جلسة 9 سبتمبر سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (88)
القضية رقم 151 لسنة 21 قضائية “دستورية”
1 – سلطة قضائية “استقلال وحيدة – مواثيق دولية”.
استقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان متكاملتان ومتلازمتان تنصبان معاً على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها – تعادل هاتين الضمانتين في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافاً لتكون لهما معاً القيمة الدستورية ذاتها – امتداد ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات بالضرورة إلى كل خصومة قضائية أياً كانت طبيعة موضوعها – هاتان الضمانتان تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق – التأكيد على الضمانتين في المواثيق الدولية.
2 – سلطة قضائية “إخلال بالثقة: تحقيق”.
إخلال أحد أعضاء السلطة القضائية بالثقة فيه أو خروجه على واجبات وظيفته ومقتضياتها يتعين أن يكون مسبوقاً بتحقيق متكامل.
3 – تشريع “الفقرة الأخيرة من المادة 98 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 – إخلال بالحيدة”.
إخلال نص هذه الفقرة بضمانة الحيدة فيما أجازه من جلوس من سبق له الاشتراك في طلب إحالة القاضي إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية ضده في هيئة مجلس التأديب.
1 – جرى قضاء هذه المحكمة على أن استقلال السلطة القضائية وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم. إلا أن حيدة تلك السلطة عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأناً عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما؛ ذلك أن استقلال السلطة القضائية يعني أن تعمل بعيداً عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها فيميلون معها عن الحق إغواء وإرغاماً، ترغيباً أو ترهيباً، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم وانحيازاً لغيره، كان ذلك منافياً لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية، ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون داخلهم الريب فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، يؤيد ذلك:
أولاً: أن استقلال السلطة القضائية، وحيدتها ضمانتان تنصبان معاً على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمتان، وإذ جاز القول – وهو صحيح – بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقاً وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمراً مقضياً أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافاً، لتكون لهما معاً القيمة الدستورية ذاتها. فلا تعلو إحداهما على أخراهما أو تجبها، بل تتضامنان تكاملاً، وتتكافآن قدراً.
ثانياً: أن ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلافها وفق نص المادة (67) من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أياً كانت طبيعة موضوعها – جنائياً كان أو مدنياً أو تأديبياً – أو متعلقة بإخلال عضو هيئة قضائية بالثقة والاعتبار اللازمين لاستمراره في عمله القضائي، أو متصلة بضعف أدائه ونزوله عن المستوى المقبول. إذ أن التحقيق في هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيما بضمانات التقاضي التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه، وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافأ أطرافها فيها جميعاً، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
ثالثاً: أن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، مؤداه أن لكل خصومة – في نهاية مطافها – حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور، وهي تكون كذلك إذا كان تقريرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معاً. ذلك أن هاتين الضمانتين – وقد فرضهما الدستور على ما تقدم – تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.
رابعاً: أن إعلان المبادئ الأساسية في شأن استقلال القضاء التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين في 29/ 1/ 1985 و13/ 12/ 1985 قد أكد أن المنازعات التي تدخل في اختصاص السلطة القضائية، ينبغي الفصل فيها بطريقة محايدة؛ وعلى ضوء وقائعها ووفقاً لحكم القانون بشأنها، مع تجرد قضاتها من عوامل التأثير والتحريض، وكذلك من كل صور الضغوط أو التهديد أو التدخل غير المشروع – مباشراً كان أم غير مباشر – مصدرها أو سببها.
2 – إن إخلال أحد أعضاء السلطة القضائية بالثقة والاعتبار اللذين ينبغي توافرهما فيه أو خروجه على واجبات وظيفته ومقتضياتها، يتعين في الحالين أن يكون مسبوقاً بتحقيق متكامل، واف وأمين، فإذا ما استكمل التحقيق عناصره، وكان واشياً بعدم صلاحية العضو أو كان للتهمة معينها من الأوراق، كان عرض أمره على الجهة التي أولاها المشرع مسئولية الفصل فيه لازماً، وذلك بشرطين: أولهما: أن تكون قضائية في تشكيلها وضماناتها، ثانيهما: ألا يكون من بين أعضائها من اتصال بإجراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقاً أو اتهاماً.
3 – إن الفصل في مدى صلاحية القاضي للاستمرار في عمله القضائي أو تأديبه معقود لمجلس تأديب يشكل على النحو المنصوص عليه في المادة 98 من قانون السلطة القضائية، ولا يُمنع من الجلوس في هيئة مجلس التأديب من سبق له الاشتراك في طلب الإحالة إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية، وكان الأصل أن من طلب الإحالة إلى المعاش أو إقامة الدعوى التأديبية يُفترض فيه أنه قد جال ببصره في الحالة المعروضة ورجح – على ضوء اعتقاده – ما إذا كان بنيانها متماسكاً أو متهادماً، منتهياً من بحثه إلى المضي في دعوى الصلاحية أو التأديب أو التخلي عنهما، وكان ذلك لا يعدو أن يكون رأياً مؤثراً في موضوعية تلك الخصومة وحائلاً دون تأسيسها على ضمانة الحيدة التي لا يجوز إسقاطها عن أحد من المتقاضين لتسعهم جميعاً على تباينهم.
الإجراءات
بتاريخ الخامس عشر من أغسطس سنة 1999، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادتين 98 و111 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمادة 111 ورفضها بالنسبة للمادة 98.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
وبجلسات المرافعة مثل طالبو التدخل وعددهم اثنان وثلاثون ملتمسين قبول تدخلهم منضمين إلى المدعي في طلباته.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان يشغل وظيفة نائب رئيس استئناف بمحكمة استئناف القاهرة. وإذ نسبت إليه اتهامات تنال إن صحت من صلاحيته فقد عرض أمره على مجلس الصلاحية فأصدر المجلس قراراً بالسير في الإجراءات ضده، وبجلسة 6/ 1/ 1997 قضى المجلس بنقله إلى وظيفة غير قضائية، فأقام المدعي الطعن رقم 11 لسنة 67 قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض طالباً الحكم ببطلان قرار المجلس المشكل طبقاً لحكم المادة 98 من قانون السلطة القضائية بالسير في الإجراءات ضده وكذا بطلان حكم هذا المجلس بنقله إلى وظيفة غير قضائية. وأثناء نظر الطعن دفع المدعي بعدم دستورية نص المادتين 98 و111 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إنه عن طلبات التدخل الإنضمامي، فإنه متى كان المتدخلون غير ماثلين في الدعوى الموضوعية التي يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الحكم فيها، ولا يعتبرون بالتالي خصوماً أو ذوي شأن في الدعوى الدستورية، فإنه يتعين – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – الحكم بعدم قبول تدخلهم.
وحيث إن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستوري المثارة بالنسبة للمادة 111 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 بحكمها الصادر بجلسة أول فبراير سنة 1992 في القضية رقم 2 لسنة 9 قضائية “دستورية”، والذي قضى برفض الطعن بعدم دستورية هذا النص. وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بتاريخ 20/ 2/ 1992، وكانت الخصومة في الدعوى الراهنة تتعلق – في هذا الشق – بذات النص التشريعي الذي قضت المحكمة برفض الطعن عليه، وكان مقتضى نص المادتين 48 و49 من قانون المحكمة الدستورية العليا أن يكون لقضاء هذه المحكمة في الدعاوى الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً لا يقبل تأويلاً ولا تعقيباً من أن جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، فإن الدعوى – في هذا النطاق – تكون غير مقبولة.
وحيث إن المادة 98 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 تنص على أن:
“تأديب القضاة بجميع درجاتهم يكون من اختصاص مجلس تأديب يشكل على النحو الآتي:
– رئيس محكمة النقض |
رئيساً |
أقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف |
أعضاء |
– ………………….. |
– ………………….. |
– ………………….. |
ولا يمنع من الجلوس في هيئة مجلس التأديب سبق الاشتراك في طلب الإحالة إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية”.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين أنه وقد أجاز في فقرته الأخيرة لمن سبق له الاشتراك في طلب الإحالة إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية، الجلوس في هيئة مجلس التأديب، يكون قد أخل بضمانة الحيدة المفترضة في القاضي.
وحيث إن ضمانة الحيدة – في نطاق النزاع الماثل – إنما تتصل أساساً بما إذا كان يجوز لمن سبق له الاشتراك في طلب إحالة قاض للمعاش أو إحالته إلى المحاكمة التأديبية، أن يجلس في هيئة مجلس التأديب الذي يفصل في أمر صلاحية القاضي أو تأديبه، باعتبار أن هذا العضو سبق أن أبدى رأياً أو اتخذ موقفاً في شأن ذلك القاضي.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استقلال السلطة القضائية وإن كان لازماً لضمان موضوعية الخضوع للقانون، ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم. إلا أن حيدة تلك السلطة عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأناً عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما؛ ذلك أن استقلال السلطة القضائية يعني أن تعمل بعيداً عن أشكال التأثير الخارجي التي توهن عزائم رجالها فيميلون معها عن الحق إغواء وإرغاماً، ترغيباً أو ترهيباً، فإذا كان انصرافهم عن إنفاذ الحق تحاملاً من جانبهم على أحد الخصوم وانحيازاً لغيره، كان ذلك منافياً لضمانة التجرد عند الفصل في الخصومة القضائية، ولحقيقة أن العمل القضائي لا يجوز أن يثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون داخلهم الريب فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، يؤيد ذلك:
أولاً: أن استقلال السلطة القضائية، وحيدتها ضمانتان تنصبان معاً على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمتان، وإذ جاز القول – وهو صحيح – بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقاً وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمراً مقضياً أن تتعادل ضمانتا استقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال اتصالهما بالفصل في الحقوق انتصافاً، لتكون لهما معاً القيمة الدستورية ذاتها. فلا تعلو إحداهما على أخراهما أو تجبها، بل تتضامنان تكاملاً، وتتكافآن قدراً.
ثانياً: أن ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلافها وفق نص المادة (67) من الدستور، تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أياً كانت طبيعة موضوعها – جنائياً كان أو مدنياً أو تأديبياً – أو متعلقة بإخلال عضو هيئة قضائية بالثقة والاعتبار اللازمين لاستمراره في عمله القضائي، أو متصلة بضعف أدائه ونزوله عن المستوى المقبول. إذ أن التحقيق في هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون اختصاص الفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيما بضمانات التقاضي التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه، وطرح أدلتها، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافأ أطرافها فيها جميعاً، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، محدداً للعدالة مفهوماً تقدمياً يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة.
ثالثاً: أن حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، مؤداه أن لكل خصومة – في نهاية مطافها – حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور، وهي لا تكون كذلك إذا كان تقريرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى استقلالها أو حيدتها أو هما معاً. ذلك أن هاتين الضمانتين – وقد فرضهما الدستور على ما تقدم – تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما.
رابعاً: أن إعلان المبادئ الأساسية في شأن استقلال القضائية التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقراريها الصادرين في 29/ 1/ 1985 و13/ 12/ 1985 قد أكد أن المنازعات التي تدخل في اختصاص السلطة القضائية، ينبغي الفصل فيها بطريقة محايدة؛ وعلى ضوء وقائعها ووفقاً لحكم القانون بشأنها، مع تجرد قضاتها من عوامل التأثير والتحريض، وكذلك من كل صور الضغوط أو التهديد أو التدخل غير المشروع – مباشراً كان أم غير مباشر – مصدرها أو سببها.
وحيث إن إخلال أحد أعضاء السلطة القضائية بالثقة والاعتبار اللذين ينبغي توافرهما فيه أو خروجه على واجبات وظيفته ومقتضياتها، يتعين في الحالين أن يكون مسبوقاً بتحقيق متكامل، واف وأمين، فإذا ما استكمل التحقيق عناصره، وكان واشياً بعدم صلاحية العضو أو كان للتهمة معينها من الأوراق، كان عرض أمره على الجهة التي أولاها المشرع مسئولية الفصل فيه لازماً، وذلك بشرطين: أولهما: أن تكون قضائية في تشكيلها وضماناتها، ثانيهما: ألا يكون من بين أعضائها من اتصال بإجراء سابق على توليها لمهامها سواء كان تحقيقاً أو اتهاماً.
وحيث إن الفصل في مدى صلاحية القاضي للاستمرار في عمله القضائي أو تأديبه معقود لمجلس تأديب يشكل على النحو المنصوص عليه في المادة 98 من قانون السلطة القضائية، ولا يُمنع من الجلوس في هيئة مجلس التأديب من سبق له الاشتراك في طلب الإحالة إلى المعاش أو رفع الدعوى التأديبية، وكان الأصل أن من طلب الإحالة إلى المعاش أو إقامة الدعوى التأديبية يُفترض فيه أنه قد جال ببصره في الحالة المعروضة ورجح – على ضوء اعتقاده – ما إذا كان بنيانها متماسكاً أو متهادماً، منتهياً من بحثه إلى المضي في دعوى الصلاحية أو التأديب أو التخلي عنهما، وكان ذلك لا يعدو أن يكون رأياً مؤثراً في موضوعية تلك الخصومة وحائلاً دون تأسيسها على ضمانة الحيدة التي لا يجوز إسقاطها عن أحد من المتقاضين لتسعهم جميعاً على تباينهم. فإن النص الطعين يكون بذلك مخالفاً لأحكام المواد 65، 67، 68 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 98 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.