الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الثانى من يونيه سنة 2013م، الموافق الثالث والعشرين شهر رجب سنة 1434هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيرى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف وسعيد مرعى عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 17 لسنة 15 قضائية ” دستورية “.
المقامة من
السيد/ محمد أحمد عبد السلام
ضـد
1 – السيد النائب العام.
2 – السيد رئيس مجلس القضاء.
3 – السيد وزير الداخلية.
الإجراءات
بتاريخ العشرين من أبريل سنة 1993، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، بطلب الحكم بعدم دستورية نص البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت فيهما: أولاً وأصليًا: عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى فيها، وثانيًا واحتياطيًا: رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة أسندت إلى المدعى فى الدعوى الدستورية الماثلة، أنه: أولاً: وضع وآخرون بالغون عمدًا نارًا فى الحوانيت المملوكة للمجنى عليهم المبينة أسماؤهم بالأوراق. ثانيًا: وضع وآخرون بالغون عمدًا نارًا فى مبنى كنيسة مارى جرجس. ثالثًا: خرّب وآخرون بالغون مبانى معدة لإقامة شعائر دينية _ كنيسة مارى جرجس ). وقد قيدت الأوراق برقم 12441 لسنة 1991 جنايات الرمل – الإسكندرية، ونظرًا لكون المدعى حدثًا، فقد أحيل إلى محكمة أحداث الإسكندرية بالجناية رقم 350 لسنة 1992، وبجلسة 29/ 11/ 1992 دفع الحاضر عن المدعى بعد دستورية البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن الطوارئ. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 بتعديل بعض النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين فى القوانين القائمة تنص على أن: ” لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص:
(1) وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والمرور فى أماكن وأوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم او الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. 2 – ……. 3 – …….4 – ……..5 – ……..6……”، كما تنص المادة (17) من القرار بقانون ذاته على أن: ” لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه فى اختصاصاته المنصوص عليها فى هذا القانون كلها أو بعضها وفى كل أراضى الجمهورية أو فى منطقة أو مناطق معينة منها “.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، تخويله رئيس الجمهورية ومن بعده وزير الداخلية – وكليهما ليس من أعضاء السلطة القضائية – مكنة اعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، بما يخالف المادة رقم (44) من دستور عام 1971، المقابلة للمادة رقم (39) من الدستور الحالى، والتى قررت حرمة المساكن وحظرت دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقًا للقانون.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، لانتفاء المصلحة، على سند من انتفاء مجال إعمال النص المطعون فيه فى القضية رقم 350 لسنة 1992 جنايات أحداث، المتهم فيها المدعى فى الدعوى الدستورية، لأن ما قام به مأمور الضبط القضائى تنفيذًا لأمر وزير الداخلية لم يكن تفتيشًا لمسكن المدعى، وإنما كان دخولاً للمسكن بقصد القبض عليه، بناء على أمر اعتقال، دون أن ينعى عليه المدعى بمخالفة الدستور، فضلاً عن أن اعتراف المدعى فى الدعوى الموضوعية لم يك وليد التفتيش، فإذا ما قضى ببطلان ذلك التفتيش، فلن يترتب بطلان الاعتراف لاستقلاله عنه، ومن ثم لا تكون للمدعى مصلحة فى دعواه الماثلة.
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أنه من المقرر أن المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، بما مؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ألحق بهم النص المطعون فيه، ضررًا مباشرًا، سواء أكان هذا الضرر وشيكًا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دومًا أن يكون الضرر المدعى به، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، عائدًا فى مصدره إلى النص المطعون فيه، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية المناسبة. متى كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أنه تم القبض على المدعى واعتقاله وتفتيشه وتفتيش مسكنه، فإنه تتوافر للمدعى مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على ما تضمنه النص المطعون فيه من مكنة القبض على الأشخاص واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والمساكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، ويكون الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة قد ورد على غير سند.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، لبيان مدى تطابقها مع القواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ تستهدف هذه الرقابة أصلاً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. وبالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر فى 25/ 12/ 2012.
وحيث إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد حق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانونى للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التى يتعين على الدولة التزامها فى تشريعاتها. وهذه القواعد والأصول هى التى يُرد إليها الأمر فى تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذى يقضى بانحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق وطبيعة وظيفتها . وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد، فلا يجوز لأى من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها، أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع – متى انصبت على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة، قد حرصت جميعها منذ دستور سنة 1923، على تقرير الحقوق والحريات العامة فى صلبها، قصدًا من المشرع الدستورى على أن يكون النص عليها فى الدستور قيدًا على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام، وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيًا فإذا خالف أحد التشريعات هذا الضمان الدستورى، بأن قيد حرية أو حقًا ورد فى الدستور مطلقًا، أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًا، وقع هذا التشريع مشوبًا بعيب مخالفة الدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قانون الطوارئ هو محض نظام استثنائى قصد به دعم السلطة التنفيذية وتزويدها بمكنات معينة، تحد بها من الحقوق والحريات العامة، بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومى للبلاد، – وتبعًا لذلك – لا يجوز التوسع فى تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه، ويجب على السلطة التى حددها قانون الطوارئ – وتتمثل فى رئيس الجمهورية أو من ينيبه – أن تتقيد بالغاية المحددة من قانون الطوارئ وبما لا يخرج عن الوسائل التى تتفق مع أحكام الدستور، وذلك عند اتخاذ أى من التدابير المنصوص عليها فى المادة (3) من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958، وإلا وقع ما اتخذته فى حومة مخالفة الدستور.
وحيث إن من المقرر أن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل فى إطار الوحدة العضوية التى تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، مما يجعل منها نسيجًا متآلفًا متماسكًا، ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها يفترض العمل بها فى مجموعها. وإذ كان الدستور قد نص فى ديباجته على خضوع الدولة للقانون، دالاً بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها وايًا كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلوها، وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ومن ثم فقد أضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترنًا بمبدأ مشروعية السلطة هو الأساس الذى تقوم عليه الدولة القانونية. متى كان ذلك، وكان الدستور ينص فى المادة (74) منه على أن: ” سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة “، وينص فى المادة (148) على أن: ” يُعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى الحكومة، حالة الطوارئ على النحو الذى ينظمه القانون….. “، ومن ثم فإن القانون المنظم لحالة الطوارئ، يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعى، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، إذ أن صدور قانون الطوارئ بناء على نص فى الدستور لا يعنى ترخص هذا القانون فى تجاوز باقى نصوصه، وإذ كانت المادة (34) من الدستور تنص على أن: ” الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس”، كما تنص المادة (35) من الدستور على أن: ” فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولاتقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق “، كما تنص المادة (39) منه على أن: ” للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر والاستغاثة، لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتهاإلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبأمر قضائى مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض……. “، وتبعًا لذلك فإن النص فى البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 على الترخيص فى القبض على الأشخاص والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون إذن قضائى مسبب يكون قد أهدر حريات المواطنين الشخصية واعتدى على حرية مساكنهم مما يشكل خرقًا لمبدأ سيادة القانون الذى يُعد أساس الحكم فى الدولة.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، القول بأن قانون الطوارئ إنما يعالج أوضاعًا استثنائية متعلقة بمواجهة نذر خطيرة تتهدد معها المصالح القومية بما قد ينال من استقرار الدولة أو تعرض أمنها وسلامتها لمخاطر داهمة، وأن حالة الطوارئ بالنظر إلى مدتها وطبيعة المخاطر المرتبطة بها لا تلائمها أحيانًا التدابير التى تتخذها الدولة فى الأوضاع المعتادة، ذلك أنه لا يجوز أن يتخذ قانون الطوارئ الذى رخص به الدستور ذريعة لإهدار أحكامه ومخالفتها وإطلاقه من عقالها، إذ إن قانون الطوارئ – وأيًا كانت مبرراته – يظل على طبيعته كعمل تشريعى يتعين أن يلتزم بأحكام الدستور كافة، وفى مقدمتها صون حقوق وحريات المواطنين.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن ما ورد بنص البند (1) من المادة (3) من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 من الترخيص بالقبض والاعتقال وبتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، يخالف أحكام المواد (34، 35، 39، 81) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه البند (1) من المادة رقم (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 من تخويل رئيس الجمهورية الترخيص بالقبض والاعتقال، وبتفتيش، الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية