جلسة 6 مايو سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: ماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (64)
القضية رقم 2 لسنة 21 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها”.
مناط المصلحة الشخصية المباشرة اللازم توافرها لقبول الدعوى الدستورية ارتباطها بعلاقة منطقية بينها وبين المصلحة القائمة في النزاع الموضوعي – وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 – حق العمل “شروط”.
من غير الحائز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها عن متطلبات ممارستها.
3 – حق العمل “تنظيمه – أجازة”.
من غير الجائز للسلطة التشريعية من خلال تنظيمها لحق العمل تعطيل جوهره – من غير الجائز لجهة العمل تحجب الأجازة السنوية عن عامل يستحقها.
4 – تشريع “المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978: أجازة سنوية”.
حق العامل في الأجازة السنوية غداً، بهذه المادة، حقاً مقرراً له بنص القانون – الأجازة فريضة اقتضاها المشرع من العامل وجه الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل.
5 – أجازة سنوية “رصيد: تعويض”.
كلما كان فوات الأجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل دخل فيها كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عما تجمع منها.
6 – تشريع “الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978: عوار”.
ما تضمنه هذا النص من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر يخالف الدستور متى كانت مصلحة العمل هي التي اقتضت عدم حصوله على هذا الرصيد.
7 – تشريع “المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978: مقال نقدي”.
ما قررته هذه المادة من أسس لحساب المقابل النقدي عن رصيد أجازات العامل ليس مصادماً للعدالة ولا مخالفاً لأحكام الدستور.
1 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 – من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وآثاراً يرتبها من بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها؛ أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة لا تحامل فيها. ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلباتها ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
3 – الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة 13 تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الأجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، ,إلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيما، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق من مداه.
4 – إن المشرع قد صاغ – في هذا الإطار – بنص المادة 65 المشار إليها حق العامل في الأجازة السنوية فغدا بذلك حقاً مقرراً له بنص القانون، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة؛ محدداً للأجازة السنوية مدداً تختلف باختلاف مدة خدمة العامل، ولم يجز تقصيرها أو تأجيلها أو إنهاءها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، كما أجاز للعامل أن يحتفظ بما قد يكون له من رصيد الأجازات الاعتيادية السنوية مع وضع ضوابط معينة للحصول عليها بحيث لا يجوز له الحصول على أجازة من هذا الرصيد تزيد على ستين يوماً في السنة الواحدة فإذا انتهت خدمة العامل وكان له رصيد من تلك الأجازات، حق له اقتضاء بدل نقدي عن هذا الرصيد؛ بيد أن المشرع قيد اقتضاء هذا البدل بشرطين: أولهما ألا تجاوز مدة الرصيد الذي يستحق عنها البدل النقدي أربعة أشهر وثانيهما حساب هذا البدل على أساس الأجر الأساسي عند انتهاء الخدمة مضافاً إليه العلاوات الخاصة.
إن المشرع تغياً من ضمان حق العامل في أجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية المعنوية. ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، ولا أن يدعي العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكاً لقواه، وتبديداً لطاقاته. وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامه بدواعي مصلحة العمل وهو ما يقطع بأن الحق في الأجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية. ومن ثم كان ضرورياً بالتالي – ضماناً لتحقيق الأغراض المتوخاة من الأجازة السنوية – أن تنص المادة 68 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ذاته على أن اشتغال العامل بأجر أو بدون أجر لدى جهة أخرى خلال إجازته المقررة وفق القانون يجيز لجهة الإدارة أن تحرمه من أجره عن مدة الأجازة أو أن تسترد ما دفعته إليه من أجر عنها فضلاً عن تعرضه للجزاء التأديبي.
5، 6 – إن المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة 65 المشار إليها على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الأجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهي بعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للأجازة السنوية غاياتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها؛ بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الأجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل يد فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من أجازاته السنوية على هذا النحو ممكنناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة التي يمتد إليها الحرمان من استعمال تلك الأجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
إن الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان 32 و34 من الدستور اللتان صان بها الملكية الخاصة والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
7 – المقابل النقدي المستحق عن رصيد الأجازات السنوية التي لم يحصل عليها العامل – بسبب مقتضيات العمل – حتى انتهاء خدمته، يعد تعويضاً له عن حرمانه من هذا الأجازات؛ ولما كان المشرع قد اتخذ أساساً لحساب هذا التعويض الأجر الأساسي الذي وصل إليه العامل عند انتهاء خدمته – رغم تباين أجره خلالها مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها؛ جبراً للضرر الناجم عن عدم حصوله على أجازاته السنوية، فإن هذا النهج لا يكون مصادماً للعدالة ولا مخالفاً لأحكام الدستور.
الإجراءات
بتاريخ الرابع عشر من يناير سنة 1999، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي – وكان يشغل وظيفة أستاذ بكلية الحقوق جامعة الزقازيق – قد أقام الدعوى رقم 100 لسنة 1998 أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد المدعى عليه الثاني طالباً الحكم له بباقي مستحقاته عن رصيد أجازاته السنوية التي تجاوز مدة أربعة أشهر. وأثناء نظر تلك الدعوى دفع المدعي بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 معدلة بالقانون رقم 219 لسنة 1991 تنص على أن:
“يستحق العامل أجازة اعتيادية سنوية بأجر كامل لا يدخل في حسابها أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية فيما عدا العطلات الأسبوعية وذلك على الوجه التالي:
…………
ولا يجوز تقصير أو تأجيل الأجازة الاعتيادية أو إنهاؤها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل.
ويجب في جميع الأحوال التصريح بأجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة.
ويحتفظ العامل برصيد أجازاته الاعتيادية. على أنه لا يجوز أن يحصل على أجازة اعتيادية من هذا الرصيد بما يجاوز ستين يوماً في السنة بالإضافة إلى الأجازة الاعتيادية المستحقة له عن تلك السنة.
فإذا انتهت خدمة العامل قبل استنفاد رصيده من الأجازات الاعتيادية استحق عن هذا الرصيد أجره الأساسي مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضها عند انتهاء خدمته، وذلك بما لا يجاوز أجر أربعة أشهر ولا تخضع هذه المبالغ لأية ضرائب أو رسوم”.
وحيث إن المادة (2) من القانون رقم 219 لسنة 1991 المشار إليه تنص على أن “تسري أحكام هذا القانون على المعاملين بكادرات خاصة ويلغى كل حكم ورد على خلال ذلك في القواعد المنظمة لشئونهم”.
كما تنص المادة (3) من ذات القانون على أن “ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره” وقد نشر هذا القانون في 7/ 12/ 1991.
ومفاد ما تقدم أنه اعتباراً من تاريخ العمل بأحكام القانون رقم 219 لسنة 1991 المشار إليه – في 8/ 12/ 1991 فإن العاملين الذين تنتظم شئون توظفهم قوانين خاصة – ومن بينها قانون تنظيم الجامعات – يسري في شأنهم حكم الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الدستورية الماثلة – بقدر ارتباطها بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي – يتحدد بنص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 219 لسنة 1991.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وآثاراً يرتبها من بينها – في مجال حق العمل – ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها منصفاً وإنسانياً ومواتياً، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا ترهق بفحواها بيئة العمل ذاتها؛ أو تناقض بأثرها ما ينبغي أن يرتبط حقاً وعقلاً بالشروط الضرورية لأداء العمل بصورة لا تحامل فيها. ومن ثم لا يجوز أن تنفصل الشروط التي يتطلبها المشرع لمباشرة عمل أو أعمال بذواتها، عن متطلباتها ممارستها، وإلا كان تقريرها انحرافاً بها عن غايتها يستوي في ذلك أن يكون سندها علاقة عقدية أو رابطة لائحية.
وحيث إن الدستور وإن خول السلطة التشريعية بنص المادة 13 تنظيم حق العمل، إلا أنها لا يجوز لها أن تعطل جوهره، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئاً لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التي تتصل بالأوضاع التي ينبغي أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق في الأجازة السنوية التي لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، إلا كان ذلك منها عدواناً على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التي لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيما، ونكولاً عن الحدود المنطقية التي ينبغي وفقاً للدستور أن تكون إطاراً لحق العمل، واستتاراً بتنظيم هذا الحق من مداه.
وحيث إن المشرع قد صاغ – في هذا الإطار – بنص المادة 65 المشار إليها حق العامل في الأجازة السنوية فغدا بذلك حقاً مقرراً له بنص القانون، يظل قائماً ما بقيت الرابطة الوظيفية قائمة؛ محدداً للأجازة السنوية مدداً تختلف باختلاف مدة خدمة العامل، ولم يجز تقصيرها أو تأجيلها أو إنهاءها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، كما أجاز للعامل أن يحتفظ بما قد يكون له من رصيد الأجازات الاعتيادية السنوية مع وضع ضوابط معينة للحصول عليها بحيث لا يجوز له الحصول على أجازة من هذا الرصيد تزيد على ستين يوماً في السنة الواحدة فإذا انتهت خدمة العامل وكان له رصيد من تلك الأجازات، حق له اقتضاء بدل نقدي عن هذا الرصيد؛ بيد أن المشرع قيد اقتضاء هذا البدل بشرطين: أولهما ألا تجاوز مدة الرصيد الذي يستحق عنها البدل النقدي أربعة أشهر وثانيهما حساب هذا البدل على أساس الأجر الأساسي عند انتهاء الخدمة مضافاً إليه العلاوات الخاصة.
وحيث إن المشرع تغياً من ضمان حق العامل في أجازة سنوية بالشروط التي حددها أن يستعيد العامل خلالها قواه المادية المعنوية. ولا يجوز بالتالي أن ينزل العامل عنها ولو كان هذا النزول ضمنياً بالامتناع عن طلبها، إذ هي فريضة اقتضاها المشرع من كل من العامل وجهة الإدارة فلا يملك أيهما إهدارها كلياً أو جزئياً إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل، ولا أن يدعي العامل أنه بالخيار بين طلبها أو تركها، وإلا كان التخلي عنها إنهاكاً لقواه، وتبديداً لطاقاته. وإضراراً بمصلحة العمل ذاتها التي يتعذر صونها مع الاستمرار فيه دون انقطاع. بل إن المشرع اعتبر حصول العامل على أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام متصلة كل سنة أمراً لا يجوز الترخيص فيه، أو التذرع دون تمامه بدواعي مصلحة العمل وهو ما يقطع بأن الحق في الأجازة السنوية يتصل بقيمة العمل وجدواه، وينعكس بالضرورة على كيان الجماعة ويمس مصالحها العليا صوناً لقوتها الإنتاجية البشرية. ومن ثم كان ضرورياً بالتالي – ضماناً لتحقيق الأغراض المتوخاة من الأجازة السنوية – أن تنص المادة 68 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ذاته على أن اشتغال العامل بأجر أو بدون أجر لدى جهة أخرى خلال إجازته المقررة وفق القانون يجيز لجهة الإدارة أن تحرمه من أجره عن مدة الأجازة أو أن تسترد ما دفعته من أجر عنها فضلاً عن تعرضه للجزاء التأديبي.
وحيث إن المشرع قد دل بالفقرة الأخيرة من المادة 65 المشار إليها على أن العامل لا يجوز أن يتخذ من الأجازة السنوية وعاءً ادخارياً من خلال ترحيل مددها التي تراخى في استعمالها، ثم تجميعها ليحصل بعد انتهاء خدمته على ما يقابلها من الأجر، فلم يجز له أن يحصل على ما يساوي أجر هذا الرصيد إلا عن مدة لا تجاوز أربعة أشهر، وهي بعد مدة قدر المشرع أن قصرها يعتبر كافلاً للأجازة السنوية غاياتها، فلا تفقد مقوماتها أو تتعطل وظائفها؛ بيد أن هذا الحكم لا ينبغي أن يسري على إطلاقه، بما مؤداه أنه كلما كان فوات الأجازة راجعاً إلى جهة العمل أو لأسباب اقتضتها ظروف أدائه دون أن يكون لإرادة العامل يد فيها، كانت جهة العمل مسئولة عن تعويضه عنها، فيجوز للعامل عندئذ – وكأصل عام – أن يطلبها جملة فيما جاوز ستة أيام كل سنة، إذا كان اقتضاء ما تجمع من أجازاته السنوية على هذا النحو ممكنناً عيناً، وإلا كان التعويض النقدي عنها واجباً، تقديراً بأن المدة التي يمتد إليها الحرمان من استعمال تلك الأجازة مردها إلى جهة العمل فكان لزاماً أن تتحمل وحدها تبعة ذلك.
وحيث إن الحق في التعويض لا يعدو أن يكون من العناصر الإيجابية للذمة المالية للعامل، مما يندرج في إطار الحقوق التي تكفلها المادتان 32 و34 من الدستور اللتان صان بها الملكية الخاصة والتي جرى قضاء هذه المحكمة على اتساعها للأموال بوجه عام وانصرافها بالتالي إلى الحقوق الشخصية والعينية جميعها. متى كان ذلك، فإن حرمان العامل من التعويض المكافئ للضرر والجابر له يكون مخالفاً للحماية الدستورية المقررة للملكية الخاصة.
وحيث إنه وقد خلص قضاء هذه المحكمة إلى أن المقابل النقدي المستحق عن رصيد الأجازات السنوية التي لم يحصل عليها العامل – بسبب مقتضيات العمل – حتى انتهاء خدمته، يعد تعويضاً له عن حرمانه من هذا الأجازات؛ وكان المشرع قد اتخذ أساساً لحساب هذا التعويض الأجر الأساسي الذي وصل إليه العامل عند انتهاء خدمته – رغم تباين أجره – مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي كان يتقاضاها؛ جبراً للضرر الناجم عن عدم حصوله على أجازاته السنوية، فإن هذا النهج لا يكون مصادماً للعدالة ولا مخالفاً لأحكام الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد أجازاته الاعتيادية فيما جاوز أربعة أشهر، متى كان عدم الحصول على هذا الصيد راجعاً إلى أسباب اقتضتها مصلحة العمل، والتزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.