الخط الساخن : 01118881009
جلسة 4 مارس سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (57)
القضية رقم 55 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – حقوق “أوصاف”.
من غير الجائز للمشرع أن يخلع على الحقوق أوصافاً تجاوز الدور المرسوم لها في الدستور، أو إعطائها خصائص تعارض ذاتيتها.
2 – حق الملكية “نطاق الحماية المقررة لها”.
الحماية التي يضفيها على حق الملكية لا تنحصر فيها كحق عيني أصلي ولكنها تمتد إلى الأموال جميعها.
3 – تشريع “قانون التعاون الإسكاني الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 1981 – الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان: طبيعتها – أموالها”.
هذه الجمعيات تعتبر من أشخاص القانون الخاص حتى ولو كان المشرع قد منحها جانباً من امتيازات السلطة العامة – تكوينها الخاص ينافيه إضفاء كافة ضمانات الأموال العامة على ممتلكاتها دون تمييز – ما تضمنه نص المادة (4) من هذا القانون من حظر الحجز على أموالها جاوز نطاق الحماية المكفولة لها دستورياً.
4 – حق التقاضي “ترضية قضائية: تنفيذها”.
اندماج الترضية القضائية في الحق في التقاضي باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه – الترضية القضائية التي لا تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها تفقد قيمتها عملاً.
5 – ضمان عام – حق التقاضي.
أموال المدين جميعها يشملها الضمان العام لدائنيه – النص التشريعي الذي يرد الدائنين عنها دون مسوغ يخل بحق التقاضي.
1 – الحقوق جميعها – وكذلك النظم القانونية التي تضمنها – إنما تستمد أوصافها من مكوناتها التي خصها بها الدستور؛ أو تلك التي تفرضها طبيعتها؛ فلا يجوز أن يخلع عليها المشرع أوصافاً، تجاوز الدور الذي رسمه الدستور لها؛ أو يسبغ عليها خصائص تنأى بها عن طبيعتها؛ أو تتعارض وخصائصها الذاتية.
2 – ينص الدستور في المادة 29 على أن “تخضع الملكية لرقابة الشعب؛ وتحميها الدولة، وهى ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة” وفى المادة 30 على أن “الملكية العامة هي ملكية الشعب…” كما قضى في المادة 31 منه على أن “الملكية التعاونية هي ملكية الجمعيات التعاونية…..” وفي المادة 34 على أن “الملكية الخاصة مصونة….” دالاً بذلك، على احتفائه بحق الملكية، بالنظر إلى دقة المصالح التي يمثلها، وانعكاسها على القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن بها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ومن ثم فقد أخضعها لرقابة الشعب، وعهد إلى الدولة بحمايتها – أياً كان صاحبها – وأعقب الدستور ذلك، بأن نظم صور الحماية، ومداها، بحسب دور كل نوع منها، ففي حين نصت المادة 33 على أن “للملكية العامة حرمة، وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقاً للقانون….” اكتفت المادة 31 بالنص في عجزها على أن يكفل القانون رعاية الملكية التعاونية ويضمن لها الإدارة الذاتية. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحماية التي يضفيها الدستور على حق الملكية لا تنحصر فيها كحق عيني أصلي، ولكنها تمتد إلى الأموال جميعها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء كان هذا الحق شخصياً أو عينياً.
3 – قانون التعاون الإسكاني قد التزم هذا الإطار الدستوري، حين قضى بأن أموال الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان مملوكة لها ملكية تعاونية، وبين إجراءات تأسيسها وشهرهاً، والتي بتمامها تكتسب الجمعية شخصيتها الاعتبارية بحسبانها “منظمة جماهيرية ديمقراطية” يستقل أعضاؤها بإدارتها وفقاً لنظامها الداخلي فلا تتداخل فيها جهة الإدارة، وحدد مهمتها بتوفير المساكن لأعضائها وتعهدها بالصيانة في إطار بنية متكاملة الخدمات. بيد أن كل أولئك، لا يسبغ على الجمعية وصف الشخصية الاعتبارية العامة في مفهوم المادة 87 من القانون المدني، بل يسلكها في دائرة أشخاص القانون الخاص سواء بالنظر إلى أغراضها أو على ضوء طبيعتها وكيفية تكوينها ونظم إدارتها؛ فلا تباشر نشاطها أصلاً إلا وفقاً للقواعد المقررة فيه، حتى ولو كان المشرع قد منحها جانباً من خصائص وامتيازات السلطة العامة – كتلك التي تخولها اللجوء إلى الطريق الإداري لرد العدوان على أموالها – فإن هذه الوسائل المقررة أصلاً للأشخاص العامة والتي يجوز أن تمارس الجمعية التعاونية بعض جوانبها، لا تحيلها إلى جهة إدارية في جوهر مقوماتها، ولا تلحقها بها أو تجعلها من فروعها؛ بل تظل الجمعية التعاونية – حتى وإن أضفى عليها المشرع بعض مكنات السلطة العامة – محتفظة بتكوينها الخاص الذي ينافيه إضفاء كافة ضمانات الأموال العامة على ممتلكاتها دون تمييز. فإن جاوز نطاق الحماية التي يسبغها قانونها النطاق الضروري لإحكام الرقابة عليها وزجر المتلاعبين بها، كان ذلك منافياً لخصائص الجمعيات التعاونية ومقوماتها التي تلحقها بأشخاص القانون الخاص وتخضعها لموازينه وقواعده؛ ومن ثم يكون النص الطعين، فيما تضمنها من حظر الحجز على أموال الجمعيات العامة في مجال التعاون الإسكاني، قد ألبس هذه الأموال غير ثوبها؛ وباعد بينها وبين خصائصها؛ بأن عاملها وكأنها من قبيل الأموال العامة؛ حال كونها مملوكة لها ملكية تعاونية، مجاوزاً بذلك نطاق الحماية المكفولة لها دستورياً.
4، 5 – لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يدعونها. وتندمج هذه الترضية – وبافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – في الحق في التقاضي باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولأنها ترتبط بصلة وثقى بالأغراض النهائية التي تستهدفها الخصومة القضائية. ذلك أن هذه الخصومة غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون. وبها تتحقق للخصومة القضائية جوانبها العملية، فلا تعمل في فراغ.
إن إنكار الحق في الترضية القضائية – سواء بمنعها ابتداء؛ أو من خلال إرهاقها بقيود تُعَسَّر الحصول عليها؛ أو على طريق تباطؤ ملحوظ في تقديمها – مؤداه من يطلبونها لا يقتضونها في وقتها الملائم، أو يُردُون أصلاً عنها؛ أو يحصلون على قدر منها بعد انتقاصها من أطرافها؛ مما يعتبر إهداراً للحماية التي كفلها الدستور أو المشرع للحقوق على اختلافها، وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها وتوجهاتها.
إن الترضية القضائية التي تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها، تفقد قيمتها عملاً. وكلما تعذر قهر المدين على أداء الحقوق التي ماطل في إيفائها لأصحابها؛ وكان سند اقتضائها مستوفياً قوة نفاذه؛ فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكو سراباً. ويغدو عبثاً كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التي حدد الدستور والمشرع تخومها؛ وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها إعناتا على ردها؛ تقديراً بأن الحماية القضائية للحق أو للحرية، لزمها أن يكون الطريق إليها عبوراً إلى محصلتها النهائية، وانتقالاً من مرحلة التداعي بشأن الحق أو الحرية المتنازع عليها، إلى إشكال ضمانها، ومنها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها؛ فلا يكون النزول عليها – ولو باستعمال القوة عند الضرورة – إلا أمراً كامناً في خصائص الحق أو الحرية التي قام الدليل على الإخلال بها، وكان العدوان عليها موضوع الخصومة القضائية، وصونها غايتها.
ومن المقرر كذلك أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه، وأن الدائنين جميعهم متكافئون في هذا الضمان – عدا من كان منهم مخولاً حق التقدم على غيره طبقاً للقانون – وكان الأصل جواز التنفيذ على أموال المدين بأكملها؛ وأن يتخذ الدائن بشأنها ما يراه من الطرق التحفظية والتنفيذية؛ وكانت دستورية النصوص القانونية، مناطها ارتباطها عقلاً بالأغراض التي تتوخاها والتي تبلور إطار لمصلحة مشروعة تحيط بها. فإذا كان اتصال هذه النصوص بالأغراض التي تبتغيها – وبافتراض مشروعيتها – مفتقداً أو واهياً، كان إبطال هذه النصوص لازماً؛ ولما كانت الأموال التي يملكها المدين – سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً – يشملها الضمان العام لدائنيه، فإن ردهم عنها بنص تشريعي – دون مسوغ – مؤداه أن يكون هذا النص باطلاً من زاوية دستورية باعتباره عدواناً بئيساً على حق التقاضي؛ وتدخلاً غير مباشر في شئون العدالة بما يناقض متطلباتها؛ وإفراداً للجمعية التعاونية للبناء والإسكان – دون مبرر – بمعاملة تفضيلية تختص بها دون غيرها من أشخاص القانون الخاص في مجال الرجوع عليها بالديون المترتبة في ذمتها.
الإجراءات
بتاريخ العاشر من مارس سنة 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً للحكم بعدم دستورية نص المادة 4 من قانون التعاون الإسكاني الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 1981 فيما تضمنه من تمتع أموال الجمعيات التعاونية للإسكان بكافة الضمانات المدنية والجنائية المقررة للأموال العامة ومن بينها ضمانة عدم جواز الحجز عليها.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم (أصلياً) بعدم قبول الدعوى و(احتياطياً) برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد استصدر بتاريخ 26/ 7/ 1994 حكماً محكمة استئناف القاهرة في الاستئنافين الرقيمين 2409، 3043 لسنة 111 قضائية، بإلزام الجمعية المدعى عليها بأن تدفع له تعويضاً مقداره سبعة آلاف وستمائة جنيه وتنفيذاً له أوقع المدعي بتاريخ 17/ 12/ 1995 حجزاً تنفيذياً على أموالها لدى بنك القاهرة “فرع الأوقاف”، بيد أنها استصدرت بتاريخ 24/ 12/ 1996 حكماً في الدعوى رقم 148 لسنة 1996 تنفيذ الدقي قضى برفع ذلك الحجز واعتباره كأن لم يكن، فطعن عليه المدعي بالاستئناف رقم 996 لسنة 114 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، مضمناً صحيفته دفعاً بعدم دستورية المادة 4 من قانون التعاون الإسكاني الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 1981؛ وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وكلفت المدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن المدعي ينعى على النص الطعين إهداره حق التقاضي، بإعاقته تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجمعيات التعاونية للإسكان جبراً على أموالها، وإخلاله بمبدأ المساواة بين الدائنين المتماثلة مراكزهم القانونية، فوقع بذلك مخالفاً لأحكام المادتين 40، 68 من الدستور.
وحيث إن المادة (2) من قانون التعاون الإسكاني الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 1981، تنص على أن:
“أموال الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان العقارية والمنقولة مملوكة لها ملكية تعاونية بصفتها الاعتبارية وغير قابلة للتوزيع”…
وتنص المادة (4) من ذلك القانون – في فقرتها الأولى – على أن:
“تتمتع الملكية التعاونية بكافة الضمانات المدنية والجنائية المقررة للملكية العامة ولا يجوز تملك أموال الجمعيات التعاونية أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم ويجوز بعد موافقة الجهة الإدارية المختصة دفع التعدي الذي يقع على أموال هذه الجمعيات بالطريق الإداري…..”.
ومفاد هذين النصين مجتمعين، أن أموال الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان، وإذ كانت منخرطة في نطاق الملكية التعاونية، وليست من جنس الأموال العامة؛ إلا أن المشرع – وعلى ما دلت عليه المذكرة الإيضاحية للقانون – قدر أن تأمين الملكية التعاونية وحمايتها، يقتضيان تمتع أموال تلك الجمعيات بكافة الضمانات المدنية المقررة للأموال العامة، وهى تلك المنصوص عليها في المادة 87 من القانون المدني؛ ومن بينها ضمانة “حظر الحجز عليها”؛ والتي وإن لم يخصها بالذكر نص المادة الرابعة المشار إليها، إلا في عموم عباراته محمولاً على أعماله التحضيرية، ما يعني استغراق حكمه لكل أنواع الضمانات المدنية؛ دون ما حاجة إلى تعدادها. وعلى ذلك، يتحدد نطاق الدعوى الماثلة – في إطار ارتباط مصلحة رافعها بطلباته في النزاع الموضوعي – بما انطوى عليه نص المادة الرابعة من قانون التعاون الإسكاني – المطعون فيه – من حظر الحجز على أموال الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان؛ ولا يتعداه إلى ما خلا ذلك من أحكام هذا النص.
وحيث إن الحقوق جميعها – وكذلك النظم القانونية التي تضمنها – إنما تستمد أوصافها من مكوناتها التي خصها بها الدستور؛ أو تلك التي تفرضها طبيعتها؛ فلا يجوز أن يخلع عليها المشرع أوصافاً، تجاوز الدور الذي رسمه الدستور لها؛ أو يسبغ عليها خصائص تنأى عن طبيعتها؛ أو تتعارض وخصائصها الذاتية.
وحيث إن الدستور ينص في المادة 29 على أن “تخضع الملكية لرقابة الشعب؛ وتحميها الدولة، وهى ثلاثة أنواع: الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة” وفى المادة 30 على أن “الملكية العامة هي ملكية الشعب….” كما قضى في المادة 31 منه على أن “الملكية التعاونية هي ملكية الجمعيات التعاونية…..” وفي المادة 34 على أن “الملكية الخاصة مصونة……” دالا بذلك، على احتفائه بحق الملكية، بالنظر إلى دقة المصالح التي يمثلها، وانعكاسها على القيم الاقتصادية والاجتماعية التي تؤمن بها الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ومن ثم فقد أخضعها لرقابة الشعب، وعهد إلى الدولة بحمايتها – أياً كان صاحبها – وأعقب الدستور ذلك، بأن نظم صور الحماية، ومداها، بحسب دور كل نوع منها، ففي حين نصت المادة 33 على أن “للملكية العامة حرمة، وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقاً للقانون….” اكتفت المادة 31 بالنص في عجزها على أن يكفل القانون رعاية الملكية التعاونية ويضمن لها الإدارة الذاتية. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحماية التي يضفيها الدستور على حق الملكية لا تنحصر فيها كحق عيني أصلي، ولكنها تمتد إلى الأموال جميعها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية، سواء كان هذا الحق شخصياً أو عينياً.
وحيث إن قانون التعاون الإسكاني قد التزم هذا الإطار الدستوري، حين قضى بأن أموال الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان مملوكة لها ملكية تعاونية، وبين إجراءات تأسيسها وشهرهاً، والتي بتمامها تكتسب الجمعية شخصيتها الاعتبارية بحسبانها “منظمة جماهيرية ديمقراطية” يستقل أعضاؤها بإدارتها وفقاً لنظامها الداخلي فلا تتداخل فيها جهة الإدارة، وحدد مهمتها بتوفير المساكن لأعضائها وتعهدها بالصيانة في إطار بنية متكاملة الخدمات. بيد أن كل أولئك، لا يسبغ على الجمعية وصف الشخصية الاعتبارية العامة في مفهوم المادة 87 من القانون المدني، بل يسلكها في دائرة أشخاص القانون الخاص سواء بالنظر إلى أغراضها أو على ضوء طبيعتها وكيفية تكوينها ونظم إداراتها؛ فلا تباشر نشاطها أصلاً إلا وفقاً للقواعد المقررة فيه، حتى ولو كان المشرع قد منحها جانباً من خصائص وامتيازات السلطة العامة – كتلك التي تخولها اللجوء إلى الطريق الإداري لرد العدوان على أموالها – فإن هذه الوسائل المقررة أصلاً للأشخاص العامة والتي يجوز أن تمارس الجمعية التعاونية بعض جوانبها، لا تحيلها إلى جهة إدارية في جوهر مقوماتها، ولا تلحقها بها أو تجعلها من فروعها؛ بل تظل الجمعية التعاونية – حتى وإن أضفى عليها المشرع بعض مكنات السلطة العامة – محتفظة بتكوينها الخاص الذي ينافيه إضفاء كافة ضمانات الأموال العامة على ممتلكاتها دون تمييز. فإن جاوز نطاق الحماية التي يسبغها قانونها النطاق الضروري لإحكام الرقابة عليها وزجر المتلاعبين بها، كان ذلك منافياً لخصائص الجمعيات التعاونية ومقاماتها التي تلحقها بأشخاص القانون الخاص وتخضعها لموازينه وقواعده؛ ومن ثم يكون النص الطعين، فيما تضمنها من حظر الحجز على أموال الجمعيات العاملة في مجال التعاون الإسكاني، قد ألبس هذه الأموال غير ثوبها؛ وباعد بينها وبين خصائصها؛ بأن عاملها وكأنها من قبيل الأموال العامة؛ حال كونها مملوكة لها ملكية تعاونية، مجاوزاً بذلك نطاق الحماية المكفولة لها دستورياً.
وحيث إن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يدعونها. وتندمج هذه الترضية – وبافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون – في الحق في التقاضي باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولأنها ترتبط بصلة وثقى بالأغراض النهائية التي تستهدفها الخصومة القضائية. ذلك أن هذه الخصومة غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون. وبها تتحقق للخصومة القضائية جوانبها العملية، فلا تعمل في فراغ.
وحيث إن إنكار الحق في الترضية القضائية – سواء بمنعها ابتداء؛ أو من خلال إرهاقها بقيود تُعَسَّر الحصول عليها؛ أو على طريق تباطؤ ملحوظ في تقديمها – مؤداه أن من يطلبونها لا يقتضونها في وقتها الملائم، أو يُردُون أصلاً عنها؛ أو يحصلون على قدر منها بعد انتقاصها من أطرافها؛ مما يعتبر إهداراً للحماية التي كفلها الدستور أو المشرع للحقوق على اختلافها، وإنكار لحقائق العدل في جوهر ملامحها وتوجهاتها.
وحيث إن الترضية القضائية التي لا تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها، تفقد قيمتها عملاً. وكلما تعذر قهر المدين على أداء الحقوق التي ماطل في إيفائها لأصحابها؛ وكان سند اقتضائها مستوفياً قوة نفاذه؛ فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكو سراباً. ويغدو عبثاً كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التي حدد الدستور والمشرع تخومها؛ وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها إعناتاً على ردها؛ تقديراً بأن الحماية القضائية للحق أو للحرية، لزمها أن يكون الطريق إليها عبوراً إلى محصلتها النهائية، وانتقالاً من مرحلة التداعي بشأن الحق أو الحرية المتنازع عليها، إلى إشكال ضمانها، ومنها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها؛ فلا يكون النزول عليها – ولو باستعمال القوة عند الضرورة – إلا أمراً كامناً في خصائص الحق أو الحرية التي قام الدليل على الإخلال بها، وكان العدوان عليها موضوع الخصومة القضائية، وصونها غايتها.
وحيث إن من المقرر كذلك أن أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه، وأن الدائنين جميعهم متكافئون في هذا الضمان – عدا من كان منهم مخولاً حق التقدم على غيره طبقاً للقانون – وكان الأصل جواز التنفيذ على أموال المدين بأكملها؛ وأن يتخذ الدائن بشأنها ما يراه من الطرق التحفظية والتنفيذية؛ وكانت دستورية النصوص القانونية، مناطها ارتباطها عقلاً بالأغراض التي تتوخاها والتي تبلور إطار لمصلحة مشروعة تحيط بها. فإذا كان اتصال هذه النصوص بالأغراض التي تبتغيها – وبافتراض مشروعيتها – مفتقداً أو واهياً، كان إبطال هذه النصوص لازماً؛ ولما كانت الأموال التي يملكها المدين – سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً – يشملها الضمان العام لدائنيه، فإن ردهم عنها بنص تشريعي – دون مسوغ – مؤداه أن يكون هذا النص باطلاً من زاوية دستورية باعتباره عدواناً بئيساً على حق التقاضي؛ وتدخلاً غير مباشر في شئون العدالة بما يناقض متطلباتها؛ وإفراداً للجمعية التعاونية للبناء والإسكان – دون مبرر – بمعاملة تفضيلية تختص بها دون غيرها من أشخاص القانون الخاص في مجال الرجوع عليها بالديون المترتبة في ذمتها؛ ومن ثم إخلالاً بأحكام المواد 34 و40 و65 و68 و165 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 4 من قانون التعاون الإسكاني الصادر بالقانون رقم 14 لسنة 1981 فيما انطوى عليه من حظر الحجز على أموال الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية