الخط الساخن : 01118881009

جلسة 17 ديسمبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وعدلي محمود منصور – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.

(القاعدة رقم31)
القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية “دستورية”

1 – تشريع – “القانون رقم 48 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي: المادة 18 منه” “دلالتها”.
فرض المشرع بالقانون رقم 48 لسنة 1977 المشار إليه, التحكيم جبراً كوسيلة وحيدة لفض النزاع بين البنك وعملائه.
2 – دعوى دستورية “تحديد المخالفة الدستورية” “كيفية استخلاصها”.
التعارض بين نصين في دائرة بذاتها, قد يكون منبئاً – من خلال مقابلتهما ببعض – عن نطاق تصادمهما, ودالاً بالتالي على مضمون المخالفة الدستورية التي يكفي لتحديدها, أن يكون تعيينها ممكناً.
3 – دعوى دستورية “المصلحة فيها” “مناطها”.
المصلحة الشخصية المباشرة – شرط لقبول الدعوى الدستورية, ومناطها ارتباطها بالمصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية, مؤثراً في الفصل في النزاع الموضوعي. للمتدخل انضماماً إلى أحد الخصوم, أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع, التي كان لهذا الخصم أن يبديها.
4 – دعوى دستورية “نطاق الطعن فيها”.
الفقرة الثانية من المادة 18 من قانون بنك فيصل الإسلامي، هي التي ينحصر فيها نطاق الطعن لاتخاذها التحكيم سبيلاً وحيداً لفض النزاع بين البنك وعملائه, خلافاً لفقرتها الأولى التي تعرض للمنازعات التي تثور بين البنك والمساهمين فيه.
5 – فض النزاع بطريق التحكيم “التحكيم لا يكون إجبارياً: أساس ذلك”.
لا يجوز أن يكون التحكيم إجبارياً إنفاذاً لقاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها, فالتحكيم مصدره الاتفاق, سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً.
6 – تحكيم “اختلافه عن أعمال الخبرة, وعن التوفيق” “أساس ذلك”.
أعمال الخبرة مناطها آراء يجوز اطراحها أو تجزئتها. والتوفيق بين وجهات نظر يعارض بعضها البعض, ليس إلا تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادرة بشأنها قوة الأمر المقضي.
7 – تحكيم “قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971” “تنظيمه صوراً بذاتها يكون التحكيم فيها إجبارياً” “أساس ذلك”.
حدد هذه القانون المنازعات التي يكون التحكيم فيها إجبارياً بأنها تلك التي تقوم بين الدولة – بتنظيماتها المختلفة – ووحداتها الاقتصادية, بما مؤداه أن النزاع بين هذه الجهات لا يثور بين أشخاص تتعارض مصالحها, إذ تعمل جميعها باعتبار أن ثمار نشاطها, عائدة – في منتهاها – إلى المرافق العامة التي تعمل الدولة على تسييرها.
8 – تحكيم “تطوره التاريخي” “طبيعته الرضائية”.
تبلور الطبيعة الرضائية للتحكيم تطوراً تاريخياً ظل التحكيم على امتداده عملاً إرادياً.
9 – تحكيم “المراحل الثلاث التي يمر بها” “اتصالها ببعض, وتكاملها”.
تتمثل أولى مراحل التحكيم في الاتفاق عليه, وبدونها, لا ينشأ التحكيم أصلاً، ولا يجوز بالتالي أن ينقضها المشرع, بأن يفرض التحكيم قسراً على أشخاص لا يسعون إليه, ويأبون الدخول فيه. بيد أن هذا الاتفاق, وإن أحاط بالتحكيم في مرحلته الأولى, إلا أن دور الإرادة يتضائل متراجعاً في مرحلته الوسطى التي يدخل التحكيم من خلالها في عداد الأعمال القضائية, ذلك أن المرحلة الثانية هي مرحلة التداعي التي تبدأ باختيار هيئة المحكمين وقبولهم لمهمتهم، وفصلهم في النزاع على ضوء القواعد الموضوعية والإجرائية التي يقررونها إذا أغفل الطرفان بيانها. فإذا ما فصل المحكمون في هذا النزاع, فإن تنفيذ قراراتهم يمثل المرحلة الثالثة للتحكيم, وهي مرحلة تتولاها أصلاً الدولة التي يقع التنفيذ في إقليمها.
10 – تحكيم “الشريعة العامة التي تنظم التحكيم في مصر” “مصدرها”. “مضمون أحكامها”.
يعكسها قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994. وقوامها أن التحكيم في المسائل التي يجوز فيها الصلح، وليد الاتفاق سواء أكان تحكيماً داخلياً أم دولياً أم مدنياً أم تجارياً. ويجوز أن يكون المحتكمين من أشخاص القانون الخاص أو العام. كذلك يؤكد هذا القانون, أن التراضي على التحكيم, والقبول به, هو المدخل إليه.
11 – تحكيم “الشريعة العامة للتحكيم في مصر” “موضعها من التنظيم الدولي المقارن”.
الأحكام التي أتي بها القانون المنظم للتحكيم في مصر, لا ينافيها التنظيم المقارن, ويظهر ذلك بوجه خاص من الرجوع إلى القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة, لقانون التجارة الدولي في 21 يونيو 1985، والاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي [12 أبريل 1961]، واتفاقية نيويورك [10 يونيو 1958] والاتفاقية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية [30 يناير 1975].
12 – تحكيم “الشريعة العامة للتحكيم في مصر” “ترديدها للتنظيم الداخلي المقارن”.
تقرر القوانين الوطنية الداخلية في عدد من الدول, أن الاتفاق مصدر للتحكيم، وأنه كلما كان الفصل في النزاع موكولاً إلى محكمين وفقاً لاتفاق تحكيم, فإن عرضه على جهة قضاء, يلزمها أن تقرر عدم اختصاصها بنظره, وأن للأشخاص الذين يملكون مباشرة كامل حقوقهم, حرية اللجوء إلى التحكيم لتسوية نزاعاتهم المتعلقة بحقوقهم المالية باستثناء تلك المسائل التي لا يجوز التعامل فيها.
13 – تحكيم “طبيعته الرضائية” “الآثار الإيجابية والسلبية التي يرتبها”.
يقوم التحكيم على الاتفاق, ويرتب هذا الاتفاق نوعين من الآثار: آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التي يشتمل عليها على محكمين, وتسهيل أدائهم لمهمتهم والامتناع عن عرقلتها، وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل جهة القضاء عن الفصل في المسائل التي أحيلت إلى المحكمين.
14 – دستور “نص المادة 175 منه” “تخويلها المشرع توزيع ولاية الفصل في الخصومات جميعها بين الهيئات القضائية” “اختلافها بذلك عن التحكيم” “أساس ذلك”.
خول الدستور بنص المادة 175 منه توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي يعنيها تحديداً لقسط أو نصيب كل منها فيها, وبغير عزلها جميعاً عن نظر خصومة بذاتها, وذلك خلافاً للتحكيم – إذا تم باتفاق بين طرفين – ذلك أن مؤداه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي يتناولها، استثناء من أصل خضوعها لها.
15 – دستور “سيادة الدستور” “معناها” “الأسس التي تقوم عليها”.
سيادة الدستور – بمعنى تصدره القواعد القانونية جميعها – ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التي احتواها، بل مردها إلى ضوابط شكلية يعود الاعتبار الأول فيها إلى تدوينها, وإلى صدورها عن الهيئة التأسيسية التي تعلو على السلطات العامة بحكم موقعها منها, لتتقيد جميعها بالقيود التي فرضتها عليها, وأفرغتها في الوثيقة الدستورية، التي لا يجوز تعديلها إلا بإجراءات أشد عسراً من تلك التي تلتزمها السلطة التشريعية في إقرار القوانين.
16 – دستور “نص المادة 86 منه” “حق اللجوء إلى القاضي الطبيعي” “تحكيم: عدم اختصاص المحاكم بالفصل في المسائل التي تناولتها اتفاق التحكيم: أساس ذلك”.
لكل مواطن أن يسعى بدعواه إلى قاضي مهيئاً دون غيره بالفصل في المنازعة المعروضة, وذلك بالنظر إلى طبيعتها, وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها. والأصل هو انتفاء اختصاص المحاكم بالفصل في المسائل التي تناولها اتفاق التحكيم. وإذ كان النص المطعون فيه, قد فرض التحكيم جبراً على المتخاصمين خلافاً للأصل فيه, فإن هذا النوع من التحكيم لا يعزل المحاكم عن مباشرة ولايتها, بل تعود هذه الولاية إلى القاضي الطبيعي من بينها تبعاً لبطلان النص التشريعي الذي أنشأ هذا التحكيم الجبري, ذلك أن كل تحكيم حمل إليه أطراف الخصومة, ينبغي أن يعامل باعتباره تحكيماً تم دون اتفاق، أو بناء على اتفاق لا يستنهض ولاية التحكيم.
17 – المحكمة الدستورية العليا “بطلان النص المطعون فيه” “أثره: سقوط النصوص الأخرى التي ارتبط بها”.
إذ كان البين من نص المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 بشأن بنك فيصل الإسلامي, أن فقراتها 3 و4 و5 وكذلك ما ورد بالفقرتين 6 و7 منها متعلقاً بهيئة التحكيم المنصوص عليها بفقراتها الثانية, أنها تكون وحدة لا تتجزأ, ويستحيل عزلها عن بعضها, فإن الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية المطعون عليها, يستتبع سقوط الفقرات السالف بيانها لاتصالها بها.
1 – تنص المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي – المطعون عليها – على أن “يفصل مجلس الإدارة بأغلبية أعضائه بصفته مُحكماً ارتضاه الطرفان في كل نزاع ينشأ بين أي مساهم في البنك وبين مساهم آخر, سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، وذلك بشرط أن يكون النزاع ناشئاً عن صفته كمساهم في البنك, ولا يتقيد مجلس الإدارة في هذا الشأن بقواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي. أما إذا كان النزاع بين البنك وبين أحد المستثمرين أو المساهمين أن بين البنك والحكومة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة, أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص, أو الأفراد, فتفصل فيه نهائياً هيئة من المحكمين معفاة من أي قواعد الإجراءات، عدا ما يتعلق بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي.
وفي هذه الحالة تشكل هيئة التحكيم من مُحكم يختاره كل طرف من طرفي النزاع, وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ استلام أحد طرفي النزاع طلب إحالة المنازعة إلى التحكيم من الطرف الآخر. ثم يختار الحكمان حكماً مرجحاً خلال الخمسة عشر يوماً التالية لتعيين آخرهما. ويختار الثلاثة أحدهم لرئاسة هيئة التحكيم خلال الأسبوع التالي لاختيار الحكم المرجح. ويعتبر اختيار كل طرف لمحكمه، قبولاً لحكم المحكمين, واعتباره نهائياً.
وفي حالة نكول أحد الطرفين عن اختيار مُحكمه, أو في حالة عدم الاتفاق على اختيار الحكم المرجح أو رئيس هيئة التحكيم في المدد المحددة في الفقرة السابقة, يعرض الأمر على هيئة الرقابة الشرعية لتختار الحكم أو الحكم المرجح أو الرئيس حسب الأحوال.
………..
ويكون حكم التحكيم في جميع الأحوال نهائياً, وملزماً للطرفين, وقابلاً للتنفيذ, شأنه شأن الأحكام النهائية. وتوضع عليه الصيغة التنفيذية وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في باب التحكيم في قانون المرافعات.
2 – إذ كان المدعي عليه الأول, قد دفع بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة إغفال صحيفتها بيان أوجه مخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور, وإخلالها بالتالي بنص المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا, وكان التعارض بين نصين في دائرة بذاتها, قد يكون منبئاً – من خلال مقابلتهما ببعض – عن نطاق تصادمهما, ودالاً بالتالي على مضمون المخالفة الدستورية التي يكفي لتحديدها وفقاً لقانون المحكمة الدستورية العليا, أن يكون تعيينها ممكناً. متى كان ذلك – وكان المدعي قد نعى على النص المطعون فيه, مخالفته للمادة 68 من الدستور التي تكفل لكل إنسان حق التقاضي من خلال عرض دعواه على قاضيها الطبيعي, وكان النص المطعون فيه, قد حجب عن هذا القاضي ولاية نظر المسائل محل التحكيم, وعهد بها قسراً إلى محكمين يتولون الفصل فيها بعد أن أقصاه عنها, فإنه بذلك يكون محدداً للدائرة التي يناقض فيها حكم المادة 68 من الدستور, وكاشفاً بالتالي عن وجه المخالفة الدستورية التي قيل بإغفالها تعيينها.
3 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثراً في الفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها, والمطروحة على محكمة الموضوع. ولا يعدو النص المطعون فيه, أن يكون مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها أو إسقاطها. وبها فرض المشرع في الحدود التي بينها – التحكيم جبراً على علائق بذواتها, ليكون هذا النوع من التحكيم ملزماً, ومستنداً في مصدره المباشر إلى نص القانون, فلا يستعاض عنه باللجوء إلى القضاء. ولا يغير من طبيعته هذه أو يمسخها، قالة أن بنك فيصل الإسلامي قد درج على أن يبرم مع عملائه عقوداً تحيل إلى التحكيم في شأن المنازعات المتعلقة بتنفيذها, ذلك أن هذه العقود – بفرض قيامها – إنما تردد القاعدة الآمرة التزاماً بنصها وامتثالاً لحكمها, فلا تجبها تلك العقود أو تُنحيها, بل يتعين إعمالها دوماً ولو خلا عقد منها. متى كان ذلك, وكان من المقرر أن للمتدخل انضماماً إلى أحد الخصوم أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهذا الخصم أن يبديها, وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق شركة كريم للمقاولات في أن تستعيد أمانة التحكيم التي كانت قد دفعتها تأسيسا على إدعاء انقضاء التحكيم بفوات الميعاد المحدد للفصل في المسائل التي اشتمل عليها, وكان حقها في أن ترد إليها أمانتها هذه, يقوم كذلك إذا ما أبطل التحكيم – بالصورة التي أفرغها المشرع فيه – كأثر للحكم بعدم دستورية النص الذي أنشأه, فإن الفصل في المسألة الدستورية، يكون مؤثراً في النزاع الموضوعي, ومرتبطاً بأبعاده.
4 – البين من المادة 18 من قانون بنك فيصل الإسلامي, أن فقرتها الأولى تخول مجلس إدارة هذا البنك – وباعتباره محكماً – الفصل فيما قد يثور بين البنك والمساهمين فيه من نزاع, وبصفتهم هذه. وذلك خلافاً لفقرتها الثانية التي يدور الطعن حولها لتوسلها بالتحكيم أسلوباً وحيداً لفض ما يثور من نزاع بين البنك وعملائه, وذلك سواء أكانوا من المستثمرين أو من الجهات الحكومية أو شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد. متى كان ذلك, وكان لا شأن للمدعي بالفقرة الأولى من المادة 18 الآنف بيانها, فإن مصلحته الشخصية والمباشرة، تنحصر في الطعن بعدم دستورية فقرتها الثانية دون غيرها.
5 – الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحكّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما, أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها, ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه, بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها, وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً, ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق, إذ يحدد طرفاه – وفقاً لأحكامه – نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما, أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرِض لهما. وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها. وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم, التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه, وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه. فإذا لم يكن القرار الصادر في نزاع معين بين طرفين، منهياً للخصومة بينهما, أو كان عارياً عن القوة الإلزامية، أو كان إنفاذه رهن وسائل غير قضائية فإن هذا القرار لا يكون عملاً تحكمياً.
6 – التحكيم بذلك يختلف عن أعمال الخبرة، ذلك أن قوامها ليس قراراً ملزماً، بل مناطها آراء يجوز اطراحها أو تجزئتها والتعديل فيها. كما يخرج التحكيم كذلك عن مهام التوفيق بين وجهات نظر يعارض بعضها البعض, إذ هو تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادرة في شأنها قوة الأمر المقضي, بل يكون معلقاً إنفاذها على قبول أطرافها, فلا تتقيد بها إلا بشرط انضمامها طواعية إليها. ومن ثم يؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية, غايتها الفصل في نزاع محدد, مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها, وقوامها اتفاق خاص يستمد المحكمون سلطاتهم منه, ولا يتولونها بالتالي بإسناد من الدولة.
7 – لئن نظم قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971 صّوراً بذاتها كان التحكيم فيها إجبارياً، هي تلك التي تقوم بين الدولة – بتنظيماتها المختلفة – وبين وحداتها الاقتصادية، إلا أن النزاع بين هذه الجهات لا ثور بين أشخاص اعتبارية تتناقض مصالحها أو تتعارض توجهاتها، إذ تعمل جميعاً باعتبار أن ثمار نشاطها عائدة – في منتهاها – إلى المرافق العامة التي تقوم الدولة على تسييرها، وتكفل انتظامها وتطويريها لضمان وفائها بالأغراض التي ترمي إلى إشباعها. ولا كذلك الأمر إذا كان أحد الأشخاص الطبيعيين طرفاً في ذلك النزاع, إذ لا يجوز أن يدخل في هذا النوع من التحكيم – وعلى ما كان ينص عليه هذا القانون ذاته – إلا بقبوله.
8 – تبلور الطبيعة الرضائية للتحكيم, تطوراً تاريخياً ظل التحكيم على امتداده عملا إرادياً, فقد كان الأصل في التحكيم أن يكون تالياً لنزاع بين طرفين يلجآن إليه, إما لأن المحكم محل ثقتهما, أو لأن السلطة التي يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلاً ملائماً. وكان ينظر إلى المحكم بالتالي باعتباره صديقاً موثوقاً فيه, أو رجلاً حكيماً أو مهيباً. بيد أن هذه الصورة التقليدية – ومع احتفاظها بأهميتها حتى يومنا هذا – جاوزها التطور الراهن في العلائق التجارية والصناعية, لتقوم إلى جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها, ذلك أن التحكيم اليوم – في صورة الأكثر شيوعاً – لا يعود إلى اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد, ولكنها تتمثل في شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه الركون إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بينهما. ولم يعد المحكمة في إطار هذا التطور, مجرد شخص تم اختياره لعلائق يرتبط بها مع الطرفين المتنازعين. وإنما غدا التحكيم تنظيماً مهنياً تقوم عليه أحياناً جهة تحكيم دائمة تكون أقدر على تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة. بل أن نطاق المسائل التي يشملها التحكيم بات متبايناً ومعقداً، ولم يعد مقصوراً على تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخياً أو مشوباً بسوء النية أو مخالفاً – من أوجه أخرى – للقانون, وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية البحتة, بل توخي التحكيم إلى جانبها – وعلى نحو متزايد – إنماء التجارة الدولية عن طريق مواجهة نوع من المسائل التي لا يمكن عرضها على القضاء، أو التي يكون طرحها عليه غير ملائم, كذلك التي تتناول في موضوعها ملء فراغ في عقد غير التي لابستها, وإن ظل الاتفاق دائماً – وباعتباره تصرفاً قانونيا وليد الإرادة ناشئاً عنها – منبسطاً على أعمال التحكيم، سواء في صورتها التقليدية, أو في أبعادها الجديدة، ليكون مدخلاً إليها, وطريقاً وحيداً لها.
9 – من المقرر أنه سواء كان التحكيم مستمداً من اتفاق بين طرفين أبرماه بعد قيام النزاع بينهما, أم كان ترقبهما لنزاع محتمل قد حملهما على أن يضمنا عقداً من العقود التي التزما بتنفيذها, شرطاً يخولهما الاعتصام به, فإن التحكيم لا يستكمل مداه بمجرد الاتفاق عليه. وإنما يتعين التمييز – في نطاق التحكيم – بين مراحل ثلاث تتصل حلقاتها وتتكامل، بما مؤداه تضاممها فيما بينها, وعدم جواز فصلها عن بعضها البعض, وإلا كان التحكيم مجاوزاً إرادة الطرفين المتخاصمين متنكباً مقاصدهما. ذلك أن أولى مراحل التحكيم يمثلها الاتفاق عليه, وهي مدار وجوده، وبدونها لا ينشأ أصلاً، ولا يتصور أن يتم مع تخلفها. وليس جائزاً بالتالي أن يقوم المشرع بعمل يناقض طبيعتها, بأن يفرض التحكيم قسراً على أشخاص لا يسعون إليه، ويأبون الدخول فيه. وارتكاز التحكيم على الاتفاق، مؤداه اتجاه إرادة المحتكمين وانصرافها إلى ولوج هذا الطريق دون سواه, وامتناع إحلال إرادة المشرع محل هذا الاتفاق, فاتفاق التحكيم إذن هو الأصل فيه, والقاعدة التي يرتكز عليها, بيد أن هذا الاتفاق وإن أحاط بالتحكيم في مرحلته الأولى وكان مهيمناً عليها, إلا أن دور الإرادة يتضاءل، ويرتد متراجعاً في مرحلته الوسطى, وهي مرحلة التداعي التي يدخل بها التحكيم في عداد الأعمال القضائية, والتي يبدو عمل المحكمين من خلالها مؤثراً فيها. ذلك أن بدايتها تتمثل في تكوين هيئة التحكيم عن طريق اختيار أعضائها, ثم قبول المحكمين لمهمتهم وأدائهم لها في إطار من الاستقلال والحيدة، وعلى ضوء القواعد الموضوعية والإجرائية التي يقررونها, إذا أغفل الطرفان المتنازعان بيانها, لتمتد سلطتهم إلى الأمر بالتدابير الوقتية والتحفظية التي يقتضيها النزاع, وبمراعاة أن جوهر ولايتهم يرتبط بضمان الفرص المتكافئة التي يتمكن الطرفان من خلالها من تعديل طلباتهما, وعرض أدلتهما الواقعية والقانونية، وإبداء دفوعهما، لتصل مهمتهم إلى نهايتها, بقرار يصدر عنهم يكون حُكْماً فاصلاً في الخصومة بتمامها, ولا يحول دونهم وتفسير ما يكون قد وقع في منطوق هذا القرار من غموض، أو تصحيح ما يكون عالقاً به من الأخطاء المادية البحتة.
ولئن صح القول بأن إصدار هيئة التحكيم لقرارها الفاصل في النزاع على النحو المتقدم, وإن كان منهياً لولايتها، مانعاً لها من العودة إلى نظر الموضوع الذي كان معروضاً عليها، إلا إن الطرفين المتنازعين لا يبلغان ما رميا إليه من التحكيم إلا بتنفيذ القرار الصادر فيه, وتلك مهمة لا شأن لإرادة هذين الطرفين بها, بل تتولاها أصلاً الدولة التي يقع التنفيذ في إقليمها. إذ تقوم محاكمها بفرض نوع من الرقابة على ذلك القرار, غايتها بوجه خاص ضمان أن يكون غير مناقض للنظام العام في بلدها, صادراً وفق اتفاق تحكيم لا مطعن على صحته ونفاذه, وبالتطبيق للقواعد التي تضمنها, وفي حدود المسائل الخلافية التي اشتمل عليها. وتلك هي المرحلة الثالثة للتحكيم التي تتمثل في اجتناء الفائدة المقصودة منه, والتي يتعلق بها الهدف من التحكيم ويدور حولها, وبدونها يكون عبثاً.
10 – إن الشريعة العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية – المعمول بها في جمهورية مصر العربية وفقاً لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، والتي وفصح عنها كذلك ما جاء بمضبطة الجلسة الحادية والخمسين لمجلس الشعب المعقودة في 20 من يناير 1994 أبان دور الانعقاد العادي الرابع للفصل التشريعي السادس – قوامها أن التحكيم في المسائل التي يجوز فيه الصلح، وليد الاتفاق، سواء أكان تحكيماً داخلياً، أم دولياً, أم مدنياً، أم تجارياً، وأن المحتكمين يجوز أن يكونوا من أشخاص القانون الخاص أو العام. كذلك يؤكد هذا القانون, أن التراضي على التحكيم والقبول به, هو المدخل إليه, وذلك من جهتين: أولاهما: ما تفيده المادة 22 من هذا القانون ضمناً, من انتفاء ولاية هيئة التحكيم، وامتناع مضيها في النزاع المعروض عليها, إذا قام الدليل أمامها على انعدام أو سقوط أو بطلان اتفاق التحكيم, أو مجاوزة الموضوع محل بحثها لنطاق المسائل التي اشتمل عليها. ثانيهما: ما تنص عليه المادتان 4 و10 من هذا القانون، من أن التحكيم – في تطبيق أحكامه – ينصرف إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة, وذلك سواء كانت الجهة التي اتفق الطرفان على توليتها إجراءات التحكيم، منظمة أو مركزاً دائماً أو لم تكن كذلك, وسواء كان اتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع أم لاحقاً لوجوده, وسواء كان هذا الاتفاق قائماً بذاته, أم ورد في عقد معين. ويعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم, إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد. بل إن المادة 22 من هذا القانون صريحة في نصها، على أن شرط التحكيم يعتبر اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى, وأن بطلان العقد الذي أدمج هذا الشرط فيه, أو زوال هذا العقد بالفسخ, أو الإنهاء، ليس بذي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته.
11 – لا تنافي الأحكام التي أتى بها قانون التحكيم آنف البيان, التنظيم المقارن، بل يظاهرها، ويقوم إلى جوارها, ولا سيما بالنسبة إلى ما كان من صوره دولياً. ومرجعها بوجه خاص إلى القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في 21 يونيو 1985. فقد نص هذا القانون على أن المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية محددة بين طرفين, أو التي يمكن أن تتولد عنها, يجوز بناء على اتفاق إحالتها إلى محكمين سواء أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد, أم في شكل اتفاق منفصل. وتعتبر الإحالة في عقد ما إلى وثيقة تشتمل على شرط تحكيم, بمثابة اتفاق تحكيم إذا كان هذا العقد مكتوباً, وكانت الإحالة كاشفة بدلالتها عن أن هذا الشرط جزء من العقد.
وانبثاق التحكيم عن الاتفاق باعتباره مصدر وجوده, هو القاعدة التي تبنتها الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي [21 أبريل 1961]، وذلك فيما نصت عليه من سريان أحكامها في شأن كل اتفاق يتغيا تسوية نزاع قائم أو محتمل يرتبط بالتجارة الدولية, ويكون مبرماً بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين يقيمون على وجه الاعتياد وقت هذا الاتفاق بإحدى الدول المتعاقدة أن تتخذ مقراً لها فيها. ويقصد باتفاق التحكيم – في تطبيق أحكام هذه الاتفاقية – كل شرط بالتحكيم يكون مدرجاً في عقد, وكذلك كل اتفاق قائم بذاته يلجأ الطرفان بمقتضاه إلى التحكيم، على أن يكون كلاهما موقعاً عليه منهما, أو متضمناً في رسائلها أو برقياتهما, أو غير ذلك من وسائل الاتصال بينهما.
وهذه القاعدة ذاتها هي التي رددتها اتفاقية نيويورك [10 يونيو 1958] التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في شأن تقيد الدول – كل في نطاق إقليمها, وفي مجال اعترافها بقرارات المحكمين وتنفيذها – بالاتفاق الكتابي الذي تعهد الأطراف فيه بعرض نزاعاتهم – ما كان منها قائماً أو محتملاً – على التحكيم، وذلك كلما كان موضوعها مما يجوز التحكيم فيه, وبشرط نشوئها عن علاقة قانونية محددة, ولو لم يكن العقد مصدراً لها.
وأصداء هذه القاعدة تعكسها كذلك, الاتفاقية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء في منطقة الدول الأمريكية [30 يناير 1975] بإعلانها صحة كل اتفاق يتعهد بمقتضاه طرفان أو أكثر بعرض نزاعاتهم الحالية – أو ما يظهر مستقبلاً منها – على محكمين، يعينون بالكيفية التي يبينها أطراف النزاع, ما لم يفوضوا في ذلك طرفاً ثالثاً. كذلك تلتزم بالأحكام السالف بيانها, الاتفاقية المبرمة في شأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى. (17 مارس 1965)
La Convention Pour Le reglement des Differends Relatifs aux Investissements entre Etats et Ressortissants d’autres Etats
12 – كذلك تقرر القوانين الوطنية في عدد من الدول, أن الاتفاق مصدر للتحكيم. فقد عقد قانون المرافعات المدنية الفرنسي عدة فصول ضمنها كتابة الرابع منظماً بها شرط التحكيم واتفاق التحكيم, ومحدداً القواعد التي تجمعها, ومقرراً بموجبها أن شرط التحكيم هو كل اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد, بعرض نزاعاتهم التي يمكن أن تتولد عنه, على التحكيم. ويجب أن يكون هذا الشرط مدوناً في العقد الأصلي, أو في وثيقة يحيل هذا الشرط إليها, وإلا كان باطلاً. ويبطل هذا الشرط كذلك، إذا خلا من بيان أشخاص المحكمين أو أغفل تعيينهم بأوصافهم. ويعني بطلان شرط التحكيم أن يعتبر كما لو كان غير مدون. ويجوز باتفاق مستقل، أن يحيل طرفان نزاعاً قائماً بينهما, إلى محكم أو أكثر للفصل فيه, ولو كان عين النزاع منظوراً بالفعل أمام جهة قضاء. وكلما كان الفصل في النزاع موكولاً إلى محكمين وفقاً لاتفاق تحكيم, فإن عرضه على جهة قضاء, يلزمها أن تقرر عدم اختصاصها بنظره. ويكون الأمر كذلك ولو كان هذا النزاع لا يزال غير معروض على المحكمين, ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهر البطلان. وإذا عارض أحد الطرفين المتنازعين في أصل الولاية التي يباشرها المحكم أو في مداها, كان لهذا المحكم أن يفصل في صحة إسنادها إليه, وكذلك في نطاقها.
كذلك عدل القانون رقم 59 لسنة 1993 الصادر في رومانيا – بعد زوال التأثير الشيوعي من تنظيماتها القانونية – أحكام الباب السابع من قانون الإجراءات المدنية والتجارية, متبنياً نظاماً للتحكيم يخول الأشخاص الذين يملكون مباشرة كامل حقوقهم, حرية الدخول فيه لتسوية نزاعاتهم المتعلقة بحقوقهم المالية باستثناء تلك المسائل التي لا يجوز التعامل فيها, ومقرراً كذلك أن التحكيم لا يتم إلا بمقتضى اتفاق يدون كتابة, وإن هذا الاتفاق إما أن يكون تفاهماً قائماً بذاته بين طرفين لمواجهة نزاع شجر بينهما بالفعل Compromise وإما أن يكون متخذاً شكل شرط بالتحكيم Compromissory Clause مندمجاً في عقد نافذ بين الطرفين المتنازعين، ويستقل في صحته عن العقد الذي يتضمنه, على أن يتناول هذا الشرط تخويل المحكمين فض ما قد يثور بينهما مستقبلاً من نزاع يكون ناشئاً عن ذلك العقد أو مرتبطاً به, ويعتبر اتفاق التحكيم مانعاً من مباشرة جهة القضاء لاختصاصها بنظر المسائل التي أحالها ذلك الاتفاق إلى التحكيم. ويكون لأعضاء هيئة التحكيم السلطة الكاملة التي يحددون من خلالها ما يدخل في اختصاصهم في المسائل، وذلك بقرار لا يجوز الطعن فيه إلا وفق الأحكام المنصوص عليها في المادة 364 من هذا القانون.
13 – تؤكد النصوص القانونية جميعها, أن التحكيم وفقاً لأحكامها لا يكون إلا عملاً إرادياً، وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان فيما بينهما اتفاق تحكيم, ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما, ما كان منها قائماً عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعده, إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى – بإراداتهما – الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهم بطريقة ميسرة في إجراءاتها وتكلفتها وزمنها, ليكون التحكيم بذلك نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان. يؤيد ذلك أن الآثار التي يرتبها اتفاق التحكيم من نوعين, آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التي يشتمل عليها على محكمين, وأن يبذل الطرفان المتنازعان جهدهما من أجل تعيينهم وتسهيل أدائهم لواجباتهم والامتناع عن عرقلتها. وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل القضاء ويمنعها من الفصل في المسائل التي أحيلت إلى المحكمين. بل إن الاتجاه السائد اليوم يخولهم عند إنكار ولايتهم, تقرير الاختصاص بما يدخل في نطاقها La Competence de leur Competence، وإن كان ذلك لا يحول بين جهة القضاء وبين أن تفرض رقابتها – في الحدود التي يبينها القانون – على قراراتهم التي تنتهي بها الخصومة كلها, سواء في مجال الفصل في ادعاء بطلانها, أو بمناسبة عرضها عليها لضمان التقيد بها.
14 – ما ذهب إليه المدعي عليه الأول من أن النص المطعون فيه ليس تحكمياً إجبارياً، بل هو تحكيم من طبيعة قضائية تولى المشرع تنظيمه عملاً بالسلطة التي يباشرها بمقتضى المادة 167 من الدستور التي تخوله توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي اختصها بمباشرتها, دون عزل بعض المنازعات عنها, وبغير إخلال بالقواعد التي أتى بها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية, والتي حلت محلها الأحكام التي تضمنها قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، مردود بأن ما قصد إليه الدستور بنص المادة 167 التي فوض بها المشرع في تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها, هو أن يعهد إليه دون غيره, بأمر تنظيم شئون العدالة من خلال توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي يعينها, تحديداً لقسط كل منها أو لنصيبها فيها، بما يحول دون تنازعهما فيما بينها، أو إقحام إحداهما فيما تتولاه غيرها من المهام, وبما يكفل دوماً عدم عزلها جميعاً عن نظر خصومة بعينها. ولا كذلك التحكيم إذا تم باتفاق بين طرفين، ذلك أن مؤداه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي يتناولها استثناء من خضوعها أصلا لها. وعلى أساس أن المحكمين يستمدون – عند الفصل فيها – ولا يتهم من هذا الاتفاق باعتباره مصدراً لها. كذلك ليس في القواعد التي تضمنها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات قبل إبدالها بقانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994, ولا فيما قرره هذا القانون من قواعد, ما يدل على أن التحكيم يمكن أن يكون إجبارياً، بل تفصح جميعها عن أن قبول المحتكمين للتحكيم, شرط لجوازه، باعتباره طريقاً استثنائياً لفض النزاع بين طرفين بغير إتباع طرق التقاضي المتعددة, ودون تقيد بكامل ضماناتها.
15 – إن سيادة الدستور – بمعنى تَصدره القواعد القانونية جميعها – ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التي احتواها, والتي تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها, بما في ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, وكيفية مباشرتهما لوظائفهما, ونطاق الحقوق التي يمارسها المواطنون, وكذلك الحريات التي يتمتعون بها, ذلك أن الدستور – محدداً بالمعنى السابق على ضوء القواعد التي انتظمها – هو الدستور منظوراً إليه من زاوية مادية بحتة La Constitution au sens materiel وهي زاوية لا شأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها. وإنما تكون للدستور السيادة، حين تهيمن قواعده على التنظيم القانوني في الدولة لتحتل ذراه. ولا يكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاوية شكلية La Constitution au sens formel لا تتقيد بمضمون القواعد التي فصلها, وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائداً أولاً إلى تدوينها, وثانياً إلى صدورها عن الجهة التي انعقد لها زمام تأسيسها L’organe Constituant والتي تعلو – بحكم موقعها من السلطتين التشريعية والتنفيذية – عليهما معاً، إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها, ويلتزمان دوماً بالقيود التي فرضتها, وبمراعاة أن القواعد التي صاغتها هذه الجهة – وأفرغتها في الوثيقة الدستورية – لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التي حددتها, بشرط أن تكون في مجموعها أكثر تعقيداً من تلك التي تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التي أقرتها. ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها أو تمنحها على الإطلاق الموقع الأسمى La Primauté Absolue والتي لا تنفصم الشرعية الدستورية عنها في مختلف تطبيقاتها, باعتبار أن التدرج في القواعد القانونية يعكس لزوماً ترتيباً تصاعدياً فيما بين الهيئات التي أقرتها أو أصدرتها.
16 – كفل الدستور لكل مواطن – بنص مادته الثامنة والستين – حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها, مهيئاً دون غيره بالفصل فيها, وكان الأصل هو اختصاص جهة القضاء العام بنظر المنازعات جميعها إلا ما استثني منها بنص خاص, وكان من المقرر أن انتفاء اختصاص المحاكم بالفصل في المسائل التي تناولها اتفاق التحكيم, مرده أن هذا الاتفاق يمنعها من نظرها، فلا تكون لها ولاية بشأنها بعد أن حجبها عنها ذلك الاتفاق, وكان النص التشريعي المطعون عليه – بالتحديد السالف بيانه – يفرض التحكيم قسراً في العلاقة القانونية القائمة بين طرفين لا يعدو أن يكون أحدهما مصرفاً يقوم – وفقاً لقانون إنشائه – بجميع الأعمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال الاستثمار, وثانيهما من يتعاملون معه من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، وكان هذا النوع من التحكيم منافياً للأصل فيه باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة, ولا يتصور إجراؤه تسلطاً أو إكراهاً، فإن شأن التحكيم المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه, شأن كل تحكيم أقيم دون اتفاق أو بناء على اتفاق لا يستنهض ولاية التحكيم. إذ لا يعدو التحكيم – في هذه الصور جميعها – أن يكون حملاً عليه, منعدماً وجوداً من زاوية دستورية, فلا تتعلق به بالتالي ولاية الفصل في الأنزعة أياً كان موضوعها. بما مؤداه أن اختصاص هيئة التحكيم التي أحدثها النص المطعون عليه, بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها، يكون منتحلاً، ومنطوياً بالضرورة على حرمان المتداعيين من اللجوء – في واقعة النزاع الماثل – إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي, فيقع – من ثم – مخالفاً لنص المادة 68 من الدستور.
17 – البين من المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 المشار إليه, أن فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة، وكذلك ما ورد بفقرتها السادسة والسابعة متعلقاً بهيئة التحكيم المنصوص عليها في الفقرة الثانية – المطعون عليها – تكون في مجموعها وحدة لا تقبل التجزئة, إذ يستحيل عزل بعضها عن بعض, ولا يتصور أن يكون لها وجود إذا حكم بعدم دستورية الفقرة الثانية المطعون عليها, فإن ذلك الحكم يكون مستتبعاً لزوماً سقوط الفقرات المشار إليها جميعها.


الإجراءات

بتاريخ السابع من أبريل سنة 1993 أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً عدم قبول الدعوى واحتياطياً رفضها.
وقدم المدعي عليه الأول مذكرة بدفاعه ردد فيها ما طلبته هيئة قضايا الدولة.
وبعد تحضير الدعوى, أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق, والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن شركة كريم للمقاولات والتجارة – والتي يرأس المدعي مجلس إدارتها – كانت قد أقامت ضد البنك المدعي عليه, الدعوى رقم 460 لسنة 1993 مدني كلي الإسكندرية، طالبة استرداد أمانة التحكيم التي سبق أن دفعتها للبنك. وبجلسة 6 مارس سنة 1993، تدخل المدعي – بصفته الشخصية – منضماً إلى الشركة, ودفع بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي, المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 1981 في شأن تسوية الأوضاع بين البنوك العاملة في مصر, فقررت محكمة الموضوع تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 10 أبريل سنة 1993، وذلك ليقدم المدعي ما يفيد الطعن بعدم دستورية المادة المشار إليها, فأقام دعواه الماثلة.
وحيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ينص في المادة 30 منه، على أن “يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة، بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته, والنص الدستوري المدعي بمخالفته، وأوجه المخالفة”.
وحيث إن المدعي عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى الماثلة بمقولة إغفال صحيفتها بيان أوجه مُخالفة النص التشريعي المطعون عليه للدستور, وإخلالها بالتالي بنص المادة 30 المشار إليها.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن التعارض بين نصين في دائرة بذاتها, قد يكون منبئاً – من خلال مقابلتهما ببعض – عن نطاق تصادمهما، ودالاً بالتالي على مضمون المخالفة الدستورية التي يكفي لتحديدها وفقاً لقانون المحكمة الدستورية العليا, أن يكون تعيينها ممكناً. متى كان ذلك, وكان المدعي قد نعى على النص المطعون فيه, مخالفته للمادة 68 من الدستور التي تكفل لكل إنسان حق التقاضي من خلال عرض دعواه على قاضيها الطبيعي, وكان النص محل الطعن إذ حجب عن هذا القاضي ولاية نظر المسائل محل التحكيم, وعهد بها قسراً إلى محكمين يتولون الفصل فيها بعد أن أقصاه عنها, فإنه بذلك يكون محدداً للدائرة التي يناقض فيها حكم المادة 68 من الدستور, وكاشفاً بالتالي عن وجه المخالفة الدستورية التي قيل بإغفال تعيينها.
وحيث إن كلاً من هيئة قضايا الدولة والمدعي عليه الأول، قد نفيا توافر المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في الطعن بعدم دستورية نص المادة 18 المشار إليها، ذلك أن شركة كريم للمقاولات والتجارة تقيم نزاعها الموضوعي على أن انقضاء التحكيم تبعاً لفوات المدة المحددة للفصل في المسائل التي اشتمل عليها, يخولها الحق في استرداد الأمانة التي كانت قد دفعتها. ولا كذلك النص المطعون فيه، إذ لا يتعلق بالأحوال التي يكون فيها التحكيم منقضياً, وإنما اختلط التحكيم طريقاً لفض المنازعات التي قد تثور بين بنك فيصل الإسلامي وعملائه. هذا فضلاً عن أن المدعي ليس مخاطباً بالنص المطعون فيه, ولم ينله ضرر خاص من جراء تطبيقه.
وحيث إن المادة 18 المطعون عليها تنص على أن “يفصل مجلس الإدارة بأغلبية أعضائه بصفته محكماً ارتضاه الطرفان في كل نزاع ينشأ بين أي مساهم في البنك وبين مساهم آخر, سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، وذلك بشرط أن يكون النزاع ناشئاً عن صفته كمساهم في البنك, ولا يتقيد مجلس الإدارة في هذا الشأن بقواعد قانون المرافعات المدنية والتجارية عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي. أما إذا كان النزاع بين البنك وبين أحد المستثمرين أو المساهمين أن بين البنك والحكومة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة, أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص, أو الأفراد, فتفصل فيه نهائياً هيئة من المحكمين معفاة من قواعد الإجراءات، عدا ما يتعلق بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي.
وفي هذه الحالة تشكل هيئة التحكيم من مُحكم يختاره كل طرف من طرفي النزاع, وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ استلام أحد طرفي النزاع طلب إحالة المنازعة إلى التحكيم من الطرف الآخر, ثم يختار الحكمان حكماً مرجحاً خلال الخمسة عشر يوماً التالية لتعيين آخرهما. ويختار الثلاثة أحدهم لرئاسة هيئة التحكيم خلال الأسبوع التالي لاختيار الحكم المرجح. ويعتبر اختيار كل طرف لمحكمه، قبولاً لحكم المحكمين, واعتباره نهائياً.
وفي حالة نكول أحد الطرفين عن اختيار مُحَكِّمه, أو في حالة عدم الاتفاق على اختيار الحكم المرجح أو رئيس هيئة التحكيم في المدد المحددة في الفقرة السابقة, يعرض الأمر على هيئة الرقابة الشرعية لتختار الحكم أو الحكم المرجح أو الرئيس حسب الأحوال
وتجتمع هيئة التحكيم في مقر البنك الرئيسي, وتضع نظام الإجراءات التي تتبعها لنظر النزاع وفي إصدار قراراها. ويجب أن يتضمن هذا القرار بيان طريقة تنفيذه, وتحديد الطرف الذي يتحمل بمصاريف التحكيم, ويودع قرار هيئة التحكيم الأمانة العامة لمجلس إدارة البنك.
ويكون حكم التحكيم في جميع الأحوال نهائياً, وملزماً للطرفين, وقابلاً للتنفيذ, شأنه شأن الأحكام النهائية. وتوضع عليه الصيغة التنفيذية وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في باب التحكيم في قانون المرافعات.
وفي جميع الأحوال تخضع قرارات مجلس الإدارة, وأحكام هيئة التحكيم، الصادرة طبقاً لهذه المادة, لأحكام الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون المرافعات المدنية والتجارية”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثراً في الفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها, والمطروحة على محكمة الموضوع. ولا يعدو النص المطعون فيه أن يكون مبلوراً لقاعدة آمرة لا يجوز تجاهلها أو إسقاطها. وبها فرض المشرع – وفي الحدود التي بينها – التحكيم جبراً على علائق بذواتها, ليكون هذا النوع من التحكيم ملزماً, ومستنداً في مصدره المباشر إلى نص القانون, فلا يستعاض عنه باللجوء إلى القضاء. ولا يغير من طبيعته هذه أو يمسخها، قالة أن بنك فيصل الإسلامي قد درج على أن يبرم مع عملائه عقوداً تحيل إلى التحكيم في شأن المنازعات المتعلقة بتنفيذها, ذلك أن هذه العقود – بفرض قيامها – إنما تردد القاعدة الآمرة التزاماً بنصها وامتثالاً لحكمها, فلا تجبها تلك العقود أو تُنحيها, بل يتعين إعمالها دوماً ولو خلا عقد منها. متى كان ذلك, وكان من المقرر أن للمتدخل انضماماً إلى أحد الخصوم أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع التي كان لهذا الخصم أن يبديها, وكان النزاع الموضوعي يدور حول حق شركة كريم للمقاولات في أن تستعيد أمانة التحكيم التي كانت قد دفعتها تأسيساً على ادعائها انقضاء التحكيم بفوات الميعاد المحدد للفصل في المسائل التي اشتمل عليها, وكان حقها في أن ترد إليها أمانتها هذه, يقوم كذلك إذا ما أبطل التحكيم – بالصورة التي أفرغها المشرع فيه – كأثر للحكم بعدم دستوريته، فإن الفصل في المسألة الدستورية، يكون مؤثراً في النزاع الموضوعي, ومرتبطاً بأبعاده.
وحيث إن البين من المادة 18 المشار إليها، أن فقرتها الأولى تخول مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي – وباعتباره محكماً – الفصل فيما قد يثور بين المساهمين فيه من نزاع, وبصفتهم هذه. وذلك خلافاً لفقرتها الثانية التي يدور الطعن حولها لتوسلها بالتحكيم أسلوباً وحيداً لفض ما يثور من نزاع بين البنك وعملائه, وذلك سواء أكانوا من المستثمرين أو من الجهات الحكومية أو شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد. متى كان ذلك, وكان لا شأن للمدعي بالفقرة الأولى من المادة 18 الآنف بيانها, فإن مصلحته الشخصية والمباشرة، تنحصر في الطعن بعدم دستورية فقرتها الثانية دون غيرها.
وحيث إن الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحَكّم من الأغيار يُعيَّن باختيارهما, أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها, ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه, بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها, وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً, ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق, إذ يحدد طرفاه – وفقاً لأحكامه – نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما, أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تَعْرِض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت فيها. وهما يستمدان من اتفاقهما على التحكيم, التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه, وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه. فإذا لم يكن القرار الصادر في نزاع معين بين طرفين، منهياً للخصومة بينهما, أو كان عارياً عن القوة الإلزامية، أو كان إنفاذه رهن وسائل غير قضائية فإن هذا القرار لا يكون عملاً تحكيمياً.
وحيث إن التحكيم بذلك يختلف عن أعمال الخبرة، ذلك أن قوامها ليس قراراً ملزماً، بل مناطها آراء يجوز اطراحها أو تجزئتها والتعديل فيها. كما يخرج التحكيم كذلك عن مهام التوفيق بين وجهات نظر يعارض بعضها البعض, إذ هو تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادرة في شأنها قوة الأمر المقضي, بل يكون معلقاً إنفاذها على قبول أطرافها, فلا تتقيد بها ألا بشرط انضمامها طواعية إليها. ومن ثم يؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية, غايتها الفصل في نزاع محدد, مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها, وقوامها اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم, ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة.
وحيث إنه وإن كان قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون رقم 60 لسنة 1971 صوراً بذاتها كان التحكيم فيها إجبارياً، هي تلك التي تقوم بين الدولة – بتنظيماتها المختلفة – وبين وحداتها الاقتصادية، إلا أن النزاع بين هذه الجهات لا يثور بين أشخاص اعتبارية تتناقض مصالحها أو تتعارض توجهاتها، إذ تعمل جميعاً باعتبار أن ثمار نشاطها عائدة – في منتهاها – إلى المرافق العامة التي تقوم الدولة على تسييرها، وتكفل انتظامها وتطويريها لضمان وفائها بالأغراض التي ترمي إلى إشباعها. ولا كذلك الأمر إذا كان أحد الأشخاص الطبيعيين طرفاً في ذلك النزاع, إذ لا يجوز أن يدخل في هذا النوع من التحكيم – وعلى ما كان ينص عليه هذا القانون ذاته – إلا بقبوله.
وحيث إن الطبيعة الرضائية للتحكيم تبلوراً تطوراً تاريخياً ظل التحكيم على امتداده عملا إرادياً, فقد كان الأصل في التحكيم أن يكون تالياً لنزاع بين طرفين يلجآن إليه, إما لأن المحكم محل ثقتهما, أو لأن السلطة التي يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلاً ملائماً. وكان ينظر إلى المحكم بالتالي باعتباره صديقاً موثوقاً فيه, أو رجلاً حكيماً أو مهيباً. بيد أن هذه الصورة التقليدية – ومع احتفاظها بأهميتها حتى يومنا هذا – جاوزها التطور الراهن في العلائق التجارية والصناعية, لتقوم إلى جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها, ذلك أن التحكيم اليوم – في صوره الأكثر شيوعاً – لا يعود إلى اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد, ولكنها تتمثل في شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه الركون إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بينهما. ولم يعد المحكم في إطار هذا التطور, مجرد شخص تم اختياره لعلائق يرتبط بها مع الطرفين المتنازعين. وإنما غدا التحكيم تنظيماً مهنياً تقوم عليه أحياناً جهة تحكيم دائمة تكون أقدر على تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة. بل أن نطاق المسائل التي يشملها التحكيم بات متبايناً ومعقداً، ولم يعد مقصوراً على تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراخياً أو مشوباً بسوء النية أو مخالفاً – من أوجه أخرى – للقانون, وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية البحتة, بل توخى التحكيم إلى جانبها – وعلى نحو متزايد – إنماء التجارة الدولية عن طريق مواجهة نوع من المسائل التي لا يمكن عرضها على القضاء، أو التي يكون طرحها عليه غير ملائم, كذلك التي تتناول في موضوعها ملء فراغ في عقد غير مكتمل، أو تعديل أحكام تضمنها العقد أصلاً، لتطويعها على ضوء الظروف الجديدة التي لابستها, وإن ظل الاتفاق دائماً – وباعتباره تصرفاً قانونياً وليد الإرادة ناشئاً عنها – منبسطاً على أعمال التحكيم، سواء في صورتها التقليدية, أو في أبعادها الجديدة، ليكون مدخلاً إليها وطريقاً وحيداً لها.
وحيث إن من المقرر أنه سواء كان التحكيم مستمداً من اتفاق بين طرفين أبرماه بعد قيام النزاع بينهما, أم كان ترقبهما لنزاع محتمل قد حملهما على أن يضمنا عقداً من العقود التي التزما بتنفيذها, شرطاً يخولهما الاعتصام به, فإن التحكيم لا يستكمل مداه بمجرد الاتفاق عليه. وإنما يتعين التمييز – في نطاق التحكيم – بين مراحل ثلاث تتصل حلقاتها وتتكامل، بما مؤداه تضاممها فيما بينها, وعدم جواز فصلها عن بعضها البعض, وإلا كان التحكيم مجاوزاً إرادة الطرفين المتخاصمين متنكباً مقاصدهما. ذلك أن أولى مراحل التحكيم يمثلها الاتفاق عليه, وهي مدار وجوده، وبدونها لا ينشأ أصلاً، ولا يتصور أن يتم مع تخلفها. وليس جائزاً بالتالي أن يقوم المشرع بعمل يناقض طبيعتها, بأن يفرض التحكيم قسراً على أشخاص لا يسعون إليه، ويأبون الدخول فيه. وارتكاز التحكيم على الاتفاق، مؤداه اتجاه إرادة المحتكمين وانصرافها إلى ولوج هذا الطريق دون سواه, وامتناع إحلال إرادة المشرع محل هذا الاتفاق, فاتفاق التحكيم إذن هو الأصل فيه, والقاعدة التي يرتكز عليها. بيد أن هذا الاتفاق وإن أحاط بالتحكيم في مرحلته الأولى وكان مهيمناً عليها, إلا أن دور الإرادة يتضاءل، ويرتد متراجعاً في مرحلته الوسطى, وهي مرحلة التداعي التي يدخل بها التحكيم في عداد الأعمال القضائية, والتي يبدو عمل المحكمين من خلالها مؤثراً فيها. ذلك أن بدايتها تتمثل في تكوين هيئة التحكيم عن طريق اختيار أعضائها, ثم قبول المحكمين لمهمتهم وأدائهم لها في إطار من الاستقلال والحيدة، وعلى ضوء القواعد الموضوعية والإجرائية التي يقررونها, إذا أغفل الطرفان المتنازعان بيانها, لتمتد سلطتهم إلى الأمر بالتدابير الوقتية والتحفظية التي يقتضيها النزاع, وبمراعاة أن جوهر ولايتهم يرتبط بضمان الفرص المتكافئة التي يتمكن الطرفان من خلالها من تعديل طلباتهما, وعرض أدلتهما الواقعية والقانونية، وإبداء دفوعهما، لتصل مهمتهم إلى نهايتها, بقرار يصدر عنهم يكون حكماً فاصلاً في الخصومة بتمامها, ولا يحول دونهم وتفسير ما يكون قد وقع في منطوق هذا القرار من غموض، أو تصحيح ما يكون عالقاً به من الأخطاء المادية البحتة.
وحيث إن إصدار هيئة التحكيم لقرارها الفاصل في النزاع على النحو المتقدم, وإن كان منهياً لولايتها، مانعاً لها من العودة إلى نظر الموضوع الذي كان معروضاً عليها، إلا أن الطرفين المتنازعين لا يبلغان ما رميا إليه من التحكيم إلا بتنفيذ القرار الصادر فيه. وتلك مهمة لا شأن لإرادة هذين الطرفين بها, بل تتولاها أصلاً الدولة التي يقع التنفيذ في إقليمها. إذ تقوم محاكمها بفرض نوع من الرقابة على ذلك القرار, غايتها بوجه خاص ضمان أن يكون غير مناقض للنظام العام في بلدها, صادراً وفق اتفاق تحكيم لا مطعن على صحته ونفاذه, وبالتطبيق للقواعد التي تضمنها, وفي حدود المسائل الخلافية التي اشتمل عليها. وتلك هي المرحلة الثالثة للتحكيم التي تتمثل في اجتناء الفائدة المقصودة منه, والتي تعلق بها الهدف من التحكيم ويدور حولها, وبدونها يكون عبثاً.
وحيث إن الشريعة العامة للتحكيم في المواد المدنية والتجارية – المعمول بها في جمهورية مصر العربية وفقاً لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994، والتي يفصح عنها كذلك ما جاء بمضبطة الجلسة الحادية والخمسين لمجلس الشعب المعقودة في 20 من يناير 1994 إبان دور الانعقاد العادي الرابع للفصل التشريعي السادس – قوامها أن التحكيم في المسائل التي يجوز فيه الصلح، وليد الاتفاق، سواء أكان تحكيماً داخلياً، أم دولياً, أم مدنياً، أم تجارياً، أن المحتكمين يجوز أن يكونوا من أشخاص القانون الخاص أو العام. كذلك يؤكد هذا القانون, أن التراضي على التحكيم والقبول به, هو المدخل إليه, وذلك من جهتين: أولاهما: ما تفيده المادة 22 من هذا القانون ضمناً, من انتفاء ولاية هيئة التحكيم، وامتناع مضيها في النزاع المعروض عليها, إذا قام الدليل أمامها على انعدام أو سقوط أو بطلان اتفاق التحكيم, أو مجاوزة الموضوع محل بحثها لنطاق المسائل التي اشتمل عليها. ثانيهما: ما تنص عليه المادتان 4, 10 من هذا القانون، من أن التحكيم – في تطبيق أحكامه – ينصرف إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة, وذلك سواء كانت الجهة التي اتفق الطرفان على توليتها إجراءات التحكيم، منظمة أو مركزاً دائماً أو لم تكن كذلك, وسواء كان اتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع أم لاحقاً لوجوده, وسواء كان هذا الاتفاق قائماً بذاته, أم ورد في عقد معين. ويعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم, إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد. بل إن المادة 22 من هذا القانون صريحة في نصها. على أن شرط التحكيم يعتبر اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى, وأن بطلان العقد الذي أدمج هذا الشرط فيه, أو زوال هذا العقد بالفسخ, أو الإنهاء، ليس بذي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته.
وحيث إن الأحكام التي أتى بها قانون التحكيم سالف البيان, لا ينافيها التنظيم المقارن، بل يظاهرها، ويقوم إلى جوارها, ولاسيما بالنسبة إلى ما كان من صوره دولياً، ومرجعها بوجه خاص إلى القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في 21 يونيو 1985. فقد نص هذا القانون على أن المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية محددة بين طرفين, أو التي يمكن أن تتولد عنها, يجوز بناء على اتفاق إحالتها إلى محكمين سواء أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد, أم في شكل اتفاق منفصل. وتعتبر الإحالة في عقد ما إلى وثيقة تشتمل على شرط تحكيم, بمثابة اتفاق تحكيم إذا كان هذا العقد مكتوباً, وكانت الإحالة كاشفة بدلالتها عن أن هذا الشرط جزء من العقد.
وانبثاق التحكيم عن الاتفاق باعتباره مصدر وجوده, هو القاعدة التي تبنتها الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي (21 أبريل 1961)، وذلك فيما نصت عليه من سريان أحكامها في شأن كل اتفاق يتغيا تسوية نزاع قائم أو محتمل يرتبط بالتجارة الدولية, ويكون مبرماً بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين يقيمون على وجه الاعتياد وقت هذا الاتفاق بإحدى الدول المتعاقدة أن تتخذ مقراً لها فيها. ويقصد باتفاق التحكيم – في تطبيق أحكام هذه الاتفاقية – كل شرط بالتحكيم يكون مدرجاً في عقد, وكذلك كل اتفاق قائم بذاته يلجأ الطرفان بمقتضاه إلى التحكيم، على أن يكون كلاهما موقعاً عليه منهما, أو متضمناً في رسائلهما أو برقياتهما, أو غير ذلك من وسائل الاتصال بينهما.
وهذه القاعدة ذاتها هي التي رددتها اتفاقية نيويورك [10 يونيو 1958] التي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في شأن تقيد الدول – كل في نطاق إقليمها, وفي مجال اعترافها بقرارات المحكمين وتنفيذها – بالاتفاق الكتابي الذي يتعهد الأطراف فيه بعرض نزاعاتهم – ما كان منها قائماً أو محتملاً – على التحكيم، وذلك كلما كان موضوعها مما يجوز التحكيم فيه, وبشرط نشوئها عن علاقة قانونية محددة, ولو لم يكن العقد مصدراً لها.
وأصداء هذه القاعدة كذلك, تعكسها كذلك, الاتفاقية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية (30 يناير 1975) بإعلانها صحة كل اتفاق يتعهد بمقتضاه طرفان أو أكثر بعرض نزاعاتهم الحالية – أو ما يظهر مستقبلاً منها – على محكمين، يعينون بالكيفية التي يبينها أطراف النزاع, ما لم يفوضوا في ذلك طرفاً ثالثاً. كذلك تلتزم بالأحكام السالف بيانها. الاتفاقية المبرمة في شأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى. [17 مارس 1965]
La Convention Pour Le reglement des Differends Relatifs aux Investissements entre Etats et Ressortissants d’autres Etats
وحيث إن القوانين الوطنية في عدد من الدول, أن الاتفاق مصدر للتحكيم. فقد عقد قانون المرافعات المدنية الفرنسي عدة فصول ضمنها كتابة الرابع منظماً بها شرط التحكيم واتفاق التحكيم, ومحدداً القواعد التي تجمعهما, ومقرراً بموجبها أن شرط التحكيم هو كل اتفاق يتعهد بمقتضاه الأطراف في عقد, بعرض نزاعاتهم التي يمكن أن تتولد عنه, على التحكيم. ويجب أن يكون هذا الشرط مدوناً في العقد الأصلي, أو في وثيقة يحيل هذا الشرط إليها, وإلا كان باطلاً. ويبطل هذا الشرط كذلك إذا خلا من بيان أشخاص المحكمين أو أغفل تعيينهم بأوصافهم. ويعني بطلان شرط التحكم أن يعتبر كما لو كان غير مدون. ويجوز باتفاق مستقل، أن يحيل طرفان نزاعاً قائماً بينهما, إلى محكم أو أكثر للفصل فيه, ولو كان عين النزاع منظوراً بالفعل أمام جهة قضاء. وكلما كان الفصل في النزاع موكولاً إلى محكمين وفقاً لاتفاق تحكيم, فإن عرضه على جهة قضاء, يلزمها أن تقرر عدم اختصاصها بنظره. ويكون الأمر كذلك ولو كان هذا النزاع لا يزال غير معروض على المحكمين, ما لم يكن اتفاق التحكيم ظاهر البطلان. وإذا عارض أحد الطرفين المتنازعين في أصل الولاية التي يباشرها المحكم أو في مداها, كان لهذا المحكم أن يفصل في صحة إسنادها إليه, وكذلك في نطاقها.
كذلك عدل القانون رقم 59 لسنة 1993 الصادر في رومانيا – بعد زوال التأثير الشيوعي من تنظيماتها القانونية – أحكام الباب السابع من قانون الإجراءات المدنية والتجارية, متبنياً نظاماً للتحكيم يخول الأشخاص الذين يملكون مباشرة كامل حقوقهم, حرية الدخول فيه لتسوية نزاعاتهم المتعلقة بحقوقهم المالية باستثناء تلك المسائل التي لا يجوز التعامل فيها, ومقرراً كذلك أن التحكيم لا يتم إلا بمقتضى اتفاق يدون كتابة, وأن هذا الاتفاق إما أن يكون تفاهماً قائماً بذاته بين طرفين لمواجهة نزاع شجر بينهما بالفعل Compromise وإما أن يكون متخذاً شكل شرط بالتحكيم Compromissory Clause مندمجاً في عقد نافذ بين الطرفين المتنازعين، ويستقل في صحته عن العقد الذي يتضمنه, على أن يتناول هذا الشرط تخويل المحكمين فض ما قد يثور بينهما مستقبلاً من نزاع يكون ناشئاً عن ذلك العقد أو مرتبطاً به. ويعتبر اتفاق التحكيم مانعاً من مباشرة جهة القضاء لاختصاصها بنظر المسائل التي أحالها ذلك الاتفاق إلى التحكيم. ويكون لأعضاء هيئة التحكيم السلطة الكاملة التي يحددون من خلالها ما يدخل في اختصاصهم في المسائل، وذلك بقرار لا يجوز الطعن فيه إلا وفق الأحكام المنصوص عليها في المادة 364 من هذا القانون.
وحيث إن النصوص القانونية تؤكد جميعها أن التحكيم وفقاً لأحكامها لا يكون إلا عملاً إرادياً، وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان فيما بينهما اتفاق تحكيم, ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما, ما كان منها قائماً عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعده, إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى – بإراداتهما – الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهم بطريقة ميسرة في إجراءاتها وتكلفتها وزمنها, ليكون التحكيم بذلك نظاماً بديلاً عن القضاء، فلا يجتمعان. يؤيد ذلك أن الآثار التي يرتبها اتفاق التحكيم من نوعين, آثار إيجابية قوامها إنفاذ هذا الاتفاق من خلال عرض المسائل التي يشتمل عليها على محكمين, وأن يبذل الطرفان المتنازعان جهدهما من أجل تعيينهم وتسهيل أدائهم لواجباتهم والامتناع عن عرقلتها. وآثار سلبية جوهرها أن اتفاق التحكيم يعزل القضاء ويمنعها من الفصل في المسائل التي أحيلت إلى المحكمين. بل أن الاتجاه السائد اليوم يخولهم عند إنكار ولايتهم, تقرير الاختصاص بما يدخل في نطاق La Competence de leur Competence وإن كان ذلك لا يحول بين جهة القضاء وبين أن تفرض رقابتها – في الحدود التي يبينها القانون – على قراراتهم التي تنتهي بها الخصومة كلها, سواء في مجال الفصل في ادعاء بطلانها, أو بمناسبة عرضها عليها لضمان التقيد بها.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم, ما ذهب إليه المدعي عليه الأول من أن النص المطعون فيه ليس تحكمياً إجبارياً، بل هو تحكيم من طبيعة قضائية تولي المشرع تنظيمه عملاً بالسلطة التي يباشرها بمقتضى المادة 167 من الدستور التي عهدت إليه بتوزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي اختصها بمباشرتها, دون عزل بعض المنازعات عنها, وبغير إخلال بالقواعد التي أتى بها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية, والتي حلت محلها الأحكام التي تضمنها قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
وحيث إن هذا الزعم مردود بأن ما قصد إليه الدستور بنص المادة 167 التي فوض بها المشرع في تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها, هو أن يعهد إليه دون غيره, بأمر تنظيم شئون العدالة من خلال توزيع الولاية القضائية بين الهيئات التي يعينها, تحديداً لقسط كل منها أو لنصيبها فيها، بما يحول دون تنازعهما فيما بينها أو إقحام إحداهما فيما تتولاه من المهام, وبما يكفل دوماً عدم عزلها جميعاً عن نظر خصومة بعينها. ولا كذلك التحكيم إذا تم باتفاق بين طرفين، ذلك أن مؤداه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي يتناولها استثناءً من خضوعها أصلاً لها. وعلى أساس أن المحكمين يستمدون – عند الفصل فيها – ولا يتهم من هذا الاتفاق باعتباره مصدراً لها. كذلك ليس في القواعد التي تضمنها الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات قبل إبدالها بقانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994, ولا فيما قرره هذا القانون من قواعد, ما يدل على أن التحكيم يمكن أن يكون إجبارياً، بل تفصح جميعها عن أن قبول المحتكمين للتحكيم, شرط لجوازه، باعتباره طريقاً استثنائياً لفض النزاع بين طرفين بغير إتباع طرق التقاضي المتعددة, ودون تقيد بكامل ضماناتها.
وحيث إن سيادة الدستور – بمعنى تَصدره القواعد القانونية جميعها – ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التي احتواها, والتي تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها, بما في ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, وكيفية مباشرتهما لوظائفهما, ونطاق الحقوق التي يمارسها المواطنون, وكذلك الحريات التي يتمتعون بها, ذلك أن الدستور – محدداً بالمعنى السابق على ضوء القواعد التي انتظمها – هو الدستور منظوراً إليه من زاوية مادية بحتة La Constitution au sens materiel وهي زاوية لا شأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها. وإنما تكون للدستور السيادة، حين تهيمن قواعده على التنظيم القانوني في الدولة لتحتل ذراه. ولا يكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاوية شكلية La Constitution au sens formel ولا تتقيد بمضمون القواعد التي فصلها, وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائداً أولاً إلى تدوينها, وثانياً إلى صدورها عن الجهة التي انعقد لها زمام تأسيسها L’organe Constituant والتي تعلو – بحكم موقعها من السطلتين التشريعية والتنفيذية – عليهما معاً، إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها, ويلتزمان دوماً بالقيود التي فرضتها, وبمراعاة أن القواعد التي صاغتها هذه الجهة – وأفرغتها في الوثيقة الدستورية – لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التي حددتها, بشرط أن تكون في مجموعها أكثر تعقيداً من تلك التي تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التي أقرتها. ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها أو تمنحها على الإطلاق الموقع الأسمى La Primauté Absolue والتي لا تنفصم الشرعية الدستورية عنها في مختلف تطبيقاتها, باعتبار أن التدرج في القواعد القانونية يعكس لزوماً ترتيباً تصاعدياً فيما بين الهيئات التي أقرتها أو أصدرتها.
وحيث إن الدستور قد كفل لكل مواطن – بنص مادته الثامنة والستين – حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك، أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها, مهيئاً دون غيره بالفصل فيها, وكان الأصل هو اختصاص جهة القضاء العام بنظر المنازعات جميعها إلا ما استثني منها بنص خاص, وكان من المقرر أن انتفاء اختصاص المحاكم بالفصل في المسائل التي تناولها اتفاق التحكيم، مرده أن هذا الاتفاق يمنعها من نظرها، فلا تكون لها ولاية بشأنها بعد أن حجبها عنها ذلك الاتفاق, وكان النص التشريعي المطعون عليه – بالتحديد السالف بيانه – يفرض التحكيم قسراً في العلاقة القانونية القائمة بين طرفين، لا يعدو أن يكون أحدهما مصرفاً يقوم – وفقاً لقانون إنشائه – بجميع الأعمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال الاستثمار, وثانيهما من يتعاملون معه من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، وكان هذا النوع من التحكيم منافياً للأصل فيه باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة, ولا يتصور إجراؤه تسلطاً أو إكراهاً، فإن شأن التحكيم المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه, شأن كل تحكيم أقيم دون اتفاق أو بناء على اتفاق لا يستنهض ولاية التحكيم – إذ لا يعدو التحكيم – في هذه الصور جميعها – أن يكون حملاً عليه, منعدماً وجوداً من زاوية دستورية, فلا تتعلق به بالتالي ولاية الفصل في الأنزعة أياً كان موضوعها. بما مؤداه أن اختصاص هيئة التحكيم التي أحدثها النص المطعون عليه, بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها، يكون منتحلاً، ومنطوياً بالضرورة على حرمان المتداعيين من اللجوء – في واقعة النزاع الماثل – إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي, فيقع – من ثم – مخالفاً لنص المادة 68 من الدستور.
وحيث إن البين من المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1977 المشار إليه, أن فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة، وكذلك ما ورد بفقرتها السادسة والسابعة متعلقاً بهيئة التحكيم المنصوص عليها في الفقرة الثانية – المطعون عليها – تكون في مجموعها وحدة لا تقبل التجزئة, إذ يستحيل عزل بعضها عن بعض, ولا يتصور أن يكون لها وجود إذا حكم بعدم دستورية الفقرة الثانية المطعون عليها, فإن ذلك الحكم يكون مستتبعاً لزوماً سقوط الفقرات المشار إليها جميعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1997 بإنشاء بنك فيصل الإسلامي, وبسقوط فقراتها الثالثة والرابعة والخامسة وكذلك ما ورد بفقرتيها السادسة والسابعة متعلقاً بهيئة التحكيم المنصوص عليها في الفقرة الثانية, وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88