الخط الساخن : 01118881009
جلسة 4 مارس سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (58)
القضية رقم 172 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – دعوى دستورية “المصلحة الشخصية المباشرة: نطاقها”.
المصلحة الشخصية المباشرة كشرط لقبول الدعوى الدستورية تحدد للخصومة الدستورية نطاقها – لا يندرج تحتها سوى النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي.
2 – حق “تنفيذ جبري”.
التنفيذ قسراً لاقتضاء صاحب الحق حقه من المدين به لا يتم بغير سند تنفيذي، وطبقاً لقواعد قانون المرافعات.
3 – حقوق “حجز إداري”.
طبقاً لقانون الحجز الإداري تتخذ جهة الإدارة بذاتها، ومن أجل الحصول على مستحقاتها، قرار باقتضائها يكون معادلاً لسند التنفيذ بها جبراً.
4 – حقوق “حجز إداري: استثناء”.
الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها – من غير الجائز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها.
5 – مبدأ الخضوع للقانون “أشخاص القانون الخاص”.
افتراض هذا المبدأ تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها المصرفي بقواعد هذا القانون ووسائله دون غيرها – الخروج عليها لا يكون إلا لضرورة وبقدرها.
6 – تشريع “الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 117 لسنة 1976 في شأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي: حجز إداري”.
ما قرره هذا النص من حق البنوك التابعة لهذا البنك في تحصيل مستحقاتها بطريق الحجز الإداري يخل بمبدأ خضوع الدولة للقانون.
1 – المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – تحدد للخصومة الدستورية نطاقها، فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي دون ما سواها.
2 – الأصل في الحقوق التي يقتضيها أصحابها جبراً من المدينين بها هو أن يكون حملهم على إيفائها من خلال وسائل التنفيذ التي رسمها قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقوامها أن التنفيذ قسراً لاقتضائها يلحق بالمدين بها آثاراً خطيرة لا يجوز أن يتحملها، إلا إذا كان بيد دائنة – وقبل البدء في التنفيذ – سند به، وهو ما يعني أن الحق في التنفيذ لا يوجد بغير سند تنفيذي.
3 – إن قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 – وعلى ما تنص عليه المادة 75 منه – يعتبر استثناء من القواعد التي تضمنها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، ذلك أن القواعد التي رسمها قانون الحجز الإداري لإجراءاته تعتبر أصلاً يحكمها فلا ينظمها قانون المرافعات المدنية والتجارية إلا في المسائل التي لم يرد النص عليها في قانون الحجز الإداري، وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون. وقد تمثل الخروج على القواعد التي حددها قانون المرافعات المدنية والتجارية للتنفيذ الجبري، فيما تنص عليه المادة الثانية من قانون الحجز الإداري، من أن إجراءات هذا الحجز يجوز اتخاذها بناء على أمر مكتوب صادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء في ذلك كتابة، بما مؤداه أن تتخذ جهة الإدارة بنفسها – ومن أجل الحصول على مستحقاتها – قرار باقتضائها يكون معادلاً لسند التنفيذ بها جبراً، ومتضمناً تحديداً من جانبها للحقوق التي تدعيها سواء تعلق الأمر بمصدرها أو بمقدارها، وهو ما يعني أن يكون تقديرها – وقد أفرغ في شكل قرار صادر منها – سنداً تنفيذياً.
4، 5، 6 – القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها وهي بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير المرافق العامة وانتظامها؛ فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر استثناء منها، وامتيازاً مقرراً لصالحها يجعلها دائماً في مركز المدعى عليه؛ ذلك أن قرار جهة الإدارة بإسناد ديون تدعيها إلى آخرين، يفيد أن قولها بوجودها وتحديدها لمقدارها، يعتبر سنداً تنفيذياً بها، يغنيها عن اللجوء إلى القضاء لإثباتها، فلا يبقى مركزها مساوياً لمركز مدينيها، بل يكون قرارها بالديون التي تطلبها منهم، سابقاً على التدليل عليها من جهتها، وناقلاً إليهم مهمة نفيها. وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إلباسها ثوباً مجافياً لحقيقتها، وعلى الأخص بالنظر إلى أن الديون التي تدعيها تُعامل بافتراض ثبوتها في حق من تراهم ملتزمين بها أو مسئولين عنها. وهو افتراض إذا جاز في شأن ديون تطلبها جهة الإدارة لنفسها، وتقتضيها بوسائل استثنائية في طبيعتها، تجاوز بها ما يكون مألوفاً من صور التعامل في العلائق الناشئة عن روابط القانون الخاص، إلا أن بسطها وتقرير سريانها في شأن ينشأ عن العمليات المصرفية التي تباشرها بنوك التنمية الزراعية الفرعية بالمحافظات التابعة للبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي من ديون تدعيها قبل عملائها – والأصل فيها التحوط لأدلتها وتوثيقها، وتكافؤ أطرافها في مجال إثباتها ونفيها – مؤداه إلحاق نشاطها بالأعمال التي ينهض عليها النشاط الإداري في المرافق العامة؛ باعتبارها من جنسها، وإخضاع تحصيل الديون التي تطلبها من عملائها – ودون مقتض – لقواعد تنافي بصرامتها مرونة عملياتها وتجاريتها، واطمئنان عملائها إليها فيما يحصلون عليه من ائتمان منها.
كما أن مبدأ الخضوع للقانون، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها المصرفي، بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة، وبقدرها؛ فإذا انتفت تلك الضرورة وتجاوز النص الطعين القدر اللازم لمواجهتها فإنه يكون قد وقع في حمأة المخالفة الدستورية.
الإجراءات
بتاريخ التاسع من سبتمبر سنة 1998، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 117 لسنة 1976 في شأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم (أصلياً) بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 2210 لسنة 1992 – أمام محكمة تنفيذ الإسكندرية – بطلب بطلان الحجز الإداري أوقعه بنك التنمية والائتمان الزراعي بالبحيرة على العقار المملوك له وآخرين والمبين الحدود والمعالم بصحيفة تلك الدعوى، وفاء لدين مستحق للبنك قبله، وإذ قضت تلك المحكمة بوقف إجراءات بيع العقار المحجوز عليه مؤقتاً إلى أن يقضى نهائياً في المنازعة في أصل الدين المنفذ به، فقد طعن المدعى عليهما الثالث والرابع على ذلك الحكم بالاستئناف رقم 122 لسنة 1998 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف والاستمرار في إجراءات بيع العقار المحجوز عليه، فطعن المدعي على الحكم الأخير بالتماس إعادة النظر، وأثناء نظره دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 117 لسنة 1976 المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 117 لسنة 1976 في شأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي تنص على أن “يكون لمستحقات البنك الرئيسي والبنوك التابعة له لدى الغير امتياز عام على جميع أموال المدين من منقول وعقار وتستوفي مباشرة بعد المصروفات القضائية، ولها حق تحصيلها بطريق الحجز الإداري عن طريق مندوبيها”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية تحدد للخصومة الدستورية نطاقها، فلا تندرج تحتها إلا النصوص التشريعية التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي دون ما سواها. إذ كان ذلك، وكان الطلب المطروح في المنازعة الموضوعية هو بطلان الحجز الإداري الذي أوقعه المدعى عليه الأخير على عقار المدعي، وصفه مديناً له بالمبلغ المنفذ به، فإن مصلحة المدعي الشخصية تقتصر على ما يُحتكم إليه من النص الطعين للفصل في هذا الطلب؛ ومن ثم فإن نطاق الخصومة الدستورية الراهنة يتحدد بما خوله نص الفقرة الأولى من المادة 19 المطعون عليها، بنوك التنمية والائتمان الزراعي التابعة – ومنها البنك الحاجز – من حق تحصيل مستحقاتها لدى الغير بطريق الحجز الإداري عن طريق مندوبيها، دون ما عدا ذلك من أحكامه الأخرى.
وحيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه – محدداً إطاراً على النحو المتقدم – مخالفته مبدأ مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات الذي قرره الدستور بنص المادة (40) تأسيساً على أنه آثر بنوك التنمية والائتمان الزراعي – دون مثيلاتها من البنوك القائمة بذات نشاطها المصرفي والتجاري – بميزة تحصيل مستحقاتها بطريق الحجز الإداري، وإخلاله كذلك بمبدأ سيادة القانون وبمبدأ خضوع الدولة للقانون تأسيساً على أن الحجز الإداري يعتبر ميزة استثنائية يقتصر الحق في استعمالها على جهة الإدارة ولا يجوز مدها إلى غيرها، وإهداره كذلك أحكام المادة 68 من الدستور، على سند من أن مؤدى حق التقاضي الذي قررته هذه المادة أن يكون اقتضاء الحقوق من خلال المحاكم التي تُعمل نظرتها المحايدة فصلاً فيما يثور من نزاع في شأنها، وذلك خلافاًَ للحجز الإداري الذي يقيم الدائن خصماً وحكماً في آن واحد.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 117 لسنة 1976 المشار إليه تنص على أن تحول المؤسسة المصرية العامة للائتمان الزراعي والتعاوني إلى هيئة عامة قابضة يكون لها شخصية اعتبارية مستقلة تسمى البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، وتتبعه بنوك التسليف الزراعي والتعاوني المنشأة طبقاً لأحكام القانون رقم 105 لسنة 1964 بالمحافظات، وتسمى بنوك التنمية الزراعية، وتتولى تحقيق أغراض البنك الرئيسي في النطاق الذي يحدده لها: كما نصت المادة (3) على أن يتولى البنك الرئيسي التخطيط المركزي للائتمان الزراعي والتمويل التعاوني على مستوى الجمهورية ومتابعة برامجه ورقابة تنفيذه في إطار السياسة العامة للدولة، والعمل على تمويل هذا الائتمان وتوفير كافة مستلزمات الإنتاج سواء بالاستيراد أو من الإنتاج المحلي، ووضع سياس توزيعها بالنقد أو الأجل، كما يتولى وضع سياسة دعم المنشآت التي تعمل لمنفعة الزراعة والتعاون وتقديم التمويل والخدمات المصرفية للوحدات ومشروعات الجمعيات التعاونية على اختلاف أغراضها، والقيام بجميع الأعمال المصرفية لخدمة أغراض الاستيراد والتصدير في مجالات نشاط البنك، وقضت المادة (4) بأن تقوم بنوك التنمية والائتمان الزراعي بالمحافظات بإقراض الجمعيات التعاونية الزراعية لمباشرة جميع الأغراض الإنتاجية التي تقوم عليها، كذلك إقراض المنشآت التي تعمل في التنمية الزراعية وتأسيسها والمشاركة فيها، وإقراض الزراع بما فيهم أعضاء هذه الجمعيات، والقيام بالعمليات المصرفية التي تخدم أغراض الجمعيات التعاونية وأعضائها؛ وقبول الودائع والمدخرات من المتعاملين ومن الجمعيات التعاونية وأعضائها؛ واعتبرت المادة (5) أموال البنك الرئيسي أموالاً مملوكة للدولة ملكية خاصة، وألزمت المادة (6) البنك الرئيسي والبنوك التابعة له بتطبيق نظم وأساليب الإدارة المعمول بها في المنشآت المصرفية والتجارية دون التقيد بالنظم والقواعد الإدارية والمالية المعمول بها في الحكومة والقضاء العام، ويتم إعداد موازنة خاصة لكل بنك منها – وفقد للمادة 17 – باتباع القواعد الخاصة بموازنة الجهاز المصرفي. ونصت المادة (30) من القانون رقم 117 لسنة 1975 بشأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص فيه، كما قضت المادة (25) بأن تسري على البنوك التابعة المشار إليها أحكام القانون رقم 105 لسنة 1964 بإنشاء المؤسسة المصرية العامة للائتمان الزراعي والتعاوني والبنوك التابعة لها في المحافظات والذي تقضي المادة (5) منه بأن تتخذ هذه البنوك التابعة شكل الشركات المساهمة.
وحيث إن مؤدى النصوص التشريعية المتقدمة أن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي وإن كان من أشخاص القانون العام باعتباره هيئة عامة قابضة، إلا أن البنوك التابعة له تعمل بوصفها شركات مساهمة، ولها استقلالها وذاتيتها من الناحيتين المالية والإدارية في الحدود المبينة في القانون، كما أن أعمالها تعتبر من قبيل الأعمال المصرفية وتتم إدارتها وتصريفها وفق نظم وأساليب الإدارة المعمول بها في المنشآت المصرفية والتجارية، وتسعى من خلالها إلى تحقيق الربح وتباشرها طبقاً لأحكام القانون الخاص بالوسائل التي ينتهجها. ومن ثم ينحسر عن نشاطها الطابع الإداري.
وحيث إن الأصل في الحقوق التي يقتضيها أصحابها جبراً من المدينين بها هو أن يكون حملهم على إيفائها من خلال وسائر التنفيذ التي رسمها قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقوامها أن التنفيذ قسراً لاقتضائها يلحق بالمدين بها آثاراً خطيرة لا يجوز أن يتحملها، إلا إذا كان بيد دائنة – وقبل البدء في التنفيذ – سند به، وهو ما يعني أن الحق في التنفيذ لا يوجد بغير سند تنفيذي.
وحيث إن قانون الحجز الإداري رقم 308 لسنة 1955 – وعلى ما تنص عليه المادة 75 منه – يعتبر استثناء من القواعد التي تضمنها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، ذلك أن القواعد التي رسمها قانون الحجز الإداري لإجراءاته تعتبر أصلاً يحكمها فلا ينظمها قانون المرافعات المدنية والتجارية إلا في المسائل التي لم يرد النص عليها في قانون الحجز الإداري، وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون. وقد تمثل الخروج على القواعد التي حددها قانون المرافعات المدنية والتجارية للتنفيذ الجبري، فيما تنص عليه المادة الثانية من قانون الحجز الإداري، من أن إجراءات هذا الحجز يجوز اتخاذها بناء على أمر مكتوب صادر من الوزير أو رئيس المصلحة أو المحافظ أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من هؤلاء في ذلك كتابة، بما مؤداه أن تتخذ جهة الإدارة بنفسها – ومن أجل الحصول على مستحقاتها – قراراً باقتضائها يكون معادلاً لسند التنفيذ بها جبراً، ومتضمناً تحديداً من جانبها للحقوق التي تدعيها سواء تعلق الأمر بمصدرها أو بمقدارها، وهو ما يعني أن يكون تقديرها – وقد أفرغ في شكل قرار صادر منها – سنداً تنفيذياً.
وحيث إن القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها وهي بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير المرافق العامة وانتظامها؛ فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر استثناء منها، وامتيازاً مقرراً لصالحها يجعلها دائماً في مركز المدعى عليه؛ ذلك أن قرار جهة الإدارة بإسناد ديون تدعيها إلى آخرين، يفيد أن قولها بوجودها وتحديدها لمقدارها، يعتبر سنداً تنفيذياً بها، يغنيها عن اللجوء إلى القضاء لإثباتها، فلا يبقى مركزها مساوياً لمركز مدينيها، بل يكون قرارها بالديون التي تطلبها منهم، سابقاً على التدليل عليها من جهتها، وناقلاً إليهم مهمة نفيها. وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إلباسها ثوباً مجافياً لحقيقتها، وعلى الأخص بالنظر إلى أن الديون التي تدعيها تُعامل بافتراض ثبوتها في حق من تراهم ملتزمين بها أو مسئولين عنها. وهو افتراض إذا جاز في شأن ديون تطلبها جهة الإدارة لنفسها، وتقتضيها بوسائل استثنائية في طبيعتها، تجاوز بها ما يكون مألوفاً من صور التعامل في العلائق الناشئة عن روابط القانون الخاص، إلا أن بسطها وتقرير سريانها في شأن ينشأ عن العمليات المصرفية التي تباشرها بنوك التنمية الزراعية الفرعية بالمحافظات التابعة للبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي من ديون تدعيها قبل عملائها – والأصل فيها التحوط لأدلتها وتوثيقها، وتكافؤ أطرافها في مجال إثباتها ونفيها – مؤداه إلحاق نشاطها بالأعمال التي ينهض عليها النشاط الإداري في المرافق العامة؛ باعتبارها من جنسها، وإخضاع تحصيل الديون التي تطلبها من عملائها – ودون مقتضى – لقواعد تنافي بصرامتها مرونة عملياتها وتجاريتها، واطمئنان عملائها إليها فيما يحصلون عليه من ائتمان منها.
وحيث إنه كان ذلك، فإن النص المطعون فيه يكون مخالفاً لنص المادة 65 من الدستور، ذلك أن مبدأ الخضوع للقانون، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها المصرفي، بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة، وبقدرها؛ فإذا انتفت تلك الضرورة وتجاوز النص الطعين القدر اللازم لمواجهتها فإنه يكون قد وقع في حمأة المخالفة الدستورية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 117 لسنة 1976 في شأن البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي فيما تضمنه من حق البنوك التابعة في تحصيل مستحقاتها لدى الغير بطريق الحجز الإداري عن طريق مندوبيها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية