الخط الساخن : 01118881009
جلسة 15 أبريل سنة 1995
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وعدلي محمود منصور – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور حنفي على جبالي – المفوض، وحضور السيد حمدي أنور صابر – أمين السر.
(القاعدة رقم 41)
القضية رقم 6 لسنة 15 قضائية “دستورية”
1 – تشريع “قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 – المادة 38 من هذا القانون”.
لا يجوز وفقاً لنص المادة 38 من قانون النقابات العمالية الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية, والعضوية العاملة في نقابة مهنية بما يزيد على 20% من مجموع أعضاء هذا المجلس, وما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنتفعين إلى نقابات مهنية.
2 – تشريع “قانون النقابات العمالية – الأعمال التحضيرية التي لابست إعداد مشروع هذا القانون – مغزاها”.
ترددت الآراء في شأن العمال الأعضاء في نقابة مهنية, بين تقييد حقهم في الانضمام لعضوية مجلس إدارة المنظمة العمالية, وبين تقرير حقهم في ذلك على إطلاق. النص المطعون فيه, لم يكن وارداً بمشروع الحكومة.
3 – دعوى دستورية “المصلحة فيها – مناطها”.
المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية, مناطها اتصالها بالمصلحة القائمة في النزاع الموضوعي, وبالقدر اللازم للفصل فيها.
4 – مبدأ الحرية النقابية “القيم التي يحميها – مواثيق دولية”.
البين من دستور منظمة العمل الدولية، أن مبدأ الحرية النقابية، يعتبر لازماً لتحسين أوضاع العمال, وضمان الاستقرار الاجتماعي. وتعامل حرية التعبير، والحرية النقابية باعتبارهما مفترضين لإقرار التقدم.
5 – دستور “الحق في إنشاء النقابات والاتحادات – المادة 56 من الدستور”.
إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي، حق يكفله القانون طبقاً للمادة 56 من الدستور.
6 – مبدأ الحرية النقابية – “معناه”.
مبدأ الحرية النقابية يعني حق العمال – ودون تمييز فيما بينهم – في تكوين منظماتهم النقابية, بغض النظر عن معتقداتهم وآرائهم السياسية أو توجهاتهم أو انتمائهم، ودون إخلال بحق النقابة ذاتها في أن تقرر بنفسها أهدافها, ووسائل تحقيقها, وطرق تمويلها، وإعداد القواعد التي تنظم شئونها.
7 – تنظيم نقابي “حرية المواطن في الدخول فيه أو الإعراض عنه – أساسها”.
لا يقوم التنظيم النقابي، إلا على الإرادة الحرة, ولكل عامل بالتالي حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها, وكذلك الحق في أن يعدل عن البقاء فيها.
8 – الحرية النقابية “اتساقها مع ديمقراطية العمل النقابي – أساس ذلك”.
لا تعارض بين الحرية النقابية وديمقراطية العمل النقابي, ذلك أن الديمقراطية النقابية هي التي تطرح – بوسائلها وتوجهاتها – نطاقاً للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها, وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود.
9 – دستور “نص المادة 56 من الدستور – عموم حكمها”.
البين من نص المادة 56 من الدستور، أن حكمها جاء عاماً مطلقاً, منصرفاً إلى كل تنظيم نقابي – مهنياً كان أم عمالياً، ممتداً إلى تشكيلاتها جميعاً.
10 – حرية التعبير “مضمونها”.
تعني حرية التعبير، التمكين من عرض الآراء على اختلافها, وتلقيها ونشرها بكل الوسائل.
11 – حرية التعبير “أهدافها”.
تتوخى حرية التعبير, أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جلياً. ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض, وقوفاً على ما يكون منها زائفاً أو محققاً لمصلحة مبتغاة.
12 – حرية التعبير “نطاقها”.
حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، ليس معلقاً على صحتها، ولا مرتبطاً بتمشيها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها, ولا بالفائدة العملية التي يمكن أن تنتجها.
13 – حرية التعبير “القيود عليها”.
لا يجوز تقييد حرية التعبير بأغلال تعوق ممارستها, سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو عن طريق العقوبة التي تتوخى قمعها.
14 – حرية التعبير “صلتها بالتنظيم الديمقراطي”.
حرية التعبير هي القاعدة التي يقوم عليها كل تنظيم ديمقراطي, لا يقوم إلا بها.
15 – الحق في التجمع “مضمون هذا الحق”.
يعني حق التجمع, انضمام عدد من الأشخاص إلى بعضهم، لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعنيهم.
16 – الحق في التجمع “الصلة بين هذا الحق، وحرية التعبير”.
الحق في التجمع أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها, كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفاً أو اتجاهاً معيناً، تجمعاً منظماً يحتويهم يوظفون فيه خبراتهم, ويعرضون في لمصالحهم ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وشكلاً من أشكال التفكير الجماعي.
17 – حق التجمع “تفويض الأسس التي يقوم عليها – أثره”.
هدم حرية الاجتماع، يقوض الأسس التي لا تقوم بدونها نظام للحكم, يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية, ولا تكون الديمقراطية فيه بديلاً مؤقتاً، أو إجماعاً زائفاً أو تصالحاً مرحلياً لتهدئة الخواطر.
18 – حقا الترشيح والاقتراع في نطاق المجالس التي كفل الدستور, أو المشرع صفتها التمثيلية “تلازمها – تبادل التأثير فيا بينهما”.
حق المرشحين في الفوز بعضوية المجالس التي كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية, لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم, لاختيار من يثقون فيه من بينهم, ذلك أن هذين الحقين متلازمان، ويتبادلان التأثير فيما بينهما.
19 – حرية التعبير “قيمها العليا ونتائجها”.
إن القيم العليا لحرية التعبير – بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها, ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلاًً ومفتوحاً، بل مقصوراً على فئة بذاتها من أعضاء المنظمة النقابية, أو منحصراً في مسائل بذواتها لا تتعداها.
20 – حق التجمع “الحد من نطاقه – أثره”.
حق الناخبين في الاجتماع يعني ألا تكون الحملة الانتخابية محدودة آفاقها، ولا أن يئول تنظيمها إلى تضاؤل فرصهم التي يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين.
21 – حق المهنّيين في الانضمام إلى المنظمة النقابية العمالية “بطلان القيود التي فرضها النص المطعون عليه للحد من نطاق هذا الحق”.
لا يجوز إهدار فوز المهنيين الذين فازوا بعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية لمجرد مجاوزتهم النسبة التي حددها النص المطعون فيه، وهي 20% من مجموع عدد أعضاء هذا المجلس، وإلا كان ذلك تشويها لإرادة القاعدة العمالية التي منحتهم ثقتها, على ضوء اقتناعها بموقفهم من قضاياها.
22 – حق اختيار المهنيين بمجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية “مفترضات هذا الحق”.
اختيار من يمثلون أعضاء النقابة بمجلس إدارتها, لا يرتبط بموقعهم من النقابة ذاتها, وما إذا كانوا هم الأكثر أو الأقل عدداً بين جموعها، بل بقدرتهم على تأمين مصالحها.
23 – الحقوق التي كفلها الدستور “تقييدها بما ينال من محتواها – مدى جواز ذلك”.
لا يجوز أن تنال القيود على حق معين، من محتواه، إلا إذا كان الدستور هو الذي فرضها.
24 – مبدأ المساواة أمام القانون “نطاق هذا المبدأ”.
لا تقتصر الحماية القانونية المتكافئة على الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع, وكان القانون مصدرها.
25 – مبدأ المساواة أمام القانون “التمييز المنهي عنه بمقتضاه”.
لا ينحصر التمييز المنهي عنه دستورياً، في صوره التي نص عليها الدستور, بل يمتد إلى كل تقييد أو تفرقة, أو تفضيل أو استبعاد، ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون.
26 – النصوص القانونية المرتبطة بالنص المطعون فيه “سقوطها تبعاً للحكم ببطلان هذا النص”.
ما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة 38 من قانون النقابات العمالية من أنه (وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنضمين إلى نقابات مهنية) يرتبط ارتباطاً كلياً لا يقبل التجزئة بنطاق الطعن الماثل, باعتباره استثناء من قاعدة الحظر التي فرضها النص المطعون فيه، ومن ثم يسقط هذا الاستثناء تبعاً للحكم ببطلان هذا النص.
1 – حظرت الفقرة الأولى من المادة 38 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976، الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية, والعضوية العاملة في نقابة مهنية بما يزيد على 20% مجموع عدد أعضاء هذا المجلس, وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنتمين إلى نقابات مهنية. ونصت فقرتها الثانية على أنه لا يجوز في جميع الأحوال الجمع بين عضوية مجالس إدارات النقابات المهنية, وعضوية مجالس إدارات المنظمات النقابية الخاضعة لأحكام هذا القانون. وقد نعت المدعية على هذا النص مخالفته أحكام المواد 8, 40, 47, 56, 62 من الدستور، قولاً منها بأنه يخل بتكافؤ الفرص بين المواطنين, وكذلك بمبدأ المساواة أمام القانون. فضلا عن إهداره لحرية التعبير، وكذلك الحق في الحرية النقابية وتكوين التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي, وتقيده لحقي الانتخاب والترشيح.
2 – البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة وهيئة مكتب اللجنة التشريعية عن مشروع القانون رقم 35 لسنة 1976 بشأن النقابات العمالية, أن الفقرة الأولى من المادة 38 المشار إليها لم تكن واردة أصلاً في المشروع المقدم من الحكومة, وأن خلافاً داخل اللجنة المذكورة قد ثار حول نطاق حق العمال الأعضاء في نقابة مهنية, في أن يكونوا أعضاء بمجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية, وأن الآراء التي قيل بها في هذا الشأن ترددت بين تقرير هذا الحق على إطلاقه، وبين القبول ببعض الحلول التي اعتبرها أصحابها حلولاً توفيقية أو واقعية أكثر منها قانونية.
فالذين قالوا بإطلاق هذا الحق, ذهبوا إلى أن كل قيد يحد من حق العمال أعضاء النقابة المهنية في الانضمام إلى النقابة العمالية والتمثيل في تشكيلاتها المختلفة, يعتبر مخالفاً للاتفاقيات الدولية, وللدستور, ولإخلاله بالحرية النقابية وانطوائه على التمييز أو التقييد في مجال العضوية النقابية, ولخروجه كذلك على مبدأ تشكيل التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي, ومنافاته للقوانين العمالية في الدول العربية والغربية والشرقية. كذلك فإن الأصل في النقابة المهنية هي أنها تعد من أشخاص القانون العام التي تتوخى تنظيم شئون المهنة وحمايتها من الدخلاء عليها, مع ضمان حقوق أعضائها في ممارستها على مسئوليتهم ولحسابهم الخاص. غير أن تطوراً مفجعاً أصابها, وأخرجها عن حقيقة وظائفها، وباعد بينها وبين المهام التي كانت تقوم أصلاً عليها, حين انضم إليها “بقوة القانون” من لا يعملون لحسابهم, ولا يمارسون استقلالاً مهنة حرة على مسئوليتهم. بل يتبعون رؤسائهم في الحكومة ووحدات الحكم المحلي والقطاعين العام والخاص, ويؤدون عملهم تحت إشرافهم لقاء أجر, مما ألحق الضرر بالحركة النقابية العمالية, وأضعفها، بخروج هؤلاء من تجمعاتها، وحصولهم من نقاباتهم المهنية على عديد من المزايا التي جذبتهم إليها. ولابد أن يتفاقم هذا الضرر, وأن يزداد حدة, إذا ما حال المشرع بين المهنيين والمنظمة النقابية العمالية, سواء بمنعهم من الانضمام إليها, أو الدخول في مختلف تشكيلاتها، وكذلك إذا قيد ذلك الحق بما يحد من محتواه.
يؤيد ذلك أن التمييز بين العمال على أساس المؤهل، وتقييد حرياتهم بالتالي، مما يعوق التقدم، ولا يستقيم سياسيا أو تشريعيا أو قانونياً. ذلك أن تأهيل العمال غدا ضرورة لازمة إزاء تطور العلوم وتباين مناهجها. ومن غير المتصور أن يحرم غالبية عمال المنشأة من التمثيل في المنظمة النقابية المتعلقة بها, لمجرد حصولهم على مؤهل، أو ممارستهم لمهنة بذاتها يكون المؤهل شرطاً للقيد في جداولها.
وعلى نقيض هؤلاء الذين أجازوا الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية, والعضوية العاملة في نقابة مهنية على إطلاق، قال آخرون من أعضاء اللجنة المشار إليها الذين أيدوا النص المطعون عليه, بأن تمثيل الأغلبية العددية من العمال بالمعنى السياسي للعامل, يتحقق إذا ما كفل المشرع تمثيل المهنيين في مجلس إدارة المنظمة النقابية بما لا يزيد على 20% من مجموع أعضاء المجلس, باعتبار أن هذه النسبة هي التي تنسجم مع التوزيع العددي لهذين الفريقين في المنشآت العمالية, ولا تشكل بالتالي قيداً على الحرية النقابية. ولا تقيم كذلك تمييزاً بين العمال، ولا حجراً على إرادتهم في اختيار من يقدرون جدارته لتمثيلهم. بل أن تقريرها يدعم الحركة العمالية، ذلك أن تجمعاتها لن تكون إلا لهؤلاء الذي يدينون بالولاء لها.
3 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في النزاع الموضوعي, وكان ما يتصل من هذا النزاع بالنص المطعون عليه, إنما ينحصر فيما قرره من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة في نقابة مهنية فيما يزيد على 20% من مجموع مقاعد ذلك المجلس, وكان عدم فوز المدعية بمقعد في مجلس إدارة النقابة العمالية, إنما يعود إلى مجاوزتها تلك النسبة التي فرضها النص المطعون عليه, مما حملها على التدخل في الدعوى الموضوعية, وإبداء دفعها بعدم الدستورية، فإن نطاق الطعن الماثل ينحصر في هذه الحدود, ولا يمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون عليه.
4 – البين من دستور منظمة العمل الدولية, أن مبدأ الحرية النقابية يعتبر لازماً لتحسين أوضاع العمال, وضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي. كذلك تُعامل حرية التعبير والحرية النقابية, باعتبارهما مفترضين لازمين لاطراد التقدم. وفي هذا الإطار اعتمد المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته الحادية الثلاثين، الاتفاقية رقم 87 في شان الحرية النقابية, النافذة أحكامها اعتباراً من 4 يوليو سنة 1950، والتي تخول العمال – دون تمييز من أي نوع – الحق في تكوين منظماتهم التي يختارونها بغير إذن سابق, ودون تقيد بغير القواعد المنصوص عليها في دساتيرها وأنظمتها. وهي قواعد تصوغها بإرادتها الحرة, وتنظم بها – على الأخص – طرق إدارتها وبرامجها ومناحي نشاطها, ويما يحول بين السلطة العامة والتدخل في شئونها, أو الحد من ممارستها لتلك الحقوق أو تعطيلها [المواد 1, 2, 3 منها]، بل أن مادتها الرابعة تنص على أن منظماتهم تلك، لا يجوز حلها أو تعليق نشاطها عن طريق الجهة الإدارية.
كذلك أقر المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، في دورته الثانية والثلاثين, الاتفاقية رقم 98 في شأن التنظيم النقابي, النافذة أحكامها اعتباراً من 8 يوليو سنة 1951، والتي كفل بمادتها الأولى لكل عامل الحماية الكافية من أية أعمال يقصد بها التمييز بين العمال في مجال استخدامهم, إخلالاً بحريتهم النقابية. ويكون ضمان هذه الحماية لازماً بوجه خاص إزاء الأعمال التى يقصد بها تعليق استخدام العامل على شرط عدم الانضمام إلى منظمة نقابية, أو حمله على التخلي عن عضويته فيها, أو معاملته إجحافاً لانضمامه إليها, أو لإسهامه في نشاطها بعد انتهاء عمله.
5 – كفل دستور جمهورية مصر العربية – بنص المادة 56 – جوهر الأحكام التي انتظمتها هاتان الاتفاقيتان الدوليتان, والتي تعتبر مصر طرفاً فيهما بتصديقها عليهما, ذلك أن المادة 56 من الدستور تنص على ما يأتي [إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون, وتكون لها الشخصية الاعتبارية. وينظم القانون مساهمتها في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية، وفي رفع مستوى الكفاية، ودعم السلوك الاشتراكي بين أعضائها، وحماية أموالها. وهي ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم…. وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانوناً لأعضائها].
6 – إن حرية العمال في تكوين تنظيمهم النقابي, وكذلك حرية ذاتها في إدارة شئونها, بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها، وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية, وأحوال اندماجها في غيرها, ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم بالمخالفة لنظمها, لا ينفصلان عن انتهاجها الديمقراطية أسلوباً وحيداً يهيمن على نشاطها ويكفل الموازنة بين حقوقها وواجباتها. وكذلك بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها – المؤهلين منهم وغير المؤهلين – ودون قيد يتعلق بعدد الأولين منسوباً إلى عدد العمال غير المهنيين. ذلك أن مبدأ الحرية النقابية يعني حق العمال – وأياً كان قطاع عملهم، ودون ما تمييز فيما بينهم – في تكوين منظماتهم النقابية وبغض النظر عن معتقداتهم أو آرائهم السياسية أو توجهاتهم أو انتماءاتهم, ودون إخلال بحق النقابة ذاتها في أن تقرر بنفسها أهدفها, ووسائل تحقيقها, وطرق تمويلها, وإعداد القواعد التي تنظم بها شئونها.
ولا يجوز – بوجه عام – إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق, ولا أن يكون تمتعها بالشخصية الاعتبارية معلقاً على قبولها الحد من ممارستها, ولا أن يكون تأسيسها رهناً بإذن من الجهة الإدارية, ولا أن تتدخل هذه الجهة في عملها بما يعوق إدارتها لشئونها, ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقاباً لها, ولا أن تُحِلَّ نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها.
7 – إن تكوين التنظيم النقابي لابد أن يكون تصرفاً إرادياً حراً, لا تهيمن عليه السلطة العامة, بل يستقيم عنها ليظل بعيداً عن سيطرتها. ومن ثم تتمحض الحرية النقابية عن قاعدة أولية في التنظيم النقابي, تمنحها بعض الدول قيمة دستورية في ذاتها, لتكفل بمقتضاها حق كل عامل في الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها, وفي انتفاء واحدة أو أكثر من بينها – عند تعددها – ليكون عضواً فيها, وفي أن ينعزل عنها جميعاً فلا يلج أبوابها. وكذلك في أن يَعْدل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها.
وهذه الحقوق التي تتفرع عن الحرية النقابية, تعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها, وبوجه خاص لرد خطرين عنها لا يتعادلان في آثارهما, ويتأتيان من مصدرين مختلفين. ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها في مواجهة العمال غير المنضمين إليها, لجذبهم لدائرة نشاطها توصلاً لإحكام قبضتها على تجمعاتهم، وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة في أوضاع الاستخدام في منشآتهم, أو بالتهديد بفصل عمالهم, أو بمساءلتهم تأديبياً، أو بإرجاء ترقياتهم, لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابي, أو لحملهم على التخلي عن عضويتهم فيه.
8 – الحرية النقابية – محدداً إطارها على النحو المتقدم – لا تعارض ديمقراطية العمل النقابي, بل هي المدخل إليه، ذلك أن الديمقراطية النقابية هي التي تطرح – بوسائلها وتوجهاتها – نطاقاً للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود. وهي كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحي نشاطها. ولازمها أمران: أولهما أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة – على تباين مستوياتها أياً كان موقعها – مرتبطاً بالإرادة الحرة لأعضائها، وبشرط أن يكون لكل عضو انضم إليها – الفرص ذاتها – التي يؤثر بها – متكافئاً في ذلك مع غيره – في تشكيل سياستها العامة وبناء مختلف تنظيماتها وفاء بأهدافها وضماناً لنهوضها بالشئون التي تقوم عليها. ثانيهما: أن الحرية النقابية لا تعتبر مطلباً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة, ولا هي من امتيازاتها. بل يتعين أن يكون العمل النقابي إسهاماً جماعياً لا يتمحض عن انتفاء حلول بذواتها تستقل الإقليمية بتقديرها وتفرضها عنوة. ذلك أن تعدد الآراء داخل النقابة الواحدة وتفاعلها، إثراء لحرية النقاش فيها, لتعكس قراراتها ما تتصوره القاعدة الأعرض من الناخبين فيها مبلوراً لأفكارهم، ومحدداً لمطالبهم, إنفاذاً لإرادتهم من خلال أصواتهم التي لا يجوز تقييد فرص الإدلاء بها دون مقتض، ولا فرض الوصاية عليها.
9 – إن ما نص عليه الدستور في المادة 56, من قيام النقابات واتحاداتها على أساس ديمقراطي، يدل على أن حكمها جاء عاماً مطلقاً, منصرفاً إلى كل تنظيم نقابي – مهنياً كان أو عمالياً – ممتداً إلى تشكيلاتها جميعاً – على تباين مستوياتها ودرجاتها – كاشفاً عن أن العمل النقابي لا يؤمن مصالح جانبية محدودة أهميتها, بل يوفر للمنضمين إليه, الحقائق الكاملة التي يحددون من خلالها أولوياتهم، ويفاضلون على ضوئها بين من يتزاحمون من بينهم على الظفر بعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية التي ينتمون إليها.
10 – ضمان الدستور – بنص المادة 47 منه – لحرية التعبير عن الآراء, والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول، أو بالتصوير, أو بطباعتها, أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير, قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها. وبدونها تفقد الحرية الاجتماع مغزاها, ولا تكون لها من فائدة. وبها يكون الأفراد أحراراً لا يتهيبون موقفاً، ولا يترددون وجلاً, ولا ينتصفون لغير الحق طريقاً.
11 – إن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير, هو أن يكون التماس الآراء والأفكار, وتلقيها عن الغير, ونقلها إليه, غير مقيدة بالحدود الإقليمية على اختلافها، ولا منحصر في مصادرة بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاتها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، وأن تنفتح مسالكها، وتفيض منابعها (Free trade in ideas) (Marketplace Of ideas) لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفًا بها، مقتحما دروبها، ذلك أن لحرية التعبير أهدافًا لا تريم عنها، ولا يتصور أن تسخر لسواها، هي أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليًا، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتريها بهتان ينال من محتواها. ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا أو صائبًا، منطويًا على مخاطر واضحة، أو محققًا لمصلحة مبتغاة، ذلك أن الدستور لا يرمي من وراء ضمان حرية التعبير، أن تكون مدخلاً إلى توافق عام، بل تغيا بصونها أن يكون كافلاً لتعدد الآراء Plurality of opinions وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلوماتNeutrality of information ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل، ومحدداً لكل اتجاه.
12 – إن حرية التعبير التي تؤمنها المادة 47 من الدستور, أبلغ ما تكون أثراً في مجال اتصالها بالشئون العامة, وعرض أوضاعها تبياناً لنواحي التقصير فيها, وتقويماً لاعوجاجها, وليس حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، معلقاً على صحتها، ولا مرتبطاً بتمشيتها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها, ولا بالفائدة العملية التي يمكن أن تنتجها. وإنما أراد الدستور بضمان الحرية التعبير, أن تهمين مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها, بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العامpublic mind فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه، ولا عائقاً دون تدفقها.
13 – من المقرر كذلك أن حرية التعبير, وتفاعل الآراء التي تتولد عنها, لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها, سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها. بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم, فلا يتهامسون بها نجياً, بل يطرحونها عزماً – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثاً من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوباً. فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكناً في غيبة حرية التعبير. كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة 47 من الدستور, لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التي يؤمنون بها، بل كذلك اختيار الوسائل التي يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء في مجال عرضها أو نشرها, ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها. ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير، أن يكون الإيمان بها شكلياً أو سلبياً. بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها, وألا يفرض أحد على غيره صمتاً ولو بقوة القانون Enforced silence.
14 – حرية التعبير التي كفلها الدستور، هي القاعدة في كل تنظيم ديموقراطي، لا يقوم إلا بها. ولا يعدو الإخلال بها أن يكون إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها، وإن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد, ولا يناقض الأعراض المقصودة من إرسائها.
15 – الحق في التجمع، بما يقوم عليه من انضمام عدد من الأشخاص إلى بعضهم لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعنيهم. من الحقوق التي كفلتها المادتان 54, 55 من الدستور، وذلك سواء نظرنا إليه باعتباره حقاً مستقلاً عن غيره من الحقوق, أم على تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلاً لأهم قنواتها, محققاً من خلالها أهدافها.
16 – الحق في التجمع – وسواء كان حقاً أصيلاً أم تابعاً – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موفقاً أو اتجاهاً معيناً، تجمعاً منظماً Ordered assemblage يحتويهم, يوظفون فيه خبراتهم، ويطرحون آمالهم، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي Collective thinking . إذ كان ذلك، وكان تكوين بنيان كل تجمع – وسواء كان الغرض منه سياسياً أو نقابياً أو مهنياً – لا يعدو أن يكون عملاً اختيارياً لا يساق الداخلون فيه سوقاً، ولا يمنعون من الخروج منه قهراً، وكان هذا الحق في محتواه لا يتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض. بل يرمي بالوسائل السلمية إلى أن يكون إطاراً يضمهم, ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم. فقد غدا متداخلاً مع حرية التعبير, ومكوناً لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير إتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور, أو يكفلها القانون, واقعاً عند البعض في نطاق الحدود التي يفرضها صون خواص حياتهم وأعماق حرمتها بما يحول دون اقتحام أغوارها, أو تعقبها, لغير مصلحة جوهرية لها معينها, لازماً اقتضاءً ولو لم يرد بشأنه نص في الدستور, كافلاً للحقوق التي أحصاها ضماناتها, محققاً فعالياتها, سابقاً على وجود الدساتير ذاتها, مرتبطاً بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامناً في النفس البشرية، تدعو إليه فطرتها. وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها.
17 – إن حرية التعبير ذاتها, تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم. وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض, بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض, ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار, ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع.
ذلك أن الانعزال عن الآخرين يؤول إلى استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها، ولو كان أفقها ضيقاً Narrowness أو كان عمقها أو تحزبها One – Sidedness بادياً.
كذلك فإن هدم حرية الاجتماع، إنما يقوض الأسس التي لا تقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإدارة الشعبية. ولا تكون الديمقراطية فيه بديلاً مؤقتاً، أو إجماعاً زائفاً، أو تصالحاً مرحلياً لتهدئة الخواطر. بل شكلاً مثالياً لتنظيم العمل الحكومي، وإرساء قواعده. ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون, وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديمقراطية, وترتضيها القيم التي تدعو إليها.
18 – حق المرشحين في الفوز بعضوية المجالس التي كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية, لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم, ذلك أن هذين الحقين مرتبطان، ويتبادلان التأثير فيما بينهما. ولا يجوز بالتالي أن تفرض على مباشرة أيهما القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتهاIntegrity and Reliability of the Electoral Process أو بما يكون كافلاً إنصافها, وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها. بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها, بما يصون حيدتها، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها. ومن ثم تقع هذه القيود في حمأة المخالفة الدستورية, إذا كان مضمونها, أو هدفها حرمان فئة من عمال المنظمة النقابية – ودون أسس موضوعية – من فرص الفوز بعضوية مجلس إدارتها. ذلك أن أثرها هو إبعاد هؤلاء عن العملية الانتخابية بأكملها, وحجبهم بالتالي عن الإسهام فيها. بما مؤداه احتكار غرمائهم لها, وسيطرتهم عليها دون منازع, وإنهاء حق المبعدين في إدارة الحوار حول برامجهم وتوجهاتهم. وهو ما يقلص من دائرة الاختيار التي يتيحها المشرع للناخبين, وبوجه خاص, كلما كان المبعدون أدنى إلى ثقتهم، وأجدر بالدفاع عن حقوقهم.
19 – إن القيم العليا لحرية التعبير – بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها – ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلاً ومفتوحاً, بل مقصوراً على فئة بذاتها من أعضاء المنظمة النقابية, أو منحصراً في مسائل بذواتها لا يتعداها.
20 – إن حق الناخبين في الاجتماع مؤداه, ألا تكون الحملة الانتخابية – التي تعتبر قاعدة لتجمعاتهم وإطاراً يحددون من خلاله أولوياتهم – محدودة آفاقها, ولا أن يئول تنظيمها إلى تضاؤل فرصهم التي يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين، وانتفاء من يكون من بينهم شريكاً معهم في أهدافهم Like – minded Citizens قادراً على النضال من أجل تحقيقها.
21 – أن المهنيين الذين انضموا إلى المنظمة النقابية العمالية، لا يتمكنون وفقاً للنص المطعون فيه من الظفر بعضوية إدارتها, إلا في الحدود التي لا تزيد فيها نسبتهم إلى مجموع عدد أعضاء هذا المجلس عن 20% وهو ما يعني انغلاق طريقهم إلى مجلس إدارة تلك المنظمة, بعد أن خاضوا انتخاباتها, وفازوا فيها, لمجرد مجاوزتهم لتلك النسبة التي حددها النص المطعون فيه دون أسس موضوعية, تظاهرها، بما مؤداه إهدار إرادة القاعدة العمالية التي منحتهم ثقتها على ضوء اقتناعها بموقفهم من قضاياها, وحرمانها من أن تفاضل – من خلال البرامج التي طرحتها الحملة الانتخابية – بين عدد أكبر من المرشحين يكونون أقدر على بلورة أفكارها, والنضال من أجل بناء مواقفها، وكان من المقرر أن اتساع قاعدة الاختيار فيما بين المرشحين، ضمانه أساسية تكفل لهيئة الناخبين ظروفاً أفضل تمنح من خلالها ثقتها لعناصر من بينهم تكون أجدر بالدفاع عن مصالحها, وكان النص المطعون فيه لا يطلق قاعدة الاختيار هذه، بل يحد من دائرتها ويضيق من نطاقها, مؤثراً بذلك في حق الاقتراع بما ينال من فعاليته، فإن ذلك النص ينحل من الناحية الدستورية إلى فرض نوع من الوصاية على القاعدة العمالية, ويؤول إلى تفككها أو اضطرابها, أو بعثرة تكتلاتها من خلال إلزامها بأن تمنح ثقتها لغير من وقع عليهم اختيارها ابتداءً، وأن تكون لها موازين جديدة تقدر على ضوئها من تُصَعَّدهم – من دونهم – إلى مجلس إدارة المنظمة العمالية, وقد يكونون أقل منهم شأناً، سواء في صلابتهم، أو قدرتهم على ابتكار الحلول الملائمة لقضاياها، وهو ما ينال كذلك من حرية القاعدة العمالية في التعبير عن مواقفها, من خلال تجمعاتها, التي تعد إطاراً ومحوراً لكل تنظيم انتخابي يحدد مطالبها.
22 – القول بأن النص المطعون فيه, يعكس تناسباً عددياً بين المهنيين المنضمين إلى المنظمة النقابية العمالية, وغيرهم من العمال أعضائها, مردود أولاً بانتفاء الدليل على صحته, ومردود ثانياً بأن اختيار من يمثلون أعضاء النقابة بمجلس إدارتها, ليس مرتبطاً بموقعهم من النقابة ذاتها, وما إذا كانوا هم الأكثر أو الأقل عدداً بين جموعها, بل بقدرتهم على تأمين مصالحها. ومردود ثالثاً بأن إبطال عضويتهم بمجلس إدارة المنظمة النقابية بعد الفوز بها, لا يعدو أن يكون تحريفاً لإرادة الناخبين, مع حملهم على إبدال من منحوه ثقتهم بغيره, وليس ذلك إلا تشويهاً لحق الاقتراع، وانحرافاً عن الأغراض التي يتوخاها.
ولا مساغ كذلك للقول بأن النص المطعون عليه, يكفل للحركة النقابية العمالية وحدتها ويضمن ولاء العمال لأهدافها، ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها – ومن خلال برامجها وتوجهاتها – وعلى ضوء نضالها من أجل الدفاع عن مصالحها، هي التي توحد بين أعضائها، فلا يتحولون عنها أو يفارقونها, كذلك فإن ولاءهم لها رهن بصون الحرية النقابية في مضمونها ووسائلها. ولنقابتهم أن تسائلهم تأديبياً إذا لم يلتزموا بميثاقها، أو كان سلوكهم مشيناً مناهضاً لها, وليس جائزاً بحال – من وجهة أخرى – أن تعطل وحدة الحركة النقابية العمالية أو الولاء لأهدافها، حقوقاً كفلها الدستور للعمال المنضمين إليها.
23 – من المقر أنه إذا كفل الدستور حقاً من الحقوق, فإن القيود عليه, لا يجوز أن تنال من محتواه، إلا بالقدر، وفي الحدود التي ينص عليها الدستور, وكان ضمان الدستور بنص المادة 62 لحقي الانتخاب والترشيح اللذين كفلهما لكل مواطن وفقاً لأحكام القانون, وإن تقيد بنصوص بعض مواده الأخرى, كالمادتين 26, 87 منه التي توفر أولاهما لصغار الفلاحين وصغار الحرفيين80% على الأقل من مقاعد مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية أو الجمعية التعاونية الصناعية, وتنص ثانيتهما على أن يكون نصف عدد أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين, إلا أن هذه القيود مرجعها إلى النصوص الدستورية ذاتها, ولا يجوز أن يقاس تشريعياً عليها, وإلا كان القانون مخالفاً للدستور.
24 – إن الدساتير المصرية جميعاً بدءاً بدستور 1923 وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة القانونية De Jure كافلة تطبيقه على جميع المواطنين باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وباعتباره الضمانة الرئيسية لصون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها, وأضحى هذا المبدأ – في جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك, إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
25 – لئن نص الدستور في المادة 40 منه, على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بعينها, هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس, أو الأصل، أو اللغة، أو الدين, أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها, مرده أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية, ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور, ويحول دون إرساء أسسها, وبلوغ غاياتها,
وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور, ما لا يقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التي ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها, أو الحريات التي يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي, أو انتمائهم الطبقي, أو ميولهم الحزبية, أو نزعاتهم العرقية, أو عصبيتهم القبلية, أو إلى موقفهم من السلطة العامة, أو إعراضهم عن تنظيماتها, أو تبنيهم لأعمال بذاتها, وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها, وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها, إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها, وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, والثقافية. متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه قد استبعد المهنيين – الذين تزيد نسبتهم في مجلس إدارة المنظمة النقابية عن 20% من مجموع مقاعده – من الظفر بعضوية هذا المجلس رغم تماثلهم مع عمال النقابة من غير المهنيين في مراكزهم القانونية لانضوائهم جميعاً تحت نقابة واحدة تتكافأ حقوقهم وواجباتهم فيها, ودون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية يقتضيها التمثيل في مجلس إدارة تلك المنظمة، فإن هذا التميز يكون تحكمياً، ومنهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
26 – متى كان النص المطعون عليه يخل بالحقوق التي كفلها الدستور في مجال تكوين التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي, وكذلك بحرية التعبير والاجتماع، وبحقي الترشيح والاقتراع وبمبدأ المساواة أمام القانون, وهي الحريات والحقوق المنصوص عليها في المواد 40, 47, 55, 56, 62 من الدستور, فإنه يكون باطلاً. إذ كان ذلك, وكان ما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة 38 المشار إليها من أنه [وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنضمين إلى نقابات مهنية]، يرتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بنطاق الطعن الماثل باعتباره استثناء من قاعدة الحظر التي فرضها النص المطعون عليه, فإن هذا الاستثناء يسقط تبعاً للحكم ببطلان ذلك النص.
الإجراءات
بتاريخ 21 فبراير 1993 أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالبة الحكم بعدم دستورية المادة 38 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة, وبجلسة 5 نوفمبر سنة 1994 قررت المحكمة إعادتها إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير. وإذ أودعت هيئة المفوضين تقريرها التكميلي، أعادت المحكمة نظرها، وقررت إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق, والمداولة
حيث إن الوقائع – حسبما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أنه عند إجراء انتخابات مجلس إدارة اللجنة النقابية للعاملين باللاسلكي, حصلت المدعية على أصوات تفوق ما حصلت عليه المدعي عليها الثانية, التي بادرت إلى إقامة دعواها الموضوعية رقم 767 لسنة 1991 أمام محكمة شئون العمال بالقاهرة, مختصمة فيها وزير القوى العاملة وآخرين, طالبة الحكم بصفة مستعجلة بوقف إعلان نتيجة الانتخابات, والحكم بفوزها بعضوية المجلس المشار إليه بدلاً من المدعية، وذلك على سند من أحكام المادة 38 من قانون النقابات العمالية التي تحظر الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية, والعضوية العاملة في نقابة مهنية بما يزيد عن 20% من مجموع أعضاء هذا المجلس. وإذ دفعت المدعية – بعد تدخلها انضماماً إلى المدعي عليهم في النزاع الموضوعي – بعدم دستورية النص المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعها, وصرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية, فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 38 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 تنص على ما يلي:
“لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية, والعضوية العاملة في نقابة مهنية بما يزيد على 20%، مجموع عدد أعضاء هذا المجلس, وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنتمين إلى نقابات مهنية.”
“ولا يجوز في جميع الأحوال الجمع بين عضوية مجالس إدارات النقابات المهنية, وعضوية مجالس إدارات المنظمات النقابية الخاضعة لأحكام هذا القانون”.
وحيث إن المدعية تنعي على ذلك النص مخالفته أحكام المواد 8, 40, 47, 56, 62 من الدستور، قولاً منها بأنه يخل بتكافؤ الفرص بين المواطنين, وكذلك بمبدأ المساواة أمام القانون. فضلا عن إهداره لحرية التعبير، وكذلك الحق في الحرية النقابية وتكوين التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي, وتقيده لحقي الانتخاب والترشيح.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في النزاع الموضوعي, وكان ما يتصل من هذا النزاع بالنص المطعون عليه, إنما ينحصر فيما قرره من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة في نقابة مهنية فيما يزيد على 20% من مجموع مقاعد ذلك المجلس, وكان عدم فوز المدعية بمقعد في مجلس إدارة النقابة العمالية, إنما يعود إلى مجاوزتها تلك النسبة التي فرضها النص المطعون عليه, مما حملها على التدخل في الدعوى الموضوعية, وإبداء دفعها بعدم الدستورية، فإن نطاق الطعن الماثل ينحصر في هذه الحدود, ولا يمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون عليه.
وحيث إن البين من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة وهيئة مكتب اللجنة التشريعية عن مشروع القانون رقم 35 لسنة 1976 بشأن النقابات العمالية, أن الفقرة الأولى من المادة 38 المشار إليها لم تكن واردة أصلاً في المشروع المقدم من الحكومة, وأن خلافاً داخل اللجنة المذكورة قد ثار حول نطاق حق العمال الأعضاء في نقابة مهنية, في أن يكونوا أعضاء بمجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية, وأن الآراء التي قيل بها في هذا الشأن ترددت بين تقرير هذا الحق على إطلاقه، وبين القبول ببعض الحلول التي اعتبرها أصحابها حلولاً توفيقية أو واقعية أكثر منها قانونية.
فالذين قالوا بإطلاق هذا الحق, ذهبوا إلى أن كل قيد يحد من حق العمال أعضاء النقابة المهنية في الانضمام إلى النقابة العمالية والتمثيل في تشكيلاتها المختلفة, يعتبر مخالفاً للاتفاقيات الدولية, وللدستور, ولإخلاله بالحرية النقابية وانطوائه على التمييز أو التقييد في مجال العضوية النقابية, ولخروجه كذلك على مبدأ تشكيل التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي, ومنافاته للقوانين النقابات العمالية في الدولة العربية والغربية والشرقية.
كذلك فإن الأصل في النقابة المهنية هي أنها تعد من أشخاص القانون العام التي تتوخى تنظيم شئون المهنة وحمايتها من الدخلاء عليها, مع ضمان حقوق أعضائها في ممارستها على مسئوليتهم ولحسابهم الخاص, غير أن تطوراً مفجعاً أصابها, وأخرجها عن حقيقة وظائفها، وباعد بينها وبين المهام التي كانت تقوم أصلاً عليها, حين انضم إليها “بقوة القانون” من لا يعملون لحسابهم, ولا يمارسون استقلالاً مهنة حرة على مسئوليتهم, بل يتبعون رؤسائهم في الحكومة ووحدات الحكم المحلي والقطاعين العام والخاص, ويؤدون عملهم تحت إشرافهم لقاء أجر, مما ألحق الضرر بالحركة النقابية العمالية, وأضعفها، بخروج هؤلاء من تجمعاتها، وحصولهم من نقاباتهم المهنية على عديد من المزايا التي جذبتهم إليها, ولابد أن يتفاقم هذا الضرر, وأن يزداد حدة, إذا ما حال المشرع بين المهنيين والمنظمة النقابية العمالية, سواء بمنعهم من الانضمام إليها, أو الدخول في مختلف تشكيلاتها، وكذلك إذا قيد ذلك الحق بما يحد من محتواه
يؤيد ذلك أن التمييز بين العمال على أساس المؤهل, وتقييد حرياتهم بالتالي, مما يعوق التقدم, ولا يستقيم سياسياً أو تشريعياً أو قانونياً، ذلك أن تأهيل العمال غدا ضرورة لازمة إزاء تطور العلوم وتباين مناهجها. ومن غير المتصور أن يحرم غالبية عمال المنشأة من التمثيل في المنظمة النقابية المتعلقة بها, لمجرد حصولهم على مؤهل، أو ممارستهم لمهنة بذاتها يكون المؤهل شرطاً للقيد في جداولها.
وعلى نقيض هؤلاء الذين أجازوا الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية, والعضوية العاملة في نقابة مهنية على إطلاق، قال آخرون من أعضاء اللجنة المشار إليها الذين أيدوا النص المطعون عليه, بأن تمثيل الأغلبية العددية من العمال بالمعنى السياسي للعامل, يتحقق إذا ما كفل المشرع تمثيل المهنيين في مجلس إدارة المنظمة النقابية بما لا يزيد على 20% من مجموع أعضاء المجلس, باعتبار أن هذه النسبة هي التي تنسجم مع التوزيع العددي لهذين الفريقين في المنشآت العمالية, ولا تشكل بالتالي قيداً على الحرية النقابية, ولا تقيم كذلك تمييزاً بين العمال، ولا حجراً على إرادتهم في اختيار من يقدرون جدارته لتمثيلهم، بل إن تقريرها يدعم الحركة العمالية، ذلك أن تجمعاتها لن تكون إلا لهؤلاء الذي يدينون بالولاء لها.
وحيث إن البين من دستور منظمة العمل الدولية, أن مبدأ الحرية النقابية يعتبر لازماً لتحسين أوضاع العمال, وضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي, كذلك تُعَامل حرية التعبير والحرية النقابية, باعتبارهما مفترضين لازمين لاطراد التقدم. وفي هذا الإطار اعتمد المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته الحادية الثلاثين، الاتفاقية رقم 87 في شان الحرية النقابية, النافذة أحكامها اعتباراً من 4 يوليو سنة 1950، والتي تخول العمال – دون تمييز من أي نوع – الحق في تكوين منظماتهم التي يختارونها بغير إذن سابق, ودون تقيد بغير القواعد المنصوص عليها في دساتيرها وأنظمتها. وهي قواعد تصوغها بإرادتها الحرة, وتظم بها – على الأخص – طرق إدارتها وبرامجها ومناحي نشاطها, ويما يحول بين السلطة العامة والتدخل في شئونها, أو الحد من ممارستها لتلك الحقوق أو تعطيلها (المواد، 2, 3 منها)، بل أن مادتها الرابعة تنص على أن منظماتهم تلك، لا يجوز حلها أو تعليق نشاطها عن طريق الجهة الإدارية.
وحيث إن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، في دورته الثانية والثلاثين, الاتفاقية رقم 98 في شأن التنظيم النقابي, النافذة أحكامها اعتباراً من 8 يوليو سنة 1951، والتي كفل بمادتها الأولى لكل عامل الحماية الكافية من أية أعمال يقصد بها التمييز بين العمال في مجال استخدامهم, إخلالاً بحريتهم النقابية. ويكون ضمان هذه الحماية لازماً بوجه خاص إزاء الأعمال التى يقصد بها تعليق استخدام العامل على شرط عدم الانضمام إلى منظمة نقابية, أو حمله على التخلي عن عضويته فيها, أو معاملته إجحافاً لانضمامه إليها, أو لإسهامه في نشاطها بعد انتهاء عمله.
وحيث إن دستور جمهورية مصر العربية, كفل بنص المادة 56 منه جوهر الأحكام التي انتظمتها هاتان الاتفاقيتان الدوليتان, والتي تعتبر مصر طرفاً فيهما بتصديقها عليهما, ذلك أن المادة 56 من الدستور تنص على ما يأتي [إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون, وتكون لها الشخصية الاعتبارية. وينظم القانون مساهمتها في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية، وفي رفع مستوى الكفاية، ودعم السلوك الاشتراكي بين أعضائها، وحماية أموالها. وهي ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم…. وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانوناً لأعضائها].
وحيث إن حرية العمال في تكوين تنظيمهم النقابي, وكذلك حرية ذاتها في إدارة شئونها, بما في ذلك إقرار القواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها، وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخلية, وأحوال اندماجها في غيرها, ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم بالمخالفة لنظمها, لا ينفصلان عن انتهاجها الديمقراطية أسلوباً وحيداً يهيمن على نشاطها، ويكفل الموازنة بين حقوقها وواجباتها. وكذلك بناء تشكيلاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمين إليها – المؤهلين منهم وغير المؤهلين – ودون قيد يتعلق بعدد الأولين منسوباً إلى عدد العمال غير المهنيين. ذلك أن مبدأ الحرية النقابية يعني حق العمال – وأياً كان قطاع عملهم، ودون ما تمييز فيما بينهم – في تكوين منظماتهم النقابية وبغض النظر عن معتقداتهم أو آرائهم السياسية أو توجيهاتهم أو انتماءاتهم, ودون إخلال بحق النقابة ذاتها في أن تقرر بنفسها أهدفها, ووسائل تحقيقها, وطرق تمويلها, وإعداد القواعد التي تنظم بها شئونها.
ولا يجوز – بوجه خاص – إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق, ولا أن يكون تمتعاً بالشخصية الاعتبارية معلقاً على قبولها الحد منها، ولا أن يكون تأسيسها رهناً بإذن من الجهة الإدارية, ولا أن تتدخل هذه الجهة في عملها بما يعوق إدارتها لشئونها, ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقاباً لها, ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها.
وحيث إن ما تقدم مؤاده, إن تكوين التنظيم النقابي لابد أن يكون تصرفاً إرادياً حراً, لا تتداخل فيه السلطة العامة, بل يستقيم عنها ليظل بعيداً عن سيطرتها, ومن ثم تتمحض الحرية النقابية عن قاعدة أولية في التنظيم النقابي, تمنحها بعض الدول قيمة دستورية في ذاتها, لتكفل بمقتضاها حق كل عامل في الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها, وفي انتفاء واحدة أو أكثر من بينها – عند تعددها – ليكون عضواً فيها, وفي أن ينعزل عنها جميعاً فلا يلج أبوابها, وكذلك في أن يَعْدِل عن البقاء فيها منهياً عضويته بها.
وهذه الحقوق التي تتفرع عن الحرية النقابية, تعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها, وبوجه خاص لرد خطرين عنها لا يتعادلان في آثارهما, ويتأتيان من مصدرين مختلفين. ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها في مواجهة العمال غير المنضمين إليها, لجذبهم لدائرة نشاطها توصلاً لإحكام قبضتها على تجمعاتهم، وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة في أوضاع الاستخدام في منشآتهم, أو بالتهديد بفصل عمالهم, أو بمساءلتهم تأديبياً، أو بإرجاء ترقياتهم, لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابي, أو لحملهم على التخلي عن عضويتهم فيه.
وحيث إن الحرية النقابية – محدداً إطارها على النحو المتقدم – لا تعارض ديمقراطية العمل النقابي, بل هي المدخل إليه، ذلك أن الديمقراطية النقابية هي التي تطرح – بوسائلها وتوجهاتها – نطاقاً للحماية يكفل للقوة العاملة مصالحها الرئيسية، ويبلور إرادتها وينفض عن تجمعاتها عوامل الجمود, وهي كذلك مفترض أولى لوجود حركة نقابية تستقل بذاتيتها ومناحي نشاطها. ولازمها أمران: أولهما أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصبها المختلفة – على تباين مستوياتها وأياً كان موقعها – مرتبطاً بالإرادة الحرة لأعضائها، وبشرط أن يكون لكل عضو انضم إليها الفرص ذاتها التي يؤثر بها – متكافئاً في ذلك مع غيره – في تشكيل سياستها العامة وبناء مختلف تنظيماتها وفاء بأهدافها وضماناً لنهوضها بالشئون التي تقوم عليها. ثانيهما: أن الحرية النقابية لا تعتبر مطلباً لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة, ولا هي من امتيازاتها. بل يتعين أن يكون العمل النقابي إسهاماً جماعياً لا يتمحض عن انتقاء حلول بذواتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة. ذلك أن تعدد الآراء داخل النقابة الواحدة وتفاعلها، إثراء لحرية النقاش فيها, لتعكس قراراتها ما تتصوره القاعدة الأعرض من الناخبين فيها مبلوراً لأفكارهم، ومحدداً لمطالبهم, إنفاذاً لإرادتهم من خلال أصواتهم التي لا يجوز تقييد فرص الإدلاء بها دون مقتض، ولا فرض الوصاية عليها.
وحيث إن ما نص عليه الدستور في المادة 56 من قيام النقابات واتحاداتها على أساس ديمقراطي، يدل على أن حكمها جاء عاماً مطلقاً, منصرفاً إلى كل تنظيم نقابي – مهنياً كان أو عمالياً – ممتداً إلى تشكيلاتها جميعاً – على تباين مستوياتها ودرجاتها – كاشفاً عن أن العمل النقابي لا يؤمن مصالح جانبية محدودة أهميتها, بل يوفر للمنضمين إليه, الحقائق الكاملة التي يحددون من خلالها أولوياتهم، ويفاضلون على ضوئها بين من يتزاحمون من بينهم على الظفر بعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية التي ينتمون إليها.
وحيث إن ضمان الدستور – بنص المادة 47 منه – لحرية التعبير عن الآراء, والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير, قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها. وبدونها تفقد الحرية الاجتماع مغزاها, ولا تكون لها من فائدة. وبها يكون الأفراد أحراراً لا يتهيبون موقفاً، ولا يترددون وجلاً, ولا ينتصفون لغير الحق طريقاً.
وحيث إن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير, هو أن يكون التماس الآراء والأفكار, وتلقيها عن الغير, ونقلها إليه – غير مقيدة بالحدود الإقليمية على اختلافها، ولا منحصر في مصادرة بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، وأن تنفتح مسالكها، وتفيض منابعها (Marketplace of ideas) (free trade in ideas) – لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفًا بها، مقتحما دروبها، ذلك أن لحرية التعبير أهدافًا لا تريم عنها، ولا يتصور أن تسخر لسواها، هي أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليًا، فلا يداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتريها بهتان ينال من محتواها. ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا أو صائبًا، منطويًا على مخاطر واضحة، أو محققًا لمصلحة مبتغاة. ذلك أن الدستور لا يرمي من وراء ضمان حرية التعبير، أن تكون مدخلاً إلى توافق عام، بل تغيا بصونها أن يكون كافلاً لتعدد الآراء Plurality of opinions وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات Neutrality of information ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل، ومحدداً لكل اتجاه.
وحيث إن حرية التعبير التي تؤمنها المادة 47 من الدستور, أبلغ ما تكون أثراً في مجال اتصالها بالشئون العامة, وعرض أوضاعها تبياناً لنواحي التقصير فيها, وتقويماً لاعوجاجها, وكان حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، ليس معلقاً على صحتها، ولا مرتبطاً بتمشيها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها, ولا بالفائدة العملية التي يمكن أن تنتجها. وإنما أراد الدستور بضمان الحرية التعبير أن تهمين مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها, بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام public mind فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه، ولا عائقاً دون تدفقها.
وحيث إن من المقرر كذلك إن حرية التعبير, وتفاعل الآراء التي تتولد عنها, لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها, سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها. بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم, فلا يتهامسون بها نجياً, بل يطرحونها عزماً – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثاً من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوباً. فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكناً في غيبة حرية التعبير. كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة 47 من الدستور, لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التي يؤمنون بها، بل كذلك اختيار الوسائل التي يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء في مجال عرضها، أو نشرها, ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها. ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير، أن يكون الإيمان بها شكلياً أو سلبياً. بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها, وألا يفرض أحد على غيره صمتاً ولو بقوة القانون Enforced silence.
وحيث إنه متى كان ما تقدم, تعين القول بأن حرية التعبير التي كفلها الدستور, هي القاعدة في كل تنظيم ديمقراطي, لا يقوم إلا بها. ولا يعدو الإخلال بها أن يكون إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها، وإن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد, ولا يناقض الأعراض المقصودة من إرسائها.
وحيث إن الحق في التجمع، بما يقوم عليه من انضمام عدد من الأشخاص إلى بعضهم لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعنيهم من الحقوق التي كفلتها المادتان 54, 55 من الدستور، وذلك سواء نظرنا إليه باعتباره حقاً مستقلاً عن غيره من الحقوق, أم على تقدير أن حرية التعبير تشتمل عليه، باعتباره كافلاً لأهم قنواتها, محققاً من خلالها أهدافها.
وحيث إن هذا الحق – وسواء كان حقاً أصيلاً أم تابعاً – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفاً أو اتجاهاً معيناً، تجمعاً منظماً Ordered assemblage يحتويهم, يوظفون فيه خبراتهم، ويطرحون آمالهم، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعيCollective thinking وكان تكوين بينيان كل تجمع – وسواء كان الغرض منه سياسياً أو نقابياً أو مهنياً – لا يعدو أن يكون عملاً اختيارياً لا يساق الداخلون فيه سوقاً، ولا يمنعون من الخروج منه قهراً. وهو في محتواه لا يتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض. بل يرمي بالوسائل السلمية إلى أن يكون إطاراً يضمهم, ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم. ومن ثم كان هذا الحق متداخلاً مع حرية التعبير؛ ومكوناً لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير إتباع الوسائل الموضوعية والإجرامية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون؛ واقعاً عند البعض في نطاق الحدود التي يفرضها صون خواص حياتهم وأعماق حرماتها، بما يحول دون اقتحام أغوارها, أو تعقبها, لغير مصلحة جوهرية لها معينها؛ لازماً اقتضاءً ولو لم يرد بشأنه نص في الدستور؛ كافلاً للحقوق التي أحصاها ضماناتها, محققاً فعالياتها؛ سابقاً على وجود الدساتير ذاتها؛ مرتبطاً بالمدنية في مختلف مراحل تطورها؛ كامناً في النفس البشرية، تدعو إليه فطرتها؛ وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها.
بل إن حرية التعبير ذاتها, تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم. وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض, بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض, ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار, ويعوق انسياب وروافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع.
ذلك أن الانعزال عن الآخرين، يؤول إلى استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها، ولو كان أفقها ضيقاً Narrowness أو كان عمقها أو تحزبها One – Sidedness بادياً.
كذلك فإن هدم حرية الاجتماع، إنما يقوض الأسس التي لا تقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإدارة الشعبية. ولا تكون الديمقراطية فيه بديلاً مؤقتاً أو إجماعاً زائفاً، أو تصالحاً مرحلياً لتهدئة الخواطر. بل شكلاً مثالياً لتنظيم العمل الحكومي، وإرساء قواعده. ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون, وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديمقراطية, وترتضيها القيم التي تدعو إليها.
وحيث إن من المقرر كذلك, أن حق المرشحين في الفوز بعضوية المجالس التي كفل الدستور أو المشرع صفتها التمثيلية, لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم. ذلك أن هذين الحقين مرتبطان، ويتبادلان التأثير فيما بينهما. ولا يجوز بالتالي أن تفرض على مباشرة أيهما القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها Integrity and reliability of the electoral Process أو بما يكون كافلاً إنصافها, وتدفق الحقائق الموضوعية المتعلقة بها, بل يجب أن تتوافر لها بوجه عام أسس ضبطها, بما يصون حيدتها، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها. ومن ثم تقع هذه القيود في حمأة المخالفة الدستورية إذا كان مضمونها وهدفها مجرد حرمان فئة من عمال المنظمة النقابية – ودون أسس موضوعية – من فرص الفوز بعضوية مجلس إدارتها. ذلك أن أثرها هو إبعاد هؤلاء عن العملية الانتخابية بأكملها, وحجبهم بالتالي عن الإسهام فيها. بما مؤداه احتكار غرمائهم لها, وسيطرتهم عليها دون منازع, وإنهاء حق المبعدين في إدارة الحوار حول برامجهم وتوجهاتهم، وهو ما يقلص من دائرة الاختيار التي يتيحها المشرع للناخبين, وبوجه خاص, كلما كان المبعدون أدنى إلى ثقتهم، وأجدر بالدفاع عن حقوقهم.
بل إن القيم العليا لحرية التعبير – بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها – ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلاً ومفتوحاً, بل مقصوراً على فئة بذاتها من أعضاء المنظمة النقابية, أو منحصراً في مسائل بذواتها لا يتعداها.
كذلك فإن حق الناخبين في الاجتماع مؤداه, ألا تكون الحملة الانتخابية – التي تعتبر قاعدة لتجمعاتهم وإطاراً يحددون من خلاله أولوياتهم – محدودة آفاقها, بما تفضي إليه من تضاؤل فرصهم التي يفاضلون من خلالها بين عدد أكبر من المرشحين، وانتقاء من يكون من بينهم شريكاً معهم في أهدافهم Like – minded Citizens قادراً على النضال من أجل تحقيقها.
وحيث إن المهنيين الذين انضموا إلى المنظمة النقابية العمالية، لا يتمكنون وفقاً للنص المطعون فيه من الظفر بعضوية إدارتها, إلا في الحدود التي لا تزيد فيها نسبتهم إلى مجموع عدد أعضاء هذا المجلس عن 20% وهو ما يعني انغلاق طريقهم إلى مجلس إدارة تلك المنظمة بعد أن خاضوا انتخاباتها, وفازوا فيها, لمجرد مجاوزتهم لتلك النسبة التي حددها النص المطعون فيه دون أسس موضوعية, تظاهرها، بما مؤداه إهدار إرادة القاعدة العمالية التي منحتهم ثقتها على ضوء اقتناعها بموقفهم من قضاياها, وحرمانها من أن تفاضل – من خلال البرامج التي طرحتها الحملة الانتخابية – بين عدد أكبر من المرشحين يكونون أقدر على بلورة أفكارها, والنضال من أجل بناء مواقفها، وكان من المقرر أن اتساع قاعدة الاختيار فيما بين المرشحين، ضمانه أساسية تكفل لهيئة الناخبين ظروفاً أفضل تمنح من خلالها ثقتها لعناصر من بينهم تكون أجدر بالدفاع عن مصالحهم, وكان النص المطعون فيه لا يطلق قاعدة الاختيار هذه، بل يحد من دائرتها ويضيق من نطاقها, مؤثراً بذلك في حق الاقتراع بما ينال من فعاليته، فإن ذلك النص ينحل من الناحية الدستورية إلى فرض نوع من الوصاية على القاعدة العمالية, ويؤول إلى تفككها أو اضطرابها, أو بعثرة تكتلاتها من خلال إلزامها بأن تمنح ثقتها لغير من وقع عليهم اختيارها ابتداءً، وأن تكون لها موازين جديدة، تقدر على ضوئها، من تُصعَدِّهم – من دونهم – إلى مجلس إدارة المنظمة العمالية, وقد يكونون أقل منهم شأناً سواء في صلابتهم، أو قدرتهم على ابتكار الحلول الملائمة لقضاياها. وهو ما ينال كذلك من حرية القاعدة في التعبير عن مواقفها من خلال تجمعاتها, التي تعد إطاراً ومحرراً لكل تنظيم انتخابي يحدد مطالبها.
وحيث إن القول بأن النص المطعون فيه, يعكس تناسباً عددياً بين المهنيين المنضمين إلى المنظمة النقابية العمالية, وغيرهم من العمال أعضائها, مردود أولاً بانتفاء الدليل على صحته, ومردود ثانياً بأن اختيار من يمثلون أعضاء النقابة بمجلس إدارتها, ليس مرتبطاً بموقعهم من النقابة ذاتها, وما إذا كانوا هم الأكثر أو الأقل عدداً بين جموعها, بل بقدرتهم على تأمين مصالحها. ومردود ثالثاً بأن إبطال عضويتهم بمجلس إدارة المنظمة النقابية بعد الفوز بها, لا يعدو أن يكون تحريفاً لإرادة الناخبين, مع حملهم على إبدال من منحوه ثقتهم بغيره, وليس ذلك إلا تشويهاً لحق الاقتراع، وانحرافاً عن الأغراض التي يتوخاها.
وحيث إنه لا مساغ كذلك للقول بأن النص المطعون عليه, يكفل للحركة النقابية العمالية وحدتها، ويضمن ولاء العمال لأهدافها، ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها – ومن خلال برامجها وتوجهاتها – وعلى ضوء نضالها من أجل الدفاع عن مصالحها، هي التي توحد بين أعضائها، فلا يتحولون عنها أو يفارقونها. كذلك فإن ولاءهم لها رهن بصون الحرية النقابية في مضمونها ووسائلها. ولنقابتهم أن تسائلهم تأديبياً إذا لم يلتزموا بميثاقها، أو كان سلوكهم مشيناً مناهضاً لها, وليس جائزاً بحال – من وجهة أخرى – أن تعطل وحدة الحركة النقابية العمالية أو الولاء لأهدافها، حقوقاً كفلها الدستور للعمال المنضمين إليها.
وحيث إن من المقرر أنه إذا كفل الدستور حقاً من الحقوق, فإن القيود عليه, لا يجوز أن تنال من محتواه، إلا بالقدر وفي الحدود التي ينص عليها الدستور, وكان ضمان الدستور بنص المادة 62 لحقي الانتخاب والترشيح اللذين كفلهما لكل مواطن وفقاً لأحكام القانون, وإن تقيد بنصوص بعض مواده الأخرى, كالمادتين 26, 87 منه التي توفر أولاهما لصغار الفلاحين وصغار الحرفيين80% على الأقل من مقاعد مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية أو الجمعية التعاونية الصناعية, وتنص ثانيتهما على أن يكون نصف عدد أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين, إلا أن هذه القيود مرجعها إلى النصوص الدستورية ذاتها, ولا يجوز أن يقاس تشريعياً عليها, وإلا كان القانون مخالفاً للدستور.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعاً بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة القانونية De Jure كافلة تطبيقه على جميع المواطنين، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي, وباعتباره الضمانة الرئيسية لصون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها, وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور, بل يمتد مجال إعمالها كذلك, إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العامة.
ولئن نص الدستور في المادة 40 منه, على حظر التمييز بين المواطنين في أحوال بعينها, هي تلك التي يقوم التمييز فيها على أساس من الجنس, أو الأصل، أو اللغة، أو الدين, أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها, مرده أنها الأكثر شيوعاً في الحياة العملية, ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التي كفلها الدستور, ويحول دون إرساء أسسها, وبلوغ غايتها.
وآية ذلك أن من صور التمييز التي أغفلتها المادة 40 من الدستور, ما لا يقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها أو من جهة الآثار التي ترتبها، كالتمييز بين المواطنين في نطاق الحقوق التي يتمتعون بها, أو الحريات التي يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي, أو انتمائهم الطبقي, أو ميولهم الحزبية, أو نزعاتهم العرقية, أو عصبيتهم القبلية, أو على موقفهم من السلطة العامة, أو إعراضهم عن تنظيماتها, أو تبنيهم لأعمال بذاتها, وغير ذلك من أشكال التمييز التي لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها, وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها, إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون, وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها, وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة. متى كان ذلك وكان النص المطعون عليه, قد استبعد المهنيين – الذين تزيد نسبتهم في مجلس إدارة المنظمة النقابية عن 20% من مجموع مقاعده – من الظفر بعضوية هذا المجلس رغم تماثلهم مع عمال النقابة من غير المهنيين في مراكزهم القانونية، لانضوائهم جميعاً تحت نقابة واحدة، تتكافأ حقوقهم وواجباتهم فيها, ودون أن يستند التمييز بين هاتين الفئتين إلى أسس موضوعية يقتضيها التمثيل في مجلس إدارة تلك المنظمة، فإن هذا التمييز يكون تحكمياً، ومنهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه متى كان ما تقدم, وكان النص المطعون عليه يخل بالحقوق التي كفلها الدستور في مجال تكوين التنظيم النقابي على أساس ديمقراطي, وكذلك بحرية التعبير والاجتماع، وبحقي الترشيح والاقتراع، وبمبدأ المساواة أمام القانون, وهي الحريات والحقوق المنصوص عليها في المواد 40, 47, 55, 56, 62 من الدستور, فٍإنه يكون قد وقع في حمأة المخالفة الدستورية، ويتعين الحكم ببطلانه.
وحيث إن ما ورد بعجز الفقرة الأولى من المادة 38 المشار إليها من أنه [وذلك ما لم تكن أغلبية المنظمة النقابية من المنضمين إلى نقابات مهنية]، يرتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بنطاق الطعن الماثل، باعتباره استثناء من قاعدة الحظر التي فرضها النص المطعون عليه, فإن هذا الاستثناء يسقط تبعاً للحكم ببطلان ذلك النص.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 38 من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 فيما تضمنته من عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية والعضوية العاملة في نقابة مهنية بما يزيد على 20% من مجموع عدد أعضاء هذا المجلس, وبسقوط باقي نص هذه الفقرة, وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية