جلسة 2 ديسمبر سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري وعدلي محمود منصور وعلي عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصي، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (96)
القضية رقم 227 لسنة 21 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “الحكم فيها – حجيته: نطاقها”.
نطاق الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر على النصوص التشريعية التي فصلت فيها المحكمة الدستورية العليا فصلاً حاسماً بقضائها – لا تمتد تلك الحجية إلى ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل.
2 – تشريع “استثمار – ضمانات”.
المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية غايتها ضمان تدفقها إلى مصر، بدون قيود غير مبررة تدفعها إلى العودة للخارج.
3 – مبدأ المساواة أمام القانون “نطاقه – التمييز المناقض له”.
إرساء الدستور بنص المادة 40 لمبدأ المساواة أمام القانون يعد ضمانة جوهرية لتحقيق العدل – امتداد تطبيقه إلى الحقوق والحريات التي كفلها الدستور وتلك التي تقررت بقانون في حدود السلطة التقديرية للمشرع – مؤدى تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية أنها ينبغي أن تسعهم جميعاً – التمييز المناقض للدستور قد يجد مصدره في القانون مباشرة بالإضافة إلى الآثار غير المباشرة التي يحدثها التنظيم التشريعي.
4 – مبدأ المساواة أمام القانون “مراكز قانونية – شركات استثمار”.
المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون هي التي تتحد في العناصر التي رتب عليها المشرع أثراً قانونياً محدداً – عدم جواز انتقاص المشرع من المزايا التي ربطها بوجود المركز القانوني – التمييز بين شركات الاستثمار ونظائرها التابعة لقطاع الأعمال العام أو الخاص في شأن أساس المحاسبة على استهلاك المنتجات البترولية، يُعد تمييزاً غير مبرر.
5 – تشريع “قانون الاستثمار – مزايا”.
من غير الجائز تقليص المزايا التي أتت رؤوس العربية والأجنبية معتمدة عليها من خلال فرض أعباء جديدة تحد من نطاقها.
6 – حق الملكية الخاصة “نطاق الحماية المقررة لها”.
امتداد الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة إلى كل حق ذي قيمة مالية – اتساعها للأموال بوجه عام.
1 – الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 18 قضائية “دستورية” قد اقتصر على القضاء بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم 42 لسنة 1981 وذلك في مجال تطبيقها بالنسبة إلى شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً فندقياً، فإن حجية الحكم السابق تكون – بدورها – مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلا غير ذلك من شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً مغايراً.
2 – لئن كان المشرع قد أصدر قانون ضمانات وحوافز الاستثمار بالقانون رقم 8 لسنة 1997 ملغياً القانون رقم 230 لسنة 1989، إلا أنه قد تضمن في مادته الثانية – التي عمل بها اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره في 11/ 5/ 1997 – النص على ألا “تخل أحكامه بالمزايا والإعفاءات الضريبية وغيرها من الضمانات والحوافز المقررة للشركة والمنشآت القائمة وقت العمل به، وتظل هذه الشركات والمنشآت محتفظة بتلك المزايا والإعفاءات والضمانات والحوافز إلى أن تنتهي المدد الخاصة بها، وذلك طبقاً للتشريعات والاتفاقيات المستمدة منها” فدل بذلك على حرصه على استمرار شركات الاستثمار في الاحتفاظ بكافة المزايا التي سبق تقريرها لها في التشريعات السابقة على القانون رقم 8 لسنة 1997 المشار إليه، ويرجع ذلك إلى أن المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية، غايتها استثارة اهتمام أصحابها بأوضاع الاستثمار في مصر، لضمان تدفقها إليها، ودون ما قيود قد ينوء بها نشاطها، فلا يكون بقاء هذه الأموال في مصر مجدياً، بل يعاد تصديرها منها.
3 – مبدأ المساواة أمام القانون الذي أرساه الدستور بنص المادة 40 منه – بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعي – لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق التي كفلها الدستور، وإنما يمتد كذلك إلى ما يكون منها قد تقرر بقانون – أو بأداة تشريعية أدنى – في حدود السلطة التقديرية التي يملكها المشرع. فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها. وكلما كفل المشرع لمشروعات بذواتها مزايا تفضيلية قدر ضرورتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال رؤوس الأموال الوافدة إلى مصر، وكان أصحابها قد قدروا عائد استثمار هذه الأموال فيها على ضوء هذه المزايا، فإنها تغدو حقوقاً لا يجوز تهوينها، ولا موازنتها بأعباء تحد منها، وأساس ذلك أن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه أنها ينبغي أن تسعهم جميعاً، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميماً مجاوزاً نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها، إذ أن المشرع قد يقصد بالنصوص القانونية التي يصوغها، إجراء تمييز مناقض للدستور وقد تخل الآثار التي يحدثها التمييز – من حيث مداها – بأغراض قصد الدستور إلى إرسائها. ويعتبر التمييز غير مغتفر في هاتين الحالتين كلتيهما. بل ربما كان التمييز أكثر خطراً في الصورة الثانية التي يبدو فيها النص التشريعي المطعون فيه محايداً في مظهره، مخالفاً للدستور في أثره.
4 – المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر واقعية لم يدخلها المشرع في اعتباره – بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز القانوني إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها. ولا يتصور بعد تحققها وتولد المركز القانوني عنها، أن تكون قيداً عليه، ولا أن ينتقص المشرع من المزايا التي ربطها بوجوده، إذ هي كامنة فيه، فلا يجوز نقضها، ومتى كانت رؤوس الأموال العربية والأجنبية المستثمرة في مجال النشاط الصناعي في مصر تتكافأ ونظائرها الأخرى العاملة في ذات المجال سواء كانت تابعة لقطاع الأعمال العام أو الخاص، وكانت هذه الأخيرة تحاسب على استهلاكها من المنتجات البترولية على أساس السعر السائد في السوق المحلي، فإن النص الطعين وقد جنح إلى محاسبة الشركات الأولى على أساس مغاير لأسعار تلك المنتجات، يكون محدثاً تمييزاً غير مبرر بين منشآت تباشر نشاطاً واحداً، ومن ثم مخالفاً لمبدأ المساواة.
5 – القول بأن المزايا التي كفلها المشرع للمشروعات الخاضعة لنظام الاستثمار تعطيها مركزاً واقعياً شديد التميز يسوغ الرجوع عنها، من خلال موازنتها بأعباء جديدة، مردود أولاً: بأن تقرير هذه المزايا يتصل بضمان تدفق رؤوس الأموال العربية والأجنبية إلى مصر لتمويل قاعدة أعرض للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعلى ضوء تنوع هذه المزايا وأبعادها، تُحدد رؤوس الأموال العربية والأجنبية موقفها من الاستثمار فيها، فإذا أتت إليها بعد اعتمادها على تلك المزايا، فإن تقليصها من خلال فرض أعباء جديدة تحد من نطاقها، لا يكون جائزاً، وعلى الأخص كلما كان من شأن الأعباء التي فرضها المشرع على المشروعات الاستثمارية، إرهاق نشاطها، فلا يكون تنافسها متكافئاً مع غيرها ممن يباشرون معها – وإلى جانبها – ذلك مجال نشاطها، ومردود ثانياً: بأن معدل تدفق الاستثمار في بلد معين، يرتبط بالتدابير التي تتخذها وتؤثر في مداه فكلما كان من شأنها اعتصار عائده، أو فرض أوضاع جديدة لا يكون معها مجزياً، كان ذلك مؤثراً في مجراه، أو مشككاً في جدواه، ومردود ثالثاً: بأن مؤدى النص المطعون فيه، التمييز في الأعباء بين الشركات التي يحكمها قانون الاستثمار، وتلك التي تخرج عن نطاق تطبيق هذا القانون، وذلك في مجال القواعد التي فرضت لمحاسبة كل منها عن مسحوباتها من المنتجات البترولية. فعلى نقيض أولاهما التي تُحَمَّل بالسعر المرتفع، فإن ثانيتهما لا تتقيد بغير السعر المنخفض، ويعتبر هذا التمييز – بمحتواه – مقصوداً، ومخالفاً بالتالي للدستور في أثره، ومرود رابعاً: بأن المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار الأموال العربية والأجنبية، هي علة وجودها في مصر، وهي التي حركتها من مواقعها في بلدانها، فلا يجوز نقضها أو تقييدها بعد أن تعلق الاستثمار بها، ومردود خامساً: بأن القول بأن المزايا التفضيلية التي ربطها المشرع باستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية، ينبغي مقابلتها ببعض الأعباء التي توازنها، مؤداه أن المزايا التي قدر المشرع ضرورتها لتدفق هذه الأموال لمصر، جاوزت حدودها المنطقية، وهو ما لا دليل عليه، بعد أن كفلتها قوانين الاستثمار على تعاقبها دون انتقاص منها، وبما لا يجاوز نطاق السلطة التقديرية للمشرع.
6 – الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياًً أم عينياً أم كان من الحقوق الفنية أو الأدبية أو الصناعية؛ وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام ولما كان النص المطعون فيه – بالأعباء التي فرضها – قد انتقص من عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية عن طريق الأسعار الأعلى التي ألزمها بأدائها عن مسحوباتها من المنتجات البترولية، فإنه يتمحض عدواناً على الملكية بالمخالفة لنص المادتين 32، 34 من الدستور.
الإجراءات
بتاريخ الرابع والعشرين من نوفمبر سنة 1999، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم 42 لسنة 1981، فيما تضمنته من زيادة سعر بيع المنتجات البترولية لشركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً صناعياً، مع سقوط باقي نصوص القرار في هذا النطاق.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
كما قدمت كل من المدعى عليهما الثالثة والرابعة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1902 لسنة 1998 مدني أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليهما الأخيرين بطلب الحكم بإلزامهما برد المبالغ التي سددها بالزيادة مقابل بيعهما للشركة التي يمثلها – باعتبارها شركة منشأة طبقاً لنظام استثمار المال العربي والأجنبي الصادر به القانون رقم 43 لسنة 1979 – مستلزماتها من المنتجات البترولية على أساس الأسعار العمالية دون الأسعار المحلية. وإذ قضت المحكمة برفض دعواه، فقد أقام الاستئناف رقم 1758 لسنة 116 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم 42 لسنة 1981، فيما تضمنته من محاسبة شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً صناعياً عن مسحوباتها من المنتجات البترولية بالأسعار العالمية دن الأسعار المحلية، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن القرار المطعون فيه ينص في مادته الأولى على أن تتم محاسبة مشروعات الاستثمار الخاضعة لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1979 المشار إليه على مسحوباتها من المنتجات البترولية على أساس تحريك سعرها المحلي (المدعم) تدريجياً بزيادة نسبتها 20% من الفرق بين السعر العالمي والسعر المحلي سنوياً وذلك لمدة خمس سنوات.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى، تأسيساً على أن هذه المحكمة سبق أن حسمت المسألة الدستورية المثارة فيها بحكمها الصادر بجلسة 3/ 5/ 1997 في القضية رقم 17 لسنة 18 قضائية “دستورية”.
وحيث إن هذا الدفع مردود بأن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 18 قضائية “دستورية” قد اقتصر على القضاء بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم 42 لسنة 1981 وذلك في مجال تطبيقها بالنسبة إلى شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً فندقياً، فإن حجية الحكم السابق تكون – بدورها – مقصورة على هذا النطاق وحده، ولا تمتد إلا غير ذلك من شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً مغايراً.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه مخالفته لأحكام المواد 4، 8، 40 من الدستور، قولاً منه بأن النص الطعين يزيد من أعباء الشركات الاستثمارية بالمقارنة بنظيراتها العاملة في ذات النشاط، مما يهدر فرص التنافس المشروع بينها، ويؤدي – بالأعباء التي فرضها – إلى انتقاص عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية، كما يعتبر عدواناً على الملكية بالمخالفة لنص المادتين 32، 34 من الدستور.
وحيث إن المشرع أصدر نظام استثمار المال العربي والأجنبي بالقانون رقم 43 لسنة 1974 متوخياً – وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون – إيجاد مناخ ملائم لتسهيل انتقال رؤوس الأموال العربية والأجنبية للعمل في مصر مع تقديم حوافز مناسبة للاستثمار – عربياً كان أو أجنبياً – وذلك في إطار في الضمانات الكافية ضد المخاطر غير التجارية، مراعياً تخطي العوائق الإدارية والإجرائية التي يؤثر على نمو حجم الاستثمار، وذلك تقديراً من المشرع بأن استثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية في مصر – وعلى ما تنص عليه المادة الثانية من هذا القانون – يعتبر في المجالات التي حددتها – ومن بينها التصنيع والتعدين والنقل والسياحة – لازماً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار السياسة العامة للدولة وخطتها القومية. ولئن كان المشرع قد أقر بعدئذ قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 230 لسنة 1989 ملغياً بمقتضاه القانون السابق عليه، إلا أن استثمار الأموال العربية والأجنبية ظل لازماً لتحقيق خطة التنمية – سواء في مجال أولوياتها أو على ضوء أهدافها – وعلى الأخص كلما كان الاستثمار متطلباً في المجالات التي حددها هذا القانون، ويندرج تحتها ما يكون مرتبطاً منها بالتقدم الصناعي، أو التطور السياحي أو باستصلاح واستزراع الأراضي والإسكان والتعمير. بل إن هذا القانون، تضمن حكمين متكاملين، هما المنصوص عليهما في المادتين 6، 9 التي تكفل أولاهما للمشروعات الخاضعة لأحكام هذا القانون – وأياً كانت جنسية مالكيها أو محال إقامتهم – تمتعها بالضمانات والمزايا والإعفاءات التي حددها هذا القانون، مع جواز إضافة مزايا أخرى غيرها بقرار من مجلس الوزراء وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام. كما تحظر ثانيتهما فرض أية أعباء أو التزامات مالية أو غيرها على هذه المشروعات تخل بمبدأ المساواة بينها وبين مشروعات القطاع الخاص التي تعمل في النشاط ذاته، والتي تنشأ خارج نطاق هذا القانون، وعلى أن يتم تحقيق هذه المساواة بصورة تدريجية على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية، وتُفَصّل المادة 9 من اللائحة التنفيذية المشار إليها، هذه القاعدة ذاتها بقولها “لا يجوز عند تحديد الأسعار الجديدة أو تعديل الأسعار القائمة للخامات والمواد الأولية والمواد البترولية والطاقة الكهربائية وغيرها من مستلزمات التشغيل للمشروعات، الإخلال بينها وبين مشروعات القطاع الخاص التي تنشأ خارج نطاق هذا القانون وتباشر ذات النشاط، كما لا يجوز فرض أية أعباء أو التزامات مالية إضافية أو غيرها على المشروعات بالزيادة عن المقرر منها بالنسبة لمشروعات القطاع الخاص المشار إليها؛ وتتم تدريجياً المساواة في الأسعار والأعباء، والالتزامات المالية المبينة في الفقرتين السابقتين بين المشروعات ومشروعات القطاع الخاص المذكور، وذلك بقرارات من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير وبعد موافقة مجلس الإدارة”.
وحيث إنه ولئن كان المشرع قد أصدر قانون ضمانات وحوافز الاستثمار بالقانون رقم 8 لسنة 1997 ملغياً بنص مادته الرابعة القانون رقم 230 لسنة 1989 المشار إليه، إلا أنه قد تضمن في مادته الثانية – التي عمل بها اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشره في 11/ 5/ 1997 – النص على ألا “تخل أحكامه بالمزايا والإعفاءات الضريبية وغيرها من الضمانات والحوافز المقررة للشركات والمنشآت القائمة وقت العمل به، وتظل هذه الشركات والمنشآت محتفظة بتلك المزايا والإعفاءات والضمانات والحوافز إلى أن تنتهي المدد الخاصة بها، وذلك طبقاً للتشريعات والاتفاقيات المستمدة منها” فدل بلك على حرصه على استمرار شركات الاستثمار في الاحتفاظ بكافة المزايا التي سبق تقريرها لها في التشريعات السابقة على القانون رقم 8 لسنة 1997 المشار إليه.
وحيث إن البينّ من كل ما تقدم، أن المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية، غايتها استثارة اهتمام أصحابها بأوضاع الاستثمار في مصر، لضمان تدفقها إليها، ودون ما قيود قد ينوء بها نشاطها، فلا يكون بقاء هذه الأموال في مصر مجدياً، بل يعاد تصديرها منها.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون الذي أرساه الدستور بنص المادة 40 منه – بحسبانه ضمانة جوهرية لتحقيق العدل والحرية والسلام الاجتماعي – لا يقتصر نطاق تطبيقه على الحقوق التي كفلها الدستور، وإنما يمتد كذلك إلى ما يكون منها قد تقرر بقانون – أو بأداة تشريعية أدنى – في حدود السلطة التقديرية التي يملكها المشرع. فلا يجوز بعدئذ تقييدها بما يعطلها أو ينال من ممارستها، بل يتعين أن تنتظمها أسس موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها. وكلما كفل المشرع لمشروعات بذواتها مزايا تفضيلية قدر ضرورتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال رؤوس الأموال الوافدة إلى مصر، وكان أصحابها قد قدروا عائد استثمار هذه الأموال فيها على ضوء هذه المزايا، فإنها تغدو حقوقاً لا يجوز تهوينها، ولا موازنتها بأعباء تحد منها.
وحيث إن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه أنها ينبغي أن تسعهم جميعاً، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميماً مجاوزاً نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها.
وحيث إن المشرع قد يقصد بالنصوص القانونية التي يصوغها، إجراء تمييز مناقض للدستور وقد تخل الآثار التي يحدثها التمييز – من حيث مداها – بأغراض قصد الدستور إلى إرسائها. ويعتبر التمييز غير مغتفر في هاتين الحالتين كلتيهما. بل ربما كان التمييز أكثر خطراً في الصورة الثانية التي يبدو فيها النص التشريعي المطعون فيه محايداً في مظهره، مخالفاً للدستور في أثره.
وحيث إن المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلاً منها – لا باعتبارها عناصر واقعية لم يدخلها المشرع في اعتباره – بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز القانوني إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها. ولا يتصور بعد تحققها وتولد المركز القانوني عنها، أن تكون قيداً عليه، ولا أن ينتقص المشرع من المزايا التي ربطها بوجوده، إذ هي كامنة فيه، فلا يجوز نقضها.
متى كان ذلك وكانت رؤوس الأموال العربية والأجنبية المستثمرة في مجال النشاط الصناعي في مصر تتكافأ ونظائرها الأخرى العاملة في ذات المجال سواء كانت تابعة لقطاع الأعمال العام أو الخاص، وكانت هذه الأخيرة تحاسب على استهلاكها من المنتجات البترولية على أساس السعر السائد في السوق المحلي، فإن النص الطعين وقد جنح إلى محاسبة الشركات الأولى على أساس مغاير لأسعار تلك المنتجات، يكون محدثاً تمييزاً غير مبرر بين منشآت نباشر نشاطاً واحداً، ومن ثم مخالفاً لمبدأ المساواة.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم القول بأن المزايا التي كفلها المشرع للمشروعات الخاضعة لنظام الاستثمار تعطيها مركزاً واقعياً شديد التميز يسوغ الرجوع عنها، من خلال موازنتها بأعباء جديدة، فذلك مردود أولاً: بأن تقرير هذه المزايا يتصل بضمان تدفق رؤوس الأموال العربية والأجنبية إلى مصر لتمويل قاعدة أعرض للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعلى ضوء تنوع هذه المزايا وأبعادها، تُحدد رؤوس الأموال العربية والأجنبية موقفها من الاستثمار فيها، فإذا أتت إليها بعد اعتمادها على تلك المزايا، فإن تقليصها من خلال فرض أعباء جديدة تحد من نطاقها، لا يكون جائزاً، وعلى الأخص كلما كان من شأن الأعباء التي فرضها المشرع على المشروعات الاستثمارية، إرهاق نشاطها، فلا يكون تنافسها متكافئاً مع غيرها ممن يباشرون معها – وإلى جانبها – ذات مجال نشاطها.
ومردود ثانياً: بأن معدل تدفق الاستثمار في بلد معين، يرتبط بالتدابير التي تتخذها وتؤثر في مداه فكلما كان من شأنها اعتصار عائده، أو فرض أوضاع جديدة لا يكون معها مجزياً، كان ذلك مؤثراً في مجراه، أو مشككاً في جدواه.
ومردود ثالثاً: بأن مؤدى النص المطعون فيه، التمييز في الأعباء بين الشركات التي يحكمها قانون الاستثمار، وتلك التي تخرج عن نطاق تطبيق هذا القانون، وذلك في مجال القواعد التي فرضت لمحاسبة كل منها عن مسحوباتها من المنتجات البترولية. فعلى نقيض أولاهما التي تُحَمَّل بالسعر المرتفع، فإن ثانيتهما لا تتقيد بغير السعر المنخفض، ويعتبر هذا التمييز – بمحتواه – مقصوداً، ومخالفاً بالتالي للدستور في أثره.
ومرود رابعاً: بأن المزايا التفضيلية التي كفلها المشرع لاستثمار الأموال العربية والأجنبية، هي علة وجودها في مصر، وهي التي حركتها من مواقعها في بلدانها، فلا يجوز نقضها أو تقييدها بعد أن تعلق الاستثمار بها.
ومردود خامساً: بأن القول بأن المزايا التفضيلية التي ربطها المشرع باستثمار رؤوس الأموال العربية والأجنبية، ينبغي مقابلتها ببعض الأعباء التي توازنها، مؤداه أن المزايا التي قدر المشرع ضرورتها لتدفق هذه الأموال لمصر، جاوزت حدودها المنطقية، وهو ما لا دليل عليه، بعد أن كفلتها قوانين الاستثمار على تعاقبها دون انتقاص منها، وبما لا يجاوز نطاق السلطة التقديرية للمشرع.
وحيث إن الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان هذا الحق شخصياًً أم عينياً أم كان من الحقوق الفنية أو الأدبية أو الصناعية؛ وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام ولما كان النص المطعون فيه – بالأعباء التي فرضها – قد انتقص من عائد استثمار الأموال العربية والأجنبية عن طريق الأسعار الأعلى التي ألزمها بأدائها عن مسحوباتها من المنتجات البترولية، فإنه يتمحض عدواناً على الملكية بالمخالفة لنص المادتين 32، 34 من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن نص المادة الأولى من القرار المطعون فيه يكون مخالفاً للمواد 32، 34، 40 من الدستور، وتسقط تبعاً لإبطاله الأحكام الأخرى التي تضمنها هذا القرار، والتي ترتبط بنص مادته الأولى ارتباطاً لا يقبل التجزئة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية المادة الأولى من قرار نائب مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم 42 لسنة 1981 وذلك في مجال تطبيقها بالنسبة إلى شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً صناعياً.
ثانياً: بسقوط باقي نصوص ذلك القرار في هذا النطاق، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.