الخط الساخن : 01118881009
جلسة 1 مارس 1997
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض. وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم (28)
القضية رقم 74 لسنة 17 ق “دستورية”
1- دعوى دستورية “مناط المصلحة الشخصية المباشرة”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2- تشريع “القانون رقم 462 لسنة 1955” – أحوال شخصية للمصريين غير المسلمين
فيما عدا الدائرة المحدودة التي وحد المشرع في نطاقها القواعد الموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم – كتلك المتعلقة بمواريثهم ووصاياهم وأهليتهم – فإن المصريين غير المسلمين لا يحتكمون لغير شرائعهم الدينية بالشروط المحددة في القانون رقم 462 لسنة 1955.
3- تشريع “لائحة الأقباط الأرثوذكس”.
القواعد التي احتوتها لائحة الأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام في 9/ 5/ 1938 تعتبر – وفقاً للمادة 6/ 2 من القانون رقم 462 لسنة 1955 – شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية – اعتبارها في مرتبة القواعد القانونية – خضوعها للرقابة الدستورية.
4- دستور “المادة 2” – شريعة إسلامية – تشريع “لائحة الأقباط الأرثوذكس”.
اعتباراً من تاريخ تعديل المادة 2 من الدستور في 22/ 5/ 1980 تتقيد السلطة التشريعية – فيما تقره النصوص القانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية – عدم امتداد الرقابة على الشرعية الدستورية في مجال تطبيق المادة 2 هذه لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها – المادة 139 من لائحة الأقباط الأرثوذكس صادرة قبل هذا التعديل فلا تمتد إليها الرقابة وفقاً للمادة 2.
5- حضانة “سن: تحديده”.
الحضانة في أصل شرعتها – هي ولاية لتربية الصغير وضمان رعايته – الأصل في الحضانة هو مصلحة الصغير – لا تقيم الشريعة الإسلامية في مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها ولا شريعة غير المسلمين من الأقباط الأرثوذكس لسن الحضانة تخوماً غير جائز تجاوزها – من المتعين أن يتحدد مدى الحضانة بما يكفل مصلحة الصغير.
6- دستور “أسرة: صونها”.
الدستور في إطار المقومات الأساسية للمجتمع التي تنتظم المصريين جميعاً – أورد أحكاماً رئيسية ترعى الأسرة المصرية – دلالته من خلالها على أن الحق في تكوين أسرة لا ينفصل عن الحق في صونها وعدم تفريقها – وتحملها مسئوليتها عن بنيها صحياً وتعليمياً وتربوياً – الأسرة في توجهاتها لا تعمل بعيداً عن الدين ولا عن الأخلاق أو الوطنية.
7- حضانة “سن” – تشريع “المادة 20/ 1 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1985”.
مدة حضانة الصغير أو الصغيرة قوام بين أمرين: ألا يكون قصرها نافياً عن حضانتهم متطلباتهم من الصون أو التقويم، ولا امتدادها مجاوزاً تلك الحدود التي تتوازن بها حضانتهم مع مصلحة أبيهم في أن يباشر عليهم إشرافاً – اعتدال مدة الحضانة هو ما نحاه المشرع بالنص المشار إليه من أن حضانة النساء تنتهي ببلوغ الصغير عشر سنوات والصغيرة اثنتي عشرة سنة، جواز الحكم ببقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج في يد الحاضنة بدون أجر إذا اقتضت مصلحتهما ذلك.
8- حضانة “سن: مساواة”.
من غير الجائز أن يمايز المشرع في تحديد سن الحضانة بين المصريين تبعاً لديانتهم – الصغير والصغيرة، في شأن حضانتهما، يحتاجان معاً لخدمة النساء وفقاً لقواعد موحدة لا تمييز فيها – الأسرة القبطية هي ذاتها الأسرة المسلمة.
9- حق التقاضي “مساواة”.
عدم جواز التمييز فيما بين الأفراد في مجال حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي – وجوب أن يكون للحقوق ذاتها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن في الأحكام الصادرة فصلاً فيها.
10- تشريع “المادة 139 من لائحة الأقباط الأرثوذكس: مساواة”.
حرمان المحضون وحاضنته وفقاً لهذا النص من حقين جوهريين كفلهما الدستور هما:
أ) مساواة صغارها بالمحضونين من المسلمين.
ب) حق الحاضنة في أن تطلب من القاضي امتداد المدة الأصلية للحضانة وفقاً لما هو مقرر بالنسبة للمحضونين المسلمين.
1- إن المصلحة المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. متى كان ذلك وكانت المادة 139 المطعون عليها هي التي تحول بذاتها دون المدعية وبقاء صغيرها في حضانتها، فإن طلبها إبطالها والرجوع إلى القواعد التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في هذا الشأن، يكون كافلاً مصلحتها الشخصية المباشرة.
2- إن المجالس الملية هي التي كان لها اختصاص الفصل في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وكان تطبيقها لشرائعهم الدينية مقارناً لاختصاصها بالفصل في نزاعاتهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية، فلا يكون قانونها الموضوعي إلا قانوناً دينياً. وظل هذا الاختصاص ثابتاً لهذه المجالس إلى أن صدر القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، فقد قضى هذا القانون في مادته الأولى بأن تلغى المحاكم الشرعية والملية ابتداءً من 1/ 1/ 1956، على أن تحال الدعاوى التي كانت منظورة أمامها حتى 31/ 12/ 1955، إلى المحاكم الوطنية لاستمرار نظرها وفقاً لأحكام قانون المرافعات.
ولئن وحد هذا القانون بذلك جهة القضاء التي عهد إليها بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم، فحصرها – وأياً كانت ديانتهم – في جهة القضاء الوطني، إلا أن القواعد الموضوعية التي ينبغي تطبيقها على منازعاتهم في شئون أحوالهم الشخصية، لا تزال غير موحدة، رغم تشتتها وبعثرتها بين مظان وجودها وغموض بعضها أحياناً. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 6 من هذا القانون تقضي بأن تصدر الأحكام في منازعات الأحوال الشخصية التي كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر بنص المادة 280من لائحة ترتيبها. وتنص فقرتها الثانية على أنه فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، الذين تتحد طائفتهم وملتهم، وتكون لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون، فإن الفصل فيها يتم – في نطاق النظام العام – طبقاً لشريعتهم.
إن ما تقدم مؤداه، أنه فيما عدا الدائرة المحدودة التي وحد المشرع في نطاقها القواعد الموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم – كتلك التي تتعلق بمواريثهم ووصاياهم وأهليتهم – فإن المصريين غير المسلمين لا يحتكمون لغير شرائعهم الدينية بالشروط التي حددها القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه، بل إن المادة 7 من هذا القانون تنص على أن تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى أثناء سير الدعوى، لا يؤثر في تطبيق الفقرة الثانية من المادة 6 من هذا القانون، ما لم يكن التغيير إلى الإسلام.
3- إن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين – وفي إطار القواعد الموضوعية التي تنظمها – إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها؛ فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها في مختلف مظاهر سلوكهم. ويندرج تحتها – وفي نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في 9 مايو 1938، والتي عمل بها اعتباراً من 8 يوليه 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها لائحتهم هذه – وعلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه – شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
4- قضاء هذه المحكمة مطرد على أن المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها في 22 مايو 1980 – يدل على أن الدستور – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها – فيما تقره من النصوص القانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، إذ هي جوهر بنيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها، بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها. ولا كذلك نص المادة 139 المطعون عليها، إذ أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة على الدستورية، أياً كان وجه الرأي في اتفاقها أو تعارضها مع الأصول الكلية للشريعة الإسلامية.
5- إن الحضانة – في أصل شرعتها – هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهي تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التي لها الحق في تربيته – إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه، وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها – وهي أشفق عليه وأوثق اتصالاً به، وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً – مظلمة للصغير إبان الفترة الدقيقة التي لا يستقل فيها بأموره، والتي لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى مؤتمن، يأكل من نفقته، ويطعمه نزراً، أو ينظر إليه شزراً. ولا تقيم الشريعة الإسلامية – في مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها – ولا شريعة غير المسلمين من الأقباط الأرثوذكس – التي حدد الإنجيل المقدس ملامحها الرئيسية – لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها – انطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها، وأن تطرق الخلل إليها – ولو في بعض جوانبها – مدعاة لضياع الولد، ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون كافلاً لمصلحته، وأدعى لدفع المضرة عنه، وعلى تقدير أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير، وإنما يتداخل فيها حق من ترعاه ويعهد إليها بأمره.
6- إن الدستور – وفي إطار المقومات الأساسية للمجتمع التي تنتظم المصريين جميعاً، فلا يتوجهون ليغرها أو ينعزلون عنها – قد أورد أحكاماً رئيسية ترعى الأسرة المصرية سواء في خصائصها، أو على صعيد الأفراد الذين يكونونها – هي تلك التي فصلتها المواد 9 و10 و11 و12 من الدستور، وقد دل بها على أن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل عن الحق في صونها على امتداد مراحل بقائها، لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً في ترابطها، أو في القيم والتقاليد التي تنصهر فيها، بل يزكيها كافلاً لبنيها تراحماً أوثق، ولأطفالها أشرابهم مبادئها، ومعاونتهم على صون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها، وكذلك اختيار أنماط من الحياة يتعايشون معها، فلا تتفرق الأسرة التي تضمهم وهي بنيان مجتمعهم – ولا تتنصل من واجباتها قبلهم، بل تتحمل مسئوليتها عنهم صحياً وتعليمياً وتربوياً.
بل إن الأسرة في توجهاتها لا تعمل بعيداً عن الدين ولا عن الأخلاق أو الوطنية، ولكنها تنميها – وعلى ضوء أعمق مستوياتها وأجلها شأناً – من خلال روافد لا انقطاع لجريانها، يتصدرها إرساء أمومتها وطفولتها بما يحفظها ويرعاها، والتوفيق بين عمل المرأة في مجتمعها وواجباتها في نطاق أسرتها، وبمراعاة طابعها الأصيل بوصفها الوحدة الأولى التي تصون لمجتمعها تلك القيم والتقاليد التي يؤمن بها، تثبيتاً لها وتمكيناً منها.
7- الأسرة المصرية لا يصلحها اختيار سن للحضانة لا يكون محدداً وفقاً لتغير الزمان والمكان. ولا يقيمها كذلك انتزاع الصغير أو الصغيرة من حاضنته إعناتاً أو ترويعاً، أو إغفال الفروق الجوهرية بين المحضونين تبعاً لذكورتهم وأنوثتهم، وخصائص تكوينهم التي تتحدد على ضوئها درجة احتياجهم إلى من يقومون على تربيتهم وتقويمهم ووقايتهم مما يؤذيهم، وكذلك إعدادهم لحياة أفضل ينخرطون فيها بعد تهيئتهم لمسئوليتها؛ وكان تعهد المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – بما يحول دون الإضرار بهما، مؤداه أن يكون لحضانتهما سن تكفل الخير لهما في إطار من الحق والعدل. وشرط ذلك اعتدالها، فلا يكون قصرها نافياً عن حضانتهم متطلباتها من الصون والتقويم وعلى الأخص من الناحيتين النفسية والعقلية، ولا امتدادها مجاوزاً تلك الحدود التي تتوازن بها حضانتهم مع مصلحة أبيهم في أن يباشر إشرافاً عليهم، بل تكون مدة حضانتهم بين هذين الأمرين قواماً، وهو ما نحاه المشرع بالفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بالقانون رقم 25 لسنة 1929- بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1985 – من أن حق حضانة النساء ينتهي ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة اثنتي عشرة سنة. ويجوز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج في يد الحاضنة – ودون أجر حضانة – إذ تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
8- إن تحديد سن الحضانة على النحو المتقدم، وإن تعلق بالمسلمين من المصريين، إلا أن هذا التحديد أوثق اتصالاً بمصلحة الصغير والصغيرة اللذين تضمهما أسرة واحدة وإن تفرق أبواها. ولا يجوز في مسألة لا يتعلق فيها تحديد هذه السن بأصول العقيدة وجوهر أحكامها، أن يمايز المشرع في مجال ضبطها بين المصريين تبعاً لديانتهم، ذلك أن الأصل هو مساواتهم قانوناً ضماناً لتكافؤ الحماية التي يكفلها الدستور أو المشرع لجموعهم، سواء في مجال الحقوق التي يتمتعون بها أو على صعيد واجباتهم. والصغير والصغيرة – في شأن حضانتهما – يحتاجان معاً لخدمة النساء وفقاً لقواعد موحدة لا تمييز فيها. والأسرة القبطية هي ذاتها الأسرة المسلمة، فيما خلا الأصول لعقيدة كل منهما، وتظلهم بالتالي القيم والتقاليد عينها. وإلى مجتمعهم يفيئون، فلا يكون تقيدهم بالأسس التي يقوم عليها – في مقوماتها وخصائصها إلا تعبيراً عن انتمائهم إلى هذا الوطن واندماجهم فيه، تربوياً، وخلقياً ودينياً. وما الدين الحق إلا رحمة للعالمين.
وكلما كفل المشرع لبعض أبناء الوطن الواحد حقوقاً حجبها عن سواهم على غير أسس موضوعية، كان معمقاً في وجدانهم وعقولهم اعتقاداً أو شعوراً بأنهم أقل شأناً من غيرهم من المواطنين.
9- إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي؛ ولا في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها؛ ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور للحقوق التي يطلبونها؛ ولا في اقتضائها وفق مقاييس واحدة عند توافر شروط طلبها؛ ولا في طرق الطعن التي تنتظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو الطعن في الأحكام الصادرة فصلاً فيها. ولا يجوز بالتالي أن يعطل المشرع إعمال هذه القواعد في شأن فئة بذاتها من المواطنين؛ ولا أن يقلص دور الخصومة القضائية التي يعتبر ضمان الحق فيها، والنفاذ إليها، طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور؛ ولا أن يجرد هذه الخصومة من الترضية القضائية التي يعتبر إهدارها أو تهوينها، إخلالاً بالحماية التي يكفلها الدستور للحقوق جميعها.
10- إن النص المطعون فيه، إذ قضى بأن بلوغ الصبي سبع سنين والصبية تسعاً، مؤداه انتهاء حضانتهما، ووجوب تسليمهما فور انقضاء مدتها إلى أبيهما، فإن لم يوجد، فللولي على نفسيهما. فإن لم يوجد، ظلا عند حاضنتهما إلى أن يقرر المجلس الملي من يكون أولى منها باستلامهما، فإنه بذلك يكون قد حرم المحضون وحاضنته من حقين جوهريين كفلهما الدستور:
أولهما: مساواة صغارها بالمحضونين من المسلمين الذين لا تنتهي حضانتهم وفقاً لقانون أحوالهم الشخصية إلا ببلوغ الصغير عشر سنين والصغيرة اثنتي عشرة سنة.
ثانيهما: حق الحاضنة في أن تطلب من القاضي – وبعد انقضاء المدة الأصلية للحضانة – أن يظل الصغير تحت يدها حتى الخامسة عشرة، والصغيرة حتى تتزوج، إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
ولئن كان الحق الأول يستمد وجوده مباشرة من نص القانون، إلا أن النفاذ إلى ثانيهما لا يكون إلا من خلال حق التقاضي. فإذا صادره المشرع، كان ذلك منه إنكاراً للعدالة في أخص مقوماتها، ونكولاً عن الخضوع للقانون.
الإجراءات
بتاريخ التاسع عشر من شهر نوفمبر 1995، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة 139 من لائحة الأقباط الأرثوذكس لسنة 1938.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة فوضت فيها الرأي للمحكمة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقدم كل من المدعى عليه الرابع والخامس مذكرة بوجهة نظره.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعى عليه في الدعوى الراهنة – كان قد أقام ضد المدعية الدعوى رقم 763 لسنة 1995 أمام محكمة حلوان الجزئية للأحوال الشخصية (الدائرة الملية) طالباً في صحيفتها الحكم بإلزامها بأن ترفع يدها عن حضانتها لابنها منه “ماثيو نبيل” على سند من القول بأن الصغير بلغ السابعة من عمره، وهي أقصى سنة للحضانة عملاً بنص المادة 139 من لائحة الأقباط الأرثوذكس العام 1938، الواجب تطبيقها على طرفي التداعي – المتحدين ملة ومذهباً باعتبارها شريعتهما.
وبجلسة 24/ 10/ 1995، دفع وكيل المدعية بعدم دستورية هذا النص. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد أجلت نظر الدعوى لجلسة 28/ 11/ 1995 لتتخذ المدعية إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقامت دعواها الماثلة.
وحيث إن المادة 139 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي العام – والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938 – تقضي في فقرتها الأولى بأن تنتهي الحضانة ببلوغ الصبي سبع سنين، وبلوغ الصبية تسع سنين، وحينئذ يسلم الصغير إلى أبيه، أو عند عدمه إلى من له الولاية على نفسه. وفي فقرتها الثانية بأنه إذا لم يكن للصغير ولي، يترك عند الحاضنة إلى أن يرى المجلس من هو أولى منها باستلامه.
وحيث إن المدعية تنعي على هذه المادة، إخلالها بأحكام المواد 2، 10، 40 من الدستور وذلك من عدة أوجه.
أولها: أن قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، تطبق على المصريين جميعهم أياً كانت ديانتهم جميعاً قواعد موحدة في شأن المواريث ونظم النفقات والطاعة. وتقرير سن للحضانة بما يرعى مصالح الصغير من الأمور التنظيمية التي لا تناقض الشريعة المسيحية في جوهر أحكامها وأساس بنيانها، بل إن الشريعتين تدوران معاً حول رعاية النشء وإسعاده.
ثانيها: أن الدستور نص في مادته العاشرة، على أن تكفل الدول حماية الأمومة والطفولة وترعى النشء، وتوفر لهم ظروفاً مناسبة لتنمية ملكاتهم. وقد جاء النص المطعون فيه مجافياً للرعاية التي تطلبها الدستور للطفولة، وحال كذلك بين الصغير وتنمية ملكاته النفسية والوجدانية بعد أن انتزعه في سن مبكرة من حضانة أمه، مفتتاً بذلك شخصيته، ومضيعاً لوجوده.
ثالثها: أن النص المطعون فيه انطوى كذلك على تفرقة بين أبناء الوطن. فالصغار لزوجين مسيحيين متحدي الملة والطائفة، ينتزعون من أمهم من سن السابعة، ولو كانت مصلحتهم تقتضي بقاءهم تحت يدها، في الوقت الذي يظل فيه الصغير المسلم في حجر أمه وحضانتها حتى الخامسة عشرة من عمره. كذلك تنتزع الصغيرة المسيحية من أمها في التاسعة، رغم أن الصغيرة المسلمة قد تظل في حضانة أمها حتى تتزوج. والتمييز بين أبناء الوطن الواحد على غير أسس منطقية، يعتبر تمييزاً تحكمياً منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه بتاريخ 18/ 6/ 1996 أودع غبطة البابا شنودة الثالث بطريك الأقباط الأرثوذكس مذكرة أشار فيها إلى ما يأتي:
1- أن نصوصاً قاطعة الثبوت والدلالة تحكم الأقباط الأرثوذكس في مسائل أحوالهم الشخصية، من بينها شريعة الزوجة الواحدة، ولا طلاق إلا لعلة الزنا، وتلك مسائل حسمتها آيات ثابتة في الإنجيل المقدس.
2- أن الزواج وآثاره لا ينظمها، ولا ينبغي أن يحكمها إلا شريعة العقد فيما لا يتعارض مع آيات الإنجيل المقدس نصاً ودلالة، فعقد الزواج ما شرع إلا لإثبات ما تم من طقس – هو صلاة الإكليل في أحضان الكنيسة وتحت إشرافها وسيطرتها، والذي بدونه لا ينعقد الزواج أصلاً.
3- أن ما ورد بشأنه نص في آيات الإنجيل المقدس، وما جاء بعقد الزواج، سواء نص عليه أو لم ينظم في لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – النافذة اعتباراً من الثامن من يوليه 1938 – هي أمور لا محل للاجتهاد بشأنها حتى من القائمين على الكنيسة.
4- وبالنسبة إلى مسألة تحديد سن الحضانة على ضوء ما نصت عليه المادة 139 من اللائحة، أوضح غبطة البابا ما يأتي:
أولاً: أنه لم يرد نص في الإنجيل المقدس ينظم هذه المسألة.
ثانياً: أن مسألة تحديد سن حضانة الأطفال مسألة تحكمها ظروف المجتمع من نواح عدة.
ثالثاً: أن تحدد سن للحضانة يحكم كل أبناء الوطن الواحد، أمر أقرب إلى الواقع، ويتفق مع الاعتبارات العلمية والعملية، فضلاً عن أنه لا يخالف نصاً حسبما سبق بيانه.
رابعاً: أنه لا مانع لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من تحديد سن حضانة الأطفال بالنسبة إلى جميع المصريين، توكيداً لقاعدة المساواة بينهم، وبمراعاة أن بقاء الحاضنة على دينها الذي كانت تدين به وقت ولادة الأطفال، يعتبر من الشروط الجوهرية لاستمرار الحضانة.
وحيث إن المدعى عليه الخامس قدم مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الدعوى تأسيساً على أن النصوص الآمرة التي تضمنتها اللائحة المطعون عليها، صدرت قبل تعديل نص المادة الثانية من الدستور ولا يتأتى إعمالها في شأن تشريع سابق على تعديلها، هذا فضلاً عن أن حكمها ليس وجوبياً، بل يجوز للمشرع وفقاً لها استمداد القواعد الموضوعية التي ينظم بها حقوق المواطنين، من غير الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، وعلى ضوء ما يراه أكثر ملاءمة لمقتضى الحال. ولا ينافي هذه الشريعة أو يقوض أسسها ما تقرر بالنص المطعون عليه في شأن الحد الأقصى لسن الحضانة، بل إن الشريعة الإسلامية ذاتها تخول أهل الذمة الاحتكام إلى شرائعهم الدينية، ومن بينها لائحة الأقباط الأرثوذكس المطعون علي أحد نصوصها، والتي تعتبر أحكامها من القواعد الآمرة التي لا تجوز مخالفتها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها. متى كان ذلك وكانت المادة 139 المطعون عليها هي التي تحول بذاتها دون المدعية وبقاء صغيرها في حضانتها، فإن طلبها إبطالها والرجوع إلى القواعد التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في هذا الشأن، يكون كافلاً مصلحتها الشخصية المباشرة.
وحيث إن تحديد ما يدخل في نطاق مسائل الأحوال الشخصية – وفي مجال التمييز بينها وبين الأحوال العينية – وإن ظل أمراً مختلفاً عليه، إلا أن عقد الزواج والطلاق وآثارهما يندرجان تحتها، لتدخل حضانة صغار المطلق من زوجته في نطاق هذه المسائل، فتحكمها قواعدها.
وحيث إن المجالس الملية هي التي كان لها اختصاص الفصل في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وكان تطبيقها لشرائعهم الدينية مقارناً لاختصاصها بالفصل في نزاعاتهم المتعلقة بأحوالهم الشخصية، فلا يكون قانونها الموضوعي إلا قانوناً دينياً. وظل هذا الاختصاص ثابتاً لهذه المجالس إلى أن صدر القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية، فقد قضى هذا القانون في مادته الأولى بأن تلغى المحاكم الشرعية والملية ابتداء من 1/ 1/ 1956، على أن تحال الدعاوى التي كانت منظورة أمامها حتى 31/ 12/ 1955، إلى المحاكم الوطنية لاستمرار نظرها وفقاً لأحكام قانون المرافعات.
ولئن وحد هذا القانون بذلك جهة القضاء التي عهد إليها بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم، فحصرها – وأياً كانت ديانتهم – في جهة القضاء الوطني، إلا أن القواعد الموضوعية التي ينبغي تطبيقها على منازعاتهم في شئون أحوالهم الشخصية، لا تزال غير موحدة، رغم تشتتها وبعثرتها بين مظان وجودها وغموض بعضها أحياناً. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 6 من هذا القانون تقضي بأن تصدر الأحكام في منازعات الأحوال الشخصية التي كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر بنص المادة 280من لائحة ترتيبها. وتنص فقرتها الثانية على أنه فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، الذين تتحد طائفتهم وملتهم، وتكون لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون، فإن الفصل فيها يتم – في نطاق النظام العام – طبقاً لشريعتهم.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أنه فيما عدا الدائرة المحدودة التي وحد المشرع في نطاقها القواعد الموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين جميعهم – كتلك التي تتعلق بمواريثهم ووصاياهم وأهليتهم – فإن المصريين غير المسلمين لا يحتكمون لغير شرائعهم الدينية بالشروط التي حددها القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه، بل إن المادة 7 من هذا القانون تنص على أن تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى أثناء سير الدعوى، لا يؤثر في تطبيق الفقرة الثانية من المادة 6 من هذا القانون، ما لم يكن التغيير إلى الإسلام.
وحيث إن المشرع وقد أحال في شأن الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين – وفي إطار القواعد الموضوعية التي تنظمها – إلى شرائعهم مستلزماً تطبيقها دون غيرها في كل ما يتصل بها؛ فإن المشرع يكون قد ارتقى بالقواعد التي تتضمنها هذه الشرائع، إلى مرتبة القواعد القانونية التي ينضبط بها المخاطبون بأحكامها، فلا يحيدون عنها في مختلف مظاهر سلوكهم. ويندرج تحتها – وفي نطاق الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس – لائحتهم التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في 9 مايو 1938، والتي عمل بها اعتباراً من 8 يوليه 1938، إذ تعتبر القواعد التي احتوتها لائحتهم هذه – وعلى ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 6 من القانون رقم 462 لسنة 1955 المشار إليه – شريعتهم التي تنظم أصلاً مسائل أحوالهم الشخصية، بما مؤداه خضوعها للرقابة الدستورية التي تتولاها هذه المحكمة.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة نص المادة 139 المطعون عليها للمادة الثانية من الدستور، مردود بأن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن حكم هذه المادة – بعد تعديلها في 22 مايو 1980 – يدل على أن الدستور – واعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها – فيما تقره من النصوص القانونية – بمراعاة الأصول الكلية للشريعة الإسلامية، إذ هي جوهر بنيانها وركيزتها، وقد اعتبرها الدستور أصلاً ينبغي أن ترد إليه هذه النصوص، فلا تتنافر مع مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها، وإن لم يكن لازماً استمداد تلك النصوص مباشرة منها، بل يكفيها ألا تعارضها، ودون ما إخلال بالقيود الأخرى التي فرضها الدستور على السلطة التشريعية في ممارستها لاختصاصاتها الدستورية. ومن ثم لا تمتد الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال تطبيقها للمادة الثانية من الدستور، لغير النصوص القانونية الصادرة بعد تعديلها. ولا كذلك نص المادة 139 المطعون عليها، إذ أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس، وعمل بها قبل تعديل المادة الثانية من الدستور، فلا تتناولها الرقابة على الدستورية، أياً كان وجه الرأي في اتفاقها أو تعارضها مع الأصول الكلية للشريعة الإسلامية.
وحيث إن الحضانة – في أصل شرعتها – هي ولاية للتربية غايتها الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه في الفترة الأولى من حياته. والأصل فيها هو مصلحة الصغير، وهي تتحقق بأن تضمه الحاضنة – التي لها الحق في تربيته – إلى جناحها باعتبارها أحفظ عليه، وأحرص على توجيهه وصيانته، ولأن انتزاعه منها – وهي أشفق عليه وأوثق اتصالاً به، وأكثر معرفة بما يلزمه وأوفر صبراً – مظلمة للصغير إبان الفترة الدقيقة التي لا يستقل فيها بأموره، والتي لا يجوز خلالها أن يعهد به إلى مؤتمن، يأكل من نفقته، ويطعمه نزراً، أو ينظر إليه شزرا. ولا تقيم الشريعة الإسلامية – في مبادئها المقطوع بثبوتها ودلالتها – ولا شريعة غير المسلمين من الأقباط الأرثوذكس – التي حدد الإنجيل المقدس ملامحها الرئيسية – لسن الحضانة تخوماً لا يجوز تجاوزها – انطلاقاً من أن تربية الصغير مسألة لها خطرها، وأن تطرق الخلل إليها – ولو في بعض جوانبها – مدعاة لضياع الولد، ومن ثم تعين أن يتحدد مداها بما يكون كافلاً لمصلحته، وأدعى لدفع المضرة عنه، وعلى تقدير أن مدار الحضانة على نفع المحضون، وأن رعايته مقدمة على أية مصلحة لغيره، حتى عند من يقولون بأن الحضانة لا تتمحض عن حق للصغير، وإنما يتداخل فيها حق من ترعاه ويعهد إليها بأمره.
وحيث إن الدستور – وفي إطار المقومات الأساسية للمجتمع التي تنتظم المصريين جميعاً، فلا يتوجهون لغيرها أو ينعزلون عنها – قد أورد أحكاماً رئيسية ترعى الأسرة المصرية سواء في خصائصها، أو على صعيد الأفراد الذين يكونونها – هي تلك التي فصلتها المواد 9 و10 و11 و12 من الدستور، وقد دل بها على أن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل عن الحق في صونها على امتداد مراحل بقائها، لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً في ترابطها، أو في القيم والتقاليد التي تنصهر فيها، بل يزكيها كافلاً لبنيها تراحماً أوثق، ولأطفالها أشرابهم مبادئها، ومعاونتهم على صون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها، وكذلك اختيار أنماط من الحياة يتعايشون معها، فلا تتفرق الأسرة التي تضمهم وهي بنيان مجتمعهم – ولا تتنصل من واجباتها قبلهم، بل تتحمل مسئوليتها عنهم صحياً وتعليمياً وتربوياً.
بل إن الأسرة في توجهاتها لا تعمل بعيداً عن الدين ولا عن الأخلاق أو الوطنية، ولكنها تنميها – وعلى ضوء أعمق مستوياتها وأجلها شأناً – من خلال روافد لا انقطاع لجريانها، يتصدرها إرساء أمومتها وطفولتها بما يحفظها ويرعاها، والتوفيق بين عمل المرأة في مجتمعها وواجباتها في نطاق أسرتها، وبمراعاة طابعها الأصيل بوصفها الوحدة الأولى التي تصون لمجتمعها تلك القيم والتقاليد التي يؤمن بها، تثبيتاً لها وتمكيناً منها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت الأسرة المصرية لا يصلحها اختيار سن للحضانة لا يكون محدداً وفقاً لتغير الزمان والمكان. ولا يقيمها كذلك انتزاع الصغير أو الصغيرة من حاضنته إعناتاً أو ترويعاً، أو إغفال الفروق الجوهرية بين المحضونين تبعاً لذكورتهم وأنوثتهم، وخصائص تكوينهم التي تتحدد على ضوئها درجة احتياجهم إلى من يقومون على تربيتهم وتقويمهم ووقايتهم مما يؤذيهم، وكذلك إعدادهم لحياة أفضل ينخرطون فيها بعد تهيئتهم لمسئوليتها؛ وكان تعهد المحضون – صغيراً كان أم صغيرة – بما يحول دون الإضرار بهما، مؤداه أن يكون لحضانتهما سن تكفل الخير لهما في إطار من الحق والعدل. وشرط ذلك اعتدالها، فلا يكون قصرها نافياً عن حضانتهم متطلباتها من الصون والتقويم على الأخص من الناحيتين النفسية والعقلية، ولا امتدادها مجاوزاً تلك الحدود التي تتوازن بها حضانتهم مع مصلحة أبيهم في أن يباشر إشرافاً عليهم، بل تكون مدة حضانتهم بين هذين الأمرين قواماً، وهو ما نحاه المشرع بالفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بالقانون رقم 25 لسنة 1929- بعد تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1985 – من أن حق حضانة النساء ينتهي ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة اثنتي عشرة سنة. ويجوز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج في يد الحاضنة – ودون أجر حضانة – إذ تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
وحيث إن تحديد سن الحضانة على النحو المتقدم، وإن تعلق بالمسلمين من المصريين، إلا أن هذا التحديد أوثق اتصالاً بمصلحة الصغير والصغيرة اللذين تضمهما أسرة واحدة وإن تفرق أبواها. ولا يجوز في مسألة لا يتعلق فيها تحديد هذه السن بأصول العقيدة وجوهر أحكامها، أن يمايز المشرع في مجال ضبطها بين المصريين تبعاً لديانتهم، ذلك أن الأصل هو مساواتهم قانوناً ضماناً لتكافؤ الحماية التي يكفلها الدستور أو المشرع لجموعهم، سواء في مجال الحقوق التي يتمتعون بها أو على صعيد واجباتهم. والصغير والصغيرة – في شأن حضانتهما – يحتاجان معاً لخدمة النساء وفقاً لقواعد موحدة لا تمييز فيها. والأسرة القبطية هي ذاتها الأسرة المسلمة، فيما خلا الأصول لعقيدة كل منهما، وتظلهم بالتالي القيم والتقاليد عينها. وإلى مجتمعهم يفيئون، فلا يكون تقيدهم بالأسس التي يقوم عليها – في مقوماتها وخصائصها إلا تعبيراً عن انتمائهم إلى هذا الوطن واندماجهم فيه، تربوياً وخلقياً ودينياً. وما الدين الحق إلا رحمة للعالمين.
وكلما كفل المشرع لبعض أبناء الوطن الواحد حقوقاً حجبها عن سواهم على غير أسس موضوعية، كان معمقاً في وجدانهم وعقولهم اعتقاداً أو شعوراً بأنهم أقل شأناً من غيرهم من المواطنين.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك، على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي؛ ولا في نطاق القواعد الموضوعية والإجرائية التي تحكم الخصومة عينها؛ ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور للحقوق التي يطلبونها؛ ولا في اقتضائها وفق مقاييس واحدة عند توافر شروط طلبها؛ ولا في طرق الطعن التي تنتظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو الطعن في الأحكام الصادرة فصلاً فيها. ولا يجوز بالتالي أن يعطل المشرع إعمال هذه القواعد في شأن فئة بذاتها من المواطنين؛ ولا أن يقلص دور الخصومة القضائية التي يعتبر ضمان الحق فيها، والنفاذ إليها، طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور؛ ولا إن يجرد هذه الخصومة من الترضية القضائية التي يعتبر إهدارها أو تهوينها، إخلالاً بالحماية التي يكفلها الدستور للحقوق جميعها.
وحيث إن النص المطعون فيه، إذ قضى بأن بلوغ الصبي سبع سنين والصبية تسعاً، مؤداه انتهاء حضانتهما، ووجوب تسليمهما فور انقضاء مدتها إلى أبيهما، فإن لم يوجد، فللولي على نفسيهما. فإن لم يوجد، ظلا عند حاضنتهما إلى أن يقرر المجلس الملي من يكون أولى منها باستلامهما، فإنه بذلك يكون قد حرم المحضون وحاضنته من حقين جوهريين كفلهما الدستور:
أولهما: مساواة صغارها بالمحضونين من المسلمين الذين لا تنتهي حضانتهم وفقاً لقانون أحوالهم الشخصية إلا ببلوغ الصغير عشر سنين والصغيرة اثنتي عشرة سنة.
ثانيهما: حق الحاضنة في أن تطلب من القاضي – وبعد انقضاء المدة الأصلية للحضانة – أن يظل الصغير تحت يدها حتى الخامسة عشرة، والصغيرة حتى تتزوج، إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
ولئن كان الحق الأول يستمد وجوده مباشرة من نص القانون، إلا أن النفاذ إلى ثانيهما لا يكون إلا من خلال حق التقاضي. فإذا صادره المشرع، كان ذلك منه إنكاراً للعدالة في أخص مقوماتها، ونكولاً عن الخضوع للقانون.
وحيث إنه متى كان ذلك – فإن النص المطعون فيه، يكون مخالفاً لأحكام المواد 9 و10 و12 و40 و65 و68 و165 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 139 من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التي أقرها المجلس الملي بجلسته في 9 مايو 1938، والمعمول بها اعتباراً من 8 يوليو 1938، وألزمت الحكومة المصروفات.
استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم قضت المحكمة – خلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها – باعتبار الخصومة منتهية في الدعاوى المماثلة الآتية:
1- الدعوى رقم 69 لسنة 18 ق دستورية جلسة 5/ 4/ 1997.
2- الدعوى رقم 7 لسنة 18 ق دستورية جلسة 5/ 4/ 1997.
3- الدعوى رقم 45 لسنة 18 ق دستورية جلسة 5/ 4/ 1997.
4- الدعوى رقم 33 لسنة 18 ق دستورية جلسة 5/ 7/ 1997.
5- الدعوى رقم 134 لسنة 18 ق دستورية جلسة 7/ 2/ 1998.
6- الدعوى رقم 31 لسنة 19 ق دستورية جلسة 6/ 6/ 1998.
7- الدعوى رقم 92 لسنة 18 ق دستورية جلسة 5/ 7/ 1998.
وسوم : حكم دستورية