الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
برئاسة السيد المستشار / عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبدالحكيم سليم
وبولس فهمى إسكندر نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبدالعليم أبوالعطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي:
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 160 لسنة 37 قضائية “دستورية”
بعد أن أحالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بحكمها الصادر بجلسة 28/ 12/ 2014 ملف الدعوى رقم 12669 لسنة 68 قضائية.
المقامة من:
رئيس مجلس إدارة جمعية أهل الخير الإسلامية
ضد
1- وزير التضامن الاجتماعى
2- محافظ الإسكندريـة
3- رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية
4- مدير مديرية التضامن بالإسكندريـة
5- مدير إدارة المنتزه للتضامن الاجتماعى
6- مدير عام الإدارة القانونية بمحافظة الإسكندريـة
الإجراءات
بتاريخ الثامن عشر من أكتوبر سنة 2015، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 12669 لسنة 68 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بجلسة 28/ 12/ 2014 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليـا للفصل فى دستوريـة نص المـادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من منح الجهة الإدارية المختصة سلطة عزل مجلس إدارة الجمعية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق – فى أن رئيس مجلس إدارة جمعية أهل الخير الإسلامية كان قد أقام الدعوى رقم 12669 لسنة 68 قضائية، أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، ضد وزير التضامن الاجتماعى ومحافظ الإسكندرية وآخرين، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ قرار محافظ الإسكندرية رقم 312 لسنة 2014 بعزل مجلس إدارة الجمعية وتعيين مدير مفوض بإدارة الجمعية لمدة تسعين يومًا، لحين دعوة الجمعية العمومية وانتخاب مجلس إدارة جديد، وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار. وذلك على سند من مخالفة ذلك القرار للقانون والدستور، فضلاً عن عدم إجراء تحقيق فى المخالفات التى تدعى جهة الإدارة ارتكاب الجمعية لها، وصدور ذلك القرار دون موافقة الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية. وإذ تراءى لتلك المحكمة عدم دستورية نص المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من منح الجهة الإدارية المختصة سلطة عزل مجلس إدارة الجمعية لمخالفتها حكم المادة (75) من الدستور القائم، فقد حكمت بجلسة 28/ 12/ 2014 بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه رقم 312 لسنة 2014، وقبل الفصل فى الموضوع بوقف نظر الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية ذلك النص.
وحيث إن المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 تنص على أن “يكون حل الجمعية بقرار مسبب من وزير الشئون الاجتماعية، بعد أخذ رأى الاتحاد العام وبعد دعوة الجمعية لسماع أقوالها، فى الأحوال الآتية :
1 – التصرف فى أموالها أو تخصيصها فى غير الأغراض التى انشئت من أجلها.
2 – الحصول على أموال من جهة خارجية أو إرسال أموال إلى جهة خارجية بالمخالفة لحكم الفقرة الثانية من المادة (17) من هذا القانون.
3 – ارتكاب مخالفة جسيمة للقانون أو النظام العام أو الآداب.
4 – الانضمام أو الاشتراك أو الانتساب إلى نادٍ أو جمعية أو هيئة أو منظمة مقرها خارج جمهورية مصر العربية بالمخالفة لحكم المادة (16) من هذا القانون.
5 – ثبوت أن حقيقة أغراضها استهداف أو ممارسة نشاط من الأنشطة المحظورة فى المادة (11) من هذا القانون.
6 – القيام بجمع تبرعات بالمخالفة لحكم الفقرة الأولى من المادة (17) من هذا القانون.
ويتعين أن يتضمن قرار الحل تعيين مصفٍ أو أكثر لمدة وبمقابل يحددهما.
ولوزير الشئون الاجتماعية أن يصدر قرارًا بإلغاء التصرف المخالف أو بإزالة سبب المخالفة أو بعزل مجلس الإدارة أو بوقف نشاط الجمعية، وذلك فى أى من الحالتين الآتيتين :
1 – عدم انعقاد الجمعية العمومية عامين متتاليين أو عدم انعقادها بناء على الدعوة لانعقادها تنفيذًا لحكم الفقرة الثانية من المادة (40) من هذا القانون.
2 – عدم تعديل الجمعية نظامها وتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام هذا القانون.
كما يجوز لوزير الشئون الاجتماعية الاكتفاء بإصدار أى من القرارات المذكورة فى الفقرة السابقة فى الحالات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى، وذلك بدلاً من حل الجمعية.
ولكل ذى شأن الطعن على القرار الذى يصدره وزير الشئون الاجتماعية أمام محكمة القضاء الإدارى وفقًا للإجراءات والمواعيد المحددة لذلك، ودون التقيد بأحكام المادة (7) من هذا القانون، وعلى المحكمة أن تفصل فى الطعن على وجه الاستعجال وبدون مصروفات.
ويعتبر من ذوى الشأن فى خصوص الطعن أى من أعضاء الجمعية التى صدر فى شأنها القرار”.
وحيث إن المصلحة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم فى المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى فى شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التى تتحرى توافر شرط المصلحة فى الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم فى المطاعن الدستورية لازمًا للفصل فى النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل فى دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعى؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى فى الدعوى الموضوعية وقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ الإسكندرية رقم 312 لسنة 2014 فيما تضمنه من عزل مجلس إدارة جمعية أهل الخير الإسلامية، لما نسب إليها من ارتكاب مخالفات، وهى السلطة المخولـة للجهة الإداريـة بمقتضى النص المحـال، سواء باشرها وزير الشئون الاجتماعية – وزير التضامن الاجتماعى حاليًا -باعتباره الأصيل أو المحافظ المختص الذى خوله نص المادة (27) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 والقانون رقم 145 لسنة 1988 جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح بالنسبة إلى جميع المرافق التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية، على أن يكون المحافظ فى دائرة اختصاصه رئيسًا لجميع الأجهزة والمرافق المحلية . لما كان ذلك، وكان الفصل فى دستورية النص المحال فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية – أو المحافظ المختص – سلطة عزل مجالس إدارة الجمعيات، سوف يكون له انعكاس على قضاء محكمة الموضوع فى الطلبات المطروحة أمامها، فمن ثم تكون المصلحـة فى الدعوى المعروضة متوافـرة فى الطعن على هذا النص فى حدود نطاقه المتقدم.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامـه بعد صـدور الدستور الحالى حتى يـوم الرابع والعشرين من شهر مايو سنة 2017 تاريخ نشر قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة فى مجال العمل الأهلى الصادر بالقانون رقم 70 لسنة 2017 بالجريدة الرسمية، والذى ألغى بموجب نص المادة السابعة منه قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال سوف يتم فى ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدستور قد عُنى فى المادة (75) منه بكفالة حرية المواطنين فى تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، ومنـح الجمعية أو المؤسسة الأهلية الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وحظر على الجهات الإدارية التدخـل فى شئونها، أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها، إلا بحكم قضائى، وحظر إنشاء أو استمرار الجمعيات أو المؤسسات التى يكون نشاطها سريًّا أو ذات طابع عسكرى أو شبه عسكرى.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانونى للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التى يتعين على الدولة التزامها فى تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز فى مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطى سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التى اختصها دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.
وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها – منذ دستور سنة 1923 – على تقرير الحريات والحقوق العامة فى صلبها قصدًا من المشرع الدستورى أن يكون النص عليها فى الدستور قيدًا على المشرع العادى فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستورى، وعن الإطار الذى عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعى فى حومة مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق الفرد فى تكوين الجمعيات، ومن ذلك المادة (20) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10/ 12/ 1948، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذى حظر – بنص الفقرة الثانية من المادة (22) – فرض قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التى ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية فى مجتمع ديموقراطى لصيانة الأمن القومى أو السلام العام أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرماتهم. كما عُنيت الدساتير المقارنة بالنص على هذا الحق فى وثائقها، فهو مستفاد مما تضمنه التعديل الأول الذى أُدخل على دستور الولايات المتحدة الأمريكية فى 15/ 12/ 1791 والذى قرر الحق فى الاجتماع، ونص عليه صراحة الدستور القائم فى كل من: ألمانيا والأردن وتركيا ولبنان وتونس والمغرب والكويت واليمن وسوريا والبحرين والجزائر، وجرت كذلك الدساتير المصرية المتعاقبة – ابتداء من دستور سنة 1923، وانتهاء بالدستور الحالى – علي كفالة الحق فى تأليف الجمعيات؛ وهو ما نصت عليه المادة (75) من الدستور القائم من أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أسـاس ديمقراطى، وتكـون لها الشخصية الاعتبارية بمجـرد الإخطـار، وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخـل فى شئونها أو حلهـا أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى، ……وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون”.
وحيث إن الدستور حرص علي أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة – ومن بينها حرية تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية – كى لا تقتحم إحداهما المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، وكان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنماؤها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبًا أساسيًّا توكيدًا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرًا لدورها فى مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، وقد واكب هذا السعى وعززه بروز دور المجتمع المدنى ومنظماته – من أحزاب وجمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية – فى مجال العمل المجتمعى.
وحيث إن منظمات المجتمع المدنى – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – هى واسطة العقد بين الفرد والدولة، إذ هى الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد بحسبانه القاعدة الأساسية فى بناء المجتمع، عن طريق بث الوعى ونشر المعرفة والثقافة العامة، ومن ثم تربية المواطنين على ثقافة الديموقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية معًا، والعمل بكل الوسائل المشروعة على ضمان الشفافية، وترسيخ قيمة حرمة المال العام، والتأثير فى السياسات العامة، وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعى، ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة، والمشروعات الطوعية على أداء أفضل للخدمات العامة، والحث على حسن توزيع الموارد وتوجيهها، وعلى ترشيد الإنفاق العام، وإبراز دور القـدوة، وبكل أولئك، تذيع المصداقية، وتتحدد المسئولية بكل صورها فلا تشيع ولا تنماع، ويتحقق العدل والنصفة وتتناغم قوى المجتمع الفاعلة، فتتلاحم على رفعة شأنه والنهوض به إلى ذرى التقدم.
وحيث إن من المقرر أن حق المواطنين فى تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحـق يتعين أن يتمحض تصـرفًا إراديًّا حـرًّا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ومن ثم تنحل هذه الحرية إلى قاعدة أولية تمنحها بعض الدول – ومن بينها جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية فى ذاتها، لتكفل لكل ذى شأن حق الانضمام إلى الجمعية التى يرى أنها أقدر علي التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفى انتقاء واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات – حال تعددها – ليكون عضوًا فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية، التى أعلى الدستور قدرها، فاعتبرها – بنص المادة (54) – من الحقوق الطبيعية، وكفل – أسوة بالدساتير المتقدمة – صونها وعدم المساس بها، ولم يجز الإخلال بها من خلال تنظيمها.
وحيث إن ضمان الدستور – بنص المادة (65) التى رددت ما اجتمعت عليه الدساتير المقارنة – لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها أو بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التى لا يتم الحوار المفتوح إلا فى نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها مـن فائدة، وبها يكون الأفـراد أحـرارًا لا يتهيبون موقفـا، ولا يترددون وجـلاً، ولا ينتصفون لغير الحـق طريقًا، ذلك أن ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير – وعلى ما اطرد عليه قضاء هذه المحكمة – هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقيها عن الغير ونقلها إليه غير مقيد بالحـدود الإقليمية على اختلافهـا ولا منحصرًا فى مصـادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعيًا لتعدد الآراء، وابتغاء إرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة منارًا لكل عمل، ومحورًا لكل اتجاه بل إن حرية التعبير أبلغ ما تكون أثرًا فى مجال اتصالها بالشئون العامة، وعرض أوضاعها تبيانًا لنواحى التقصير فيها، فقد أراد الدستور بضمانها أن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة فى أعماق منابتها، بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العـام ، وألا تكون معاييرها مرجعًا لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقًا دون تدفقها، ومن المقرر كذلك أن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التى تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التى تتوخى قمعها، إذ يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التى تجول فى عقولهم ويطرحونها عزمًا – ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثًا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبًا، ومن ثم وجب القول بأن حرية التعبير التى كفلهـا الدستور هى القاعـدة فى كل تنظيم ديمقراطـى، فلا يقوم إلا بها، ولا ينهض مستويًا إلا عليها.
وحيث إن حق الاجتماع – سواء كان حقًّا أصيلاً أم بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها، محققًا من خلاله أهدافها – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها كلما كوّن أشخاص يؤيدون موقفـا أو اتجاهًا معينًا جمعية تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلـون منها على ما يعتمـل فى نفوسهم، وصـورة حيـة لشكل مـن أشكال التفكير الجماعى. وكان الحق فى إنشاء الجمعيات – وسواء كان الغرض منها اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو اجتماعيًّا أو غير ذلك – لا يعدو أن يكون عملا اختياريًّا، يرمى بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم، ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونًا لأحد عناصر الحرية الشخصية التى لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التى يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازمًا اقتضاء حتى لو لم يرد بشأنه نص فى الدستور، كافلاً للحقوق التى أحصاها ضماناتها، محققًا فعاليتها، سابقًا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطًا بالمدنية فى مختلف مراحل تطورها، كامنًا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التى لا يجوز تهميشها أو إجهاضها، بل إن حرية التعبير ذاتها تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها فى الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء فى دائرة أعرض بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها بعضًا، ويعطل تدفق الآراء التى تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التى لا يمكن تنميتها إلا فى شكل من أشكال الاجتماع كذلك فإن هدم حرية الاجتماع إنما يقوّض الأسس التى لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستندًا إلى الإرادة الشعبية، ومن ثم فقد صار لازمًا – وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق أحكام الدستور والقانون، وفى الحدود التى تتسامح فيها النظم الديموقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها، ولا يجوز – بالتالى- أن تفرض السلطة التشريعية على حرية الاجتماع قيودًا من أجل تنظيمهًا، إلا إذا حملتها عليها خطورة المصالح التى وجهتها لتقريرها، وكان لها كذلك سند من ثقلها وضرورتها، وكان تدخلها – من خلال هذه القيود – بقدر حدة هذه المصالح ومداها، ولذلك حرص الدستور الحالى فى المادة (92) منه على تحديد الإطار العام الحاكم لسلطة المشرع التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق والحريـات، بحيث لا يمس ما يسنه من تشريعات فى هذا النطاق تلك الحقوق والحريات فى أصلها وجوهرها، وإلا وقع فى حومة مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان حق المواطنين فى تكوين الجمعيات الأهلية، وما يرتبط به – لزوما – على ما سلف بيانه من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، وهى جميعًا أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معًا، ويعضد كل منها الآخر فى نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكانا سامقًا، ومن أجل ذلك حرص الدستور فى المادة (75) منه على كفالة الاستقلال للجمعيات الأهلية وأجهزتها القائمة على شئونها، تمكينًا لها من أداء دورها وممارسة نشاطها بحرية، تحقيقًا لأهدافها، فحظر على الجهات الإدارية التدخل فى شئون الجمعيات أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى يقى تلك الجمعيات تدخل جهة الإدارة فى شئونها بأدواتها المختلفة، أيًّا كان مسماها، سواء بحل مجالس إدارتها أو عزلها، بغية تنحيتها عن أداء دورها فى خدمة أعضاء هذه الجمعيات، والمجتمع ككل، فمن ثم يغدو ما قرره النص المحال مـن تخويـل وزيـر الشئون الاجتماعية – وزير التضامن الاجتماعى حاليًا – أو من يقوم مقامه سلطة عزل مجالس إدارة الجمعيات – والذى يدخل فى نطاق الحظر الذى قرره الدستور بشأن عـدم جـواز عزل مجالس إدارة هذه الجمعيات إلا بحكم قضائى ويأخذ حكمه – مخالفًا لأحكام الدستور.
وحيث إن المواد من (92 حتى 96) من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية المشار إليه، ترتبط بالنص المحال ارتباط الفرع بالأصل، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية النص المحال يستلزم القضاء بسقوط تلك المواد.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية نص المادة (42) من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، الصادر بالقانون رقم 84 لسنة 2002 فيما تضمنه من تخويل وزير الشئون الاجتماعية سلطة عزل مجالس إدارة الجمعيات الأهلية.
ثانيًا: بسقوط نصوص المواد أرقام (92 حتى 96) من اللائحة التنفيذية للقانون السالف الذكر.
وسوم : حكم دستورية