الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من فبراير سنة 2015م، الموافق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم.
والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر.
أصدرت الحكم الآتي
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 36 قضائية ” دستورية”.
المقامة من
السيد/ عبد الصادق أبو السعود عبد الصادق
ضـد
1 – السيد رئيس الجمهورية.
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 – السيد وزير العدل.
4 – السيد النائب العام.
الإجراءات
بتاريخ 14/ 5/ 2014، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الرابعة وصحتها (السابعة)من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث إن الوقائع، على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق، تتحصل فى أن النيابة العامة قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية بالقضية رقم 14990 لسنة 2012 جنايات الوراق والمقيدة برقم 3569 لسنة 2012 كلى شمال الجيزة بوصف أنه فى يوم 27/ 9/ 2012، بدائرة قسم شرطة الوراق، محافظة الجيزة، أحرز بغير ترخيص سلاحًا ناريًّا مششخنًا (مسدسًا فردى الإطلاق)، وأحرز ذخيرة (طلقة واحدة) مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكون مرخصًا له بحيازتها أو إحرازها. وطلبت النيابة العامة معاقبة المدعى وفقًا للمواد(1/ 1) و(6) و(26/ 2، 4) و(30/ 1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995. وتدوولت الدعوى الجنائية أمام محكمة جنايات الجيزة، وبجلسة 18/ 3/ 2014، دفع المدعى أمام تلك المحكمة بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 17/ 5/ 2014، لاتخاذ إجراءات الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنص على أن:
الفقرة الأولى: ” يعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق”.
الفقرة الثانية: ” ويعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق “.
الفقرة الثالثة: ” وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجاني حائزًا أو محرزًا بالذات أو بالواسطة سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الثانى من الجدول رقم (3) “.
الفقرة الرابعة: ” ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقم(2 و3) “.
الفقرة الخامسة: ” وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذا كان الجاني من الأشخاص المذكورين بالبنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذا القانون “.
الفقرة السادسة: ” ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى مكررًا من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد……… “.
الفقرة السابعة: ” واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة “.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعى قد أحيل إلى المحكمة الجنائية بوصف أنه أحرز بغير ترخيص سلاحًا ناريًّا مششخنًا، وأحرز ذخيرة مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكون مرخصًا له بإحرازها وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (1/ 1 و6 و26/ 2، 4 و30/ 1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 والمستبدل بقرار وزير الداخلية رقم 13354 لسنة 1995، وكان الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 برمته، والفقرة الرابعة وصحتها (السابعة) من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 الذى أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع يهدف فى حقيقته إلى إبطال الحكم الوارد بنص الفقرة السابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر سالف الذكر والذى يقرر عدم جواز النزول بالعقوبة المحددة للجرائم فى هذه المادة استثناءً من حكم المادة (17) من قانون العقوبات، أملاً منه فى أن تستعيد محكمة الموضوع سلطتها التقديرية فى اختيار العقوبة التى تراها مناسبة للجرائم المنسوب إلى المدعى ارتكابها، ومن ثم فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية الماثلة تنحصر فى الطعن على الفقرة السابعة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر معدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012،فيما نصت عليه من (واستثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة).
وحيث إن الجريمتين المنسوب إلى المدعى ارتكابهما وهما إحراز سلاح نارى مششخن بدون ترخيص وإحراز ذخيرة مما تستعمل على هذا السلاح دون أن يكون مرخصًا له بإحرازهما واردتان بالفقرتين الثانية والرابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر فى مجال إعماله بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما فى الفقرتين الثانية والرابعة من المادة ذاتها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة بالنسبة للجريمة الواردة بنص الفقرة الرابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه، وذلك بقضائها الصادر بجلسة 8/ 11/ 2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35قضائية ” دستورية ” والذى قضى (بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها)، وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 45 مكرر (ب) بتاريخ 12/ 11/ 2014، ومن ثم وعملاً بحكم المادتين (48 و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فإن الخصومة فى هذا الشق من الدعوى تغدو منتهية.
وحيث إن المدعى ينعى على المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 أنه صدر فى فترة حل مجلس الشعب، ولم يتم عرضه على مجلس الشورى إعمالاً لأحكام الدستور الصادر سنة 2012.
ومن حيث إن استيثاق المحكمة الدستورية العليا من استيفاء النصوص التشريعية المطعون فيها للأوضاع الشكلية المقررة دستوريًّا فى شأن إصدارها، يعد أمرًا سابقًا بالضرورة على خوضها فى عيوبها الموضوعية. لما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة قد سبق أن عُرض عليها أمر دستورية بعض نصوص المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 المشار إليه بحكمها الصادر بجلسة 8/ 11/ 2014 فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية ” دستورية “والذى قضى ” بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها.” وذلك لمخالفته للأحكام الموضوعية الواردة فى الدستور الصادر عام 2014 التى تضمنتها المواد (94) و(96) و(99) و(184) و(186) منه مما مؤداه استيفاء هذا المرسوم بقانون للأوضاع الإجرائية المقررة فى شأن إصداره، بما يحول دون بحثها من جديد ومن ثم فإن المناعى الشكلية التى نسبها المدعى إلى المرسوم بقانون الطعين تكون غير مقبولة.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين،من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه – من خلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة فى 18 يناير سنة 2014.
وحيث إن المدعى ينعى على نص الفقرة السابعة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه أنها أهدرت السلطة التقديرية للقاضى فى تقرير العقوبة بالمخالفة لنصوص الدستور التى أكدت استقلال السلطة القضائية وكفلت حق التقاضى.
وحيث إن هذا النعى سديد فى جوهره ذلك أن الدستور كفل فى مادته السادسة والتسعين، الحق فى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وهو حق نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولاهما: أن لكل شخص حقًّا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره فى محاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه. وتُرَدَّدُ ثانيتهما: فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهت إليه تهمة جنائية، فى أن تُفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية تُوفر له فيها الضمانات الضرورية لدفاعه وهذه الفقرة تؤكد قاعدة استقر العمل على تطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفل بتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فى الدول المتحضرة وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعد الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبر فى نطاق الاتهام الجنائى، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور، ولا يجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرص المتكافئة، ولأن نطاقها – وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى – إنما يمتد إلى كل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية،إلا أن المحاكمة المنصفة تعتبر أكثر لزومًا فى الدعوى الجنائية وذلك أيًّا كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظر عن درجة خطورتها.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابط المحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نطاقًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحرية الشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعى، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته على ضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عن أن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بين بعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها. وهو بذلك يتغيا أن يحدد – ومن منظور اجتماعى – ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلك الحدود التى لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء تشريعى من هذا الأصل – أيًّا كانت الأغراض التى يتوخاها – مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض.ذلك أن مشروعية العقوبة – من زاوية دستورية – مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فى مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، فى الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إنه من المقرر أن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوء دوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًا لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم فى مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها دالاً على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًّا، منافيًا لقيم الحق والعدل.
وحيث إن الدستور الصادر عام 2014 إذ نص فى المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد على هذه المبادئ فى المادتين (184) و(186) من الدستور ذاته، فقد دلَّ على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان.
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد – عند توافر عذر قانونى جوازى مخفف للعقوبة – أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة أو الحبس الذى لاتزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التى لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هى أدوات تشريعية يتساند إليها القاضى – بحسب ظروف كل دعوى – لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة ومن ثم ففى الأحوال التى يمتنع عليه إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص المنوط به فى تفريد العقوبة يكون قد انتُقص منه، بما يفتئت على استقلاله وحريته فى تقدير العقوبة وينطوى على تدخل محظور فى شئون العدالة والقضايا.
وحيث إن العقوبة المقررة لجريمة حيازة سلاح نارى من الأسلحة المنصوص عليها بالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرفق بالقانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012، والمسندة للمتهم فى الدعوى الموضوعية هى السجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه، ومن ثم فإن هذه العقوبة تعد من العقوبات غير التخييرية، والتى لم يُنص على أعذار قانونية جوازية مخفضة لها، ويمتنع بالنص المطعون فيه النزول عنها فيما لو اتضح لقاضى الموضوع قسوتها فى ضوء أحوال الجريمة التى تقتضى رأفته،بما يحول بينه وبين إعمال سلطته فى تفريد العقوبة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد أهدر من خلال الانتقاص من سلطة القاضى فى تفريد العقوبة جانبًا جوهريًا من الوظيفة القضائية، وجاء منطويًا كذلك على تدخل فى شئون العدالة، مقيدًا الحرية الشخصية فى غير ضرورة، ونائيًا عن ضوابط المحاكمة المنصفة، ومخلاً بمبدأ خضوع الدولة للقانون، وواقعًا بالتالى فى حمأة مخالفة أحكام المواد (94)، (96)، (99)، (184)، (186) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954فى شأن الأسلحة والذخائر المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة ذاتها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية