الخط الساخن : 01118881009
جلسة 4 مارس سنة 2000
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح، وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق حسن – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن – أمين السر.
قاعدة رقم (60)
القضية رقم 144 لسنة 20 قضائية “دستورية”
1 – حرية التعاقد “حرية شخصية – حق الملكية الخاصة”.
حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، فهي من خصائصها الجوهرية – وهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية – القيود التشريعية عليها لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها.
2 – تشريع “الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر: عدوان على الإرادة”.
النص المذكور فيما انطوى عليه من عدم اشتراط موافقة المالك عند تغيير المستأجر استعمال العين إلى غير غرض السكنى إنما يتضمن عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها.
3 – حق الملكية الخاصة “صونها”.
عدم جواز تجريد الملكية الخاصة من لوازمها أو الانتقاص من أصلها أو تغيير طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية – عدم جواز فرض قيود عليها من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها – الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها فلا يجوز عزله عنها من خلال سلطة مباشرة يباشرها آخرون بناء على نص قانوني عليها.
4 – دستور “تضامن اجتماعي”.
ما نص عليه الدستور من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي يعني وحدة الجماعة في بنيانها وإمكان التوفيق بين مصالحها، وترابط أفرادها فيما بينهم.
5 – تشريع “الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 136 لسنة 1981: ترجيح مصلحة المستأجر”.
النص المشار إليه حلقة في اتجاه عام تبناه المشرع في إطار من مفاهيم تمثل ظلماً لمؤجرين ما برج المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم.
1 – حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التي يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يحمل على ما لا يرضاه.
إن حرية التعاقد – بهذه المثابة – فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود – المبنية على الإرادة الحرة – فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية – التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها – لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محدداً بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار – والتي انصرف إليها إرادة المالك عند التأجير – وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
2 – النص المطعون فيه خول المستأجر تغيير استعمال عين كان قد استأجرها سكناً إلى غير غرض السكنى، وكان هذا النص – وباعتباره واقعاً في طار القيود الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية – قد استهدف إسقاط شرط موافقة المالك على قيام المستأجر بهذا التغيير، وكان حق المستأجر لا زال حقاً شخصياً مقصوراً على استعمال عين بذاتها فيما لا يجاوز الغرض الذي أجرت من أجله، فلا يمتد إلى سلطة تغيير استعمالها بغير موافقة مالكها؛ وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرماها معاً، صريحاً كان هذا الشرط أم ضمنياً؛ فإن هذا النص يكون متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية – في صحيح بنيانها – بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاء يناقض أسسها.
3 – صون الدستور للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو بغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها، وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تفويض أسسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفاً بها منافياً للحق فيها.
إن مكنة استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود إيجار إنما تعني حقهم في اختيار من يستأجرونها من ناحية والغرض من استعمالها من ناحية أخرى، وكانت حريتهم في هذا الاختيار جزءاً لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً عليها، وكان من المقرر أن لحقوق الملكية – بكامل عناصرها – قيماً مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها، فلا يُعزل عنها من خلال سلطة مباشرة يمارسها آخرون عليها بناء على نص في القانون؛ بيد أن النص المطعون فيه أجاز للمستأجر بإرادته المنفردة الحق في تغيير استعمال العين إلى غير غرض السكنى، في إطار علائق إيجارية شخصية بطبيعتها، مهدراً كل إرادة لمؤجرها في مجال القبول بهذا التغيير أو الاعتراض عليه.
4، 5 – مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أو يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها – عدواناً – أكثر علواً – وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها صعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
النص المطعون فيه، ليس إلا حلقة من اتجاه عام تبناه المشرع أمداً طويلاً في إطار من مفاهيم تمثل ظلماً لمؤجرين ما برح المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم، متدثرين في ذلك بعباءة قوانين استثنائية جاوز واضعوها بها حدود الاعتدال فلا يكون مجتمعهم معها إلا متحيفاً حقوقاً ما كان يجوز الإضرار بها، نائباً بالإجارة عن حدود متطلباتها، وعلى الأخص ما تعلق منها بتعاون طرفيها اقتصادياً واجتماعياً، حتى لا يكون صراعهما – بعد الدخول في الإجارة – إطاراً لها.
الإجراءات
بتاريخ الخامس من يوليو سنة 1998، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة 19 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1290 لسنة 1998 إيجارات أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد المدعى عليه الرابع ابتغاء القضاء بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 21/ 5/ 1995 وإخلائه من العين المؤجرة المبينة بالأوراق قولاً بأن المدعى عليه استأجرها بقصد استعمالها سكناً خاصاً غير أنه قام بتغيير استعمالها إلى عيادة طبية دون موافقة المؤجر، وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعي دستورية المادة 19 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له بإقامة دعواه الدستورية فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 19 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه: “في الأحوال التي يتم فيها تغيير استعمال العين إلى غير أغراض السكنى تزاد الأجرة القانونية بنسبة.
1 – …………
2 – ………..
3 – ……….
4 – ……….
وفي حالة التغيير الجزئي للاستعمال يستحق المالك نصف النسب المشار إليها.
ويشترط ألا يترتب على تغيير الاستعمال كلياً أو جزئياً إلحاق ضرر بالمبنى أو بشاغليه.
وتلغى المادة 23 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون”.
ومؤدى هذا النص أن تغيير استعمال العين المؤجرة سكناً إلى غير غرض السكنى غداً رخصة للمستأجر يجوز له أن يستعملها – دون توقف على إرادة مالكها – وذلك بعد إلغائه صراحة المادة 23 المشار إليها والتي كانت تشترط موافقة المالك على هذا التغيير؛ وهو ما أكدته أعماله التحضيرية على ما يبين من مضبطة الجلسة رقم (69) لمجلس الشعب المعقودة بتاريخ 22 يونيه 1981 والتقارير الملحقة بها.
حيث إن المدعي ينعى على النص المطعون فيه أنه إذا منح المستأجر حرية تغيير استعمال العين المؤجرة سكناً إلى غرض آخر دون موافقة المالك، فقد تمحض عدواناً على الملكية التي يحميها الدستور، تقديراً بأن حق مستأجر العين في استعمالها – حتى بعد العمل بالتشريعات الاستثنائية في مجال الإسكان – لا زال حقاً شخصياً؛ وما النص المطعون فيه إلا ميزة إضافية اقتحم المشرع بها حق الملكية إخلالاً بمجالاته الحيوية التي لا يجوز المساس بها، منشئاً بذلك حقوقاً مبتدأه للمستأجر لا يتوازن بها مركزه القانوني مع المؤجر، ولا يقيم علاقتهما ببعض على أساس من التضامن الاجتماعي، مخالفاً بذلك أحكام الشريعة الإسلامية ومهدراً مبدأ حرية التعاقد الذي هو فرع من الحرية الشخصية المكفولة بنص المادة 41 من الدستور.
وحيث إن هذا النص المسألتين الآتيتين:
(الأولى) دستورية زيادة الأجرة بالنسب الثابتة التي حددها النص في الأحوال التي يتم فيها تغيير استعمال العين إلى غير غرض السكنى.
(الثانية) دستورية شروط هذا التغيير بإلزام المالك به دون توقف على موافقته.
وحيث إن هذا المحكمة سبق أن حسمت المسألة الأولى بحكمها الصادر بجلسة 7 فبراير سنة 1998 في الدعوى رقم 137 لسنة 18 قضائية “دستورية”، الذي قضى “بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 27 من القانون رقم 136 لسنة 1981 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك فيما تضمنته من استثناء الأماكن التي حددتها، من الخضوع لزيادة الأجرة المقررة بمقتضى نص المادة 19 من هذا القانون”. أما المسألة الثانية فلم تكن مطروحة على هذه المحكمة في الدعوى سالفة الذكر وذلك لما هو مقرر من أن الخصومة الدستورية لا تتناول غير النصوص المطعون عليها – محددة نطاقاً على نحو ما قدرته المحكمة – ولا شأن لها بما يجاوز هذا النطاق؛ ومن ثم يظل أمر المادة 19 فيما انطوت عليه من عدم اشتراط موافقة المالك على تغيير المستأجر استعمال العين المؤجرة سكناً إلى غير غرض السكنى، مطروحاً على هذه المحكمة للفصل في دستوريته؛ إذ لم يتعرض الحكم سالف الذكر إلى شروط ذلك التغيير.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية التي لا يقتصر ضمانها على تأمينها ضد صور العدوان على البدن، بل تمتد حمايتها إلى أشكال متعددة من إرادة الاختيار وسلطة التقرير التي ينبغي أن يملكها كل شخص، فلا يكون بها كائناً يُحمل على ما لا يرضاه.
وحيث إن حرية التعاقد – بهذه المثابة – فوق كونها من الخصائص الجوهرية للحرية الشخصية، فهي كذلك وثيقة الصلة بالحق في الملكية، وذلك بالنظر إلى الحقوق التي ترتبها العقود – المبنية على الإرادة الحرية – فيما بين أطرافها؛ بيد أن هذه الحرية – التي لا يكفلها انسيابها دون عائق، ولا جرفها لكل قيد عليها، ولا علوها على مصالح ترجحها، وإنما يدنيها من أهدافها قدر من التوازن بين جموحها وتنظيمها – لا تعطلها تلك القيود التي تفرضها السلطة التشريعية عليها بما يحول دون انفلاتها من كوابحها. ويندرج تحتها أن يكون تنظيمها لأنواع من العقود محدداً بقواعد آمرة تحيط ببعض جوانبها، غير أن هذه القيود لا يسعها أن تدهم الدائرة التي تباشر فيها الإرادة سلطانها، ولا أن تخلط بين المنفعة الشخصية التي يجنيها المستأجر من عقد الإيجار – والتي انصرف إليها إرادة المالك عند التأجير – وبين حق الانتفاع كأحد الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية.
وحيث إن النص المطعون فيه خول المستأجر تغيير استعمال عين كان قد استأجرها سكناً إلى غير غرض السكنى، وكان هذا النص – وباعتباره واقعاً في إطار القيود الاستثنائية التي نظم بها المشرع العلائق الإيجارية – قد استهدف إسقاط شرط موافقة المالك على قيام المستأجر بهذا التغيير، وكان حق المستأجر لا زال حقاً شخصياً مقصوراً على استعمال عين بذاتها فيما لا يجاوز الغرض الذي أجرت من أجله، فلا يمتد إلى سلطة تغيير استعمالها بغير موافقة مالكها؛ وبالمخالفة لشرط اتصل بإجارة أبرماها معاً، صريحاً كان هذا الشرط أم ضمنيا؛ فإن هذا النص يكون متضمناً عدواناً على الحدود المنطقية التي تعمل الإرادة الحرة في نطاقها، والتي لا تستقيم الحرية الشخصية – في صحيح بنيانها – بفواتها، فلا تكون الإجارة إلا إملاء يناقض أسسها.
وحيث إن من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن صون الدستور للملكية الخاصة، مؤداه أن المشرع لا يجوز أن يجردها من لوازمها، ولا أن يفصل عنها بعض أجزائها، ولا أن ينتقص من أصلها أو بغير من طبيعتها دون ما ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وكان ضمان وظيفتها هذه يفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر مقوماتها، ولا أن يكون من شأنها حرمان أصحابها من تقرير صور الانتفاع بها، وكان صون الملكية وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدمها أو تفويض أسسها من خلال قيود تنال منها، ينحل عصفاً بها منافياً للحق فيها.
وحيث إن مكنه استغلال الأعيان ممن يملكونها من خلال عقود إيجار إنما عقود إيجار إنما تعني حقهم في اختيار من يستأجرونها من ناحية والغرض من استعمالها من ناحية أخرى، وكانت حريتهم في هذا الاختيار جزءاً لا يتجزأ من حق الاستغلال الذي يباشرونه أصلاً عليها، وكان من المقرر أن لحقوق الملكية – بكامل عناصرها – قيماً مالية يجوز التعامل فيها، وكان الأصل أن يظل مؤجر العين متصلاً بها، فلا يُعزل عنها من خلال سلطة مباشرة يمارسها آخرون عليها بناء على نص في القانون؛ بيد أن النص المطعون فيه أجاز للمستأجر بإرادته المنفردة الحق في تغيير استعمال العين إلى غير غرض السكنى، في إطار علائق إيجارية شخصية بطبيعتها، مهدراً كل إرادة لمؤجرها في مجال القبول بهذا التغيير أو الاعتراض عليه.
وحيث إن مقتضى ما نص عليه الدستور في المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، وترابط أفرادها فيما بينهم فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيراً، ولا يتناحرون طمعاً، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم عن حماية تلك المصالح، لا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أو يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها – عدواناً – أكثر علواً – ، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها صعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن النص المطعون فيه، ليس إلا حلقة من اتجاه عام تبناه المشرع أمداً طويلاً في إطار من مفاهيم تمثل ظلماً لمؤجرين ما برح المستأجرون يرجحون عليهم مصالحهم، متدثرين في ذلك بعباءة قوانين استثنائية جاوز واضعوها بها حدود الاعتدال فلا يكون مجتمعهم معها إلا متحيفاً حقوقاً ما كان يجوز الإضرار بها، نائياً بالإجارة عن حدود متطلباتها، وعلى الأخص ما تعلق منها بتعاون طرفيها اقتصادياً واجتماعياً، حتى لا يكون صراعهما – بعد الدخول في الإجارة – إطاراً لها.
وحيث إن لما تقدم، يكون النص المطعون فيه مخالفاً للمواد 7 و32 و34 و41 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما انطوى عليه من عدم اشتراط موافقة المالك عند تغيير المستأجر استعمال العين إلى غير غرض السكنى، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وسوم : حكم دستورية