الخط الساخن : 01118881009
جلسة 2 ديسمبر سنة 1995
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – المفوض، وحضور السيد/ أحمد عطية أحمد منسى – أمين السر.
قاعدة رقم (17)
القضية رقم 33 لسنة 15 قضائية “دستورية”
1- دعوى دستورية “قصد المدعى منها”.
العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى حقيقة من دعواه. ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها.
2- السلطة التشريعية “اختصاص” – رقابة قضائية “المحكمة الدستورية العليا”.
اختصاص السلطة التشريعية بإقرار النصوص القانونية – الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا غايتها ابطال ما يكون من هذه النصوص مخالفاً للدستور – ولو كان من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمناً.
3- المحكمة الدستورية العليا “اختصاص”.
إنكار المدعى لمشروعية مباشرة الجهة الإدارية لسلطتها التقديرية فى منح إجازة خاصة لمرافقة الزوج هو مدار دعواه الدستورية – اختصاص هذه المحكمة بها.
4- دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهو شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
5- الحق فى تكوين أسرة “صونها” – حرية شخصية.
هذا الحق كفله الدستور – وهو وثيق الصلة بالحرية الشخصية – لا يجوز للمشرع أن يقتحم الحياة العائلية للزوجين متغولاً على أسرارها. الحق فى تكوين أسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها على امتداد مراحل بقائها.
6- علاقة زوجية “قوامها”.
دورة الحياة التى تمتد إليها العلائق الزوجية قوامها المودة والرحمة – مباشرة أفرادها لمسئولياتهم من خلال التقيد بقواعد الدين وبما يصون كرامتهم.
7- دستور “أسرة: قوامها”.
وفقاً للدستور، الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق – الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة- مساواة المرأة بالرجل فى الميادين المختلفة وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – ينبغى أن تتولاه الدولة.
8- دستور “أسرة”.
الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية إطاراً للأسرة – مؤكداً طابعها الأصيل.
9- تشريع مقارن “القانون الفرنسي”.
الموظفون العموميون – فى هذا القانون – وبناء على طلبهم – لا يوضعون خارج الجهة التى يعملون بها إلا فى أحوال محددة – منها التحاق الموظف بزوجه المقيم خارج مكان عمله.
10- دستور – “أسرة: وحدتها”.
وحدة الأسرة فى الحدود التى كفلها الدستور يقتضيها أمران:- تماسكهما – توفير المشرع لأفرادها مناخا ملائما.
11- دستور “أسرة: حماية”.
الحماية التى كفلها الدستور للأسرة لا تتحدد بواقعة خضوع الزوجين أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام – من المتعين أن يكون مفهوم الأسرة نائياً بها عما يقوض بنيانها أو يخل بوحدتها.
12- تشريع “المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات”.
ترخص الجهة الإدارية وفقاً لهذه المادة فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها عضو هيئة التدريس لمرافقة زوجه: إخلاله بوحدة الأسرة – إخلاله كذلك بفرص العمل.
13- مبدأ المساواة “الحماية المتكافئة – صور التمييز: قوامها”.
مبدأ المساواة أمام القانون كفل الدستور تطبيقه على المواطنين كافة – هذا المبدأ وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى يشمل تطبيقها الحقوق والحريات المقررة فى الدستور وتلك التى كفها المشرع – صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من تلك الحقوق والحريات.
14- تشريع “النص المشار إليه: بطلانه”.
تبنى هذا النص تمييزاً تحكمياً منهياً عنه دستورياً – بطلانه – الرجوع فى شأن المسائل التى كان ينظمها إلى قانون العاملين المدنيين فى الدولة.
1، 2، 3- إذ أقر المدعى فى مذكرته التى قدمها إلى هذه المحكمة، أنه لا يتوخى بدعواه هذه، غير مجرد الحكم بعدم دستورية نص المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات – المطعون عليها -، ليكون إبطالها مؤدياً بالضرورة – ودون تدخل تشريعى – إلى مساواته بالعاملين المدنيين فى الدولة الذين يمنحون – دون قيد – الإجازة الخاصة التى يطلبها أحد الزوجين لمرافقة الزوج الآخر المرخص بسفره إلى الخارج؛ وكانت العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى من حقيقة دعواه؛ ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها، إذا كانت مجافية فى مبناها، للمعانى التى أراد حملها عليها، وكان الدستور، وإن خول السلطة التشريعية أصلاً اختصاص إقرار النصوص القانونية، باعتبار أن ذلك مما يدخل فى نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها؛ إلا أن إقرار هذه النصوص لا يعصمها من الخضوع للرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستوريتها، “ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمنا، سواء كان إخلالها بها مقصوداً ابتداء، أم كان قد وقع عرضاً”. ولا يعد حق أحد الزوجين فى أن يرافق الزوج الآخر عند سفره للمدة التى يبقاها فى الخارج، أن يكون أثراً مترتباً قانوناً إلى إلغاء السلطة التقديرية التى تباشرها الجهة الإدارية فى شأن منح هذه الإجازة الخاصة أو رفضها. وإذ كان إنكار المدعى لمشروعية مباشرة تلك السلطة، هو مدار دعواه الدستورية وغايتها، فإن القول بانحسار اختصاص المحكمة الدستورية العليا عن الفصل فيها، لا يكون قائماً على سند من القانون.
4- إن المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، تنص على أنه [مع مراعاة حسن سير العمل فى القسم وفى الكلية أو المعهد، يجوز الترخيص لعضو هيئة التدريس فى إجازة خاصة بدون مرتب، لمرافقة الزوج المرخص له فى السفر إلى الخارج لمدة سنة على الأقل. ويكون الترخيص بقرار من رئيس الجامعة بناء على طلب عميد الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص]؛ وكان مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكانت السلطة التقديرية التى خولتها المادة 89 المشار إليها لجهة الإدارة، فى مجال منح الإجازة الخاصة أو رفضها، هى مدار قراراتها المتظلم منها سواء ما صدر منها برفض هذه الإجازة، أو ما نشأ عن هذا الرفض من آثار، ومن بينها عدم عرض أبحاثه العلمية على اللجنة المختصة لبحثها، وإنهاء خدمته، فإن الفصل فى دعواه الموضوعية، يكون متوقفاً على الفصل فى دستورية النص المطعون فيه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية المباشرة.
5- إن الحق فى تكوين الأسرة – واختيار الزوج مدخلها – من الحقوق التى كفلها الدستور على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن هذا الحق وثيق الصلة بالحرية الشخصية، وهى الحرية الأصل التى تهيمن على الحياة بكل أقطارها، ولا تكتمل الشخصية الانسانية فى غيبتها، وهو كذلك من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية، أو تقوض روابطها، أو تعمل بعيداً عنها، أو تتقرر انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تزكيها، وتتعاظم بقيمتها، بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، والزوجان – ومن خلال الأسرة التى كوناها – يمتزجان فى وحدة يرتضيانها، يتكاملان بها، ويتوجان بالوفاء جوهرياً، ليظل نبتها مترامياً على طريق نمائها، وعبر امتداد زمنها، مؤكداً حق الشريكين فيها، فى أن يتخذا من خلالها أدق قراراتها وأوثقها ارتباطاً بمصائرهما، بما يصون لحياتهما الشخصية أعمق أغوارها، فلا يقتحمها المشرع متغولاً على أسرارها وأنبل غاياتها، وإلا كان ذلك عدواناً ينال من الدائرة التى تظهر فيها الحياة العائلية، فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحماً.
والحق فى تكوين الأسرة – محدد على النحو المتقدم – لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها – على امتداد مراحل بقائها – “لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً فى ترابطها أو فى القيم والتقاليد التى تنصهر فيها” وبما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم، وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً، فلا تتفرق الأسرة التى تضمهم جميعاً – وهى الوحدة الأساسية لمجتمعها The Basic Unit of Society – بدداً، ولا يكون التعاون بين أفرادها، هامشياً Marginal أو مرحلياً أو انتقائياً، بل عريضاً وفاعلاً، ليظل اتصالهم ببعض ، كافلاً لدمجهم فى محيطها family Integration وإشرابهم مبادئها وتقاليدها التى لا زال الدين يشكلها فى الأعم من مظاهرها، وعلى الأخص فى مجال اختيار أنماط الحياة التى يتعايش معها أفراد الأسرة الواحدة. ويرتضونها طريقاً لتوجهاتهم بما يصون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها. وكلما كان التنظيم التشريعى لبنيان الأسرة ملتئماً مع الدين والأخلاق والوطنية، نابعاً من ضرورة إسهامها فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية على تباين مستوياتها، فإن قودها لها يكون واقعاً حياً، منبئاً حقاً وعدلاً، عن إطار تقدمى لمجتمعها.
6- إن دورة الحياة Life Cycle التى تمتد إليها العلائق الزوجية، قوامها المودة والرحمة، وجوهرها مباشرة أفرادها لمسئولياتهم إنصافاً، وبوجه خاص من خلال التقيد بجوانبها التى حددتها القواعد الآمرة للدين، أو التى يقتضيها صون كرامتهم الأصلية Innate Dignity أو ضمان أمنهم بيئياً Environmental security أو التمكين من إنماء ملكاتهم Empowerment of potentials وبذلك وحده يكون بنيان الأسرة أو نسيجها، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر.
7- إن دستور جمهورية مصر العربية نص فى المواد 9، 10، 11، 12 على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد – هو ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها – وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة، وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بالتزاماتها التى كفلها الدستور. ومجتمعها مقيد كذلك بضرورة التمكين للقيم المصرية الأصلية، وبصون الأخلاق وحمايتها، بأن يكون للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية – محدد موقعها ودورها على ضوء أعمق مستوياتها وأرفعها شأناً – ورافد لا انقطاع لجريانها.
8- إن الدستور بذلك، أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطاراً للأسرة، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – فى تراثها وتقاليدها ومناحى سلوكها – عن دورها الاجتماعي، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسياً بها. والتزامها بالخلق القويم، لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها فى الحياة. وليس التعبير عن الوطنية – فى محتواها الحق – رنيناً مجرداً من المضمون، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين، وانحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – فى مجموعها – على ما سواها. والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها ، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتاً بئيساً، ولا حريتها نهباً لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقاً بلا قيد ، ولا واجباتها تشهياً بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعى بين آحادها.
9- إن المذكرة الإيضاحية للمادة 69 من قانون العاملين المدنيين فى الدولة، تقرر فى وضوح أن المشرع قد وازن – من خلال بنديها – بين رعاية العامل المتزوج وصيانة الأسرة، وبين حسن سير العمل. وهو ما يعنى أن بندها الأول يعكس مصالح الأسرة، ويكفل وحدتها بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أوصالها، وبعثرة جهودها، وتنازع أفرادها، وعلى الأخص من خلال تفرق أبنائها بين أبوين لا يتواجدان معاً، بما يرتد سلباً على صحتهم النفسية والعقلية والبدنية، ويقلص الفرص الملائمة لتعليمهم، وإعدادهم لحياة لا تكون الأسرة معها بنياناً متهافتاً، أو متهاوياً.
10- إن وحدة الأسرة – فى الحدود التى كفلها الدستور – يقتضيها أمران:
أولهما: أن تماسكها وعدم انفراطها، توكيد لقيمها العليا، وصون لأفرادها، فى ينحرفون طريقاً أو ينفلتون سلوكاً، ليظل تأسيسها على الدين والخلق، إطاراً.
ثانيهما: أن الوطنية التى ينبغى أن تتحلى الأسرة بها، تفقد مقوماتها، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً، يعزز قوة الوطن ولا يضعفها أو ينحيها. ووحدة الأسرة هى الضمان الأولى، والمبدئي، لإشرابهم غريزة القتال والنضال، ليكون لأمتهم هيبتها ومكانتها، فلا تنكص على عقبيها، وجلا أو تفريطاً.
11، 12- إن النص المطعون فيه، يخول الجهة الإدارية التى يتبعها عضو هيئة التدريس، سلطة تقديرية تترخص معها فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها هذا العضو لمرافقة زوجها أو زوجته التى أذن لأيهما بالسفر إلى الخارج؛ وكان منح الجهة الإدارية تلك الإجازة أو منعها، يتم وفقاً لمطلق تقديرها، على ضوء ما يكون متطلباً فى نظرها لحسن سير العمل؛ وكانت الأسرة التى حرص الدستور على صون وحدتها، وأقامها على الدين والخلق والوطنية، هى الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتضامنها وتراحمها واتصال روابطها؛ فإن الحماية التى كفلها الدستور لها، لا تتخذ بالنظر إلى موقعها من البنيان الاجتماعي، ولا بطبيعة عمل أحد الأبوين أو كليهما، ولا بواقعة خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام؛ بل يتعين أن يكون مفهوم الاسرة ومتطلباتها، نائياً بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها، أو يؤول إلى انحرافها، وإلا كان ذلك هدماً لها، وإخلالاً بوحدتها التى ما قصد الدستور صونها لذاتها، بل بوصفها طريقا وحيداً لإرساء مقوماتها على قواعد محددة لا يستقيم أمرها بغيرها.
13- إن الدساتير المصرية جميعها بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جمعيها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين، فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
ولئن نص الدستور فى المادة 40، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك، أمن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي، أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها؛ وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة.
14- إن النص المطعون فيه، قد أفرد هيئة التدريس بالجامعات، بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم مجتمعها بدونها، ومايز بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – بينهم وبين غيرهم من العاملين المدنيين فى الدولة، فإنه بذلك يكون متبنيا تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
الإجراءات
فى الثانى من ديسمبر 1993 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 89 من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 بتنظيم الجامعات، وذلك فيما تضمنته من عدم جعل إجازة مرافقة الزوج المرخص له بالسفر أمراً وجوبياً على جهة الإدارة، وكذلك فيما تضمنته من عدم النص على ألا تقل هذه الإجازة عن مدة بقاء الزوج فى الخارج، وذلك لمخالفتها من هذين الوجهين للمواد 9، 13، 40 من الدستور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان يعمل مدرساً لجراحة العظام بكلية طب شبين الكوم. وقد صدر قرار رئيس جامعة المنوفية رقم 205/ 1988 بمنحه إجازة خاصة بدون مرتب لمدة عام لمرافقة زوجته المتعاقدة بالسعودية. وفى 3/ 9/ 1989 صدر قرار السيد الدكتور رئيس الجامعة رقم 671 لسنة 1989 بتجديد هذه الإجازة لمدة عام ثان اعتباراً من 27/ 1/ 1989 ، على ألا تجاوز الإجازة مدة بقاء زوجته بالخارج.
ونظراً لأن المؤسسة العلاجية التى تعمل فيها زوجته، كانت قد وافقت على تجديد عقد عمل زوجته لمدة ثالثة، فقد طلب تجديد إجازته لمرافقتها، إلا أن جهة عمله رفضت ذلك، ونبهت عليه بضرورة الحضور فوراً لاستلام عمله، فتظلم من قرارها. وإذ لم يتلق رداً فقد أقام الدعوى رقم 5602 لسنة 44 قضائيه، أمام محكمة القضاء الإداري، طالباً الحكم أصلياً بإلغاء قرار رفض تجديد إجازته الخاصة بدون مرتب لمرافقة زوجته التى تعمل بالسعودية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، من بينها إلزام الجامعة بتجديد هذه الإجازة حتى 2/1/1990، واحتياطياً بتحديد أجل لرفع الدعوى بعدم دستورية نص المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.
وأثناء نظر دعواه الموضوعية، أخطرته جهة عمله، برفضها إحالة أبحاثه العلمية إلى اللجنة العلمية المختصة بفحصها، تمهيداً لترشيحه للترقى لوظيفة أستاذ مساعد، مبررة قرارها هذا بعدم عودته إلى جهة عمله. وقد تظلم من هذا القرار إلى رئيس الجامعة، إلا أن خدمته أنهيت اعتباراً من التاريخ التالى لإنهاء إجازته، مما حمله على أن يضمن دعواه الموضوعية، طلبين إضافيين هما إلغاء قرار رفض عرض أبحاثه على اللجنة المختصة، وكذلك قرار إنهاء خدمته. وبجلسة 27/ 9/ 1993 أعادت محكمة الموضوع دعواه إلى المرافعة، وخولته إقامة دعواه الدستورية للطعن بعدم دستورية المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات فرفعها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة، بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظرها، تأسيساً على أن ما طلبه المدعى فيها، هو الحكم بعدم دستورية نص المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات، استناداً إلى ما تضمنته من تخويلها الجهة الإدارية حق منح أو رفض الإجازة الخاصة التى يطلبها أحد الزوجين لمرافقة الزوج الآخر المرخص له بالسفر إلى الخارج، وكذلك إغفالها النص على ألا تقل هذه الإجازة عن مدة بقاء الزوج فى الخارج، وهو ما يعنى – فى تقدير هيئة قضايا الدولة – أن تحل المحكمة الدستورية العليا محل السلطة التشريعية فى مجال مباشرتها لولايتها المنصوص عليها فى المادة 86 من الدستور، وذلك من خلال إبدال نص قانونى بغيره، بما يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى الماثلة، مردود أولاً: بأن المدعى أقر فى مذكرته التى قدمها إلى هذه المحكمة، أنه لا يتوخى بدعواه هذه، غير مجرد الحكم بعدم دستورية نص المادة 89 المطعون عليها، ليكون إبطالها مؤدياً بالضرورة – ودون تدخل تشريعى – إلى مساواته بمن يتماثلون معه فى مراكزهم القانونية، وهم العاملون المدنيون فى الدولة الذين يمنحون هذه الإجازة الخاصة دون قيد. أما ما عدا ذلك من طلباته، فليس إلا استطرادا غير دقيق، يتعذر عنه؛ ومردود ثانيا: بأن العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى حقيقة من دعواه، ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها، إذا كانت مجافية فى مبناها، للمعانى التى أراد حملها عليها. ولم يقصد المشرع بدعواه الدستورية، غير مجرد إبطال المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 الصادر بشأن تنظيم الجامعات، لتحيلها المحكمة الدستورية العليا عدما بعد تجريدها من قوة نفاذها منذ إقرارها، وهو ما يدخل فى ولايتها؛ ومردود ثالثا: بأن الدستور، وإن خول السلطة التشريعية أصلاً اختصاص إقرار النصوص القانونية، باعتبار أن ذلك مما يدخل فى نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أن إقرار هذه النصوص لا يعصمها من الخضوع للرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستوريتها، وهى رقابة غايتها ابطال ما يكون منها مخالفا للدستور، “ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمناً، سواء كان إخلالها بها مقصوداً ابتداء، أم كان قد وقع عرضاً”؛ ومردود رابعا: بأن حق أحد الزوجين فى أن يرافق الزوج الآخر عند سفره للمدة التى يبقاها فى الخارج، ولا يعدو أن يكون أثراً مترتباً قانوناً إلى إلغاء السلطة التقديرية التى تباشرها الجهة الإدارية فى شأن منح هذه الإجازة الخاصة أو رفضها. وإذ كان إنكار المدعى لمشروعية مباشرة تلك السلطة، هو مدار دعواه الدستورية وغايتها، فإن القول بانحسار اختصاص المحكمة الدستورية العليا عن الفصل فيها، لا يكون قائماً على سند من القانون.
وحيث إن المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، تنص على أنه [مع مراعاة حسن سير العمل فى القسم وفى الكلية أو المعهد، يجوز الترخيص لعضو هيئة التدريس فى إجازة خاصة بدون مرتب، لمرافقة الزوج المرخص له فى السفر إلى الخارج لمدة سنة على الأقل. ويكون الترخيص بقرار من رئيس الجامعة بناء على طلب عميد الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص].
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكانت السلطة التقديرية التى خولتها المادة 89 المشار إليها لجهة الإدارة، فى مجال منح الإجازة الخاصة أو رفضها، هى مدار قراراتها المتظلم منها سواء ما صدر منها برفض هذه الإجازة، أو ما نشأ عن هذا الرفض من آثار، ومن بينها عدم عرض أبحاثه العلمية على اللجنة المختصة لبحثها، وإنهاء خدمته، فإن الفصل فى دعواه الموضوعية، يكون متوقفاً على الفصل فى دستورية النص المطعون فيه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية المباشرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، أنه يثير بالضرورة الحماية التى كفلها الدستور للأسرة المصرية، وهى حماية لا تمييز فيها بين الأسر بعضها البعض بالنظر إلى تماثل مركزها القانوني، ولأنها جميعاً أساس بنيان مجتمعها، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وقد ظل طابعها الأصيل – بما يقوم عليه من قيم وتقاليد – مرعياً. ولكن النص المطعون فيه أخل بذلك، مهدراً أيضاً الحق فى العمل، ومناقضاً بالتالى أحكام المواد 9 و13 و40 من الدستور.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة – واختيار الزوج مدخلها – من الحقوق التى كفلها الدستور على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن هذا الحق وثيق الصلة بالحرية الشخصية، وهى الحرية الأصل التى تهيمن على الحياة بكل أقطارها، ولا تكتمل الشخصية الإنسانية فى غيبتها، وهو كذلك من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية، أو تقوض روابطها، أو تعمل بعيداً عنها، أو تتقرر انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تزكيها، وتتعاظم بقيمتها، بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ذلك أن الزوجين – ومن خلال الأسرة التى كوناها – يمتزجان فى وحدة يرتضيانها، يتكاملان بها، ويتوجان بالوفاء جوهرياً، ليظل نبتها مترامياً على طريق نمائها، وعبر امتداد زمنها، مؤكداً حق الشريكين فيها، فى أن يتخذا من خلالها أدق قراراتها وأوثقها ارتباطاً بمصائرهما، بما يصون لحياتهما الشخصية أعمق أغوارها، فلا يقتحمها المشرع متغولاً على أسرارها وأنبل غاياتها، وإلا كان ذلك عدواناً ينال من الدائرة التى تظهر فيها الحياة العائلية، فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحماً.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة – محدد على النحو المتقدم – لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها – على امتداد مراحل بقائها – “لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً فى ترابطها أو فى القيم والتقاليد التى تنصهر فيها” وبما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم، وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً، فلا تتفرق الأسرة التى تضمهم جميعاً – وهى الوحدة الأساسية لمجتمعها The Basic Unit of Society – بدداً، ولا يكون التعاون بين أفرادها، هامشياً Marginal أو مرحلياً أو انتقائياً، بل عريضاً وفاعلاً، ليظل اتصالهم ببعض ، كافلاً لدمجهم فى محيطها family Integration وإشرابهم مبادئها وتقاليدها التى لا زال الدين يشكلها فى الأعم من مظاهرها، وعلى الأخص فى مجال اختيار أنماط الحياة التى يتعايش معها أفراد الأسرة الواحده. ويرتضونها طريقاً لتوجهاتهم بما يصون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها. وكلما كان التنظيم التشريعى لبنيان الأسرة ملتئماً مع الدين والأخلاق والوطنية، نابعاً من ضرورة إسهامها فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية على تباين مستوياتها، فإن قودها لها يكون واقعاً حياً، منبئاً حقاً وعدلاً، عن إطار تقدمى لمجتمعها.
وحيث إن دورة الحياة Life Cycle التى تمتد إليها العلائق الزوجية، قوامها المودة والرحمة، وجوهرها مباشرة أفرادها لمسئولياتهم إنصافاً، وبوجه خاص من خلال التقيد بجوانبها التى حددتها القواعد الآمرة للدين، أو التى يقتضيها صون كرامتهم الأصلية Innate Dignity أو ضمان أمنهم بيئياً Environmental security أو التمكين من إنماء ملكاتهم Empowerment of potentials وبذلك وحده يكون بنيان الأسرة أو نسيجها، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر.
وحيث إن دستور جمهورية مصر العربية نص فى المواد 9 و10 و11 و12 على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد – هو ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها – وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة، وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بالتزاماتها التى كفلها الدستور. ومجتمعها مقيد كذلك بضرورة التمكين للقيم المصرية الأصلية، وبصون الأخلاق وحمايتها، بأن يكون للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية – محدد موقعها ودورها على ضوء أعمق مستوياتها وأرفعها شأناً – ورافد لا انقطاع لجريانها.
وحيث إن الدستور بذلك، أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطاراً للأسرة ، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – فى تراثها وتقاليدها ومناحى سلوكها – عن دورها الاجتماعي، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسياً بها. والتزامها بالخلق القويم، لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها فى الحياة. وليس التعبير عن الوطنية – فى محتواها الحق – رنيناً مجرداً من المضمون، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين، وانحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – فى مجموعها – على ما سواها. والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها ، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتاً بئيساً، ولا حريتها نهباً لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقاً بلا قيد، ولا واجباتها تشهياً بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعى بين آحادها.
وحيث إن البين من المادة 69 من قانون العاملين المدنيين فى الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، أن المشرع صاغها من بندين، يجرد أولهما الجهة الإدارية من سطلتها التقديرية فى شأن منح الإجازة الخاصة التى ينظمها، ضماناً لوحدة الأسرة، والتزاماً بقيمها وتقاليدها، وتنظيماً لشئونها بما يوفق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها. ويمنح ثانيهما هذا الاختصاص لتلك الجهة، فى شأن الإجازة التى يطلبها العامل فى غير الأحوال التى يحكمها البند الأول من تلك المادة التى جرى نصها كالآتي:
[1- يمنح الزوج أو الزوجة إذا سافر أحدهما إلى الخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل، إجازة بدون مرتب. ولا يجوز أن تجاوز هذه الإجازة مدة بقاء الزوج فى الخارج . ويسرى هذا الحكم سواء كان الزوج المسافر من العاملين فى الحكومة . أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص. ويتعين على الجهة الإدارية أن تستجيب لطلب الزوج أو الزوجة فى جميع الأحوال.
2- يجوز للسلطة المختصة منح العامل إجازة بدون مرتب للأسباب التى يبديها العامل وتقدرها السلطة المختصة ووفقاً للقواعد التى تتبعها].
وحيث إن المذكرة الإيضاحية للمادة 69 المشار إليها، تقرير فى وضوح أن المشرع قد وازن – من خلال بنديها – بين رعاية العامل المتزوج وصيانة الأسرة، وبين حسن سير العمل. وهو ما يعنى أن بندها الأول يعكس مصالح الأسرة، ويكفل وحدتها ، بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أوصالها، وبعثرة جهودها، وتنازع أفرادها، وعلى الأخص من خلال تفرق أبنائها بين أبوين لا يتواجدان معاً، بما يرتد سلباً على صحتهم النفسية والعقلية والبدنية، ويقلص الفرص الملائمة لتعليمهم، وإعدادهم لحياة لا تكون الأسرة معها بنياناً متهافتاً، أو متهاوياً.
وهذا الاتجاه، هو ما يدل عليه التنظيم القائم بفرنسا، ذلك أن المادة 47 من مرسومها رقم 85 – 986 الصادر فى 16/ 9/ 1985 – تقرر ما يأتى:
La mise en disponibilité est accoedée est accoedée de droit au fonctionnaire، sur sa demande:
a) pour donner des soins au conjoint، à un enfant ou un ascendant à la suite d’une accident ou d’une maladie gravs.
b) ……………….
c) pour suivre son conjoint lorsque celui-ci est astreint á etablir sa residence habituelle، à raison de sa profession، en un lieu éoigné du lieu d’exercice des functions du fonctionnaire.
وهى بذلك تدل على أن الموظفين العامين – وبناء على طلبهم – لا يوضعون بقوة القانون خارج الجهة التى يعملون بها، مع بقائهم تحت تصرفها le mise en disponibilité إلا فى أحوال محددة، من بينها أن يكون هذا الإجراء لازماً لتقديم الرعاية لزوج أصيب فى حادثة جسيمة أو بمرض خطير، أو ليلحق الموظف العام بزوج – اضطر بسبب مهنته – لأن يقيم على وجه الاعتياد بعيداً عن مكان مباشرة المهام الوظيفية.
وحيث إن وحدة الأسرة – فى الحدود التى كفلها الدستور – يقتضيها أمران:
أولهما: أن تماسكها وعدم انفراطها، توكيد لقيمها العليا، وصون لأفرادها، فلا ينحرفون طريقاً أو ينفلتون سلوكاً، ليظل تأسيسها على الدين والخلق، إطاراً.
ثانيهما: أن الوطنية التى ينبغى أن تتحلى الأسرة بها، تفقد مقوماتها، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً، يعزز قوة الوطن ولا يضعفها أو ينحيها. ووحدة الأسرة هى الضمان الأولى، والمبدئي، لإشرابهم غريزة القتال والنضال، ليكون لأمتهم هيبتها ومكانتها، فلا تنكص على عقبيها، وجلا أو تفريطاً.
وحيث إن النص المطعون فيه، يخول الجهة الإدارية التى يتبعها عضو هيئة التدريس، سلطة تقديرية تترخص معها فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها هذا العضو لمرافقة زوجها أو زوجته التى أذن لأيهما بالسفر إلى الخارج؛ وكان منح الجهة الإدارية تلك الإجازة أو منعها، يتم وفقاً لمطلق تقديرها، على ضوء ما يكون متطلباً فى نظرها لحسن سير العمل؛ وكانت الأسرة التى حرص الدستور على صون وحدتها، وأقامها على الدين والخلق والوطنية، هى الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتضامنها وتراحمها واتصال روابطها؛ فإن الحماية التى كفلها الدستور لها، لا تتخذ بالنظر إلى موقعها من البنيان الاجتماعي، ولا بطبيعة عمل أحد الأبوين أو كليهما، ولا بواقعة خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام؛ بل يتعين أن يكون مفهوم الأسرة ومتطلباتها، نائياً بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها، أو يؤول إلى انحرافها، وإلا كان ذلك هدماً لها، وإخلالاً بوحدتها التى ما قصد الدستور صونها لذاتها، بل بوصفها طريقا وحيداً لإرساء مقوماتها على قواعد محددة لا يستقيم أمرها بغيرها.
وحيث إن النص المتقدم، يخل كذلك بفرص العمل، وبحرية إجراء البحوث العلمية التى تتهيأ فى الخارج لأحد الزوجين وفقا للنظم المعمول بها فى جمهورية مصر العربية، ذلك أن الجهة الإدارية، هى التى توفر بنفسها إمكان الانتفاع بهذه الفرص أو مباشرة تلك الحرية، من خلال تراخيص السفر التى تمنحها للعاملين فيها. ولا يسوغ من بعد، أن تخل بوحدة الأسرة وترابطها، من خلال منعها أحد الزوجين من اللحاق بالآخر، ليكون انفصالهما فارقاً لبنيان الأسرة، نافيا تلاحمها، مقيما شريعتها على غير الحق والعدل.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها، بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جمعيها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين، فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
ولئن نص الدستور فى المادة 40، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك، أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي، أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها؛ وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة.
وحيث إن النص المطعون فيه، قد أفرد هيئة التدريس بالجامعات، بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم مجتمعها بدونها، ومايز بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – بينهم وبين غيرهم من العاملين المدنيين فى الدولة، فإنه بذلك يكون متبنيا تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون النص المطعون فيه وقع فى حمأة مخالفة أحكام المواد 9 و10 و11 و12 و13 و40 و49 من الدستور.
وحيث إن الحكم ببطلان النص المطعون فيه – على ما تقدم، يعنى الرجوع فى شأن المسائل التى كان ينظمها، إلى القواعد المقررة بصددها فى قانون العاملين المدنيين بالدولة.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، والزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية