الخط الساخن : 01118881009
جلسة 12 فبراير سنة 1994
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
(القاعدة رقم 18)
القضية رقم 23 لسنة 14 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “الدفع بعدم الدستورية – جواز إثارته في أية مرحلة وأمام أية محكمة”.
الدفع بعدم الدستورية ليس من قبيل الدفوع الشكلية أو الموضوعية، ويتغيا مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور, ترجيحاً لها على ما عداها, مؤدى ذلك: جواز إثارة هذا الدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى, وأمام أية محكمة.
2 – دعوى دستورية “المصلحة فيها – مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية, بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 – دعوى دستورية “المصلحة فيها”.
لا مصلحة للمدعيين في الطعن على الفقرة الأولى من المادة 82 من قانون المحاماة التي تخول المحامي حق الحصول على أتعاب عن أعمال المحاماة التي قام بها, وكذلك الحق في أن ترد إليه المصروفات التي أنفقتها, ذلك أن وكالة المحامي عنهما لم تكن وكالة تطوعية كذلك فإن حجب المصروفات التي أنفقها عنه، يعتبر إفقاراً له بمقدارها، دون مسوغ من اتفاق أو نص في القانون.
4 – دعوى دستورية “المصلحة فيها”.
لا مصلحة للمدعين في الطعن على الفقرة الثانية من المادة 82 من قانون المحاماة، ذلك أن الأصل هو ألا يتقاضى المحامي أكثر من الأتعاب التي تم الاتفاق عليها, فإذا لم يكن ثمة اتفاق، أو كان الاتفاق قد تناول دعوى بذاتها, ولكن أعمالاً أخرى غير التي ورد الاتفاق بشأنها قد تفرعت عنها, فإن أتعاب المحامي في هاتين الحالتين تقدر على ضوء العناصر التي حددتها الفقرة الثالثة من المادة 82 المشار إليها. وهذه العناصر وحدها هي التي ينحصر نطاق الطعن فيها.
5 – دعوى دستورية “المصلحة فيها”.
لا مصلحة للمدعيين كذلك في الطعن على الفقرة الرابعة من المادة 82 من قانون المحاماة, ذلك أن ما تنص عليه من عدم جواز تقاضي المحامي – كأتعاب – حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها, إنما يتمحض عن ميزة تعود فائدتها عليهما.
6 – حق الدفاع “دستور”.
كفل الدستور في الفقرة الأولى من المادة 69 منه، حق الدفاع أصالة أو بالوكالة، ونص في الفقرة الثانية منها, على أن تكفل الدولة لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم، مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التي يُعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم. لا يجوز للسلطة التشريعية إهدار حق الدفاع أو تقليص محتواه.
7 – وكالة “توازن المصالح – معقولية أجر المحامي – حقيقة الأعمال”.
الوكالة من عقود القانون الخاص التي تتوازن فيها المصالح, من المتعين – بالتالي – أن يكون تقدير أجر المحامي عن الأعمال التي قام بها في إطار عقد الوكالة معقولاً غير مرهق للموكل في غير مقتض, وإلا كان تقديره تحكمياً، مجاوزاً الأسس الموضوعية التي يتعين أن يتحدد على ضوئها، توصلاً إلى تقديره دون زيادة أو نقصان. وعلى ذلك تكون حقيقة الأعمال التي قام بها المحامي, هي ذاتها مناطاً لتحديد أجره.
8 – وكالة “أتعاب المحامي: عناصر تقديره”.
من الضروري أن يقدر أجر المحامي بمراعاة كل العوامل التي تعين على تحديده تحديداً منصفاً, من هذه العوامل: حقيقة الجهد المبذول وزمنه، جدة المسائل التي قام المحامي ببحثها, ما اقتضاه تنفيذها من الخبرة والمهارة الفنية, ما إذا كان تنفيذ الأعمال الموكل بها قد حال دون مزاولته لأعمال أخرى, العرف, القيود الزمنية التي فرضها الموكل لإنجاز الوكالة, النتائج التي بلغها المحامي, مكانة المحامي, طبيعة العلاقة المهنية، الأتعاب المقررة في القضايا المماثلة, ما إذا كان المحامون يعرضون عادة عن قبول الدعوى التي وكل فيها بالنظر إلى ملابساتها.
9 – وكالة “الضابط العام في شأن عناصر تقدير أتعابها”.
العوامل الموضوعية وحدها هي التي يعتد بها في تقرير أتعاب المحامي.
10 – تشريع “نص المادة 82/ 3 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983″ مجاوزته الأسس المعقولة”.
إعتداد نص هذه الفقرة بملاءة الموكل كأحد عناصر تقدير أتعاب المحامي يجاوز الأسس المعقولة التي يتعين أن تتحدد الأتعاب على ضوئها، ذلك أن ثروة الموكل منقطعة الصلة بالأعمال التي باشرها الوكيل.
11 – تشريع “المادة 82/ 3 من قانون المحاماة – حد أدنى لأجر المحامي – مناقضته الأسس الموضوعية”.
ما قررته هذه الفقرة من أنه لا يجوز أن تقل أتعاب المحامي عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكلة في العمل موضوع طلب التقدير, يخرج بتقييم الأعمال التي باشرها عن الأسس الموضوعية التي يجب أن تكون قواماً لها.
12 – حق الملكية الخاصة “حماية الأموال جميعها”.
امتداد الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة 34 منه, إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء كان هذا الحق شخصياً، أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية.
13 – تشريع “المادة 82/ 3 من قانون المحاماة – مخالفة المادة 34 من الدستور”.
تعيين أجر المحامين على ضوء عنصرين غير موضوعيين – أحدهما ملاءة الموكل وثانيهما حد أدنى للتقدير – وهما منفصمان عن حقيقة الأعمال التي قام بها المحامي ولا يغلان بالتالي أية قيمة مالية يتصور معها أن يقعا عبئاً في مال المدين ولا أن يجردا ذمته المالية من بعض عناصرها الإيجابية، مخالفة المادة 82/ 3 من قانون المحاماة من هذه الناحية للمادة 34 من الدستور.
1 – جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن الشرعية الدستورية التي تقوم بمراقبة التقيد بها, غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية المطعون عليها أمامها مطابقة لأحكام الدستور. ذلك أن لهذه الشرعية – في موقعها من البنيان القانوني في الدولة – مقام الصدارة. وإنفاذها وبلوغ مقاصدها فرع من خضوع الدولة – بكافة تنظيماتها – للقانون والتزامها بمضمونه وفحواه. ولا يجوز بالتالي لأية محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي, إعمال نص تشريعي لازم للفصل في النزاع المعروض عليها إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية قوامها ظاهر الأمر في المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون انزلاق إلى أغوارها، ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها, يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا وفقاً لنص المادة 29 من قانونها, لتتولى دون غيرها الفصل في المسائل الدستورية المطروحة عليها, متقصية أبعادها, محيطة بجوانبها, متعمقة دخائلها، بالغة ببحثها منتهاه, بما مؤداه أنه لا يجوز لأية جهة تتولى الفصل في الخصومة القضائية المطروحة عليها, أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستور، ولا أن تنحيها جانباً, بل يتعين عليها أن تُنْزِل القواعد الدستورية المنزلة الأعلى التي تتبوؤها, وإلا آل أمر الإعراض عنها إلى إعمالها لنصوص تشريعية لازمة للفصل في النزاع الموضوعي المعروض عليها, ولو داخلتها شبهة ترجح مخالفتها للدستور بخروجها على زواجره ونواهيه, وهو ما يناقض سيادة القانون – والدستور على القمة من مدارجه – ويخل كذلك بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية راسية أسسها, تتكامل عناصرها, وتتواصل حلقاتها دون انقطاع, وينقض من جهة أخرى دور المحكمة الدستورية العليا في مباشرة رقابتها على هذه الشرعية, بوصفها أمينة عليها, حافظة لها, غير مجاوزة لتخومها, لتفرض بأحكامها كلمة الدستور على المخاطبين بها, فلا ينسلخون منها أو يحيدون عنها. متى كان ذلك، وكان الدفع بعدم دستورية نص تشريعي يطرح بالضرورة – ومن أجل الفصل في هذا الادعاء – ما بين القواعد القانونية من تدرج, يفرض عند تعارضها، إهدار القاعدة الأدنى تغليباً للقاعدة التي تعلوها، وكان من المقرر – وعلى ما سلف البيان – أن القواعد الدستورية تحتل من القواعد القانونية مكاناً علياً, لأنها تتوسد منها المقام الأسمى كقواعد آمرة لا تبديل فيها إلا بتعديل الدستور ذاته, فإن الدفع بعدم الدستورية لا يكون من قبيل الدفوع الشكلية أو الإجرائية، بل يتغيا في مضمونه ومرماه, مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور ترجيحاً لها على ما عداها وتوكيداً لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهي أجدر قواعده وأولاها بالإعمال، بما مؤداه جواز إثارة هذا الدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى, وأمام أية محكمة أياً كان موقعها من التنظيم القضائي الذي يضمها.
2 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها, والمطروحة على محكمة الموضوع.
3 – لا مصلحة للمدعيين في الطعن على الفقرة الأولى من المادة 82 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، ذلك أنها تقرر أمرين. أولهما: حق المحامي في الحصول على أتعاب عن أعمال المحاماة التي قام بها. وثانيهما: الحق في أن ترد إليه المصروفات التي يكون قد أنفقها في سبيل مباشرة الأعمال التي وكل فيها. وكلا الأمرين لا خلاف عليه في النزاع الراهن, ذلك أن الأعمال القانونية التي يقوم بها المحامي ممثلاً فيها لموكله, تعتبر من أعمال الوكالة وتسري عليها – وكأصل عام – أحكامها. وقد يقوم المحامي إلى جانبها ببعض الأعمال المادية، ويظل كذلك – حتى في هذه الحالة – خاضعاً لقواعد الوكالة ملتزماً ضوابطها، كلما كان العنصر الأغلب في هذين النوعين من الأعمال, متصلاً بالأعمال القانونية. والأصل المقرر في شأن الوكالة, أنها تبرعية ما لم يوجد اتفاق على الأجر بين كل من الموكل والوكيل سواء كان هذا الاتفاق صريحاً أم كان ضمنياً. وتكون الوكالة مأجورة ضمناً إذا كان الوكيل ممن يحترفون مهنة يتكسبون منها, وكان العمل الموكل فيه, يقع في نطاقها. والوكالة المأجورة هي الأكثر وقوعاً في العمل, ذلك أن الوكيل لا يقوم بأعمال الوكالة تفضلاً أو مجاملة إلا بدليل قاطع من الظروف المحيطة بها, وهو يؤجر على ما بذل من جهد في تنفيذ أعمال الوكالة, ولو لم يكن قد بلغ نتيجة بذاتها. وسواء قام الطرفان بتعيين أجر الوكالة ابتداء أم أغفلا تحديده, فإن تقديره في النهاية مرده إلى القاضي عند الخلاف على مقداره. وهو ما لا يتصور إذا كان أجر الوكالة قد دفع تطوعاً بعد تنفيذها. متى كان كذلك, وكانت الأتعاب التي طلبها محامي المدعيين, قد عرض أمرها على مجلس النقابة الفرعية إعمالاً لنص المادة 84 من قانون المحاماة الذي يسري عند وقوع خلاف بشأنها بين الموكل ومحاميه، ولا يكون مقدارها محدداً بالاتفاق عليها كتابة، وكان المدعيان قد نعيا على هذا التقدير ارتكانه إلى عناصر بذواتها حددتها الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة, في إطلاق لا يعتد بما قد يكون المحامي قد اقتضاه بالفعل من موكله من مبالغ يتعين خصمها من الأتعاب المحكوم بها, فإن المدعيين يكونان قد أقرا بأن الوكالة الماثلة غير تطوعية, وليس لهما من بعد أن يتنازعا في أصل الحق في الأجر عن الأعمال القانونية التي قام بها الوكيل, ولا أن يعارضا حق الوكيل في أن ترد إليه المصروفات التي يكون قد أنفقها في سبيل مباشرة الأعمال التي وكل فيها، ذلك أن الأعمال القانونية التي يقوم بها المحامي في إطار مهنته تعتبر أعمالاً مأجورة ولو تكن متعلقة بخصومة قضائية، بل منصرفة إلى غيرها من الأعمال التي يفيد منها الموكل وتكون ضرورية لتأمين الأغراض النهائية للوكالة. أما المصروفات التي يكون قد أنفقها، بما لا يجاوز متطلبات تنفيذ الأعمال التي وكل فيها, فإن حجبها عنه, يعتبر إفقاراً له بمقدارها, دون مسوغ من اتفاق أو من نص في القانون. وهو ما لا يجوز باعتباره إثراء يصيب الموكل بلا سبب.
4 – لا مصلحة للمدعيين كذلك في الطعن على الفقرة الثانية من المادة 82 من قانون المحاماة, ذلك أن ما تنص عليه من أن للمحامي أن يتقاضى أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله, وأنه إذ تفرعت عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى, كان للمحامي أن يحصل على أتعابه عنها, مؤداه أن الأصل هو ألا يتقاضى المحامي أكثر من الأتعاب التي تم الاتفاق عليها كتابة, فإذا لم يكن ثمة اتفاق، أو كان الاتفاق قد تناول دعوى بذاتها، ولكن أعمالاً أخرى غير التي ورد الاتفاق بشأنها قد تفرعت عنها, فإن أتعاب المحامي – في هاتين الحالتين – تقدر على ضوء العناصر التي حددتها الفقرة الثالثة من المادة 82 المطعون عليها. وهذه العناصر وحدها هي التي ينحصر نطاق الطعن فيها بالنظر إلى تعلقها بموضوعه, بالإضافة إلى أن ذلك أكفل لمقاصد المدعيين اللذين ركزا مناعيهما عليها بمقولة إطلاقها دون قيد, وأن الغاية منها هي تمكين المحامين من الضغط على موكليهم, وتطويعهم لمصالحهم بالمخالفة للواقع والقانون.
5 – لا مصلحة أيضاً للمدعيين في اطراح الفقرة الرابعة من المادة 82 من قانون المحاماة المطعون عليهما, ذلك أن نهيها عن أن تكون أتعاب المحامي حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها, إنما يتمحض عن مزية تعود فائدتها – في الحدود التي قررتها هذه الفقرة – عليهما. إذ كان ذلك, وكان من المقرر أن الدعوى الدستورية ينبغي أن تؤكد بماهية الخصومة التي تتناولها، التعارض بين المصالح المثارة فيها, بما يعكس حدة التناقض بينها, ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض, حقيقة المسألة الدستورية التي تدعي المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها, وكان من المسلم أن الحقوق الدستورية ليس لها قيمة مجردة في ذاتها, ولا يتصور أن تعمل في فراغ، وإنه أياً كان وزنها أو دورها أو أهميتها في بناء النظام القانوني للدولة، ودعم حرياته المنظمة, فإن تقريرها تغيا دوماً توفير الحماية التي تقتضيها مواجهة الأضرار الناشئة عن الإخلال بها, يستوي في ذلك أن تكون هذه الحقوق من طبيعة موضوعية أو إجرائية. ولا يكفي بالتالي لتوافر المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية, مجرد إنكار أحد الحقوق المنصوص عليها في الدستور، أو محض الخلاف حول مضمون هذا الحق، بل يجب أن يكون للخصم الذي أقامها, مصلحة واضحة في اجتناء الفائدة التي يتوقعها منها, باعتبارها الترضية القضائية التي يرد بها عن الحقوق التي يدعيها مضار فعلية أصابتها, أو تهددها من جراء ترتيب النص التشريعي المطعون عليه, لآثار قانونية بالنسبة إليه. ولا كذلك إفادة المدعيين من مزايا نص تشريعي معين, إذ يكون الطعن عليه من قبلهما غير جائر.
6 – نظم الدستور حق الدفاع محدداً بعض جوانبه, مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية, ولصون الحرية في مظاهرها المختلفة ودعم الحقوق جميعها, سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور, أو التي كفلتها النظم المعمول بها, فأورد في شأن هذا الحق حكماً قاطعاً, حين نص في الفقرة الأولى من المادة 69 منه, على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول؛ وكان ضمان هذا الحق يفترض أن يكون الدفاع فعالاً, محيطاً بالخصومة التي يتناولها التوكيل, فلا تكون المعاونة التي يقدمها المحامي لموكله دون مستوياتها الموضوعية التي يمليها التبصر, وتفرضها العناية الواجبة، ولا ينزلق المحامي بتقصيره في آدائها إلى أخطاء مهنية, لو كان قد تداركها في حينها, لكان من الأرجح أن تتخذ الخصومة مساراً مختلفاً، وكان الدستور تعزيزاً منه لضمانة الدفاع على هذا النحو، لم يجز للسلطة التشريعية إهدار هذا الحق أو تقليص محتواه, بما يعطل من فعاليته أو يحد منها, كاشفاً بذلك عن أن ضمانه الدفاع لم تعد ترفاً يمكن التجاوز عنه, وأن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق في حقائقها الموضوعية, يعتبر تراجعاً عن مضمونها الحق, مصادماً لمعنى العدالة منافياً لمتطلباتها, وإن إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها, ليس إلا هدما للعدالة ذاتها، بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان نقضها أو إعاقتها منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة، بما يقوم عليه من ضمان حق كل فرد في أن يعرض وجهة نظره في شأن الواقعة محل التداعي مبيناً حكم القانون بصددها, أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة, حين يقيم الشخص باختياره محامياً يطمئن إليه لخبرته وقدراته, ويراه لثقته فيه, أقدر على تأمين المصالح التي يرمي إلى حمايتها؛ وكان الدستور بعد أن قرر أصل الحق في ضمانه الدفاع – أصالة أو بالوكالة – قد خطا خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية من المادة 69، التي تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء، والدفاع عن حقوقهم، مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التي يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها؛ وكان المدعيان لا يقولان بإنكار حقهما في اللجوء للحصول على الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان الذي ذهبا إلى وقوعه على حقوقهما المالية, ولا يدعيان أنهما من المعوزين الذين يلوذون بالمعونة القضائية لتأمين ضمانة الدفاع عن حقوقهم هذه, وكانت الوكالة بالخصومة غايتها أن يقوم محام من اختيارهما بإدارة الدفاع عنهما وتوجيهه, وتفترض هذه الوكالة أنها مأجورة لا تبرعية باعتبار أن الأعمال موضوعها تدخل في إطار مهنة المحاماة التي احترفها وكيلهما, وكان المدعيان قد أيدا ذلك بإقرارهما أنهما دفعا لهذا الوكيل جزءاً من مقدم أتعابه، فإن قالة سريان الفقرة الثانية من المادة 69 من الدستور في حقهما – وقوامها معاونة الدولة للمعسرين وفقاً للقانون وبما لا يجاوز الحق في تمثيل ملائم يرعى مصالحهم ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون المحامين لهذا الغرض – لا يكون لها محل.
7, 8 – إن الأصل المقرر قانوناً هو أن تتكافأ الأتعاب التي يحصل عليها المحامي تنفيذاً لعقد الوكالة مع قيمة الأعمال التي أداها في نطاقها, ذلك أن الوكالة من عقود القانون الخاص التي تتوازن المصالح فيها, ولا تميل الحقوق الناشئة عنها في اتجاه أحد طرفيها, ويتعين بالتالي أن يكون تقدير أجر المحامي عن الأعمال التي قام بها – في إطار عقد الوكالة وتنفيذاً لمقتضاها – معقولاً, فلا يكون أجر الوكيل عنها مبالغاً فيه, مرهقاً الموكل في غير مقتض, وإلا كان تقديره تحكمياً مجاوزاً الأسس الموضوعية التي يتعين أن يتحدد على ضوئها, توصلاً إلى تقديره دون زيادة أو نقصان, وبعيداً عن شبهة الممالأة أو التحامل. ولازم ذلك أن يكون أجر المحامي متناسباً مع الأعمال التي أداها, وأن يقدر بمراعاة أهميتها، وعلى ضوء مختلف الظروف ذات العلاقة المحيطة بها, ويندرج تحتها بوجه خاص القيمة الفنية لهذه الأعمال, والجهد الذي بذله المحامي في إنجازها عمقاً وزمناً، والعوارض الاستثنائية التي تكون قد واجهته في تنفيذها, وصعوبة أو تعقد الأعمال التي أداها ومظاهر تشعبها, والنتائج التي حققها من خلالها, وما عاد على الوكيل منها من فائدة. ومن ثم يكون حقيقة الأعمال التي قام بها المحامي هي ذاتها مناطاً لتحديد أجره, ويتعين بوجه عام أن يكون مرد الاعتداد بها عائداً إلى العناصر الواقعية المختلفة التي يتحدد بها نطاقها ووزنها, وبما لا إخلال فيه بالظروف الموضوعية المتصلة بها. ودون ذلك، فإن أجر المحامي يكون منطوياً على عدوان على الحقوق المالية للموكل, وهي حقوق حرص الدستور على صونها, ومن ثم كان ضرورياً أن يقدر أجر المحامي بمراعاة كل العوامل التي تُعِينُ على تحديده تحديداً منصفاً، وهي بعد عوامل لا تستغرقها قائمة محددة من أجل ضبطها وحصرها, وأن جاز أن يكون من بينها. أولاً: حقيقة الجهد والزمن الذي بذله المحامي, وكان لازماً لإنجاز الأعمال التي وكِّل فيها. ثانياً: جدة المسائل التي قام ببحثها ودرجة تشابكها أو تعقدها. ثالثاً: ما اقتضاه تنفيذها بالدقة الكافية من الخبرة والمهارة الفنية. رابعاً: ما إذا كان تنفيذ الأعمال التي عهد إليه الموكل بها قد حال مزاولته لأعمال أخرى. خامساً: الأجر المقرر عرفاً مقابلاً معقولاً لها. سادساً: القيود الزمنية التي يكون الموكل قد فرضها على المحامي لإنجاز الوكالة, وكذلك تلك التي أملتها ظروفها. سابعاً: النتائج التي يكون محاميه قد بلغها في شأن المبالغ التي يتردد النزاع حولها. ثامناً: مكانة المحامي ومقدرته وشهرته العامة. تاسعاً: طبيعة العلاقة المهنية بين الموكل ومحاميه، وعمق امتدادها في الزمان. عاشراً: الأتعاب التي تقررت لغيره من المحامين في الدعاوى المماثلة. حادي عشر: ما إذا كان المحامون يعرضون عادة عن قبول الدعوى التي وكل فيها بالنظر إلى ملابساتها.
9 – العوامل الموضوعية وحدها, هي التي يعتد بها في تقدير أتعاب المحامي باعتبارها مرتبطة بطبيعة الأعمال التي أداها, ومبلغ أهميتها, ومحصلتها النهائية, وغير ذلك من الظروف ذات العلاقة المحيطة بها. وهي بذلك وثيقة الاتصال بالتالي بقيمة هذه الأعمال منظوراً في ذلك إلى عناصرها الواقعية, والجهد الذي لازمها, وكان يلزم عقلاً أن يبذل فيها.
10 – لئن كانت الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة، قد أوردت ضمن العناصر التي تدخل في تقدير أتعاب المحامي, أهمية الدعوى, والجهد الذي بذله في سبيلها، والنتيجة التي حققها، وأقدمية قيده – وجميعها عوامل موضوعية تعين على تقدير هذه الأتعاب تقديراً منصفاً، إلا أن نص هذه الفقرة ذاتها إذ اعتد بملاءة الموكل كأحد عناصر هذا التقدير، فإنه يكون قد جاوز في هذا النطاق الأسس المعقولة التي يتعين أن تتحدد الأتعاب على ضوئها, ذلك أن ثروة الموكل منقطعة الصلة بالأعمال التي باشرها الوكيل, ولا يجوز أن يكون لها من أثر على تقييمها. وليس منطقياً أو معقولاً أن تزيد قيمة هذه الأعمال، وأن تتصاعد أهميتها تبعا ليسار الموكل، وليس بالنظر إلى طبيعتها وفحواها. ويؤيد ذلك, أنه وإن صح القول بأن الأتعاب المتنازع عليها لا يجوز أن تنحدر على نحو يكون مثبطاً لهمم الأكفاء من المحامين, فإن من الصحيح كذلك أنها لا يجوز أن تكون مستعلية في غير مقتض, بافتقارها إلى العوامل الموضوعية اللازمة لحملها.
11 – ما قررته الفقرة الثالثة من المادة 82 المشار إليها, من أنه لا يجوز أن تقل أتعاب المحامي عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله في العمل موضوع طلب التقدير, مؤداه أنه أياً كان مقدار الجهد الذي بذله المحامي في أداء هذا العمل، فإن الحدود الدنيا لأتعابه لا يجوز أن تقل عن 5% من الفائدة التي حققها، وهو ما يخرج بتقييم الأعمال التي باشرها عن الأسس الموضوعية التي يجب أن تكون قواماً لها.
12, 13 – إن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة 34 منه, لا تعتبر منحصرة في الملكية الفردية كحق عيني أصلي تتفرع عنه الحقوق العينية جميعها, ويعتبر جماعها وأوسعها نطاقاً, بل تمتد هذه الحماية إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها, باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية, سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أن كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية, وكان ما يميز الملكية الفردية عن الحقوق الشخصية، هو أنه بينما تخول الملكية الفردية صاحبها السلطة المباشرة على الشيء محلها تصرفاً واستغلالاً واستعمالاً، لتعود إليه دون غيره ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها يستخلصها منها دون وساطة أحد، فإن الحقوق الشخصية ترتبط بمدين معين أو بمدينين معينين. وبوساطتهم يكون اقتضاء الدائن لها. وكان التمييز بين الملكية الفردية والحقوق الشخصية على هذا النحو, لا ينال من كونهما من الأموال، ذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار – بما في ذلك حق الملكية – تعتبر مالاً عقارياً. أما الحقوق العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أياً كان محلها – فإنها تعد مالاً منقولاً. ويتعين بالتالي أن تمتد الحماية المنصوص عليها في المادة 34 من الدستور, إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء، ذلك أن التمييز بينهما في مجال الحماية، ينافي مقاصد الدستور في سعيها لتأمين الأموال جميعها من صور العدوان عليها, وبما يردع مغتصبيها. متى كان ما تقدم, وكان تعيين أتعاب المحامين على ضوء عنصرين غير موضوعيين – أحدهما ملاءة الموكل, وثانيهما حد أدنى تقرر بقاعدة عامة مجردة, يلزم تطبيقها في كل حال, لضمان عدم النزول بمبلغها عن قدر معين – مؤداه اعتبار ما يقابلهما من مبالغ التزاماً مترتباً في ذمة الموكل منذ نشوئه, وكان كل التزام يعتبر قيمة مالية سلبية, حال أن هذين العنصرين منفصمان عن حقيقة الأعمال التي قام بها الوكيل, ولا يغلان بالتالي أية قيمة مالية يتصور معها أن يقعا عبئا في مال المدين، ولا أن يجردا بالتالي ذمته المالية – التى لا تتناول إلا مجموع الحقوق والديون التي تكون لها قيمة مالية – من بعض العناصر الإيجابية التي تكونها, إذ كان ذلك, فإن النص التشريعي المطعون فيه يكون مخالفاً من هذه الناحية للمادة 34 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 2 من ديسمبر 1992 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالبين الحكم بعدم دستورية المادة 82 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق, والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعيين أقاما هذه الدعوى بصحيفة خلصا في ختامها إلى طلب الحكم بعدم دستورية المادة 82 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وقالا شرحاً لذلك أنهما وكلا عنهما المدعي عليه الخامس محامياً لمباشرة بعض الدعاوى المتعلقة بهما, إلا أنه أخل بواجباته المهنية وعرضهما لأخطار فادحة. وإذ تقدما بشكوى ضده إلى النيابة العامة، فقد استصدر ضدهما من نقابة المحامين الفرعية بالقاهرة أمر تقدير لأتعابه بمبلغ خمسة وسبعين ألف جنية مستغلاً في ذلك الأوراق التي تحت يده, وحضوره في القضايا التي كان يقيمها لصالحهما والتي لم تستكمل إجراءاتها بعد. وقد طعنا في هذا الأمر كما طعن هو فيه وذلك أمام محكمة استئناف القاهرة التي قررت ضم الاستئنافين إلى بعضهما, وإذ دفع الحاضر عنهما بعدم دستورية المادة 82 من قانون المحاماة المشار إليه, وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفاعهما وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 82 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على ما يأتي:
فقرة أولى: للمحامي الحق في تقاضي أتعاب لما يقوم به من أعمال المحاماة والحق في استرداد ما أنفقه من مصروفات في سبيل مباشرة الأعمال التي وكل فيها.
فقرة ثانية: ويتقاضى المحامي أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله. وإذ تفرع عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى، حق للمحامي أن يطالب بأتعابه عنها.
فقرة ثالثة: ويدخل في تقدير الأتعاب أهمية الدعوى والجهد الذي بذله المحامي والنتيجة التي حققها وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامي, ويجب ألا تزيد الأتعاب عن عشرين في المائة وألا تقل عن خمسة في المائة من قيمة ما حققه المحامي من فائدة لموكله في العمل موضوع طلب التقدير.
فقرة رابعة: وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون أساس تعامل المحامي مع موكله أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها.
وحيث إن المدعيين ينعيان على المادة 82 المشار إليها مخالفتها للدستور بمقولة إن الدستور ضمن حق التقاضي للناس كافة في المادة 68، ونص في المادة 69 – التي كفل بها حق الدفاع أصالة أو بالوكالة – على أن يوفر المشرع لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء للدفاع عن حقوقهم. غير أن النص التشريعي المطعون فيه أطلق لكل محام العنان في اقتضاء أتعابه, محدداً عناصر تقديرها بغير حساب, ودون ما اعتداد بمقدم الأتعاب أو غيره من المبالغ التي يكون قد تقاضاها أثناء نظر الدعوى, وبغير تربص بالقضايا التي يكون الموكل قد أقامها ضده للفصل فيما هو منسوب إليه من الجرائم التي ارتكبها والمستوجبة لمسئوليته الجنائية والمدنية, هذا بالإضافة إلى أن نقابة المحامين متعاطفة دائماً مع أعضائها مما يعد افتئاتاً على حقوق المواطنين مستوجباً تقرير الضوابط اللازمة لإعمال النص التشريعي المطعون عليه.
ومن حيث إن المدعي عليه الخامس دفع بعدم قبول الدستورية بمقولة عدم اتصالها بالمحكمة الدستورية العليا وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها ارتكاناً من جانبه إلى أن الدفع بعدم الدستورية الذي أبداه المدعيان لا تجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية، وكان يتعين – وباعتباره من الدفوع الإجرائية – أن يطرح أمام محكمة أول درجة ابتداء وقبل تعرضها لموضوع النزاع الذي تتولى الفصل فيه.
وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، من أن الشرعية الدستورية التي تقوم بمراقبة التقيد بها, غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية المطعون عليها أمامها مطابقة لأحكام الدستور. ذلك أن لهذه الشرعية – في موقعها من البنيان القانوني في الدولة – مقام الصدارة, وإنفاذها وبلوغ مقاصدها فرع من خضوع الدولة – بكافة تنظيماتها – للقانون والتزامها بمضمونه وفحواه. ولا يجوز بالتالي لأية محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي إعمال نص تشريعي لازم للفصل في النزاع المعروض عليها إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية قوامها ظاهر الأمر في المطاعن الدستورية الموجهة إليه دون انزلاق إلى أغوارها، ذلك أن قيام هذه الشبهة لديها, يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا وفقاً لنص المادة 29 من قانونها, لتتولى دون غيرها الفصل في المسائل الدستورية المطروحة عليها, متقصية أبعادها, محيطة بجوانبها, متعمقة دخائلها، بالغة ببحثها منتهاه, ما مؤداه أنه لا يجوز لأية جهة تتولى الفصل في الخصومة القضائية المطروحة عليها, أن تتجاهل مظنة الخروج على أحكام الدستور ولا أن تنحيها جانباً, بل يتعين عليها أن تنزل القواعد الدستورية المنزلة الأعلى التي تتبوؤها, وإلاَّ آل أمر الأعراض عنها إلى إعمالها لنصوص تشريعية لازمة للفصل في النزاع الموضوعي المعروض عليها, ولو داخلتها شبهة ترجح مخالفتها للدستور بخروجها على زواجره ونواهيه, وهو ما يناقض سيادة القانون – والدستور على القمة من مدارجه – ويخل كذلك بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية راسية أسسها, تتكامل عناصرها, وتتواصل حلقاتها دون انقطاع, وينقض من جهة أخرى دور المحكمة الدستورية العليا في مباشرة رقابتها على هذه الشرعية, بوصفها أمينة عليها حافظة لها, غير مجاوزة لتخومها, لتفرض بأحكامها كلمة الدستور على المخاطبين بها, فلا ينسلخون منها أو يحيدون عنها. متى كان ذلك، وكان الدفع بعدم دستورية نص تشريعي يطرح بالضرورة – ومن أجل الفصل في هذا الادعاء – ما بين القواعد القانونية من تدرج يفرض عند تعارضها، إهدار القاعدة الأدنى تغليباً للقاعدة التي تعلوها، وكان من المقرر – وعلى ما سلف البيان – أن القواعد الدستورية تحتل من القواعد القانونية مكاناً عليّاً, لأنها تتوسد منها المقام الأسمى كقواعد آمرة لا تبديل فيها إلا بتعديل الدستور ذاته, فإن الدفع بعدم الدستورية لا يكون من قبيل الدفوع الشكلية أو الإجرائية، بل يتغيا في مضمونه ومرماه, مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور ترجيحاً لها على ما عداها وتوكيداً لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهي أجدر قواعده وأولاها بالأعمال، بما مؤداه جواز إثارة هذا الدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى, وأمام أية محكمة أياً كان موقعها من التنظيم القضائي الذي يضمها.
ومن حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها, والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إنه لا مصلحة للمدعيين في الطعن على الفقرة الأولى من المادة 82 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، ولا على الفقرتين الثانية والرابعة منها. ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 82 المشار إليها تقرر أمرين. أولهما: حق المحامي في الحصول على أتعاب عن أعمال المحاماة التي قام بها. وثانيهما: الحق في أن ترد إليه المصروفات التي يكون قد أنفقها في سبيل مباشرة الأعمال التي وكل فيها. وكلا الأمرين لا خلاف عليه في النزاع الراهن, ذلك أن الأعمال القانونية التي يقوم بها المحامي ممثلاً فيها لموكله, تعتبر من أعمال الوكالة وتسري عليها أحكامها، كأصل عام. وقد يقوم المحامي إلى جانبها ببعض الأعمال المادية، ويظل كذلك – حتى في هذه الحالة – خاضعاً لقواعد الوكالة ملتزماً ضوابطها، كلما كان العنصر الأغلب في هذين النوعين من الأعمال, متصلاً بالأعمال القانونية. والأصل المقرر في الوكالة أنها تبرعية ما لم يوجد اتفاق على الأجر بين كل من الموكل والوكيل سواء كان هذا الاتفاق صريحاً أم كان ضمنياً. وتكون الوكالة مأجورة ضمناً إذا كان الوكيل ممن يحترفون مهنة يتكسبون منها, وكان العمل الموكل فيه يدخل في إطار أعمال هذه المهنة. ويدل الواقع على أن الوكالة المأجورة هي الأكثر وقوعاً في العمل, وإن الوكيل لا يقوم بأعمال الوكالة تفضلاً أو مجاملة إلا بدليل قاطع من الظروف المحيطة بها, وهو يؤجر على ما بذل من جهد في تنفيذ أعمال الوكالة, ولو لم يكن قد بلغ نتيجة بذاتها, باعتبار أن التزامه الناشئ عقد الوكالة لا يعدو أن يكون التزاما ببذل عناية، وليس بتحقيق غاية. وسواء قام الطرفان بتعيين أجر الوكالة من البداية أم أغفلا تحديده, فإن تقديره في النهاية مرده إلى القاضي عند الخلاف على مقداره, وهو ما لا يتصور إذا كان أجر الوكالة قد دفع تطوعاً بعد تنفيذها. متى كان كذلك, وكانت الأتعاب التي طلبها محامي المدعيين, قد عرض أمرها على مجلس النقابة الفرعية إعمالاً لنص المادة 84 من قانون المحاماة الذي يسري عند وقوع خلاف بشأنها بين الموكل ومحاميه، ولا يكون مقدارها محدداً بالاتفاق عليها كتابة؛ وكان المدعيان قد نعيا على هذا التقدير ارتكانه إلى عناصر بذواتها حددتها الفقرة الثالثة من المادة 82 في إطلاق لا يعتد بما قد يكون المحامي قد اقتضاه بالفعل من موكله من مبالغ يتعين خصمها من الأتعاب المحكوم بها, فإن المدعيين يكونان قد أقرا بأن الوكالة الماثلة غير تطوعية, وليس لهما من بعد أن يتنازعا في أصل الحق في الأجر عن الأعمال القانونية التي قام بها الوكيل, ولا أن يعارضا حق الوكيل في أن ترد إليه المصروفات التي يكون قد أنفقها في سبيل مباشرة الأعمال التي وكل فيها، ذلك أن الأعمال القانونية التي يقوم بها المحامي في إطار مهنته تعتبر أعمالاً مأجورة ولو تكن متعلقة بخصومة قضائية، بل منصرفة إلى غيرها من الأعمال التي يفيد منها الموكل وتكون ضرورية لتأمين الأغراض النهائية للوكالة. أما المصروفات التي يكون قد أنفقها، بما لا يجاوز متطلبات تنفيذ الأعمال التي وكل فيها, فإن حجيتها عنه, يعتبر إفقاراً له بمقدارها, دون مسوغ من اتفاق أو من نص في القانون، وهو ما لا يجوز باعتباره إثراء يصيب الموكل بلا سبب.
وحيث إنه لا مصلحة أيضاً للمدعيين في إطراح الفقرتين الثانية الرابعة من المادة 82 من قانون المحاماة المطعون عليهما، ذلك أن ما تنص عليه الفقرة الرابعة منها من أنه لا يجوز في أية حال أن يكون أساس تعامل المحامي مع موكله، أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها، إنما يتمحض عن مزية تعود فائدتها – في الحدود التي قررتها هذه الفقرة – عليهما. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أن الدعوى الدستورية ينبغي أن تؤكد بماهية الخصومة التي تتناولها التعارض بين المصالح المثارة فيها بما يعكس حدة التناقض بينهما، ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض، حقيقة المسألة الدستورية التي تدعي المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها، إذ كان ذلك، وكان من المسلم أن الحقوق الدستورية ليس لها قيمة مجردة في ذاتها، ولا يتصور أن تعمل في فراغ، وإنه أياً كان وزنها أو دورها أو أهميتها في بناء النظام القانوني للدولة ودعم حرياته المنظمة، فإن تقريرها تغيا دوما توفير الحماية التي تقتضيها مواجهة الأضرار الناشئة عن الإخلال بها، يستوي في ذلك أن تكون هذه الحقوق من طبيعة موضوعية أو إجرائية. ولا يكفي بالتالي لتوافر المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، مجرد إنكار أحد الحقوق المنصوص عليها في الدستور أو محض الخلاف حول مضمون هذا الحق، بل يجب أن يكون للخصم الذي مصلحة واضحة في اجتناء الفائدة التي يتوقعها منها باعتبارها الترضية التي يرد بها عن الحقوق التي يدعيها مضار فعلية أصابتها أو تهددها من جراء إعمال النص التشريعي المطعون عليه في حقه، وترتيبه لآثار قانونية بالنسبة إليه. ولا كذلك إفادة المدعيين من مزايا نص تشريعي معين، إذ يكون الطعن من قبلها غير جائز.
وحيث إن لا مصلحة للمدعين كذلك في الطعن على الفقرة الثانية من المادة 82 من قانون المحاماة, ذلك أن ما تنص عليه من أن المحامي أن يتقاضى أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله, وأنه إذ تفرعت عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى, كان للمحامي أن يحصل على أتعابه عنها, مؤداه أن الأصل هو ألا يتقاضى المحامي أكثر من الأتعاب التي تم الاتفاق عليها كتابة, فإذا لم يكن ثمة اتفاق، أو كان الاتفاق قد تناول دعوى بذاتها, ولكن أعمالاً أخرى غير التي ورد الاتفاق بشأنها قد تفرعت عنها, فإن أتعاب المحامي – في هاتين الحالتين – تقدر على ضوء العناصر التي حددتها الفقرة الثالثة من المادة 82 المطعون عليها. وهذه العناصر وحدها هي التي ينحصر نطاق الطعن فيها بالنظر إلى تعلقها بموضوعه, بالإضافة إلى أن ذلك أكفل لمقاصد المدعيين اللذين ركزا مناعيهما عليها بمقولة إطلاقها دون قيد, وأن الغاية منها هي تمكين المحامين من الضغط على موكليهم وتطويعهم لمصالحهم بالمخالفة للواقع والقانون.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة – التي انحصر فيها نطاق الطعن على النحو المتقدم – تنص على أن يدخل في تقدير أتعاب المحامي أهمية الدعوى والجهد الذي بذلة المحامي والنتيجة التي حققها وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامي ويجب ألا تزيد الأتعاب عن عشرين في المائة وألا تقل عن خمسة في المائة من قيمة ما حققه المحامي من فائدة لموكله في العمل موضوع طلب التقدير.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة مخالفتها لنص المادة 69 من الدستور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الدستور نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه, مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية, ولصون الحرية في مظاهرها المختلفة الحقوق جميعها, سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور, أو التي كفلتها النظم المعمول بها, فأورد في شأن هذا الحق حكماً قاطعاً, حين نص في الفقرة الأولى من المادة 69 منه, على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول, وكان ضمان هذا الحق يفترض أن يكون الدفاع فعالاً محيطاً بالخصومة التي يتناولها التوكيل, فلا تكون المعاونة التي يقدمها المحامي لموكله دون مستوياتها الموضوعية التي يمليها التبصر, وتفرضها العناية الواجبة، ولا ينزلق المحامي بتقصيره في أدائها إلى أخطاء مهنية, لو كان قد تداركها في حينها, لكان من الأرجح أن تتخذ الخصومة مساراً مختلفاً، وكان الدستور تعزيزاً منه لضمانة الدفاع على هذا النحو، لم يجز للسلطة التشريعية إهدار هذا الحق أو تقليص محتواه, بما يعطل من فعاليته أو يحد منها, كاشفاً بذلك عن أن ضمانه الدفاع لم تعد ترفاً يمكن التجاوز عنه, وأن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق في حقائقها الموضوعية, يعتبر تراجعاً عن مضمونها الحق, مصادماً لمعنى العدالة منافياً لمتطلباتها, وإن إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها, ليس إلا هدما للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان نقضها أو إعاقتها منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة، بما يقوم عليه من ضمان حق كل فرد في أن يعرض وجهة نظره في شأن الواقعة محل التداعي مبيناً حكم القانون بصددها, أن كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة, حين يقيم الشخص باختياره محامياً يطمئن إليه لخبرته وقدراته, ويراه لثقته فيه, أقدر على تأمين المصالح التي يرمي إلى حمايتها, وكان الدستور بعد أن قرر أصل الحق في ضمانه الدفاع – أصالة أو بالوكالة – قد خطا خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية من المادة 69 منه التي تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء، والدفاع عن حقوقهم، مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التي يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها؛ وكان المدعيان لا يقولان بإنكار حقهما في اللجوء للحصول على الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان الذي ذهبا إلى وقوعه على حقوقهما المالية, ولا يدعيان أنهما من المعوزين الذين يلوذون بالمعونة القضائية لتأمين ضمانة الدفاع عن حقوقهم هذه, وكانت الوكالة بالخصومة غايتها أن يقوم محام من اختيارهما بإدارة الدفاع عنهما وتوجيهه, وتفترض هذه الوكالة أنها مأجورة لا تبرعية باعتبار أن الأعمال موضوعها تدخل في إطار مهنة المحاماة التي احترفها وكيلهما, وكان المدعيان قد أيدا ذلك بإقرارهما أنهما دفعا لهذا الوكيل جزءا من مقدم أتعابه، فإن قالة سريان الفقرة الثانية من المادة 69 من الدستور في حقهما – وقوامها معاونة الدولة للمعسرين وفقاً للقانون وبما لا يجاوز الحق في تمثيل ملائم يرعى مصالحهم ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون المحامين لهذا الغرض – لا يكون لها محل.
وحيث إن المدعيين ينعيان كذلك على الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة تحيفها, وممالأتها لمصالح المحامين وتقريرها حقوقاً لهم تجاوز حد الاعتدال مما آل إلى الركون إليها للضغط من خلالها على موكليهم وتطويعهم لإرادتهم بالمخالفة للقانون.
وحيث إن الأصل المقرر قانوناً هو أن تتكافأ الأتعاب التي يحصل عليها المحامي تنفيذاً لعقد الوكالة مع قيمة الأعمال التي أداها في نطاقها, ذلك أن الوكالة من عقود القانون الخاص التي تتوازن المصالح فيها, ولا تميل الحقوق الناشئة عنها في اتجاه أحد طرفيها, ويتعين بالتالي أن يكون تقدير أجر المحامي عن الأعمال التي قام بها – في إطار عقد الوكالة وتنفيذاً لمقتضاها – معقولاً, فلا يكون أجر الوكيل عنها مبالغاً فيه, مرهقاً الموكل في غير مقتض, وإلا كان تقديره تحكمياً، مجاوزاً الأسس الموضوعية التي يتعين أن يتحدد على ضوئها, توصلاً إلى تقديره دون زيادة أو نقصان, وبعيداً عن شبهة الممالأة أو التحامل. ولازم ذلك أن يكون أجر المحامي متناسباً مع الأعمال التي أداها, وأن ويقدر بمراعاة أهميتها، وعلى ضوء مختلف الظروف ذات العلاقة المحيطة بها, ويندرج تحتها بوجه خاص القيمة الفنية لهذه الأعمال, والجهد الذي بذله المحامي في إنجازها عمقاً وزمناً، والعوارض الاستثنائية التي تكون قد واجهته في تنفيذها, وصعوبة أو تعقد الأعمال التي أداها ومظاهر تشعبها, والنتائج التي حققها من خلالها, وما عاد على الوكيل منها من فائدة. ومن ثم تكون حقيقة الأعمال التي قام بها المحامي، هي ذاتها مناطاً لتحديد أجره. ويتعين بوجه عام أن يكون مرد الاعتداد بها عائداً إلى العناصر الواقعية المختلفة التي يتحدد بها نطاقها ووزنها, وبما لا إخلال فيه بالظروف الموضوعية المتصلة بها. ودون ذلك، فإن تقدير أجر المحامي يكون منطوياً على عدوان على الحقوق المالية للموكل, وهي حقوق حرص الدستور على صونها, ومن ثم كان ضرورياً أن يقدر أجر المحامي بمراعاة كل العوامل التي تعين على تحديده تحديداً منصفاً، وهي بعد عوامل لا تستغرقها قائمة محددة من أجل ضبطها وحصرها, وأن جاز أن يكون من بينها. أولاً: حقيقة الجهد والزمن الذي بذله المحامي, وكان لازماً لإنجاز الأعمال التي وكل فيها. ثانياً: جدة المسائل التي قام ببحثها ودرجة تشابكها أو تعقدها. ثالثاً: ما اقتضاه تنفيذها بالدقة الكافية من الخبرة والمهارة الفنية. رابعاً: ما إذا كان تنفيذ الأعمال التي عهد إليه الموكل بها قد حال مزاولته لأعمال أخرى. خامساً: الأجر المقرر عرفاً مقابلاً معقولاً لها. سادساً: القيود الزمنية التي يكون الموكل قد فرضها على المحامي لإنجاز الوكالة, وكذلك تلك التي أملتها ظروفها. سابعاً: النتائج التي يكون محاميه قد بلغها في شأن المبالغ التي يتردد النزاع حولها. ثامناً: مكانة المحامي ومقدرته وشهرته العامة. تاسعاً: طبيعة العلاقة المهنية بين الموكل ومحامية، وعمق امتدادها في الزمان. عاشراً: الأتعاب التي تقررت لغيره من المحامين في الدعاوى المماثلة. حادي عشر: ما إذا كان المحامون يعرضون عادة عن قبول الدعوى التي وكل فيها بالنظر إلى ملابساتها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم, وكانت العوامل الموضوعية وحدها, هي التي يعتد بها في تقدير أتعاب المحامي باعتبارها مرتبطة بطبيعة الأعمال التي أداها, ومبلغ أهميتها, ومحصلتها النهائية, وغير ذلك من الظروف ذات العلاقة المحيطة بها, وهي بذلك وثيقة الاتصال بالتالي بقيمة هذه الأعمال منظوراً في ذلك إلى عناصرها الواقعية, والجهد الذي لازمها, وكان يلزم عقلاً أن يبذل فيها، وجب استبعاد ما عداها مما لا يندرج تحتها.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة، قد أوردت ضمن العناصر التي تدخل في تقدير أتعاب المحامي, أهمية الدعوى, والجهد الذي بذله في سبيلها، والنتيجة التي حققها، وأقدمية قيده – وجميعها عوامل موضوعية تُعين على تقدير هذه الأتعاب منصفاً، إلا أن نص هذه الفقرة ذاتها إذ اعتد بملاءة الموكل كأحد عناصر هذا التقدير، فإنه يكون قد جاوز في هذا النطاق الأسس المعقولة التي يتعين أن تتحدد الأتعاب على ضوئها, ذلك أن ثروة الموكل منقطعة الصلة بالأعمال التي باشرها الوكيل, ولا يجوز أن يكون لها من أثر على تقييمها. وليس منطقياً أو معقولاً أن تزيد قيمة هذه الأعمال وأن تتصاعد أهميتها تبعا ليسار الموكل وليس بالنظر إلى طبيعتها وفحواها. ويؤيد ذلك, أنه وإن صح القول بأن الأتعاب المتنازع عليها لا يجوز أن تنحدر على نحو يكون مثبطاً لهمم الأكفاء من المحامين, فإن من الصحيح كذلك أنها لا يجوز أن تكون مستعلية في غير مقتض, بافتقارها إلى العوامل الموضوعية اللازمة لحملها.
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم, فإن ما قررته الفقرة الثالثة من المادة 82 المشار إليها, من أنه لا يجوز أن تقل أتعاب المحامي عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله في العمل موضوع طلب التقدير, مؤداه أنه أياً كان مقدار الجهد الذي بذله المحامي في أداء هذا العمل، فإن الحدود الدنيا لأتعابه لا يجوز أن تقل عن 5% من الفائدة التي حققها، وهو ما يخرج بتقييم الأعمال التي باشرها عن الأسس الموضوعية التي يجب أن تكون قواماً لها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة 34 منه, لا تعتبر منحصرة في الملكية الفردية كحق عيني أصلي تتفرع عنه الحقوق العينية جميعها, ويعتبر جماعها وأوسعها نطاقاً, بل تمتد هذه الحماية إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها, باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية, سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً، أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية, وكان ما يميز الملكية الفردية عن الحقوق الشخصية، هو أنه بينما تخول الملكية الفردية صاحبها السلطة المباشرة على الشيء محلها تصرفاً واستغلالاً واستعمالاً، لتعود إليه دون غيره ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها يستخلصها منها دون وساطة أحد، فإن الحقوق الشخصية ترتبط بمدين معين أو بمدينين معينين, وبوساطتهم يكون اقتضاء الدائن لها, وكان التمييز بين الملكية الفردية والحقوق الشخصية على هذا النحو, لا ينال من كونهما من الأموال، ذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار – بما في ذلك حق الملكية – تعتبر مالاً عقارياً. أما الحقوق العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية – أياً كان محلها – فإنها تعد مالاً منقولاً. ويتعين بالتالي أن تمتد الحماية المنصوص عليها في المادة 34 من الدستور, إلى الحقوق الشخصية والعينية على سواء، ذلك أن التمييز بينهما في مجال الحماية، ينافي مقاصد الدستور في سعيها لتأمين الأموال جميعها من العدوان عليها, وبما يردع مغتصبها. متى كان ما تقدم, وكان تعيين أتعاب المحامين على ضوء عنصرين غير موضوعيين – أحدهما ملاءة الموكل وثانيهما حد أدنى تقرر بقاعدة عامة مجردة, يلزم تطبيقها في كل حال, لضمان عدم النزول بمبلغها عن قدر معين – مؤداه اعتبار ما يقابلهما من مبالغ التزاماً مترتباً في ذمة الموكل منذ نشوئه, وكان كل التزام يعتبر قيمة مالية سلبية, حال أن هذين العنصرين منفصمان عن حقيقة الأعمال التي قام بها الوكيل, ولا يغلان بالتالي أية قيمة مالية يتصور معها عبئاً في مال المدين بما يجرد ذمته المالية – وهي لا تتناول إلا مجموع الحقوق والديون التي تكون لها قيمة مالية – من بعض عناصرها الإيجابية, إذ كان ذلك, فإن النص التشريعي المطعون فيه يكون مخالفاً من هذه الناحية للمادة 34 من الدستور.
وحيث ِِإن ما قرره المدعيان من أن الفقرة الثالثة من المادة 82 آنفة البيان تسقط من حسابها مقدار المبالغ التي يكون قد دفعها مقدماً لمحاميه, مردود بأن حكمها لا يفيد ذلك, إذ لا تتناول هذه الفقرة بالتنظيم غير الأسس التي قدر المشرع ضرورة تحديد أتعاب الوكيل على ضوئها بافتراض عدم وجود اتفاق كتابي بشأنها والخلاف عليها, ولا يحول بذاته دون استنزال أية مبالغ منها يكون الموكل قد أداها للوكيل كلما قام الدليل عليها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 82 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من الاعتداد بملاءة الموكل كأحد العناصر التي تدخل في تقدير أتعاب محاميه, وكذلك ما قررته من ألا تقل الأتعاب المستحقة عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكلة في العمل موضوع طلب التقدير, وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية