الخط الساخن : 01118881009
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثانى عشر من مايو سنة 2013م، الموافق الثانى من رجب سنة 1434هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ماهر البحيرى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: عبد الوهاب عبد الرازق ومحمد عبد العزيز الشناوى وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 161 لسنة 20 قضائية “دستورية “.
المقامة من:
1 – السيد/ محمد صدقى زايد مبروك.
2 – السيد/ أحمد واصف زايد مبروك.
3 – السيد/ مبروك زايد مبروك.
4 – السيد/ مبارك زايد مبروك.
5 – السيدة/ إبتسام زايد مبروك.
6 – السيدة/ خيرات زايد مبروك.
7 – السيدة/ نادية زايد مبروك
8 – ورثة المرحومة/ هادية زايد مبروك، وهم: عبد الوهاب محمود دسوقى عليان عن نفسه وبصفته وليًا طبيعيًا على أولاده القصر مصطفى، زينب، هدى.
وأولادها البلغ: محمد عبد الوهاب، أحمد عبد الوهاب، محمود عبد الوهاب.
ضـد:
1 – السيد رئيس مجلس الوزراء.
2 – السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى.
3 – السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية.
الإجراءات
بتاريخ 10/ 8/ 1998، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين فى ختامها الحكم بعدم دستورية نص المادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر وأكله، والمادة (72) من القرار بقانون رقم 100 لسنة 1964 بشأن تنظيم تأجير الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها، وذلك فيما تضمناه من عدم الاعتداد بالتسليمات والتوزيعات التى تمت صحيحة ومطابقة للقانون فى ظل القوانين السابقة عليهما.
وأودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى؛ كما أودع الحاضر عن الهيئة المدعى عليها الثالثة مذكرة طلب فى ختامها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها لرفعها على غير ذى صفة.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الاعتراض رقم 88 لسنة 1997 أمام اللجنة القضائية للهيئة العامة للإصلاح الزراعى، بطلب الحكم” باعتماد تسليم طرح النهر للمساحة البالغ قدرها 12 ط 38 ف بناحية جزيرة محمد مركز إمبابة – محافظة الجيزة – ومساحة 12ط 11ف بناحية جزيرة ببا – مركز ببا – محافظة بنى سويف – والمسلمتين لهم سنة 1954 طبقًا لأحكام المادة (9) من القانون رقم 73 لسنة 1953، وبإلغاء القرار السلبى بعدم اعتماد هذا التسليم”؛ وذلك على سند من القول بأن والدهم كان يمتلك أطيان “أكل النهر” قدرها خمسون فدانا، وبتاريخ 23/ 11/ 1953 باعها لهم بموجب العقد المسجل رقم 2911 لسنة 1953 مكتب توثيق شهر عقارى بنى سويف، وفى سنة 1954 قامت الحكومة بتعويض المدعين – باعتبارهم أصحاب أكل النهر المشار إليه – (طبقًا لحكم المادة (9) من القانون رقم 73 لسنة 1953 حيث لم يتم تعويضهم عنها عينًا لمدة خمس سنوات) بقطعتين من طرح النهر الأولى بمساحة 12ط 38 ف بزمام ناحيتى جزيرة محمد/ مركز إمبابة/ محافظة الجيزة، والثانية بمساحة 12ط 11ف بجزيرة ببا/ محافظة بنى سويف، وتم تسليمها بالفعل للمدعين وأضيفت إلى تكليفاتهم بالضرائب العقارية (مصلحة الأموال المقررة آنذاك) منذ عامى 1955 و1957، وقد قاموا من جانبهم بسداد الضرائب العقارية المستحقة عليها بصفتهم ملاكًا؛ إلا أنه فى سنة 1959 صدر القرار رقم 1001/ 68 بتاريخ 8/ 1/ 1959 بإلغاء التعويض الذى تم للمدعين عن أكل النهر بناحية جزيرة محمد، كما صدر القرار رقم 30 بتاريخ 26/ 5/ 1960 بشأن الأراضى التى سلمت إليهم بناحية ببا.
واستند هذا الإلغاء لحكم الفقرة الرابعة من المادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 التى نصت على إلغاء التوزيعات التى لا تطابق أحكام الفقرتين الثانية والثالثة من المادة ذاتها ولو كانت قد اعتمدت وتم شهرها، بقالة أن تاريخ سند ملكيتهم لأرض أكل النهر بالشراء من والدهم لاحق لتاريخ العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1953.
وبجلسة 3/ 6/ 1998 – حال نظر الاعتراض أمام اللجنة القضائية المشار إليها – دفع المدعون بعدم دستورية القانون رقم 63 لسنة 1957، والمادة (12) من القانون رقم 181 لسنة 1957، والمادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر وأكله، والمادة (72) من القانون رقم 100 لسنة 1964 بشأن تنظيم تأجير الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها. وإذ قدرت المحكمة بجلسة 4/ 6/ 1998 جدية الدفع، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاموا الدعوى الماثلة بعد أن قصروا طلباتهم على ما ورد فى صحيفتها.
وحيث إن المادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 المشار إليه تنص على أن “طرح النهر الذى لم يوزع – توزيعًا ابتدائيا – حتى تاريخ العمل بهذا القانون يباع طبقًا لأحكامه.
فإذا كان الطرح قد تم توزيعه توزيعًا ابتدائيا وكان مطابقًا لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1953 وصالحًا للاعتماد ولم يتم اعتماده بقرار من وزير المالية والاقتصاد أو وزير الخزانة فيتعين صدور قرار من وزير الإصلاح الزراعى باعتماده خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون إذا كان الطرح قد وزع على مستحقيه الأصليين أو على من انتقلت إليهم ملكية الأكل قبل صدور القانون رقم 73 لسنة 1953 أو على من آلت إليهم هذه الملكية بعد صدور هذا القانون بغير طريق التعاقد، وإلا اعتبر التوزيع نافذًا بمضى هذه المدة.
ومع ذلك فإذا كان التوزيع المشار إليه فى الفقرة السابقة قد تم إلى أصحاب وكالة…….
أما التوزيعات التى لاتطابق الأحكام المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين فتلغى ولو كانت قد اعتمدت وتم شهرها.
وفى جميع الحالات التى يلغى فيها التوزيع……..
ويباع الطرح الملغى توزيعه…….”.
كما تنص المادة (72) من القرار بقانون رقم 100 لسنة 1964 المشار إليه على أن “طرح النهر الذى تم توزيعه ابتدائيًا وفقًا لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1953 ولم يتم اعتماده بقرار من الوزير المختص يكون واجب الاعتماد بقرار من وزير الإصلاح الزراعى وإصلاح الأراضى وذلك فى الحالات الآتية: أ……. ب – …… ج – إذا كانت ملكية الأكل قد آلت إلى الموزع عليه طرح النهر بعد العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1953 بغير طريق التعاقد.
فإذا كان التوزيع قد تم إلى أصحاب وكالة……
وإذا كان الأكل قد حدث فى تكليف ورثه متعددين….”.
كما تنص المادة (73) من القرار بالقانون المشار إليه على أن “تلغى جميع التوزيعات التى لا تطابق الأحكام المنصوص عليها فى المادة السابقة ولو كانت قد اعتمدت وتم شهرها كما يلغى ما ترتب عليها من تصرفات إلى الغير ولو كان قد تم شهرها.
وفى جميع الحالات التى يلغى فيها التوزيع…..
وتوزع أراضى طرح النهر الذى يلغى توزيعه…..
وتسرى هذه الأحكام على حالات التوزيع التى ألغيت بالقانون رقم 192 لسنة 1958 المشار إليه….”.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وأن نطاق الدعوى الدستورية وإن تحدد أصلاً بالنصوص القانونية التى تعلق بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، إلا أن هذا النطاق يتسع كذلك لتلك النصوص التى أضير المدعى من جراء تطبيقها عليه – ولو لم يتضمنها الدفع – إذا كان فصلها عن النصوص التى اشتمل الدفع عليها متعذرًا وكان ضمها إليها كافلاً الأغراض التى توخاها المدعى بدعواه الدستورية فلا تحمل إلا على مقاصده، ولا تتحقق مصلحته الشخصية والمباشرة بعيدة عنها.
لما كان ذلك، وكانت الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر وأكله، فيما تضمنته من إلغاء توزيعات طرح النهر التى وزعت على من انتقلت إليهم ملكية الأكل بعد صدور القانون رقم 73 لسنة 1953. بطريق التعاقد ولو كانت قد اعتمدت وتم شهرها” هما سند الجهة الإدارية فى إلغاء ما تم توزيعه وتسليمه من أراضى طرح النهر، للمدعين وعدم اعتماده، فإن الفصل فى دستوريتهما سوف يكون له انعكاس على طلباتهم فى الدعوى الموضوعية؛ بما يوفر لهم المصلحة الشخصية المباشرة فى الطعن على نص هاتين الفقرتين دون غيرهما من فقرات ذلك النص.
وإذ صدر القرار بقانون رقم 100 لسنة 1964، ملغيا القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958، وجاءت الفقرة الأولى بند (ج) من المادة (72) منه والفقرة الأولى من المادة (73) مرددة لما نصت عليه الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 المشار إليه، الأمر الذى ترى معه المحكمة – وفقًا لما استقر عليه قضاؤها – انبساط الدعوى الدستورية المعروضة لتشمل النصين فى كل من القانونيين – ليكون نطاق هذه الدعوى هو نص الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (13) من القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر وأكله، والفقرتين الأولى (بند ج) من المادة (72) والأولى من المادة (73) من القرار بقانون رقم 100 لسنة 1964 بشأن تنظيم تأجير الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها، وذلك بمضمونهما المحدد سلفًا.
وحيث إن المدعين ينعون على النصوص المطعون فيها انطواءها على أثر رجعى بإلغائها التعويض العينى الذى نشأ صحيحًا وموافقًا لأحكام القانون رقم 73 لسنة 1953 رغم استقرار المراكز القانونية الناشئة عن ذلك القانون، وهو ما يترتب عليه مصادرة ما نشأ لهم من حقوق قانونية ومراكز ذاتية فى ملكية الأراضى التى تم توزيعها عليهم بقرارات من الوزير المختص، فضلاً عن أن ذلك الأمر قد جرى دون أن يقره مجلس الشعب بالأغلبية الخاصة التى تطلبها الدستور بالنسبة للقوانين المتضمنة أثرًا رجعيًا؛ كما نعى المدعون على النصوص المطعون فيها مصادرتها لملكياتهم الثابتة التى آلت إليهم وفقًا لصحيح القانون وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور.
وحيث إن الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة – وعلى ما اطرد عليه قضاؤها – غايتها أن ترد إلى قواعد الدستور كافة النصوص التشريعية المطعون فيها، وسبيلها إلى ذلك أن تفصل بأحكامها النهائية فى الطعون الموجهة إليها شكلية كانت أم موضوعية، وأن يكون استيثاقها من استيفاء هذه النصوص لأوضاعها الشكلية أمرًا سابقًا بالضرورة على خوضها فى عيوبها الموضوعية، ذلك أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية هى من مقوماتها كقواعد قانونية لا يكتمل كيانها أصلاً فى غيبتها، ويتعين على هذه المحكمة أن تتحراها بلوغًا لغاية الأمر فيها، ولو كان نطاق الطعن المعروض عليها ينحصر فى المطاعن الموضوعية دون سواها.
وحيث إن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية، سواء فى ذلك تلك المتعلقة بالشروط التى يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها أو ما كان متصلاً منها باقتراحها أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، إنما تتحدد على ضوء ما قررته فى شأنها أحكام الدستور المعمول به حين صدورها. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على أحكام القرار بقانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر و أكله والقرار بقانون رقم 100 لسنة 1964 بشان تنظيم تأجير الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها، أن كليهما قد صدر فى ظل العمل بأحكام الدستور المؤقت الصادر سنة 1958، ومن ثم تكون أحكام هذا الدستور هى الفيصل فى تحديد الأوضاع الشكلية المتطلبة للنصوص التشريعية لكل من القانونين. ولما كان هذان القانونان قد صدرا استنادًا إلى المادة (53) من دستور سنة 1958 التى تنص على أنه “لرئيس الجمهورية أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلاً فى اختصاص مجلس الأمة إذا دعت الضرورة إلى اتخاذه فى غياب المجلس، على أن يعرض عليه فور انعقاده، فإذا اعترض المجلس على ما أصدره رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثى أعضائه سقط ماله من أثر من تاريخ الاعتراض”، فإن مؤدى ذلك أن الدستور وإن أسند اختصاص التشريع إلى مجلس الأمة، إلا أنه أجاز لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفى حالة غياب المجلس أن يصدر أى تشريع أو قرار مما يدخل أصلاً فى اختصاص المجلس على أن يعرض عليه فور انعقاده. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن نص المادة (53) من دستور سنة 1958 وإن أوجب عرض ما يصدره رئيس الجمهورية من تشريعات تطبيقًا له على مجلس الأمة فور انعقاده إلا أنه لم يرتب جزاء على عدم العرض، خلافًا لمسلك الشارع فى سائر الدساتير الأخرى سواء السابقة على هذا الدستور أو اللاحقة له، ورتبت المحكمة على هذه المغايرة أن الشارع فى هذا الدستور قصد ألا يرتب أثر على مجرد عدم عرض القرارات بقوانين على مجلس الأمة، بل رتبه فقط فى حالة اعتراض المجلس عليها بالأغلبية التى نص عليها وهى أغلبية ثلثى أعضائه، ومن ثم فإنه وإذ كان الثابت من مطالعة الإفادة الواردة من الأمانة العامة لمجلس الشعب المؤرخة 25/ 11/ 2010 بشأن القرارين بقانونين رقمى 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر وأكله و100 لسنة 1964 بتنظيم تأجير الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها عدم عرضهما على مجلس الأمة، فإنه إزاء ثبوت عدم العرض على المجلس فلا محل لقالة اشتراط الأغلبية الخاصة المتطلبة للقوانين رجعية الأثر، ويكون النعى فى هذا الشق غير قائم على سند ولا محل له.
ومن حيث إنه من المستقر عليه أن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون فيها من الناحية الموضوعية، من خلال الدستور الصادر عام 2012.
ولما كان إعمال التنظيم التشريعى المستحدث بمقتضى النصوص المطعون فيها – فى تطبيقه على حالة المدعين – قد تضمن أثرًا ينعطف على الماضى، بينما الأصل فى القانون هو أن يسرى بأثر مباشر على ما يقع بعد نفاذه، فإذا سرى القانون على وقائع تم تكوينها أو على مراكز قانونية اكتملت عناصرها قبل العمل بأحكامه – كما هو الحال فى شأن المدعين بعد أن آلت إليهم ملكية الأراضى محل التداعى عن طريق التعاقد قبل صدور النصوص التشريعية المطعون فيها – فإن هذه النصوص تكون متضمنة أثرًا رجعيًا لأحكامها كامنا فيها ويفرضه تطبيقها بالمخالفة لأحكام الدستور التى تستلزم اجتيازها لإجراءات استثنائية تتناسب مع خطورة الآثار المترتبة عليها، إزاء ما تهدره من حقوق وتخل به من استقرار، وهو مالم يتحقق فى شأن النصوص المطعون فيها بما يصمها بعدم الدستورية.
ومن حيث إنه عن النعى المبدى من المدعين بمخالفة النصوص المطعون فيها للحماية المقررة للملكية الخاصة وحق التعاقد، وحيث إنه من المقرر أن حق الملكية نافذ فى مواجهة الكافة، وأن حصانته تدرأ عنه كل عدوان أيا كانت الجهة التى صدر عنها، وأنه صونًا لحرمتها كفل الدستور حمايتها – على الأخص – من وجهين، أولهما: أنها لا تزول بعدم استعمالها، ولا يجوز أن يجردها المشرع من لوازمها، ولا أن يفصل عنها أجزاءها المكونة لها، ولا أن ينتقص من أصلها أو يعدل من طبيعتها، ولا أن يقيد من مباشرة الحقوق المتفرعة عنها، فى غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبوجه خاص لا يجوز أن يسقطها المشرع عن صاحبها سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، وثانيهما: أنه لا يجوز نزع الملكية من ذويها إلا فى الأحوال التى يقرها القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه، ومقابل تعويض يكون معادلاً لقيمتها الحقيقية فى تاريخ نزعها، ولمنفعة أو مصلحة عامة لها اعتبارها، ودون ذلك تفقد الملكية الخاصة ضماناتها الجوهرية، ويكون العدوان عليها غصبًا لها أدخل إلى مصادرتها، وهو ما حرص الدستور القائم الصادر سنة 2012 على توكيده فى المادتين (21 و24) منه التى تقرر أولاهما كفالة الدولة الملكية المشروعة بأنواعها العامة والتعاونية والخاصة والوقف وتحميها، وفقًا لما ينظمه القانون، وتقرر ثانيتهما صون الملكية الخاصة بما يحول دون نزعها لغير منفعة عامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقًا للقانون.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان المدعون قد صاروا مالكين للأراضى – محل التداعى فى الدعوى الموضوعية – وكانت النصوص التشريعية المطعون فيها قد حرمتهم منها بعدم الاعتداد بالتصرفات القانونية الصحيحة التى آلت بمقتضاها تلك الأراضى إليهم – رغم الاعتداد لآخرين بتصرفات قانونية أقل تكافؤًا مع المراكز القانونية للمدعين – الأمر الذى تمخض عن عدوان مباشر على حق الملكية الخاصة ويناقض طبيعتها ويعدل من خصائصها، وينحل إلى انتزاعها من ذويها لغير منفعة عامة، ودون تعويض عادل، وليس ذلك إلا إسقاطًا للملكية عن أصحابها بعمل تشريعى وإعدامه لها، ومن ثم تكون النصوص المطعون فيها قد وقعت فى حومة المخالفة الدستورية.
وحيث إنه من المقرر أن حرية التعاقد – فضلاً عن كونها فرعا من الحرية الشخصية يتكامل معها ويدعم خصائصها – فإنها كذلك وثيقة الصلة بحق الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التى ترتبها العقود بين أطرافها، أيا كان المدين بأدائها، وأنه وإن كان للسلطة التشريعية أن تعيد تنظيم بعض العقود لتحيط بعض جوانبها بقواعد آمرة لايجوز الخروج عليها لمصلحة قدرتها، إلا أن هذه السلطة لايسعها أن تهدم الدائرة التى تباشر فيها الإرادة حركتها، فلا يكون لسلطانها بعد هدمها من أثر باغتيالها بتمامها، وإلا كان ذلك إنهاء لوجودها، ومحوًا كاملاً للحرية الشخصية فى واحد من أكثر مجالاتها تعبيرًا عنها، بما يصون لهذه الحرية مقوماتها، ويؤكد فعاليتها. وإذ كان الثابت من مراجعة النصوص المطعون فيها أنها قد أهدرت إرادة المدعين بالنص على “إلغاء توزيعات طرح النهر التى وزعت على من آلت إليهم ملكية الأكل بعد صدور القانون رقم 73 لسنة 1953 بطريق التعاقد، ولو كانت قد اعتمدت وتم شهرها”، بما يمثله ذلك من اعتداء على حق الملكية، ومساسًا بالحرية الشخصية وحرية التعاقد بالمخالفة لأحكام المواد (21، 24، 45) من الدستور القائم؛ وبما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (13) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر وأكله، ونص الفقرة الأولى (بند ج) من المادة (72) والفقرة الأولى من المادة (73) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 100 لسنة 1964 بشأن تنظيم تأجير الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها، فيما تضمنته من إلغاء توزيعات طرح النهر التى وزعت على من آلت إليهم ملكية الأكل بعد صدور القانون رقم 73 لسنة 1953 بطريق التعاقد ولو كانت قد اعتمدت وتم شهرها، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية