعملاً بالفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى – طلب رفع الدعوى الجنائية فى شأن الجرائم المنصوص عليها بفقرتها الأولى – ويندرج تحتها جريمة تهريب البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها – يعتبر افتئاتاً على الاختصاص الأصيل المقرر للنيابة العامة فى هذا الصدد، مردود بأن الجرائم الضريبية يصدق عليها – بوجه عام – أنها جرائم مالية غايتها التخلص من الضريبة الجمركية بعضها أو كلها، ولا تعلق لها بأشخاص مرتكبيها. ولئن جاز القول بأن بعض هذه الجرائم يخل بالحماية اللازمة لدعم الصناعة الوطنية من خلال تطبيق النظم المعمول بها فى شأن البضائع الممنوع استيرادها، إلا أن الجرائم الضريبية فى مختلف صورها، يتعين معاملتها وفق ضوابط حذرة يكون تقديرها عائداً إلى الإدارة المالية ذاتها، لتزن على ضوئها خطورة كل منها وملابساتها، فلا تقام الدعوى الجنائية عنها إلا بناء على طلبها، بعد تقييمها لكل حالة على حدة. وبلك هى الأغراض التى توختها الفقرة الثانية من المادة 124 مكررا المشار إليها. ذلك أن دور الإدارة المالية فى مجال تطبيقها – وبوصفها مجنياً عليها فى الجرائم التى تحيل إليها – لا يعدو أن يكون إعمالاً لسلطتها التقديرية فى نطاقها، لا تتقيد فى ذلك إلا باستهدافها المصلحة العامة، سواء عند طلبها رفع الدعوى الجنائية فى شأن جريمة من بينها أو غضها لبصرها عنها.
6- الأصل المقرر بنص المادة 70 من الدستور، هو ألا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية عدا الأحوال التى يحددها القانون. ومن ثم كان منطقياً أن تشير إلى هذه القاعدة أيضاً المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 بنصها على أن تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع من غيرها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون.
وقد رددتها كذلك المادة 21 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، فيما نصت عليه من أن النيابة العامة دون غيرها، الحق فى رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وهو ما يعنى أن الأصل فى رفعها أن يكون عائدا إلى النيابة العامة تتولاه دون غيرها على ضوء وقائع الاتهام وأدلتها، لا استثناء من ذلك إلا فى جرائم بذواتها يحددها القانون، وتقتضى طبيعتها الخاصة ألا تتخذ النيابة العامة اجراء فيها إلا بناء على طلب من الجهة التى عينها المشرع، يصدر عنها وفق ما تراه ملائماً وأوثق اتصالاً بالمصلحة التى توخاها المشرع من التجريم.
7، 8، 9- تعليق حق النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية بشأن بعض الجرائم على طلب من الجهة التى عينها المشرع، لا يعدو أن يكون قيداً استثنائياً على سلطتها فى مجال تحريكها، ومفترضاً إجرائياً لجواز مباشرتها. ولا يعتبر الطلب بالتالى عنصراً فى قيام الجريمة أو توافر أركانها، بل مجرد عقبة تحول دون اتخاذ إجراء فيها ما بقى القيد قائماً، وكان ارتفاع هذا القيد مؤداه أن يعود إلى النيابة العامة اختصاصها كاملاً فى شأن هذه الجرائم، فلا تلتزم برفع الدعوى الجنائية عنها، بل تقرر – وفقاً لتقدريها – تحريكها أو إهمالها؛ وكانت العقوبة التى يفرضها المشرع على الجريمة الضريبية غير مقصودة لذاتها، بل لتحقيق غرض محدد يرتبط بها، يتمثل أصلاً فى صون مصلحة الخزانة العامة فى إطار من التفاهم بين المحملين بالضريبة والجهة الإدارية التى تقتضيها؛ فإن التدخل بالجزاء الجنائى لحملهم على إيفائها – لا يكون إلا ملاذاً أخيراً ونهائياً. بما مؤداه أن الجهة التى حددها المشرع، هى التى تقدر بنفسها – وعلى ضوء مقاييسها – خطورة الآثار المرتبطة بها، وملاءمة رفع الدعوى الجنائية أو التخلى عنها بعد ارتكابها.
10- متى كان نص الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، يرعى الطبيعة الخاصة للجرائم محل الطلب، وتقرر فى حدود ضيقة، وبصفة استثنائية، وبما لا يجاوز نطاق التفويض المخول للسلطة التشريعية بمقتضى نص المادة 70 من الدستور، فإن حكمها لا يكون معطلاً مبدأ سيادة القانون، بل ينحل قيداً نظامياً يتوخى – ولمصلحة لها اعتبارها – الحد من إطلاق يد النيابة العامة فى مجال تحقيقها الدعوى الجنائية وتحريكها وفقاً للقانون، فلا يجوز لها أن تتخطاه، وإلا كان ذلك عدواناً منها على المصلحة المقصودة بالحماية التى يتعلق الطلب بها.
11- إن الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، التى دمغها المدعى بأنها تتمحض لغواً، وإنحرافاً فى استعمال السلطة التشريعية، واقتحاماً لحدود سيادة القانون، تخول وزير المالية أو من ينيبه – وإلى ما قبل صدور حكم فى الدعوى العمومية – الصلح وفقاً للشروط التى بينتها؛ وكان تقديم المتهم إلى المحاكمة، وإن دل على أن صلحاً لم يبرم بعد فيما بين الجهة الإدارية المعنية والمدعي، إلا أن إمكان عقده إلى ما قبل صدور حكم فى الدعوى الجنائية يظل قائماً لتتهيأ للمدعى بذلك مصلحة محتملة ينازع بها فى مضمون الشروط التى يتعين قانوناً أن يشتمل الصلح عليها، ذلك أن فرص الدخول فيه، تتحدد على ضوء يسر هذه الشروط أو عسرها أو بطلانها، وهو ما يعنى أن تتولى هذه المحكمة الفصل فى دستوريتها.
12- إن الصلح المقرر بنص الفقرة الثالثة المشار إليها، مضموناً محدداً وأثراً قانونياً يترتب عليه، فمن ناحية محتواه، ينعقد الصلح مقابل أداء مبلغ التعويض كاملاً وينحصر أثره فى أمرين:
أولهما: انقضاء الدعوى الجنائية فى الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، وهى جرائم تهريب البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها أو المشروع فيه أو حيازتها بقصد الاتجار مع العلم بتهريبها.
ثانيهما: امتناع رد البضائع المضبوطة فى هذه الجرائم، مع جواز رد وسائل النقل والمواد المستخدمة فى تهريبها.
13- ما تقدم مؤداه أن لكل صلح ينعقد وفق الأحكام المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من هذا القانون، أثراً حتمياً يتمثل فى مصادرة البضائع المضبوطة فى تلك الجرائم. أما وسائل ومواد تهريبها، فإن مصادرتها لا تقع بقوة القانون، بل يَعُود إجراؤها إلى تقدير الجهة الإدارية المعنية، وهو ما يفيد أن مصادرة البضائع التى جرى ضبطها على النحو المتقدم، لا يستند إلى إرادة المتعاقدين اللذين تلاقيا على التصالح فيما بينهما، بل تتم هذه المصادرة بناء على نص فى القانون. ويتعين بالتالى إنفاذ أثرها ولو خلا عقد الصلح من النص عليها، بل ولو أسقطها هذا العقد لنزول الجهة الإدارية عنها، ذلك أن المشرع أوجبها بناء على قاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها.
كذلك فإن نص القانون هو الذى خول الجهة الإدارية المعنية، الخيار بين مصادرة وسائل النقل التى استخدمت فى تهريب البضائع المضبوطة، أو ردها إلى أصحابها.
وسواء تعلق الأمر بالمصادرة الوجوبية التى فرضها المشرع فى شأن هذه البضائع، أم بالمصادرة التى تجريها الجهة الإدارية بإرادتها فى شأن وسائل نقلها، فإن المصادرة فى الحالتين لا تقع بناء على حكم قضائي، وذلك خلافاً لنص المادة 36 من الدستور، ودون تقيد بالقاعدة العامة التى التزمها القانون الجمركى ذاته فى شأن التهريب، وبينتها المادة 122 منه، التى تنص على أن يحكم فى جميع الأحوال – وعلاوة على الجزاءين الجنائى والمالى المقررين بها – بمصادرة البضائع موضوع التهريب، فإذا لم تضبط حكم بما يعادل قيمتها. ويجوز الحكم بمصادرة وسائل النقل والأدوات والمواد التى استعملت فى التهريب، وذلك فيما عدا السفن والطائرات ما لم تكن أعدت أو أجرت فعلاً لهذا الغرض.
14- من المقرر قانوناً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن حق الملكية – وباعتباره منصرفاً محلاً إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية – نافذا فى مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون غيرها بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المقيد بها لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، وأنه صوناً لحرمتها، لا يجوز أن تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها. وليس للمشرع كذلك أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض الأجزاء التى تكونها، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع بتنظيمها إلى حد هدم الشيء محلها، ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، عدوان عليها يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون.
15، 16- لئن جاز القول بأن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية يفاضل المشرع من خلالها بين بدائل متعددة مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التى يبلغها هذا التنظيم لا يجوز أن تجاوز – بمداها – متطلباتها المنطقية، وإلا تعين القول بانطوائها على ما يعد “أخذاً” للملكية من أصحابها A taking of property. ولا يجوز بالتالى العدوان على الملكية بما يعتبر اقتحاماً مادياً physical invasion أياً كانت المدة التى يمتد إليها غصبها، ولا اقتلاع المزايا التى تنتجها أو ترتبط بمقوماتها. بل إن إنكار هذه المزايا عمن يملكون، يعدل – فى الآثار التى يرتبها – الاستيلاء على ملكهم فعلاً physical appropriation، ذلك أن المشرع حين يجرد الملكية من ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، فإنه يحيلها عدماً، ولو بقيت لأصحابها السيطرة الفعلية على الأموال محلها.
ولا يفترض عندئذ أن المشرع يعيد تنظيم الملكية فى إطار وظيفتها الاجتماعية ترتيباً لأوضاع اقتصادية تتصل بمصالح قومية، ذلك أن الملكية الخاصة التى لا تقوم على الاستغلال، ولا تناقض طرق استخدامها الخير العام لمجموع المواطنين، يجب حمايتها على ما تقضى به المادة 32 من الدستور، لتظهر الملكية ومصادرتها على طرفى نقيض، باعتبار أن وجودها وانعدامها لا يمكن أن يتلاقيا فى آن واحد، ولأن الملكية لا تنزع عن اصحابها إلا لمنفعة عامة، ومقابل تعويض وفقاً للقانون، وهو ما نص عليه الدستور فى المادة 34، التى قرنها بنص المادة 35 التى تقضى بأن التأميم لا يجوز إلا لاعتبار متعلق بالصالح العام، وبقانون ومقابل تعويض. بما مؤداه حظر تقييد الملكية فيما يجاوز نطاق وظيفتها الاجتماعية، وأن التعويض عن حرمان صاحبها من مزاياها، يتعين أن يكون مكفولاً وجابراً للأضرار الناشئة عن تعطيل الانتفاع بها.
17- إن عدم رد البضائع المضبوطة إلى أصحابها وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، يعنى أن تحل الدول محلهم فى ملكيتها، وأن تؤول هذه البضائع إليها بلا مقابل، وهو ما يفيد مصادرتها وجوباً بقوة القانون؛ وكانت هذه المصادرة التى حتمها المشرع – كأثر للتصالح فيما بين الممولين والجهة الإدارية المعنية – لا تعد تدبيراً احترازياً متصلاً بأشياء تكمن فيها خطورة إجرامية مردها أن استعمالها أو صنعها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع، يعد جريمة فى ذاته ” objects the possession of which, without more, constitutes a crime”، فلا ترتهن مصادرتها بالحكم بعقوبة أصلية مما يقتضى سحبها من التداول توقياً لاتصال آخرين بها، ولو كان آخرون يملكونها وكان حسن نيتهم ثابتاًHowever blameless or unknowing their owners may be؛ وكانت واقعة الاتهام التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعي، لا شأن لها بأشياء حظر المشرع تداولها، بل مبناها تهريب بضائع أجنبية بقصد الاتجار فيها، فإن عدم ردها إلى أصحابها بعد ضبطها، يعتبر عقاباً جنائياً لقيام صلة بين مصادرتها وبين الجريمة التى تم ارتكابها، وهى بعد عقوبة عينية ينبغى بالتالى أن يصدر بها حكم قضائي.
18- يؤيد ذلك أن المصادرة – وعلى ما يبين من المادة 36 من الدستور – إما أن تكون مصادرة عامة تتناول العناصر الإيجابية لكامل الذمة المالية لشخص معين، أو حصة على الشيوع فيها. وهذه لا يجوز توقيعها على الإطلاق. وإما أن يكون محلها شيء أو أشياء معينة بذواتها. وهذه هى المصادرة الخاصة التى لا يجوز توقعيها إلا بحكم قضائي، ولو كانت جزاء مدنياً على مخالفة النظم الجمركية المعمول بها. ذلك أن هذه المصادرة تتناول حقوقاً فردية لها قيمة مالية كفل الدستور صونها بنص المادة 34، ولا يجوز المساس بها إلا من خلال حق التقاضى حتى لا تنحسر عنها ضماناته الجوهرية التى يتصدرها حق الدفاع، لتيم الفصل فى هذه الحقوق – سواء بإثباتها أو نفيها – على ضوء نظرة محايدة تحيطها، ووفق مقاييس وضوابط حددها المشرع سلفاً.
كذلك فإن عموم نص المادة 36 من الدستور، مؤداه أن تعليق جواز المصادرة الخاصة على صدور حكم قضائى بها، غير مقيد بالأحوال التى تكون هذه المصادرة فيها عقاباً تقرر بنص جنائي، بل يكون الحكم القضائى بها لازماً فى كل صورها، ومن ثم مطلوباً عند مصادرة البضائع الأجنبية التى قام شخص بتهريبها بقصد الاتجار فيها، وكذلك وسائل ومواد نقلها، وذلك أياً كانت طبيعة هذه المصادرة أو أغراضها.
الإجراءات
فى الخامس من فبراير سنة 1995، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالباً الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى بعض الاختصاصات، والفقرتين الثانية والثالثة من المادة 124 مكررا المضافة بالقانون رقم 75 لسنة 1980 إلى قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد ضبط محاولاً تهريب مشغولات ذهبية اجنبية الصنع، بعد أن أخفاها للتخلص من أداء الضرائب الجمركية المستحقة عليها. وقد قيدت الواقعة جنحة برقم 58 لسنة 1994، وأثناء نظرها أمام محكمة جنح الشئون المالية والتجارية بالقاهرة، دفع المدعى بعدم دستورية القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى بعض الاختصاصات، وكذلك الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 124 مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية، وصرحت للمدعى برفع دعواه الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 124 مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963 تنص على ما يأتى:
[مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون آخر، يعاقب على تهريب البضائع الأجنبية بقصد الاتجار أو الشروع فيه، أو على حيازتها بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهربة، بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه…]
[واستثناء من أحكام المادة 124 من هذا القانون، لا يجوز رفع الدعوى العمومية فى الجرائم المنصوص عليها فى الفقرة السابقة، إلا بناء على طلب من وزير المالية أو من ينيبه.
ويجوز لوزير المالية أو من ينيبه. وإلى ما قبل صدور حكم فى الدعوى العمومية – الصلح مقابل أداء مبلغ التعويض كاملاً. ولا يترتب على الصلح رد البضائع المضبوطة فى الجرائم المشار إليها، وإنما يجوز رد وسائل النقل والمواد التى استخدمت فى التهريب] وتنص الفقرة الأولى من المادة 124 من قانون الجمارك المشار إليه – التى ورد حكم المادة 124 مكرراً من هذا القانون باعتباره استثناء منها – على أنه [لا يجوز رفع الدعوى العمومية واتخاذ أى إجراءات فى جرائم التهريب، إلا بطلب كتابى من المدير العام للجمارك أو من ينيبه].
وحيث إن البين من ربط الفقرة الأولى من المادة 124 من قانون الجمارك، بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة 124 مكرراً من هذا القانون، أن وزير المالية أو من ينيبه هو جهة الاختصاص بطلب رفع الدعوى الجنائية فى جرائم تهريب البضائع الأجنبية بقصد الاتجار أو الشروع فيه أو حيازتها بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهربة. فإذا كان التهريب غير متعلق بإحدى هذه الجرائم، فإن الاختصاص بطلب رفع الدعوى الجنائية، ينعقد عندئذ للمدير العامة للجمارك أو من ينيبه.
وحيث إن تقرير لجنة الخطة والموازنة فى شأن نص المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى – وعلى ما يبين من مضبطة الجلسة السابعة والأربعين لمجلس الشعب المعقودة فى 21 يناير سنة 1980 – مؤداه أن الأصل فى جريمة التهريب الجمركى أن تقع بإدخال البضائع أياً كان نوعها إلى الجمهورية، أو إخراجها منها بطرق غير مشروعة، وبدون أداء الضرائب الجمركية المستحقة عليها كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها، وأن قانون الجمارك لم يعتبر جريمة حيازة البضائع الأجنبية المهربة، من جرائم التهريب الجمركى رغم ما لوحظ فى السنوات الأخيرة من ازدياد هذه الجرائم، مما أثر سلباً على الاقتصاد القومى بحرمان الدولة من الحصول على الموارد الضريبية التى تتوقعها، ليكون التخلص من الضريبة الجمركية على البضائع الأجنبية التى تلقى رواجاً كبيراً، أداة لتضخم الثروة، بدلاً من الحد منها، مما أضر فى النهاية بالصناعة المصرية.
وحيث إن المدعى ينعى على قرار وزير المالية رقم 381 لسنة 1982، صدوره استناداً إلى القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 باعتباره واقعاً فى نطاق هذه التدابير، وهو ما يعنى بطلان هذا القرار، وبطلان قرار وزير المالية الصادر استناداً إليه. وإذ كان هذا القرار هو الذى خول مدير عام الجمرك أن يطلب من النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية – بعد أنابه وزير المالية عنه فى ذلك – فإن تحريكها بناء على هذا الطلب، يكن فاقداً لسنده، متضمنا افتئاتا على الاختصاص الأصيل المقرر للنيابة العامة فى هذا الشأن، ومخالفاً للدستور.
وحيث إن المدعى ينعى كذلك على الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، تهادمهما مع المادة 124 من هذا القانون بما يحيلهما لغواً، وانحرافاً بالتشريع عن الغاية التى شرع من أجلها، فضلاً عن تنكبهما مبدأ سيادة القانون المنصوص عليه فى المادة 64 من الدستور.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى النزاع الموضوعي؛ وكان من المقرر أن الرقابة على الدستورية التى تباشرها هذه المحكمة، لا تعتبر إجراءً احتياطياً، بل ملاذاً نهائياً. وعليها بالتالى ألا تفصل فيما يثيره الطعن على النصوص القانونية من المسائل الدستورية، كلما كان بوسعها أن تتجنبها؛ من خلال إسناد المخالفة المدعى بها أساس آخر يستقيم عقلا معها ويصححها؛ وكان قرار وزير المالية رقم 381 لسنة 1982 – وحتى وإن صح القول ببطلانه لصدوره بناء على تنظيم باطل ممثلاً فى القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى الاختصاصات – إلا أن قرار وزير المالية، يظل محمولاً على نص الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى – التى أحال فعلاً إليها – والتى لا يجوز بمقتضاها رفع الدعوى الجنائية فى شأن الجرائم المنصوص عليها بفقرتها الأولى إلا بناء على طلب من وزير المالية أو من بينه. متى كان ذلك، فإن الخوض فى بطلان القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 – وهو ما تصوره المدعى سنداً للقرار رقم 381 لسنة 1982 الصادر عن وزير المالية – لا يكون منتجاً.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من وقوع تعارض بين الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 124 مكررا من القانون الجمركى من ناحية، والمادة 124 من هذا القانون من ناحية أخرى – وبفرض صحة منعاه – مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الرقابة القضائية التى تباشرها فى شأن دستورية النصوص القانونية، مناطها مخالفتها لقاعدة تضمنها الدستور، ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين سواء جمعها قانون واحد، أو تفرقاً بين قانونين مختلفين.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من أن تخويل وزير المالية أو من ينيبه – وعملاً بالفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى – طلب رفع الدعوى الجنائية فى شأن الجرائم المنصوص عليها بفقرتها الأولى – ويندرج تحتها جريمة تهريب البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها – يعتبر افتئاتاً على الاختصاص الأصيل المقرر للنيابة العامة فى هذا الصدد، مردود بأن الجرائم الضريبية يصدق عليها – بوجه عام – أنها جرائم مالية غايتها التخلص من الضريبة الجمركية بعضها أو كلها، ولا تعلق لها بأشخاص مرتكبيها. ولئن جاز القول بأن بعض هذه الجرائم يخل بالحماية اللازمة لدعم الصناعة الوطنية من خلال تطبيق النظم المعمول بها فى شأن البضائع الممنوع استيرادها؛ إلا أن الجرائم الضريبية فى مختلف صورها، يتعين معاملتها وفق ضوابط حذرة يكون تقديرها عائداً إلى الإدارة المالية ذاتها، لتزن على ضوئها خطورة كل منها وملابساتها، فلا تقام الدعوى الجنائية عنها إلا بناء على طلبها، بعد تقييمها لكل حالة على حدة. وتلك هى الأغراض التى توختها الفقرة الثانية من المادة 124 مكررا المشار إليها. ذلك أن دور الإدارة المالية فى مجال تطبيقها – وبوصفها مجنيا عليها فى الجرائم التى تحيل إليها – لا يعدو أن يكون إعمالاً لسلطتها التقديرية فى نطاقها، لا تتقيد فى ذلك إلا باستهدافها المصلحة العامة، سواء عند طلبها رفع الدعوى الجنائية فى شأن جريمة من بينها أو غضها لبصرها عنها.
ومردود ثانياً: بأن الأصل المقرر بنص المادة 70 من الدستور، هو ألا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية عدا الأحوال التى يحددها القانون. ومن ثم كان منطقياً أن تشير إلى هذه القاعدة أيضاً المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 بنصها على أن تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ولا ترفع من غيرها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون.
وقد رددتها كذلك المادة 21 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، فيما نصت عليه من أن النيابة العامة دون غيرها، الحق فى رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وهو ما يعنى أن الأصل فى رفعها أن يكون عائداً إلى النيابة العامة تتولاه دون غيرها على ضوء وقائع الاتهام وأدلتها، لا استثناء من ذلك إلا فى جرائم بذواتها يحددها القانون، وتقتضى طبيعتها الخاصة ألا تتخذ النيابة العامة إجراء فيها إلا بناء على طلب من الجهة التى عينها المشرع، يصدر عنها وفق ما تراه ملائماً وأوثق اتصالاً بالمصلحة التى توخاها المشرع من التجريم.
ومردود ثالثاً: بأن تعليق حق النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية بشأن بعض الجرائم على طلب من الجهة التى عينها المشرع، لا يعدو أن يكون قيداً استثنائياً على سلطتها فى مجال تحريكها، ومفترضاً إجرائياً لجواز مباشرتها. ولا يعتبر الطلب بالتالى عنصرا فى قيام الجريمة أو توافر أركانها، بل مجرد عقبة تحول دون اتخاذ إجراء فيها ما بقى القيد قائماً، وكان ارتفاع هذا القيد مؤداه أن يعود إلى النيابة العامة اختصاصها كاملاً فى شأن هذه الجرائم، فلا تلتزم برفع الدعوى الجنائية عنها، بل تقرر – وفقاً لتقديرها – تحريكها أو إهمالها؛ وكانت العقوبة التى يفرضها المشرع على الجريمة الضريبية غير مقصودة لذاتها، بل لتحقيق غرض محدد يرتبط بها، يتمثل أصلاً فى صون مصلحة الخزانة العامة فى إطار من التفاهم بين المحملين بالضريبة والجهة الإدارية التى تقتضيها؛ فإن التدخل بالجزاء الجنائى لحملهم على إيفائها – لا يكون إلا ملاذاً أخيراً ونهائياً. بما مؤداه أن الجهة التى حددها المشرع، هى التى تقدر بنفسها – وعلى ضوء مقاييسها – خطورة الآثار المرتبطة بها، وملاءمة رفع الدعوى الجنائية أو التخلى عنها بعد ارتكابها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم؛ وكان نص الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، يرعى الطبيعة الخاصة للجرائم محل الطلب، وتقرر فى حدود ضيقة، وبصفة استثنائية، وبما لا يجاوز نطاق التفويض المخول للسلطة التشريعية بمقتضى نص المادة 70 من الدستور؛ فإن حكمها لا يكون معطلاً مبدأ سيادة القانون، بل ينحل قيداً نظامياً يتوخى – ولمصلحة لها اعتبارها – الحد من إطلاق يد النيابة العامة فى مجال تحقيقها الدعوى الجنائية وتحريكها وفقاً للقانون، فلا يجوز لها أن تتخطاه، وإلا كان ذلك عدواناً منها على المصلحة المقصودة بالحماية التى يتعلق الطلب بها.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، التى دمغها المدعى بأنها تتمحض لغوا، وإنحرافا فى استعمال السلطة التشريعية، واقتحاماً لحدود سيادة القانون، تخول وزير المالية أو من ينيبه – وإلى ما قبل صدور حكم فى الدعوى العمومية – الصلح وفقا للشروط التى بينتها؛ وكان تقديم المتهم إلى المحاكمة، وإن دل على أن صلحاً لم يبرم بعد فيما بين الجهة الإدارية المعنية والمدعي، إلا أن إمكان عقده إلى ما قبل صدور حكم فى الدعوى الجنائية يظل قائماً لتتهيأ للمدعى بذلك مصلحة محتملة ينازع بها فى مضمون الشروط التى يتعين قانوناً أن يشتمل الصلح عليها، ذلك أن فرص الدخول فيه، تتحدد على ضوء يسر هذه الشروط أو عسرها أو بطلانها، وهو ما يعنى أن تتولى هذه المحكمة الفصل فى دستوريتها.
وحيث إن الصلح المقرر بنص الفقرة الثالثة المشار إليها، مضموناً محدداً وأثراً قانونياً يترتب عليه، فمن ناحية محتواه، ينعقد الصلح مقابل أداء مبلغ التعويض كاملاً وينحصر أثره فى أمرين:
أولهما: انقضاء الدعوى الجنائية فى الجرائم المشار إليها بالفقرة الأولى من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، وهى جرائم تهريب البضائع الأجنبية بقصد الاتجار فيها أو المشروع فيه أو حيازتها بقصد الاتجار مع العلم بتهريبها.
ثانيهما: امتناع رد البضائع المضبوطة فى هذه الجرائم، مع جواز رد وسائل النقل والمواد المستخدمة فى تهريبها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن لكل صلح ينعقد وفق الأحكام المنصوص عليها بالفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من هذا القانون، أثراً حتمياً يتمثل فى مصادرة البضائع المضبوطة فى تلك الجرائم. أما وسائل ومواد تهريبها، فإن مصادرتها لا تقع بقوة القانون، بل يَعُود إجراؤها إلى تقدير الجهة الإدارية المعنية، وهو ما يفيد أن مصادرة البضائع التى جرى ضبطها على النحو المتقدم، لا يستند إلى إرادة المتعاقدين اللذين تلاقيا على التصالح فيما بينهما، بل تتم هذه المصادرة بناء على نص فى القانون. ويتعين بالتالى إنفاذ أثرها ولو خلا عقد الصلح من النص عليها، بل ولو أسقطها هذا العقد لنزول الجهة الإدارية عنها، ذلك أن المشرع أوجبها بناء على قاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها.
وسواء تعلق الأمر بالمصادرة الوجوبية التى فرضها المشرع فى شأن هذه البضائع، أم بالمصادره التى تجريها الجهة الإدارية بإرادتها فى شأن وسائل نقلها، فإن المصادرة فى الحالتين لا تقع بناء على حكم قضائي، وذلك خلافاً لنص المادة 36 من الدستور، ودون تقيد بالقاعدة العامة التى التزمها القانون الجمركى ذاته فى شأن التهريب، وبينتها المادة 122 منه، التى تنص على أن يحكم فى جميع الأحوال – وعلاوة على الجزاءين الجنائى والمالى المقررين بها – بمصادرة البضائع موضوع التهريب، فإذا لم تضبط حكم بما يعادل قيمتها. ويجوز الحكم بمصادرة وسائل النقل والأدوات والمواد التى استعملت فى التهريب، وذلك فيما عدا السفن والطائرات ما لم تكن أعدت أو أجرت فعلاً لهذا الغرض.
وحيث إن من المقرر قانوناً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن حق الملكية – وباعتباره منصرفاً محلاً إلى الحقوق العينية والشخصية جميعها، وكذلك إلى حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية – نافذا فى مواجهة الكافة ليختص صاحبها دون غيرها بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المقيد بها لتعود إليه ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، وأنه صوناً لحرمتها، لا يجوز إن تزول الملكية عن ذويها بانقطاعهم عن استعمالها. وليس للمشرع كذلك أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض الأجزاء التى تكونها، ولا أن ينال من أصلها أو يعدل من طبيعتها، أو يقيد من مباشرة الحقوق التى تتفرع عنها فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، ولا أن يتذرع بتنظيمها إلى حد هدم الشيء محلها، ذلك أن إسقاط الملكية عن أصحابها سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، عدوان عليها يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن الملكية لا تزول عن الأموال محلها، إلا إذا كسبها أغيار وفقاً للقانون.
ولئن جاز القول بأن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية يفاضل المشرع من خلالها بين بدائل متعددة مرجحاً من بينها ما يراه أكفل لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التى يبلغها هذا التنظيم لا يجوز أن تجاوز – بمداها – متطلباتها المنطقية، وإلا تعين القول بانطوائها على ما يعد “أخذاً” للملكية من أصحابها A taking of property. ولا يجوز بالتالى العدوان على الملكية بما يعتبر اقتحاما ماديا physical invasion أياً كانت المدة التى يمتد إليها غصبها، ولا اقتلاع المزايا التى تنتجها أو ترتبط بمقوماتها. بل إن إنكار هذه المزايا عمن يملكون، يعدل – فى الآثار التى يرتبها – الاستيلاء على ملكهم فعلاً physical appropriation، ذلك أن المشرع حين يجرد الملكية من ثمارها وملحقاتها ومنتجاتها، فإنه يحيلها عدماً، ولو بقيت لأصحابها السيطرة الفعلية على الأموال محلها.
ولا يفترض عندئذ أن المشرع يعيد تنظيم الملكية فى إطار وظيفتها الاجتماعية ترتيباً لأوضاع اقتصادية تتصل بمصالح قومية، ذلك أن الملكية الخاصة التى لا تقوم على الاستغلال، ولا تناقض طرق استخدامها الخير العام لمجموع المواطنين، يجب حمايتها على ما تقضى به المادة 32 من الدستور، لتظهر الملكية ومصادرتها على طرفى نقيض، باعتبار أنّ وجودها وانعدامها لا يمكن أن يتلاقيا فى آن واحد، ولأن الملكية لا تنزع عن أصحابها إلا لمنفعة عامة، ومقابل تعويض وفقاً للقانون، وهو ما نص عليه الدستور فى المادة 34، التى قرنها بنص المادة 35 التى تقضى بأن التأميم لا يجوز إلا لاعتبار متعلق بالصالح العام، وبقانون ومقابل تعويض. بما مؤداه حظر تقييد الملكية فيما يجاوز نطاق وظيفتها الاجتماعية، وأن التعويض عن حرمان صاحبها من مزاياها، يتعين أن يكون مكفولاً وجابراً للأضرار الناشئة عن تعطيل الانتفاع بها.
وحيث إن عدم رد البضائع المضبوطة إلى أصحابها وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركي، يعنى أن تحل الدول محلهم فى ملكيتها، وأن تؤول هذه البضائع إليها بلا مقابل، وهو ما يفيد مصادرتها وجوباً بقوة القانون؛ وكانت هذه المصادرة التى حتمها المشرع – كأثر للتصالح فيما بين الممولين والجهة الإدارية المعنية – لا تعد تدبيراً احترازياً متصلاً بالأشياء التى يكون سحبها من التداول لازما فى كل الأحوال لخطورة اجرامية تكمن فيها، باعتبار أن استعمالها أو صنعها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع، يعد جريمة فى ذاته، فلا ترتهن هذا التدبير بالحكم بعقوبة أصلية، ولا يعتد فى اتخاذه بحقوق الغير حسن نية؛ وكانت واقعة الاتهام التى نسبتها النيابة العامة إلى المدعي، لا شأن لها بأشياء حظر المشرع تداولها، بل مبناها تهريب بضائع أجنبية بقصد الاتجار فيها، فإن عدم ردها إلى أصحابها بعد ضبطها، يعتبر عقاباً جنائياً لقيام صلة بين مصادرتها وبين الجريمة التى تم ارتكابها، وهى بعد عقوبة عينية ترد على أموال بذاتها تتمثل فى بضائع جرى ضبطها اتصالا بتهريبها، وكان ينبغى بالتالى أن يصدر بها حكم قضائي.
يؤيد ذلك أن المصادرة – وعلى ما يبين من المادة 36 من الدستور – إما أن تكون مصادرة عامة تتناول العناصر الإيجابية لكامل الذمة المالية لشخص معين، أو حصة شائعة فيها. وهذه لا يجوز توقيعها على الإطلاق. وإما أن يكون محلها شيء أو أشياء معينة بذواتها. وهذه هى المصادرة الخاصة التى لا يجوز توقعيها إلا بحكم قضائي، ولو كانت جزاء مدنياً على مخالفة النظم الجمركية المعمول بها. ذلك أن هذه المصادرة تتناول حقوقاً فردية لها قيمة مالية كفل الدستور صونها بنص المادة 34، ولا يجوز المساس بها إلا من خلال حق التقاضى حتى لا تنحسر عنها ضماناته الجوهرية التى يتصدرها حق الدفاع، لتيم الفصل فى هذه الحقوق – سواء بإثباتها أو نفيها – على ضوء نظرة محايدة تحيطها، ووفق مقاييس وضوابط حددها المشرع سلفاً.
كذلك فإن عموم نص المادة 36 من الدستور، مؤداه أن تعليق جواز المصادرة الخاصة على صدور حكم قضائى بها، غير مقيد بالأحوال التى تكون هذه المصادرة فيها عقاباً تقرر بنص جنائي، بل يكون الحكم القضائى بها لازماً فى كل صورها، ومن ثم مطلوباً عند مصادرة البضائع الأجنبية التى قام شخص بتهريبها بقصد الاتجار فيها، وكذلك وسائل ومواد نقلها، وذلك أياً كانت طبيعة هذه المصادرة أو أغراضها.
وحيث إن حكم الفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من القانون الجمركى المطعون عليها – وقد نقض – على النحو المتقدم – الحق فى الملكية، وأخل بمبدأ سيادة القانون، وأهدر ولاية السلطة القضائية – فإنه يكون منافياً لأحكام المواد 32 و34 و36 و65 و165 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة:
أولاً – بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى الطعن بعدم دستورية القرار بقانون رقم 42 لسنة 1967 فى شأن التفويض فى بعض الاختصاصات.
ثانياً – برفض الطعن بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 124 مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963.
ثالثاً – بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 124 مكرراً من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963، وذلك فيما نصت عليه من أنه [ولا يترتب على الصلح رد البضائع المضبوطة فى الجرائم المشار إليها، وإنما يجوز رد وسائل النقل والمواد التى استخدمت فى التهريب].
وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية