الخط الساخن : 01118881009

جلسة 3 ديسمبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.

(القاعدة رقم 30)
القضية رقم30 لسنة 15 قضائية “دستورية”

1 – دعوى دستورية “المصلحة فيها” “مناطها”.
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون الفصل في المسألة الدستورية – لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع.
2 – حق “الملكية – صونها”.
حرص الدستور على النص على صون الملكية الخاصة, وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء, وبالقدر وفي الحدود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية.
3 – حق الملكية “وظيفتها الاجتماعية” “التوازن المفترض بين حق الملكية والقيود عليها”.
الملكية لم تعد حقاً مطلقاً, جواز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ، بل يمليها واقع اجتماعي معين في بيئة بذاتها لها خصائصها ومقوماتها وتوجهاتها. على ضوء هذا الواقع – وبمراعاة طبيعية الأموال محل الملكية والأغراض التي ينبغي أن ترصد عليها – يقرر إطار الموازنة التي يرجح من خلالها المصالح الأجدر بالحماية وفقاً للدستور.
4 – تشريع “الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983” “التنازل عن حق إجارة العين المتخذة مكتباً للمحاماة” “جوازه من محام لزميل”
إذ قدر المشرع أن النهوض بمهنة المحاماة, يقتضي أن تتواصل مباشرتها بين أجيال القائمين عليها, وألا ينقطع اتصالهم بالأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها, فإن نزول محام لأحد زملائه – طبقاً للفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة – عن حق إجازة العين التي يستخدمها مكتباً للمحاماة, لا يناقض حق الملكية, بالقدر الذي لا يتعارض فيها هذا التنازل مع الحقوق التي يقابلها, والمقررة قانوناً لمالكها طبقاً للقواعد العامة.
5 – علاقة إيجارية “الافتئات الكامل على حقوق أحد أطرافها” “أثره: عدوان على الملكية”.
التزم المشرع في مجال تنظيم الحقوق بالقيود التي فرضها الدستور, كل نص لا يقيم وزناً للتوازن في العلاقة الإيجارية من خلال تخويل مستأجر العين مزايا بعيدة في مداها تخل بالحقوق الأصلية التي كان ينبغي ضمانها لمؤجرها، يعتبر منطوياً على إهدار للحماية الدستورية لحق الملكية.
6 – علائق إيجارية “التشريعات الاستثنائية التي تنظمها” “خضوعها للرقابة القضائية على الشرعية الدستورية”.
التشريعات الاستثنائية التي تحكم العلاقات الإيجارية، تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها, وتخضع للرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح.
7 – علائق إيجارية “القواعد العامة التي تحكمها” “اندراج المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 تحتها”.
ما قررته هذه المادة من حق الملكية في الحصول على 50% من مقابل التنازل عن حق الانتفاع بالعين المؤجرة في الأحوال, وبالشروط المبينة فيها, توخي إلزام المستأجر أن يتقاسم مقابل التنازل مع المالك لمواجهة النزول عن العين المؤجرة نزولاً فورياً, ونافذاً في حق المالك، وبغير رضاه. لمالك العين كذلك أولوية شرائها, بالشروط التي حددتها تلك المادة.
8 – تشريع” الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة” “انطواؤها على مزايا استثنائية”.
تتوخى هذه الفقرة حرمان مالك العين المؤجرة من حقين كفلتهما المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة المؤجر والمستأجر, هما أن يحصل على 50% من مقابل التنازل عنها إذا أراد إهداره, أو أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة، مع إنهاء العلاقة الإيجابية التي ارتبط بها في شأنها.
9 – تشريع “الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة” “انفصالها عن مجموع الأحكام التي نظم المشروع مهنة المحاماة في إطارها” “إخلالها بالمقاصد الشرعية التي تنظم الحقوق في نطاقها” “أثر ذلك”.
الفقرة الثانية المشار إليها غريبة عن مجموع الأحكام التي تنظم مهنة المحاماة، وتكفل أداء رسالته، وليس لها من صلة بها. وهي فوق هذا، تناقض المقاصد الشرعية التي ينظم ولي الأمر الحقوق في نطاقها, ذلك أنها تقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة, ولا تختار أهون الشرين لدفع أعظمهما, بل تلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش.
10 – مبدأ المساواة أمام القانون “مفهوم ونطاق هذا المبدأ” “النتائج التي يرتبها”.
مبدأ المساواة أمام القانون, لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة. عدم قيام هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها, التمييز المنهي عنه دستورياً, هو ذلك الذي يكون تحكمياً. صور التمييز المجافية للدستور, قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين, للانتفاع بها, وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. نص الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة, إذ آثر المحامين على من عداهم من المستأجرين بمزايا استثنائية لا يستندون في اقتضائها إلى مصلحة مشروعة, فإن إفرادهم بها يعد تميزاً منهياً عنه دستورياً.
11 – “حق الملكية” “قيام المحامين على أداء واجباتهم, لا يجوز أن ينال من هذا الحق”.
القول بأن النص المطعون فيه, يوفر مزيداً من الرعاية للمحامين تقديراً لدورهم في حماية حقوق المواطنين, لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية, والتي تمتد إلى عناصره المختلفة ويندرج تحتها استعمال المالك للشيء فيما أعد له, واستغلاله جنياً لثماره.
1 – من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع, إذ كان ذلك, وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق بنزول المدعي عليه الثالث عن إجازة العين التي اتخذها مكتباً للمحاماة, إلى المدعي عليه الرابع – بوصفه محامياً – لتمكينه من الانتفاع بها في ذات الغرض, وكانت المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن قضت في الدعوى رقم 25 لسنة 11 قضائية “دستورية” بجلسة 27 مايو سنة 1992 بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وذلك فيما قررته من جواز نزول المحامي أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو سنة 1992، وكان من المقرر أن قضاء المحكمة الدستورية العليا في تلك الدعوى – وفي حدود ما فصلت فيه فصلاً قاطعاً – إنما يحوز حجية مطلقة في مواجهة الكافة, وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة, فإن مصلحة المدعي الشخصية المباشرة, إنما تتحدد في جواز نزول المحامي أو ورثته – استثناء من حكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 – عن حق إيجار مكتب المحاماة, لزميل يباشر مهنة ذاتها, وتغدو الدعوى الراهنة فيما يجاوز هذا النطاق ويتعداه, غير مقبولة.
2, 3 – إن الدستور – إعلاء من جهته لقدر الملكية الخاصة, ولدورها في صون الأمن الاجتماعي وإرساء أسس التقدم – قد نص على أن حمايتها حق مكفول لكل فرد – وطنياً كان أم أجنبياً – ولم يجز بالتالي المساس بها إلا على سبيل الاستثناء, وبالقدر وفي الحدود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية, باعتبار أنها – في صورها الأكثر وقوعاً في الحياة العملية – عائدة إلى جهة صاحبها, بذلك من أجلها الوقت العرق والمال, وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، ليختص من بعد بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها, فلا يرده عنها معتد, ولا ينازعه فيها خصيم ليس بيده ما يسوغ انتقالها إليه, وكانت الأموال التي يرد عليها حق الملكية, تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التي لا يجوز إهدارها, أو التفريط فيها, أو بعثرتها تبدياً لقيمتها, أو بما يؤول إلى استخدامها على وجه يعطل مصالح الجماعة, وبوجه خاص ما يتعلق منها بالتنمية. بل يتعين دوماً أن تكون من وسائلها، وأن تُوَفَّر لها من الحماية أسبابها التي تُعينها على أداء دورها. وإذ كانت الملكية فوق هذا – وفي إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقاً مطلقاً ولا هي عصية على التنظيم التشريعي, وليس لها من الحصانة ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها, فقد ساغ تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ, ولا تفرض نفسها تحكماً، بل يمليها واقع اجتماعي معين في بيئة بذاتها لها خصائصها ومقوماتها, وتوجهاتها. وعلى ضوء هذا الواقع, وبمراعاة طبيعة الأموال محل الملكية, والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها, يقرر المشرع إطار الموازنة التي يجريها, ويرجع من خلالها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية, وأولى بالرعاية, وفقاً لأحكام الدستور. متى كان ذلك, تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها, وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها, بل غايتها خير الفرد والجماعة.
4 – إن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، قد نص في مادته الأولى على أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وتوكيد سيادة القانون, وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم, ويمارسها المحامون وحدهم في استقلال، لا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون, وكان هذا القانون – تمكيناً لأداء المحامين لواجباتهم بما يرعي أصول المهنة وقيمها – وقد نص في المادة 14 على حظر الجمع بين المحاماة وغيرها من الأعمال التي قرر منافاتها لها, ولم يجز بمقتضى نص المادة 50 – وفي الأحوال المنصوص عليها في المادة 49 – حبس المحامي احتياطياً أو القبض عليه, وحتم ألا ترفع الدعوى العمومية عليه, إلا بأمر من النائب العام, أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول. وقرن ذلك بالمادتين 51, 54 التي نص أولاهما على عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة, وتقرر ثانيتهما معاقبة كل من أهان محامياً أو قام بالاعتداء عليه, وكذلك كل من هدده أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يقارفون هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة، وكان المشرع قد قدر – بالنص المطعون فيه – أن النهوض بمهنة المحاماة في إطار الأغراض التي تتوخاها، يقتضي أن تتواصل مباشرتها بين أجيال القائمين عليها, فلا ينفصم اتصالهم بالأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها، بل يكون ارتباطهم بها مطرداً لا انقطاع فيه وفاء بتبعاتها. متى كان ذلك, فإن نزول محام لأحد زملائه عن حق إجارة العين التي يستخدمها مكتباً للمحاماة – وفي الحدود التي لا يتعارض فيها هذا التنازل مع الحقوق التي يقابلها, “والمقررة لمالكها وفقاً للقواعد العامة” – لا يناقض في ذاته حق الملكية ولا يخل بمقوماتها بل هو أدخل إلى تنظيمها في إطار وظيفتها الاجتماعية بفرض قيود عليها لا تخرجها عن طبيعتها.
5 – إن النص التشريعي المطعون فيه, قد نظم العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها, مقرراً كل محام – وورثته من بعده – من الخضوع للقواعد العامة التي تضمنها القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر, وذلك إذا تنازل لغيره من المحامين عن حق إجارة العين التي كان قد اتخذها مكتباً للمحاماة, وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية, ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لا يجوز تخطيها, لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في مادته الثانية والثلاثين مناطها تلك الملكية التي لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين, ولا تنافي مقاصدها الأغراض التي تتوخاها وظيفتها الاجتماعية, وكان المشرع في مجال تنظيم العلائق الإيجارية، وإن قرر من النصوص القانونية, ما ارتآه كافلاً للتوازن بين أطرافها, إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون شكلياً، بل يتعين أن يكون حقيقة واقعة قانوناً، وإلا آل أمر هذه النصوص إلى إبطالها من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية, لا يجوز أن تكون مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها, ولا أن يحصل من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني في مواجهة المؤجر, وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وناقض جوهر الملكية التي لا يجوز أن تكون ثمارها عائدة إلى غير أصحابها, بما مؤداه – ومن زاوية دستورية – امتناع إهدار الحدود المنطقية التي يقوم بها التوازن في العلائق الايجارية، وهو ما يتحقق بالضرورة كلما كان الميزان كليةً في اتجاه مناقض للمصالح المشروعة لأحد طرفيها. وبوجه خاص من خلال تخويل مستأجر العين مزايا بعيدة في مداها، تخل بالحقوق الأصلية التي كان ينبغي ضمانها لمؤجرها، إذ يعتبر ذلك اقتحاماً لحق الملكية عاصفاً بمقوماتها, وانتهاكاً لمجالاتها الحيوية التي لا يجوز المساس بها, باعتبارها علة تقريرها ومناط حمايتها.
6 – ولا ينال مما تقدم أن يقال بأن النص المطعون فيه, يعد من قبيل التشريعات الاستثنائية التي تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن, سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض، ذلك أنه حتى وإن صح ذلك, إلا أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التي درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها, واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها, ولضمان سريان آثارها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها – ولو كانت مبرمة قبلها – لا تعصمها من الخضوع للدستور, ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين, بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور.
7 – من المقرر وفقاً للقواعد العامة التي تنظم الروابط الإيجارية, أن مستأجر العين التي يستخدمها في السكن أو لغير ذلك من الأغراض، مقيد إذ أراد التنازل عن حق إجارتها إلى الغير، بأن يتم هذا التنازل بناء على نص في القانون, أو وفقاً لترخيص صادر عن مالكها – صريحاً كان أم ضمنياً – وسواء أكان هذا الترخيص مدرجاً في عقد الإجارة الأصلية أم وارداً في اتفاق لاحق على إبرامها. وإذ كان التنازل عن حق إجارة العين – في الأحوال التي يجوز فيها – قد يؤول إلى حصول المتنازل على مبالغ ضخمة لا ينال منها مالكها شيئاً أياً كان مقداره، بل ينفرد بها المتنازل من دونه، وكان ذلك بكل المقاييس ظلماً فادحاً يلحق بمالكها أبلغ الأضرار, فقد أقر المشرع نص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن، وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر, التي عَدَل بها عما كان معمولاً به قبلها من اختصاص مستأجر العين وحده بمقابل التنازل عنها, وليعيد بموجبها إلى العلائق الإيجارية توازناً كان قد اختل فيما بين أطرافها, وذلك من خلال أمرين يمثلان معاً حلاً منصفاً لمواجهة تنازل مستأجر العين عن حق إجارتها تنازلاً نافذاً في حق مالكها:
أولهما: أن يحصل مالكها على 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة المنقولات التي في العين, وهو تنازل يتم باتفاق بين المتنازل والمتنازل إليه في شأن انتقال منفعة العين إليه, وليس لمالكها شأن فيه.
ثانيهما: تقرير أولوية لمالكها في الانتفاع – دون المتنازل إليه – بالعين التي قام بتأجيرها إلى المتنازل، وذلك بشرط أن يعلن عن رغبته هذه عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار 50% من مقابل التنازل المعروض، على أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها وتسليمها.
8 – ما قرره النص المطعون فيه من استثناء النزول عن حق إجازة العين – إذا صدر من محام حياته أو من ورثته من بعده – من الخضوع للأحكام العامة التي تضمنتها المادة 20 المشار إليها، قد دل بعبارة قاطعة لا لبس فيها على أن هذا النص لم يلتزم بالقواعد التي تنظم التنازل بوجه عام, بل أسقطها بتمامها ليمتنع على المالك بعدئذ الخيار بين حقين كفلتهما المادة 20 السالف بيانها, هما أن يحصل على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إعمال آثاره, أو أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة مع إنهاء العلاقة الإيجارية التي ارتباطا بها في شأنها. بيد أن النص المطعون فيه, حرم من يملكون الأماكن المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولة المحاماة, من هذين البديلين كليهما, واعتبر تنازل المحامين وورثتهم من بعدهم عن حق إجارة تلك الأعيان، نافذاً نفاذاً فورياً قبل ملاكها, ومقروناً باستمرار عقود الإيجار المبرمة في شأنها لصالح المتنازل إليهم, بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم على الأعيان المؤجرة من خلال منعهم من الاستئثار بمنافعها.
9 – إن قانون المحاماة بعد أن حرص على توكيد سيادة القانون من خلال دعم مهنة المحاماة، والتمكين من أداء رسالتها, وبمراعاة أصول المهنة ومتطلباتها سعياً للنهوض بها, أتي بالنص المطعون فيه لتبدو الأحكام التي تضمنها غريبة في بابها منعزلة عن مجموع الأحكام التي يشتمل عليها هذا القانون, منافية بمضمونها للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة, وهو تنظيم خاص توخي تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة, بما لا يخل بمقوماتها, أو ينال من الأسس اللازمة للوفاء بتبعاتها محددة على ضوء الأغراض التي ترمي هذه المهنة إلى بلوغها. متى كان ذلك, فإن النص المطعون فيه يكون منفصلاً عن الأحكام التي تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام على رسالتها، ذلك أن الحقوق التي يرتبها للمحامين فيما بين بعضهم البعض لقاء التنازل عن الأعيان المتخذة مقاراً لمزاولة مهنة المحاماة, لازمها إلغاء حقوق ملاكها إلغاء كاملاً ونهائياً، إذ تقدم للمحامين دون غيرهم من المتنازلين عن حق الإجارة، ميزة استثنائية ينفردون بها, وتعصمهم من أن يؤدوا لمن يملكون الأعيان شيئاً منها ولو ضؤل, وتنقل إلى المتنازل إليه منفعة العين المؤجرة دون رضاء صاحبها, ولا يدخل ذلك في نطاق التنظيم التشريعي لحق الملكية, بل هو عدوان عليها, ذلك أن النص المطعون فيه يقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة, ولا يختار أهون الشرين لدفع أعظمهما, بل يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش, منافياً بذلك المقاصد الشرعية التي ينظم ولي الأمر الحقوق في نطاقها, ومجاوزاً بذلك الحدود المنطقية لعلاقة كان ينبغي أن تتوازن فيها المصالح لا أن تتصادم، ومغلباً مصالح فئة بذاتها من المواطنين على سواهم, بإيثار أفرادها بمزايا مالية يختصون بها دون غيرهم.
10 – إن الدساتير المصرية جميعها بدءاً بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم, رددت مبدأ المساواة أمام القانون de jure، وكلفت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي ينال منها أو تقيد ممارستها, وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للمصلحة العامة. ولئن نص الدستور في المادة 40 منه على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينتها, هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها, مرده أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها، إذ لو صح ذلك لكان بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور, ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور, ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التي رتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها أو الحريات التي يمارسونها, لاعتبار مرده إلى مولدهم, أو مركزهم الاجتماعي, أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية, أو نزعاتهم العرقية, أو عصبتهم القبلية, أو إلى موقفهم من السلطة العامة, أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها, وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها, وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها, إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها, بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها, وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. متى كان ذلك, وكان النص المطعون فيه يتوخى بالمزايا والحقوق التي كفلها للمحامين دون سواهم, تفضيلهم على من عداهم من المستأجرين، واستبعاد هؤلاء من الإفادة منها رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية, ودون أن يستند هذا التمييز إلى مصلحة مشروعة, بل عمد المشرع إلى نقيضها, فإن النص المطعون فيه يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية اللازمة لحمله, ومنهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور، باعتباره متبنياً تمييزاً تحكمياً.
11 – القول بأن النص التشريعي المطعون فيه يوفر مزيداً من الرعاية للمحامين تقديراً لدورهم في الدفاع عن حقوق المواطنين, ذلك أن قيام المحامين على واجباتهم الأصلية, ونهوضهم بمسئولياتها, لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية في المادتين 32, 34 منه, وهما تكفلان دعم الملكية الخاصة ممثلة في رأس المال غير المستغل، وتقرر أن صونها في إطار وظيفتها الاجتماعية، وباعتبار أن الحماية الدستورية لحق الملكية تمتد إلى عناصره المختلفة, ويندرج تحتها استعمال المالك للشيء في كل ما أعده له, واستغلاله استغلالاً مباشراً أو غير مباشر، جنياً لثماره.


الإجراءات

بتاريخ 4 سبتمبر سنة 1993 أودع المدعي بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وذلك فيما قررته من جواز تنازل المحامي أو ورثته عن حق إيجار مكتب المحاماة لمزاولة مهنة حرة – ولو كانت المحاماة – أو حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة, وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية على ذلك التنازل.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق, والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي عليه الثالث استأجر الشقة رقم (1) التي تملكها الشركة المدعية والكائنة في العقار رقم (9) بشارع تيتوبك كيني بالإسكندرية وذلك بموجب عقد إيجار مؤرخ 5 يناير سنة 1975، وبغرض استعمالها مكتباً للمحاماة, وبتاريخ 15 يوليو سنة 1992 تنازل المدعي عليه الثالث عن إيجار الشقة المذكورة إلى المدعي عليه الرابع للانتفاع بها في ذات الغرض نظير ثمن إجمالي قدره خمسة آلاف جنيه, وكان المدعي بصفته قد أقام الدعوى رقم 3505/ 92 مساكن أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعي عليهما الثالث والرابع بطلب الحكم بإخلائهما من العين المؤجرة, استناداً إلى نص الفقرة “ج” من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 التي تجيز للمؤجر طلب إخلاء المكان المؤجر في حالة تنازل المستأجر عنه بغير إذن كتابي صريح من المالك, وإلى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 27 مايو سنة 1992 في الدعوى الدستورية رقم 25 لسنة 11 قضائية الذي قضى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة “55” من قانون المحاماة الآنف بيانه. وأثناء نظر دعواه الموضوعية دفع المدعي بصفته بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 55 المشار إليها, وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية، فقد صرحت له برفع دعواه الدستورية, فأقام الدعوى الماثلة. وعقب قيدها, قضت المحكمة المذكورة بجلسة 24 نوفمبر سنة 1993، بوقف الدعوى الموضوعية حتى يصدر حكم في المسألة الدستورية.
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع, إذ كان ذلك, وكانت الدعوى الموضوعية تتعلق بنزول المدعي عليه الثالث عن إجارة العين التي اتخذها مكتباً للمحاماة, إلى المدعي عليه الرابع – بوصفه محامياً – لتمكينه من الانتفاع بها في ذات الغرض, وكانت المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن قضت في الدعوى رقم 25 لسنة 11 قضائية “دستورية” بجلسة 27 مايو سنة 1992 بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة المشار إليه، وذلك فيما قررته من جواز نزول المحامي أو ورثته عن إيجار مكتبه لمزاولة غير المحاماة من المهن الحرة أو لمباشرة حرفة غير مقلقة للراحة أو مضرة بالصحة، وما يرتبه هذا النص من آثار قانونية على التنازل المشار إليه، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 يونيو سنة 1992، وكان من المقرر أن قضاء هذه المحكمة في تلك الدعوى – وفي حدود ما فصلت فيه فصلاً قاطعاً – إنما يحوز حجية مطلقة في مواجهة الكافة, وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة, وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو نقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته، ومن ثم فإن مصلحة المدعي الشخصية المباشرة, إنما تتحدد في جواز نزول المحامي أو ورثته – استثناء من حكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 – عن حق إيجار مكتب المحاماة, لمزاولة مهنة المحاماة, وتغدو الدعوى الراهنة فيما يجاوز هذا النطاق ويتعداه, غير مقبولة.
وحيث إن المدعي “بصفته” ينعى على الفقرة الثانية – الأنف بيانها – أنها فيما قررته من إيثار المحامي أو ورثته بميزة النزول عن حق إيجار مكتب المحاماة لمن يزاول مهنة المحاماة, وحرمان مالك العين من الحق في أن يتقاسم مع المتنازل المقابل المعروض للتنازل عنها, تكون قد أخلت بالحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في المادتين 32, 34 منه, وانطوت كذلك على مخالفة لمبدأي تكافؤ الفرص ومساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادتين 8, 40 من الدستور.
وحيث إن الدستور – إعلاء من جهته لقدر الملكية الخاصة, ولدورها في صون الأمن الاجتماعي وإرساء أسس التقدم – قد نص على أن حمايتها حق مكفول لكل فرد – وطنياً أم أجنبياً – ولم يجز بالتالي المساس بها إلا على سبيل الاستثناء, وبالقدر وفي الحدود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية, باعتبار أنها – في صورها الأكثر وقوعاً في الحياة العملية – عائدة إلى جهة صاحبها, بذلك من أجلها الوقت العرق والمال, وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، ليختص من بعد بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها, فلا يرده عنها معتد, ولا ينازعه فيها خصيم ليس بيده ما يسوغ انتقالها إليه, وكانت الأموال التي يرد عليها حق الملكية, تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التي لا يجوز إهدارها, أو التفريط فيها, أو بعثرتها تبدياً لقيمتها, أو بما يؤول إلى استخدامها على وجه يعطل مصالح الجماعة, وبوجه خاص ما يتعلق منها بالتنمية. بل يتعين دوماً أن تكون من وسائلها، وأن توفر لها من الحماية أسبابها التي تُعينها على أداء دورها. وإذ كانت الملكية فوق هذا – وفي إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقاً مطلقاً ولا هي عصية على التنظيم التشريعي, وليس لها من الحصانة ما يجاوز الانتفاع المشروع بعناصرها, فقد ساغ تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهي وظيفة لا يتحدد نطاقها من فراغ, ولا تفرض نفسها تحكماً، بل يمليها واقع اجتماعي معين في بيئة بذاتها لها خصائصها ومقوماتها, وتوجهاتها. وعلى ضوء هذا الواقع, وبمراعاة طبيعة الأموال محل الملكية, والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها, يقرر المشرع إطار الموازنة التي يجريها, ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أجدر بالحماية, وأولى بالرعاية, وفقاً لأحكام الدستور. متى كان ذلك, تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مستهدياً بوجه خاص بالقيم التي تنحاز إليها الجماعة في مرحلة معينة من مراحل تطورها, وبمراعاة أن القيود التي يفرضها الدستور على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها, بل غايتها خير الفرد والجماعة.
وحيث إن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، قد نص في مادته الأولى على أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وتوكيد سيادة القانون, وضمان الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم, ويمارسها المحامون وحدهم في استقلال، ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون, وكان هذا القانون – تمكيناً لأداء المحامين لواجباتهم بما يرعي أصول المهنة وقيمها – وقد حظر في المادة 14 منه، الجمع بين المحاماة وغيرها من الأعمال التي قرر منافاتها لها. ولم يجز بمقتضى نص المادة 50 منه – وفي الأحوال المنصوص عليها في المادة 49 – حبس المحامي احتياطياً أو القبض عليه, وحتم إلا ترفع الدعوى العمومية عليه, إلا بأمر من النائب العام, أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول. وقرن ذلك بالمادتين 51, 54 التي نص أولاهما على عدم جواز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة, وتقرر ثانيتهما معاقبة كل من أهان محامياً أو قام بالاعتداء عليه, وكذلك كل من هدده أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يقارفون هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة، وكان المشرع قد قدر – بالنص المطعون فيه – أن النهوض بمهنة المحاماة في إطار الأغراض التي تتوخاها، يقتضي أن تتواصل مباشرتها بين أجيال القائمين عليها, فلا ينفصم اتصالهم بالأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولتها، بل يكون ارتباطهم بها مطرداً لا انقطاع فيه وفاء بتبعاتها. متى كان ذلك, فإن نزول محام لأحد زملائه عن حق إجارة العين التي يستخدمها مكتباً للمحاماة – وفي الحدود التي لا يتعارض فيها هذا التنازل مع الحقوق التي يقابلها, والمقررة لمالكها وفقاً للقواعد العامة – لا يناقض في ذاته حق الملكية ولا يخل بمقوماتها بل هو أدخل إلى تنظيمها في إطار وظيفتها الاجتماعية بفرض قيود عليها لا تخرجها عن طبيعتها.
وحيث إن النص التشريعي المطعون فيه, قد نظم العلاقة الإيجارية في بعض جوانبها, مقرراً استثناء كل محام – وورثته من بعده – من الخضوع للقواعد العامة التي تضمنها القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر, وذلك إذا تنازل لغيره من المحامين عن حق إجارة العين التي كان قد اتخذها مكتباً للمحاماة, وكان الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية, ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيوداً لا يجوز تخطيها, لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مفيداً وفعالاً، وكانت الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في مادته الثانية والثلاثين مناطها تلك الملكية التي لا تقوم على الاستغلال، ولا يتعارض استخدامها مع الخير العام لجموع المواطنين, ولا تنافي مقاصدها الأغراض التي تتوخاها وظيفتها الاجتماعية, وكان المشرع في مجال تنظيم العلائق الإيجارية، وأن قرر من النصوص القانونية, ما ارتآه كافلاً للتوازن بين أطرافها, إلا أن هذا التوازن لا يجوز أن يكون شكلياً، بل يتعين أن يكون حقيقة واقعة قانوناً، وإلا آل أمر هذه النصوص إلى إبطالها من خلال مباشرة الرقابة القضائية على دستوريتها، ذلك أن القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية, لا يجوز أن تكون مدخلاً لإثراء مستأجر العين وإفقار مالكها, ولا أن يحصل من خلالها على حقوق لا يسوغها مركزه القانوني في مواجهة المؤجر, وإلا حض تقريرها على الانتهاز، وناقض جوهر الملكية التي لا يجوز أن تكون ثمارها عائدة إلى غير أصحابها, بما مؤداه – ومن زاوية دستورية – امتناع إهدار الحدود المنطقية التي يقوم التوازن في العلاقة الايجارية، وهو ما يتحقق بالضرورة كلما انحدر الميزان كلية في اتجاه مناقض للمصالح المشروعة لأحد طرفيها. وبوجه خاص من خلال تخويل مستأجر العين مزايا بعيدة في مداها، تخل بالحقوق الأصلية التي كان ينبغي ضمانها لمؤجرها، إذ يعتبر ذلك اقتحاماً لحق الملكية عاصفاً بمقوماتها, وانتهاكاً لمجالاتها الحيوية التي لا يجوز المساس بها, باعتبارها علة تقريرها ومناط حمايتها. ولا ينال مما تقدم بأن النص المطعون فيه, يعد من قبيل التشريعات الاستثنائية التي تدخل بها المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن, سواء كانت مهيأة للسكنى أو معدة لغير ذلك من الأغراض، ذلك أنه حتى وإن صح ذلك, إلا أن الطبيعة الاستثنائية لتلك التشريعات التي درج المشرع على تنظيم العلائق الإيجارية من خلالها, واعتبر أحكامها من النظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها, ولضمان سريان آثارها بأثر مباشر على عقود الإيجار القائمة عند العمل بها – ولو كانت مبرمة قبلها – لا تعصمها من الخضوع للدستور, ولا تخرجها من مجال الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين, بل يتعين اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، وأن يكون مناط سلامتها هو اتفاقها مع أحكام الدستور.
وحيث إن المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، تنص على أنه يحق للمالك عند قيام المستأجر في الحالات التي يجوز فيها بيع المتجر أو المصنع، أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية, أو المؤجرة لغير ذلك من الأغراض, الحصول على 50% من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال بعد خصم قيمة المنقولات التي بالعين. وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق، إعلان المالك على يد محضر بالثمن المعروض, ويكون للمالك الحق في الشراء إذا أبدى رغبته في ذلك, وأودع الثمن مخصوماً منه نسبة الـ 50% المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار إيداعاً مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين, وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان. وبانقضاء ذلك الأجل, يجوز للمستأجر أن يبيع لغير المالك مع التزام المشتري بأن يؤدي للمالك مباشرة نسبة الـ 50% المشار إليها.
وحيث إن من المقرر وفقاً للقواعد العامة التي تنظم الروابط الإيجارية, أن مستأجر العين التي يستخدمها في السكن أو لغير ذلك من الأغراض، مقيد إذ أراد التنازل عن حق إجارتها إلى الغير، بأن يتم هذا التنازل بناء على نص في القانون, أو وفقاً لترخيص صادر عن مالكها – صريحاً كان أم ضمنياً – وسواء أكان هذا الترخيص مدرجاً في عقد الإجارة الأصلية، أم وارداً في اتفاق لاحق على إبرامها. وإذ كان التنازل عن حق إجارة العين – في الأحوال التي يجوز فيها – قد يؤول إلى حصول المتنازل على مبالغ ضخمة لا ينال منها مالكها شيئاً أياً كان مقداره، بل ينفرد بها المتنازل من دونه، وكان ذلك بكل المقاييس ظلماً فادحاً يلحق بمالكها أبلغ الأضرار, فقد أقر المشرع نص المادة 20 آنفة البيان التي عَدَل بها عما كان معمولاً به قبلها من اختصاص مستأجر العين وحده بمقابل التنازل عنها, وليعيد بموجبها إلى العلائق الإيجارية توازناً كان قد اختل فيما بين أطرافها, وذلك من خلال أمرين يمثلان معاً حلاً منصفاً لمواجهة تنازل مستأجر العين عن حق إجارتها تنازلاً نافذاً في حق مالكها: أولهما: أن يحصل مالكها على 50% من مقابل التنازل بعد خصم قيمة المنقولات التي في العين, وهو تنازل يتم باتفاق بين المتنازل والمتنازل إليه في شأن انتقال منفعة العين إليه, وليس لمالكها شأن فيه. ثانيهما: تقرير أولوية لمالكها في الانتفاع – دون المتنازل إليه – بالعين التي قام بتأجيرها إلى المتنازل، وذلك بشرط أن يعلن عن رغبته هذه عن طريق إيداع خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار 50% من مقابل التنازل المعروض، على أن يكون هذا الإيداع مشروطاً بالتنازل عن عقد إيجارها وتسليمها.
وحيث إن ما قرره النص المطعون فيه من استثناء النزول عن حق إجازة العين – إذا صدر من محام حال حياته أو من ورثته من بعده – من الخضوع للأحكام العامة التي تضمنتها المادة 20 المشار إليها، فقد دل بعبارة قاطعة لا لبس فيها على أن هذا النص لم يلتزم بالقواعد التي تنظم التنازل بوجه عام, بل أسقطها بتمامها ليمتنع على المالك بعدئذ الخيار بين حقين كفلتهما المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه, هما أن يحصل على 50% من مقابل التنازل إذا أراد إعمال آثاره, أو أن يستعيد العين من مستأجرها بعد أداء تلك القيمة مع إنهاء العلاقة الإيجارية التي ارتباطا بها في شأنها. بيد أن النص المطعون فيه, حرم من يملكون الأماكن المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولة المحاماة, من هذين البديلين كليهما, واعتبر تنازل المحامين وورثتهم من بعدهم عن حق إجارة تلك الأعيان، نافذاً نفاذاً فورياً قبل ملاكها, ومقروناً باستمرار عقود الإيجار المبرمة في شأنها لصالح المتنازل إليهم, بما مؤداه التعرض لحق ملكيتهم على الأعيان المؤجرة من خلال منعهم من الاستئثار بمنافعها.
وحيث إن قانون المحاماة بعد أن حرص على توكيد سيادة القانون من خلال دعم مهنة المحاماة، والتمكين من أداء رسالتها, وبمراعاة أصول المهنة ومتطلباتها سعياً للنهوض بها, أتى بالنص المطعون فيه لتبدو الأحكام التي تضمنها غريبة في بابها منعزلة عن مجموع الأحكام التي يشتمل عليها هذا القانون, منافية بمضمونها للتنظيم المتكامل لمهنة المحاماة, وهو تنظيم خاص توخى تحديد حقوق المحامين وواجباتهم بصورة دقيقة, بما لا يخل بمقوماتها, أو ينال من الأسس اللازمة للوفاء بتبعاتها محددة على ضوء الأغراض التي ترمي هذه المهنة إلى بلوغها. متى كان ذلك, فإن النص المطعون فيه يكون منفصلاً عن الأحكام التي تقتضيها مزاولة مهنة المحاماة والقيام على رسالتها، ذلك أن الحقوق التي يرتبها للمحامين فيما بين بعضهم البعض لقاء التنازل عن الأعيان المتخذة مقاراً لمزاولة مهنة المحاماة, لازمها إلغاء حقوق ملاكها إلغاء كاملاً ونهائياً، إذ تقدم للمحامين دون غيرهم من المتنازلين عن حق الإجارة، ميزة استثنائية ينفردون بها, وتعصمهم من أن يؤدوا لمن يملكون الأعيان شيئاً منها ولو ضؤل, وتنقل إلى المتنازل إليه منفعة العين المؤجرة دون رضاء صاحبها, ولا يدخل ذلك في نطاق التنظيم التشريعي لحق الملكية, بل هو عدوان عليها, ذلك أن النص المطعون فيه يقدم المنفعة المجلوبة على المضرة المدفوعة, ولا يختار أهون الشرين لدفع أعظمهما, بل يلحق بالمؤجر وحده الضرر البين الفاحش, منافياً بذلك المقاصد الشرعية التي ينظم ولي الأمر الحقوق في نطاقها, ومجاوزاً بذلك الحدود المنطقية لعلاقة كان ينبغي أن تتوازن فيها المصالح@لا أن تتصادم، ومغلباً مصالح فئة بذاتها من المواطنين على سواهم, بإيثار أفرادها بمزايا مالية يختصون بها دون غيرهم.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها بدءاً بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم, رددت مبدأ المساواة أمام القانون de jure، وكلفت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي ينال منها أو تقيد ممارستها, وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للمصلحة العامة. ولئن نص الدستور في المادة 40 منه على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينتها, هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها, مرده أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها، إذ لو صح ذلك لكان بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور, ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور, ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التي ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها أو الحريات التي يمارسونها, لاعتبار مرده إلى مولدهم, أو مركزهم الاجتماعي, أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية, أو نزعاتهم العرقية, أو عصبتهم القبلية, أو إلى موقفهم من السلطة العامة, أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها, وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها, وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها, إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها, بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها, وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة. متى كان ذلك, وكان النص المطعون فيه يتوخى بالمزايا والحقوق التي كفلها للمحامين دون سواهم, تفضيلهم على من عداهم من المستأجرين، واستبعاد هؤلاء من الإفادة منها رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية, ودون أن يستند هذا التمييز إلى مصلحة مشروعة, بل عمد المشرع إلى نقيضها, فإن النص المطعون فيه يكون مفتقراً إلى الأسس الموضوعية اللازمة لحمله, ومنهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور، باعتباره متبنياً تمييزاً تحكمياً. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أخل بالحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة وأهدر مبدأ المساواة أمام القانون، فإنه يكون مخالفاًَ لأحكام المواد 32, 34, 40 من الدستور.
وحيث إنه لا محاجة في القول بأن النص التشريعي المطعون فيه يوفر مزيداً من الرعاية للمحامين تقديراً لدورهم في الدفاع عن حقوق المواطنين, ذلك أن قيام المحامين على واجباتهم الأصلية, ونهوضهم بمسئولياتها, لا يصلح سنداً لإهدار الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية في المادتين 32, 34 منه, وهما تكفلان دعم الملكية الخاصة ممثلة في رأس المال غير المستغل، وتقرر أن صونها في إطار وظيفتها الاجتماعية، وباعتبار أن الحماية الدستورية لحق الملكية تمتد إلى عناصره المختلفة, ويندرج تحتها استعمال المالك للشيء في كل ما أعده له, واستغلاله استغلالاً مباشراً أو غير مباشر، جنياً لثماره.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، فيما قررته من استثناء التنازل فيما بين المحامين بعضهم البعض في شأن الأعيان المؤجرة المتخذة مقاراً لمزاولة مهنة المحاماة, من الخضوع لحكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر, وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الترخيص بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى .

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88