الخط الساخن : 01118881009
جلسة 18 مايو سنة 1996
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية كل من السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار/ حنفى على جبالى – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدى أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم (40)
القضية رقم 38 لسنة 17 قضائية “دستورية”
1- دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – قيام ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
2- دعوى دستورية “مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة”.
تحديد هذا المفهوم باجتماع شرطين هما قيام الدليل على ضرر واقعى ممكن إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية وأن يكون مرد الامر فى هذا الضرر إلى النص المطعون فيه.
3- دعوى دستورية “انتفاء المصلحة: حالاته”.
انتفاء المصلحة فى حالات بعينها هي:
عدم تطبيق النص المطعون فيه أصلاً على المدعي، أو إذا كان من غير المخاطبين به، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه.
4- محاماة – تشريع “قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983”.
المحاماة – طبقاً لهذا القانون – مهنة حرة يمارسها المحامون على استقلال – المحامون شركاء للسلطة القضائية يعملون معها من أجل تحقيق العدالة – تقديم المحامين خدماتهم لموكليهم فى إطار من الإبداع والتأسيس بما يكفل فعاليتها.
5- مهنة “شروط مزاولتها”.
فرض المشرع شروطاً لمزاولة مهنة بذاتها، يلزم أن يكون مطلوباً لأداء المهام التى تقوم عليها وإلا كان تقرير هذه الشروط انحرافا عن مضمونها الحق.
6- حق العمل.
ما يقتضيه حق العمل ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً.
7- حق العمل “الحرمان منه”.
من غير المقبول حرمان المشرع الأشخاص الذين جاوزوا سناً حددها من الالتحاق ببعض المهن الحرة التى تقتضى ممارستها جهدا عقليا صرفا من القائمين عليها.
8- حق العمل.
حق العمل لا يتقرر إيثاراً ولا يمنح تفضلاً على ما ينص عليه الدستور.
9- مهن حرة “شرط السن – تمييز”.
المهن الحرة التى تقتضى مزاولتها جهداً عقلياً يتعين أن يكون النفاذ إليها متاحاً دون التقيد بغير الشروط الموضوعية التى تؤهل لممارستها والتى ينافيها شرط السن باعتباره مصادماً لها دخيلاً عليها – افتقاد الأمم كثيراً من مصادر ثروتها اللازمة لتقدمها إذا اعيق عمالها – بناء على سنهم – من النفاذ إلى الأعمال التى يتكافأون فى إنجازها مع من يمارسون فعلاً: التمييز بين هؤلاء وهؤلاء – من ثم – مصادم للدستور.
10- تنظيم الحقوق: سلطة تقديرية.
سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها – ما يقره المشرع من قواعد قانونية لتنظيم موضوع معين لا يجوز أن يخل بالحقوق التى كفل الدستور أصلها.
11- حق العمل “مؤداه”.
مؤدى اعتبار الدستور العمل حقاً ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضاً لفحواه – اعتبار حق العمل اختياراً حراً. والطريق إليه محدوداً وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازماً لإنجازه.
12- محاماة – تشريع “قانون المحاماة الصادر به القانون رقم 17 لسنة 1983: جهد عقلى – السن”.
دلالة هذا القانون على أن أعمال المحاماة التى يزاولها المحامون مناطها جهد عقلى يبذل فى ادائها – تقدم عمرهم ليس له من أثر على متطلباتها – كان منطقياً بالتالى ألا يفرض قانون المحاماة حداً أقصى لزمن الاشتغال بها ولا لسن من يزاولونها.
13- محاماة – تشريع “الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماة”.
قيام المحامى خلال فترة التمرين بعمل عقلى متمثل فى إعداد البحوث واستخلاص الأحكام وتحضير صحف الدعاوى ومستنداتها – رفض قيده بجدول المحامين تحت التمرين لتجاوزه الخمسين عاماً عند تقديم طلب القيد، مؤداه انغلاق فرص مهنة المحاماة فى وجهه – النص المشار إليه أقام تمييزاً غير مستند إلى أسس موضوعية بين الذين بلغوا هذه السن وبين من جاوزها عند القيد بهذا الجدول كافلاً للأولين دون الآخرين حق العمل ونصيباً فى الناتج القومى عائداً إلى عملهم – هذا التمييز غير مقبول دستورياً.
14- مبدأ المساواة “صور التمييز: قوامها”.
صور التمييز التى تناقض مبدأ المساواة أمام القانون وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تفضيل أو تقييد أو استبعاد ينال اعتسافاً من الحقوق التى كفلها الدستور أو القانون.
15- مبدأ المساواة “شروط موضوعية – قاعدة قانونية وعموميتها”.
إعمال مبدأ المساواة أمام القانون رهن بتوافر الشروط الموضوعية التى يحدد المشرع على ضوئها المراكز القانونية التى يتكافأ بها أصحابها أمام القانون – موضوعية هذه الشروط مرجعها إلى اتصال النصوص التى تقتضيها، بالحقوق التى تتناولها – مجرد عمومية القاعدة القانونية وتجريدها وإن كان لازماً لإنفاذ أحكامها إلا أن التمييز التشريعى المناقض لمبدأ المساواة لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
16- الحق فى التعبير – الحق فى الاجتماع – المحكمة الدستورية العليا.
الحق فى التعبير وثيق الصلة بالحق فى الاجتماع – من المتعين أن تنظر المحكمة الدستورية العليا بطريقة صارمة إلى القيود التى يفرضها المشرع على حرية الاجتماع.
17- الحق فى تكوين تنظيم نقابى – حرية الاجتماع.
الحق فى تكوين تنظيم نقابى فرع من حرية الاجتماع – تعليق الانضمام إلى نقابة بذاتها على شرط غير متصل منطقياً بطبيعة المهام التى تقوم عليها: إعمال هذا الشرط يعتبر حائلاً دون مباشرة المؤهلين لعضويتها لحق الاجتماع فى إطارها.
18- تشريع “الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماة: أوجه مخالفته”.
شرط السن المقرر بهذا النص مؤداه حرمان المدعى وعلى غير أسس موضوعية من الانضمام إلى نقابة هو مؤهل لعضويتها – هادماً لحق العمل – مناقضاً مبدأ المساواة أمام القانون.
1- إن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة أمام محكمة الموضوع.
2، 3- يتحدد مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة باجتماع شرطين أو عنصرين:
أولاهما: أن يقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص المطعون فيه – الدليل على أن ضرراً واقعياً – اقتصادياً أو غيره – قد لحق به. ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً، مستقلاً بعناصره، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً. بما مؤداه أن الرقابة على الدستورية يتعين أن تكون موطئاً لمواجهة أضرار واقعية، بغية ردها وتصفية آثارها القانونية.
ثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية. ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعاً، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها.
4- إن البين من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، أن المحاماة – فى أصلها وجوهر قواعدها – مهنة حرة يمارسها المحامون على استقلال، لا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون [مادة 1]. وهم بذلك شركاء للسلطة القضائية يُعينونها على توكيد سيادة القانون، والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويعملون معها من أجل تحقيق العدالة كغاية نهائية لكل تنظيم قانونى يقوم على إرساء الحق وإنفاذه. وهى باعتبارها كذلك تتمحض جهداً عقلياً يتوخى ربطاً عملياً بين القانون فى صورته النظرية المجردة، وبين تطبيقاته العملية، ليقدم المحامون خدماتهم لموكليهم – فى إطار من الإبداع والتأسيس – بما يكفل فعاليتها.
5- إن الشروط التى يتطلبها المشرع لمزاولة حرفة أو مهنة بذاتها، لا يجوز تقريرها بعيداً عن متطلبات ممارستها. بل يتعين أن ترتبط عقلاً بها، وأن يكون فرضها لازماً لأداء المهام التى تقوم عليها، كامناً فيها، ملتئماً مع طبيعتها، منبئاً عن صدق اتصالها بأوضاعها، وإلا كان تقرير هذه الشروط انحرافاً عن مضمونها الحق، والتواء بمقاصدها، وإرهاقاً لبيئة العمل بذاتها، وما ينبغى أن يهيمن عليها من القيم التى تعلو بقدر العمل، ولا تخل بطبيعة الشروط التى يقتضيها، وبوجه خاص كلما دل تطبيقها على مناهضتها لتكافؤ الفرص، أو تمييزها فى التعامل دون مقتض بين المتزاحمين على العمل، أو إنكارها لحقهم فى الأمن – اجتماعياً أو اقتصادياً – أو إضراراً بالظروف الأفضل لضمان حريتهم وكرامتهم، أو عدوانها على الحق فى تدريبهم مهنياً.
6- إن ما تقدم مؤداه، أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها وآثاراً يرتبها، من بينها – فى مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها، منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ليكون مبناها التحامل، أو لتناقض بفحواها ما ينبغى أن يرتبط صدقاً وحقاً وعقلاً بالأوضاع الطبيعية لأداء العمل Bona fide occupational qualification reasonably necessary to the normal operation of the particular business.
7، 8- إن ما قد ينص عليه المشرع من حرمان الأشخاص الذين جاوزوا سناً حددها، من الالتحاق ببعض الأعمال، لا يستقيم على إطلاق. ذلك أن من بين هذه الأعمال ما يتصل ببعض المهن الحرة التى تقتضى ممارستها جهداً عقلياً صرفاً من القائمين عليها، ولا شأن لها بمظاهر القصور فى قدراتهم البدنية، وما يتصل بها عاطفياً وجسمانياً من تغيير يؤثر سلباً وعملاً فى إمكاناتهم. فلا يكون شرط السن عندئذ مقبولاً، إلا إذا كان مبرراً بطبيعة الأعمال التى يعهد إلى العامل بها، ونطاق واجباتها ومسئولياتها، ليتحدد على ضوئها ما إذا كان هذا الشرط فاعلاً مؤثراً فيها أم منافياً لها وغريباً عنها. بما مؤداه أن الأصل هو ألا يكون شرط السن معتبراً، فإذا كان لازماً لبعض الأعمال لزوماً حتمياً، كان ذلك استثناء من هذا الأصل يتعين أن يفسر فى أضيق الحدود، وإلا صار حق العمل – وغيره من المزايا التى يرتبط بها كالحقوق التأمينية – رُكاماً، ولغدا شرط السن ذريعة لنقض الحق فى العمل، وهو حق لا يتقرر إيثاراً ولا يمنح تفضلاً على ما تنص عليه المادة 13 من الدستور، وما جرى به قضاء هذه المحكمة.
9- ولئن جاز القول بأن تقدم العمر يحمل فى ثناياه مخاطر صحية لا يستهان بها، ولا يمكن التنبؤ بزمن طروئها ولا بحدتها ومتاعبها ومضاعفاتها، إلا أن المهن الحرة التى تقتضى مزاولتها جهداً عقلياً، يتعين أن يكون النفاذ إليها متاحاً لمن يطرقون أبوابها، لا يتقيدون فى ذلك بغير الشروط الموضوعية التى تؤهل لممارستها، والتى ينافيها شرط السن باعتباره مصادماً لها، دخيلاً عليها، وهو ما يعنى أن الشروط التى يتطلبها المشرع للقيد فى الجداول التى تنظم الاشتغال بالمهن الحرة – ومن بينها شرط السن – يتعين لإقرار مشروعيتها، أن يقوم الدليل على اتصالها بطبيعة هذه المهن ذاتها، وما يكون لازماً لممارستها، مرتبطاً بجوهر خصائصها The Essence of the Busniess.
ولقد صار أمراً مقضياً أن الأمم على اختلافها تفقد كثيراً من مصادر الثروة اللازمة لتقدمها، إذا أعيق عمالها – بناء على سنهم – من النفاذ إلى الأعمال التى لا زالوا قادرين على النهوض بها، والتى يتكافأون فى إنجازها أو يمتازون فى أدائها عمن يمارسونها فعلاً، ليفقد المبعدون عنها فرص عملهم، وليكون التمييز بين هؤلاء وهؤلاء مصادماً للدستور، وهو ما يفيد أن شرط السن فى نطاق الأعمال الحرة، كثيراً ما يكون مؤشراً واهياً على القدرة على ممارستها.
10- الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها؛ وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين، فإن ما تقره من القواعد القانونية فى هذا النطاق، لا يجوز أن ينال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار هذه الحقوق أو تهميشها، عدون على مجالاتها الحيوية التى لا تتنفس إلا من خلالها. ولا يجوز بالتالى أن يكون تنظيم هذه الحقوق اقتحاماً لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفا ومبررا.
11- ما نص عليه الدستور فى المادة 13 من اعتبار العمل حقاً، مؤاده ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضاً لفحواه، وأن يكون فوق هذا اختياراً حراً، والطريق إليه محدداً وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازماً لإنجازه، متوخياً دوماً تطوير أنماط الحياة وتشكيلها فى اتجاه التقدم، معززاً ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتكفل خلق مناخ ملائم يكون العمل فى إطاره إسهاماً وطنياً، وواجباً.
12- إن قانون المحاماة – وعلى ما تقضى به مادته الثالثة – قد دل على أن أعمال المحاماة التى يزاولها المحامون، مناطها جهداً عقلياً يبذل فى أدائها، سواء من خلال الحضور عن موكليهم أمام المحاكم وهيئات التحكيم والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، ودوائر الشرطة وجهات التحقيق إدارياً كان أم جنائياً؛ أو عن طريق الدفاع عنهم فى القضايا التى تقام منهم أو عليهم، ومباشرة إجراءاتها القضائية؛ أو بإبداء ما يكون مطلوباً منهم من آراء أو مشورة قانونية؛ أو بصياغتهم العقود على اختلافها مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لشهرها أو توثيقها. وهى بذلك لا ترتبط بقدرة بدنية تتحدد على ضوئها أهليتهم فى مجال ممارستها، ولا يجوز بالتالى أن يكون لتقدم عمرهم من أثر على متطلباتها. يؤيد ذلك أمران:
أولهما: أن شرط السن ليس من بين الشروط التى تطلبتها المادة 13 من قانون المحاماة، للقيد فى الجدول العام.
ثانيهما: أنه عملاً بنص المادتين 38، 39 من هذا القانون، يقبل للقيد – لأول مرة – بالجدول الخاص للمحامين أمام محكمة النقض وما يعادلها – وأياً كانت سنهم – الشاغلون لوظيفة أستاذ قانون فى جامعة مصرية، وكذلك المستشارون السابقون بالمحاكم وما يعادلها من وظائف الهيئات القضائية.
وكان منطقياً بالتالى ألا يفرض قانون المحاماة حداً أقصى لزمن الاشتغال بها، ولا لسن من يزاولونها، ليطلق ممارستها من كل قيد لا يكون عائداً إلى طبيعة مهامها. وما بلوغ المحامى سن الستين، إلا شرطاً لقيام حق المحامى فى الحصول على معاش كامل – ضمن شروط أخرى – حددتها المادة 196 من قانون المحاماة التى يزاولها وفقاً لتقديره، دون تقيد بزمن معين.
13، 14- إنه متى كان ذلك، وكان شرط السن المقرر بالنص المطعون فيه كقيد على القبول بجدول المحامين تحت التمرين، لا يستقيم عقلاً إلا إذا كان ملتئماً مع أعمال المحاماة، لازماً لمباشرتها، وكافلاً فوق تحقيق الأغراض التى يتوخاها قانون المحاماة، وقوامها الجهد المبدع الخلاق لضمان إرساء سيادة القانون؛ وكان بلوغ الحقيقة الواقعة أو الراجحة، ليس إلا عدلاً يعاون المحامون السلطة القضائية فى الطريق إليه؛ وكان انقضاء مدة التمرين بعد القيد فى الجدول المعد لذلك، يعتبر مفترضاً أولياً لمباشرة أعمال المحاماة على استقلال؛ وكان المحامى خلال فترة التمرين – وعملاً بالمادة 25 من قانون المحاماة – لا يباشر إلا عملاً عقلياً يتمثل فى إعداد البحوث والمراجع العملية واستخلاص الأحكام وتحضير صحف الدعاوى ومستنداتها؛ وكان رفض قيده بجدول المحامين تحت التمرين لتجاوزه الخمسين عاما عند تقديم طلب القيد، يعنى أن تنغلق فى وجهه – من خلال التأمين فرص مزاولة مهنة المحاماة، ليرتد عبئاً على الدولة تُعينه – من خلال التأمين الاجتماعى – وفى حدود إمكاناتها، وطاقة عاطلة يمزقها القهر وتميل معها النفس إلى العدوان والضيق بمجتمعها؛ وكان النص المطعون فيه قد أقام تمييزاً لا يستند إلى أسس موضوعية بين الذين بلغوا الخمسين من العمر عند طلبهم القيد بجدول المحامين تحت التمرين، وبين من جاوزوها، كافلاً للأولين دون الآخرين حق العمل ونصيباً فى الناتج القومى يكون عائداً إلى عملهم؛ فإن هذا التمييز لا يكون مقبولاً دستورياً، ذلك أن صور التمييز التى تناهض مبدأ المساواة أمام القانون، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تفضيل أو تقييد أو استبعاد ينال اعتسافاً من الحقوق التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
15- إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه يتمحض عن قاعدة مجردة لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها، بل تكفل مساواتهم فى فرص القيد التى أتاحتها وكذلك تلك التى حجبتها، مردود بأن اعمال مبدأ المساواة أمام القانون، رهن بتوافر الشروط الموضوعية التى يحدد المشرع على ضوئها، المراكز القانونى التى يتكافأ بها أصحابها أمام القانون، على أن يكون مفهوماً أن موضوعية هذه الشروط، مرجعها إلى اتصال النصوص التى تقتضيها بالحقوق التى تناولتها، بما يؤكد ارتباطها عقلا بها من خلال تعلقها بطبيعة هذه الحقوق ومتطلباتها فى مجال ممارستها. ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجريدها – وإن كان لازما لإنفاذ أحكامها – إلا أن التمييز التشريعى المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
16، 17- إن الحق فى التعبير عن الآراء على اختلافها، وثيق الصلة بالحق فى الاجتماع، بل أن الحرية ذاتها لن تظفر بدونهما بالضمان الحاسم لحمايتها، ويتعين أن تنظر المحكمة الدستورية العليا بطريقة صارمة إلى القيود التى قد يفرضها المشرع على حرية الاجتماع، باعتبار أن من يضمهم تنظيم معين، إنما يدافعون فيه – باجتماعهم معاً – عن آرائهم ومعتقداتهم أياً كانت طبيعتها. ومع أن القيود التى تفوض حرية الاجتماع المنصوص عليه فى المادة 54 من الدستور، قد لا يكون المشرع قد قصد إليها، إلا أن آثارها العملية هى التى يجب أن تخضعها هذه المحكمة لرقابتها، بما مؤداه أن الحق فى تكوين تنظيم نقابي، فرع من حرية الاجتماع، وكلما كان الانضمام إلى النقابة بذاتها معلقاً على شرط لا يتصل منطقياً بطبيعة المهام التى تقوم عليها، فإن إعمال هذا الشرط يكون معطلاً حق النفاذ إليها، وحائلاً دون مباشرة المؤهلين لعضويتها لحق الاجتماع فى إطارها، وهو حق يوفر لكل عضو من أعضائها – وانطلاقاً من الديمقراطية النقابية – الفرص ذاتها – التى يؤثر من خلالها – متكافئاً فى ذلك مع غيره ممن انضموا إليها – فى إدارة شئونها واتخاذ قراراتها، ومراقبة نشاطها بطريق مباشر أو غير مباشر.
18- إنه متى كان ذلك، وكان شرط السن المقرر بالنص المطعون فيه، مؤداه حرمان المدعى – وعلى غير أسس موضوعية – من الانضمام إلى نقابة هو مؤهل لعضويتها وفقاً للشروط التى بينتها المادة 13 من قانون المحاماة للقيد فى الجدول العام؛ فإن حكم هذا النص، يكون غريباً عنها، مجافياً لجوهر رسالتها، وحائلاً دون الانضمام إليها، وهادماً لحق العمل، معطلاً آثاره، مناقضاً مبدأ المساواة أمام القانون، ومخالفاً بالتالى للمواد 13 و25 و40 و47 و54 و56 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 4 يونيه 1995، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية المادة 21 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وذلك فيما تضمنته من حظر القيد بجدول المحامين تحت التمرين لمن جاوز سن الخمسين.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان قد بلغ الثانية والخمسين عاماً حين حصل على ليسانس الحقوق سنة 1993. وإذ تقدم بطلب لقيده بجدول المحامين تحت التمرين، وكان هذا الطلب قد رفض استنادا إلى الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 التى تشترط للقيد بهذا الجدول، ألا يجاوز سن الطالب خمسين عاما وقت تقديم طلب القيد، فقد أقام أمام محكمة القضاء الإدارى الدعوى رقم 1272 لسنة 49 قضائية ضد نقيب المحامين، طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر برفض قيده كمحام تحت التمرين بالجدول المعد لهذا الغرض، والملحق بالجدول العام، مع وقف الفصل فى الشق المستعجل من النزاع إلى أن يقيم دعواه الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا بعد التصريح برفعها إليها للفصل فى دستورية المادة 21 من قانون المحاماة، وبجلسة 27/ 4/ 1995، أقرت محكمة القضاء الإدارى وقف الدعوى الموضوعية المنظورة أمامها، وصرحت للمدعى برفع دعواه الدستورية خلال ثلاثة أشهر، فأقامها.
وحيث إن المادة 21 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، تنص فى فقرتها الأولى على أن “يكون قيد المحامى بجدول المحامين تحت التمرين لأول مرة إذا لم تتوافر فيه الشروط التى تسمح بقيده فى أحد الجداول الملحقة الأخرى”. وفى فقرتها الثانية على أنه “يشترط للقيد فى هذا الجدول، ألا يجاوز سن طالب القيد خمسين سنة وقت تقديم الطلب”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة- وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مفهوم المصلحة الشخصية المباشرة يتحدد باجتماع شرطين أو عنصرين:
أولاهما: أن يقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختص بها النص المطعون فيه – على أن ضرراً واقعياً – اقتصادياً أو غيره – قد لحق به. ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشراً، مستقلاً بعناصره، ممكناً إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً. بما مؤداه أن الرقابة على الدستورية يتعين أن تكون موطئاً لمواجهة أضرار واقعية، بغية ردها وتصفية آثارها القانونية.
ثانيتهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية. ذلك أن ابطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعاً، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها.
متى كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماة، هى التى قام عليها القرار الصادر برفض قيد الطالب بجدول المحامين تحت التمرين، فإن حكمها يعتبر سبباً لهذا القرار، ليظل مشروعاً ما لم تقض المحكمة الدستورية العليا ببطلانها، ومن ثم تنحصر مصلحته الشخصية المباشرة فى الطعن عليها وحدها، بعد أن أضير من جراء تطبيقها عليه.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماة، إهدارها لحق العمل المكفول بنص المادة 13 من الدستور، وإخلالها بتكافؤ الفرص ومبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليها فى المادتين 8 و40 منه، وإسقاطها الالتزام الملقى على الدولة وفقاً لنص المادة 18 من الدستور بالربط بين التعليم وحاجات المجتمع. وكذلك حرمانها كل مواطن من نصيبه فى الناتج القومي، محدداً وفق القانون على ضوء عمله أو ملكيته غير المستغلة على ما تقضى به المادة 25 من الدستور. هذا فضلاً عن أن شرط السن المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماة، غير قائم فى النقابات المهنية الأخرى، ويعتبر كذلك منفصلاً عن الشروط العامة التى تكفلها المادة 13 من هذا القانون فى شأن من يمارسون مهنة المحاماة، ويقيدون بالجدول العام.
وحيث إن البين من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، أن المحاماة – فى أصلها وجوهر قواعدها – مهنة حرة يمارسها المحامون على استقلال، لا سلطان عليهم فى ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون [مادة 1]. وهم بذلك شركاء للسلطة القضائية يُعينونها على توكيد سيادة القانون، والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويعملون معها من أجل تحقيق العدالة كغاية نهائية لكل تنظيم قانونى يقوم على إرساء الحق وإنفاذه. وهى باعتبارها كذلك تتمحض جهداً عقلياً يتوخى ربطاً عملياً بين القانون فى صورته النظرية المجردة، وبين تطبيقاته العملية، ليقدم المحامون خدماتهم لموكليهم – فى إطار من الإبداع والتأسيس – بما يكفل فعاليتها.
وحيث إن الشروط التى يتطلبها المشرع لمزاولة حرفة أو مهنة بذاتها، لا يجوز تقريرها بعيداً عن متطلبات ممارستها. بل يتعين أن ترتبط عقلاً بها، وأن يكون فرضها لازماً لأداء المهام التى تقوم عليها، كامناً فيها، ملتئماً مع طبيعتها، منبئاً عن صدق اتصالها بأوضاعها، وإلا كان تقرير هذه الشروط انحرافاً عن مضمونها الحق، والتواء بمقاصدها، وإرهاقاً لبيئة العمل بذاتها، وما ينبغى أن يهيمن عليها من القيم التى تعلو العمل، ولا تخل بطبيعة الشروط التى يقتضيها، وبوجه خاص كلما دل تطبيقها على مناهضتها لتكافؤ الفرص، أو تمييزها فى التعامل دون مقتض بين المتزاحمين على العمل، أو إنكارها لحقهم فى الأمن – اجتماعا أو اقتصاديا – أو إضراراً بالظروف الأفضل لضمان حريتهم وكرامتهم، أو عدوانها على الحق فى تدريبهم مهنيا.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها وآثاراً يرتبها، من بينها – فى مجال حق العمل – ضمان الشروط التى يكون أداء العمل فى نطاقها، منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ليكون مبناها التحامل، أو لتناقض بفحواها ما ينبغى أن يرتبط صدقاً وحقاً وعقلاً بالأوضاع الطبيعية لأداء العمل Bona fide occupational qualification reasonably necessary to the normal operation of the particular business.
وحيث إن ما قد ينص عليه المشرع من حرمان الأشخاص الذين جاوزوا سناً حددها، من الالتحاق ببعض الأعمال، لا يستقيم على إطلاق. ذلك أن من بين هذه الأعمال ما يتصل ببعض المهن الحرة التى تقتضى ممارستها جهداً عقلياً صرفاً من القائمين عليها، ولا شأن لها بمظاهر القصور فى قدراتهم البدنية، وما يتصل بها عاطفياً وجسمانياً من تغيير يؤثر سلباً وعملاً فى إمكاناتهم. فلا يكون شرط السن عندئذ مقبولاً، إلا إذا كان مبرراً بطبيعة الأعمال التى يعهد إلى العامل بها، ونطاق واجباتها ومسئولياتها، ليتحدد على ضوئها ما إذا كان هذا الشرط فاعلاً مؤثراً فيها أم منافياً لها وغريباً عنها. بما مؤداه أن الأصل هو ألا يكون شرط السن معتبراً، فإذا كان لازماً لبعض الأعمال لزوماً حتمياً، كان ذلك استثناء من هذا الأصل يتعين أن يفسر فى أضيق الحدود، وإلا صار حق العمل – وغيره من المزايا التى يرتبط بها كالحقوق التأمينية – ركاماً، ولغدا شرط السن ذريعة لنقض الحق فى العمل، وهو حق لا يتقرر إيثارا ولا يمنح تفضلاً على ما تنص عليه المادة 13 من الدستور، وما جرى به قضاء هذه المحكمة.
ولئن جاز القول بأن تقدم العمر يحمل فى ثناياه مخاطر صحية لا يستهان بها، ولا يمكن التنبؤ بزمن طروئها ولا بحدتها ومتاعبها ومضاعفاتها، إلا أن المهن الحرة التى تقتضى مزاولتها جهداً عقلياً، يتعين أن يكون النفاذ إليها متاحاً لمن يطرقون أبوابها، لا يتقيدون فى ذلك بغير الشروط الموضوعية التى تؤهل لممارستها، والتى ينافيها شرط السن باعتباره مصادماً لها، دخيلاً عليها، وهو ما يعنى أن الشروط التى يتطلبها المشرع للقيد فى الجداول التى تنظم الاشتغال بالمهن الحرة – ومن بينها شرط السن – يتعين لإقرار مشروعيتها، أن يقوم الدليل على اتصالها بطبيعة هذه المهن ذاتها، وما يكون لازماً لممارستها، مرتبطاً بجوهر خصائصها The Essence of the Busniess.
ولقد صار أمراً مقضياً أن الأمم على اختلافها تفقد كثيراً من مصادر الثروة اللازمة لتقدمها، إذا أعيق عمالها – بناء على سنهم – من النفاذ إلى الأعمال التى لا زالوا قادرين على النهوض بها، والتى يتكافأون فى إنجازها أو يمتازون فى أدائها عمن يمارسونها فعلاً، ليفقد المبعدون عنها فرص عملهم، وليكون التمييز بين هؤلاء وهؤلاء مصادماً للدستور، وهو ما يفيد أن شرط السن فى نطاق الأعمال الحرة، كثيراً ما يكون مؤشراً واهياً على القدرة على ممارستها.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها؛ وكان الدستور إذ يعهد إلى السلطة التشريعية بتنظيم موضوع معين، فإن ما تقره من القواعد القانونية فى هذا النطاق، لا يجوز أن ينال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، ذلك أن إهدار هذه الحقوق أو تهميشها، عدون على مجالاتها الحيوية التى لا تتنفس إلا من خلالها. ولا يجوز بالتالى أن يكون تنظيم هذه الحقوق اقتحاماً لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفاً ومبرراً.
وحيث إن ما نص عليه الدستور فى المادة 13 من اعتبار العمل حقاً، مؤاده ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضاً لفحواه، وأن يكون فوق هذا اختياراً حراً، والطريق إليه محدداً وفق شروط موضوعية مناطها ما يكون لازماً لإنجازه، متوخياً دوماً تطوير أنماط الحياة وتشكيلها فى اتجاه التقدم، معززاً ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميها، وتكفل خلق مناخ ملائم يكون العمل فى إطاره إسهاماً وطنياً، وواجباً.
وحيث البين من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، أن المحاماة مهنة حرة لا يجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها [المادتان 1، 3 من القانون] ويعتبر المحامى الذى يلحق بمكتب محام – ولو لم يكن شريكاً له فيه – ممارساً لمهنة حرة، وما يحصل عليه مقابلا لخدماتها، يمثل أتعاباً يقتضيها من عمله [مادة 6] ويجوز للمحامى مزاولة أعمال المحاماة فى البنوك وشركات المساهمة الخاصة والجمعيات التعاونية، وتكون علاقة المحامى بهذه الجهات، علاقة وكالة ولو اقتصر عمله عليها [مادة 9].
ولتنظيم القيد بجداول المحامين، نص هذا القانون، على أن يكون للمحامين المشتغلين جدول عام تقيد فيه أسماؤهم ومحال إقامتهم، ومقار ممارستهم للمهنة، ويلحق به جدول للمحامين تحت التمرين [مادة 10].
وأبان هذا القانون كذلك عن الصلة الحتمية بين القيد بجدول المحامين تحت التمرين، والقيد بالجدول العام، بما نص عليه فى المادة 23 من أن يقدم طلب القيد بجدول المحامين تحت التمرين مع طلب القيد بالجدول العام، ويعرض على لجنة القبول طبقاً لأحكام الفصل السابق.
وحيث إن قانون المحاماة – وعلى ما تقضى به مادته الثالثة – قد دل على أن أعمال المحاماة التى يزاولها المحامون، مناطها جهداً عقلياً يبذل فى أدائها، سواء من خلال الحضور عن موكليهم أمام المحاكم وهيئات التحكيم والجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، ودوائر الشرطة وجهات التحقيق إدارياً كان أم جنائياً؛ أو عن طريق الدفاع عنهم فى القضايا التى تقام منهم أو عليهم، ومباشرة إجراءاتها القضائية؛ أو بإبداء ما يكون مطلوباً منهم من آراء أو مشورة قانونية؛ أو بصياغتهم العقود على اختلافها مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لشهرها أو توثيقها. وهى بذلك لا ترتبط بقدرة بدنية تتحدد على ضوئها أهليتهم فى مجال ممارستها، ولا يجوز بالتالى أن يكون لتقدم عمرهم من أثر على متطلباتها. يؤيد ذلك أمران:
أولهما: أن شرط السن ليس من بين الشروط التى تطلبتها المادة 13 من قانون المحاماة، للقيد فى الجدول العام.
ثانيهما: أنه عملاً بنص المادتين 38 و39 من هذا القانون، يقبل للقيد – لأول مرة – بالجدول الخاص للمحامين أمام محكمة النقض وما يعادلها – وأياً كانت سنهم – الشاغلون لوظيفة أستاذ قانون فى جامعة مصرية، وكذلك المستشارون السابقون بالمحاكم وما يعادلها من وظائف الهيئات القضائية.
وكان منطقياً بالتالى ألا يفرض قانون المحاماة حداً أقصى لزمن الاشتغال بها، ولا لسن من يزاولونها، ليطلق ممارستها من كل قيد لا يكون عائداً إلى طبيعة مهامها. وما بلوغ المحامى سن الستين، إلا شرطاً لقيام حق المحامى فى الحصول على معاش كامل – ضمن شروط أخرى – حددتها المادة 196 من قانون المحاماة، فلا يكون لبلوغ هذه السن بالتالى من شأن فى اعتزال المحامى أعمال المحاماة التى يزاولها وفقاً لتقديره، دون تقيد بزمن معين.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان شرط السن المقرر بالنص المطعون فيه كقيد على القبول بجدول المحامين تحت التمرين، لا يستقيم عقلاً إلا إذا كان ملتئما مع أعمال المحاماة، لازماً لمباشرتها، وكافلاً فوق تحقيق الأغراض التى يتوخاها قانون المحاماة، وقوامها الجهد المبدع الخلاق لضمان إرساء سيادة القانون؛ وكان بلوغ الحقيقة الواقعة أو الراجحة، ليس إلا عدلاً يعاون المحامون السلطة القضائية فى الطريق إليه؛ وكان انقضاء مدة التمرين بعد القيد فى الجدول المعد لذلك، يعتبر مفترضاً أولياً لمباشرة أعمال المحاماة على استقلال؛ وكان المحامى خلال فترة التمرين – وعملاً بالمادة 25 من قانون المحاماه – لا يباشر إلا عملاً عقلياً يتمثل فى إعداد البحوث والمراجع العملية واستخلاص الأحكام وتحضير صحف الدعاوى ومستنداتها؛ وكان رفض قيده بجدول المحامين تحت التمرين لتجاوزه الخمسين عاما عند تقديم طلب القيد، يعنى أن تنغلق فى وجهه – وبصفة نهائية – فرص مزاولة مهنة المحاماة، ليرتد عبئاً على الدولة تُعينه – من خلال التأمين الاجتماعى – وفى حدود إمكاناتها، وطاقة عاطلة يمزقها القهر وتميل معها النفس إلى العدوان والضيق بمجتمعها؛ وكان النص المطعون فيه قد أقام تمييزاً لا يستند إلى أسس موضوعية بين الذين بلغوا الخمسين من العمر عند طلبهم القيد بجدول المحامين تحت التمرين، وبين من جاوزوها، كافلاً للأولين دون الآخرين حق العمل ونصيباً فى الناتج القومى يكون عائداً إلى عملهم؛ فإن هذا التمييز لا يكون مقبولاً دستورياً، ذلك أن صور التمييز التى تناهض مبدأ المساواة أمام القانون، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تفضيل أو تقييد أو استبعاد ينال اعتسافاً من الحقوق التى كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه يتمحض عن قاعدة مجردة لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها، بل تكفل مساواتهم فى فرص القيد التى أتاحها وكذلك تلك التى حجبتها، مردود بأن إعمال مبدأ المساواة أمام القانون، رهن بتوافر الشروط الموضوعية التى يحدد المشرع على ضوئها، المراكز القانونية التى يتكافأ بها أصحابها أمام القانون، على أن يكون مفهوماً أن موضوعية هذه الشروط، مرجعها إلى اتصال النصوص التى تقتضيها بالحقوق التى تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلا بها من خلال تعلقها بطبيعة هذه الحقوق ومتطلباتها فى مجال ممارستها. ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجريدها – وإن كان لازما لإنفاذ أحكامها – إلا أن التمييز التشريعى المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
وحيث إن الحق فى التعبير عن الآراء على اختلافها، وثيق الصلة بالحق فى الاجتماع، بل أن الحرية ذاتها لن تظفر بدونهما بالضمان الحاسم لحمايتها، ويتعين أن تنظر المحكمة الدستورية العليا بطريقة صارمة إلى القيود التى قد يفرضها المشرع على حرية الاجتماع، باعتبار أن من يضمهم تنظيم معين، إنما يدافعون فيه – باجتماعهم معاً – عن آرائهم ومعتقداتهم أياً كانت طبيعتها. ومع أن القيود التى تفوض حرية الاجتماع المنصوص عليه فى المادة 54 من الدستور، قد لا يكون المشرع قد قصد إليها، إلا أن آثارها العملية هى التى يجب أن تخضعها هذه المحكمة لرقابتها، بما مؤداه أن الحق فى تكوين تنظيم نقابي، فرع من حرية الاجتماع، وكلما كان الانضمام إلى النقابة بذاتها معلقاً على شرط لا يتصل منطقياً بطبيعة المهام التى تقوم عليها، فإن إعمال هذا الشرط يكون معطلاً حق النفاذ إليها، وحائلاً دون مباشرة المؤهلين لعضويتها لحق الاجتماع فى إطارها، وهو حق يوفر لكل عضو من أعضائها – وانطلاقاً من الديمقراطية النقابية – الفرص ذاتها – التى يؤثر من خلالها – متكافئاً فى ذلك مع غيره ممن انضموا إليها – فى إدارة شئونها واتخاذ قراراتها، ومراقبة نشاطها بطريق مباشر أو غير مباشر.
وحيث إنه متى كان ذلك – وكان شرط السن المقرر بالنص المطعون فيه، مؤداه حرمان المدعى – وعلى غير أسس موضوعية – من الانضمام إلى نقابة هو مؤهل لعضويتها وفقاً للشروط التى بينتها المادة 13 من قانون المحاماة للقيد فى الجدول العام، فإن حكم هذا النص، يكون غريباً عنها، مجافياً لجوهر رسالتها، وحائلاً دون الانضمام إليها، وهادماً لحق العمل، معطلاً آثاره، مناقضاً مبدأ المساواة أمام القانون، ومخالفا بالتالى للمواد 13 و25 و40 و47 و54 و56 من الدستور.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون المحاماه، الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، والزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية