الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من نوفمبر سنة 2014م، الموافق الخامس عشر من المحرم سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور/ عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 196 لسنة 35 قضائية “دستورية”.
بعد أن أحالت محكمة جنايات بحكمها الصادر بجلسة 11/11/2013 فى الجناية المقيدة برقم 18006 لسنة 2012 إيتاى البارود والمقيدة برقم 339 لسنة 2012، كلى جنوب دمنهور.
المقامة من
النيابة العامة.
ضـد
1- السيد/ صبرى عوض أبو شادى.
2- السيد/عوض صبرى عوض أبو شادى.
الإجراءات
بتاريخ 24 ديسمبر 2013، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الجناية رقم 18006 لسنة 2012 إيتاى البارود، والمقيدة برقم 339 لسنة 2012 كلى جنوب دمنهور، بعد أن قضت محكمة جنايات دمنهور “الدائرة الرابعة الجزئية” بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر بعد استبدالها بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًا، بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة، كانت قد اتهمت 1- صبرى عوض أبو شادى 2- عوض صبرى عوض أبو شادى فى الجناية رقم 18006 لسنة 2012 إيتاى البارود بأنهما فى يوم 10/5/2012، بدائرة مركز إيتاى البارود، محافظة البحيرة: ( أ ) حازا سلاحًا ناريًا مششخنًا (بندقية آلية) مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه. (ب) حازا ذخائر مما تستعمل فى السلاح النارى محل الاتهام الأول وهو ما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه.(ج) قاما بأنفسهما باستعراض القوى والتلويح بالعنف والتهديد واستخدامه ضد المجنى عليه/ محمود عبد الحميد عبد الفتاح وذلك بقصد ترويعه والتأثير فى إرادته لفرض السطوة عليه، وكان من شأن ذلك الفعل والتهديد إلقاء الرعب فى نفسه، كما أسندت النيابة العامة إلى المتهم الأول أيضًا أنه: ضرب المجنى عليه/ محمود عبد الحميد عبد الفتاح عمدًا فأحدث به إصابته الموصوفة بالتقرير الطبى المرفق بالأوراق والتى أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد على العشرين يومًا وكان ذلك باستخدام أداة (دبشك السلاح النارى محل الاتهام الأول). وطلبت معاقبة المتهمين بالمواد (241/1 – 2، 375 مكررًا) من قانون العقوبات المعدل بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011، والمواد (1/ 1، 6، 26 الفقرتين 3، 5) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والبند (ب) من القسم الثانى من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول. وتدوولت القضية أمام محكمة جنايات دمنهور إلى أن أصدرت فيها قرار إحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا، تأسيسًا على ما تبين لها من أن الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 قد حظرت النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى المادة المذكورة، استثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات وأن إلغاء سلطة القاضى فى النزول بالعقوبة هو فى حقيقته إلغاء لسلطته فى تفريدها التى تعتبر إحدى خصائص الوظيفة القضائية، مما ينطوى عليه من إهدار لحقوق أصيلة كفلها الدستور، وافتئات من السلطة التشريعية على السلطة القضائية وتدخل فى شئون العدالة.
وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنص على أن:
الفقرة الأولى: “يعاقب بالسحن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يجوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق”.
الفقرة الثانية: “ويعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق”.
الفقرة الثالثة: “وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجانى حائزًا أو محرزًا بالذات أو بالواسطة سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثانى من الجدول رقم (3)”.
الفقرة الرابعة: “ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمى (2 و3)”.
الفقرة الخامسة: “وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجانى من الأشخاص المذكورين بالبنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذا القانون”.
الفقرة السادسة: “ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى مكررًا من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد…..”.
الفقرة السابعة: (المحالة من محكمة الموضوع والتى ارتأت أن بها شبهة عدم الدستورية):” واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر فى المسألة الدستورية، لازمًا للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة ينحصر فى نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فى مجال إعمالها فى شأن جريمة حيازة سلاح من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثانى من الجدول رقم (3) وجريمة حيازة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمى (2)، (3) المعاقب عليهما بالفقرتين رقمى (3، (4) من المادة ذاتها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة على أساس أن صحيفتها لم تتضمن البيانات الجوهرية التى تطلبتها المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا لإغفالها تحديد النص الدستورى المدعى بمخالفته.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ما توخاه المشرع بنص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا يعتبر متحققًا كلما تضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما يعين على تحديد المسألة الدستورية سواء كان ذلك بطريق مباشرة أو غير مباشر، إذ ليس لازمًا للوفاء بالأغراض التى استهدفتها المادة (30) من قانون هذه المحكمة أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى تحديدًا مباشرًا وصريحًا للنص التشريعى المطعون بعدم دستوريته والنص الدستورى المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة، بل يكفى أن تكون المسألة الدستورية التى يراد الفصل فيها قابلة للتعيين، بأن تكون الوقائع التى تضمنها قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى – فى ترابطها المنطقى – مفضية إليها جلية فى دلالة الإفصاح عنها. متى كان ذلك وكان قرار إحالة الدعوى المماثلة واضحًا فى دلالته على أن نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، يخالف أحكام الدستور بسلبه سلطة القاضى فى تفريد العقوبة التى تعتبر إحدى خصائص الوظيفة القضائية، كما أنه يتضمن افتئاتًا من السلطة التشريعية على السلطة القضائية وتدخلاً فى شئون العدالة، وكان من شأن هذا البيان تحديد المخالفة الدستورية المنسوبة للنص المحال فإن الدفع بعدم قبول الدعوى يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين، من حيث مطالبتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره, إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائماً القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم, ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه – من خلال أحكام الوثيقة الدستورية القائمة والصادرة فى 18 يناير سنة 2014
وحيث إن الدستور كفل فى مادته السادسة والتسعين، الحق فى المحاكمات المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولاهما: أن لكل شخص حقًا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره فى محاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتردد ثانيتهما: فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية توفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهذه الفقرة تؤكد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة وهى بذلك تتصل بتشكل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها – وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى – إنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثار فيها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزومًا فى الدعوى الجنائية وذلك أيًا كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجمعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نطاقًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوق الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدفها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعى، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها. وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التى لا يكون معها ضروريًا، غدا مخالفًا للدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطا ثابتًا، أو النظر إليهم اعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء تشريعى من هذا الأصل – أيًا كانت الأغراض التى يتوخاها – مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أنتكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى اتباع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة – من زاوية دستورية – مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، فى الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إنه من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًا لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى كل حالة بذاتها، مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًا، منافيًا لقيم الحق والعدل.
وحيث إن الدستور الصادر عام 2014 إذ نص فى المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد على هذه المبادئ فى المادتين (184) و(186) من الدستور ذاته، فقد دل على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – وأيًا كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًا لأحد ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان.
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد – عند توافر عذر قانونى جوازى مخفف للعقوبة – أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحد أو درجتين إن اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتى الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التى لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هى أدوات تشريعية يتساند القاضى إليها – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففى الأحوال التى يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصرى بتفريد العقوبة المعقود للقاضى يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته فى تقدير العقوبة. ويفقده جوهر وظفته القضائية، وينطوى على تدخل محظور فى شئون العدالة والقضايا.
وحيث إن العقوبة المقررة لجريمة حيازة سلاح نارى من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثانى من الجدول رقم (3) المسندة للمتهمين فى الدعوى الموضوعية هى السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه، كما أن العقوبة المقررة لجريمة حيازة ذخائر مما تستعمل فى الأٍسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمى (2)، (3)، المسندة للمتهمين أيضًا، هى السجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه، ومن ثم فإن هاتين العقوبتين تعدان من العقوبات غير التخييرية، والتى لم ينص على أعذار قانونية جوازية مخففة لهما، ويمتنع بالنص المطعون فيه النزول عن هاتين العقوبتين فيما لو اتضح لقاضى الموضوع قسوتها، على ضوء أحوال الجريمة التى تقتضى رأفته، بما يحول بينه وبين إعمال سلطته فى تفريد العقوبة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد أهدر من خلال إلغاء سلطة القاضى فى تفريد العقوبة، جوهر الوظيفة القضائية، وجاء منطويًا كذلك على تدخل فى شئونها، مقيدًا الحرية الشخصية فى غير ضرورة، ونائيًا عن ضوابط المحاكمة المنصفة، ومخلاً بخصوص الدولة للقانون، وواقعًا بالتالى فى حمأة مخالفة أحكام المواد (94)، (96)، (99)، (184)، (186) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها, وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية