الخط الساخن : 01118881009

جلسة 2 ديسمبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – المفوض، وحضور السيد/ أحمد عطية أحمد منسى – أمين السر.

قاعدة رقم (17)
القضية رقم 33 لسنة 15 قضائية “دستورية”

1- دعوى دستورية “قصد المدعى منها”.
العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى حقيقة من دعواه. ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها.
2- السلطة التشريعية “اختصاص” – رقابة قضائية “المحكمة الدستورية العليا”.
اختصاص السلطة التشريعية بإقرار النصوص القانونية – الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا غايتها ابطال ما يكون من هذه النصوص مخالفاً للدستور – ولو كان من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمناً.
3- المحكمة الدستورية العليا “اختصاص”.
إنكار المدعى لمشروعية مباشرة الجهة الإدارية لسلطتها التقديرية فى منح إجازة خاصة لمرافقة الزوج هو مدار دعواه الدستورية – اختصاص هذه المحكمة بها.
4- دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهو شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
5- الحق فى تكوين أسرة “صونها” – حرية شخصية.
هذا الحق كفله الدستور – وهو وثيق الصلة بالحرية الشخصية – لا يجوز للمشرع أن يقتحم الحياة العائلية للزوجين متغولاً على أسرارها. الحق فى تكوين أسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها على امتداد مراحل بقائها.
6- علاقة زوجية “قوامها”.
دورة الحياة التى تمتد إليها العلائق الزوجية قوامها المودة والرحمة – مباشرة أفرادها لمسئولياتهم من خلال التقيد بقواعد الدين وبما يصون كرامتهم.
7- دستور “أسرة: قوامها”.
وفقاً للدستور، الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق – الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة- مساواة المرأة بالرجل فى الميادين المختلفة وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – ينبغى أن تتولاه الدولة.
8- دستور “أسرة”.
الدستور أقام من الدين والأخلاق والوطنية إطاراً للأسرة – مؤكداً طابعها الأصيل.
9- تشريع مقارن “القانون الفرنسي”.
الموظفون العموميون – فى هذا القانون – وبناء على طلبهم – لا يوضعون خارج الجهة التى يعملون بها إلا فى أحوال محددة – منها التحاق الموظف بزوجه المقيم خارج مكان عمله.
10- دستور – “أسرة: وحدتها”.
وحدة الأسرة فى الحدود التى كفلها الدستور يقتضيها أمران:- تماسكهما – توفير المشرع لأفرادها مناخا ملائما.
11- دستور “أسرة: حماية”.
الحماية التى كفلها الدستور للأسرة لا تتحدد بواقعة خضوع الزوجين أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام – من المتعين أن يكون مفهوم الأسرة نائياً بها عما يقوض بنيانها أو يخل بوحدتها.
12- تشريع “المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات”.
ترخص الجهة الإدارية وفقاً لهذه المادة فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها عضو هيئة التدريس لمرافقة زوجه: إخلاله بوحدة الأسرة – إخلاله كذلك بفرص العمل.
13- مبدأ المساواة “الحماية المتكافئة – صور التمييز: قوامها”.
مبدأ المساواة أمام القانون كفل الدستور تطبيقه على المواطنين كافة – هذا المبدأ وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى يشمل تطبيقها الحقوق والحريات المقررة فى الدستور وتلك التى كفها المشرع – صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من تلك الحقوق والحريات.
14- تشريع “النص المشار إليه: بطلانه”.
تبنى هذا النص تمييزاً تحكمياً منهياً عنه دستورياً – بطلانه – الرجوع فى شأن المسائل التى كان ينظمها إلى قانون العاملين المدنيين فى الدولة.
1، 2، 3- إذ أقر المدعى فى مذكرته التى قدمها إلى هذه المحكمة، أنه لا يتوخى بدعواه هذه، غير مجرد الحكم بعدم دستورية نص المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات – المطعون عليها -، ليكون إبطالها مؤدياً بالضرورة – ودون تدخل تشريعى – إلى مساواته بالعاملين المدنيين فى الدولة الذين يمنحون – دون قيد – الإجازة الخاصة التى يطلبها أحد الزوجين لمرافقة الزوج الآخر المرخص بسفره إلى الخارج؛ وكانت العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى من حقيقة دعواه؛ ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها، إذا كانت مجافية فى مبناها، للمعانى التى أراد حملها عليها، وكان الدستور، وإن خول السلطة التشريعية أصلاً اختصاص إقرار النصوص القانونية، باعتبار أن ذلك مما يدخل فى نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها؛ إلا أن إقرار هذه النصوص لا يعصمها من الخضوع للرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستوريتها، “ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمنا، سواء كان إخلالها بها مقصوداً ابتداء، أم كان قد وقع عرضاً”. ولا يعد حق أحد الزوجين فى أن يرافق الزوج الآخر عند سفره للمدة التى يبقاها فى الخارج، أن يكون أثراً مترتباً قانوناً إلى إلغاء السلطة التقديرية التى تباشرها الجهة الإدارية فى شأن منح هذه الإجازة الخاصة أو رفضها. وإذ كان إنكار المدعى لمشروعية مباشرة تلك السلطة، هو مدار دعواه الدستورية وغايتها، فإن القول بانحسار اختصاص المحكمة الدستورية العليا عن الفصل فيها، لا يكون قائماً على سند من القانون.
4- إن المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، تنص على أنه [مع مراعاة حسن سير العمل فى القسم وفى الكلية أو المعهد، يجوز الترخيص لعضو هيئة التدريس فى إجازة خاصة بدون مرتب، لمرافقة الزوج المرخص له فى السفر إلى الخارج لمدة سنة على الأقل. ويكون الترخيص بقرار من رئيس الجامعة بناء على طلب عميد الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص]؛ وكان مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكانت السلطة التقديرية التى خولتها المادة 89 المشار إليها لجهة الإدارة، فى مجال منح الإجازة الخاصة أو رفضها، هى مدار قراراتها المتظلم منها سواء ما صدر منها برفض هذه الإجازة، أو ما نشأ عن هذا الرفض من آثار، ومن بينها عدم عرض أبحاثه العلمية على اللجنة المختصة لبحثها، وإنهاء خدمته، فإن الفصل فى دعواه الموضوعية، يكون متوقفاً على الفصل فى دستورية النص المطعون فيه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية المباشرة.
5- إن الحق فى تكوين الأسرة – واختيار الزوج مدخلها – من الحقوق التى كفلها الدستور على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن هذا الحق وثيق الصلة بالحرية الشخصية، وهى الحرية الأصل التى تهيمن على الحياة بكل أقطارها، ولا تكتمل الشخصية الانسانية فى غيبتها، وهو كذلك من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية، أو تقوض روابطها، أو تعمل بعيداً عنها، أو تتقرر انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تزكيها، وتتعاظم بقيمتها، بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، والزوجان – ومن خلال الأسرة التى كوناها – يمتزجان فى وحدة يرتضيانها، يتكاملان بها، ويتوجان بالوفاء جوهرياً، ليظل نبتها مترامياً على طريق نمائها، وعبر امتداد زمنها، مؤكداً حق الشريكين فيها، فى أن يتخذا من خلالها أدق قراراتها وأوثقها ارتباطاً بمصائرهما، بما يصون لحياتهما الشخصية أعمق أغوارها، فلا يقتحمها المشرع متغولاً على أسرارها وأنبل غاياتها، وإلا كان ذلك عدواناً ينال من الدائرة التى تظهر فيها الحياة العائلية، فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحماً.
والحق فى تكوين الأسرة – محدد على النحو المتقدم – لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها – على امتداد مراحل بقائها – “لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً فى ترابطها أو فى القيم والتقاليد التى تنصهر فيها” وبما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم، وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً، فلا تتفرق الأسرة التى تضمهم جميعاً – وهى الوحدة الأساسية لمجتمعها The Basic Unit of Society – بدداً، ولا يكون التعاون بين أفرادها، هامشياً Marginal أو مرحلياً أو انتقائياً، بل عريضاً وفاعلاً، ليظل اتصالهم ببعض ، كافلاً لدمجهم فى محيطها family Integration وإشرابهم مبادئها وتقاليدها التى لا زال الدين يشكلها فى الأعم من مظاهرها، وعلى الأخص فى مجال اختيار أنماط الحياة التى يتعايش معها أفراد الأسرة الواحدة. ويرتضونها طريقاً لتوجهاتهم بما يصون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها. وكلما كان التنظيم التشريعى لبنيان الأسرة ملتئماً مع الدين والأخلاق والوطنية، نابعاً من ضرورة إسهامها فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية على تباين مستوياتها، فإن قودها لها يكون واقعاً حياً، منبئاً حقاً وعدلاً، عن إطار تقدمى لمجتمعها.
6- إن دورة الحياة Life Cycle التى تمتد إليها العلائق الزوجية، قوامها المودة والرحمة، وجوهرها مباشرة أفرادها لمسئولياتهم إنصافاً، وبوجه خاص من خلال التقيد بجوانبها التى حددتها القواعد الآمرة للدين، أو التى يقتضيها صون كرامتهم الأصلية Innate Dignity أو ضمان أمنهم بيئياً Environmental security أو التمكين من إنماء ملكاتهم Empowerment of potentials وبذلك وحده يكون بنيان الأسرة أو نسيجها، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر.
7- إن دستور جمهورية مصر العربية نص فى المواد 9، 10، 11، 12 على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد – هو ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها – وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة، وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بالتزاماتها التى كفلها الدستور. ومجتمعها مقيد كذلك بضرورة التمكين للقيم المصرية الأصلية، وبصون الأخلاق وحمايتها، بأن يكون للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية – محدد موقعها ودورها على ضوء أعمق مستوياتها وأرفعها شأناً – ورافد لا انقطاع لجريانها.
8- إن الدستور بذلك، أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطاراً للأسرة، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – فى تراثها وتقاليدها ومناحى سلوكها – عن دورها الاجتماعي، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسياً بها. والتزامها بالخلق القويم، لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها فى الحياة. وليس التعبير عن الوطنية – فى محتواها الحق – رنيناً مجرداً من المضمون، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين، وانحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – فى مجموعها – على ما سواها. والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها ، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتاً بئيساً، ولا حريتها نهباً لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقاً بلا قيد ، ولا واجباتها تشهياً بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعى بين آحادها.
9- إن المذكرة الإيضاحية للمادة 69 من قانون العاملين المدنيين فى الدولة، تقرر فى وضوح أن المشرع قد وازن – من خلال بنديها – بين رعاية العامل المتزوج وصيانة الأسرة، وبين حسن سير العمل. وهو ما يعنى أن بندها الأول يعكس مصالح الأسرة، ويكفل وحدتها بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أوصالها، وبعثرة جهودها، وتنازع أفرادها، وعلى الأخص من خلال تفرق أبنائها بين أبوين لا يتواجدان معاً، بما يرتد سلباً على صحتهم النفسية والعقلية والبدنية، ويقلص الفرص الملائمة لتعليمهم، وإعدادهم لحياة لا تكون الأسرة معها بنياناً متهافتاً، أو متهاوياً.
10- إن وحدة الأسرة – فى الحدود التى كفلها الدستور – يقتضيها أمران:
أولهما: أن تماسكها وعدم انفراطها، توكيد لقيمها العليا، وصون لأفرادها، فى ينحرفون طريقاً أو ينفلتون سلوكاً، ليظل تأسيسها على الدين والخلق، إطاراً.
ثانيهما: أن الوطنية التى ينبغى أن تتحلى الأسرة بها، تفقد مقوماتها، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً، يعزز قوة الوطن ولا يضعفها أو ينحيها. ووحدة الأسرة هى الضمان الأولى، والمبدئي، لإشرابهم غريزة القتال والنضال، ليكون لأمتهم هيبتها ومكانتها، فلا تنكص على عقبيها، وجلا أو تفريطاً.
11، 12- إن النص المطعون فيه، يخول الجهة الإدارية التى يتبعها عضو هيئة التدريس، سلطة تقديرية تترخص معها فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها هذا العضو لمرافقة زوجها أو زوجته التى أذن لأيهما بالسفر إلى الخارج؛ وكان منح الجهة الإدارية تلك الإجازة أو منعها، يتم وفقاً لمطلق تقديرها، على ضوء ما يكون متطلباً فى نظرها لحسن سير العمل؛ وكانت الأسرة التى حرص الدستور على صون وحدتها، وأقامها على الدين والخلق والوطنية، هى الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتضامنها وتراحمها واتصال روابطها؛ فإن الحماية التى كفلها الدستور لها، لا تتخذ بالنظر إلى موقعها من البنيان الاجتماعي، ولا بطبيعة عمل أحد الأبوين أو كليهما، ولا بواقعة خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام؛ بل يتعين أن يكون مفهوم الاسرة ومتطلباتها، نائياً بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها، أو يؤول إلى انحرافها، وإلا كان ذلك هدماً لها، وإخلالاً بوحدتها التى ما قصد الدستور صونها لذاتها، بل بوصفها طريقا وحيداً لإرساء مقوماتها على قواعد محددة لا يستقيم أمرها بغيرها.
13- إن الدساتير المصرية جميعها بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جمعيها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين، فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
ولئن نص الدستور فى المادة 40، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك، أمن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي، أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها؛ وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة.
14- إن النص المطعون فيه، قد أفرد هيئة التدريس بالجامعات، بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم مجتمعها بدونها، ومايز بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – بينهم وبين غيرهم من العاملين المدنيين فى الدولة، فإنه بذلك يكون متبنيا تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.


الإجراءات

فى الثانى من ديسمبر 1993 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 89 من القرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 بتنظيم الجامعات، وذلك فيما تضمنته من عدم جعل إجازة مرافقة الزوج المرخص له بالسفر أمراً وجوبياً على جهة الإدارة، وكذلك فيما تضمنته من عدم النص على ألا تقل هذه الإجازة عن مدة بقاء الزوج فى الخارج، وذلك لمخالفتها من هذين الوجهين للمواد 9، 13، 40 من الدستور.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وقد نظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى كان يعمل مدرساً لجراحة العظام بكلية طب شبين الكوم. وقد صدر قرار رئيس جامعة المنوفية رقم 205/ 1988 بمنحه إجازة خاصة بدون مرتب لمدة عام لمرافقة زوجته المتعاقدة بالسعودية. وفى 3/ 9/ 1989 صدر قرار السيد الدكتور رئيس الجامعة رقم 671 لسنة 1989 بتجديد هذه الإجازة لمدة عام ثان اعتباراً من 27/ 1/ 1989 ، على ألا تجاوز الإجازة مدة بقاء زوجته بالخارج.
ونظراً لأن المؤسسة العلاجية التى تعمل فيها زوجته، كانت قد وافقت على تجديد عقد عمل زوجته لمدة ثالثة، فقد طلب تجديد إجازته لمرافقتها، إلا أن جهة عمله رفضت ذلك، ونبهت عليه بضرورة الحضور فوراً لاستلام عمله، فتظلم من قرارها. وإذ لم يتلق رداً فقد أقام الدعوى رقم 5602 لسنة 44 قضائيه، أمام محكمة القضاء الإداري، طالباً الحكم أصلياً بإلغاء قرار رفض تجديد إجازته الخاصة بدون مرتب لمرافقة زوجته التى تعمل بالسعودية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، من بينها إلزام الجامعة بتجديد هذه الإجازة حتى 2/1/1990، واحتياطياً بتحديد أجل لرفع الدعوى بعدم دستورية نص المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972.
وأثناء نظر دعواه الموضوعية، أخطرته جهة عمله، برفضها إحالة أبحاثه العلمية إلى اللجنة العلمية المختصة بفحصها، تمهيداً لترشيحه للترقى لوظيفة أستاذ مساعد، مبررة قرارها هذا بعدم عودته إلى جهة عمله. وقد تظلم من هذا القرار إلى رئيس الجامعة، إلا أن خدمته أنهيت اعتباراً من التاريخ التالى لإنهاء إجازته، مما حمله على أن يضمن دعواه الموضوعية، طلبين إضافيين هما إلغاء قرار رفض عرض أبحاثه على اللجنة المختصة، وكذلك قرار إنهاء خدمته. وبجلسة 27/ 9/ 1993 أعادت محكمة الموضوع دعواه إلى المرافعة، وخولته إقامة دعواه الدستورية للطعن بعدم دستورية المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات فرفعها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الماثلة، بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظرها، تأسيساً على أن ما طلبه المدعى فيها، هو الحكم بعدم دستورية نص المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات، استناداً إلى ما تضمنته من تخويلها الجهة الإدارية حق منح أو رفض الإجازة الخاصة التى يطلبها أحد الزوجين لمرافقة الزوج الآخر المرخص له بالسفر إلى الخارج، وكذلك إغفالها النص على ألا تقل هذه الإجازة عن مدة بقاء الزوج فى الخارج، وهو ما يعنى – فى تقدير هيئة قضايا الدولة – أن تحل المحكمة الدستورية العليا محل السلطة التشريعية فى مجال مباشرتها لولايتها المنصوص عليها فى المادة 86 من الدستور، وذلك من خلال إبدال نص قانونى بغيره، بما يخرج عن اختصاص المحكمة الدستورية العليا.
وحيث إن الدفع بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى الماثلة، مردود أولاً: بأن المدعى أقر فى مذكرته التى قدمها إلى هذه المحكمة، أنه لا يتوخى بدعواه هذه، غير مجرد الحكم بعدم دستورية نص المادة 89 المطعون عليها، ليكون إبطالها مؤدياً بالضرورة – ودون تدخل تشريعى – إلى مساواته بمن يتماثلون معه فى مراكزهم القانونية، وهم العاملون المدنيون فى الدولة الذين يمنحون هذه الإجازة الخاصة دون قيد. أما ما عدا ذلك من طلباته، فليس إلا استطرادا غير دقيق، يتعذر عنه؛ ومردود ثانيا: بأن العبرة دائماً بما قصد إليه المدعى حقيقة من دعواه، ولا اعتداد بالعبارات التى أفرغ طلباته فيها، إذا كانت مجافية فى مبناها، للمعانى التى أراد حملها عليها. ولم يقصد المشرع بدعواه الدستورية، غير مجرد إبطال المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 الصادر بشأن تنظيم الجامعات، لتحيلها المحكمة الدستورية العليا عدما بعد تجريدها من قوة نفاذها منذ إقرارها، وهو ما يدخل فى ولايتها؛ ومردود ثالثا: بأن الدستور، وإن خول السلطة التشريعية أصلاً اختصاص إقرار النصوص القانونية، باعتبار أن ذلك مما يدخل فى نطاق الدائرة الطبيعية لنشاطها، إلا أن إقرار هذه النصوص لا يعصمها من الخضوع للرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستوريتها، وهى رقابة غايتها ابطال ما يكون منها مخالفا للدستور، “ولو كان ذلك من زاوية الحقوق التى أهدرتها ضمناً، سواء كان إخلالها بها مقصوداً ابتداء، أم كان قد وقع عرضاً”؛ ومردود رابعا: بأن حق أحد الزوجين فى أن يرافق الزوج الآخر عند سفره للمدة التى يبقاها فى الخارج، ولا يعدو أن يكون أثراً مترتباً قانوناً إلى إلغاء السلطة التقديرية التى تباشرها الجهة الإدارية فى شأن منح هذه الإجازة الخاصة أو رفضها. وإذ كان إنكار المدعى لمشروعية مباشرة تلك السلطة، هو مدار دعواه الدستورية وغايتها، فإن القول بانحسار اختصاص المحكمة الدستورية العليا عن الفصل فيها، لا يكون قائماً على سند من القانون.
وحيث إن المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، تنص على أنه [مع مراعاة حسن سير العمل فى القسم وفى الكلية أو المعهد، يجوز الترخيص لعضو هيئة التدريس فى إجازة خاصة بدون مرتب، لمرافقة الزوج المرخص له فى السفر إلى الخارج لمدة سنة على الأقل. ويكون الترخيص بقرار من رئيس الجامعة بناء على طلب عميد الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص].
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية، لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكانت السلطة التقديرية التى خولتها المادة 89 المشار إليها لجهة الإدارة، فى مجال منح الإجازة الخاصة أو رفضها، هى مدار قراراتها المتظلم منها سواء ما صدر منها برفض هذه الإجازة، أو ما نشأ عن هذا الرفض من آثار، ومن بينها عدم عرض أبحاثه العلمية على اللجنة المختصة لبحثها، وإنهاء خدمته، فإن الفصل فى دعواه الموضوعية، يكون متوقفاً على الفصل فى دستورية النص المطعون فيه، وهو ما تقوم به مصلحته الشخصية المباشرة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، أنه يثير بالضرورة الحماية التى كفلها الدستور للأسرة المصرية، وهى حماية لا تمييز فيها بين الأسر بعضها البعض بالنظر إلى تماثل مركزها القانوني، ولأنها جميعاً أساس بنيان مجتمعها، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وقد ظل طابعها الأصيل – بما يقوم عليه من قيم وتقاليد – مرعياً. ولكن النص المطعون فيه أخل بذلك، مهدراً أيضاً الحق فى العمل، ومناقضاً بالتالى أحكام المواد 9 و13 و40 من الدستور.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة – واختيار الزوج مدخلها – من الحقوق التى كفلها الدستور على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، ذلك أن هذا الحق وثيق الصلة بالحرية الشخصية، وهى الحرية الأصل التى تهيمن على الحياة بكل أقطارها، ولا تكتمل الشخصية الإنسانية فى غيبتها، وهو كذلك من الحقوق الشخصية التى لا تتجاهل القيم الدينية، أو تقوض روابطها، أو تعمل بعيداً عنها، أو تتقرر انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة التى يعيش الفرد فى كنفها، بل تزكيها، وتتعاظم بقيمتها، بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ذلك أن الزوجين – ومن خلال الأسرة التى كوناها – يمتزجان فى وحدة يرتضيانها، يتكاملان بها، ويتوجان بالوفاء جوهرياً، ليظل نبتها مترامياً على طريق نمائها، وعبر امتداد زمنها، مؤكداً حق الشريكين فيها، فى أن يتخذا من خلالها أدق قراراتها وأوثقها ارتباطاً بمصائرهما، بما يصون لحياتهما الشخصية أعمق أغوارها، فلا يقتحمها المشرع متغولاً على أسرارها وأنبل غاياتها، وإلا كان ذلك عدواناً ينال من الدائرة التى تظهر فيها الحياة العائلية، فى صورتها الأكثر تآلفاً وتراحماً.
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة – محدد على النحو المتقدم – لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها – على امتداد مراحل بقائها – “لتأمينها مما يخل بوحدتها، أو يؤثر سلباً فى ترابطها أو فى القيم والتقاليد التى تنصهر فيها” وبما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم، وتحمل مسئولياتهم صحياً وتعليمياً وتربوياً، فلا تتفرق الأسرة التى تضمهم جميعاً – وهى الوحدة الأساسية لمجتمعها The Basic Unit of Society – بدداً، ولا يكون التعاون بين أفرادها، هامشياً Marginal أو مرحلياً أو انتقائياً، بل عريضاً وفاعلاً، ليظل اتصالهم ببعض ، كافلاً لدمجهم فى محيطها family Integration وإشرابهم مبادئها وتقاليدها التى لا زال الدين يشكلها فى الأعم من مظاهرها، وعلى الأخص فى مجال اختيار أنماط الحياة التى يتعايش معها أفراد الأسرة الواحده. ويرتضونها طريقاً لتوجهاتهم بما يصون أعراضهم وعقولهم وأموالهم وأبدانهم وعقيدتهم مما ينال منها أو يقوضها. وكلما كان التنظيم التشريعى لبنيان الأسرة ملتئماً مع الدين والأخلاق والوطنية، نابعاً من ضرورة إسهامها فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية على تباين مستوياتها، فإن قودها لها يكون واقعاً حياً، منبئاً حقاً وعدلاً، عن إطار تقدمى لمجتمعها.
وحيث إن دورة الحياة Life Cycle التى تمتد إليها العلائق الزوجية، قوامها المودة والرحمة، وجوهرها مباشرة أفرادها لمسئولياتهم إنصافاً، وبوجه خاص من خلال التقيد بجوانبها التى حددتها القواعد الآمرة للدين، أو التى يقتضيها صون كرامتهم الأصلية Innate Dignity أو ضمان أمنهم بيئياً Environmental security أو التمكين من إنماء ملكاتهم Empowerment of potentials وبذلك وحده يكون بنيان الأسرة أو نسيجها، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر.
وحيث إن دستور جمهورية مصر العربية نص فى المواد 9 و10 و11 و12 على أن الأسرة أساس المجتمع، وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية – وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد – هو ما ينبغى الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، وأن مساواة المرأة بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك التوفيق بين عملها فى مجتمعها، وواجباتها فى نطاق أسرتها – وبما لا إخلال فيه بأحكام الشريعة الإسلامية – هو ما ينبغى أن تتولاه الدولة، وتنهض عليه، باعتباره واقعاً فى نطاق مسئوليتها، مشمولاً بالتزاماتها التى كفلها الدستور. ومجتمعها مقيد كذلك بضرورة التمكين للقيم المصرية الأصلية، وبصون الأخلاق وحمايتها، بأن يكون للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية – محدد موقعها ودورها على ضوء أعمق مستوياتها وأرفعها شأناً – ورافد لا انقطاع لجريانها.
وحيث إن الدستور بذلك، أقام من الدين والأخلاق والوطنية – بمثلها وفضائلها ومكارمها – إطاراً للأسرة ، يؤكد طابعها الأصيل، ويعكس ملامحها، فلا تنفصل – فى تراثها وتقاليدها ومناحى سلوكها – عن دورها الاجتماعي، ولا تتراجع عن القيم العليا للدين، بل تنهل منها تأسياً بها. والتزامها بالخلق القويم، لا ينعزل عن وجدانها، بل يمتد لأعماقها ويحيطها ليهيمن على طرائقها فى الحياة. وليس التعبير عن الوطنية – فى محتواها الحق – رنيناً مجرداً من المضمون، بل انتماء مطلقاً لآمال المواطنين، وانحيازاً صارماً لطموحاتهم يقدم مصالحهم – فى مجموعها – على ما سواها. والأسرة بذلك لا تقوم على التباغض أو التناحر، سواء بالنظر إلى خصائصها أو توجهاتها ، ولكنها تحمل من القوة أسبابها، فلا تكون حركتها انفلاتاً بئيساً، ولا حريتها نهباً لقهر أو طغيان، ولا حقوقها انطلاقاً بلا قيد، ولا واجباتها تشهياً بهواها، بل يُظلها حياؤها وآدابها، تعصمها صلابة الضمير، ويتوج ائتلافها بنيان من الفضائل، يرعى التكافل الاجتماعى بين آحادها.
وحيث إن البين من المادة 69 من قانون العاملين المدنيين فى الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، أن المشرع صاغها من بندين، يجرد أولهما الجهة الإدارية من سطلتها التقديرية فى شأن منح الإجازة الخاصة التى ينظمها، ضماناً لوحدة الأسرة، والتزاماً بقيمها وتقاليدها، وتنظيماً لشئونها بما يوفق بين عمل المرأة وواجباتها قبل أسرتها. ويمنح ثانيهما هذا الاختصاص لتلك الجهة، فى شأن الإجازة التى يطلبها العامل فى غير الأحوال التى يحكمها البند الأول من تلك المادة التى جرى نصها كالآتي:
[1- يمنح الزوج أو الزوجة إذا سافر أحدهما إلى الخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل، إجازة بدون مرتب. ولا يجوز أن تجاوز هذه الإجازة مدة بقاء الزوج فى الخارج . ويسرى هذا الحكم سواء كان الزوج المسافر من العاملين فى الحكومة . أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص. ويتعين على الجهة الإدارية أن تستجيب لطلب الزوج أو الزوجة فى جميع الأحوال.
2- يجوز للسلطة المختصة منح العامل إجازة بدون مرتب للأسباب التى يبديها العامل وتقدرها السلطة المختصة ووفقاً للقواعد التى تتبعها].
وحيث إن المذكرة الإيضاحية للمادة 69 المشار إليها، تقرير فى وضوح أن المشرع قد وازن – من خلال بنديها – بين رعاية العامل المتزوج وصيانة الأسرة، وبين حسن سير العمل. وهو ما يعنى أن بندها الأول يعكس مصالح الأسرة، ويكفل وحدتها ، بما يحول دون تشتيتها أو تمزيق أوصالها، وبعثرة جهودها، وتنازع أفرادها، وعلى الأخص من خلال تفرق أبنائها بين أبوين لا يتواجدان معاً، بما يرتد سلباً على صحتهم النفسية والعقلية والبدنية، ويقلص الفرص الملائمة لتعليمهم، وإعدادهم لحياة لا تكون الأسرة معها بنياناً متهافتاً، أو متهاوياً.
وهذا الاتجاه، هو ما يدل عليه التنظيم القائم بفرنسا، ذلك أن المادة 47 من مرسومها رقم 85 – 986 الصادر فى 16/ 9/ 1985 – تقرر ما يأتى:

La mise en disponibilité est accoedée est accoedée de droit au fonctionnaire، sur sa demande:
a) pour donner des soins au conjoint، à un enfant ou un ascendant à la suite d’une accident ou d’une maladie gravs.
b) ……………….
c) pour suivre son conjoint lorsque celui-ci est astreint á etablir sa residence habituelle، à raison de sa profession، en un lieu éoigné du lieu d’exercice des functions du fonctionnaire.

وهى بذلك تدل على أن الموظفين العامين – وبناء على طلبهم – لا يوضعون بقوة القانون خارج الجهة التى يعملون بها، مع بقائهم تحت تصرفها le mise en disponibilité إلا فى أحوال محددة، من بينها أن يكون هذا الإجراء لازماً لتقديم الرعاية لزوج أصيب فى حادثة جسيمة أو بمرض خطير، أو ليلحق الموظف العام بزوج – اضطر بسبب مهنته – لأن يقيم على وجه الاعتياد بعيداً عن مكان مباشرة المهام الوظيفية.
وحيث إن وحدة الأسرة – فى الحدود التى كفلها الدستور – يقتضيها أمران:
أولهما: أن تماسكها وعدم انفراطها، توكيد لقيمها العليا، وصون لأفرادها، فلا ينحرفون طريقاً أو ينفلتون سلوكاً، ليظل تأسيسها على الدين والخلق، إطاراً.
ثانيهما: أن الوطنية التى ينبغى أن تتحلى الأسرة بها، تفقد مقوماتها، إذا لم يوفر المشرع لأفرادها مناخاً ملائماً، يعزز قوة الوطن ولا يضعفها أو ينحيها. ووحدة الأسرة هى الضمان الأولى، والمبدئي، لإشرابهم غريزة القتال والنضال، ليكون لأمتهم هيبتها ومكانتها، فلا تنكص على عقبيها، وجلا أو تفريطاً.
وحيث إن النص المطعون فيه، يخول الجهة الإدارية التى يتبعها عضو هيئة التدريس، سلطة تقديرية تترخص معها فى منح الإجازة الخاصة التى يطلبها هذا العضو لمرافقة زوجها أو زوجته التى أذن لأيهما بالسفر إلى الخارج؛ وكان منح الجهة الإدارية تلك الإجازة أو منعها، يتم وفقاً لمطلق تقديرها، على ضوء ما يكون متطلباً فى نظرها لحسن سير العمل؛ وكانت الأسرة التى حرص الدستور على صون وحدتها، وأقامها على الدين والخلق والوطنية، هى الأسرة المصرية بأعرافها وتقاليدها وتضامنها وتراحمها واتصال روابطها؛ فإن الحماية التى كفلها الدستور لها، لا تتخذ بالنظر إلى موقعها من البنيان الاجتماعي، ولا بطبيعة عمل أحد الأبوين أو كليهما، ولا بواقعة خضوعهما أو أحدهما لتنظيم وظيفى خاص أو عام؛ بل يتعين أن يكون مفهوم الأسرة ومتطلباتها، نائياً بها عما يقوض بنيانها، أو يضعفها، أو يؤول إلى انحرافها، وإلا كان ذلك هدماً لها، وإخلالاً بوحدتها التى ما قصد الدستور صونها لذاتها، بل بوصفها طريقا وحيداً لإرساء مقوماتها على قواعد محددة لا يستقيم أمرها بغيرها.
وحيث إن النص المتقدم، يخل كذلك بفرص العمل، وبحرية إجراء البحوث العلمية التى تتهيأ فى الخارج لأحد الزوجين وفقا للنظم المعمول بها فى جمهورية مصر العربية، ذلك أن الجهة الإدارية، هى التى توفر بنفسها إمكان الانتفاع بهذه الفرص أو مباشرة تلك الحرية، من خلال تراخيص السفر التى تمنحها للعاملين فيها. ولا يسوغ من بعد، أن تخل بوحدة الأسرة وترابطها، من خلال منعها أحد الزوجين من اللحاق بالآخر، ليكون انفصالهما فارقاً لبنيان الأسرة، نافيا تلاحمها، مقيما شريعتها على غير الحق والعدل.
وحيث إن الدساتير المصرية جميعها، بدءاً بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جمعيها مبدأ المساواة أمام القانون، وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها.
وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك، إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين، فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام.
ولئن نص الدستور فى المادة 40، على حظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بينتها، هى تلك التى يقوم التمييز فيها على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن إيراد الدستور لصور بذاتها يكون التمييز محظوراً فيها، مرده أنها الأكثر شيوعاً فى الحياة العملية، ولا يدل البتة على انحصاره فيها. إذ لو صح ذلك لكان التمييز بين المواطنين فيما عداها جائزاً دستورياً، وهو ما يناقض المساواة التى كفلها الدستور، ويحول دون إرساء أسسها وبلوغ غاياتها. وآية ذلك، أن من صور التمييز التى أغفلتها المادة 40 من الدستور، ما لا تقل عن غيرها خطراً سواء من ناحية محتواها، أو من جهة الآثار التى ترتبها، كالتمييز بين المواطنين فى نطاق الحقوق التى يتمتعون بها، أو الحريات التى يمارسونها، لاعتبار مرده إلى مولدهم، أو مركزهم الاجتماعي، أو انتمائهم الطبقي، أو ميولهم الحزبية، أو نزعاتهم العرقية، أو عصبيتهم القبلية، أو إلى موقفهم من السلطة العامة، أو إعراضهم عن تنظيماتها، أو تبنيهم لأعمال بذاتها، وغير ذلك من أشكال التمييز التى لا تظاهرها أسس موضوعية تقيمها؛ وكان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة.
وحيث إن النص المطعون فيه، قد أفرد هيئة التدريس بالجامعات، بتنظيم خاص ينال من وحدة الأسرة وترابطها، ويخل بالأسس التى تقوم عليها، وبالركائز التى لا يستقيم مجتمعها بدونها، ومايز بذلك – وعلى غير أسس موضوعية – بينهم وبين غيرهم من العاملين المدنيين فى الدولة، فإنه بذلك يكون متبنيا تمييزاً تحكمياً، منهياً عنه بنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون النص المطعون فيه وقع فى حمأة مخالفة أحكام المواد 9 و10 و11 و12 و13 و40 و49 من الدستور.
وحيث إن الحكم ببطلان النص المطعون فيه – على ما تقدم، يعنى الرجوع فى شأن المسائل التى كان ينظمها، إلى القواعد المقررة بصددها فى قانون العاملين المدنيين بالدولة.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 89 من قرار رئيس الجمهورية رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، والزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

xosotin chelseathông tin chuyển nhượngcâu lạc bộ bóng đá arsenalbóng đá atalantabundesligacầu thủ haalandUEFAevertonxosokeonhacaiketquabongdalichthidau7m.newskqbdtysokeobongdabongdalufutebol ao vivofutemaxmulticanaisonbethttps://bsport.fithttps://onbet88.ooohttps://i9bet.bizhttps://hi88.ooohttps://okvip.athttps://f8bet.athttps://fb88.cashhttps://vn88.cashhttps://shbet.atbóng đá world cupbóng đá inter milantin juventusbenzemala ligaclb leicester cityMUman citymessi lionelsalahnapolineymarpsgronaldoserie atottenhamvalenciaAS ROMALeverkusenac milanmbappenapolinewcastleaston villaliverpoolfa cupreal madridpremier leagueAjaxbao bong da247EPLbarcelonabournemouthaff cupasean footballbên lề sân cỏbáo bóng đá mớibóng đá cúp thế giớitin bóng đá ViệtUEFAbáo bóng đá việt namHuyền thoại bóng đágiải ngoại hạng anhSeagametap chi bong da the gioitin bong da lutrận đấu hôm nayviệt nam bóng đátin nong bong daBóng đá nữthể thao 7m24h bóng đábóng đá hôm naythe thao ngoai hang anhtin nhanh bóng đáphòng thay đồ bóng đábóng đá phủikèo nhà cái onbetbóng đá lu 2thông tin phòng thay đồthe thao vuaapp đánh lô đềdudoanxosoxổ số giải đặc biệthôm nay xổ sốkèo đẹp hôm nayketquaxosokq xskqxsmnsoi cầu ba miềnsoi cau thong kesxkt hôm naythế giới xổ sốxổ số 24hxo.soxoso3mienxo so ba mienxoso dac bietxosodientoanxổ số dự đoánvé số chiều xổxoso ket quaxosokienthietxoso kq hôm nayxoso ktxổ số megaxổ số mới nhất hôm nayxoso truc tiepxoso ViệtSX3MIENxs dự đoánxs mien bac hom nayxs miên namxsmientrungxsmn thu 7con số may mắn hôm nayKQXS 3 miền Bắc Trung Nam Nhanhdự đoán xổ số 3 miềndò vé sốdu doan xo so hom nayket qua xo xoket qua xo so.vntrúng thưởng xo sokq xoso trực tiếpket qua xskqxs 247số miền nams0x0 mienbacxosobamien hôm naysố đẹp hôm naysố đẹp trực tuyếnnuôi số đẹpxo so hom quaxoso ketquaxstruc tiep hom nayxổ số kiến thiết trực tiếpxổ số kq hôm nayso xo kq trực tuyenkết quả xổ số miền bắc trực tiếpxo so miền namxổ số miền nam trực tiếptrực tiếp xổ số hôm nayket wa xsKQ XOSOxoso onlinexo so truc tiep hom nayxsttso mien bac trong ngàyKQXS3Msố so mien bacdu doan xo so onlinedu doan cau loxổ số kenokqxs vnKQXOSOKQXS hôm naytrực tiếp kết quả xổ số ba miềncap lo dep nhat hom naysoi cầu chuẩn hôm nayso ket qua xo soXem kết quả xổ số nhanh nhấtSX3MIENXSMB chủ nhậtKQXSMNkết quả mở giải trực tuyếnGiờ vàng chốt số OnlineĐánh Đề Con Gìdò số miền namdò vé số hôm nayso mo so debach thủ lô đẹp nhất hôm naycầu đề hôm naykết quả xổ số kiến thiết toàn quốccau dep 88xsmb rong bach kimket qua xs 2023dự đoán xổ số hàng ngàyBạch thủ đề miền BắcSoi Cầu MB thần tàisoi cau vip 247soi cầu tốtsoi cầu miễn phísoi cau mb vipxsmb hom nayxs vietlottxsmn hôm naycầu lô đẹpthống kê lô kép xổ số miền Bắcquay thử xsmnxổ số thần tàiQuay thử XSMTxổ số chiều nayxo so mien nam hom nayweb đánh lô đề trực tuyến uy tínKQXS hôm nayxsmb ngày hôm nayXSMT chủ nhậtxổ số Power 6/55KQXS A trúng roycao thủ chốt sốbảng xổ số đặc biệtsoi cầu 247 vipsoi cầu wap 666Soi cầu miễn phí 888 VIPSoi Cau Chuan MBđộc thủ desố miền bắcthần tài cho sốKết quả xổ số thần tàiXem trực tiếp xổ sốXIN SỐ THẦN TÀI THỔ ĐỊACầu lô số đẹplô đẹp vip 24hsoi cầu miễn phí 888xổ số kiến thiết chiều nayXSMN thứ 7 hàng tuầnKết quả Xổ số Hồ Chí Minhnhà cái xổ số Việt NamXổ Số Đại PhátXổ số mới nhất Hôm Nayso xo mb hom nayxxmb88quay thu mbXo so Minh ChinhXS Minh Ngọc trực tiếp hôm nayXSMN 88XSTDxs than taixổ số UY TIN NHẤTxs vietlott 88SOI CẦU SIÊU CHUẨNSoiCauVietlô đẹp hôm nay vipket qua so xo hom naykqxsmb 30 ngàydự đoán xổ số 3 miềnSoi cầu 3 càng chuẩn xácbạch thủ lônuoi lo chuanbắt lô chuẩn theo ngàykq xo-solô 3 càngnuôi lô đề siêu vipcầu Lô Xiên XSMBđề về bao nhiêuSoi cầu x3xổ số kiến thiết ngày hôm nayquay thử xsmttruc tiep kết quả sxmntrực tiếp miền bắckết quả xổ số chấm vnbảng xs đặc biệt năm 2023soi cau xsmbxổ số hà nội hôm naysxmtxsmt hôm nayxs truc tiep mbketqua xo so onlinekqxs onlinexo số hôm nayXS3MTin xs hôm nayxsmn thu2XSMN hom nayxổ số miền bắc trực tiếp hôm naySO XOxsmbsxmn hôm nay188betlink188 xo sosoi cầu vip 88lô tô việtsoi lô việtXS247xs ba miềnchốt lô đẹp nhất hôm naychốt số xsmbCHƠI LÔ TÔsoi cau mn hom naychốt lô chuẩndu doan sxmtdự đoán xổ số onlinerồng bạch kim chốt 3 càng miễn phí hôm naythống kê lô gan miền bắcdàn đề lôCầu Kèo Đặc Biệtchốt cầu may mắnkết quả xổ số miền bắc hômSoi cầu vàng 777thẻ bài onlinedu doan mn 888soi cầu miền nam vipsoi cầu mt vipdàn de hôm nay7 cao thủ chốt sốsoi cau mien phi 7777 cao thủ chốt số nức tiếng3 càng miền bắcrồng bạch kim 777dàn de bất bạion newsddxsmn188betw88w88789bettf88sin88suvipsunwintf88five8812betsv88vn88Top 10 nhà cái uy tínsky88iwinlucky88nhacaisin88oxbetm88vn88w88789betiwinf8betrio66rio66lucky88oxbetvn88188bet789betMay-88five88one88sin88bk88xbetoxbetMU88188BETSV88RIO66ONBET88188betM88M88SV88Jun-68Jun-88one88iwinv9betw388OXBETw388w388onbetonbetonbetonbet88onbet88onbet88onbet88onbetonbetonbetonbetqh88mu88Nhà cái uy tínpog79vp777vp777vipbetvipbetuk88uk88typhu88typhu88tk88tk88sm66sm66me88me888live8live8livesm66me88win798livesm66me88win79pog79pog79vp777vp777uk88uk88tk88tk88luck8luck8kingbet86kingbet86k188k188hr99hr99123b8xbetvnvipbetsv66zbettaisunwin-vntyphu88vn138vwinvwinvi68ee881xbetrio66zbetvn138i9betvipfi88clubcf68onbet88ee88typhu88onbetonbetkhuyenmai12bet-moblie12betmoblietaimienphi247vi68clupcf68clupvipbeti9betqh88onb123onbefsoi cầunổ hũbắn cáđá gàđá gàgame bàicasinosoi cầuxóc đĩagame bàigiải mã giấc mơbầu cuaslot gamecasinonổ hủdàn đềBắn cácasinodàn đềnổ hũtài xỉuslot gamecasinobắn cáđá gàgame bàithể thaogame bàisoi cầukqsssoi cầucờ tướngbắn cágame bàixóc đĩa开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育乐鱼体育亚新体育亚新体育亚新体育爱游戏爱游戏爱游戏华体会华体会华体会IM体育IM体育沙巴体育沙巴体育PM体育PM体育AG尊龙AG尊龙AG尊龙AG百家乐AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人<AG真人<皇冠体育皇冠体育PG电子PG电子万博体育万博体育KOK体育KOK体育欧宝体育江南体育江南体育江南体育半岛体育半岛体育半岛体育凯发娱乐凯发娱乐杏彩体育杏彩体育杏彩体育FB体育PM真人PM真人<米乐娱乐米乐娱乐天博体育天博体育开元棋牌开元棋牌j9九游会j9九游会开云体育AG百家乐AG百家乐AG真人AG真人爱游戏华体会华体会im体育kok体育开云体育开云体育开云体育乐鱼体育乐鱼体育欧宝体育ob体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育亚博体育开云体育开云体育棋牌棋牌沙巴体育买球平台新葡京娱乐开云体育mu88qh88