الخط الساخن : 01118881009
جلسة 8 إبريل سنة 1995
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف ومحمد على سيف الدين وعدلي محمود منصور – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور حنفي علي جبالي – المفوض، وحضور السيد حمدي أنور صابر – أمين السر.
(القاعدة رقم 40)
القضية رقم 19 لسنة 15 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “جواز أن يكون الطعن في النصوص القانونية بعدم الدستورية, مقدماً من الحكومة أو إحدى هيئاتها العامة: أساس ذلك”.
ما نص عليه قانون المحكمة الدستورية العليا من أن الحكومة تعتبر طرفاً ذا شأن في الدعوى الدستورية, توخي إعلامها بالنصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور, لتحدد موقفها من المطاعن المنسوبة إليها، ولا يعني ذلك أن تؤيد الحكومة دوماً دستورية هذه النصوص, لتجهض المطاعن الموجهة إليها, حتى ما كان منها صحيحاً, إذ لو صح ذلك, لكان التزامها بالتقيد بالشرعية الدستورية, لغواً.
2 – دعوى دستورية “المصلحة فيها – مناطها”.
متى كان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه, يعني امتناع تحصيل الضريبة التي فرضها, وانهيار الأساس الذي تقيم عليه نقابة المهن العلمية دعواها لطلبها, فإن مصلحة المدعيين في الدعوى الدستورية, تكون متوافرة ولا ينال منها أن الملتزم بالضريبة لن يتحمل بعبئها لدخولها في عناصر تكلفة إنتاج البترول الخام, ذلك أن كل زيادة في تكلفة إنتاج سلعة ما, إنما يؤثر بالضرورة في فرض تسويقها.
3 – دعوى دستورية “أهدافها”.
لا يتصور أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعنيهم بوجه عام, ولا أن تكون نفاذة يعرضون من خلالها ألواناً من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية والمباشرة, أو شكلاً للحوار حول حقائق عملية يطرحونها لإثباتها أو نفيها.
4 – دعوى دستورية “الحكم فيها: أثره”.
الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه, يعني امتناع تحصيل الضريبة التي فرضها, وانهدام الأساس الذي تقيم عليه نقابة المهن العلمية دعواها الموضوعية, لطلبها.
5 – التزام “التضامن بين المدنيين: مؤداه”.
التضامن بين المدينين, وإن دل على تعدد روابطهم مع الدائن, إلا أن الالتزام يظل موحد المحل, ولكل مدين بالتالي الوفاء بكل الدين, ويعتبر هذا الوفاء مبرئا لذمة المدينين الآخرين قبل دائنهم.
6 – الضريبة العامة “مفهومها”.
الضريبة العامة هي التي يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها – على امتداد النطاق الإقليمي للدولة – مرتباً لدينها في ذمة الممول – يقوم التكافؤ في التعامل مع المخاطبين بها, على حدة تطبيقها جغرافياً.
7 – الضريبة العامة “مصدرها”.
أعلى الدستور قدر الضريبة العامة بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها, وبوجه خاص من زاوية ما يتصل بفرضها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش. ومن ثم مايز الدستور بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية, فنص على أن أولاهما لا يجوز فرضها, أو تعديلها, أو إلغاؤها إلا بقانون, ولازم ذلك أن القانون هو المصدر المباشر للضريبة العامة, إذ يحيط رابطتها في إطار من قواعد القانون العام.
8 – الضريبة “أغراضها الأصلية والعرضية”.
تتوخى الضريبة أصلاً الحصول على غلتها لتعين الدولة على مواجهة نفقاتها العامة. ولا يخل ذلك بأن للضريبة أثاراً عرضية أو جانبية أو غير مباشرة, غايتها تقييد مباشرة، بعض الأعمال التي تتناولها, أو حمل المكلفين بها – من خلال عبئها – على التخلي عن نشاطهم, وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً, كالتعامل في المواد المخدرة.
9 – ضريبة “زوال خصائصها”.
تتجرد الضريبة من خصائصها, إذا كان من شأنها تدمير وعائها, أو كان لها وطأة الجزاء, وكذلك قام الدليل على انتفاء المصلحة المشروعة التي تسوغها.
10 – ضريبة “اختيار المال محلها”.
اختيار المشرع للمال الذي يتحمل بالضريبة، مما يخضع لسلطته التقديرية.
11 – ضريبة “حصيلتها وبواعثها وجوانبها العرضية”.
لا ينال من دستورية الضريبة, أن تكون حصيلتها متناهية في ضآلتها، ولا أن يكون باعثها غير مرض بوجه عام، ولا أن يكون هدفاً الحصول من المكلفين على مبلغها مع تنظيم نشاطهم عرضاً.
12 – الضريبة العامة “الأسس التي تحكمها” “وحدة موارد الدولة”.
اتصال الأموال التي تجمعها الدولة وتصبها في خزائنها العامة, بوظائفها الحيوية وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها والعمل على تطويره. وتفقد موارد الدولة – من مكوسها وإتاواتها ودومينها الخاص وغير ذلك من المصادر – ذاتيتها باندماجها مع بعضها البعض, لتشكل نهراً واحداً لإيراداتها الكلية.
13 – الضريبة العامة “الأسس التي تحكمها” “ارتباط الإنفاق من مواردها بالنفع العام”.
لا ينفصل استخدام الدولة لمواردها عن مسئوليتها في أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام, ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية – قيداً على إنفاقها لإيراداتها.
14 – موارد مالية “تحصيلها وإنفاقها”.
تحصيل الدولة لأموالها وإنفاقها, عمليتان منفصلتان, ولكل منهما أسسها وضوابطها وبواعثها.
15 – موارد مالية “جواز تحويل الدولة لبعض عناصرها إلى الجهة التي تراها, لتعينها بها على النهوض بمسئوليتها: شرط ذلك”.
للدولة تحويل بعض الموارد إلى الجهة التي تراها لدعم وفائها بمسئولياتها بشرطين: أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين أو بقطاع عريض من بينهم. ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها, وأن يتم ذلك من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور.
16 – ضريبة “خروجها على وظائفها – أثره”.
قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها من مجال وظائفها, ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً.
17 – مبدأ المساواة أمام القانون “شرط التكافؤ في المراكز القانونية”. الحماية القانونية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة، تفترض بداءةً، أن يكون بنيان هذه المراكز جميعها، متوائماً مع أحكام الدستور, بما يؤكد مشروعيتها.
1 – الدفع بعدم قبول الدعوى الدستورية التي أقامتها الهيئة المصرية العامة للبترول تأسيساً على أن الطعن بعدم الدستورية لا يجوز أن يقبل منها باعتبارها من فروع الدولة، ولأن ضريبة الدمغة التي فرضها النص المطعون فيه عن إنتاج كل برميل من المواد الخام لن تضر بمصالح المدعيين بعد أن أدخلها المشرع ضمن عناصر تكلفة إنتاج هذا البترول، وألزم الخزانة العامة إذا قل ثمن بيع المنتجات البترولية عن تكلفتها، بالفرق بينهما، مردود – في وجهيه أولاً: – بأن ما نص عليه قانون المحكمة الدستورية العليا من أن الحكومة تعتبر طرفاً ذا شأن في الدعاوى الدستورية, قد توخي إعلانها بصحائفها, ومن ثم إعلامها بالنصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور, لتحدد موقفها من المطاعن المنسوبة إليها, ولا يعني ذلك على الإطلاق، أن تؤيد الحكومة دوماً دستورية تلك النصوص لتجهض المطاعن الموجهة إليها حتى ما كان منها صحيحاً، إذ لو جاز ذلك – وهو غير صحيح – لكان التزامها بالتقيد بالشرعية الدستورية لغواً, ونزولها على ضوابطها تخرصاً، وإرساؤها لركائزها وهماً, وإدعاؤها الحرص على إنفاذها زيفاً، ونهجها في مجال صونها بدداً, فلا تقيم لسيادة الدستور وزناً. ومردود ثانياً: بأن الخصومة الدستورية عينية بطبيعتها، ذلك أن قوامها مقابلة النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور, بالقواعد التي فرضها على السلطتين التشريعية والتنفيذية, لإلزامهما بالتقيد بها في ممارستها لاختصاصاتهما الدستورية. ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هي موضوع الخصومة الدستورية, أو هي بالأحرى محلها, وهي لا تبلغ غايتها إلا بإهدار تلك النصوص بقدر تعارضها مع الدستور. وقضاء المحكمة الدستورية العليا في شأنها, يحوز تلك الحجية التي تطلق آثارها في مواجهة الدولة على امتداد تنظيماتها وتعدد مناحي نشاطها, وكذلك بالنسبة إلى الأغيار جميعهم. ومن ثم لا تنحصر آثار أحكامها فيمن يكون طرفاً في الخصومة الدستورية، سواء باعتباره خصماً أصيلاً أو منضماً، بل يكون سريانها على من عداهم التزاماً مترتباً في حقهم بحكم الدستور.
2- يتغيا شرط المصلحة الشخصية المباشرة أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية, أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية, ويرسم تخوم ولايتها, فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي, وبالقدر اللازم للفصل فيها. ومؤاده ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر جراء سريان النص المطعون فيه عليهم, سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم, أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر, منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور, مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها, ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته, عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور, أو كان من غير المخاطبين بأحكامه, أو كان قد أفاد من مزاياه, أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه, دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها, لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية, عما كان عليه قبلها.
3 – لا يتصور أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعينهم بوجه عام, أو أن تكون نافذة يعرضون منها ألواناً من الصراع عن مصالحهم الشخصية المباشرة, أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها, أو طريقاً للدفاع عن مصالح بذواتها لا شأن للنص المطعون عليها بها. بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها – التي كثيراً ما تؤثر في حياة الأفراد وحرماتهم وحرياتهم وأموالهم – يما يكفل فعاليتها. وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة, فلا تقبل عليها اندفاعاً، ولا تعرض عنها تراخياً ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع في دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية. بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التي تستقل بعناصرها, ويكون ممكناً إدراكها, لتكون لها ذاتيته. ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً، أو منتحلاً، أو مجرداًin abstracto ، أو يقوم على الافتراض, أو التخمين Conjectural.
ولازم ذلك، أن يقوم الدليل جلياً على اتصال الأضرار المدعي وقوعها بالنص المطعون عليه, وأن يسعى المضرور لدفعها عنه, لا ليؤمن بدعواه الدستورية – كأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التي تعود فائدة صونها عليه .in Concreto
والتزماً بهذا الإطار, جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية, وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المطاعن الدستورية, لازماً للفصل في النزاع الموضوعي.
4 – الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه, يعني امتناع تحصيل الضريبة التي فرضها, وانهدام الأساس الذي تقيم عليه نقابة المهن العلمية دعواها الموضوعية لطلبها, فإن مصلحة المدعيين في الدعوى الدستورية تكون متوافرة. ولا ينال منها قالة أن الضريبة المطعون عليها يعتبر مبلغها – وبصريح قانون إنشائها – جزءاً من عناصر تكلفة البترول الخام, وأن الملتزم بالضريبة لن يتحمل بالتالي بعبئها, ذلك أن كل زيادة في تكلفة الإنتاج بقدر قيمة الضريبة التي أضافها المشرع إليها, تؤثر بالضرورة في فرص تسويق ذلك البترول، التي تتحكم فيها قوانين عرض هذه السلعة في الأسواق الدولية وطلبها.
5 – من المقرر أن الدائن – وكلما تعدد المدينون, وكانوا متضامنين فيما بينهم بناء على اتفاق أو نص في القانون – الرجوع ابتداء على أيهم, فلا يكون للدائن مدين واحد, بل أكثر من مدين, يلزم كل منهم نحوه بكامل الدين, ذلك أن التضامن بين المدنيين, وإن دل على تعدد روابطهم مع الدائن, إلا أن الالتزام يظل موحد المحل, ولكل مدين بالتالي الوفاء بكل الدين للدائن, ويعتبر هذا الوفاء مبرئاً لذمة المدنيين الآخرين قبل دائنهم. متى كان ذلك, وكان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه، مؤداه سقوط التزام المدينين المتضامنين جميعهم بالدين المدعي به قبلهم, وامتناع الرجوع على أحدهم بمقداره, فإن قالة انتفاء مصلحة الهيئة المصرية العامة للبترول في الطعن الماثل لا يكون لها من سند.
6 – من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن الضريبة العامة هي التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها, ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها. بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها, على امتداد النطاق الإقليمي للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتباً لدينها في ذمة الممول, بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها في الخضوع لها دون تمييز, وسريانها بالتالي – بالقوة ذاتها – كلما توافر مناطها, في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولا يعني ذلك أن يتماثل الممولون في مقدار الضريبة التي يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية, فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً Intrinsic بل جغرافياً Geographic.
7 – أعلى الدستور شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها, وبوجه خاص من ناحية جذبها لعوامل الإنتاج, أو طردها، أو تقييد تدفقها, وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش, وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق, وكان الدستور – نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها – قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية, فنص على أن أولاها لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون, وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون. ولازم ذلك أن السلطة التشريعية هي التي تملك بيدها زمام الضريبة العامة, إذ تتولى بنفسها – من دون السلطة التنفيذية – تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها, متضمناً تحديد الأموال المحملة بها, وأسس تقدير وعائها، ومبلغها، والمكلفين بأدائها, والجزاء على مخالفة أحكامها, وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها, إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. متى كان ذلك, فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة, إذ يحيط بها وينظم رابطتها في إطار من قواعد القانون العام, متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لموجباتها, وبما يكفل الانتفاع بحصيلتها فيما يعود بالنفع على الجماعة, منظوراً في ذلك إلى ما يحقق رخاءها.
8 – الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين, يكون أحدهما أصلاً مقصوداً ابتداءً primary motive ويتمثل في الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها, تصبها في خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها. ويكون ثانيهما مطلوباً بصفة عرضية أو جانبية أو غير مباشرة incidential motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية regulatory nature دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من زاوية تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها – من خلال عبئها – على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا كان مؤثماً جنائياً كالتعامل في المواد المخدرة. وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية, ولا تزايلها طبيعتها هذه, لمجرد أنها تولد آثاراً عرضية بمناسبة إنشائهاEvery tax is in some measure regulatory. To some extent it interposes an economic impediment to the activity taxed as compared with others not taxed. But a tax is not any the less a tax because it has a regulatory effect tending to restrict or suppress the thing taxed.
9 – تتجرد الضريبة من خصائصها, إذا كان من شأنها تدمير وعائها, أو كان لها وطأة الجزاء, بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التي ينبغي أن تتوخاها أصلاً، وكذلك كلما قام الدليل على انتفاء المصلحة المشروعة التي تسوغها. وهو ما يقع بوجه خاص إذا كان معدل الضريبة أو أحوال فرضها, مناقضاً للأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة إلا بها.
10 – اختيار المشرع للمال محل الضريبة, مما يخضع لسلطته التقديرية.
11 – من المقرر كذلك, أن دستورية الضريبة لا ينال منها أن تكون حصيلتها متناهية في ضآلتها negligible أو أن يكون باعثها غير مرض بوجه عام, أو أن يكون هدفها الحصول أصلاً من المكلفين بها على مبلغها مع تنظيم نشاطهم عرضاً بما يجعل استمرارهم فيه مرهقاً onerous كفرض ضريبة على محال القمار.
12 – تعتبر الأموال التي تجنيها الدولة من ضرائبها العامة, وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية, وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها, والعمل على تطويره من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
ذلك أن فعالية قيامها على وظائفها هذه, يقتضيها أن توفر بنفسها – ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد – المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها.
وسبيلها إلى ذلك – وكلما عَنَّ لها إيقاع ضريبة ما على مال معين – هو أن تلجأ إلى السلطة التشريعية لإقناعها بفرضها باعتبار أن تقرير الضريبة مما يدخل في اختصاصها، بل هو من أكثر المهام اتصالاً بوجودها, وإن كان اختصاصها بتنظيم أوضاع الضريبة, لا يجوز أن يحول بينها, وبين تقرير ضوابط تهيمن بها على إنفاق الأموال التي جمعتها الدولة من ضرائبها ومكوسها وإتاواتها وغراماتها ودومينها الخاص, وغير ذلك من الموارد التي تصبها في خزانتها العامة, لتفقد كل منها – باندماجها مع بعضها البعض – ذاتيتها, ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds.
ومن خلال رقابتها عليها, وضبطها لمصارفها, تعمل السلطة التشريعية على إنقاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها, وبوجه خاص في نطاق العمالة, وضمان استقرار الأسعار, وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة.
ولازم ذلك أن تتقيد السلطة التنفيذية بالقواعد التي رصدتها السلطة التشريعية ليتم بموجبها الإنفاق العام, فلا يكون إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء, بل منضبطاً وأميناً, مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون, بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول عنها السلطة التنفيذية, أو أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة، ولو واجهتها ضرورة تقتضيها إنفاق أموال غير مدرجة بالموازنة العامة أو زائدة على تقديراتها. وتؤكد هذه المعاني بعض الدساتير الأجنبية كالدستور الأمريكي، ذلك أن الفقرة 7 من الفصل 9 من مادته الأولى صريحة في حظرها إخراج أموال من الخزانة العامة إلا بعد تخصيصها وفقاً للقانونNo money shall be drawn from the Treasury, but in consequence of appropriations made by law. وهي عين القاعدة التي كفلتها الفقرة الثالثة من المادة 114 من دستور الهند, وتدل عليها كذلك أحكام المواد 115, 116, 120 من دستور جمهورية مصر العربية، التي تقضي أولاها بأنه يجب عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الشعب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية, ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها. وتقرر ثانيهما أن نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة, لا يجوز إلا موافقة مجلس الشعب. كما تجب هذه الموافقة في شأن كل مصروف غير وارد بها, أو زائد على تقديراتها, ويكون ذلك بقانون. وتنص ثالثتها على أن ينظم القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة, وإجراءات صرفها.
13 – أن الضريبة العامة – وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة – لا تزال مورداً مالياً, بل هي كذلك أصلاً وابتداءً.
ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية, سواء في مجال الدفاع والأمن وغيرها من الشئون التقليدية, أو لمواجهة ما جَدَّ من اختصاصاتها كتلك التي تتعلق بالصحة والتعليم والنقل, أو لإشباع أعبائها الاجتماعية، أو متطلباتها الاستثمارية, وغير ذلك من احتياجاتها, سواء في ذلك تلك التي تكون طابعها منتظماً, أو طارئاً، وكان من المقرر أن نوع وحجم الإنفاق العام، إنما يتأثر بالسياسة التي تتبناها الدولة, والأوضاع السائدة فيها, وبوجه خاص من النواحي الأيديولوجية, التي تعكس مذهبها, وترسم كذلك حدود أولوياتها في مجال هذا الإنفاق، فإن أوجهه المتعددة، وضرورة إجرائها وفقاً للأوضاع التي نص عليها القانون على ضوء ضوابط الدستور, هي التي ينبغي أن تحكم سلوكها وتبين نطاق تدخلها. بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك لا ينفصل عن واجباتها الدستورية, وكذلك مسئولياتها في أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها. ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية – قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً لفرضها ابتداءً, وهو بعد شرط كامن في الضريبة العامة ذاتها, باعتبار أن انصرافها إلى المخاطبين بها على امتداد الحدود الإقليمية للدولة, يفترض أن يكون إنفاقها كافلاً لخيرهم العام، ولو لم يجن كل منهم استقلالا فائدة مباشرة من جراء هذا الإنفاق. فإذا لم يكن ثمة نفع عام يتصل بالأغراض التي يقتضيها صون مصالح مواطنيها ورعايتهم، أو كان تدخلها مجاوزاً الحدود التي يتعين أن يقع الإنفاق في نطاقها, فإن عملها لا يكون مبرراً من الناحية الدستورية.
وتؤيد هذا النهج بعض الدساتير بنصوص قاطعة من بينها ما تقرره الفقرة الأولى من الفصل الثامن من المادة الأولى من الدستور الأمريكي, من أن السلطة التي يملكها الكونجرس في مجال فرض الضرائب والمكوس بمختلف أنواعها، وغايتها أن توفر الحكومة الفيدرالية من خلالها, ما يلزمها للوفاء بديونها، ولإشباع متطلباتها الدفاعية، ولتحقيق الرخاء العام على امتداد الإقليم.
وبذلك تكون أغراض التمويل قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام.
14 – أموال الدولة بكل مكوناتها, وكذلك ضوابط إنفاقها، يهيئان معاً الظروف الضرورية التي تفي السلطة التنفيذية من خلالها بواجباتها. ولئن ذهب البعض إلى أن تحصيل هذه الأموال وإنفاقها وجهان لعملة واحدة، إلا أن من الصحيح أن هاتين العمليتين منفصلتان, ولكل منهما أسسها وبواعثها, وإن كان إنفاق المال العام وفق ضوابط صارمة, يعد شرطاً لازماً لضمان عدم تبديده أو توجيهه لغير الأغراض التي رصد عليها. ومن ثم يكون ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، التزاماً دستورياً واقعاً على السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها, إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً للدستور.
15 – للدولة تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها, لتعينها بل على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، وذلك بشرطين: أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها, وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم, أولها آثارها على قطاع عريض من بينهم, مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً. ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك – لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداءً لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها – بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة, وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور, وفي إطار الأسس الموضوعية التي تحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
16 – الأصل في الضريبة – وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة من الممول جبراً، وإسهاماً من جهته في أعبائها وتكاليفها العامة, ويؤديها إليها بصفة نهائية, ودون أن يعود عليه نفع خاص من وراء دفعها, وكان من المقرر كذلك, أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها, وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور, وكان الأصل في الضريبة – وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً – أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها, وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها – لا لتقتضيها الدولة جبراً من الملتزمين بها, لمواجهة نفقاتها العامة, محددة مصارفها وفق قانون الموازنة العامة، ولتباشر من خلالها دورها بالتدخل لإشباع مصالحها بما يكفل الخير العام لمواطنيها – بل قرر النص المطعون فيه هذه الضريبة لصالح نقابة بذاتها, واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها, فلا تدخل خزانة الدولة أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها العامة, ولتكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة – لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام – ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها, ويفقدها مقوماتها, لتنحل عدماً.
17 – لا محل للخوض فيما ساقه المدعون من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة بين العلميين, وغيرهم ممن يسهمون معهم في إنتاج البترول على النحو السالف بيانه, ذلك أن الحماية القانونية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة, تفترض بداءة أن يكون بنيان هذه المراكز جميعها متوائماً مع أحكام الدستور, بما يؤكد مشروعيتها. وإذ كان تقرير الضريبة المطعون عليها مخالفاً للدستور مما اقتضى الحكم بانعدامها، وكان العدم لا يقاس عليه, ولا مساواة فيه, فإن مد حكمها إلى آخرين، لا يكون جائزاً.
الإجراءات
بتاريخ 3 مايو 1993 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية الفقرة (د) من البند الرابع من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة ونقابة المهن العلمية مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق, والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق تتحصل في أن نقابة المهن العلمية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 12614 لسنة 1988 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية, ضد عدد من الشركات المنتجة لكيماويات صناعة البترول, لإلزامها بأن تؤدي إليها قمة دمغة نقابة المهن العلمية المستحقة عليها, وما يستجد من مبالغها, وقدرها قرش صاغ واحد عن كل برميل من البترول الخام. وذلك ابتناء على أنها دين في ذمتها بمقتضى حكم الفقرة (د) من البند الرابع من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983. وقد أدخلت نقابة المهن العلمية, الهيئة المصرية العامة للبترول خصماً في دعواها الموضوعية لتسمع الحكم بالطلبات الآنف بيانها. وبجلسة 27 أكتوبر 1991 دفعت الهيئة المصرية العامة للبترول، بعدم دستورية تلك الفقرة. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع, فقد صرحت للهيئة برفع الدعوى الدستورية، فأقامتها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة، بمقولة إن النص المطعون فيه واضح في أن الدمغة التي فرضها لصالح نقابة المهن العلمية عن إنتاج كل برميل بترول من المواد الخام، تعتبر جزءاً من عناصر التكلفة، ولن تتحمل بالتالي الشركات التي تعمل في هذا الحقل بمبالغها، ذلك أن عبئها ينقل عادة إلى من يستهلكون البترول الخام أو يقومون بشرائه. ومن ثم يقتصر دور هذه الشركات على مجرد تحصيلها. هذا بالإضافة إلى أن البترول المنتج ليس مملوكاً لها, ولا للهيئة المصرية العامة للبترول, بل عائداً أصلاً إلى الدولة. وقد ألزم قانون نقابة المهن العلمية, الخزانة العامة إذا قل ثمن المنتجات البترولية عن تكلفتها، بالفرق بينها, بما مؤداه أن تطبيق النص المطعون فيه, لن يضر بمصالح المدعيين وليس له من أثر يمس حقوقهم. ولا يقبل كذلك من الهيئة المصرية العامة للبترول – وهي فرع من فروع الدولة – الطعن بعدم دستورية نص تشريعي, ذلك أن الحكومة تعد من ذوي الشأن في الدعاوى الدستورية جميعها, عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود أولاً: بأن ما نص عليه قانون المحكمة الدستورية العليا من أن الحكومة تعتبر طرفاً ذا شأن في الدعاوى الدستورية, قد توخي إعلانها بصحائفها, ومن ثم إعلامها بالنصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور, لتحدد موقفها من المطاعن المنسوبة إليها. ولا يعني ذلك على الإطلاق، أن تؤيد الحكومة دوماً دستورية تلك النصوص، لتجهض المطاعن الموجهة إليها، حتى ما كان منها صحيحاً إذ لو جاز ذلك – وهو غير صحيح – لكان التزامها بالتقيد بالشرعية الدستورية لغواً, ونزولها على ضوابطها تخرصاً، وإرساؤها لركائزها وهماً, وإدعاؤها الحرص على إنفاذها زيفاً، ونهجها في مجال صونها بدداً, وسعيها لتثبيتها، منفصلاً عن حقائقها الموضوعية، منصرفاً إلى أهدابها الشكلية، فلا تقيم لسيادة الدستور وزناً. ومردود ثانياً: بأن الخصومة الدستورية عينية بطبيعتها، ذلك أن قوامها مقابلة النصوص القانونية المدعي مخالفتها للدستور, بالقواعد التي فرضها على السلطتين التشريعية والتنفيذية, لإلزامهما بالتقيد بها في ممارستها لاختصاصاتهما الدستورية. ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها، هي موضوع الخصومة الدستورية, أو هي بالأحرى محلها. وهي لا تبلغ غايتها إلا بإهدار تلك النصوص بقدر تعارضها مع الدستور. وقضاء المحكمة الدستورية العليا في شأنها يحوز تلك الحجية التي تطلق آثارها في مواجهة الدولة، على امتداد تنظيماتها، وتعدد مناحي نشاطها, وكذلك بالنسبة على الأغيار جميعهم. ومن ثم لا تنحصر آثار أحكامها فيمن يكون طرفاً في الخصومة الدستورية، سواء باعتباره خصماً أصيلاً أو منضماً، بل يكون سريانها على من عداهم التزاماً مترتباً في حقهم بحكم الدستور.
ومردود ثالثاً: بأن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية, أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة القضائية, ويرسم تخوم ولايتها, فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي, وبالقدر اللازم للفصل فيها. ومؤاده ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر جراء سريان النص المطعون فيه عليهم, سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم, أم كان قد وقع فعلاً.
ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر, منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور, مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها, ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته, عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور, أو كان من غير المخاطبين بأحكامه, أو كان قد أفاد من مزاياه, أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه, دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها, لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية, عما كان عليه قبلها. ولا يتصور أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعنيهم بوجه عام, أو أن تكون نافذة يعرضون منها ألواناً من الصراع عن مصالحهم الشخصية المباشرة, أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها, أو طريقاً للدفاع عن مصالح بذواتها لا شأن للنص المطعون عليه بها, بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها – التي كثيراً ما تؤثر في حياة الأفراد وحرماتهم وحرياتهم وأموالهم – يما يكفل فعاليتها. وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة, فلا تقبل عليها اندفاعاً، ولا تعرض عنها تراخياً. ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع في دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية. بل يتعين أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التي تستقل بعناصرها, ويكون ممكناً إدراكها, لتكون لها ذاتيتها. ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً، أو منتحلاً، أو مجرداًin abstracto، أو يقوم على الافتراض, أو التخمين Conjectural.
ولازم ذلك أن يقوم الدليل جلياً على اتصال الأضرار المدعي وقوعها بالنص المطعون عليه, وأن يسعى المضرور لدفعها عنه, لا ليؤمن بدعواه الدستورية – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل إنفاذ تلك الحقوق التي تعود صونها عليهin Concreto والتزماً بهذا الإطار, جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن المصلحة الشخصية المباشرة، شرط لقبول الدعوى الدستورية, وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المطاعن الدستورية, لازماً للفصل في النزاع الموضوعي. متى كان ذلك وكان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه, يعني امتناع تحصيل الضريبة التي فرضها, وانهدام الأساس الذي تقيم عليه نقابة المهن العلمية دعواها الموضوعية لطلبها, فإن مصلحة المدعين في الدعوى الدستورية تكون متوافرة. ولا ينال منها قالة أن الضريبة المطعون عليها يعتبر مبلغها – وبصريح قانون إنشائها – جزءاً من عناصر تكلفة البترول الخام, وأن الملتزم بالضريبة لن يتحمل بالتالي بعبئها, ذلك أن كل زيادة في تكلفة الإنتاج بقدر قيمة الضريبة التي أضافها المشرع إليها, تؤثر بالضرورة في فرص تسويق ذلك البترول التي تتحكم فيها قوانين عرض هذه السلعة في الأسواق الدولية وطلبها.
وحيث إنه فضلاً عما تقدم, فإن البين من الأوراق أن نقابة المهن العلمية هي التي أدخلت الهيئة المصرية العامة للبترول خصماً في دعواها الموضوعية رقم 12614 لسنة 1988 مدني جنوب القاهرة ليحكم عليها – بالتضامن مع شركة السويس للزيت – بدفع قيمة دمغة النقابة التي تقول بوقوعها في ذمتها المالية ومقدارها 1568610 جنيهاً. وإذ كان من المقرر أن للدائن – وكلما تعدد المدينون، وكانوا متضامنين فيما بينهم بناء على اتفاق أو نص في القانون – الرجوع ابتداء على أيهم، فلا يكون للدائن مدين واحد, بل أكثر من مدين, يلزم كلا منهم نحوه بكامل الدين, ذلك أن التضامن بين المدينين, وإن دل على تعدد روابطهم مع الدائن, إلا أن الالتزام يظل موحد العمل, ولكل مدين بالتالي الوفاء بكل الدين للدائن, ويعتبر هذا الوفاء مبرئاً لذمة المدينين الآخرين قبل دائنهم. متى كان ذلك وكان الحكم بعدم دستورية النص المطعون فيه، مؤداه سقوط التزام المدينين المتضامنين جميعهم بالدين المدعي به قبلهم، وامتناع الرجوع على أحدهم بمقداره, فإن قالة انتفاء مصلحة الهيئة المصرية العامة للبترول في الطعن الماثل لا يكون لها من سند.
وحيث إن انضمام بعض الشركات المنتجة للبترول إلى الهيئة المصرية العامة للبترول، في دفعها بعدم الدستورية، وبقاء طلبها التدخل انضماماً إليها, مطروح على محكمة الموضوع دون أن تقضي برفضه, يعني قبولها ضمناً لتدخلها، لاسيما وأن المتدخلين انضماماً، يدافعون عن عين المصالح التي تتوخى الهيئة المصرية العامة للبترول تأمينها وحمايتها.
وحيث إن المدعين ينعون على النص التشريعي المطعون فيه, مخالفته للمواد 8, 25, 38، 40, 56, 119 من الدستور, قولاً بأن الدستور حرص في بيان المقومات الأساسية للمجتمع، على أن ينص في المادة الثامنة منه, على أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين, ونص كذلك في المادة 25 على أن لكل مواطن نصيباً في الناتج القومي يحدده القانون, بمراعاة عمله وملكيته غير المستغلة. وقد انزلق النص المطعون فيه إلى مخالفة الدستور, بأن منح نقابة المهن العلمية دون غيرها، نصيباً من هذا الناتج مقطوع الصلة بعملها أو ملكيتها. هذا فضلاً عن أن الأصل في النظام الضريبي وفقاً لنص المادة 38 من الدستور, هو أن يقوم على العدالة الاجتماعية. وقد اختل في النص المطعون فيه اعتبار “العدالة” حين أفرد نقابة المهن العلمية بميزة مالية حرم منها مثيلاتها بغير مبرر مفهوم, وناقض بذلك – ومن جهة ثانية – مبدأ المساواة أمام القانون، وهو مبدأ يفترض وجود علاقة منطقية بين أساس التمييز، والنتيجة التي رتبها المشرع عليه. وليس ثمة دليل على وجود هذه العلاقة في النص المطعون فيه, ذلك أن العلميين لا يسهمون وحدهم في عمليات إنتاج البترول، بل لعل إسهامهم – في ضوء تحديد قانون نقابة المهن العلمية لأهدافها – أن يكون أقل بكثير من غيرهم ممن حرمهم النص المطعون فيه من هذه الميزة التي اختص بها أعضاء نقابة المهن العلمية. كذلك فإن الأصل في الضريبة أن يكون تشريعها متوخياً أساساً فرضها لضمان التقيد بالعوامل التي تحكم السياسية الضريبية, ولا كذلك النص المطعون فيه, إذ فرض الضريبة المطعون عليها بمناسبة تنظيم نقابة بذاتها, هي نقابة المهن العلمية, واختص أعضاءها بالإفادة من عائدها لرعاية مصالحهم. وهو بذلك يفرض تكليفاً مالياً نحو غير المخاطبين بقانون نقابة المهن العلمية, ويوجهه كله لصالح أعضائها. والتجاء المشرع إلى فرض الضريبة بطريقة عرضية من خلال قانون غير ضرائبي ينظم مهنة أو نقابة معينة، هو الذي يثير شكاً في دستوريته, لخروجه على مقتضى نص المادة 119 من الدستور.
وحيث إن الهيئة المصرية العامة للبترول قدمت خلال فترة حجز الدعوى للحكم – مذكرة أوضحت فيها أن الفرائض المالية جميعها – ومن بينها ضريبة الدمغة المتنازع علي استحقاقها – لابد أن يتم تقريرها في إطار الضوابط الشكلية والموضوعية التي حددها الدستور, وعلى رأسها احترام الملكية الخاصة, ومبدأ المساواة أمام القانون, ذلك أن استحقاق العلميين لتلك الضريبة لا يقترن بعمل من جانبهم, ولا يقابلها تحقيق النقابة لأهدافها. واعتبار العدالة الاجتماعية – وهي قوام النظام الضريبي – متخلف فيها. وإفراد نقابة العلميين بتلك الضريبة – التي لا يصححها عموم تطبيقها – لا يعدو أن يكون تمييزاً جائراً بينها وبين غيرهم ممن يسهمون بجهدهم في إنتاج البترول, ذلك أن التمييز لا يعتبر تصنيفاً جائزاً إلا بشرط معين, هو أن توجد علاقة مفهومة بين أساس التمييز، والنتائج التي رتبها المشرع عليه. ولئن صح القول بأن حكم القانون, لا يجوز أن يكون تحكمياً لأهواء الرجال لا يأمن الناس فيه على حقوقهم وأموالهم وحرياتهم وأعراضهم, فإن من الصحيح كذلك أن ضريبة الدمغة التي فرضها النص المطعون فيه, تؤخذ من الشركات المنتجة للبترول – التي لا يجوز تكليفها بدفعها – كي تختص بها نقابة المهن العلمية التي لا تستحقها دستورياً، وهو ما يعدم أساس فرضها.
وحيث إن الحاضر عن نقابة المهن العلمية, قدم كذلك مذكرة أبان فيها عن أن نقابة المهن العلمية تعد من أشخاص القانون العام التي يجوز تخويلها نصيباً من السلطة العامة تستعين بها على أداء رسالتها. وقد درج المشرع على أن يعاون النقابات المهنية على أداء رسالتها من خلال فرائض مالية تقتضيها لصالحها, وإن هذا الذي سار عليه العمل, يمثل عند البعض عرفاً دستورياً، وإن كانت المادتان 61, 119 من الدستور تسمحان للمشرع بفرض هذه الفرائض المالية, ذلك أن ما نص عليه الدستور – في المادة 61 – من أن أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقاً للقانون، يعني أنها لا تنحل إلى مجرد حقوق للمنتفعين بها. بل تعد كذلك واجباً على المكلفين بها, ولا يمكن أن يتنصل منه أحد. كذلك فإن البين من نص المادة 119 من الدستور, أن الضريبة غير العامة، هي التي لا يكون المواطنون جميعهم مكلفين بها, أو لا يتم تطبيقها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة كالضرائب المحلية والضرائب المرفقية. ومثل هذه الضرائب يجوز فرضها في حدود القانون, فإذا فرضها القانون, فإن اقتضاءها يكون مشروعاً وسليماً من باب أولى. ولا يخل فرض ضريبة الدمغة التي كفلها النص المطعون فيه, بمبدأ المساواة أمام القانون. ذلك أن المركز القانوني لنقابة المهن العلمية مغاير لغيرها, ووعاء هذه الضريبة هو برميل البترول الخام, وقد حدد المشرع مقدارها في صورة مبلغ من النقود منسوباً إلى هذا الوعاء, وجاء فرضها متسماً بالعمومية والمساواة، باعتبار أن المكلفين بها يتحملون بعبئها, دون تمييز. ومن ثم تتوافر لهذا الضريبة – التي يتم تخصيص حصيلتها لصالح نقابة بذاتها, كضريبة مرفقية – ضوابطها الشكلية والموضوعية.
وحيث إن الفقرة (د) من البند الرابع من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية – وهي النص المطعون فيه – تقضي بأن تشمل إيرادات النقابة ما يلي: –
بند (4) ما تحصله النقابة من فئات دمغات المهن العلمية التي تتحملها الشركات المنتجة للكيماويات الصناعية، وتعتبر جزءاً من عناصر التكلفة، وذلك على النحو الآتي: –
( أ )……. (ب)……. (ج)……. (د)……. برميل من البترول الخام وأي من المنتجات البترولية المصنعة (1) قرش.
وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن من بين موارد النقابة ما تحصله من طوابع الدمغة, وأن بعض فئاتها لم تعد تتلاءم مع الأوضاع المالية للنقابة، بالنظر إلى ضآلتها، وأن التطبيق العملي لحكم الفقرة الرابعة من المادة 79 من قانونها قد أسفر عن صعوبات متعددة في مجال تحصيل تلك الضريبة. ومن ثم رؤى أن يكون فرضها مقصوراً على صناعة الأسمنت والسماد والصودا الكاوية والبترول الخام……..
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن الضريبة العامة هي التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تنبسط عليها دون سواها, ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها. بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها, على امتداد النطاق الإقليمي للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتباً لدينها في ذمة الممول, بما مؤداه تكافؤ الممولين المخاطبين بها في الخضوع لها دون تمييز, وسريانها بالتالي – بالقوة ذاتها – كلما توافر مناطها, في أية جهة داخل الحدود الإقليمية للدولة. ولا يعني ذلك أن يتماثل الممولون في مقدار الضريبة التي يؤدونها، بل يقوم التماثل على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية, فالتكافؤ أو التعادل بينهم ليس فعلياً Intrinsic بل جغرافياً Geographic.
وحيث إن الدستور أعلى شأن الضريبة العامة، وقدر أهميتها بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها, وبوجه خاص من ناحية جذبها لعوامل الإنتاج, أو طردها، أو تقييد تدفقها, وما يتصل بها من مظاهر الانكماش أو الانتعاش, وتأثيرها بالتالي على فرص الاستثمار والادخار والعمل وتكلفة النقل وحجم الإنفاق, وكان الدستور – نزولاً على هذه الحقائق واعترافاً بها – قد مايز بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية, فنص على أو أولاها لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون, وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون. ولازم ذلك أن السلطة التشريعية هي التي تملك بيدها زمام الضريبة العامة, إذ تتولى بنفسها – من دون السلطة التنفيذية – تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها, متضمناً تحديد الأموال المحملة بها, وأسس تقدير وعائها، ومبلغها، والمكلفين بأدائها, والجزاء على مخالفة أحكامها, وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها, إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون. متى كان ذلك, فإن نص القانون يعتبر مصدراً مباشراً للضريبة العامة, إذ يحيط بها وينظم رابطتها في إطار من قواعد القانون العام, متوخياً تقديراً موضوعياً ومتوازناً لموجباتها, وبما يكفل الانتفاع بحصيلتها فيما يعود بالنفع العام على الجماعة, منظوراً في ذلك إلى ما يحقق رخاءها.
وحيث إن الأصل أن يتوخى المشرع بالضريبة التي يفرضها أمرين, يكون أحدهما أصلاً مقصوداً منها ابتداء primary motive ويتمثل في الحصول على غلتها لتعود إلى الدولة وحدها, تصبها في خزانتها العامة لتعينها على مواجهة نفقاتها. ويكون ثانيهما مطلوباً بصفة عرضية أو جانبية أو غير مباشرة Incidential motive كاشفاً عن طبيعتها التنظيمية regulatory nature دالاً على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من زاوية تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها – من خلال عبئها – على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إذا حمل مؤثماً جنائياً كالتعامل في المواد المخدرة. وهذه الآثار العرضية للضريبة كثيراً ما تلازمها، وتظل للضريبة مقوماتها من الناحية الدستورية, ولا تزايلها طبيعتها هذه, لمجرد أنها تولد آثاراً عرضية بمناسبة إنشائهاEvery tax is in some measure regulatory. To some extent it interposes an economic impediment to the activity taxed as compared with others not taxed. But a tax is not any the less a tax because it has a regulatory effect tending to restrict or suppress the thing taxed
بيد أن الضريبة تتجرد من خصائصها, إذا كان من شأنها تدمير وعائها, أو كان لها وطأة الجزاء, بما يباعد بينها وبين الأغراض المالية التي ينبغي أن تتوخاها أصلاً، وكذلك كلما قام الدليل على انتفاء المصلحة المشروعة التي تسوغها. وهو ما يقع بوجه خاص إذا كان معدل الضريبة أو أحوال فرضها, مناقضاً للأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة إلا بها.
وحيث إن اختيار المشرع للمال محل الضريبة, وإن كان مما يخضع لسلطته التقديرية، وكان من المقرر كذلك, أن دستورية الضريبة لا ينال منها أن تكون حصيلتها متناهية في ضآلتها negligible أو أن يكون باعثها غير مرض بوجه عام, أو أن يكون هدفها الحصول أصلاً من المكلفين بها على مبلغها مع تنظيم نشاطهم عرضاً بما يجعل استمرارهم فيه مرهقاً onerous كفرض ضريبة على محال القمار، إلا أن الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها, بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً: أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها العامة, وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية, وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها, والعمل على تطويره من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. ذلك أن فعالية قيامها على وظائفها هذه, يقتضيها أن توفر بنفسها – ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد – المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها. وسبيلها إلى ذلك – وكلما عن لها إيقاع ضريبة ما على مال معين – هو أن تلجأ إلى السلطة التشريعية لإقناعها بفرضها باعتبار أن تقرير الضريبة مما يدخل في اختصاصها، بل هو من أكثر المهام اتصالاً بوجودها, وإن كان اختصاصها بتنظيم أوضاع الضريبة, لا يجوز أن يحول بينها, وبين تقرير ضوابط تهيمن بها على إنفاق الأموال التي جمعتها الدولة من ضرائبها ومكوسها وإتاواتها وغراماتها ودومينها الخاص, وغير ذلك من الموارد التي تصبها في خزانتها العامة, لتفقد كل منها – باندماجها مع بعضها البعض – ذاتيتها, ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds. ومن خلال رقابتها عليها, وضبطها لمصارفها, تعمل السلطة التشريعية على إنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها, وبوجه خاص في نطاق العمالة, وضمان استقرار الأسعار, وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة. ولازم ذلك أن تتقيد السلطة التنفيذية بالقواعد التي رصدتها السلطة التشريعية ليتم بموجبها الإنفاق العام, فلا يكون إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء, بل منضبطاً وأميناً, مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون, بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول عنها السلطة التنفيذية, أو أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة، ولو واجهتها ضرورة تقتضيها إنفاق أموال غير مدرجة بالموازنة العامة أو زائدة على تقديراتها. وتؤكد هذه المعاني بعض الدساتير الأجنبية كالدستور الأمريكي، ذلك أن الفقرة 7 من الفصل 9 من مادته الأولى صريحة في حظرها إخراج أموال من الخزانة العامة إلا بعد تخصيصها وفقاً للقانونNo money shall be drawn from the Treasury, but in Consequence of appropriations made by law . وهي عين القاعدة التي كفلتها الفقرة الثالثة من المادة 114 من دستور الهند, وتدل عليها كذلك أحكام المواد 115, 116, 120 من دستور جمهورية مصر العربية، التي تقضي أولاها بأنه يجب عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الشعب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية, ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها. وتقرر ثانيتهما أن نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة, لا يجوز إلا بموافقة مجلس الشعب. كما تجب هذه الموافقة في شأن كل مصروف غير وارد بها, أو زائد على تقديراتها, ويكون ذلك بقانون. وتنص ثالثتها على أن ينظم القانون القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة, وإجراءات صرفها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن أموال الدولة بكل مكوناتها, وكذلك ضوابط إنفاقها يهيئان معاً الظروف الضرورية التي تفي السلطة التنفيذية من خلالها بواجباتها. ولئن ذهب البعض إلى أن تحصيل هذه الأموال وإنفاقها وجهان لعملة واحدة، إلا أن من الصحيح أن هاتين العمليتين منفصلتان, ولكل منهما أسسها وبواعثها, وإن كان إنفاق المال العام وفق ضوابط صارمة, يعد شرطاً لازماً لضمان عدم تبديده أو توجيهه لغير الأغراض التي رصد عليها. بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تتنصل منه, أو تناقض فحواه بعمل من جانبها, إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً للدستور.
ثانيهما: إن الضريبة العامة – وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة – لا تزال مورداً مالياً, بل هي كذلك أصلاً وابتداءً. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية, سواء في مجال الدفاع والأمن وغيرها من الشئون التقليدية, أو لمواجهة ما جَدَّ من اختصاصاتها كتلك التي تتعلق بالصحة والتعليم والنقل, أو لإشباع أعبائها الاجتماعية، أو متطلباتها الاستثمارية, وغير ذلك من احتياجاتها, سواء في ذلك تلك التي تكون طابعها منتظماً, أو طارئاً، وكان من المقرر أن نوع وحجم الإنفاق العام، إنما يتأثر بالسياسة التي تتبناها الدولة, والأوضاع السائدة فيها, وبوجه خاص من النواحي الأيديولوجية, التي تعكس مذهبها, وترسم كذلك حدود أولوياتها في مجال هذا الإنفاق، فإن أوجهه المتعددة، وضرورة إجرائها وفقاً للأوضاع التي نص عليها القانون على ضوء ضوابط الدستور, هي التي ينبغي أن تحكم سلوكها وتبين نطاق تدخلها. بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك لا ينفصل عن واجباتها الدستورية, وكذلك مسئولياتها في أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها. ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية – قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً لفرضها ابتداء, وهو بعد شرط كامن في الضريبة العامة ذاتها, باعتبار أن انصرافها إلى المخاطبين بها على امتداد الحدود الإقليمية للدولة, يفترض أن يكون إنفاقها كافلاً لخيرهم العام، ولو لم يجن كل منهم استقلالا فائدة مباشرة من جراء هذا الإنفاق. فإذا لم يكن ثمة نفع عام يتصل بالأغراض التي يقتضيها صون مصالح مواطنيها ورعايتهم، أو كان تدخلها مجاوزاً الحدود التي يتعين أن يقع الإنفاق في نطاقها, فإن عملها لا يكون مبرراً من الناحية الدستورية. وتؤيد هذا النهج بعض الدساتير بنصوص قاطعة من بينها ما تقرره الفقرة الأولى من الفصل الثامن من المادة الأولى من الدستور الأمريكي, من أن السلطة التي يملكها الكونجرس في مجال فرض الضريبة والمكوس بمختلف أنواعها، وغايتها أن توفر الحكومة الفيدرالية من خلالها, ما يلزمها للوفاء بديونها، ولإشباع متطلباتها الدفاعية، ولتحقيق الرخاء العام على امتداد الإقليم. وبذلك تكون أغراض التمويل قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها, لتعينها بل على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين: أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها, وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم, أولها: آثارها على قطاع عريض من بينهم, مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً. ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك – لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها – بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة, وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور, وفي إطار الأسس الموضوعية التي تحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
وحيث إن ضريبة الدمغة محل النزاع الماثل – وعلى ضوء ما قرره النص المطعون فيه – يتوافر مناط استحقاقها كلما أنتج برميل من البترول الخام أياً كان موقع هذا الإنتاج, لتكون لها بالتالي خصائص الضريبة العامة التي لا ينحصر تطبيقها في رقعة إقليمية معينة, بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة، مرتباً لدينها في ذمة الممول، وكان الأصل في الضريبة – وعلى ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا – أنها فريضة مالية تقتضيها الدولة من الممول جبراً، وإسهاماً من جهته في أعبائها وتكاليفها العامة, ويؤديها إليها بصفة نهائية, ودون أن يعود عليه نفع خاص من وراء دفعها, وكان من المقرر كذلك أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها, وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور, وكان الأصل في الضريبة – وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً – أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها, وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها – لا لتقتضيها الدولة جبراً من الملتزمين بها, لمواجهة نفقاتها العامة, محددة مصارفها وفق قانون الموازنة العامة، ولتباشر من خلالها دورها بالتدخل لإشباع مصلحتها بما يكفل الخير العام لمواطنيها – بل قرر النص المطعون فيه هذه الضريبة لصالح نقابة بذاتها, واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها, فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها العامة, ولتكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة – لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام – ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها, ويفقدها مقوماتها, لتنحل عدماً، وهو ما يقتضي الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها أحكام المواد 61 و115 و116 و119 و120 من الدستور.
وحيث إنه إذ كان ما تقدم, فلا محل للخوض فيما ساقه المدعون من مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة بين العلميين, وغيرهم ممن يسهمون معهم في إنتاج البترول على النحو السالف بيانه, ذلك أن الحماية القانونية المتكافئة بين المراكز القانونية المتماثلة, تفترض بداءة أن يكون بنيان هذه المراكز جميعها متوائماً مع أحكام الدستور, بما يؤكد مشروعيتها. وإذ كان تقرير الضريبة المطعون عليها مخالفاً للدستور مما اقتضى الحكم بانعدامها، وكان العدم لا يقاس عليه, ولا مساواة فيه, فإن مد حكمها إلى آخرين، لا يكون جائزاً.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت المادة 127 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية, قد نصت على أن يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة جنيه كل من يخالف القواعد الخاصة بدمغة النقابة المشار إليها في البندين 3, 4 من المادة 79، وكذلك كل من يتداول الأوراق أو العبوات أو المنتجات المشار إليها في البندين المذكورين دون استيفاء الدمغة المطلوبة, وكان الحكم بعدم دستورية ضريبة الدمغة في مجال تطبيقها بالنسبة للبند (4) فقره (د) من المادة 79 المشار إليها, يعني بطلانها وزوال الآثار التي رتبتها في محيط العلاقات القانونية، وكان ما يتصل من أحكام المادة 127 من القانون رقم 80 لسنة 1969 المشار إليه بذلك البند، مؤداه ارتباطهما معاً ارتباطاً لا يقبل التجزئة, فإن تلك الأحكام – وبقدر هذا الاتصال – تسقط تبعاً للحكم ببطلان الضريبية المطعون عليها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة (د) من البند (4) من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية