الخط الساخن : 01118881009
جلسة 4 فبراير سنة 1995
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي على جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
(القاعدة رقم 35)
القضية رقم 39 لسنة 15 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “المصلحة فيها – إلغاء النص المطعون فيه – تطبيق: المادة 7 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية”.
إلغاء المشرع للنص التشريعي المطعون فيه، لا يحول الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليه خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه أثار قانونية بالنسبة إليه تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، تحقق المصلحة في الطعن على المادة 7 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها الصادر بها المرسوم بقانون 78 لسنة 1931 فيما قررته من عدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة العريش الجزئية “الشرعية” إلا بطريق المعارضة، على الرغم من صدور القانون رقم 214 لسنة 1994 بإلغاء هذه المادة.
2 – حق التقاضي “درجة واحدة: سلطة تقديرية”.
قصر حق التقاضي على درجة واحده هو ما يقع في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام.
3 – حق التقاضي “ضمانة الدرجتين للفصل في النزاع”.
نظر النزاع على درجتين، ضمانة أساسية للتقاضي، لا يجوز حجبها على المتخاصمين، بغير نص صريح، ووفق أسس موضوعية.
4 – حق التقاضي “عدم جواز التمييز في مجال الطعن بين المحاكم المتساوية في مرتبتها وتشكيلها”.
ما قررته لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من عدم جواز الطعن استئنافياً في أحكام المحاكم الشرعية الجزئية في سيوه والعريش والقصير والواحات الثلاث، يخالف الأصل المقررة بالنسبة إلى غيرها من المحاكم الشرعية التي تساويها في مرتبتها، وتتكافأ معها في تشكيلها.
5 – حق التقاضي “نطاق تنظيم هذا الحق”.
حق التقاضي من الحقوق المقررة للناس جميعاً، لم يجز الدستور إلا تنظيم هذا الحق وجعل المواطنين سواء في الارتكان إليه، قصر مباشرته على فئة من بينهم، أو الحرمان منه في أحوال بذاتها، عمل مخالف للدستور.
6 – مبدأ المساواة أمام القانون “الحقوق والحريات التي يشملها” “التمييز المجافي للدستور”.
أضحي هذا المبدأ وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تقتصر على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل تمتد إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين.
7 – مبدأ المساواة أمام القانون “صور التمييز المجافي للدستور”.
لئن نص الدستور على عدم جواز التمييز بين المواطنين لاعتباره مرده إلى الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن التمييز المنهي عنه دستوريا، لا ينحصر فيها، بل يمتد لكل أشكال التمييز التي تنقض هذه المساواة في مضمونها أو تعطل آثارها.
8 – مبدأ المساواة أمام القانون “قوام التمييز المنهي عنه دستورياً”.
كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، يعتبر مخالفاً للدستور.
9 – تشريع “نص المادة 7 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية” – “مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون”.
استبعاد النص المشار إليه لفئة بذاتها من المتقاضيين – وهم المقيمون في الأماكن التي حددها – من فرص الطعن التي كفلتها هذه اللائحة لسواهم – رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية، وتداعيهم في شأن الحقوق عينها – لا بناء على اعتبار يرتد إلى طبيعة هذه الحقوق، أو يتصل بتنظيم الحق في اقتضائها – بل ترتيباً على محال إقامتهم: مخالفة للدستور لمناقضته مبدأ المساواة.
10 – مبد المساواة أمام القانون “عمومية القاعدة القانونية لا تكفي بذاتها لصون هذا المبدأ”.
أعمال مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، رهن بالشروط الموضوعية التي يحدد المشرع على ضوئها المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها بها أمام القانون. موضوعية هذه الشروط مرجعها إلى اتصال النصوص التي ترتبها، بالحقوق التي تتناولها. عمومية القاعدة القانونية وتجردها، وإن كان لازماً لإنقاذ حكمها، إلا أن التمييز المناقض لمبدأ المساواة لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
11 – حق التقاضي “فرص الطعن – سرعة الفصل في القضايا – تقريب جهات القضاء”.
انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها، لا يجوز من زاوية دستورية، إلا وفق أسس موضوعية، ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا، تقريب جهات القضاء لا يجوز أن يكون معطلاً لحق المتقاضين في فرص الطعن التي أتاحها المشرع لغيرهم، ممن يتماثلون معهم في المركز القانوني.
1 – صدر القانون رقم 214 لسنة 1994 الذي نصت مادته الأولى على أن “تلغي المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بشأن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها، وعلى المحاكم الجزئية أن تحيل بدون رسوم – ومن تلقاء نفسها – ما يوجد لديها من دعاوى أصبحت من اختصاص المحاكم الابتدائية المختصة بمقتضى حكم الفقرة السابقة، وذلك بالحالة التي تكون عليها…” إذ كان ذلك، وكان من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط قبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينهما وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، وكان إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم من خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها. فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها. وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدتين. فما نشأ في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها يظل خاضعاً لحكمها وحدها. إذ كان ما تقدم، وكان الطعن المقدم من المدعين بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية السالف بيانها، قد توخي إبطال ما قررته من عدم جواز الطعن في الحكم الصادر من محكمة العريش الجزئية في الدعوى رقم 49 لسنة 1993 إلا بطريق المعارضة، كي ينفتح أمامهم طريق الطعن في هذا الحكم استئنافياً، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تنحصر في هذا النطاق ولا تتعداه.
2، 3 – من المقرر أنه فيما عدا الأحوال التي تفصل فيها المحاكم الشرعية الجزئية في نزاع يدخل في أطار اختصاصها الانتهائي، ويكون قصر حق التقاضي في شأن المسائل التي فصل الحكم فيها على درجة واحدة، واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام، فإن الأصل في الأحكام التي تفصل بصفة ابتدائية في النزاع الموضوعي، هو جواز استئنافها، إذ يعتبر نظر النزاع على درجتين، ضمانة أساسية للتقاضي لا يجوز حجبها عن المتخاصمين بغير نص صريح ووفق أسس موضوعية. بما مؤداه أن الخروج عليها لا يفترض، وذلك سواء نُظر إلى الطعن استئنافياً – في الأحكام الصادرة بصفة ابتدائية – باعتباره طريقا محتوماً لمراقبة سلامتها وتقويم اعوجاجها، أم كوسيلة لنقل النزاع برمته، وبكامل العناصر التي يشتمل عليها إلى المحكمة الاستئنافية، لتجيل بصرها فيه من جديد، باعتبار أن حكماً واحداً في شأن هذا النزاع لا يقدم ضماناً كافياً يرعى العدالة، ويضمن فعالية إدارتها وفقاً لمستوياتها التي التزمتها الدول المتحضرة.
4 – إذ كان البين من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أن المشرع بعد أن حدد في المادة 5 منها ما يدخل في إطار الاختصاص الانتهائي للمحاكم الشرعية الجزئية، وقرنها بالمادة 6 التي فصّل بها ما يقع في نطاق اختصاصها الابتدائي، أفرد المحاكم الشرعية الجزئية في سيوه والعريش والقصير والواحات الثلاث بحكم خاص قصره عليها، وذلك بما نص عليه – في المادة 7 – من اختصاصها بالحكم في جميع المواد المنصوص عليها في المادتين السابقتين، وكذلك الفصل في جميع المواد الشرعية الأخرى التي هي من اختصاص المحاكم الابتدائية كما هو مبين في المادة الثامنة، على أن يكون في حكمها في جميع ما ذكر غير قابل للطعن إلا بطريق المعارضة. متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة العريش الجزئية في الدعوى رقم 49 لسنة 1993 قد فصل في نزاع يدخل في اختصاصها الابتدائي، وكان الأصل المقرر عملا بالمادة 10 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، هو جواز الطعن استنئافياً وذلك في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية “دون إخلال بحكم المادة 7 المشار إليها” فإن هذا الاستثناء يكون قد استبعد أحكام المحاكم الشرعية الجزئية الواقعة في بعض الأماكن النائية التي حددتها المادة 7 من تلك اللائحة، ومن الطعن فيها استئنافياً على خلاف الأصل المقرر بالنسبة إلى غيرها من المحاكم التي تساويها في مرتبتها، وتتكافأ معها في تشكيلها.
5 – إن الدستور بما نص عليه المادة 68، من ضمان حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي انتصافاً مما قد يقع عليه من عدوان، قد دل على أن هذه الحق في أصل شرعته، من الحقوق المقررة للناس جميعاً، لا يتمايزون فيما بينهم في مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التي يدعونها، ولتأمين مصالحهم التي ترتبط بها بما مؤاده أن قصر مباشرة حق التقاضي على فئة من بينهم أو الحرمان منه في أحوال بذاتها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، إنما يعد عملاً مخالفاً للدستور، الذي لم يجز إلا تنظيم هذا الحق، وجعل المواطنون سواء في الارتكان إليه، بما مؤداه أن غلق أبوابه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التي يدعيها.
6 – رددت الدساتير المصرية جميعها، بدءاً بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
7 – لئن نص الدستور في المادة 40، على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بينتها، هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس الجنس والأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده – وعلى ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية، ولا يدل البتة عل انحصاره فيها، إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً. وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التي ترتيبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها، أو الحريات التي يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي، أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها.
8، 9 – من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة. متى كان ذلك وكان النص المطعون فيه قد مايز بين المتقاضين – في مجال التداعي في شأن الحقوق التي يطلبونها – لا بناءً على اعتبار يرتد إلى طبيعتها أو يتصل بتنظيم الحق في اقتضائها، بل ترتيباً على محال إقامتهم، ذلك أن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، كفلت لكل متقاض – لا يقيم في جهة من الأماكن التي حددها النص المطعون فيه – حق الطعن استئنافياً في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية، فإن كان مقيماً بها، فإن هذا الطريق من طرق الطعن يكون ممتنعاً بالنسبة إليه. بما مؤداه استبعاد النص المطعون فيه لفئة بذاتها من المتقاضين من فرص الطعن المكفولة لسواهم رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية، وتداعيهم في شأن الحقوق عينها. ومن ثم لا يكون هذا النص محمولاً على أسس موضوعية، بل متبنياً تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
10 – ما ذهب إليه الدفاع، من أن الإخلال بمبدأ الدستور أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، ينافيه أن النص المطعون فيه ينحل إلي قاعدة قانونية عامة مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها، باعتبار أنهم متكافئون فيما بينهم في مجال فرص الطعن التي أتاحتها، و كذلك تلك التي حجبتها. مردود بأن إعمال مبدأ مساواة الموطنين أمام القانون، رهن بالشروط الموضوعية التي يحدد المشرع على ضوئها المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها بها أمام القانون، على أن يكون مفهوماً أن موضوعية هذه الشروط، مرجعها إلى اتصال النصوص التي ترتبها، بالحقوق التي تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلاً بها، وتعلقها بطبيعة هذه الحقوق، ومتطلباتها في مجال ممارستها. ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجردها، وإن كان لازماً لإنفاذ أحكامها، إلا أن التمييز التشريعي المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
11 – مانحاً إليه الدفاع من أن النص المطعون فيه قد توخي سرعة الفصل في القضايا التي تدخل في اختصاص المحاكم الشرعية الجزئية وفقاً لحكمه، وكفل كذلك تقريب جهات القضاء من المتقاضين الذين يقيمون في الأماكن التي حددها، مردود بأن انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها، لا يجوز من زاوية دستورية إلا وفق أسس موضوعية، ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا. كذلك فإن تقريب جهات القضاء – من خلال محاكمها – من المتقاضين، لا يتصور أن يتم بوجود مواقعها بعيداً عن فريق منهم. ولا يجوز كذلك أن يكون معطلاً لحقهم في فرص الطعن التي أتاحها المشرع لغيرهم ممن يتماثلون معهم في المركز القانوني. ذلك أن استواء طرق الطعن فيما بين هؤلاء وهؤلاء، على مقتضى قاعدة قانونية واحدة، ضمانة أساسية للتقاضي يتكامل معها، ولا يجبها، التزام الدولة بأن تتخذ الوسائل التي تكفل تقريب جهات القضاء منهم.
الإجراءات
بتاريخ 23 ديسمبر 1993, أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن المدعي عليها الثانية, أقامت الدعوى رقم 49 لسنة 1993 أمام محكمة العريش الجزئية للأحوال الشخصية “نفس” بطلب إشهاد وضبط وفاة زوجها مع تحديد نصيب كل وارث قولاً منها بأنها كانت زوجة للمرحوم…… بموجب عقد شرعي، والذي توفي بتاريخ 28 فبراير 1992 خلال فترة عدتها إثر تطليقها منه طلاقاً رجعياً. وبتاريخ 27 يوليو سنة 1993 قضت تلك المحكمة في الدعوى المذكورة بتعديل الإعلام الشرعي الصادر في المادة 52 لسنة 1993، وراثات العريش, ليكون بتحقق وفاة المرحوم……. بتاريخ 28 فبراير سنة 1992 وانحصار إرثه الشرعي في زوجته المطلقة المدعي عليها الثانية وفي المدعين “أولاده البلغ” كل بحسب نصيبه المحدد في هذا الحكم. وقد طعن المدعون على هذا الحكم بالتماس إعادة النظر رقم 64 لسنة 1993 أمام محكمة الموضوع ذاتها بطلب إلغاء الحكم موضوع الالتماس لما تضمنه من قضاء بأكثر مما طلبه الخصوم. وأثناء نظر الالتماس، دفع المدعون بعدم دستورية نص المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية، وصرحت للمدعين بإقامة دعواهم الدستورية, فقد أقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، قد بينت في مادتيها الخامسة والسادسة المنازعات التي تختص المحاكم الشرعية الجزئية بالحكم النهائي فيها, وكذلك تلك التي تختص بالفصل فيها بصفة ابتدائية, ثم اتبعتها بمادتها السابعة التي جرى نصها كالآتي: –
“تختص المحاكم الشرعية الجزئية في سيوه والعريش والقصير والواحات الثلاث, بالحكم في جميع المواد المنصوص عليها في المادتين السابقتين, وفي جميع المواد الشرعية الأخرى التي هي من اختصاص المحاكم الابتدائية كما هو مبين في المادة الثامنة. ويكون حكمها في جميع ما ذكر غير قابل للطعن إلا بطريق المعارضة في الأحوال المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الرابع من هذه اللائحة”.
وحيث إن القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية وإحالة الدعاوى التي تكون منظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية, وإن نص في مادته الثالثة عشرة على إلغاء بعض المواد التي تضمنتها لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المشار إليها، إلا أن هذا الإلغاء لم يشمل مادتها السابعة التي ظل حكمها قائماً ونافذاً إلى أن صدر القانون رقم 214 لسنة 1994 الذي نصت مادته الأولى على أن “تلغي المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بشأن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها، وعلى المحاكم الجزئية أن تحيل بدون رسوم – ومن تلقاء نفسها – ما يوجد لديها من دعاوى أصبحت من اختصاص المحاكم الابتدائية المختصة بمقتضي حكم الفقرة السابقة، وذلك بالحالة التي تكون عليها…”.
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية – وهي شرط قبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن إلغاء المشرع لقاعدة قانونية بذاتها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم من خلال الفترة من تاريخ العمل بها وحتى إلغائها. فإذا استعيض عنها بقاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من هاتين القاعدتين. فما نشأ في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعاً لحكمها وحدها. إذ كان ذلك، وكان الطعن المقدم من المدعين بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية السالف بيانها، قد توخي إبطال ما قررته من عدم جواز الطعن في الحكم الصادر من محكمة العريش الجزئية في الدعوى رقم 49 لسنة 1993 إلا بطريق المعارضة، كي ينفتح أمامهم طريق الطعن في هذا الحكم استئنافياً، فإن مصلحتهم الشخصية المباشرة تنحصر في هذا النطاق ولا تتعداه.
وحيث إن المدعين ذهبوا إلى أن المشرع قد توخي بنص المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية – في شقها المطعون فيه – أن يدفع عن المتقاضين مشاق انتقالهم من المناطق النائية التي حددها هذا النص إلى مقار المحاكم الابتدائية، حال أن هذا الاعتبار بات منافياً إزاء تقدم وسائل الاتصال وسهولتها. ومن ثم يقع النص المطعون فيه مخالفاً للمادتين 40, 68 من الدستور، فيما تنص عليه أولاهما من أن المواطنين متكافئون أمام القانون, وما قررته ثانيتهما من أن تعمل الدولة على ضمان تقريب جهات القضاء من المتقاضين.
وحيث إن البين من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية – بعد تعديل أحكامها بمقتضى القانون رقم 462 المشار إليه – أن الطعن بالطرق العادية في الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية, غدا مقصوراً على المعارضة فيها واستئنافها. متى كان ذلك, وكانت المادة 10 من هذه اللائحة تنص على أن الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الجزئية الشرعية, يجوز استئنافها أمام المحاكم الشرعية الابتدائية, وذلك دون إخلال بحكم المادة 7 من هذه اللائحة, فإن المشرع بذلك يكون قد أورد حكم مادتها السابعة باعتباره استثناء من مادتها العاشرة, وهو استثناء أكدته المادة 304 من اللائحة المذكورة بما نصت عليه من أنه “يجوز للخصوم – في غير الأحوال المستثناة بنص صريح في هذه اللائحة – أن يستأنفوا الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم الجزئية أو المحاكم الكلية بصفة ابتدائية”.
وحيث إن من المقرر أنه فيما عدا الأحوال التي تفصل فيها المحاكم الشرعية الجزئية في نزاع يدخل في إطار اختصاصها الانتهائي، ويكون قصر حق التقاضي في شأن المسائل التي فصل الحكم فيها على درجة واحدة، واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام، فإن الأصل في الأحكام التي تفصل بصفة ابتدائية في النزاع الموضوعي، هو جواز استئنافها، إذ يعتبر نظرُ النزاع على درجتين، ضمانة أساسية للتقاضي لا يجوز حجبها عن المتخاصمين بغير نص صريح ووفق أسس موضوعية، بما مؤداه أن الخروج عليها لا يفترض. وذلك سواء نظر إلى الطعن استئنافياً في الأحكام الصادرة بصفة ابتدائية – باعتباره طريقا محتوماً لمراقبة سلامتها وتقويم اعوجاجها، أم كوسيلة لنقل النزاع برمته، وبكامل العناصر التي يشتمل عليها إلى المحكمة الاستئنافية، لتجيل بصرها فيه من جديد، باعتبار أن حكماً واحداً في شأن هذا النزاع لا يقدم ضماناً كافياً يرعى العدالة، ويضمن فعالية إدارتها وفقاً لمستوياتها التي التزمتها الدول المتحضرة.
وحيث إن البين من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أن المشرع بعد أن حدد في المادة 5 منها ما يدخل في إطار الاختصاص الانتهائي للمحاكم الشرعية الجزئية، وقرنها بالمادة 6 التي فصّل بها ما يقع في نطاق اختصاصها الابتدائي، أفرد المحاكم الشرعية الجزئية في سيوه والعريش والقصير والواحات الثلاث بحكم خاص قصره عليها، وذلك بما نص عليه – في المادة 7 – من اختصاصها بالحكم في جميع المواد المنصوص عليها في المادتين السابقتين، وكذلك الفصل في جميع المحاكم الشرعية الأخرى التي هي من اختصاص الابتدائية كما هو مبين في المادة الثامنة، على أن يكون في حكمها في جميع ما ذكر غير قابل للطعن إلا بطريق المعارضة.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الحكم الصادر من محكمة العريش الجزئية في الدعوى رقم 49 لسنة 1993 قد فصل في نزاع يدخل في اختصاصها الابتدائي، وكان الأصل المقرر عملاً بالمادة 10 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، هو جواز الطعن استنئافياً وذلك في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية “دون إخلال بحكم المادة 7 المشار إليها” فإن هذا الاستثناء يكون قد استبعد أحكام المحاكم الشرعية الجزئية الواقعة في بعض الأماكن النائية التي حددتها المادة 7 من تلك اللائحة، ومن الطعن فيها استئنافياً على خلاف الأصل المقرر بالنسبة إلى غيرها من المحاكم التي تساويها في مرتبتها، وتتكافأ معها في تشكيلها.
وحيث إن الدستور بما نص عليه المادة 68 منه، من أن لكل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي انتصافاً مما قد يقع عليه من عدوان، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته، من الحقوق المقررة للناس جميعاً، لا يتمايزون فيما بينهم في مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التي يدعونها، ولتأمين مصالحهم التي ترتبط بها بما مؤاده أن قصر مباشرة حق التقاضي على فئة من بينهم أو الحرمان منه في أحوال بذاتها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، إنما يعد عملاً مخالفاً للدستور الذي لم يجز إلا تنظيم هذا الحق، وجعل المواطنين سواء في الارتكان إليه، بما مؤداه أن غلق أبوابه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التي يدعيها.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها، بدءاً بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم، في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
ولئن نص الدستور في المادة 40 منه، على حظر بين المواطنين في أحوال بينتها، هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس الجنس والأصل أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده – وعلى ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها، إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً. وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التي ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها، أو الحريات التي يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي، أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها.
وحيث إن من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد مايز بين المتقاضين – في مجال التداعي في شأن الحقوق التي يطلبونها – لا بناءً على اعتبار يرتد إلى طبيعتها أو يتصل بتنظيم الحق في اقتضائها، بل ترتيباً على محال إقامتهم، ذلك أن اللائحة المشار إليها كفلت لكل متقاض – لا يقيم في جهة من الأماكن التي حددها النص المطعون فيه – حق الطعن استئنافياً في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية. فإن كان مقيماً بها، فإن هذا الطريق من طرق الطعن يكون ممتنعاً بالنسبة إليه. بما مؤداه استبعاد النص المطعون فيه لفئة بذاتها من المتقاضين من فرص الطعن المكفولة لسواهم رغم تماثلهم جميعاً في مراكزهم القانونية، وتداعيهم في شأن الحقوق عينها. ومن ثم لا يكون هذا النص محمولاً على أسس موضوعية، بل متبنياً تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
ولا ينال مما تقدم، ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، ينافيه أن النص المطعون فيه ينحل إلي قاعدة قانونية عامة مجردة لا تقيم في مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها، باعتباره أنهم متكافئون فيما بينهم في مجال فرص الطعن التي أتاحتها، وكذلك تلك التي حجبتها. ذلك أنَّ إعمال مبدأ مساواة الموطنين أمام القانون، رهن بالشروط الموضوعية التي يحدد المشرع على ضوئها المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها بها أمام القانون، على أن يكون مفهوماً أن موضوعية هذه الشروط مرجعها إلى اتصال النصوص التي ترتبها، بالحقوق التي تتناولها، بما يؤكد ارتباطها عقلاً بها، وتعلقها بطبيعة هذه الحقوق، ومتطلباتها في مجال ممارستها. ومجرد عمومية القاعدة القانونية وتجردها، وإن كان لازماً لإنفاذ أحكامها، إلا أن التمييز التشريعي المناقض لمبدأ المساواة أمام القانون، لا يقوم إلا بهذه القواعد ذاتها.
وحيث إن ما قررته هيئة قضايا الدولة من أن النص المطعون فيه قد توحي سرعة الفصل في القضايا التي تدخل في اختصاص المحاكم الشرعية الجزئية وفقاً لحكمه، وكفل كذلك تقريب جهات القضاء من المتقاضين الذين يقيمون في الأماكن التي حددها، مردود بأن انفتاح طرق الطعن في الأحكام أو منعها، لا يجوز من زاوية دستورية إلا وفق أسس موضوعية، ليس من بينها مجرد سرعة الفصل في القضايا. كذلك فإن تقريب جهات القضاء – من خلال محاكمها – من المتقاضين، لا يتصور أن يتم بوجود مواقعها بعيداً عن فريق منهم، ولا يجوز كذلك أن يكون معطلاً لحقهم في فرص الطعن التي أتاحها المشرع لغيرهم ممن يتماثلون معهم في المركز القانوني. ذلك أن استواء طرق الطعن فيما بين هؤلاء وهؤلاء، على مقتضي قاعدة قانونية واحدة، ضمانة أساسية للتقاضي يتكامل معها، ولا يجبها، التزام الدولة بأن تتخذ الوسائل التي تكفل تقريب جهات القضاء منهم.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد خالف المادتين 40, 68 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة السابعة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، وذلك فيما نصت عليه من عدم جواز الطعن إلا بطريق المعارضة في الأحكام الابتدائية الصادرة من المحاكم الشرعية الجزئية في سيوه والعريش والقصير والواحات الثلاث, وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية