الخط الساخن : 01118881009
جلسة أول أكتوبر سنة 1994
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ عادل عمر شريف – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
(القاعدة رقم 28)
القضية رقم20 لسنة 15 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “المصلحة فيها” “تعدد مواد الاتهام”.
تعدد مواد الاتهام لا يدل على مخالفتها جميعاً للدستور، للمدعي في الدعوى الدستورية أن يختار من بينها ما يكون كذلك في تقديره، توصلاً لإبطالها كي لا تطبقها محكمة الموضوع.
2 – دستور “المادة 66 منه” مؤداها: لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره.”
ترسم الدستور – في نطاق القوانين الجزائية – النظم المعاصرة، متابعاً خطاها، متقيداً بالطبيعة التقدمية لمناهجها فنص في المادة 66، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون. ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها. كاشفاً بذلك عن أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، ممثلاً في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي. وكلما كان تأثيم المشرع لأفعال بذاتها معلقاً” على ارتكابها في مكان معين”، فإن وقوعها في غيره ينفي وصف التجريم عنها.
3 – جزاء جنائي”تطوره” “القيود التي فرضها الدستور على تقريره”.
كان الجزاء الجنائي عبر أطوار قاتمة في التاريخ – أداة طيعة للقهر والطغيان، محققاً للسلطة أطماعها، ومبتعداً بالعقوبة عن أغراضها الاجتماعية، ومن ثم كان منطقياً أن تقيم الدول المتمدينة تشريعاتها الجزائية على أسس تكفل بذاتها انتهاج الوسائل القانونية، السليمة. وكان لازماً أن يفرض الدستور على سلطان المشرع في مجال التجريم القيود التي توازن بين حقوق الإنسان وحرياته، وبين المصالح الحيوية للمجتمع، بما يحول دون إساءة استخدام العقوبة تشويهاً لأغراضها، ويكفل تحديد ماهية الأفعال المنهي عن ارتكابها تحديداً قاطعاً، وكذلك تعيين مكان وقوعها” كلما كان اتصال هذه الأفعال بذلك المكان، متطلباً لتجريمها”.
4 – جرائم “تأثيم المشرع لأفعال بذواتها حال وقوعها في مكان معين” “مؤداه”.
كلما أثم المشرع أفعالاً بذواتها حال وقوعها في مكان معين، فإن تعيين حدود وأوصاف هذا المكان بما ينفي التجهيل بها، يكون شرطاً أولياً لصون الحرية الشخصية، التي اعتبرها الدستور من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها.
5 – قوانين جزائية “القيود التي تفرضها على الحرية الشخصية” “متطلباتها”.
تقتضي القيود التي تفرضها القوانين الجزائية على الحرية الشخصية، أن يصاغ مضمونها بما يقطع جدل حول حقيقة محتواها، ويكفل التحديد الجازم لضوابط تطبيقها، ويحول دون عرقلتها لحقوق كفلها الدستور. ويتعين دوماً ألا يكون تطبيق السلطة العامة للجزاء، انتقائياً، وفق معايير شخصية تخالطها الأهواء.
6 – قوانين جزائية “هدفها”.
لا تعتبر القوانين الجزائية مجرد إطار لتنظيم القيود على الحرية الشخصية، بل يجب أن تكون ضماناً لفعالية ممارستها.
7 – “المحميات الطبيعية” “ماهيتها” “الأعمال المحظورة فيها”.
يقصد بالمحمية – في تطبيق أحكام المادة الأولى من القانون رقم 102 لسنة 1983، كل مساحة من الأرض أو المياه، تضم كائنات حية، أو ظواهر طبيعية، ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء، بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء. وعملاً بمادته الثالثة لا يجوز في منطقة المحمية، القيام بأعمال أو تصرفات أو مباشرة نشاط أو اتخاذ إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو دهورة البيئة البحرية فيها، أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو الإخلال بالمستوى الجمالي لمنطقة المحمية.
8 – محميات طبيعية “التفويض الشريعي بتنظيمها”.
بناء على التفويض المخول لرئيس مجلس الوزراء بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، أصدر رئيس مجلس الوزراء – بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء – القرار رقم 45 لسنة 1986 منشئاً بموجبه محميات طبيعية في منطقة جبل علبة بمحافظة البحر الأحمر. وقد حظر هذا القرار مختلف صور النشاط فيها إذا كان من شأنها تدمير البيئة البحرية بها أو إتلافها أو دهورتها.
9 – محميات طبيعية “التنظيم التشريعي لها” “الأغراض التي توخاها”.
توخي التنظيم الشريعي للمحميات الطبيعية، صونها في مواجهة الأفعال التي تغير من خصائصها أو تكويناتها، أو تشوه طبيعتها، أو تخل بعناصر التوازن الايكولوجي بها، أو تلوث مواردها أو تستنزفها.
10 – محميات طبيعية “صونها”.
صون المحميات الطبيعية يتغيا كذلك، أن تظل باقية أبداً، لتفرض الصورة البدائية لمختلف مظاهرها الطبيعية نفسها على المترددين عليها، فلا ينالها تبديل إلا بالقدر اللازم لإنمائها وتطويرها.
11 – محميات طبيعية “تأمينها من صور العدوان عليها” “مفترضاته الأولية”.
تأمين المحميات الطبيعية من صور العدوان المحتمل عليها، يفترض بداهة تعيين حدودها بما لا خفاء فيه، وبوجه خاص حين تكوين هذه المحميات واقعة في نطاق المياه البحرية التي ينظم القانون الدولي، قواعد المرور فيها.
12 – محميات طبيعية “العنصران اللذان تقوم عليها” “أثر اجتماعهما”.
لكل محمية طبيعية – بحرية كانت أم برية – عنصران لا يتصور وجودها بتخلف أيهما، أولهما: أن تستقل تكويناتها الطبيعية بخصائص متفردة تقتضي إخضاعها لتنظيم خاص يهيمن على أوضاعها ويكفل بقاء مقوماتها. ثانيهما: أن يكون لها حيز جغرافي يبين تخومها، ويقتضي تحديد نطاق امتدادها مكانياً تحديداً قاطعاً. مؤدى اجتماع هذين العنصرين أن العدوان على المحمية الطبيعية لا يتصور أن يقع من خلال أفعال يتم ارتكابها فيما وراء حدودها الخارجية، أو بأفعال تقع داخل حدودها، ولا تخل بالأغراض التي يقتضيها صونها وحمايتها. ويعتبر في حكم الأفعال التي تقع وراء الحدود الخارجية للمحمية، تلك التي يتعذر التيقن مما إذا كان مرتكبها قد أتاها داخل حدودها الجغرافية، أو خارجها.
13 – محميات طبيعية “مناط تأثيم الأفعال التي حظرها المشرع فيها”.
لم يؤثم قانون المحميات الطبيعية، أفعالاً بذواتها استقلالاً عن مكان وقوعها، بل جعل ارتكابها داخل حدودها شرطاً لتجريمها، ذلك أن ارتكابها بعيداً عن هذا المكان، ليس مؤثراً أصلاً في خصائص المحمية، ومكوناتها.
14 – محميات طبيعيه “أداة إنشائها”.
لا تنشأ المحمية الطبيعية إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة، يكون كاشفاً عن حدودها – من خلال الخريطة التي ترفق بهذا القرار – وقاطعاً بنطاقها المكاني، تعييناً للدائرة التي لا يتصور أن تقع الأفعال التي أثمها فيما وراء محيطها.
15 – محميات طبيعية “تعيين حدودها” “جدواه” “إغفال هذا التعيين: أثره”.
إعلام المخاطبين بأحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية، إعلاماً كافياً بحدودها، ضمان لصون حقوقهم وحرياتهم التي نص عليها الدستور، وكذلك تلك التي كفلتها قواعد القانون الدولي العام. وإذ أحال قرار رئيس مجلس الوزراء في شأن تعيين حدود المحميات الطبيعية، إلى خريطة تبين مواقعها، فإن عدم نشرها يعني أن يظل النطاق المكاني للمحمية الطبيعية خافياً. وإذ كان الثابت أن تلك الخريطة لم تنشر، وكان نشرها مفترضاً أولياً لإعمال النصوص العقابية التي تضمنها القانون المنظم لتلك المحميات، من خلال ترسيم الدائرة التي تعمل فيها، فإن إغفال النشر يكون مجهلاً بمكان وقوع الأفعال المنهي عنها، ومفتقراً بالتالي إلى خاصية اليقين التي تهيمن على التجريم، ومتضمناً عدواناً على الحرية الشخصية.
1 – تعدد مواد الاتهام، لا يعني أن من وجهت إليه مُدان بأيها، إذ تفترض براءته من التهم التي أسندتها النيابة العامة إليه، إلى أن يقوم الدليل أمام القضاء جلياً قاطعاً على ثبوتها. كذلك فإن تعدد مواد الاتهام لا يدل بداهة على أن جميعها مخالفة للدستور حتى يحمل المتهم على اختصامها بتمامها أمام المحكمة الدستورية العليا، بل تقوم مصلحته الشخصية والمباشرة في الطعن على ما يكون منها كذلك في تقديره، توصلا لإبطالها وإلغاء قوة نفاذها كي لا تطبقها محكمة الموضوع بالنسبة إليه. متى كان ذلك، وكان مناط المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان الحكم في الدعوى الجنائية متوقفاً على الفصل في دستورية بعض مواد الاتهام المثارة فيها، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى الدستورية، يكون على غير أساس.
2 – ترسم الدستور النظم المعاصرة، متابعاً خطاها، متقيداً بمناهجها التقدمية، فنص في المادة 66، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، كاشفاً بذلك عن أن لكل جريمة ركنا مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل أساساً في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ذلك أن العلائق التي ينظمها القانون الجنائي، محورها الأفعال ذاتها، باعتبارها مناط التجريم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها أو نفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها وفقاً للقانون.
فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة. والأمر كذلك إذا كان تأثيم المشرع لأفعال بذاتها معلقاً على “ارتكابها في مكان معين”، إذ يكون اتصال هذه الأفعال بذلك المكان شرطاً لتأثيمها، بحيث يعتبر وقوعها في غيره نافياً وصف التجريم عنها.
3 – كان الجزاء الجنائي عبر أطوار قاتمة في التاريخ، أداة طيعة للقهر والطغيان، محققاً للسلطة المستبدة أطماعها، ومبتعداً بالعقوبة عن أغراضها الاجتماعية، وكان منطقياً وضروريا، أن تعمل الدول المتمدينة على أن تقيم تشريعاتها الجزائية وفق أسس ثابتة تكفل بذاتها انتهاج الوسائل القانونية السليمة – في جوانبها الموضوعية والإجرائية – لضمان ألا تكون العقوبة أداة قامعة للحرية، عاصفة بها، بالمخالفة للقيم التي تؤمن بها الجماعة في تفاعلها مع الأمم المتحضرة واتصالها بها، وكان لازماً – في مجال توكيد هذا الاتجاه وتثبيته – أن تفرض الدساتير المعاصرة القيود التي ارتأتها على سلطان المشرع في مجال التجريم، تعبيراً عن إيمانها بأن حقوق الإنسان وحرياته، لا يجوز التضحية في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها، واعترفا منها بأن الحرية في كامل أبعادها لا تنفصل عن حرمة الحياة، وأن الحقائق المريرة التي عايشتها البشرية على امتداد مراحل تطورها، تتطلب نظاماً متكاملاً يكفل للجماعة مصالحها الحيوية، ويصون – في إطار أهدافه – حقوق الفرد وحرياته الأساسية، بما يحول دون إساءة استخدام العقوبة تشويها لأغراضها. وقد تحقق ذلك بوجه خاص، من خلال ضوابط صارمة، ومقاييس أكثر إحكاماً، غايتها تحديد ماهية الأفعال المنهي عن ارتكابها تحديداً قاطعاً، وكذلك تعيين مكان وقوعها “كلما كان اتصال هذه الأفعال بذلك المكان متطلباً لتجريمها”.
4 – إن تأثيم المشرع لأفعال بذواتها حال وقوعها في مكان معين، مؤداه أن تعيين حدود هذا المكان بما ينفي التجهيل بأبعاده، شرط أولى لصون الحرية الفردية التي أعلى الدستور قدرها، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التي تكمن في النفس البشرية ولا يتصور فصلها عنها أو انتهاكها Inherent, Inalienable and Inviolable Right إذ هي من مقوماتها.
5 – القيود التي تفرضها القوانين الجزائية على تلك الحرية – سواء بطريق مباشرة أو غير مباشر – تقتضي أن تصاغ أحكامها بما يقطع كل جدل في شأن حقيقية محتواها، ليبلغ اليقين بها Legal Certainty حدا يعصمها من الجدل، وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية، وفق معايير شخصية تخالطها الأهواء، وتنال من الأبرياء لافتقارها إلى الأسس الموضوعية اللازمة لضبطها، وكان ما تقدم مؤداه، أن النصوص العقابية لا يجوز من خلال انفلات عباراتها، أو تعدد تأويلاتها، أو “انتفاء التحديد الجازم لضوابط تطبيقها” أن تعرقل حقوقاً كفلها الدستور كالحق في التنقل، فقد تعيين ألا تكون هذه النصوص شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها المتهمين المحتملين ليكون تصنفيهم، وتقرير من يجوز احتجازه من بينهم، عبئاً على السلطة القضائية، لتحل إرادتها بعدئذ محل إرادة السلطة التشريعية، وهو ما لا يجوز أن تنزلق إليه القوانين الجنائية، باعتبار أن ما ينبغي أن يعنيها، هو أن تحدد بصورة جلية مختلف مظاهر السلوك التي لا يجوز التسامح فيها، على ضوء القيم التي تبنتها الجماعة، واتخذتها أسلوباً لحياتها وركائز لتطورها.
6 – يجب دوماً ألا تكون القوانين الجزائية مجرد إطار لتنظيم القيود على الحرية الشخصية، بل ضماناً لفعالية ممارستها.
7 – حددت المادة الأولي من القانون رقم 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية، المقصود بالمحمية في تطبيق أحكامه، فعّرفتها – بأنها أي مساحة من الأرض أو المياه الساحلية أو الداخلية تتميز بما تضمه من كائنات حية نباتية كانت أو حيوانات أو أسماك أو ظواهر طبيعية – ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية، يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء. ونصت المادة الثالثة من هذا القانون – في مجال تحديدها للأفعال التي لا يجوز ارتكابها في منطقة المحمية – على حظر القيام بأعمال أو تصرفات أو مباشرة نشاط أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة البحرية أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالي بمنطقة المحمية. ولا يجوز بوجه خاص صيد أو نقل الكائنات البحرية أو البرية أو إزعاجها أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها، وكذلك نقل النباتات الكائنة بمنطقة المحمية أو إتلافها أو إدخال أجناس غربية لهذه المنطقة، أو تلويث تربتها أو هوائها أو مياهها بأي شكل من الأشكال، أو صيد أو نقل أو أخذ كائنات عضوية، كالشعب المرجانية أو الصخور أو التربة أياً كان الغرض من ذلك. ولا يجوز كذلك إقامة مبان أو منشآت أو شق الطرق أو تيسير المركبات أو ممارسة نشاط زراعي أو صناعي أو تجاري في منطقة المحمية، ولم تجز المادة الثالثة من هذا القانون أن تمارس في المناطق – المحيطة بمنطقة المحمية – تلك الأعمال أو التصرفات التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء، إذا كان من شأنها التأثير علي بيئة المحمية أو الظواهر الطبيعية بها، إلا بتصريح من الجهة الإدارية المختصة. وحددت مادته السابعة العقوبات المقررة على مخالفة أحكام مادتيه الثانية والثالثة.
8 – بناء على التفويض المخول لرئيس مجلس الوزراء بمقتضى المادة الأولي من القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، أصدر رئيس مجلس الوزراء – بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء – القرار رقم 450 لسنة 1986 منشئاً بموجبه محميات طبعيه في منطقة جبل علبة بمحافظة البحر الأحمر، ذلك أن مادته الأولي نصها الآتي: “تعتبر محمية طبيعية في تطبيق أحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه – وفقاً للحدود الموضحة بالخريطة المرفقة – كل من: منطقة جزر البحر الأحمر وغابات المانجروف الساحلية – منطقة أبرق – منطقة الدئيب – منطقة جبل علبة”. وحظرت مادته الثالثة الأعمال أو التصرفات أو الإجراءات، وكذلك مختلف صور النشاط إذا كان من شأنها تدمير البيئة البحرية بمناطق المحميات المشار إليها أو إتلافها أو دهورتها أو الأضرار بالحياة البحرية أو البرية أو النباتية فيها، أو المساس بمستواها الجمالي. وبوجه الخاص، لا يجوز نقل نباتاتها أو إتلافها أو تدمير تكويناتها الجيولوجية أو الجغرافية، أو المناطق التي تعتبر موطناً لفصائل حيواناتها أو نباتها أو تكاثرها. كما لا يجوز إدخال أجناس غريبة لمناطق المحميات أو تلويث تربتها أو هوائها أو مياهها بأي شكل من الأشكال، أو إلقاء السوائل الضارة أو المواد الكيماوية أو الزيوت أو النفايات على اختلاف أنواعها في تلك المناطق، أو المناطق المحيطية بها، بما يؤدي إلى تسربها على مناطق المحمية. ويحظر كذلك أقامة مبان أو منشآت أو شق البيئة الطرق في مناطق المحمية، إلا بتصريح من فرع جهاز شئون البيئة بمحافظة البحر الأحمر، ووفقاً للشروط والقواعد التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء.
9 – توخي القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، وكذلك قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه، بأحكامها صون المحميات الطبيعية في مواجهة الأفعال التي تغير من خصائصها وتكويناتها الجيولوجية أو الجغرافية أو تشوه طبيعتها أو تخل بعناصر التوازن الايكولوجي فيها، أو تدهور مواردها سواء باستنزافها أو تلويثها، أو تنال من قيمتها الجمالية أو الثقافية، أو تضر بحيواناتها أو نباتاتها أو تحول دون تكاثرها، أو تدخل من الأجناس ما يكون غريباً عنها، وكذلك أية أفعال أخرى يكون وقوعها في المحميات الطبيعية، مصادماً للأغراض المقصودة من إنشائها.
10 – صون المحميات الطبيعية يتغيا كذلك، أن تظل باقية أبداً، لتفرض الصورة البدائية لمختلف مظاهرها الطبيعية على المترددين عليها، فلا ينالها تبديل إلا بالقدر الذي يكون ضرورياً لإنمائها وتطويرها، كي ترعى على مر العصور جوهر خصائصها، حفاظاً على معالم بنيانها، فلا تمتد ظاهر الحياة المدنية أو أدواتها إلى مواقعها لتعدل من مكوناتها أو تحيلها عدماً. وكان حتماً بالتالي أن يكون التنظيم التشريعي لأوضاعها متوازناً، فلا تكون الحماية الواجبة لبيئتها، أو موالاة شئونها بوصفها تراثاً للبشرية، حائلاً دون الترخيص بالأعمال التي لا تناهضها كتلك المتعلقة برصد ظواهرها البيئية.
11 – تأمين المحميات الطبيعية من صور العدوان المحتمل عليها، يفترض بداهة تعيين حدودها بما لا خفاء فيه، وبوجه خاص كلما كانت هذه المحميات واقعة في نطاق المياه البحرية التي ينظم القانون الدولي قواعد المرور فيها، ذلك أن حقوق الدول وواجباتها في أجزاء المياه البحرية الواقعة وراء الحدود الخارجية للبحار الإقليمية، مقيدة بألا يكون استخدامها منطوياً على سوء استعمالها، وأن يكون وفاؤها بالتزاماتها مقروناً بحسن النية، وهو ما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقع عليها في جامايكا في العاشر من ديسمبر 1982 بنصها على أن الأحكام التي تضمنتها هذه الاتفاقية، غايتها أن تقيم للبحار نظاماً قانونياً يسهل الاتصالات البحرية الدولية، دون ما إخلال بالسيادة الإقليمية، وبما يكفل للبحار استخداماتها السلمية، والانتفاع الكامل بمواردها الطبيعية بصورة منصفة ومقتدرة، وكذلك صون مواردها الحية وحماية البيئة البحرية، إذ كان ذلك، وكان تسهيل الاتصالات البحرية – وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية – يعني في المقام الأول، ضمان أن تباشر السفن الأجنبية حق المرور البريء Right of Innocent Passage في البحار الإقليمية، وحق المرور العابر Right of Transit Passage في المناطق الدولية، وحرية الملاحة البحرية Freedom of Navigation في المناطق البحرية الواقعة وراء حدود الولاية الوطنية، وذلك كله وفقاً لأوضاع التي بينتها تلك الاتفاقية، وكانت القيود التي تتصل بصون المحميات الطبيعية، قد تنال من الصور المختلفة للمرور التي تكفلها الاتفاقية آنفة البيان، سواء بتقييدها أو منعها، فإن تعيين حدود هذه المحميات – بالقدر الذي يكون كافياً لدرء الأضرار عنها حفاظاً على بيئتها وحماية لمواردها – يكون لازماً.
12 – لكل محمية طبيعية – بحرية كانت أم برية – عنصرين لا يتصور وجودها بتخلف أيهما. أولهما: أن تكون تكويناتها الطبيعية مبلورة لخصائص متفردة تستقل بها، ويكون لتميزها درجة من الأهمية تقتضي إخضاعها لتنظيم خاص يهيمن على أوضاعها لضمان أن تظل مقوماتها نائية عما يهددها أو ينال من بقائها. ثانيهما: أن يكون نطاق امتدادها في المكان معيناً تعييناً قاطعاً، باعتبار أن لكل محمية – وبالضرورة – حيزاً جغرافياً يُبين تخومها، ويتعين أن تنحصر داخل حدوده، تلك الأفعال التي قيد المشرع ممارستها أو حظرها فيها. واجتماع العنصرين السابقين في المحمية الطبيعية، مؤداه أن العدوان عليها أو مخالفة النظم السارية في شأنها، لا يتصور أن يتم أفعال تقع من وراء حدودها الخارجية، ولا بأفعال لا تخل بالأغراض المقصودة من إنشائها وحمايتها أيا كان مكان ارتكابها، ويعتبر في حكم الطائفة الأولى من الأفعال، تلك التي يتعذر التيقن مما إذا كان مرتكبها قد أتاها داخل الحدود الجغرافية للمحمية الطبيعية، أو خارج محيطها. وهو ما يقع دوماً كلما جهّل المشرع بإبعادها التي يتعين على السفن والأشخاص التزامها، توقياً للوقوع في حمأة التجريم.
13 – لم يؤثم قانون المحميات الطبيعية أفعالاً بذواتها استقلالاً عن مكان وقوعها، بل جعل ارتكابها داخل حدودها شرطاً لتجريمها، باعتبار أن ذلك وحده هو الذي يقيد أو يعطل الأغراض المقصودة من إنشائها، وأن إتيانها بعيداً عن هذا المكان، ليس بذي أثر على مكوناتها وخصائصها الطبيعية. ومن ثم لا يكون المكان في المحميات الطبيعية ظرفاً مستقلاً عن الركن المادي للجرائم التي أحدثها القانون المنظم لها، بل هو مفترض أولي لاكتمال مادية الأفعال التي تكونها، وبالتالي لا يقوم النشاط الإجرامي للجاني بالغاً مداه – بالمعنى المقصود في قانون المحميات الطبيعية – إذا ما تم وراء مواقعها.
ولا يناهض التنظيم العقابي المقارن ما تقدم، وذلك كلما كان المكان لازماً لوقوع الجرائم التي نص عليها، كدخول شخص بيتاً مسكوناً أو مكاناً معداً للسكنى أو ملحقاتها قاصداً من ذلك إتيان إحدى الجرائم فيه، ولو لم تتعين. ولا كذلك تقرير عقوبة على أفعال بذواتها استقلالاً عن وقوعها في مكان محدد أو خلال زمن معين، إذ لا يعد هذا المكان أو ذلك الزمان ظرفاً يتوقف تأثيمها على توافره. فإذا لابسها، تعين تغليظ العقوبة المقررة أصلاً لها. فما ينص عليه قانون العقوبات من أن كل من اختلس مالاً لغيره فهو سارق، لا يعدو أن يكون تعريفاً بالسرقة من خلال تحديد ركنيها، فإذا حصلت في مكان مسكون أو معد للسكنى أو ملحقاتهما، كان ذلك ظرفاً مشدداً للسرقة، مستوجباً تغليظ عقوبتها ردعاً لمرتكبها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى السرقات التي تقع ليلاً، باعتبار أن ظرفاً زمنياً قد قارنها، وإن لم يكن متطلباً لوجودها قانوناً.
14 – إن المجتمعات الطبيعية التي نظمها القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، وأحاطها بالحماية الجنائية، تقديراً منه لحيوية المصالح التي ترتبط بوجودها، لا ينشأ إلا قرار يصدر عن رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء، يكون كاشفاً عن حدودها، قاطعاً بتخومها، ليكون نطاقها المكاني جلياً واضحاً توقياً لاختلاطها بغيرها من المناطق البحرية، وتعييناً للدائرة التي لا يتصور وقوع الأفعال التي أثمها فيما وراء محيطها، وكان إعمال أحكام هذا القانون رهناً بصدور ذلك القرار مستكملاً العناصر التي لا يقوم إلا بها، فإن تعيين حدود المحميات البحرية التي يسري عليها، يجب أن يكون محمولاً عليه، أو متسانداً إليه، سواء بين مواقعها في صلبه، أم أحال في شأن تجليتها إلى وثيقة أفصح عنها، لتندمج بالتالي في الأحكام التي تضمنها، وتغدو جزءاً منها يتكامل معها.
15 – إعلام المخاطبين بالقانون رقم 102 لسنة 1983 آنف البيان، إعلاماً كافياً Fair Notico بحدود المحميات الطبيعية، لضمان حقوقهم وحرياتهم التي نص عليها الدستور أو كفلتها قواعد القانون الدولي العام، لا يتأتى إلا من خلال نشرها في الجريدة الرسمية التي تتحقق بها العلانية، وكان قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه، قد أحال في شأن تعيين حدود المحميات الطبيعية التي عينها إلى خريطة تبين مواقعها، إلا أنها لم تنشر، وظل خافياً بذلك النطاق المكاني الذي تمتد إليه المحميات على صعيد المياه البحرية، وكان إتيان الفعال التي أثمها قانون الطبيعية في هذا النطاق، شرطاً لتجريمها – على ما سلف البيان – فإن القرار المطعون فيه، إذ جهل بحدود المحميات الطبيعية التي يسري عليها – والتي يعتبر تعيينها مفترضاً أولياً لإعمال النصوص العقابية التي تضمنها القانون المنظم لتلك المحميات من خلال ترسيم الدائرة التي تعمل فيها – يكون مفتقراً إلى خاصية اليقين التي تهيمن على التجريم، ويخل كذلك بالحرية الشخصية من خلال القيود التي لا يجوز أن تنال من جوهرها Essential Core، ويغدو هذا القرار بالتالي مخالفاً للمادتين 41، 66 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ 11 مايو 1993 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن السفينة “بناي سامبا جويتا” – قيادة المدعي – كانت تعبر خليج السويس بالبحر الأحمر في طريقها إلى قناة السويس، فاحتكت بالرصيف البترولي رقم 382 المعروف باسم “صدقي” وإذ اتهمته النيابة العامة بالإضرار بالحياة البحرية وكائناتها بمناطق البحر الأحمر، وقدمته للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 302 لسنة 1989 جنح رأس غارب بالمواد 1، 2، 3 من القانون رقم 102 لسنة 1983، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986 بإنشاء محميات طبيعية بمحافظة البحر الأحمر، والمواد 1، 2، 3 من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1968 في شأن منع تلوث مياه البحر الأحمر بالزيت، والمادة 378/ 6 من قانون العقوبات، وكان الحاضر عن المتهم قد دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986، وكانت محكمة الموضوع بعد أن قدرت جدية الدفع، قررت تأجيل نظر الدعوى، وحددت للمدعي ثلاثة أشهر لرفع الدعوى الدستورية بذلك، فقد أقام الدعوى الراهنة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الدستورية الماثلة بمقولة إن المدعي مقدم إلى المحكمة الجنائية بالمواد 1، 2، 7 من القانون رقم 102 لسنة 1983، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986، والمواد 1، 2، 3 من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1968 في شأن منع تلوث مياه البحر الأحمر بالزيت، والمادة 378 من قانون العقوبات، وأن نعيه عدم دستورية المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986 دون غيرها من مواد الاتهام الأخرى، لن يعود عليه بأية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها، وذلك تأسيساً على أنه ملاحق بمواد الاتهام، ولن يستطيع منها فكاكاً، وبوجه خاص المواد 1، 2، 3 من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1986 التي تعاقب جميع السفن على اختلاف جنسياتها – بما فيها السفن التابعة لدول غير منضمة إلى المعاهدة الدولية لمنع تلوث مياه البحر بالزيت – إذا ألقت الزيت أو المزيج الزيتي في المياه الداخلية أو الإقليمية لجمهورية مصر العربية، أياً كان موقعها وعلى امتدادها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن تعدد مواد الاتهام، لا يعني أن من وجهت إليه مُدان بأيها، إذ تفترض براءته من التهم التي أسندتها النيابة العامة إليه، إلى أن يقوم الدليل أمام القضاء جلياً قاطعاً على ثبوتها في حقه. كذلك فإن تعدد مواد الاتهام لا يدل بداهة على أن جميعها مخالفة للدستور حتى يحمل المتهم على اختصامها بتمامها أمام المحكمة الدستورية العليا، بل تقوم مصلحته الشخصية والمباشرة في الطعن على ما يكون منها كذلك في تقديره، توصلاً لإبطالها وإلغاء قوة نفوذها كي لا تطبقها محكمة الموضوع بالنسبة إليه. متى كان ذلك وكان مناط المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، وكان الحكم في الدعوى الجنائية متوقفاً على الفصل في دستورية بعض مواد الاتهام المثارة فيها، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى الدستورية، يكون على غير أساس.
وحيث إن المدعي طعن بعدم دستورية أحكام قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986، على أساس أن مادته الأولى – الصادرة بناء على تفويض من القانون رقم 102 لسنة 1983 – قد خالفت مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي نصت عليه المادة 66 من الدستور، وكذلك أحكام المادتين 187، 188 من الدستور اللتين تقضيان بأن أحكام القوانين لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، وكان العلم بالأفعال التي يعد ارتكابها جريمة معاقباً عليها قانوناً، لا يفترض، بل يتعين بيانها بما لا تجهيل فيه، حتى لا تختلط بغيرها مما يعد مباحاً. وإذ نص القرار المطعون فيه على أن المحميات الطبيعية وفقاً لأحكامه، هي تلك المبينة حدودها وفقاً للخريطة المرفقة، وكانت هذه الخريطة لم تنشر، فإن التجريم يكون قد تم بموجب نص تشريعي لا يجوز إنفاذه من الناحية الدستورية.
وحيث إن الدستور في اتجاهه إلى الدستور النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها، والتقيد بمناهجها التقدمية، قد نص في المادة 66، على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، كاشفاً بذلك عن أن لكل جريمة ركناً مادياً لا قوام لها بغيره، يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، ذلك أن العلائق التي ينظمها القانون الجنائي، محورها الأفعال ذاتها، باعتبارها مناط التجريم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها أو نفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها وفقاً للقانون. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة، والأمر كذلك إذا كان تأثيم المشرع لأفعال بذاتها معلقاً على ارتكابها في مكان معين، إذ يكون اتصال هذه الأفعال بذلك المكان شرطاً لتأثيمها، بحيث يعتبر وقوعها في غيره نافياً وصف التجريم عنها.
وحيث إن الجزاء الجنائي عبر أطوار قاتمة في التاريخ، أداة طيعة للقهر والطغيان، محققاً للسلطة المستبدة أطماعها، ومبتعداً بالعقوبة عن إغراضها الاجتماعية، وكان منطقياً وضروريا، أن تعمل الدول المتمدينة على أن تقيم تشريعاتها الجزائية وفق أسس ثابتة تكفل بذاتها انتهاج الوسائل القانونية السليمة – في جوانبها الموضوعية والإجرائية – لضمان ألا تكون العقوبة أداة قامعة للحرية، عاصفة بها، بالمخالفة للقيم التي تؤمن بها الجماعة في تفاعلها مع الأمم المتحضرة واتصالها بها. وكان لازماً – في مجال تثبيت هذا الاتجاه – أن تفرض الدساتير المعاصرة القيود التي ارتأتها على سلطان المشرع في مجال التجريم، تعبيراً عن إيمانها بأن حقوق الإنسان وحرياته، لا يجوز التضحية في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها، واعترفا منها بأن الحرية في كامل أبعادها لا تنفصل عن حرمة الحياة، وأن الحقائق المريرة التي عايشتها البشرية على امتداد مراحل تطورها، تتطلب نظاماً متكاملاً يكفل للجماعة مصالحها الحيوية، ويصون – في إطار أهدافه – حقوق الفرد وحرياته الأساسية، بما يحول دون إساءة استخدام العقوبة تشويها لأغراضها. وقد تحقق ذلك بوجه خاص، من خلال ضوابط صارمة، ومقاييس أكثر إحكاماً، غايتها تحديد ماهية الأفعال المنهي عن ارتكابها تحديداً قاطعاً، وكذلك تعيين مكان وقوعها “كلما كان اتصال هذه الأفعال بذلك المكان متطلباً لتجريمها”.
وحيث إن تأثيم المشرع لأفعال بذواتها حال وقوعها في مكان معين، مؤداه أن تعيين حدود هذا المكان بما ينفي التجهيل بأبعاده، شرط أولى لصون الحرية الفردية التي أعلى الدستور قدرها، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التي تكمن في النفس البشرية ولا يتصور فصلها عنها أو انتهاكها Inherent, Inalienable and Invioable Right إذا هي من مقوماتها، وكانت القيود التي تفرضها القوانين الجزائية على تلك الحرية – سواء بطريق مباشرة أو غير مباشر – تقتضي أن تصاغ أحكامها بما يقطع كل جدل في شأن حقيقية محتواها، ليبلغ اليقين بها Legal Certainty حدا يعصمها من الجدل، وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية، وفق معايير شخصية تخالطها الأهواء، وتنال من الأبرياء لافتقارها إلى الأسس الموضوعية اللازمة لضبطها، وكان ما تقدم مؤداه، أن النصوص العقابية لا يجوز من خلال انفلات عباراتها، أو تعدد تأويلاتها، أو “انتفاء التحديد الجازم لضوابط تطبيقها” أن تعرقل حقوقاً كفلها الدستور كالحق في التنقل، فقد تعيين ألا تكون هذه النصوص شباكا أو شراكاً يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها المتهمين المحتملين ليكون تصنفيهم، وتقرير من يجوز احتجازه من بينهم، عبئاً على السلطة القضائية، لتحل إرادتها بعدئذ محل إرادة السلطة التشريعية، وهو ما لا يجوز أن تنزلق إليه القوانين الجنائية، باعتبار أن ما ينبغي أن يعنيها، هو أن تحدد بصورة جلية مختلف مظاهر السلوك التي لا يجوز التسامح فيها، على ضوء القيم التي تبنتها الجماعة، واتخذتها أسلوباً لحياتها وركائز لتطورها، وبما يكفل دوماً ألا تكون القوانين، مجرد إطار لتنظيم القيود على الحرية الشخصية، بل ضماناً لفعالية ممارستها.
وحيث إن القانون رقم 102 لسنة 1983 في شأن المحميات الطبيعية قد حدد – في مادته الأولى – المقصود بالمحمية في تطبيق أحكامه، فعّرفها بأنها أي مساحة من الأرض أو المياه الساحلية أو الداخلية تتميز بما تضمه من كائنات حية نباتية كانت أو حيوانات أو أسماك أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية، يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء. ونصت المادة الثالثة من هذا القانون – في مجال تحديدها للأفعال التي لا يجوز ارتكابها في منطقة المحمية – على حظر القيام بأعمال أو تصرفات أو مباشرة نشاط أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة البحرية أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالي بمنطقة المحمية. ولا يجوز بوجه خاص صيد أو نقل الكائنات البحرية أو البرية أو إزعاجها أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها، وكذلك نقل النباتات الكائنة بمنطقة المحمية أو إتلافها أو إدخال أجناس غربية لهذه المنطقة، أو تلويث تربتها أو هوائها أو مياهها بأي شكل من الأشكال، أو صيد أو نقل أو أخذ كائنات عضوية، كالشعب المرجانية أو الصخور أو التربة أيا كان الغرض من ذلك. ولا يجوز كذلك إقامة مبان أو منشآت أو شق الطرق أو ممارسة نشاط زراعي أو صناعي أو تجاري في منطقة المحمية. ولم تجز المادة الثالثة من هذا القانون أن تمارس في المناطق – المحيطة بمنطقة المحمية – تلك الأعمال أو التصرفات التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء إذا كان من شأنها التأثير علي بيئة المحمية أو الظواهر الطبيعية بها، إلا بتصريح من الجهة الإدارية المختصة. وحددت مادته السابعة العقوبات المقررة على مخالفة أحكام مادتيه الثانية والثالثة.
وحيث إنه بناء على التفويض المخول لرئيس مجلس الوزراء بمقتضى المادة الأولي من القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، أصدر رئيس مجلس الوزراء – بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء – القرار رقم 450 لسنة 1986 منشئاً بموجبه محميات طبيعية في منطقة جبل علبة بمحافظة البحر الأحمر، ذلك أن مادته الأولي نصها الآتي: “تعتبر محمية طبيعية في تطبيق أحكام القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه – وفقاً للحدود الموضحة بالخريطة المرفقة – كل من: منطقة جزر البحر الأحمر وغابات المانجروف الساحلية – منطقة أبرق – منطقة الدئيب – منطقة جبل علبة”. وحظرت مادته الثالثة الأعمال أو التصرفات أو الإجراءات وكذلك مختلف صور النشاط إذا كان من شأنها تدمير البيئة البحرية بمناطق المحميات المشار إليها أو إتلافها أو دهورتها أو الإضرار بالحياة البحرية أو البرية أو النباتية فيها، أو المساس بمستواها الجمالي، وبوجه الخاص، لا يجوز نقل نباتاتها أو إتلافها أو تدمير تكويناتها الجيولوجية أو الجغرافية أو المناطق التي تعتبر موطناً لفصائل حيواناتها أو نباتاتها أو تكاثرها. كما لا يجوز إدخال أجناس غريبة لمناطق المحميات أو تلويث تربتها أو هوائها أو مياهها بأي شكل من الأشكال، أو إلقاء السوائل الضارة أو المواد الكيماوية أو الزيوت أو النفايات على اختلاف أنواعها في تلك المناطق، أو المناطق المحيطية بها، بما يؤدي إلى تسربها على مناطق المحمية. ويحظر كذلك إقامة مبان أو منشآت أو شق البيئة الطرق في مناطق المحمية، إلا بتصريح من فرع جهاز شئون البيئة بمحافظة البحر الأحمر، ووفقاً للشروط والقواعد التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء.
وحيث إن البين مما تقدم، أن القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، وكذلك قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه، قد توخيا بأحكامهما صون المحميات الطبيعية في مواجهة الأفعال التي تغير من خصائصها وتكويناتها الجيولوجية أو الجغرافية أو تشوه طبيعتها أو تخل بعناصر التوازن الايكولوجي فيها، أو تدهور مواردها سواء باستنزافها أو تلويثها، أو تنال من قيمتها الجمالية أو الثقافية، أو تضر بحيواناتها أو نباتاتها أو تحول دون تكاثرها، أو تدخل من الأجناس ما يكون غريباً عنها، وكذلك أية أفعال أخرى يكون وقوعها في المحميات الطبيعية، مصادماً للأغراض المقصودة من إنشائها.
وحيث إن صون المحميات الطبيعية يتغيا كذلك، أن تظل باقية أبداً، لتفرض الصورة البدائية لمختلف مظاهرها الطبيعية على المترددين عليها، فلا ينالها تبديل إلا بالقدر الذي يكون ضرورياً لإنمائها وتطويرها، كي ترعى على مر العصور جوهر خصائصها، حفاظاً على معالم بنيانها، فلا تمتد ظاهر الحياة المدنية أو أدواتها إلى مواقعها لتعدل من مكوناتها أو تحيلها عدماً. وكان حتماً بالتالي أن يكون التنظيم التشريعي لأوضاعها متوازناً، فلا تكون الحماية الواجبة لبيئتها، أو موالاة شئونها بوصفها تراثاً للبشرية، حائلاً دون الترخيص بالأعمال التي لا تناهضها كتلك المتعلقة برصد ظواهرها البيئية.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان تأمين المحميات الطبيعية من صور العدوان المحتمل عليها، يفترض بداهة تعيين حدودها بما لا خفاء فيه، وبوجه خاص حين تكون هذه المحميات واقعة في نطاق المياه البحرية التي ينظم القانون الدولي قواعد المرور فيها، ذلك أن حقوق الدول وواجباتها في أجزاء المياه البحرية الواقعة وراء الحدود الخارجية للبحار الإقليمية، مقيدة بألا يكون استخدامها منطوياً على سوء استعمالها، وأن يكون وفاؤها بالتزاماتها مقروناً بحسن النية، وهو ما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقع عليها في جامايكا في العاشر من ديسمبر 1982 بنصها على أن الأحكام التي تضمنتها هذه الاتفاقية، غايتها أن تقيم للبحار نظاماً قانونياً يسهل الاتصالات البحرية الدولية، دون ما إخلال بالسيادة الإقليمية، وبما يكفل للبحار استخداماتها السلمية، والانتفاع الكامل بمواردها الطبيعية بصورة منصفة ومقتدرة، وكذلك صون مواردها الحية وحماية البيئة البحرية.
وحيث إن تسهيل الاتصالات البحرية – وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية – يعني في المقام الأول، ضمان أن تباشر السفن الأجنبية حق المرور البريء Right of Innocent Passage في البحار الإقليمية، وحق المرور العابر Right of Transit Passage في المضايق الدولية، وحرية الملاحة البحرية Freedom of Navigation في المناطق البحرية الواقعة وراء حدود الولاية الوطنية، وذلك كله وفقاً لأوضاع التي بينتها تلك الاتفاقية، وكانت القيود التي تتصل بصون المحميات الطبيعية، قد تنال من الصور المختلفة للمرور التي تكفلها الاتفاقية أنفة البيان، سواء بتقييدها أو منعها، فإن تعيين حدود هذه المحميات – بالقدر الذي يكون كافياً لدرء الأضرار عنها حفاظاً على بيئتها وحماية لمواردها – يكون لازماً.
وحيث إن مؤدى ما تقدم، أن لكل محمية طبيعية – بحرية كانت أم برية – عنصرين لا يتصور وجودها بتخلف أيهما، أولهما: أن تكون تكويناتها الطبيعية مبلورة لخصائص متفردة تستقل بها، ويكون لتميزها درجة من الأهمية تقتضي إخضاعها لتنظيم خاص يهيمن على أوضاعها لضمان أن تظل مقوماتها نائية عما يهددها أو ينال من بقائها. ثانيهما: أن يكون نطاق امتدادها في المكان معيناً تعييناً قاطعاً، باعتبار أن لكل محمية – وبالضرورة – حيزاً جغرافياً يُبين تخومها، ويتعين أن تنحصر داخل حدوده، تلك الأفعال التي قيد المشرع ممارستها أو حظرها فيها.
وحيث إن اجتماع العنصرين السابقين في المحمية الطبيعية، مؤداه أن العدوان عليها أو مخالفة النظم السارية في شأنها، لا يتصور أن يتم بأفعال تقع وراء حدودها الخارجية، ولا بأفعال لا تخل بالأغراض المقصودة من إنشائها وحمايتها أيا كان مكان ارتكابها، ويعتبر في حكم الطائفة الأولى من الأفعال، تلك التي يتعذر التيقن مما إذا كان مرتكبها قد أتاها داخل الحدود الجغرافية للمحمية الطبيعية، أو خارج محيطها. وهو ما يقع دوماً كلما جهّل المشرع بإبعادها التي يتعين على السفن والأشخاص التزامها، توقياً للوقوع في حمأة التجريم.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن قانون المحميات الطبيعية، لم يؤثم أفعالاً بذواتها استقلالاً عن مكان وقوعها، بل جعل ارتكابها داخل حدودها شرطاً لتجريمها، باعتبار أن ذلك وحده هو الذي يقيد أو يعطل الأغراض المقصودة من إنشائها، وأن إتيانها بعيداً عن هذا المكان، ليس بذي أثر على مكوناتها وخصائصها الطبيعية. ومن ثم لا يكون المكان في المحميات الطبيعية ظرفاً مستقلاً عن الركن المادي للجرائم التي أحدثها القانون المنظم لها، بل هو مفترض أولي لاكتمال مادية الأفعال التي تكونها، وبالتالي لا يقوم النشاط الإجرامي للجاني بالغاً مداه – بالمعنى المقصود في قانون المحميات الطبيعية – إذا ما تم وراء مواقعها.
وحيث إن التنظيم العقابي المقارن لا يناهض ما تقدم، وذلك كلما كان المكان لازماً لوقوع الجرائم التي نص عليها، كدخول شخص بيتاً مسكوناً أو مكاناً معداً للسكنى أو ملحقاتها قاصداً من ذلك إتيان إحدى الجرائم فيه، ولو لم تتعين. ولا كذلك تقرير عقوبة على أفعال بذواتها استقلالاً عن وقوعها في مكان محدد، أو خلال زمن معين، إذ لا يعد هذا المكان أو ذلك الزمان ظرفاً يتوقف تأثيمها على توافره، فإذا لابسها، تعين تغليظ العقوبة المقررة أصلاً لها. فما ينص عليه قانون العقوبات من أن كل من اختلس مالاً لغيره فهو سارق، لا يعدو أن يكون تعريفاً بالسرقة من خلال تحديد ركنيها، فإذا حصلت، في مكان مسكون أو معد للسكنى أو ملحقاتهما، كان ذلك ظرفاً مشدداً للسرقة، مستوجباً تغليظ عقوبتها ردعاً لمرتكبها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى السرقات التي تقع ليلاً، باعتبار أن ظرفاً زمنياً قد قارنها، وإن لم يكن متطلباً لوجودها قانوناً.
وحيث إن المحميات الطبيعية التي نظمها القانون رقم 102 لسنة 1983 المشار إليه، وأحاطها بالحماية الجنائية، تقديراً منه لحيوية المصالح التي ترتبط بوجودها، لا ينشأ إلا قرار يصدر عن رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح جهاز شئون البيئة بمجلس الوزراء، يكون كاشفاً عن حدودها، قاطعاً بتخومها، ليكون نطاقها المكاني جلياً واضحاً توقياً لاختلاطها بغيرها من المناطق البحرية، وتعييناً للدائرة التي لا يتصور وقوع الأفعال التي أثمها فيما وراء محيطها، وكان إعمال أحكام هذا القانون رهناً بصدور ذلك القرار مستكملاً العناصر التي لا يقوم إلا بها، فإن تعيين حدود المحميات البحرية التي يسري عليها، يجب أن يكون محمولاً عليه، أو متسانداً إليه، سواء بين مواقعها في صلبه، أم أحال في شأن تجليتها إلى وثيقة أفصح عنها، لتندمج بالتالي في الأحكام التي تضمنها، وتغدو جزءاً منها يتكامل معها.
وحيث إن إعلام المخاطبين بالقانون رقم 102 لسنة 1983 آنف البيان، إعلاماً كافياً Fair Notice بحدود المحميات الطبيعية، لضمان حقوقهم وحرياتهم التي نص عليها الدستور أو كفلتها قواعد القانون الدولي العام، لا يتأتى إلا من خلال نشرها في الجريدة الرسمية التي تتحقق بها العلانية، وكان قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه، قد أحال في شأن تعيين حدود المحميات الطبيعية التي عينها إلى خريطة تبين مواقعها، إلا أنها لم تنشر، وظل خافياً بذلك النطاق المكاني الذي تمتد المحميات على صعيد المياه البحرية، وكان إتيان الأفعال التي أثمها قانون المحميات الطبيعية في هذا النطاق، شرطاً لتجريمها – على ما سلف البيان – فإن القرار المطعون فيه، إذ جهل بحدود المحميات الطبيعية التي يسري عليها – والتي تعتبر تعيينها مفترضاً أولياً لإعمال النصوص العقابية التي تضمنها القانون المنظم لتلك المحميات من خلال ترسيم الدائرة التي تعمل فيها – يكون مفتقراً إلى خاصية اليقين التي تهيمن على التجريم، ويخل كذلك بالحرية الشخصية من خلال القيود التي لا يجوز أن تنال من جوهرها Essential Core، ويغدو هذا القرار بالتالي مخالفاً للمادتين 41، 66 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 450 لسنة 1986 بإنشاء محميات طبيعية بمنطقة جبل علبة بالبحر الأحمر وذلك فيما تضمنته من عدم تعيين الحدود التي تبين النطاق المكاني لتلك المحميات، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية